الفقه الحنبلي - الوديعة - كتاب النكاح
أما الكتاب فقول الله تعالى (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) وقوله تعالى
(فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته) وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة
أودعها عند أم أيمن وأمر عليا أن يردها على أهلها، وأما الاجماع فأجمع علماء كل عصر على جواز الايداع والاستيداع والعبرة تقتضيها لحاجة الناس إليها فانه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم
ويحتاجون إلى من يحفظها لهم والوديعة فعيلة من ودع الشئ إذا تركه أي هي متروكة عند المودع واشتقاقها من السكون يقال ودع يدع فكأنها ساكنة عند المودع مستقرة وقيل في مشتقة من الحفظ والدعة فكأنها في دعة عند المودع وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الامانة لان فيه قضاء حاجة أخيه المؤمن ومعاونته وهي عقد جائز من الطرفين متى أراد المودع أخذ وديعته لزم المستودع ردها للآية وان ردها المستودع على صاحبها لزمه القبول لان المستودع متبرع بامساكها فلا يلزمه التبرع في المستقبل (مسألة) (وهي أمانة لا ضمان عليه فيها الا أن يتعدى وان تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين) وجملة ذلك أن الوديعة أمانة إذا تلفت من غير تعد ولا تفريط من المودع فليس عليه
ضمان سواء ذهب معها شئ من مال المودع أو لم يذهب هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن أبي بكر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وبه قال شريح والنخعي ومالك وأبو الزناد والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية ان ذهبت الوديعة من بين ماله ضمنها لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله قال القاضي والاول أصح لان الله تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الامانة وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ليس على المودع ضمان " ولان المستودع انما يحفظها لصاحبها متبرعا من غير نفع يرجع إليه فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من الاستيداع وذلك مضر لما بيناه من الحاجة إليها وما روي عن عمر محمول على التفريط من انس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه فان تعدى المودع فيها
أو فرط في حفظها ضمنها بغير خلاف علمناه لانه متلف لمال غيره فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع (فصل) فان شرط المودع على المستودع ضمان الوديعة فقبله قال أنا ضامن لها لم يضمن قال
أحمد في المودع إذا قال أنا ضامن فسرقت فلا شئ عليه وكذلك كل ما أصله الامانة كالمضاربة ومال الشركة والرهن والوكالة وبه قال الثوري واسحاق وابن المنذر وذلك لانه شرط ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو شرط ضمان ما يتلف في يد مالكه (مسألة) (ويلزمه حفظها في حرز مثلها) إذا اودع وديعة ولم يعين المودع له موضعا لها فان المودع يلزمه حفظها في حرز مثلها كما يحفظ ماله وحرز مثلها يذكر في باب القطع في السرقة فان لم يحفظها في حرز مثلها ضمنها لانه فرط فيها فان وضعها
في حرز مثلها ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها لم يضمنها سواء نقلها إلى مثل الاول أو دونه لان صاحبها رد حفظها إلى رأيه واجتهاده واذن له في احرازها بما شاء من احراز مثلها ولهذا لو تركها في الثاني أو لا لم يضمنها فكذلك إذا نقلها إليه ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال لرجل احفظها في موضعها فنقلها عنه من غير خوف ضمنها لانه ليس بمودع انما هو وكيل في حفظها وليس له اخراجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره لها الا ان يخاف عليها فعليه اخراجها لانه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في اخراجها ويعلم ان صاحبها لو حضر في هذه المال اخرجها ولانه مأمور بحفظها على صفة فإذا تعذرت الصفة لزمه حفظها بدونها كالمستودع إذا خاف عليها
(مسألة) (وان عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن) وجملة ذلك ان المودع إذا امر المستودع يحفظها في مكان عينه فحفظها فيه ولم يخش عليها فلا ضمان عليه بغير خلاف لانه ممتثل غير مفرط وان احرزها في دونه ضمن لانه مخالف ولان صاحبها لم يرضه (مسألة) (وان احرزها في مثله أو فوقه لم يضمن) وكذلك ان نقلها إلى مثل ذلك الحرز لغير حاجة هذا قول القاضي وهو مذهب الشافعي لان تقييده بهذا الحرز يقتضي ما هو مثله كمن اكتري ارضا لزرع الحنطة فله زرعها وزرع مثلها في الضرر ولان من رضي حرزا رضي مثله أو فوقه وقيل يضمن ويحتمله كلام الخرقي لان الامر بشئ يقتضي تعينه فلا يعدل عنه الا بدليل وان نقلها إلى احرز منه
فهو كما لو نقلها إلى مثله وان فعله لحاجة لم يضمن لما نذكره
(مسألة) وان نهاه المالك عن اخراجها فاخرجها لغشيان شئ الغالب منه التوى لم يضمن وان تركها فتلفت ضمنها وان أخرجها لغير خوف ضمن) إذا نهاه المالك عن اخراجها من ذلك المكان فالحكم فيه حكم ما لو لم ينهه على ما ذكرنا من الخلاف فيه فان اخرجها لشئ الغالب منه التوى مثل ان خاف عليها نهبا أو هلاكا لم يضمنها لانه غير مفرط في حفظها لان حفظها نقلها وتركها تضييع لها وان نقلها في هذه الحال إلى دون الحرز فان امكنه احرازها في مثله أو اعلى منه ضمنها لتفريطه وان لم يمكنه لم يضمن لان احرازها بذلك احفظ لها وليس في وسعه سواه وان تركها فتلفت ضمن سواء تلفت بالامر المخوف أو بغيره لانه مفرط في حفظها لان حفظها في نقلها وتركها تضييع لها وفيه وجه آخر انه لا يضمن لانه امتثل امر صاحبها اشبه ما لو قال لا يخرجها وان خفت عليها فان اخرجها لغير خوف ضمن سواء اخرجها
إلى مثل الحرز أو دونه أو فوقه لانه خالف نص صاحبها لغير فائدة وهذا ظاهر كلام الشافعي وفيه قول آخر انه لا يضمن كما لو لم يعين له حرزا وقد ذكرناه وهو قول القاضي وقال أبو حنيفة ان نهاه عن نقلها من بيت فنقلها إلى بيت آخر من الدار لم يضمن لان البيتين من دار واحدة حرز واحد وطريق احدهما طريق الآخر فاشبه ما لو نقلها من زواية إلى زواية وان نقلها من دار إلى دار اخرى ضمن ولنا انه خالف امر صاحبها بما لا مصلحة فيه فيضمن كما لو نقلها من دار إلى دار ولا يصح هذا الفرق لان بيوت الدار تختلف فمنها ما هو اقرب إلى الطريق أو إلى الانهدام أو إلى موضع الوقود أو اسهل فتحا أو اضعف حائطا أو أسهل نقبا أو يكون المالك يسكن به أو غيره واشباه هذا مما يؤثر في الحفظ أو في عدمه فلا يجوز تفويت غرض رب الوديعة من تعيينه من غير ضرورة
(مسألة) (فان قال لا تخرجها وان خفت عليها فاخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن) إذا أخرجها في هذه الحال من غير خوف ضمنها لانه مخالف شرط صاحبها لغير حاجة وان أخرجها عند خوفه
عليها أو تركها لم يضمن إذا تلفت مع خوف الهلاك نص فيه وتصريح به فيكون مأذونا في تركها في تلك الحال فلم يضمنها لامتثاله امر صاحبها اشبه ما لو اذن له في اتلافها ولا يضمن إذا أخرجها لانه زاده خيرا وحفظا فلم يضمن كما لو أذن له في إتلافها فلم يفعل حتى تلفت (فصل) إذا أخرج الوديعة المنهي عن اخراجها فتلفت فادعى أنه أخرجها لغشيان نار أو سيل أو أمر ظاهر وانكر صاحبها وجوده فعلى المستودع البينة انه كان في ذلك الموضع ما ادعاه لانه مما لا تتعذر اقامة البينة عليه لظهوره فإذا ثبت ذلك كان القول قوله في التلف مع يمينه ولا يحتاح إلى بينة لانه تتعذر إقامة البينة فلم يطالب بها
كما لو ادعى تلفها بأمر خفي وهذا قول الشافعي والحكم في اخراجها من الخريطة والصندوق حكم اخراجها من البيت على ما ذكرنا من التفصيل (فصل) ولو أمره أن يجعلها في منزله فتركها في ثيابه وخرج بها ضمها لان البيت أحرز لها وإن جاءه بها في السوق فقال احفظها في بيتك فقام بها في الحال فتلفت لم يضمن وإن تركها في دكانه أو ثيابه ولم يحملها إلى بيته مع إمكانه فتلفت ضمنها لان بيته أحرز لها هكذا قال أصحابنا قال شيخنا ويحتمل أنه متى تركها عنده إلى وقت مضيه إلى منزله فيصطحبه معه لم يضمن لان المودع عالم بهذه العادة راض بها ولو لم يرض بها لشرط عليه خلافها وأمره بتعجيل حملها فاما ان يقبلها بهذا الشرط أو يردها
(مسألة) (وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمنها إلا أن ينهاه المالك عن علفها) إذا أودعه بهيمة ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك وبه قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه وبه قال أبو حنيفة لانه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط
ولنا أنه لا يجوز اتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها فان ترك علفها حتى تلفت ضمنها لانه مفرط فيها فان أمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لحرمة صاحبها لانه
أخذها منه على ذلك ولحرمة البهيمة فان الحيوان يجب احياؤه بالعلف والسقي ويحتمل أن لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لان هذا تبرع به فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة والاول أولى ثم ينظر فان قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالانفاق عليها أو يردها عليه أو يأذن وله في الانفاق عليها ليرجع به فان عجز عن صاحبها أو وكيله رفع الامر إلى الحاكم فان وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه وإن لم يجد مالا فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها أو بيع بعضها أو انفاقه عليها أو إجارتها أو الاستدانة على صاحبها ويدفع إلى المودع لينفقه عليها أو إلى غيره فينفق عليها إن رأى
ذلك ويجوز أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله ويكون قابضا من نفسه لنفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق ويرجع به على صاحبها فان اختلفا في قدر النفقة قبل قول المودع إذا ادعى النفقة بالمعروف وإن ادعى زيادة لم يقبل وإن اختلفا في قدر المدة فالقول قول صاحبها لان الاصل عدم ذلك وإن لم يقدر على الحاكم فانفق عليها محتسبا بالرجوع على صاحبها وأشهد على الرجوع رجع بما أنفق لانه مأذون فيه عرفا ولا تفريط منه إذا لم يجد حاكما وإن فعل ذلك مع امكان استئذان الحاكم من غير إذنه ففيه روايتان نص عليهما فيما إذا أنفق على البهيمة المرهونة من غير إذن الراهن (احداهما) يرجع لانه مأذون فيه عرفا (والثانية) لا يرجع لانه مفرط بترك استئذان الحاكم وإن أنفق من غير إشهاد مع العجز عن استئذان الحاكم أو مع امكانه ففي الرجوع أيضا وجهان وجههما ما ذكرنا ومتى
علف البهيمة أو سقاها في داره أو غيرها بنفسه أو أمر غلامه أو صاحبه ففعل ذلك كما يفعل في بهائمه على ما جرت به العادة فلا ضمان فيه لان هذا مأذون فيه عرفا لجريان العادة به فأشبه المصرح به (فصل) فان نهاه المالك عن علفها وسقيها لم يجز له ترك علفها لان للحيوان حرمة في نفسه يجب احياؤه لحق الله تعالى فان علفها وسقاها فهو كما لو لم ينهه وإن تركها حتى تلفت لم يضمنها وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وقال بعضهم يضمن لانه تعدى بترك علفها أشبه ما إذا لم ينهه وهو قول ابن المنذر لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فيصير أمر مالكها وسكوته سواء
ولنا أنه ممتثل قول صاحبها فلم يضمنها كما لو أمره بقتلها ففعل وكما لو قال لا تخرج الوديعة وإن خفت عليها فخاف عليها ولم يخرجها أو امره بالقائها في نار وبهذا ينتقض ما ذكروه ومنع ابن المنذر الحكم فيما إذا
امره باتلافها فاتلفها ولا يصح لانه نائب صاحبها فلم يغرم كما لو استنابه في مباح والتحريم اثره في بقاء حق الله تعالى وهو الاثم اما حق الآدمي فلا يبقي مع اذنه في تفويته ولانها لم تتلف بفعله وانما تلفت بترك العلف المأذون فيه اشبه ما إذا نهاه عن اخراجها مع الخوف فلم يخرجها (مسألة) (وان قال اترك الوديعة في جيبك فتركها في كمه ضمن) لانه ربما نسي فسقط الشئ من كمه وكذلك ان تركها في يده لان الجيب احرز وان قال اتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن لان الجيب احرز على ما ذكرنا وان قال اتركها في كمك فتركها في يده احتمل وجهين احداهما يضمن لان سقوط الشئ من اليد مع النسيان أكثر من سقوطه من الكم (والثاني) لا يضمن لان اليد لا ينبسط عليها الطرار بالبط بخلاف الكم ولان كل واحد منهما أحرز من وجه فتساويا ولمن نصر الاول أن يقول متى كان كل واحد منهما أحرز من
وجه وجب أن يضمن لانه فوت الوجه المأمور بالحفظ به وأتى بما لم يؤمر به فضمن لمخالفته وعلى هذا لو أمره بتركها في يده فجعلها في كمه ضمن كذلك وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم أحرز عند عدم المغالبة فعلى هذا إن أمره بتركها في يده فشدها في كمه من غير حال المغالبة فلا ضمان عليه وإن فعل ذلك عند المغالبة ضمن وإن أمره بحفظها مطلقا فتركها في جيبه أو شدها في كمه لم يضمنها وإن تركها في كمه غير مشدودة وكانت خفيفة لا يشعر بها إذا سقطت ضمنها لانه مفرط وإن كانت ثقيلة يشعر بها لم يضمنها لان هذا عادة الناس في حفظ أموالهم وإن شدها على عضده لم يضمن لان ذلك احفظ لها وقال القاضى إن شدها من جانب الجيب لم يضمنها وان شدها من الجانب الآخر ضمن لان الطرار يقدر علي بطها بخلاف ما إذا شدها مما يلي الجيب وهذا يبطل بما إذا تركها في جيبه أو ربطها في كمه فان الطرار
يقدر على بطها ولا يضمن وليس امكان حرزها باحفظ الحرزين مانعا من احرازها بما دونه إذا كان حرزا لمثلها وشدها على العضد حرز لها كيفما كان لان الناس يحرزون به أموالهم فاشبه شدها في الكم وتركها في الجيب لكن لو أمره بشدها مما يلي الجيب فشدها من الجانب الآخر ضمن وإن أمره بشدها مما يلي الجانب الاخر فشدها مما يلي الجيب لم يضمن لانه أحرز وأن أمره بشدها علي عضده مطلقا أو أمره بحفظها معه فشدها من أي الجانبين كان لم يضمن لانه ممتثل أمر مالكها محرز لها بحرز مثلها وإن شدها على وسطه فهو أحرز لها وكذلك إن تركها في بيته في حرزها (مسألة) وإن أمره أن يجعلها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه أو قال لا تقفل
عليها الا قفلا واحد فجعل عليها قفلين فلا ضمان عليه ذكره القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عن مالك أنه يضمن لانه خالف ربها في شئ له فيه غرض يتعلق بحفظها أشبه ما لو نهاه عن اخراجها عن منزله فأخرجها لغير حاجة وذلك لان النوم عليها وترك قفلين وزياده الاحتفاظ ينبه اللص عليها ويحثه على الجد في سرقتها والاحتيال لاخذها ولنا أن ذلك أحرز لها فلم يضمن بفعله كما لو أمره بتركها في صحن الدار فتركها في البيت وبهذا ينتقض ما ذكروه (فصل) وإن قال اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخل إليه قوما فسرقها أحدهم ضمنها لانها ذهبت بتعديه ومخالفته وسواء سرقها حال ادخالهم أو بعده لانه ربما شاهد الوديعة في دخوله البيت وعلم موضعها وطريق الوصول إليها وإن سرقها من لم يدخل البيت فقال القاضي لا يضمن لان فعله لم يكن
سببا لاتلافها ويحتمل ان يضمن لان الداخل ربما دل عليها من لم يدخلها ولانها مخالفة توجب الضمان إذا كان سببا لاتلافها فأوجبته وإن لم يكن سببا كما لو نهاه عن اخراجها فأخرجها لغير حاجة، وإن قال ضع هذا الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمن لانها أغلظ وأحفظ له الا أن لا يدخل فيها فيضعه في انملتها العليا أو ينكسر لغلظها عليه فيضمنه في الموضعين لان مخالفتة سبب لتلفه
(مسألة) (وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ما له كزوجته أو عبده لم يضمن) نص على هذا أحمد وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي يضمن لانه سلم الوديعة إلى من لم يرض به صاحبها فضمنها كما لو دفعها إلى أجنبي
ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله أشبه ما إذا حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو البهيمة إلى غلامه ليسقيها، ويفارق الاجنبي فان دفعها إليه لا يعد حفظا منه (مسألة) (وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الاجنبي وقال القاضي له ذلك) إذا دفع الوديعة إلى غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب الا أن يدفعها إلى من جرت عادته بحفظ ماله وقد ذكرناه في المسألة قبلها وذكرنا الخلاف فيه، وقال شريح ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه واسحاق متى دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن، وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه لان عليه خفظها واحرازها وقد أحرزها عند غيره وحفظها به ولانه يحفظ ماله بايداعه فإذا اودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها كما حفظها في حرزه
ولنا أنه خالف المودع فضمنها كما لو نهاه عن ايداعها فانه أمره بحفظها بنفسه فلم يرض لها غيره فان فعل فتلفت عند الثاني مع علمه بالحال فله تضمين أيهما شاء لانهما متعديان، ويستقر ضمانها على الثاني لان التلف حصل عنده وقد دخل على أنه يضمن وإن لم يعلم الحال فله تضمين الاول، وليس للاول الرجوع على الثاني لانه دخل معه في العقد على أنه أمين لا ضمان عليه، وان أحب المالك تضمين الثاني فليس له تضمينه في ظاهر كلام أحمد قاله القاضي لان أحمد ذكر الضمان على الاول فقط وهذا مذهب أبي حنيفة لانه قبض قبضا موجبا للضمان على الاول فلم يوجب ضمانا آخر، ويفارق القبض من الغاصب فانه لم يوجب الضمان على الغاصب انما لزمه الضمان بالغصب.
قال شيخنا ويحتمل أن له تضمين الثاني أيضا وهو قول القاضي ومذهب الشافعي لانه قبض مال غيره على وجه لم يكن له قبضه ولم يأذن له مالكه فيضمنه
كالقابض من الغاصب، وذكر أحمد الضمان على الاول لا ينفى الضمان عن الثاني كما أن الضمان يلزم الغاصب ولا ينفي وجوبه على القابض منه، فعلى هذا يستقر الضمان على الاول فان ضمنه لم يرجع على أحد وان ضمن الثاني رجع على الاول وهذا القول أقرب إلى الصواب وما ذكرنا للقول الاول لا أصل له ثم هو منتقض بما إذا دفع الوديعة إلى انسان عارية أو هبة (مسألة) (وان أراد سفرا أو خاف عليها عند ردها إلى مالكها أو وكيله في قبضها ان قدر على ذلك) ولم يجز له دفعها إلى الحاكم ولا إلى غيره لانه ليس للحاكم ولاية على الحاضر فان فعل ضمنها لانه دفعها إلى غير مالكها بغير اذنه من غير عذر فضمنها كالصورة الاولى
(مسألة) (فان لم يجده حملها معه ان كان أحفظ لها) إذا أراد السفر بها وقد نهاه صاحبها عنه ضمنها لمخالفته وان لم ينهه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لانه فرط في حفظها، وان لم يكن كذلك فله السفر بها نص عليه أحمد سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي ان سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو امين ضمنها لانه سافر بها من غير ضرورة أشبه ما لو كان السفر مخوفا ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمها كما لو نقلها إلى البلد ولانه سافر بها سفرا غير مخوف اشبه ما لو لم يجد أحدا يدعها عنده.
قال شيخنا ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو وكيله فيها بغير اذنه فهو مفرط عليه الضمان لانه يفوت على صاحبها امكان استرجاعها ويخاطر بها فان النبي صلى
الله عليه وسلم قال " المسافر وماله على قلت الا ما وقى الله " أي على هلاك ولا يلزم من الاذن في امساكها على وجه لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت امكان ردها على صاحبها الاذن فيما يتضمن ذلك فأما مع غيبة المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لانه موضع حاجة فيختار ما فيه الحظ وهذا الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح.
(مسألة) (فان لم يجد صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن)
لانه متبرع بامساكها فلا يلزمه استدامته والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته فان اودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها لان غير الحاكم لا ولاية له، ويحتمل ان يجوز له ايداعها لانه قد يكون احفظ لها واحب إلى صاحبها وان لم يقدر على الحاكم فاودعها ثقة لم يضمنها لانه موضع حاجة، وذكر القاضى ان ظاهر كلام احمد انه
يضمنها ثم تأول كلامه على انه اودعها من غير حاجة أو مع قدرته على الحاكم (مسألة) (فان تعذر ذلك اودعها ثقة أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فان دفنها ولم يعلم بها أحدا أو اعلم بها من لا يسكن الدار ضمنها) إذا دفنها في موضع واعلم بها ثقة يده على الموضع وكانت مما لا يضرها الدفن فهو كايداعها عنده، وان لم يعلم بها احدا ضمنها لانه فرط في حفظها فانه لا يامن ان يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي مكانها أو أصابها آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع، وإن أعلم بها غير ثقة ضمنها لانه ربما أخذها وكذلك إن أعلم بها ثقة لا يدله على المكان لانه لم يودعها إياه ولا يقدر على الاحتفاظ بها.
(فصل) وإن حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه إلا في أخذها معه لان كل واحد منهما سبب لخروجها عن يده
(مسألة) (وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب أو أخذ الوديعة ليستعملها أو ليخزن فيها ثم ردها إلى موضعها بنية الامانة ضمن لتعديه ولم يزل عنه الضمان بردها) وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لانه ممسك لها باذن مالكها فأشبه ما قبل التعدي ولنا أنه ضمنها بعدوان فبطل الاستئمان كما لو جحدها ثم أقر بها وبهذا يبطل ما ذكره (مسألة) (فان جحدها ثم أقر بها فتلفت ضمنها) لانه بجحدها خرج عن الاستئمان عليها فلم يزل عنه الضمان بالاقرار بها لان يده صارت يد عدوان (مسألة) (فان كسر ختم كيسها أو كانت مشدودة فحل الشد ضمن) سواء أخرج منها شيئا أو لم يخرج لانه هتك الحرز بفعل تعدى به فان خرق الكيس فوق
الشد فعليه ضمان ما خرق خاصة لانه ما هتك الحرز وقال أبو حنيفة إذا كسر ختم الكيس لم يلزمه ضمان الوديعة لانه لم يتعد في غيره ولنا أنه هتك حرزها فضمنها إذا تلفت كما لو أودعه إياها في صندوق مقفل ففتحه وتركه مفتوحا ولا نسلم أنه لم يتعد في غير الختم (مسألة) (وان خلطها بما لا تتميز منه ضمنها) إذا خلطها بما لا تتميز منه من ماله أو من مال غيره ضمنها سواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود من جنسها أو من غير جنسها مثل أن يخلط الدراهم بدراهم أو دهنا بدهن كالزيت بالزيت أو السمن أو بغيره
وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن القاسم ان خلط دراهم بدراهم على وجه الحرز لم يضمن وحكي عن مالك لا يضمن الا أن تكون دونها لانه لا يمكنه ردها إلا ناقصة ولنا أنه خلطها بماله خلطا لا يتميز فوجب أن يضمنها كما لو خلطها بدونها ولانه إذا خلطها بما لا يتميز فقد فوت على نفسه امكان ردها فلزمه ضمانها كما لو ألقاها في لجة بحر فان أمره صاحبها بخلطها بماله أو بغيره ففعل ذلك فلا ضمان عليه لانه فعل ما أمر به فكان نائبا عن المالك فيه وقد نقل مهنأ عن أحمد في رجل استودع عشرة دراهم واستودعه آخر عشرة وأمره أن يخلطها فخلطها فضاعت الدراهم فلا شئ عليه، فان أمره أحدهما بخلط دراهمه ولم يأمره الآخر فعليه ضمان دراهم من لم يأمره دون الاخرى، وإن اختلطت هي بغير تفريط منه فلا ضمان عليه كما لو تلفت بغير تفريطه وإن خلطها عيره
فالضمان على من خلطها لان العدوان منه أشبه ما لو أتلفها (مسألة) (وإن خلطها بتمييز أو ركب الدابة ليسقيها لم يضمن أما إذا خلطها بما تتميز منه مثل ان خلط دراهم بدنانير لم يضمن) لانها تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق فيه أكياس له
وبهذا قال الشافعي ومالك ولا نعلم فيه خلافا وكذلك الحكم إذا خلط بيضا بسود وقد حكي عن أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك لكونها تكتسب منها سوادا ويتغير لونها فتنقص قيمتها فان لم يكن فيه ضرر فلا ضمان عليه وإن ركب الدابة ليسقيها أو يعلفها لم يضمن لان ركوبها لذلك مأذون فيه عرفا وشرعا لانه مأذون له في سقيها كما لو أذن له في علفها والعادة أن
من يسقيها يركيها فالاذن في السقي اذن في الركوب المعتاد ولهذا لو قال لوكيله اسق الدابة فانه يفهم منه اركبها له) (مسألة) (وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده اختاره الخرقي وعنه يضمن الجميع وجملة ذلك أن من أودع شيئا فأخذ بعضه لزمه ضمان ما أخذ لتعديه فان رده أو مثله لم يزل عنه وبهذا قال الشافعي وقال مالك لا ضمان عليه إذا رده أو مثله وقال أصحاب الرأي ان لم ينفق ما أخذه ورده لم يضمن وإن أنفقه ثم رده أو مثله ضمن ولنا أن الضمان تعلق بذمته بالاخذ بدليل أنه لو تلف في يده قبل رده ضمنه فلا يزول الا برده إلى صاحبه كالغصوب، فأما سائر الوديعة فينظر فيه فان لم تكن الدراهم في كيس أو كانت في كيس غير مشدود أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه لم يضمن غيره لانه لم يتعد في غيره وكذلك
ان رد بدله متميزا لما ذكرنا وان لم يكن متميزا فظاهر كلام الخرقي أنه لا يضمن غيره لان التعدي اختص به فاختص الضمان به وخلط المردود بغيره لا يقضي ضمان الجميع لانه يجب رده معها فلم يفوت على نفسه امكان ردها بخلاف ما إذا خلطه بغيره، ولو أذن له صاحب الوديعة في الاخذ منها ولم يأمره برد بدله فأخذ ثم رد بدل ما أخذ فهو كرد بدل ما لم يؤذن في أخذه وقال القاضي يضمن الكل وهو قول الشافعي لانه خلط الوديعة بما لا تتميز منه فضمن الكل كما لو خلطها بغير البدل، وقد ذكرنا فرقا بين البدل وغيره فلا يصح القياس، وان كانت الدراهم في كيس مختوم أو مشدود فكسر الختم أو حل الشد ضمنها وقد ذكرناه (فصل) وإذا ضمن الوديعة بالاستعمال أو بالجحد ثم ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان فان ردها
صاحبها إليه فهو ابتداء استئمان وان لم يردها إليه ولكن جدد له الاستئمان أو أبرأه من الضمان برئ في ظاهر المذهب لان الضمان حقه فإذا أبرأه منه برئ كما لو أبرأه من دين في ذمته وإذا جدد له استئمانا فقد انتهى القبض المضمون به فزال الضمان وقد قال أصحابنا إذا رهن المغصوب عند الغاصب أو أودعه عنده زال عنه ضمان الغصب فههنا أولى (مسألة) (وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه) وجملة ذلك أنه لا يصح الايداع الا من جائز التصرف فان أودع طفل أو معتوه انسانا وديعة ضمنها بقبضها لانه أخذ ما له بغير اذن شرعي أشبه ما لو غصبه، ولا يزول الضمان عنه بردها إليه وإنما يزول بدفها إلى وليه الناظر في ماله، فان كان الصبي مميزا صح ايداعه لما أذن له في التصرف فيه لانه كالبائع بالنسبة إلى ذلك فان خاف أنه إذا لم يأخذه منه أتلفه لم يضمنه بأخذه لانه قصد تخليصه من الهلاك فلم يضمنه كما لو وجده في سيل فأخرجه منه
(مسألة) (وان أودع الصبى أو المعتوه وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن فان أتلفها أو أكلها ضمنها في قول القاضي) وظاهر مذهب الشافعي، ومن أصحابنا من قال لا ضمان عليه وهو قول أبي حنيفة لانه سلطه على اتلافها بدفعها إليه فلا يلزمه، الا ترى أنه إذا دفع إلى صغير سكينا فوقع عليها كان ضمانه على عاقلته ولنا أن ما ضمن باتلافه قبل الايداع ضمنه بعد الايداع كالبالغ ولا يصح قولهم انه سلطه على اتلافها وانما استحفظه إياها، وفارق دفع السكين فانه سبب للاتلاف ودفع الوديعة بخلافه (مسألة) (وان أودع عبدا وديعة فأتلفها خرج على الوجهين في الصغير) إذا تلفت الوديعة فان قلنا لا يضمن الصبي كانت في ذمته وان قلنا يضمن كانت في رقبته
(فصل) وإذا اودعه شيئا ثم ساله دفعه إليه في وقت امكنه ذلك فلم يفعل حتي تلف ضمنه ولا نعلم
خلافا في وجوب رد الوديعة على مالكها إذا طلبها فأمكن اداؤها إليه بغير ضرورة وقد امر الله تعالى بذلك فقال تعالى (ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى أهلها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك " يعني عند طلبها ولانها حق لمالكها لم يتعلق بها حق غيره فلزم أداؤها إليه كالمغصوب والدين الحال فان امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت ضمنها لانه صار غاصبا لانه امسك مال غيره بغير اذنه بفعل محرم اشبه الغاصب فاما ان طلبها في وقت لم يمكن دفعها لبعدها أو لمخافة في طريقها أو للعجز عن حملها أو غير ذلك لم يكن متعديا بترك تسليمها لان الله تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها فان تلفت لم يضمنها لعدم عدوانه وان قال امهلوني حتى اقضي صلاتي أو آكل فاني جائع أو أنام فاني ناعس أو ينهضم عني الطعام فاني ممتلئ امهل بقدر ذلك
(فصل) وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحملها مؤنة قلت المؤنة أو كثرت لانه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص فلم تلزمه الغرامة عليها كما لو وكله في حفظها في ملك صاحبها وانما عليه التمكين من اخذها، فان سافر بها بغير اذن ربها ردها إلى بلدها لانه بعدها بغير اذن ربها فلزمه ردها كالغاصب (فصل) إذا مات الرجل وثبت ان عنده وديعة لم توجد بعينها فهي دين عليه تغرم من تركته فان كان عليه دين سواها فهما سواء ان وفت تركته بهما والا اقتسماها بالحصص وبه قال الشعبي والنخعي وداود وابن ابي هند ومالك والشافعي وابو حنيفة واصحابه واسحاق وروي ذلك عن شريح ومسروق وعطاء وطاوس والزهري وابي جعفر محمد بن علي وروي عن النخعي الامانة قبل الدين وقال الحارث العكلي الدين قبل الامانة
ولنا انهما حقان وجبا في ذمته فتساويا كالدينين وسواء وجد في تركته من جنس الوديعة أو لم يوجد وهذا إذا أقر المودع ان عندي وديعة أو على وديعة لفلان ام ثبتت بينة انه مات وعنده وديعة فأما ان كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت؟ ففيه وجهان (احدهما)
وجوب ضمانها لان الوديعة يجب ردها الا أن يثبت سقوط الرد بالتلف من غير تعد ولم يثبت ذلك ولان الجهل بعينها كالجهل بها وذلك لا يسقط الرد (والثاني) لا ضمان عليه لان الوديعة امانة والاصل عدم اتلافها والتعدي فيها فلم يجب ضمانها وهذا قول ابن أبي ليلى واحد الوجهين لاصحاب الشافعي والاول ظاهر المذهب لان الاصل وجود الرد فيبقى عليه ما لم يوجد ما يزيله (فصل) قال الشيخ رحمه الله والمودع امين والقول قوله فيما يدعيه من رد أو تلف أو اذن في
دفعها إلى انسان إذا ادعى المستودع تلف الوديعة فالقول قوله بغير خلاف قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من اهل العلم على ان المودع إذا احرز الوديعة ثم ذكر انها ضاعت ان القول قوله وقال اكثرهم مع يمينه وان ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه وبه قال الثوري والشافعي واصحاب الرأي واسحاق وبه قال مالك ان كان دفعها إليه بغير بينة وان كان أودعه اياها ببينة لم يقبل قوله في الرد الا ببينة وحكاه القاضي أبو الحسين رواية عن احمد ولنا انه امين لا منفعة له في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو اودع بغير بينة وان قال دفعتها إلى فلان بامرك فأنكر مالكها الاذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه احمد في رواية ابن منصور وهو قول ابن ابي ليلى وقال مالك والثوري والعنبري واصحاب الرأي القول قول المالك لان الاصل عدم الاذن وله تضمينه
ولنا انه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله كما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف المالك بالاذن ولكن قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضا ثم ينظر في المدفوع إليه فان أقر بالقبض وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وان أنكر فالقول قوله مع يمينه وقد ذكر اصحابنا ان الدافع يضمن لكونه قضي الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على صاحب الوديعة لان المودع مفرط لكونه اذن له في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سواء صدقه أو كذبه وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة لان المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في الاشهاد عليه فعلى هذا يحلف المودع ويبرأ
ويحلف الآخر ويبرأ أيضا ويكون ذهابها من مالكها وان ادعي عليه خيانة أو تفريطا فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم ذلك اشبه الوكيل
(مسألة) (وان قال لم تودعني ثم اقر بها أو ثبتت ببينة ثم ادعي الرد أو التلف لم يقبل قوله وان اقام بينة ويحتمل ان تقبل بينته) إذا ادعي على رجل وديعة فأنكر ثم ثبت انه أودعه فقال أودعتني وهلكت من حرزي لم يقبل قوله وعليه ضمانها وبهذا قال مالك والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي لانه مكذب لانكاره الاول ومعترف على نفسه بالكذب المنافي للامانة وان أقر صاحبها له بتلفها من حرزه قبل جحدها فلا ضمان عليه وان أقر انها تلفت بعد جحوده لم يسقط عنه الضمان لانه خرج بجحوده عن الامانة فصار ضامنا كمن طولب بالوديعة فامتنع من ردها وكذلك إن اقام بينة بتلفها بعد الجحود لذلك وان شهدت بتلفها قبل الجحود من الحرز فهل تسمع بينته؟ فيه وجهان (احدهما) لا تسمع لانه مكذب لها بانكاره الايداع (والثاني) تسمع
لان صاحبها لو اقر بذلك سقط عنه فتسمع البينة به فان شهدت بالتلف من الحوز ولم تعين الجحود ولا بعده واحتمل الامرين لم يسقط الضمان لان الاصل وجوبه فلا ينتفي بامر متردد (مسألة) (وان قال مالك عندي شئ قبل قوله في الرد والتلف) إذا قامت بينة بالابداع أو اقر به المودع بعد قوله مالك عندي شئ اولا حق لك علي ثم قال ضاعت من حرزي كان القول قوله مع يمينه ولا ضمان عليه لان قوله لا ينافي ما شهدت به البينة ولا يكذبها فان من تلفت الوديعة من حرزه بغير تفريطه لا شئ لمالكها عنده ولا يستحق عليه شيئا (فصل) فان نوى الخيانة في الوديعة بالجحود أو الاستعمال ولم يفعل ذلك لم يصر ضامنا لانه لم
يحدث في الوديعة قولا ولا فعلا فلم يضمن كما لو لم ينو وقال ابن شريح يضمن لانه امسكها بنية الخيانة فضمنها كاللقطة بقصد التمليك
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به انفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به " ولانه لم يخن فيها بقول ولا فعل فلم يضمنها كالذي لم ينو وفارق الملتقط بقصد التمليك فانه عمل بها باخذها ناويا للخيانة فيها فوجب الضمان بفعله المنوي لا بمجرد النية ولو التقطها قاصدا لتعريفها ثم نوى بعد ذلك امساكها لنفسه كانت كمسئلتنا وان اخرجها بنية الاستعمال فلم يستعملها ضمنها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمنها الا بالاستعمال لانه لو اخرجها لنقلها لم يضمنها ولنا انه تعدى باخراجها اشبه ما لو استعملها بخلاف ما إذا نقلها
(مسألة) (وان مات المودع فادعى وارثه التسليم لم يقبل الا ببينة) لان صاحبها لم يأتمنه عليها فلا يقبل قوله عليه بخلاف المودع فانه ائتمنه فقبل قوله بغير بينة (مسألة) (فان تلفت عنده قبل امكان ردها لم يضمنها)
لانه لا تفريط منه ولا تعد وان كان بعد الامكان فتلفت ففيه وجهان (احدهما) يضمنها لتأخر ردها مع امكانه والآخر لا يضمنها لانه غير متعد في اثبات يده عليها انما حصلت في يده بغير فعله (فصل) إذا مات المودع وعنده وديعة معلومة بعينها فعلى وارثة تمكين صاحبها من أخذها فان لم
يفعل ضمن كالمودع فان لم يعلم صاحبها بموت المودع فعلى الورثة اعلامه وليس لهم امساكها قبل ان يعلم بها ربها لانه لا يأتمنهم عليها وانما حصل مال غيرهم بأيديهم بمنزلة من اطارت الريح إلى داره ثوبا وعلم به فعليه اعلام صاحبه به فان احرز ذلك مع الامكان ضمن كذا هاهنا
(فصل) ولا تثبت الوديعة الا باقرار من الميت أو ورثته أو بينة وان وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة عليهم لجواز ان يكون الوعاء كانت فيه وديعة قبل هذه أو كان وديعة لموروثهم عند غيره أو كانت وديعة فابتاعه ا وكذلك لو وجد في رزمانج ابيه ان لفلان عندي وديعة كذا لم يلزمه بذلك
لجواز ان يكون قد ردها ونسى الضرب على ما كتب أو غير ذلك وهذا قول أصحاب الشافعي وحكي القاضي
ابو الحسين ان المذهب وجوب الدفع إلى من هو مكتوب باسمه اومأ إليه أحمد كما لو وجد في رزمانج ابيه دينا على غيره يخط ابيه كان له ان يعمل على خطه ويحلف على استحقاقه بالخط فإذا وجد دينا عليه كان الوى واحوط (مسألة) (وان ادعى الوديعة اثنان فاقر بها لاحدهما فهي له مع يمينه) لان يده دليل على ملكه بدليل
انه لو ادعاها لنفسه كان القول قوله فكذلك إذا اقر بها لغيره ويلزمه ان يحلف للآخر لانه منكر لحقه فان حلف برئ وان نكل لزمه ان يغرم له قيمتها لانه فوقتها عليه وكذلك لو اقر لها بها بعد ان اقر بها للاول فانها تسلم إلى الاول ويغرم قيمتها للثاني نص عليه احمد (مسألة) (وان اقر بها لهما جميعا فهي بينهما) ويلزمه اليمين لكل واحد منهما في نصفها وان قال لا اعرف
صاحبها فاعترفا له بجهله بعين المستحق لها فلا يمين عليه وان ادعيا معرفته لزمته يمين واحدة انه لا يعلم ذلك وقال أبو حنيفة يحلف يمينين كما لو انكرها ولنا ان الذي يدعي عليه أمر واحد وهو العلم بعين المالك فكفاه يمين واحدة كما لو ادعياها فأقر بها لاحدهما ويفارق ما إذا انكرهما لان كل واحد منهما يدعى عليه انها له فهما دعويان فان حلف
اقرع ب ينهما وسلمت إلى من تقع له القرعة وقال الشافعي يتحالفان ويوقف الشئ بينهما حتى يصطلحا وهذا قول ابن أبي ليلى لانه لا يعلم المالك منهما وللشافعي قول آخر انها تقسم بينهما كما لو أقر بها لهما وهذا الذي حكاه ابن المنذر عن ابن ابى ليلى وهو قول ابى حنيفة وصاحببه فيما حكي عنهم قالوا ويضمن المودع نصفها لكل واحد منهما لانه فوت ما استودع بجهله
ولنا انهما تساويا في الحق فيما ليس بايديهما فوجب ان يقرع بينهما كالعبدين إذا اعتقهما في مرضه فلم يخرج من الثلث الا احدهما أو كما لو أراد السفر باحدى نسائه، وقول أبي حنيفة لا يصح فان
العين لم تتلف ولو تلف بغير تفريط منه فلا ضمان عليه وليس في جهله تفريط إذ ليس في وسعه أن لا ينسى ولا يجهل
(مسألة) (ون اودعه الثنان مكيلا أو موزونا فطلب احدهما نصيبه سلمه إليه) لان قسمته ممكنة بغير غبن ولا ضرار واختاره أبو الخطاب وفيه وجه آخر انه لا يجوز في غيبة الشريك الا أن يحكم بها حاكم قاله القاضي (مسألة) (وان غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها؟ على وجهين) (احدهما) له المطالبة بها لانه
مأمور بحفظها وذلك من حفظها (والثاني) ليس له ذلك لانه لم يؤمر به ولا ضمان على المودع سواء أخذت من يده قهرا أو اكره على تسليمها فسلمها بنفسه لان الاكراه عذر له يبيح دفعها فلم يضمنها كما لو أخذت من يده قهرا والله سبحانه وتعالى اعلم
(كتاب النكاح) النكاح في الشرع عقد التزويج فعند اطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل وقال القاضي الاشبه بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطئ جميعا لقولنا بتحريم موطوأة الاب من غير تزويج استدلالا بقوله تعالى (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وقيل بل هو حقيقة في الوطئ مجاز في العقد تقول العرب أنكحنا الفرى فسترى أي اضربنا فحل حمر الوحش امه فسترى ما يتولد منهما يضرب مثلا للامر يجتمعون عليه ثم يتفرقون عنه قال الشاعر: ومن أيم قد انكحتنا رماحها * * * * وأخرى على خال وعم تلهف قال شيخنا والصحيح ما قلنا لان الاشهر استعمال لفظة النكاح بازاء العقد في الكتاب والسنة ولسان
أهل العرف وقد قيل ليس في الكتاب لفظة نكاح بمعنى الوطئ الا قوله (حتى تنكح زوجا غيره) ولانه
يصح نفيه عن الوطئ لانه يقال هذا سفاح وليس بنكاح وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولدت من نكاح لا من سفاح " ويقال عن السرية ليست بزوجة ولا منكوحة ولان النكاح أحد اللفظين اللذين ينعقد بهما عقد النكاح فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر وما ذكره القاضي يفضي إلى كون اللفظ مشتركا وهو على خلاف الاصل وما ذكره الآخرون يدل على الاستعمال في الجملة والاستعمال فيما قلنا أكثر وأشهر ثم لو قدر كونه مجازا في العقد لكان اسما عرفيا يجب صرف اللفظ إليه عند الاطلاق لشهرته كسائر الاسماء العرفية (فصل) والاصل في مشروعيته الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وقوله (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم) وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء " متفق عليه وقال عليه السلام " اني أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال سعد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا متفق عليه والتبتل ترك النكاح.
وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع
(مسألة) (والنكاح سنة لما ذكرنا من أدلة الكتاب والسنة وأدناها الاستحباب) (مسألة) (والاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة الا أن يخاف على نفسه مواقعة المحظور بتركه فيجب) الناس في النكاح على ثلاثة أضرب (أحدها) من يخاف على نفسه مواقعة المحظور ان ترك النكاح فهذا يجب عليه في قول عامة الفقهاء لانه يلزمه اعفاف نفسه وصرفها عن الحرام وطريقه النكاح (الثاني) من يستحب له وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور فهذا الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادة وهو قول أصحاب الرأي وظاهر أقوال الصحابة رضي الله عنهم وفعلهم قال ابن مسعود لو لم يبق من أجلي
الا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما لي فيهن طول النكاح لتزوجت مخافة الفتنة، قال ابن عباس لسعيد بن جبير تزوج فان خير هذه الامة اكثرها نساء، وقال ابراهيم بن ميسرة قال لي طاوس لتنكحن أو لاقولن لك ما قال عمر لابي الزوائد ما يمنعك عن النكاح الا عجز أو فجور قال أحمد في رواية المروذي ليست العزبة من أمر الاسلام في شئ ومن دعا إلى غير التزويج فقد دعا إلى غير الاسلام ولو تزوج بشر كان قد تم أمره.
وقال الشافعي التخلي لعبادة الله أفضل لان الله تعالى مدح
يحيى عليه السلام بقوله تعالى (وسيدا وحصورا) والحصور الذي لا يأتي النساء فلو كان النكاح أفضل لما مدح بتركه وقال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) وهذا في معرض الذم ولانه عقد معاوضة فكان الاشتغال بالعبادة أفضل منه كالبيع ولنا ما تقدم من أمر الله ورسوله به وحثهما عليه وقوله عليه الصلاة والسلام " لكنى أصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقول سعد: لقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أحله له لاختصينا متفق عليهما وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يامر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول " تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الامم يوم القيامة " رواه سعيد وهذا حث على النكاح شديد ووعيد على تركه يقربه إلى الوجوب والتخلى منه إلى التحريم، ولو كان التخلي افضل لانعكست الاحكام ولان النبي صلى الله وعليه وسلم تزوج وبالغ في العدد وفعل ذلك اصحابه ولا يشتغل النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الا بالافضل ولا يجتمع الصحابة على ترك الافضل والاشتغال بالادنى، ومن العجب ان من يفضل التخلي لم يفعله فكيف اجمعوا على النكاح في فعله وخالفوا في فضله فما كان فيهم من يتبع الافضل عنده ويعمل
بالاولى ولان مصالح النكاح أكثر فانه يشتمل على تحصين الدين واحرازه وتحصين المرأة وحفظها والقيام بها وايجاد النسل وتكثير الامة وتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المصالح الراجح احدها على نقل العبادة فمجموعها اولى وقد روينا في اخبار المتقدمين ان قوما ذكروا لنبي لهم
فضل عابد لهم فقال اما انه لتارك لشئ من السنة فبلغ العابد فأتي فسألة عن ذلك فقال إنك تركت التزويج فقال يا نبي الله وما هو الا هذا؟ فلما رأي النبي احتقاره لذلك قال أرأيت لو ترك الناس كلهم التزويج من كان يقوم بالجهاد وينفي العدو أو يقوم بفرائض الله وحدوده وأما ما ذكر عن يحيى فهو شرعه وشرعنا بخلافه فهو اولى والبيع لا يشتمل على مصالح النكاح ولا يقاربها (القسم الثالث) من لا شهوة له اما لانه لا شهوة له كالعنين أو ذهبت شهوته لمرض أو كبر ونحوه ففيه وجهان (احدهما) يستحب له النكاح لما ذكرنا (والثاني) التخلي له افضل فانه لا يحصل مصالح النكاح ويمنع زوجته من التحصين بغيره ويضربها بحبسها عن نفسه ويعرض نفسه لواجبات وحقوق ولعله لا يقوم بها ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه والاخبار تحمل على من له شهوة لما فيها من القرائن الدالة عليها (فصل) وظاهر كلام احمد انه لا فرق بين القادر على الانفاق والعاجز عنه فانه قال ينبغي للرجل
ان يتزوج فان كان عنده ما ينفق انفق وان لم يكن عنده صبر ولو تزوج بشر كان قدتم امره واحتج بان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح وما عندهم شئ ويمسي وما عندهم شئ ولان النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا لم يقدر الا على خاتم حديد ولا وجد الا ازاره ولم يكن له رداء اخرجه البخاري قال احمد في رجل قليل الكسب يضعف قبله عن العيال الله يرزقهم، التزويج احصن له ربما اتي عليه وقت لا يمكن قلبه الصبر وهذا في حق من يمكنه التزويج فاما من لا يمكنه فقد قال الله تعالى (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) (مسألة) (وعن احمد ان النكاح واجب على الاطلاق) اختاره أبو بكر عبد العزيز وحكاه عن احمد وحكي عن احمد انه يجب في العمر مرة للآية والخبر والمشهور في المذهب انه ليس بواجب الا ان يخاف على نفسه الوقوع في محضور بتركه فيلزمه اعفاف نفسه وهو قول أكثر الفقهاء لان الله تعالى حين امر به علقه على الاستطابة بقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) والواجب لا يقف على الاستطابة (وقال مثنى وثلاث ورباع) ولا يجب ذلك بالاتفاق فدل على أن المراد بالامر الندب وكذلك الخبر يحمل على الندب أو على من يخشى على نفسه الوقوع في المحظور بترك النكاح قال القاضي وعلى هذا يحمل كلام
احمد وابي بكر في ايجاب النكاح والله أعلم
(مسألة) (ويستحب تخير ذات الدين الولود البكر الحسيبة الاجنبية) لقول النبي صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة لما لها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظهر بذات الدين تربت يداك " متفق عليه والاولى ان لا يزيد على امرأة واحدة ذكره في المحرر لقول الله تعالى (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة) ولقوله سبحانه (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) ويختار الولود لما روى أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تزوجوا الولود الودود فأنى مكاثر بكم الامم يوم القيامة رواه سعيد وروى معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنى أصبت امرأة ذات حسب ومنصب الا انها لا تلد افأتزوجها؟ فنهاه ثم اتاه الثانية فنهاه ثم اتاه الثالثة فقال " تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم " رواه النسائي وعن علي بن الحسين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " يا بني هاشم عليكم بنساء الاعاجم فالتمسوا اولادهن فان في ارحامنهن البركة " قال ويختار البكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتزوجت يا جابر؟ " قال قلت نعم قال " بكرا أم ثيبا " قال قلت بل ثيبا قال " فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك " متفق عليه وعن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " عليكم بالابكار فانهن اعذب افواها وانقى ارحاما وارضي باليسير "
وفي رواية " وافتح ارحاما " رواه الامام احمد ويختار الحسيبة ليكون ولدها نجيبا فانه ربما اشبه اهلها ونزع البهم وكان يقال إذا أردت ان تتزوج امرأة فانظر إلى ابيها واخيها وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تخيروا لنطفكم وانكحوا الاكفاء وانكحوا إليهم " ويختار الاجنبية فان ولدها أنجب ولهذا يقال أغربوا لا تضووا يعني انكحوا الغراب كي لا تضعف اولادكم وقيل الغراب انجب وبنات العم أصبر ولانه لا يؤمن العداوة في النكاح وافضاءه إلى الطلاق وإذا كان في قرابة أفضي إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها ويختار الجميلة لانه اسكن لنفسه واغض لبصره واكمل لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح وروي عن محمد بن ابي بكر بن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " انما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها " وعن أبي هريرة قال قييا رسول الله أي النساء خير؟ قال " التى
تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره " رواه الامام أحمد والنسائي وعن يحيى بن جعدة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " خير فائدة افادها المرء المسلم بعد اسلامه امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها " رواه سعيد ويختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء لان النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها وربما تعدي معها ذلك إلى ولدها وقد قيل اجتنبوا الحمقاء فان ولدها صياع وصحبتها بلاء
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: