الفقه الحنبلي - العارية - الغصب

في تفسيره إلى المقر كما لو لم يعطف عليه، وقال أبو حنيفة ان عطف على المبهم مكيلا أو موزونا كان تفسيرا له، وان عطف مذروعا أو معدودا لم يكن تفسيرا لان علي للايجاب في الذمة فإذا عطف عليه ما يثبت في ذمته بنفسه كان تفسيرا له كقوله مائة وخمسون درهما ولنا أن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الاخرى قال الله تعالى (ولبثوا في كهفهم
ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا) وقال تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد) ولانه ذكر مبهما مع تفسير لم يقم الدليل على انه من غير جنسه فكان المبهم من جنس المفسر كما لو قال مائة وخمسون درهما أو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، يحققه أن المبهم يحتاج إلى التفسير وذكر التفسير في الجملة المقارنة له يصلح أن يفسره يوجب حمل الامر على ذلك، وأما قوله أربعة أشهر وعشرا فانه امتنع أن تكون العشر أشهر الوجهين (أحدهما) أن العشر بغير هاء عدد للمؤنث والاشهر مذكرة فلا يجوز أن تعد بغير هاء (والثاني) أنها لو كانت أشهرا لقال أربعة عشر شهرا بالتركيب لا بالعطف كما قال (عليها تسعة عشر) وقولهم إن الالف مبهم قلنا قرن به ما يدل على تفسيره فأشبه مالو قال مائة وخمسون درهما أو مائة ودرهم عند أبي حنيفة فان قيل إذا قال مائة وخمسون درهما فالدرهم ذكر للتفسير ولهذا لا يراد به العدد فصلح تفسير الجميع ما قبله بخلاف قوله مائة ودرهم فانه ذكر الدرهم للايجاب لا للتفسير بدليل أنه زاد به العدد قلنا هو صالح للايجاب والتفسير معا والحاجة داعية إلى التفسير فوجب حمل الامر على ذلك صيانة لكلام المقر عن الالباس والابهام وصرفا له إلى البيان والافهام، وقول أبي حنيفة إن علي للايجاب قلنا فمتى عطف ما يجب بها على ما لا يجب وكان أحدهما مبهما والآخر مفسرا وأمكن تفسيره به وجب ان يكون المبهم من جنس المفسر، فاما ان لم يكن من جنس المفسر مثل أن يعطف عدد المذكر
على المؤنث أو بالعكس ونحو ذلك فلا يكون أحدهما من جنس الآخر ويبقى المبهم على ابهامه كما لو قال له أربعة دراهم وعشر (مسألة) (وان قال له علي الف وخمسون درهما أو خمسون والف درهم فالجميع دراهم) ويحتمل على قول التميمي ان يرجع في تفسير الالف إليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي وكذلك ان قال الف وثلاثة دراهم أو مائة والف درهم والصحيح الاول فان الدرهم المفسر يكون تفسيرا لجميع ما قبله من الجمل المبهمة وجنس العدد قال الله تعالى مخبرا عن أحد الخصمين أنه قال (ان هذا أخي له تسع وتسعون تعجة) وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال عنترة:
فيهان اثنتان وأربعون حلوبة * سودا كخافية العراب الاسحم ولان الدرهم ذكر تفسيرا ولهذا لا يجب به زيادة على العدد المذكور فكان تفسيرا لجميع ما قبله ولانها تحتاج إلى تفسير وهو صالح لتفسيرها فوجب جمله على ذلك وهذا المعنى موجود في قوله الف وثلاثة دراهم وسائر الصور المذكورة، فعلى قول من لا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال بعتك هذا بمائة وخمسين درهما أو بخمسة وعشرين درهما لا يصح وهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه وان قال له علي الف درهم الا خمسين فالمستثنى دراهم لان العرب لا تستثني في الاثبات إلا من الجنس (مسألة) (وهذا اختيار ابن حامد والقاضي وقال أبو الحسن التميمي وأبو الخطاب يكون الالف مبهما يرجع في تفسيره إليه وهو قول مالك والشافعي) لان الاستثناء عندهما يصح من غير الجنس ولان لفظه في الالف مبهم والدرهم لم يذكر تفسيرا له فبقى على ابهامه.
ولنا أنه لم يرد عن العرب الاستثناء في الاثبات الا من الجنس فمتى علم أحد الطرفين علم ان الآخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه وقد سلموه علته تلازم المستثنى والمستثنى منه في الجنس فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر فعلى قول ابي الحسن التميمي وأبي الخطاب يسئل عن المستثنى فان فسره بغير الجنس بطل الاستثناء وعلى قول غيرهما ينظر في المستثنى ان كان مثل المستثنى منه أو اكثر يبطل في الاصح (فصل) وان قال له تسعة وتسعون درهما فالجميع دراهم ولا أعلم فيه خلافا وكذلك ان قال مائة وخمسون درهما وخرج بعض أصحابنا وجها أنه لا يكون تفسيرا الا لما يليه وهو قول بعض أصحاب الشافعي (مسألة) (وان قال له في هذا العبد شركة أو هو شريكي فيه أو هو شركة بينهما رجع إلى تفسير نصيب الشريك إليه) وقال أبو يوسف يكون مقرا بنصفه لقول الله تعالى (فهم شركاء في الثلث) فاقتضى ذلك التسوية بينهم كذا ههنا.
ولنا ان أي جزء كان له منه فله فيه شركة فكان له تفسيره بما شاء كالنصف وليس اطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازا ولا مخالفا للظاهر والآية ثبتت التسوية فيها بدليل آخر، وكذلك الحكم إذا قال هذا العبد شركة بيننا وان قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية (مسألة) (وان قال له علي اكثر من مال فلان قيل له فسرفان فسره باكثر منه قدر اقبل وان قال أردت أكثر بقاء نفعا لان الحلال أنفع من الحرام قبل قوله مع يمينه) سواء علم مال فلان أو جهله أو ذكر قدره أولم يذكره أما إذا فسره باكثر منه قدرا فانه يقبل تفسيره ويلزمه اكثر منه وتفسر الزيادة بما يريد من قليل أو كثير ولو حبة حنطة، ولو قال ما علمت لفلان اكثر من كذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه
اكثر مما اعترف به لان مبلغ المال حقيقة لا تعرف في الاكثر وقد يكون ظاهرا وباطنا يملك ما يعرفه المقر فكان المرجع إلى ما اعتقده المقر مع يمينه إذا ادعى عليه اكثر منه وان فسره بأقل من ماله مع علمه بماله لم يقبل، وقال أصحابنا يقبل تفسيره بالكثير والقليل وهو مذهب الشافعي سواء علم مال فلان أو جهله أو ذكر قدره أولم يذكره أو قاله عقيب الشهادة بقدره أولا لانه لا يحتمل انه اكثر منه بقاء أو منفعة أو بركة لكونه من الحلال أو لانه في الذمة، قال القاضي ولو قال لي عليك الف دينار فقال لك علي أكثر من ذلك لم يلزمه اكثر منها لان لفظة أكثر مبهمة لاحتمالها ما ذكرنا ويحتمل أنه أراد أكثر منه فلوسا أو حبة حنطة أو شعير أو دخن فيرجع في تفسيرها إليه وهذا بعيد فان لفظة أكثر انما تستعمل حقيقة في العدد أو في القدر وينصرف إلى جنس ما أضيف اكثر إليه لا يفهم في الاطلاق غير ذلك قال الله تعالى (كانوا اكثر منهم) وأخبر عن الذي قال (أنا اكثر منك مالا وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا) والاقرار يؤخذ فيه بالظاهر دون مطلق الاحتمال، ولهذا لو أقر بدراهم لزمه أقل الجمع جيادا صحاحا وازنة حالة ولو قال له علي دراهم لم يقبل تفسيرها بالوديعة ولو رجع إلى مطل الاحتمال سقط الاقرار واحتمال ما ذكروه أبعد من هذه الاحتمالات التي لم يقبلوا تفسيره بها فلا يعول على هذا (مسألة) (ولو ادعى عليه ينا فقال لفلان علي اكثر ممالك، وقال أردت التهزئ لهما لزمه ويرجع
في تفسيره إليه في أحد الوجهين) وفي الآخر لا يلزمه شئ لانه أقر لفلان بحق موصوف بالزيادة على مال المدعي فيجب عليه ما أقربه لفلان ويجب للمدعي حق لان لفظه يقتضي أن يكون له شئ، وفي الآخر لا يلزمه شئ لانه يجوز ان يكون أراد حقك علي اكثر من حقه والحق لا يختص بالمال
(فصل) إذا قال له علي الف إلا شيئا قبل تفسيره باكثر من خمسمائة لان الشئ يحتمل الكثير والقليل لكن لا يجوز استثناء الاكثر فيتعين حمله على ما دون النصف، وكذلك ان قال إلا قليلا لانه مبهم فأشبه قوله إلا شيئا وان قال له علي معظم الف أو جل الف أو قريب من الف لزمه أكثر من نصف الالف ويحلف على الزيادة ان ادعيت عليه (فصل) وان قال له علي ما بين درهم وعشرة لزمته ثمانية لان ذلك ما بينهما وان قال من درهم إلى عشرة ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) يلزمه تسعة وهذا يحكى عن أبي حنيفة لان من لابتداء الغاية وأول الغاية منها وإلى لانتهاء الغاية فلا تدخل فيها كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) (والثاني) تلزمه ثمانية لان الاول والعاشر حدان فلا يدخلان في الاقرار ويلزمه ما بينهما كالتي قبلها.
(والثالث) تلزمه عشرة لان العاشر أحد الطرفين فيدخل فيها كالاول وكما لو قال قرأت القرآن من أوله إلى آخره، وان قال أردت بقولي من واحد إلى عشرة مجموع الاعداد كلها أي الواحد والاثنان كذلك إلى العشرة لزمه خمسة وخمسون درهما واختصار حسابه أن تزيد أول العدد وهو واحد على العشرة فيصير أحد عشر ثم اضربها في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب (مسألة) (وان قال له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو فوقه أو تحته أو قبله أو بعده أو معه درهم أو درهم ودرهم أو درههم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان) إذا قال له علي درهم فوق درهم أو تحت درهم أو معه درهم أو مع درهم فقال القاضي يلزمه درهم وهو أحد قولي الشافعي لانه يحتمل فوق درهم في الجودة أو فوق درهم لي وكذلك تحت درهم، وقوله معه درهم يحتمل معه درهم لي وكذلك مع درهم فلم يجب الزائد بالاحتمال، وقال أبو الخطاب يلزمه درهمان وهو القول الثاني للشافعي
لان هذا اللفظ يجري مجرى العطف لكونه يقتضي ضم درهم آخر لايه وقد ذكر ذلك في سياق الاقرار
فالظاهر انه اقرار، ولان قوله علي يقتضي في ذمتي وليس للمقر في ذمة نفسه درهم مع درهم المقر له ولا فوقه ولا تحته فانه لا يثبت للانسان في ذمة نفسه شئ، وقال أبو حنيفة واصحابه ان قال فوق درهم لزمه درهمان لان فوق يقتضي في الظاهر الزيادة وان قال تحت درهم لزمه درهم لان تحت يقتضي النقص.
ولنا ان حمل كلامه على معنى العطف فلا فرق بينهما وان حمل على الصفة للدرهم المقر به وجب أن يكون المقر به درهما واحدا سواء ذكره بما يقتضي زيادة أو نقصا، وان قال له علي درهم قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان فان قال قبله درهم وبعده درهم لزمه ثلاثة لان قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير (مسألة) (وإن قال له علي درهم ودرهم أو درهم فدرهم أو درهم ثم درهم لزمه درهمان) وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه، وذكر القاضي وجها فيما إذا قال درهم فدرهم وقال أردت درهم فدرهم لازم لي أنه يقبل منه وهو قول الشافعي لانه يحتمل الصفة ولنا أن الفاء أحد حروف العطف الثلاثة فأشبهت الواو وثم ولانه عطف شيئا على شئ بالفاء فاقتضى ثبوتهما كما لو قال انت طالق فطالق وقد سلمه الشافعي، وما ذكروه من احتمال الصفة بعيد لا يفهم حالة الاطلاق فلا يقبل تفسيره به كما لو فسر الدراهم المطلقة بانها زيوف أو صغار أو مؤجلة، وان قال له علي درهم ودرهم ودرهم لزمته ثلاثة وحكى ابن ابي موسى عن بعض اصحابنا انه إذا قال اردت بالثالث تأكيد الثاني وبيانه انه يقبل وهو قول بعض اصحاب الشافعي لان الثالث في لفظ الثاني وظاهر مذهبه انه تلزمه الثلاثة لان الواو للعطف وهو يقتضي المغايرة فوجب ان يكون الثالث غير الثاني كما كان الثاني غير الاول والاقرار لا يقتضي تأكيدا فوجب حمله على العدد، وكذلك الحكم
إذا قال علي درهم فدرهم اودرهم ثم درهم ثم درهم فان قال له علي درهم ودرهم ثم درهم أو درهم
فدرهم ثم درهم أو درهم ثم درهم فدرهم لزمته الثلاثة وجها واحدا لان الثالث مغاير للثاني لاختلاف حرفي العطف الداخلين فلم يحتمل التأكيد (مسألة) (فان قال له علي درهم بل درهمان أو درهم لكن درهمان لزمه درهمان وبه قال الشافعي وقال زفر وداود تلزمه ثلاثة لان بل للاضراب فلما اقر بدرهم واضرب عنه لزمه لانه لا يقبل رجوعه عما اقر به ولزمه الدرهمان اللذان اقربهما ولنا انه إنما نفى الاقتصار على واحد واثبت الزيادة عليه فأشبه مالو قال له علي درهم بل اكثر فانه لا يلزم اكثر من اثنين.
(مسألة) (وان قال له علي درهمان بل درهم أو درهم لكن درهم فهل يلزمه درهم أو درهمان؟ على وجهين) ذكرهما ابو بكر (احدهما) يلزمه درهم واحد لان احمد قال فيمن قال لامرأته أنت طالق بل أنت طالق انها لا تطلق إلا واحدة وهذا مذهب الشافعي لانه اقر بدرهم مرتين فلم يلزمه اكثر من درهم كما لو اقر بدرهم ثم انكره ثم قال بل علي درهم، ولكن للاستدراك فهي في معنى بل إلا ان الصحيح انها لا تستعمل إلا بعد الجحد إلا أن يذكر بعدها الجة (والوجه الثاني) يلزمه درهمان ذكره ابن أبي موسى وأبو بكر عبد العزيز ويقتضيه قول زفر وداود لان ما بعد الاضراب يغاير ما قبله فيجب أن يكون الدرهم الذي أضرب عنه غير الدرهم الذي اقربه بعده فيجب الاثبات كما لو قال له علي درهم بل دينار ولان بل من حروف العطف والمعطوف غير المعطوف عليه فوجبا جميعا كما لو قال له علي درهم ودرهم ولانا لو لم نوجب عليه الادرهما جعلنا كلامه لغوا واضرابه غير مفيد والاصل في كلام العاقل أن يكون مفيدا.
(مسألة) (ولو قال له علي هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة) لا نعلم في ذلك خلافا لانه متى كان الذي أضرب عنه لا يمكن أن يكون المذكور بعده ولا بعضه مثل أن يقول له علي درهم بل دينار أو قفيز حنطة بل قفيز شعير لزمه الجميع لان الاول لا يمكن ان يكون الثاني ولا بعضه فكان مقرا بهما ولا يقبل رجوعه معن شئ منهما وكذلك كل جملتين اقر باحداهما ثم رجع إلى الاخرى لزماه
(مسألة) (وان قال درهم في دينار لزمه درهم وان قال له علي درهم في عشرة لزمه درهم إلا ان يريد الحساب فيلزمه عشرة، اما إذا قال له عندي درهم في دينار فانه يسئل عن مراده فان قال اردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار وان قال اسلمته في دينار فصدقه المقر له بطل اقراره لان سلم أحد النقدين في الآخر لا يصح وان كذبه فالقول قول المقر له لان المقر وصل اقراره بما يسقطه فلزمه درهم وبطل قوله في دينار وكذلك ان قال له درهم في ثوب وفسره بالسلم أو قال في ثوب اشتريته منه إلى سنه فصدقه بطل اقراره لانه ان كان بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن وان كان قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والامضاء وان كذبه المقر له فالقول قوله مع يمينه وله الدرهم وأما إذا قال درهم في عشرة وقال أردت في عشرة لي لزمه درهم لانه يحتمل ما يقول وان قال أردت الحساب لزمه عشرة وان قال أردت مع عشرة لزمه أحد عشر لان كثيرا من العوام يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى فان كان من أهل الحساب احتمل أن لا يقبل لان الظاهر من الحساب استعمال الفاظه في معاينها في اصطلاحهم ويحتمل أن يقبل فانه لا يمتنع ان يستعمل اصطلاح العامة (مسألة) (وان قال هل عندي تمر في جراب أو سكين في قراب أو ثوب في منديل أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل يكون مقرا بالمظروف دون الظرف؟ وجهان) (أحدهما) يكون مقرا بالمظروف دون الظرف وهذا اختيار ابن حامد ومذهب مالك والشافعي لان اقراره يتناول الظرف فيحتمل أن يكون في ظرف للمقر فلم يلزمه (والثاني) يلزمه الجميع لانه ذكر ذلك في سياق الاقرار فلزمه كما لو قال له علي خاتم فيه فص وكذلك ان قال غصبت منه ثوبا في منديل أو زيتا في زق، واختار شيخنا فيما إذا قال عبد عليه عمامة أن يكون مقرا بهما وهو قول أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة في الغصب يلزمه ولا يلزمه في بقية الصور لان المنديل يكون ظرفا للثوب فالظاهر انه ظرف له في حال الغصب فصار كانه قال غصبت ثوبا ومنديلا
ولنا أنه يحتمل ان يكون المنديل للغاصب وهو ظرف للثوب فيقول غصبت ثوبا في منديل ولو قال هذا لم يكن مقرا بغصبه فإذا أطلق كان محتملا له فلم يكن مقرا بغصبه كما لو قال غصبت دابة في اصطبلها
(مسألة) (وان قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما) لان الفص جزء من الخاتم فأشبه مالو قال له علي ثوب فيه علم ويحتمل أن يخرج على الوجهين فيكون مقرا بالخاتم وحده، وان قال فص في بالخاتم احتمل وجهين، فان قال له عندي خاتم وأطلق لزمه الخاتم بفصه لان اسم الخاتم بفصه لان اسم الخاتم يجمعهما وكذلك ان قال له علي ثوب مطرز لزمه الثوب بطرازه لما ذكرنا.
(فصل) وان قال له عندي دار مفروشة أو دابة مسرجة أو عبد عليه عمامة ففيه أيضا وجهان ذكرناهما وقال أصحاب الشافعي تلزمه عمامة العبد دون السرج لان العبد يده على عمامته ويده كيد سيده ولا يد للدابة والدار.
ولنا أن الظاهر أن سرج الدابة لصاحبها وكذلك لو تنازع رجلان سرجا على دابة أحدهما كان لصاحبها فهو كعمامة العبد فاما ان قال له عندي دابة بسرجها أو دار بفرشها أو سفينة بطعامها كمان مقرابهما بغير خلاف لان الباء تعلق الثاني بالاول (مسألة) (وان قال له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما يرجع في تفسيره إليه) لان أو وإما في الخبر الشك وتقتضي أحد المذكورين لاهما فان قال له علي إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني مشكوك فيه فلا يلزم بالشك
كتاب العارية وهي مشتقة من عار الشئ إذا ذهب وجاء ومنه قيل للبطال عيار لتردده في بطالته، والعرب تقول أعاره وعاره مثل أطاعه وطاعه، وهي اباحة الانتفاع بعين من أعيان المال، والاصل فيها الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى ويمنعون الماعون روي عن ابن عباسن وابن مسعود قالا العوراي وفسرها ابن مسعود قال القدر والميزان والدلو.
واما السنة فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في خطبته في حجة الوداع (العارية مؤداة والمنحة مزدودة والدين مقتضي والزعيم غارم) قال الترمذي حديث حسن غريب وروى صفوان بن امية ان النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين فقال أغصبا يا محمد؟ قال (بل عارية مضمونة) رواه ابو داود
واجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها ولانه لما جازت هبة الاعيان جازت هبة المنافع ولذلك صحت الوصية بالاعيان والمنافع جميعا، وهي مندوب إليها غير واجبة في قول اكثر اهل العلم وقيل هي واجبة للآية ولما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (مامن صاحب ابل لايؤدي حقها) الحديث قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (إعارة دلوها واطراق فحلها ومنحة لبنها يوم ورودها) فذم الله تعالى
مانع العارية وتوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكره في خبره ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك) رواه ابن المنذر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (ليس في المال حق سوى الزكاة) وفي حديث الاعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما ذا فرض الله على من الصدقة؟ أو قال الزكاة، قال هل على غيرها؟ قال (لا، إلا أن تتطوع شيئا) أو كما قال والآية فسرها ابن عمر والحسن بالزكاة وكذلك زيد بن اسلم وقال عكرمة إذا جمع ثلاثتها فله الويل إذا سها من الصلاة وراءى ومنع الماعون.
(فصل) ولا تجوز إلا من جائز التصرف لانه تصرف في المال أشبه البيع وتنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها كقوله أعرتك هذا، أو يدفع إليه شيئا ويقول أبحتك الانتفاع به أو خذ هذا فانتفع به أو يقول أعرني هذا أو اعطنيه أركبه أو أحمل عليه فيسلمه إليه وأشباه هذا لانه اباحة للتصرف فصح بالقول والفعل الدال عليه كاباحة الطعام بقوله وتقديمه إلى الضيف.
(مسألة) (وهي هبة منفعه تجوز في كل المنافع الا منافع البضع) تجوز اعارة كل عين ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها على الدوام كالدور والعيبد والجوارى والدواب والثياب والحلي للبس والفحل للضراب والكلب للصيد وغير ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم استعار ادراعا وذكر اعارة دلوها وفلها وذكر ابن مسعود عارية القدر والميزان فثبت الحكم في هذه الاشياء
وما عداها يقاس عليها إذا كان في معناها ولان ما جاز للمالك استيفاؤه من المنافع ملك اباحته إذا لم يمنع منه مانع كالثياب ويجوز استعارة الدراهم والدنانير للوزن فان استعارها لينفقها فهو قرض
وهذا قول اصحاب الرأي، وقيل لا يجوز ذلك ولا تكون العارية في الدنانير وليس له ان يشتري بها شيئا ولنا ان هذا معنى القرض فانعقد القرض به كما لو صرح به فأما منافع البضع فلا تستباح بالبذل ولا بالاباحة اجماعا وانما يباح بأحد شيئين الزوجية وملك اليمين قال الله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظهون * الاعلى ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولان منافع البضع لو ابيجت بالبذل والعارية لم يحرم الزنا لان الزانية تبذل نفعها له والزاني مثلها (مسألة) (ولا تجوز اعارة العبد المسلم لكافر) لانه لا يجوز تمكينه من استخدامه فلم تجز عاريته لذلك ولا تجوز اعارة الصيد لمحرم لانه لا يجوز له امساكه (مسألة) (ويكره اعارة الامة الشابة لرجل غير محرمها) ان كان يخلو بها وينظر إليها لانه لا يؤمن عليها فان كانت شوهاء أو كبيرة فلا بأس لانها لا يشتهى مثلها وتجوز اعارتها لامرأة ولذي محرمها لعدم ذلك، ولا تجوز اعارة العين لنفع محرم كاعارة الدر لمن يشرب فيها الخمر أو يبيعه أو يعصي الله تعالى فيها أو لااعارة عبد للزمر أو لسقيه الخمر أو يحملها إليه أو يعصرها ونحو ذلك لانه اعانة على المحرم (مسألة) (واستعارة والديه للخدمة) لانه يكره استخدامهما فكر استعارتهما لذلك
(مسألة) (وللمعير الرجوع فيها متى شاء ما لم يأذن في شغلها بشئ يستضر المستعير برجوعه) تجوز العارية مطلقه ومؤقته لانها اباحة فأشبهت اباحة الطعام وللمعير الرجوع فيها متى شاء سواء كانت مطلقه أو مؤقته وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك ان كانت مؤقته فليس له الرجوع قبل الوقت وان لم يوقت له مدة لزمه تركه مدة ينتفع بها في مثلها لان المعير قد ملكه المنفعة مدة وصارت العين في يده بعقد مباح فلم يملك الرجوع فيها بغير رضى المالك كالعبد الموصى بخدمته والمستأجر ولنا أن المافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالاعارة كما لو لم تحصل العين في يده ولان المنافع انما تستوفى شيئا فشيئا فكلما استوفى منفعة فقد قبضها والذي لم يستوفه لم يقبضه فجاز الرجوع فيه كالهبة قبل القبض، وأما العبد الموصى بخدمته فلموصي الرجوع ولم يلمك الورثة الرجوع لان التبرع من غيرهم وأما المستأجر فهو مملوك بعقد معاوضة فيلزم بخلاف مسئلتنا، ويجوز للمستعير الرد متى شاء بغير خلاف نعلمه لانه اباحة فكان لمن أبيح له تركه كالباحة الطعام
(مسألة) (فان أذن له في شغله بشئ يستضر المستعير برجوعه فيه لم يجز له الرجوع) لما فيه من اضرار بالمستعير مثل ان يعيره سفينة لحمل متاعه أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها به ولحج في البحر لم يجز الرجوع ما دامت في لجة البحر لذلك وله الرجوع قبل دخولها في البحر وبعد الخروج منه لعدم الضرر (مسألة) (وان أعاره ارضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت)
وله الرجوع فيها قبل الدفن وليس له الرجوع بعد الدفن حتى يصير الميت رميا قاله ابن البنا (مسألة) (وان اعاره حائط ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع مادام عليه) إذا أعاره حائطا ليضع عليه اطراف خشبه جاز كما تجوز اعارة الارض للغراس والبناء وله الرجوع قل الوضع وبعده ما لم بين عليه لانه لاضرر عليه فيه فان بنى عليه لم يجز الرجوع لما في ذلك من هدم البناء وإن قال أنا أدفع اليك ما ينقص بالقطع لم يلزم المستعير ذلك لانه إذا قلعه انقلع ما في ملك المستعير منه ولا يجب على المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة (مسألة) (وان سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده) سواء بنى الحائط بآلة أو بغيرها لان العارية لا تلزم وإنما امتنع الرجوع قبل انهدامه لما فيه من الضرر بالمستعير بازالة المأذون في وضعه وقد زال ذلك بانهدامه وسواء زال الخشب عنه بذلك أو أزاله المستعير باختياره وكذلك لو زال الخشب والحائط بحاله (مسألة) (وان أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد الا ان يكون مما يحصد قصلا فيحصده) إذا أعاره ارضا للزرع فله الرجوع ما لم يزرع فإذا زرع لم يملك الرجوع فيها إلى ان ينتهي الزرع فان بذل المعير له قيمة الزرع ليمكله فلم يكن له ذلك نص عليه احمد لان له وقتا ينتهي إليه فان كان مما يحصد قصيلا فله الرجوع في وقت امكان حصاده لعدم الضرر فيه
(مسألة) (وإن أعارها للغراس والبناء شرط عليه القطع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون على شروطهم) حديث صحيح ولان العارية مقيدة غير مطلقة فلم تتناول ما عدا المقيد لان المستعير دخل في العارية راضيا با لتزام الضرر الداخل عليه بالقطع وليس على صاحب الارض
ضمان نقصه ولا نعلم في هذا خلافا فاما تسوية الحفر فان كانت مشروطة عليه لزمه لما ذكرنا والا لم يلزمه لانه رضي بضرر القطع من الحفر ونحوه بشرط القلع (مسألة) (وإن لم يشترط لم يلزمه الا أن يضمن له المعير النقص) فإذا لم يشترط المعير القلع لم يلزم المستعير القلع لما فيه من الضرر عليه فان ضمن له النقص لزمه لانه رجوع في العارية من غير اضرار فان قلع فعليه تسوية الارض وكذلك ان اختار أخذ بنائه وغراسه فانه يملكه فملك نقله لان القلع باختياره لو امتنع منه لم يجبر عليه قلعه لاستخلاص ملكه من ملك غيره فلزمته التسوية كالشفيع إذا أخذ غرسه وقال القاضي لا يلزمه ذلك لان المعير رضي بذلك حيث أعاره مع علمه بان له قلع غرسه الذي لا يمكن الا بالحفر (مسألة) (فان أبى القلع في الحال التي لا يجبر عليه فيها فبذل له المعير قيمة الغراس والبناء ليملكه أجبر المستعير عليه) كالشفيع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر فان قال المستعير أنا أدفع قيمة الارض لتصير لي لم يلزم المعير لان الغراس والبناء تابع والارض أصل ولذلك يتبعها الغراس والبناء في البيع ولا تتبعهما وبهذا كله قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يطالب المستعير بالقلع من غير ضمان الا أن يكون أعاره مدة معلومة فرجع
قبل انقضائها لان المعير لم يغره فكان عليه القطع كما لو شرط عليه ولنا أنه بنى وغرس باذن المعير من غير شرط القطع فلم يلزمه القلع من غير ضمان كما لو طالبه قبل انقضاء الوقت وقولهم لم يغره ممنوع فان الغراس والبناء يراد للتبقية وتقدير المدة ينصرف إلى ابتدائه كانه قال لا تغرس بعد هذه المدة (مسألة) (فان امتنع المعير من دفع القيمة وارش النقص وامتنع المستعير من القلع ودفع الاجر لم يقلع) لان العارية تقتضي الانتفاع بغير ضمان والاذن فيما يبقى على الدوام وتضر ازالته رضى بالابقاء ولان قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس لعرق ظالم حق) مفهومه أن العرق الذي ليس بظالم له حق فبعد ذلك ان اتفقا على البيع بيعت الارض بغراسها وبنائها ودفع مالى كل واحد منهما قدر حقه فيقال كم قيمة الارض بلا غراس ولابناء فإذا قيل عشرة قلنا وكم تساوي مغروسة مبنية فان قالوا خمسة عشر فيكون للمعير ثلثا
الثمن وللمستعير ثلثه (مسألة) (وان أبيا البيع ترك بحاله) وقلنا لهما انصرفا فلا حكم لكما عندنا (مسألة) (وللمعير النصرف في أرضه على وجه لا يضر بالشجر) وجملته أن للمعير التصرف في أرضه (مسألة) ودخولها والانتفاع بها كيف شاء بما لا يضر بالغراس والبناء ولا ينتفع بهما، وللمتسعير الدخول للسقي والاصلاح وأخذ الثمرة وليس.
له الدخول لغير حاجة من التفرج ونحوه لانه قد رجع في الاذن له
ولان الاذن في الغرس اذن فيما يعود بصلاحه ولكل واحد منهما بيع ما يختص به مع الملك ومنفردا فيقوم المشترى مقام البائع، وقال بعض الشافعية ليس للمستعير البيع لان ملكه في الشجر والبناء غير مستقر لان للمير اخذه منه متى شاء بقيمته قلنا عدم استقراره لا يمنع بيعه بدليل الشقص المشفوع والصداق قبل الدخول (مسألة) (ولم يذكر اصحابنا اجرة من حين الرجوع في هذه المسائل) الا فيما إذا استعار ارضا فزرعها ورجع المعير فيها قبل كمال الزرع فعليه اجر مثلها من حين الرجوع لان الاصل جواز الرجوع وانما منع القلع لما فيه من الضرر ففي دفع الاجر جمع بين الحقين فيخرج في سائر السمائل مثل هذا، وفيه وجه آخر انه لا يجب الاجر في شئ من المواضع لان حكم العارية باق فيه لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها والاعارة تقتضي الانتفاع (مسألة) (وان غرس أو بنى بعد الرجوع أو بعد الوقت فهو غاصب يأتي حكمه) العارية تنقسم قسمين مطلقة ومؤقتة تبيح الانتفاع ما لم ينقضي الوقت لانه استباح ذلك بالاذن ففيها عدا محل الاذن يببقى على اصل المنع فان كان المعار ارضا لم يكن له ان يغرس ولا يبني ولا يزرع بعد الوقت أو الرجوع فان فعل شيئا من ذلك فهو غاصب يأتي حكمه في باب لغصب
(فصل) يجوز ان يستعير دابة ليركبها إلى موضع معلوم لان إجارتها جائزة والاعارة أوسع لجوازها فيما لا تجوز إجارته كالكلب للصيد، فان استعارها إلى موضع فجاوزه فقد تعدى وعليه أجر المثل
للزائد خاصة وان اختلفا فقالا لمالك أعرتكها إلى فرسخ وقال المستعير إلى فرسخين فالقول قول المالك وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك ان كان يشبه ما قال المستعير فالقول قوله وعليه الضمان.
ولنا ان المالك مدعى عليه فكان القول قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن اليمين على المدعى عليه) (مسألة) (وان حمل السيل بذرا إلى أرض فنبت فيها فهو لصاحبه) ولا يجبر على قعله وقال أصحاب الشافعي يجبر عليه في أحد الوجهين إذا طالبه رب الارض لان ملكه حصل في ملك غيره بغير إذنه فأشبه مالو انتشرت اغصان شجرته في هواء ملك غيره ولنا ان قلعه اتلاف للمال عنى مالكه ولم يوجد منه تفريط ولا يدوم ضرره فلا يجبر على ذلك كما لو حصلت دابته في دار غيره على وجه لا يمكن خروجها إلا بقلع الباب أو قتلها فانهلا يجبر على قتلها، ويفارق أغصان الشجرة فنه يدوم ضرره ولا يعرف قدر ما يشغل في الهواء فيؤدي أجره إذا ثبت هذا فانه يقر في الارض إلى حين حصاده بأجر مثله وقال القاضي لا أجر عليه لانه حصل في أرض غيره بغير تفريطه أشبه ما إذا باتت دابته في أرض إنسان بغير تفريطه والاول أولى لان الزامه
تبقية زرع ما أذن فيه في أرضه بغير أجر ولا انتفاع اضرار به وشغل لملكه بغير اختياره فلم يجز كما لو أراد ابقاء البهيمة في دار غيره عاما، ويفارق مبيتها لان ذلك لا يجبر المالك عليه ولا يمنع من إخراجها فإذا تركها اختيارا منه كان راضيا به بخلاف مسئلتنا ويكون الزرع لمالك البذر لانه عين ماله ويحتمل ان لصاحب الارض اخذه بقيمته كزرع الغاصب على ما نذكره والاول أولى لانه بغير عدوان وقد امكن جبر حق مالك الارض بدفع الاجر إليه، وان احب مالكه قعله فله ذلك وعليه تسوية الحفر وما نقصت لانه أدخل النقص على ملك غيره لا ستصلاح ملكه (مسألة) (وإن حمل السيل نوى غرس رجل فنبت في أرض غيره كالزيتون ونحوه فهو لمالك النوى) لانه من نماء ملكه فهو كالزرع ويجبر على قلعه ههنا لان ضرره يدوم فهو كأغصان الشجرة المنتشرة في هواء ملك غيره، وهل يكون كغرس الشفع أو كغرس الغاصب؟ على وجهين (احدهما)
يكون كغرس الغاصب لانه حصل في ملك غيره بغير اذنه (الثاني) كغرس الشفيع لانه حصل في ملك غيره بغير تفريط منه ولا عدوان.
(فصل) وان حمل السيل ارضا بشجرها فنبتت في أرض آخركما كانت فهي لمالكها يجبر على ازالتها كما ذكرنا وفي كل ذلك إذا ترك صاحب الارض المنتقلة أو الشجر أو الزرع ذلك لصاحب الارض التي انتقل إليها لم يلزمه نقله ولا اجره ولا غيره لانه حصل بغير تفريطه ولا عدوانه وكانت الخيرة
إلى صاحب الارض المشغولة به ان شاء أخذه لنفسه وان شاء قلعه.
(فصل) قال رضي الله عنه (وحكم المستعير في استيفاء المنفعة حكم المستأجر) لانه ملك التصرف بقول المالك واذنه فأشبه المستأجر لانه ملكه باذنه فوجب ان يملك ما يقتضيه الاذن كالمتسأجر، فعلى هذا ان اعاره للغراس والبناء فله ان يزرع ما شاء وان استعارها للزرع لم يغرس ولم بين وان استعارها للغرس أو البناء ملك المأذن له فيه منها دون الآخر لان ضررهما مختلف، وكذلك إن استعارها لزرع الحنطة فله زرع الشعير وقد ذكرنا ذلك مفصلا في الاجارة وكذلك إن أذن له في زرع مرة لم يكن له أن يزرع أكثر منها وإن أذن له في غرس شجرة فانقلعت لم يملك غرس أخرى لان الاذن اختص بشئ لم يجاوزه.
(فصل) ومن استعار شيئا فله استيفاء منفعته بنفسه وبوكيله لان وكيله نائب عنه ويده كيده، وليس له أن يؤجره إلا أن يأذن فيه لانه لم يملك المنافع فلم يكن له أن يملكها ولا نعلم في هذا خلافا ولا خلاف بينهم ان المستعير لا يملك العين وأجمعوا على أن للمستعير استعمال المعار فيما أذن له فيه (فصل) وليس له أن يرهنه بغير اذن مالكه، وله ذلك باذنه بشروط ذكرناها في باب الرهن ولا يصير المعير ضامنا للدين وقال الشافعي يصير ضامنا في رقبة عبده في أحد قوليه لان العارية ما يستحق به منعفة العين والمنفعة ههنا للمالك فدل على أنه ضمان
ولنا انه اعاره ليقضي منه حاجته فلم يكن ضامنا كسائر العواري وإنما يستحق بالعارية النفع المأذون
فيه وما عداه من النفع فهو لمالك العين.
(مسألة) (والعارية مضمونة بقيمتها يوم التلف وان شرط نفي ضمانها سواء تعدى المستعير فيها أولم يتعد) روى ذلك عن ابن عباس وأبى هريرة وهو قول الشافعي واسحاق، وقال الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والاوزاعي وابن شبرمة: هي أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المستعير غير المغل ضمان) ولانه قبضها باذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة، قالوا وقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) يدل على أنه أمانة لقول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها).
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان بل عارية مضمونة، وروى الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب ولانه أخذ ملك غيره لنفع نفعه منفردا بنفعه من غير استحقاق ولا اذن في الاتلاف فكان مضمونا كالمغصوب والمأخوذ على وجه السوم وحديثهم يرويه عمر بن عبد الجبار عن عبيد بن حسان عن عمرو بن شعيب وعمر وعيبد ضعيفان قاله الدار قطعي ويحتمل أنه أراد ضمان المنافع والاجر وقياسهم منقوض بالمقبوض على وجه السوم.
(فصل) وان شرط نفي الضمان لم يسقط وبه قال الشافعي وقال أبو حفص العكبري يسقط قال أبو الخطاب أو ما إليه احمد وبه قال قتادة والعنبري لانه لو أذن في اتلافها لم يجب ضمانها فكذلك إذا اسقط عنه ضمانها وقيل بل مذهب قتادة والعنبري انها لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها فيجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان (بل عارية مضمونة) ولنا ان كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع صحيح أو فاسد وما اقتضى الامانة فكذلك كالوديعة والشركة والمضاربة والذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم اخبار بصفة العارية وحكمها، وفارق ما إذا أذن في الاتلاف فان الاتلاف فعل يصح فيه الاذن ويسقط حكمه إذ لا ينعقد موجبا للضمان
مع الاذن فيه واسقاط الضمان ههنا نفي للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك ولا يملك الاذن فيه (فصل) وتضمن بقيمتها يوم التلف إلا على الوجه الذي يجب فيه ضمان الاجزاء التالفة بالانتفاع المأذون فيه فانه يضمنها بقيمتها قبل تلف أجزائها ان كانت قيمتها حينئذ أكثر وان كانت أقل ضمنها بقيمتها يوم تلفها على الوجهين جميعا ويضمنها بمثلها ان كانت مثلية (مسألة) (وكل ما كان أمانة لا يصير مضمونا بشرطه لان مقتضى العقد كونه أمانة فإذا شرط ضمانه فقد التزم ضمان ما لم يوجد سبب ضمانه فلم يلزمه كما لو اشترط ضمان الوديعة أو ضمان مال في يد
مالكه وما كان مضمونا لا ينتفي ضمانه بشرطه لان مقتضى العقد الضمان فإذا شرط نفي ضمانه لا ينتفي مع وجود سببه كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدى فيه وعن أحمد انه ذكر له ذلك فقال المؤمنون على شروطهم وهذا يدل على نفى الضمان بشرطه والاول ظاهر المذهب لما ذكرناه (مسألة) (وان تلفت أجزاؤها بالاستعمال كخمل المنشفة فعلى وجهين) وجملة ذلك ان المستعير إذا انتفع بالعارية ثم ردها على صفتها فلا شئ عليه لان المنافع مأذون في اتلافها فلا يجب عوضها وان تلف شئ من أجزائها التي لا تذهب بالاستعمال ضمنه لان ما تضمن جملته تضمن أجزاؤه كالمغصوب فأما أجزاؤها التي تذهب بالاستعمال كخمل المنشفة والقطيفة ففيه وجهان (أحدهما) يجب ضمانه لانه أجزاء عين مضمونة فوجب ضمانها كالمغصوب ولانها أجزاء يجب ضمانها لو تلفت العين قبل استعمالها فتضمن إذا تلفت وحدها كالاجزاء التي لا تتلف بالاستعمال (والثاني) لا يضمنها وبه قال الشافعي لان الاذن في الاستعمال تضمنه فلا يجب ضمانه كالمنافع وكمالو أذن في إتلافها صريحا وفارق ما إذا تلفت العين قبل استعمالها لانه لا يمكن تمييزها من العين ولانه إنما أذن في اتلافها على وجه الانتفاع فإذا تلفت قبل ذلك فقد فاتت على غير الوجه الذي أذن فيه فضمنها كما لو أجر العين المستعارة فانه يضمن منافعها فان قلنا لا يضمن الاجزاء فتلفت العين بعد ذهابها بالاستعمال قومت حال التلف لان الاجزاء التالفة تلفت غير مضمونة لكونها مأذونا في إتلافها فلا يجز تقويمها عليه وان قلنا تضمن الاجزاء قومت العين قبل
تلف أجزائها فان تلفت الاجزاء باستعمال غير مأذون فيه كمن استعار ثوبا ليلبسه فحمل فيه ترابا فانه يضمن نقصه ومنافعه لانه تلف بتعديه وان تلفت بغير تعد منه ولا استعمال كتلفها بمرور الزمان الطويل عليها ووقوع نار فيها ضمن ما تلف بالنار ونحوها لانه تلف لم يتضمنه الاستعمال المأذون فيه فهو كتلفها بفعل لم يأذن فيه وما تلف بطول الزمان كالذي تلف بالاستعمال لانه تلف بالامساك المأذون فيه فأشبه تلفه بالفعل المأذون فيه (فصل) ولا يجب ضمان ولد العارية في احد الوجهين لانه لم يدخل في الاعارة فلم يدخل في الضمان ولا فائدة للمستعير فيه أشبه الوديعة ويضمن في الآخر لانه ولد عين مضمونة أشبه ولد المغصوبة والاول أصح فان ولد المغصوبة لا يضمن إذا لم يكن مغصوبا وكذلك العارية إذا لم يؤخذ مع أمه (مسألة) (وليس للمستعير أن يعير) وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي وفي الآخر له ذلك وهو قول أبى حنيفة لانه يملكه على حسب ما ملكه فجاز كاجارة المستأجر ويحتمل ان يكون مذهب لاحمد في العارية المؤقتة بناء على كونه إذا أعاره أرضه سنة ليبني فيها لم يحل الرجوع قبل السنة لانه قد ملك المنفعة فجازت له اعارتها كالمتسأجر بعقد لازم وحكاه صاحب المجرد قولا لاحمد، وقال أصحاب الرأي إذا استعار ثوبا ليلبسه فأعطاه غيره فلبسه فهو ضامن وان لم يسم من يلبسه فلا ضمان عليه وقال مالك إذا لم يعمل بها إلا الذي اعيرها فلا ضمان عليه ولنا ان العارية إباحة المنفعة فلا يجوز أن يبيحها غيره كاباحة الطعام وفارق الاجارة فانه ملك
الانتفاع على كل وجه فملك ان يملكها وفي العارية لم يملكها إنما ملك استيفاءها على وجه ما أذن فيه فأشبه من أبيح له أكل الطعام.
فعلى هذا ان أعار فللمالك الرجوع بأجر المثل وله ان يطالب من شاء منهما لان الاول سلط غيره على أخذ مال غيره بغير إذنه والثاني استوفاه بغير إذنه فان ضمن الاول رجع على الثاني لان الاستيفاء حصل منه فاستقر الضمان عله وان ضمن الثاني لم يرجع على الاول إلا أن يكون الثاني لم يعلم بحقيقة الحال فيحتمل ان يستقر الضمان على الاول لانه غر الثاني ودفع إليه العين على أنه يستوفي منافعها بغير عوض
(مسألة) (وان تلفت عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء) لما ذكرنا ويستقر الضمان على الثاني بكل حال لانه قبضها على أنها مضمونة عليه فان ضمن الاول رجع الاول على الثاني ولا يرجع الثاني ان ضمنه على أحد (مسألة) (وعلى المستعير مؤنة رد العارية) لقول النبي صلى الله عليه وسلم (العارية مؤداة) وقوله (على اليد ما أخذت حتى ترده) قال الترمذي هذا حديث حسن، ويجب ردها إلى المعير أو الوكيل في قبضها ويبرأ بذلك من ضمانها وان ردها إلى المكان الذي أخذها منه أو إلى ملك صاحبها لم يبرأ من ضمانها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يبرأ لانها صارت كالمقبوضة فان رد العواري في العادة يكون إلى املاك اربابها فيكون مأذونا فيه عادة
ولنا انه لم يردها إلى مالكها ولا نائبه فيها فلم يبرأ منها كما لو دفعها إلى أجنبي وما ذكره يبطل بالسارق إذا رد المسروق إلى الحرز ولا نسلم ان العادة ما ذكر (مسألة) (وان رد الدابة إلى اصطبل المالك أو غلامه لم يبرا الا بردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يده كالسائس ونحوه) قد ذكرنا في المسألة قبلها الاردها إلى المكان الذي أخذها منه، وان ردها إلى زوجته المتصرفة في ماله أو رد الدابة إلى سائسها فقال القاضي يبرأ في قياس المذهب لان احمد قال في الوديعة إذا سلمها إلى امرأته لم يضمها لانه مأذون في ذلك أشبه مالو أذن فيه نطقا (فصل) ومن استعار شيئا فانتع به ثم ظهر مستخقا فلما لكنه أجر مثله يطالب به من شاء منهما فان ضمن المستعير رجع على المعير بما غرم لانه غره بذلك وغرمه لانه دخل عن انه لا أجرة عليه وان ضمن المعير لم يرجع على أحد لان الضمان استقر عليه قال احمد في قصار دفع ثوبا إلى غير صاحبه فلبسه فالضمان على القصار دون اللابس وسنذكره في الغصب ان شاء الله تعالى.
(فصل) وان اختلفا فقال أجرتك قال بل أعرتي عقيب العقد والبهيمة قائمة فالقول قول الراكب إذا اختلف رب الدابة والراكب فقال الراكب هي عارية وقال المالك أكريتكها
وكانت الدابة باقية لم تنقص وكان الاختلاف عقيب العقد فالقول قول الراكب مع يمينه لان الاصل براءة ذمته منها لان الاصل عدم عقد الاجارة ويرد الدابة إلى مالكها وكذلك إذا ادعى المالك انها عارية وقال الراكب قد اكريتنيها فالقول قول المالك مع يمينه لما ذكرنا (مسألة) (وان كان بعد مضي مدة لها أجرة فالقول قول المالك فيما مضى من المدة دون ما بقي منها) حكي ذلك عن مالك وقال أصحاب الرأي القول قول الراكب وهو منصوص الشافعي لانهما اتفقا على تلف المنافع على ملك الراكب وادعى المالك عوضا لها والاصل عدم وجوبه وبراءة ذمة الراكب منه.
ولنا أنهما اختللفا في كيفية انتقال المنافع إلى ملك الراكب فكان القول قول المالك كما لو اختلفا في عين ققال المالك بعتكها وقال الآخر وهبتنيها ولان المنافع تجري مجرى الاعيان في الملك والعقد عليها ولو اختلفا في الاعيان كان القول قول المالك كذا ههنا وما ذكروه يبطل بهذه المسألة ولانهما اتفقا على أن المنافع لا تنتقل إلى الراكب الا بنقل المالك لها فيكون القول قول في كيفية الانتقال كالاعيان فيحلف المالك ويستحق الاجر (مسألة) (وهل يستحق أجر المثل أو المدعى إذا زاد عليها؟ على وجهين) (أحدهما) أجر المثل لانهما لو اتفقا على وجوبه واختفافي قدره وجب أجر المثل فمع الاختلاف في أصله أولى (والثاني) المسمى لانه وجب بقول المالك ويمينه فوجب ما حلف عليه كالاصل والاول أصح لان الاجارة لا تثبت بدعوى المالك بغير بينة وانما يستحق بدل النفعة وهو أجر المثل وقيل يلزمه أقل الامرين لانه ان كان المسمى أقل ققد رضي به وان كان أكثر فليس له الا أجر المثل لان الاجارة لم تثبت وانما يكون القول قول المالك إذا اختلفا في أثناء المدة فيها مصى منها واما فيما قي فالقول قول المستعير لان ما بقي بمنزلة ما لو اختلفا
عقيب العقد وان ادعى المالك في هذه الصورة أنها عارية وادعى الآخر باجرة فهو يدعي استحقاق المنافع ويعترف بالاجر للمالك والمالك ينكر ذلك كله فالقول قوله مع يمينه فيحلف ويأخذ بهيمته (مسألة) (وان اختلفا بعد تلف الدابة فقال المالك اعرتك وقال الراكب بل أجرتني فالقول قول المالك إذا كان قبل مضي مدة لها اجرة) سواء ادعى الاجارة أو العارية لانه ان ادعى الاجارة
فهو معترف للراكب ببراءة ذمته من ضمانها فيقبل اقراره على نفسه، وان ادعى الاعارة فهو يدعي قيمتها والقول قوله لانهما اختلفا في صفة القبض والاصل فيما يقبضه الانساب من مال غيره الضمان لقول النبي صلى الله وسلم (على اليد ما أخذت حتى ترده) حديث حسن وإذا حلف المالك استحق القيمة والقول في قدرها قول الراكب مع يمينه لانه منكر للزيادة المختلف فيها والاصل عدما، وان اختلفا في ذلك بعد مضي مدة لها أجرة والبهمية تالفة وكان الاجر بقدر قيمتها أو كان ما يدعيه المالك أقل مما يعترف به الراكب فالقول قول المالك بغير يمين سواء ادعى الاجارة أو الاعارة إذا لا فائدة في اليمين على شئ يعرف له به خصمه ويحتمل أن لا يأخذه الا بيمين لانه يدعي شيئا لا يصدق فيه ويعترف له خصمه بما لا يدعيه فيحلف على ما يدعيه وان كان ما يدعيه المالك أكثر بأن تكون قيمة الدابة
أكثر من أجرها فادعى المالك أنها عارية لتجب له القيمة وأنكر استحقاق الاخر ادعى الراكب انها مكتراة أو كان الكراء أكثر من قيمتها فادعى المالك أنه أجرها ليجب له الكراء وادعى الراكب أنها عارية فالقمول قول المالك في الصورتين لما قدمنا فإذا حلف استحق ما حلف عليه ومذهب الشافعي في هذا كله نحو ما ذكرنا (مسألة) (وان قال أجرتني أو أعرتني قال بل غصبتني فالقول قول المالك وقبل قول الغاصب) إذا كان الاختلاف عقيب العقد والدابة قائمة لم تنقص فلا معنى للاختلاف ويأخذ المالك دابته وكذلك ان كانت الدابة تالفة وادعى الراكب العارية لان القيمة تجب على المستعير كوجوبها على الغاصب، وان كان الاختلاف بعد مضي مدة لها أجرة فالاختلاف في وجوبه والقول قول المالك وهذا ظاهر قول الشافعي ونقل المزني عنه أن القول قول الراكب وذكره بعض أصحابنا لان المالك يدعي عليه عوضا الاصل براءة ذمته منه ولان الظاهر من اليد أنها لحق فكان القول قول صاحبها ولنا ما قدمنا في المسألة التي قبلها بل هذا أولى لانهما ثم اتفقا على أن المنافع ملك الراكب وههنا لم يتفقا على ذلك فان المالك ينكر انتقال الملك فيها إلى الراكب والراكب يدعيه والقول قول المنكر لان الاصل عدم الانتقال فيحلف ويستحق الاجر، فان قال المالك غصبتها وقال الراكب أجرتنيها
فالاختلاف ههنا في وجوب القيمة لان الاجر يجب في الموضعين الا أن يختلف المسمى وأجر المثل فالقول قول المالك مع يمينه في وجوب القيمة فان كانت الدابة تالفة عقيب أخذها حلف وأخذ قيمتها وان كانت قد بقيت مدة لمثلها أجر والمسمى بقدر أجر المثل أخذه المالك لا تفاقهما على استحقاقه وكذلك ان كان أجر المثل دون المسمى وفي اليمين وجهان وان كان زائدا عن المسمى لم يستحقه الا باليمين وجها واحدا والله أعلم
كتاب الغصب وهو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق، وهو محرم بالكتاب والسنة والاجماع: أما الكتاب فقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلو افريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون) وأما السنة فروى جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر (ان دماء كم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) رواه مسلم وغيره، وعن سعيد ابن زيد قال مسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخذ شبرا من الارض ظلما طوقه من سبع أرضين) متفق عليه، وورى أبو حرة الرقاشي عن عمه وعمرو بن يثربي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه) رواه الجوزجاني، وأجمع المسلمون على تحريم الغصب في الجملة وإنما اختلفوا في فروع منه نذكرها ان شاء الله تعالى (مسألة) (وتضمن أم الولد والعقار بالغصب) وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يضمن لان أم الولد لا تجري مجرى المال بدليل أنه لا يتعلق بها حق الغير فأشبهت الحر ولنا أنها تضمن بالقيمة فضمنت بالغصب كالقن ولانها مملوكة أشبهت المدبرة وفارقت الحرة فانها ليست مملوكة ولا تضمن بالقيمة
(مسألة) (ويضمن العقار بالغصب ويتصور غصب الاراضي والدور ويجب ضمانه على عاصبه)
هذا ظاهر مذهب أحمد وهو المنصوص عند أصحابه وبه قال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وروى ابن منصور عن أحمد فيمن غصب أرضا فزرعها ثم أصابها غرق من الغاصب غرم قيمة الارض وان كان شيئا من السماء لم يكن عليه شئ فظاهر هذا أنها لا تضمن بالغصب وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يتصور غصبها ولا تضمن بالغصب فان أتلفها ضمنها بالاتلاف لانه لم يوجد فيها النقول والتحويل فلم تزيضمنها كما لو حال بينه وبين متاعه فتلف المتاع ولان الغصب اثبات اليد على المال عدوانا على وجه ول به يد المالك ولا يمكن ذلك في العقار ولنا قوله عليه السلام (من ظلم شبرا من الارض طوقه يوم القيمة من سبع أرضين) متفق على معناه وفي لفظ (من غصب شبرا من الارض) فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغصب ويظلم فيه ولان ما ضمن في البيع وجب ضمانه في الغصب كالمنقول ولانه يمكن الاستيلاء عليه على وجه يحول بينه وبين مالكه مثل أن يسكن الدار ويمنع مالكها من دخولها فأشبه مالو أخذ الدابة والمتاع، وأما إذا حال بينه وبين متاعه واستولى على ماله فنظيره ههنا أن يحبس المالك ولا يستولي على داره، وأما ما تلف من الارض بفعله أو بسبب فعله كهدم حيطانها وتغريقها أو كشط ترابها والقاء الحجارة فيها أو نقص يحصل بغراسه أو بنائه فيضمنه بغير خلاف بين العلماء لان هذا إتلاف والعقار يضمن بالاتلاف من غير خلاف.
(فصل) ولا يحصل الغصب من غير استيلاء فلو دخل أرض إنسان أو داره لم يضمنها بدخوله سواء دخلها باذنه أو غير إذنه وسواء كان صاحبها فيها أولم يكن وقال أصحاب الشافعي ان دخلها بغير
اذنه ولم صاحبها فيها ضمنها سواء قصد ذلك أو ظن أنها داره أو دار أذن له في دخولها لان يد الداخل تثبت عليها بذلك فيصير غاصبا فان الغصب اثبات اليد العادية وهذا قد تثبت يده بدليل أنهما لو تنازعا في الدار ولا بينة حكم بها لمن هو فيها دون الخارج منها ولنا أنه غير مستول عليها فلم يضنمها كما لو دخلها باذنه أو دخل صحراة له ولانه إنما يضمن بالغصبب ما يضمنه في العارية وهذا لا تثبت به العارية ولا يجب به الضمان فيها فكذلك لا يثبت به
الغصب إذا كان بغير اذن.
(مسألة) (وان غصب كلبا فيه نفع أو خمر ذمي لزمه ردهما) إذا غصب كلبا يجوز اقتناؤه وجب رده لانه يجوز الانتفاع به واقتناؤه فأشبه المال، وان أتلفه لم يغرمه وفيه اختلاف ذكر في البيع وهو مبني على جواز بيعه، وان حبسه مدة لم يلزمه أجر لانه لا يجوز وان غصب خمر ذمي لزمه ردها لانه يقر على شربها فان أتلفها لم يلزمه قيمتها سواء أتلفه مسلم أو ذمي وسواء كان المسلم أو ذمي نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يهريق مسكرا لمسلم أو لذمي فلا ضمان عليه وكذلك الخنزير وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك يجب ضمان الخمر والخنزير إذا أتلفهما على ذمي قال أبو حنيفة ان كان مسلما بالقيمة وان كان ذميا بالمثل لان عقد الذمة إذا عصم عينا قومها كنفس الذمي وقد عصم خمر الذمي بديل ان المسلم يمنع من اتلافها فيجب أن يقومها ولانها مال لهم يتمولونها لما روي عن عمر رضي الله عنه ان عامله كتب إليه: ان أهل الذمة يمرون بالعاشر ومعهم الخمور فكتب إليه عمر ولوهم بيعها وخذوا منهم عشر ثمنها فإذا كانت مالا لهم وجب ضمانها كسائر أموالهم
ولنا ماروى جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ألا ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام) متفق عليه وما حرم بيعه لالحرمته لم تجب قيمته كاليمتة ولان ما لم يكن مضمونا في حق المسلم لا يكون مضمونا في حق الذمي كالمرتد، ولانها غير متقومة فلا تضمن كالميتة، ودليل أنها غير متقومة أنهغا غير متقومة في حق المسلم فكذلك في حق الذمي فان تحريهما ثبت في حقهما وخطاب النواهي يتوجه إليها فما ثبت في حق احدهما ثبت في حق الآخر ولا نسلم أنها معصومة بل متى أظهرت حلت إراقتها ثم لو عصمها ما لزم تقومها فان نساء أهل الحرب وصبيانهم معصومون غير متقومين وقولهم إنها مال عندهم ينتقض بالعبد المرتد فانه مال عندهم، فاما حديث عمر فمحمول على أنه اراد ترك التعرض لهم وإنما أمر باخذ عشر أثمانها لانهم إذا تبايعوا وتقابضوا حكمنا بالمالك ولم نتقضه وتسميتها أثمانا مجاز كما سمى الله تعالى ثمن يوسف ثمنا فقال (وشروه بثمن جنس) (فصل) فان غصب من مسلم خمرا حرم ردها ووجبت إراقتها لان أبا طلحة سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فأمره بأراقتها، وان اتلفها أو تلفت عنده لم يجب ضمانها لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ولان ما حرم الانتفاع به لم يجب ضمانه كالميتة والدم، فان امسكها حتى صارت خلا لزمه ردها لانها صارت خلاعلى حكم ملكه فلزمه ردها فان تلفت ضمنها له لانها مال المغصوب منه تلف في يد الغاصب، فان أراقها
فجمعها اسنان فتخلت عنده رد الخل لانه أخذها بعد اتلافها وزوال اليد عنها (مسألة) (وان غصب جلد ميتة فهل يجب رده؟ على وجهين) بناء على طهارته بالدباغ فمن قال بطهارته أوجب رده لانه يمكن اصلاحه فهو كالثوب النجس ومن قال لا يطهر لم يجب رده لانه لا سبيل إلى اصلاحه وان أتلفه أو اتلف ميتة بجلدها لم يضمن لانه لا قيمة له بدليل انه لا يحل بيعه (مسألة) (وان دبغه وقلنا بطهارته يلزمه رده كالخمر إذا تخللت ويحتمل أن لا يجب رده) لانه صار مالا بفعله بخلاف الخمر وان قلنا لا يظهر لم يجب رده لانه لا يباح الانتفاع به ويحتمل أن يجب رده إذا قلنا يباح الانتفاح به في اليابسات لانه نجس يباح الانتفاع به أشبه الكلب وكذلك قبل الدباغ (مسألة) (وان استولى على حرلم يضمنه بذلك) لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحر فانه لا يضمن بالغصب انما يضمن بالاتلاف فان حبس حرافمات عنده لم يضمنه لانه ليس بمال إلا أن يكون صغيرا ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمنه لانه حر أشبه الكبير وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يضمنه لانه يمكن الاستيلاء عليه من غير ممانعة منه أشبه العبد الصغير، فان قلنا لا يضمنه فهل يضمن ثيابه وحليه؟ على وجهين (احدهما) لا يضمنه لانه تبع له وهو تحت يده أشبه ثياب الكبير (والثاني) يضمنه لانه استولى عليه أشبه مالو كان منفردا (مسألة) (وان استعمل الحر كرما فعليه أجرته (لانه استوفى منافعه وهي متقومة فلزمه ضمانها
كمنافع العبد، وان حبسه مدة لمثلها أجرة ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه أجرتك المدة لانه فوت منفعتبه وهي مال يجوز أخذ العوض عنها فضمنت بالغصب كمنافع العبد (والثاني) لا يلزمه أجرتك المدة لانها تابعة
لما لا يصح غصبه فأشبهت ثيابه إذا بليت عليه وأطرافه ولانها تلفت تحت يديه فلم يجب ضمانها كنما ذكرنا لو منعه العمل من غير حبس لم يضمن منافعه وجها و احدا لانه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحر أولى ولو حبس الحر وعليه ثباب لم يلزمه ضمانها لانها تابعة لما لم تثبت اليد عليه في الغصب وهذا كله مذهب الشافعي (فصل) ويلزمه رد المغصوب ان قدر على رده وان غرم عليه اضعاف قيمته إذا كان باقيا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (على ايد ما أخذت حتى ترده) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن وروى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا جادا ومن أخذ عصا أخيه فليردها) رواه أبو داود يعني أنه يقصد المزح مع صاحبه بأخذ متاعه وهو جاد في إدخال الغم والغيظ عليه ولانه أزال يد المالك عن ملكه بغير حق فلزمته إعادتها، وأجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله لم يتغير ولم يشتغل بغيره (فصل) فان غصب شيئا فبعد لزم رده وان عرم عليه أضعاف قيمته لانه جنى بتبعيده فكان ضرر ذلك عليه فان قال الغاصب خذ مني أجر رده وتسلمه مني ههنا أو بذل له أكثر من قيمته ولا يسترده لم يلزم المالك قبول ذلك لانها معاوضة فلا يجبر عليها كالبيع، وان قال المالك دعه لي في مكانه الذي نقلته
إليه لم يملك الغاصب رده لانه أسقط عنه حقا فسقط وان لم يقبله كما لو أبرأه من دينه وان قال رده لي إلى بعض الطريق لزمه لانه يلزمه جميع المسافة فلزمه بعضها المطلوب وسقط عنه ما أسقطه كما لو أسقط عنه بعض دينه وان طلب منه حمله إلى مكان آخر في غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ذلك سواء كان اقرب إلى المكان الذي يلزم رده إليه أولا لانه معاوضة، وان قال دعه في مكانه واعطني أجر رده لم يلزمه ذلك ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز لان الحق لهما لا يخرج عنهما (مسألة) (وان خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده) مثل أن يخلط حنطة بشعير أو سمسم أو صغار الحب بكباره أو زبيبا أسود باحمر لما ذكرنا وأجر المميز عليه كاجر رده إذا بعده وان أمكن تمييز بعضه وجب تمييز ما أمكن منه وان لم يمكن تميز شئ منه فسنذكره ان شاء الله تعالى (مسألة) (وان بنى عليه لزمه رده الا أن يكون قد بلي) إذا غصب شيئا فشغله بملكه كحجر نبي
عليه أو خيط خاط به ثوبه أو نحوه فان بلي الخيط أو انكسر الحجر أو كان مكانه خشبة فتلفت لم يجب رده ووجبت قيمته لانه صارها لكا فوجبت قيمته كما لو تلف، وان كان باقيا بحاله لزمه رده وان انتقض البناء وتفصل الثوب وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يجب اداء الخشبة والحجر لانه صار تابعا لملكه يستضر بقلعه فلم يجب رده كما لو غصب خيطا فخاط به جرح عبده ولنا أنه مغصوب أمكن رده ويجوز له فيجوز كما لو بعد العين ولا يشبه الخيط الذي يخاف على العبد من قلعه لانه لا يجوز له رده لما في ضمنه من تلف الآدمي ولان حاجته إلى ذلك تبيح أخذه ابتداء بخلاف البناء
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: