الفقه الحنبلي - الغصب
(مسألة) (وان سمر بالمسامير بابالزمه قلعها وردها) لما ذكرنا من الحديث (فصل) وان غصب فصيلا فأدخله داره فكبر ولم يخرج من الباب أو خشبة وأدخلها دار ثم
بنى الباب ضيقا لا يخرج منه الا بنقضه وجب نقضه ورد الفصيل والخشبة كما ينقض البناء لرد الساجة فان كان حصوله في الدار بغير تفريط من صاحب الدار نقص الباب وضمانه على صاحب الفصيل لانه لتخليص ماله من غير تفريط من صاحب الدار، وأما الخشبة فان كان كسرها اكثر ضررا من نقض الباب فهي كالفصيل وان كان اقل كسرت ويحتمل في الفصيل مثل هذا متى كان ذبحه اقل ضررا ذبح وأخرج لحما لانه في معنى الخشبة، وان كان حصوله في الدار بعدوان من صاحبه كرجل غصب دارا وأدخلها فصيلا أو خشبة أو تعدى على انسان فأدخل داره فرسا ونحوها كسرت الخشبة وذبح الحيوان وإن زاد ضرره على نقض البناء لان سبب هذا الضرر عدوانه فيكون عينه، ولو باع دارا فيها خوابي لا تخرج الا بنقض الباب أو خزائن أو حيوان وكان نقض الباب أقل ضررا من بقاء ذلك في الدار أو تفصيله أو ذبح الحيوان نقض وكان إصلاحه على البائع لانه لتخليص ماله، وإن كان اكثر ضررا لم ينقض لانه لا فائدة فيه ويصطلحان على ذلك اما بان يشتريه مشترى الدار أو غير ذلك (فصل) وان غصب جوهرة فابتلعتها بهيمة فقال أصحابنا حكمها حكم الخيط الذي خاط به جرحها على ما نذكره، قال شيخنا ويحتمل أن الجوهرة متى كانت أكثر قيمة من الحيوان ذبح وردت إلى مالكها وضمان الحيوان على الغاصب الا ان يكون الحيوان آدميا ويفارق الخيط فانه في الغالب أقل قيمة من
الحيوان والجوهرة أكثر قيمة ففي ذبح اليحوان رعاية حق المالك برد عين إليه ورعاية حق الغاصب بتقليل الضمان عليه، وان ابتلعت شاة رجل جوهرة آخر غير مغصوبة ولم يكن اخراجها الا بذبح الشاة ذبحت إذا كان ضرر ذبحها أقل وضمان نقصها على صاحب الجوهرة لانه لتخليص ماله فان كان التفريط من صاحب الشاة بكون يده عليها فلا شئ على صاحب الجوهرة لان التفريط من غيره فكان الضرر على المفرط.
(فصل) وان أدخلت رأسها في قمقم ولم يمكن اخراجه الا بذبحها أو كسر القمقم وكان ضرر ذبحها أقل ذبحت وان كان كسر القمقم أقل كسر، فان كان التفريط من صاحب الشاة فالضمان عليه وان كان من صاحب القمقم بأن وضعه في الطريق فالضمان عليه وان لم يكن منهما تفريط فالضمان على صاحب الشاة، وان كسر القمقم لانه كسر لتخليص شاته وإذا ذبحت الشاة فالضمان على صاحب القمقم لانه لتخليص ماله فان قال من عليه الضمان منهما أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا للآخر فله ذلك لان اتلاف مال الآخر انما كان لحقه وسلامة ماله وتخليصه فإذا رضي بتلفه لم يجز إتلاف غيره، وان قال لا أتلف مالي ولا أغرم شيئا لم نمكنه من اتلاف مال صاحبه لكن صاحب القمقم لا يجبر على شئ لانه لاحرمة له فلا يجبر صاحبه على تخليصه، وأما صاحب الشاة فلا يحل له تركها لما فيه من تعذيب الحيوان فيقال له اما ان تذبح الشاة لتريحهما من العذاب واما أن تعرم القمقم لصاحبه إذا كان كسره أقل ضررا لان ذلك من ضرورة ابقائها أو تخليصها من العذاب فلزم كعلفها، فان كان الحيوان غير مأكول احتمل أن
يكون حمه حكم المأكول فيما ذكرنا، واحتمل ان يكسر القمقم وهو قول أصحابنا لانه لانفع في ذبحه ولا هو مشروع وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة، ويحتمل ان يكون كالمأكول في أنه متى كان قتله أقل ضررا أو كانت الجناية من صاحبه قتل لان حرمته معارضة بحرمة مال الآدمي الذي يتلف والنهي عن ذبحه معارض بالنهي عن اضاعة المال، وفي كسر القمقم مع كثرة قيمته اضاعة المال.
(فصل) وان غصب دينارا فوقع في محبرته أو اخذ دينار غيره فسهى فوقع في محبرته كسرت ورد الدينار كا ينقض البناء لرد الخشبة وكذلك ان كان درهما أو أقل وان وقع من غير فعله كسرت لرد الدينار ان أحب صاحبه والضمان عليه لتخيص ماله، وان غصب دينارا فوقع في محبرة آخر بفعل الغاصب أو بغير فعله كسرت لرده وعلى الغاصب ضمان المحبرة لانه السبب في كسرها وان كان كسرها أكثر ضررا من تبقيته الواقع فيها ضمنه الغاصب ولم يكسر، وان رمى انسان ديناره في محبرة غيره عدوانا فابى صاحب المحبرة كسرها لم يجبر عليه لان صاحبه تعدى برميه فيها فلم يجبر صاحبها على اتلاف ماله لازالة ضرر عدوانه عن نفسه وعلى الغصب نقص المحبرة بوقوع الدينار فيها ويحتمل ان يجبر على كسرها لردعين مال الغاصب ويضمن الغاصب قيمتها كما لو غرص في ارض غيره ملك حفر الارض بغير اذن المالك لاخذ غرسه يضمن نقصها بالحفر يضمن نقصها بالحفر وعلى الوجهين لو كسرها الغاصب قهرا لم يلزمه أكثر من قيمتها (مسألة) (وان زرع الارض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرنها)
إذا غصب أرضا فزرعها وردها بعد حصاد الزرع فهو للغاصب لا نعلم فيه خلافا لانه نماء ماله وعليه أجر المثل إلى وقت التسليم وضمان النقص ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة كأراضي البصرة أو نقصت لغير ذلك ضمن نقصها لما نذكره فيما إذا غرسها أو بنى فيها (مسألة) (وان أدركها ربها وازرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله وبين أخذه بعوضه وهل ذلك قيمته أو نفقته؟ على وجهين) قوله أدركها والزرع قائم يعني استرجعها من الغاصب وقدر على أخذها منه متى أدركها ربها والزرع قائم لم يملك اجبار الغاصب على قلع الزرع وخير المالك بين أن يقر الزرع في الارض إلى الحصاد ويأخذ من الغاصب أجرة الارض وأرش نقصها وبين أن يدفع إليه نفقته ويكون له الزرع وهذا قول أبي عبيد وقال اكثر الفقهاء يملك اجبار الغاصب على قلعه لقوله عليه الصلاة والسلام ((ليس لعرق ظالم حق) لانه زرع في أرض غيره ظلما أشبه الغرس ولنا ما روى رافع بن خدبج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زرع في أرض قوم
بغير اذنهم فليس له من الزرع شئ وعليه نفقته) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح فيه دليل على أن الغاصب لا يجبر على القلع لانه ملك للمغصوب منه ولانه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غير اتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلم يجز اتلافه كما لو غصب سفينة فحمل فيها ماله وادخلها البحر أو غصب لوحا فرقع به سفينة فانه لا يجبر على رد المغصوب في اللجة ينتظر حتى ترمي صيانة للمال عن
التلف كذا هذا، وفارق الشجر لان مدته تتطاول ولا يعلم متى ينقطع من الارض فانتظاره يؤدي إلى ترك رد الاصل بالكلية، وحديثهم ورد في الغرس وحديثنا في الرزع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه وهو أولى من ابطال أحدهما.
إذا ثبت هذا فمتى رضي المالك بترك الزرع للغاصب ويأخذ منه أجر الارض فله ذلك لانه شغل المغصوب بماله فملك صاحبه أخذ أجره كما لو ترك في الدار طعاما يحتاج في نقله إلى مدة وان أحب أخذ الزرع فله ذلك كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري بقيمته، وفيما يرد على الغاصب روايتان: إحداهما) قيمة الزرع لانه بدل عن الزرع فيقدر بقيمته كما لو أتلفه ولان الزرع للغاصب إلى حين نتزاعه منه بدليل أنه لو اخذه قبل انتزاع المالك كان ملكا له يأخذه فيكون أخذ المالك له تملكا له الا ان يعوضه فيجب ان يكون بقيمته كما لو أخذ الشقص المشفوع، فعلى هذا يجب على الغاصب أجر الارض إلى حين تسليم الزرع لان الرزع كان محكوما له به وقد شغل به أرض غيره (والرواية الثانية) يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ومؤنة الزرع في الحرث والسقي وغيره وهذا الذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي وظاهر الحديث لقوله (عليه نفقته) وقيمة الشئ لا تسمى نفقة له والحديث مبني على هذه المسألة فان أحمد إنما ذهب إلى هذا الحكم استحسانا على خلاف القياس فان القياس ان الزرع لصاحب البذر لانه نماء ماله فأشبه ما لو غصب دجاجة فحضنت بيضا له كان الماء له وقد صرح به أحمد فقال هذا شئ لا يوافق القياس أستحسن ان يدفع إليه نفقته للاثر ولذلك جعلناه للغاصب إذا أخذت منه الارض بعد أخذه الزرع وإذا كان العمل بالحديث فيجب أن يتبع مدلوله ويحتمل ان يكون الزرع للغاصب وعليه الاجرة كما إذا رجع المستعير
(فصل) فان كان مما تبقى أصوله في الارض ويجز مرة بعد اخرى كالرطبة احتمل ان يكون حكمه ما ذكرنا لدخوله في عموم الزرع لانه ليس له فرع قوي اشبه الحنطة والشعير واحتمل ان حكمه حكم الغرس لبقاء أصله وتكرر اخذه ولان القياس يقتضي أن يثبت لكل زرع مثل حكم الغرس وانما ترك فيما تقل مدته للاثر ففيما عداه يبقى على قضية القياس (فصل) فان غصب ارضا فغرسها فأثمرت فأدركها ربها بعد اخذ الغاصب ثمرتها في له فان ادركها والثمرة فيها فكذلك لانها ثمرة شجرة فكانت له كما لو كانت في ارضه ولانها نماء اصل محكوم به للغاصب فكان له كاغصانها وورقها ولبن الشاة ونسلها، وقال القاضي هي لمالك الارض ان ادركها قى الغراس لان احمد قال في رواية عي بن سعيد إذا غصب ارضا فغرسها فالنماء لمالك الارض قال القاضي وعليه من انفقة ما انفقه الغارس من مؤنة الثمرة لان الثمرة في معنى الزرع فكان لصاحب الارض إذا ادركه قائما فيها كالزرع قال شيخنا والاول اصح لان احمد قد صرح بان اخذ رب الارض الزرع شئ لا يوافق القياس وانما صار إليه للاثر فيختص الحكم به ولا يتعدى إلى غيره، ولان الثمرة تفارق الزرع من وجهين (احدهما) ان الزرع نماء الارض فكان لصاحبها والثمرة نماء الشجر فكانت لصاحبه الثاني انه يرد عوض الزرع إذا اخذه مثل البذر الذي نبت منه الزرع مع ما انفق عليه ولا يمكنه مثل ذلك في الثمرة.
(فصل) وان غصب شجرا فأثمر فالثمر لصاحب الشجر بغير خلاف نعلمه لانه نماء ملكه ولان الشجر عين ملكه نمى وزاد فأشبه مالو طالت اغصانه، ويرد الثمر ان كان باقيا وبدله ان تلف وان كان رطبا فصار تمرا أو عنبا فصا رزبيبا فعليه رده وارش نقصه ان نقص ولا شئ له بعلمه فيه ولا
اجرة عليه للشجر لان اجرتها لا تجوز في العقود فكذلك في الغصب ولان نفع الشجر تربية الثمر واخراجه وقد عادت هذه المنافع إلى المالك، ولو كانت ماشية فعليه ضمان ولدها ان ولدت عنده وضمان لبنها مثله لانه من ذوات الامثال ويضمن اربارها واشعارها بمثله كالقطن، وفي ضمان زوائد الغصب
المنفصلة اختلاف نذكره فيما يأتي (مسألة) (وان غرس أو بنى اخذ بقلع غرسه وبنائه وتسوية الارض وارش نقصها واجرتها) متى غرس في ارض غيره بغير اذنه أو بنى فيها وطلب صاحب الارض قلع غراسه وبنائه لزم الغاصب ذلك ولا نعلم فيه خلافا لما روى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس لعرق ظالم حق) رواه الترمذي وقال حديث حسن رووى أبو داود وابو عبيد في الحديث انه قال فلقد اخبرني الذي حدثني هذا الحديث ان رجلا غرس في أرض رجل من الانصار من بني بياضة فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للرجل بأرضه وقضى للآخر أن ينزع نخله قال فلقد رأيثها يضرب في اصولها بالفؤس وانها لنخل عم ولانه شغل ملك غيره بملكه الذي لاحرمة له في نفسه بغير اذنه فلزمه تفريغه كما لو جعل فيه قماشا، وإذا قلعها لزمه تسوية الحفر ورد الارض إلى ما كانت عليه لانه ضرر حصل في ملك غيره بفعله فلزمته إزالته
(فصل) فان أراد صاحب الارض أخذ الشجرة والبناء بغير عوض لم يكن له ذلك لانه عين مال الغاصب فلم يملك صاحب الارض اخذه كما لو وضع فيها أثاثا أو حيوانا، وان طلب اخذه بقيمته وابى مالكه إلا القلع فله ذلك لانها ملكه فملك نقله ولا يجبر على اخذ القيمة لانه معاوضة فلم يجبر عليها وان اتفقا على تعويضه عنه جاز لانه الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه، وان وهب الغاصب الغراس والبناء لمالك الارض ليتخلص من قلعه فقبله المالك جاز وان ابى قبوله وكان في قلعه غرض صحيح لم يجبر على قبوله وان لم يكن فيه غرض صحيح احتمل ان يجبر على قبوله لان فيه رفع الخصومة من غير غرض يفوت ويحتمل ان لا يجبر لان فيه اجبارا على عقد يعتبر الرضى فيه، وان غصب ارضا وغراسا من رجل واحد فغرسه فيها فالكل لمالك الارض فان طالبه المالك بقعله وله في فعله غرض أجبر على قلعه لانه فوت عليه غرضا مقصودا بالارض فأخذ باعادتها إلى ما كانت وعليه تسوية الارض ونقصها ونقص الغراس لانه نقص حصل في يد الغصب اشبه مالو غصب طعاما فتلف بعضه وان لم يكن في قلعه غرض صحيح لم يجبر على قلعه لانه سفه فلا يجبر عليه وقيل يجبر لان المالك محكم في ملكه والغاصب غير
محكم فان اراد الغاصب قلعه ومنعه المالك لم يملك قلعه لان الجميع ملك للمغصوب منه فلم يملك غيره التصرف فيه بغير إذنه.
(فصل) والحكم فيما إذا بنى في الارض كالحكم فيما إذا غرس فيها في هذا التفصيل جميعه الا انه يتخرج انه إذا بذل مالك الارض القيمة لصاحب البناء اجبر على قبولها إذا لم يكن في النقض غرض صحيح لان النقض سفه والاول اصح لما روى الخلال باسناده عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بنى في رباع قوم باذنهم فله القيمة ومن بنى بغير إذنهم فله النقض) ولان ذلك معاوضة فلا يجبر عليها وإذا كانت الآلة من تراب الارض واحجارها فليس للغاصب النقض على ما ذكرنا في الغرس (فصل) وان غصب أرضا فكشط ترابها لزمه رده وفرشه على ما كان ان طالبه المالك وكان فيه غرض وان لم يكن فيه غرض فهل يجبر على فرشه يحتمل وجهين وان منعه المالك فرشه أورده وطلب الغاصب ذلك وكان في رده غرض من ازالة ضرر أو ضمان فله فرشه ورده وعليه أجر مثلها مدة شغلها وأجر نقصها، وان أخذ تراب أرض فضربه لبنا رده ولا شئ له الا ان يجعل فيه تبناله فله ان يحله ويأخذ تبنه، فان كان لا يحصل منه شئ ففيه وجهان بناء على كشط التزويق إذا لم يكن له قيمة وسنذكره، وان طالبه المالك بحله لزمه ذلك إذا كان فيه غرض فان لم يكن فيه غرض فعلى وجهين فان جعله آجرا أو فخارا لزمه رده ولا أجر له لعمله وليس له كسره ولا للمالك اجباره عليه لانه سفه واتلاف للمال واضاعة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال
(فصل) وعليه ضمان نقص الارض ان نقصت بالغرس والبناء وهكذا كل عين مغصوبة على الغاصب ضمان نقصها إذا كان نقصا مستقرا كاناء تكسر وطعام سوس وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا شق لرجل ثوبا شقا قليلا أخذ أرشه وان كثر فصاحبه بالخيار بين تسليمه وأخذ قيمته وبين امساكه مع الارش وروي عن أحمد كلام يحتمل هذا فانه قال في رواية موسى بن سعيد إن شاء شق الثوب وان
شاء مثله يعني والله أعلم ان شاء أخذ ارش الشق ووجهه ان الجناية أتلفت معظم نفعه فكانت له المطالبة بقيمته كما لو قتل شاة له، وحكى أصحاب مالك عنه إذا جنى على عين فاتلف غرض صاحبها فيها كان المجني عليه بالخياران شاء رجع بما نقصت وإن شاء سلمها وأخذ قيمتها، ولعل ما يحكى عنه من قطع ذنب حمار القاضي ينبني على ذلك لانه أتلف غرضه به فانه لا يركبه في العادة وحجتهم أنه أتلف المنفعة المقصودة من السلعة فلزمته قيمتها كما لو أتلفها ولنا أنها جناية على مال أرشها دون قيمته فلم يملك المطالبة بجميع قيمته كما لو ان الشق يسيرا ولانها جناية نقص بها القيمة اشبه مالو لم يتلف غرض صاحبها وفي الشاة أتلف جميعها لان الاعتبار بالمجني عليه لا بغرض صاحبه لانه ان لم يصلح لصاحبه صلح لغيره.
وعليه أجر الارض منذ غصبها إلى وقت تسليمه وهكذا كل ماله أجر فعلى الغاصب أجر مثله سواء استوفى المنافع أو تلفت تحت يده لانها
تلفت في يده العادية فكان عليه عوضها كالاعيان، وفيه اختلاف نذكره فيما يأتي ان شاء الله تعالى وان غصب أرضا فبناها دارا فان كانت آلات بنائها من مال الغاصب فعليه أجر الارض دون بنائها لانه إنما غصب الارض والبناء له فلم يلزمه أجز ماله وان بناها بتراب منها وآلات المغضوب منه فعليه أجرها مبنية لان الداركلها ملك للمغصوب منه وانما للغاصب فيها أثر الفعل فلا يكون في مقابلته أجر لانه وقع عدوانا.
(فصل) وان غصب درار فنقضها ولم يبنها فعليه أجر دار إلى حين نقضها واجرها مهدومة من حين نقضها إلى حين ردها لان البناء انهدم وتلف فلم يجب أجره مع تلفه، وان نقضها ثم بناها بآلة من عنده فالحكم كذلك، وان بناها بآلتها أو آلة من ترابها أو ملك المغصوب منه فعليه اجرها عرصة منذ نقضها إلى أن بناها وأجرها دارا فيما قبل ذلك وبعده لان البناء للمالك، وحكمها في نقض بنائها الذي بناه الغاصب حكم مالو غصبها عرصة فبناها، وان كان الغاصب باعها فبناها المشتري أو نقضها ثم بناها لم يختلف الحكم وللمالك مطالبة من شاء منهما والرجوع عليه فان رجع عليه الغاصب رجع الغاصب على المشتري بقيمة ما أتلف من الاعيان لان المشتري دخل على انه مضمون عليه بالعوض
فاستقر الضمان عليه، وان رجع المالك على المشتري رجع المشتري على الغاصب في نقص التالف ولم يرجع بقيمة ما تلف وهل يرجع كل واحد منها على صاحبه بالاجر؟ على روايتين وليس له مطالبة
المشتري من الاجر إلا باجرة مدة مقامها في يديه لان يده إنما تثبت حينئذ (مسألة) (وان غصب لوحا فرقع به سفينة لم يقلع حتى ترسي إذا كانت السفينة بخاف غرقها بقلع اللوح لم يقطع حتى تخرج إلى الساحل، وان كان في أعلاها لا تغرق بقلعه لزمه قلعه ولصاحب اللوح طلب قيمته فإذا أمكن رد اللوح استرجعه ورد القيمة كما لو غصب عبدا فأبق وقال أبو الخطاب ان كان فيها حيوان له حرمة أو مال لغير الغاصب لم يقلع كالخيط وان كان فيها مال للغاصب أولا مال فيها فكذلك أحد الوجهين والثاني يقلع في الحال لانه أمكن رد المغصوب فلزمه وان أفضى إلى تلف مال الغاصب كرد الساجة المبني عليها ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين ولنا أنه امكن رد المغصوب من غير اتلاف فلم يجز مع الاتلاف كما لو كان فيها مال غيره وفارق الساجة في البناء لانه لا يمكن ردها من غير اتلاف (مسألة) (وان غصب خيطا فخاط به جرح حيوان وخيف عليه من قلعه فعليه قيمته الا ان يكون الحيوان مأكولا للغاصب فهل يلزمه رده ويذبح الحيوان؟ على وجهين) هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة اقسام (أحدها) ان يخيط به جرح حيوان لا حرمة له كالمرتد والخنزير والكلب والعقور فيجب رده لانه يتضمن تفويت ذي حرمة أشبه مالو خاط به ثوبا (الثاني) أن يخيط به جرح حيوان محترم لا يحل اكله كالآدمي فان خيف من نزعه الهلاك أو أبطأ برؤه فلا يجب لان الحيوان آكد حرمة
من غير المال ولهذا جاز له اخذ مال غيره لحفظ حيانه واتلاف المال لتبقيته وهو ما يأكله وكذلك الدواب التي لا يؤكل لحمها كالبغل والحمار الاهلي (الثالث) ان يخيط به جرح حيوان مأكول فان كان ملكا لغير الغاصب وخيف تلفه بقلعه لم يقطع لان فيه اضرارا بصاحبه ولا يزال الضرر بالضرر ولا يجب اتلاف مال من لم يجن صيانة لمال آخر وان كان للغاصب فقال القاضي يجب رده لانه يمكن
ذبح الحيوان والانتفاع بلحمه وذلك جائز وان حصل فيه نقص على الغاصب فليس ذلك بمانع من وجوب رد المغصوب كنقض البناء وقال أبو الخطاب فيه وجهان احدهما هذا (والثاني) لا يجب قعله لان لليحوان حرمة في نفسه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان لغير مأكلة ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين قال شيخنا ويحتمل ان يفرق بين ما يعد للاكل من الحيوان كبهيمة الانعام والدجاج وبين مالا يعدله كالخيل وما يقصد صوته ومن الطير فيجب ذبح الاول إذا توقف رد الخيط عليه ولا يجب ذبح الثاني لانه اتلاف له فجرى مجرى مالا يؤكل لحمه ومتى امكن رد الخيط من غير تلف الحيوان أو بعض اعضائه أو ضرر كثير وجب رده (مسألة) (فان مات الحيوان لزمه رده إلا ان يكون آدميا معصوما لان غير الآدمي لا حرمة له بعد الموت وحرمة الآدمي باقية ولهذا قال عليه الصلاة والسلام كسر عظم الميت ككسره وهو حي) فعلى هذا يرد قيمته.
(مسألة) (وان غصب جارحا فصاد أو شبكة أو شركا فامسك شيئا غاو فرسا فصاد عليه أو أو غنم فهو لمالكه) كما لو غصب عبدا فصاد فان الصيد لسيد العبد ويحتمل انه للغاصب لان الصائد والجارحة آلة ولهذا اكتفى بتسميته عند ارسال الجارح وفيما إذا غصب فرسا أو سهما أو شبكة فصاد به وجه آخر انه للغاصب لان الصيد حصل بفعله وهذه آلات فأشبه مالو ذبح بسكين غيره فان قلنا هو للغاصب فعليه اجرة ذلك كله مدة مقامه في يده ان كان له اجر وان قلنا هو للمالك لم يكن له أجر في مدة اصطياده في أحد الوجهين لان منافعه في هذه المدة عادة إلى المالك فلم يستحق عوضها على غيره كما لو زرع أرض انسان فاخذ المالك الزرع بنفقته والثاني عليه أجر المثل لانه استوفى منافعه أشبه مالو لم يصد، ولو غصب عبدا فصاد أو كسب فالكسب للسيد وفي وجوب أجرة العبد على الغاصب في مدة كسبه وصيده الوجهان وإن غصب منجلا فقطع به خشبا أو حشيشا فهو للغاصب لان هذه آلة فهو كالحبل يربط به.
(مسألة) (وان غصب ثوبا فقصره أو غزلا فنسجه أو فضة أو حديدا فضربه أو خشبا فنجره أو
شاة فذبحها وشواها رد ذلك بزيادته وأرش نقصه) ولا شئ له هذا ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة في هذه المسائل ينقطع حق صاحبها عنها الا ان الغاصب لا يجوز له التصرف فيها الا بالصدقة الا أن يدفع قيمته فيملكها ويتصرف
فيها كيف شاء وروى محمد بن الحكم عن أحمد ما يدل على أن الغاصب يملكها بالقيمة إلا انه قول قديم رجع عنه فان محمدا مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة واحتجوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قوما من الانصار في دارهم فقدموا إليه شاة مشوية فتناول منها لقمة فجعل يلوكها ولا يسيغها فقال (ان هذه الشاة لتخبرني أنها أخذت بغير حق) قالو نعم يا رسول الله طلبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا ونحن نرضيهم من ثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطعموها الاسرى) رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا يدل على ان حق أصحابها انقطع عنها لولا ذلك لامر يردها عليهم ولنا أن عين مال المغصوب منه قائمة فلزم ردها إليه كما لو ذبح الشاة ولم يشوها ولانه لو فعله بملكه لم يزل عنه فكذلك إذا فعله يملك غيره كذبح الشاة وضرب النقرة دراهم ولانه لا يزيل الملك إذا كان بغير فعل آدمي فلم يزله إذا فعله آدمي كالذي ذكرناه وأما الخبر فليس بمعروف كما رووه في رواية أبي داود ونحن نرضيهم عنها.
إذا ثبت هذا فانه لا شئ للغاصب بعمله سواء زادت العين أولم تزدوهذا مذهب الشافعي وعنه يكون شريكا بالزيادة ذكرها أبو الخطاب لانها حصلت بمنافعه والمنافع أجريت مجرى الاعيان أشبه مالو غصب ثوبا فصبغه والمذهب الاول ذكره أبو بكر والقاضي لان الغاصب عمل
في ملك غيره بغير اذنه فلم يستحق لذلك عوضا كما لو أغلى زيتا فزادت قيمته أو بنى حائطا لغيره أو زرع حنطة انسان في أرضه فأما صبغ الثوب فان الصبغ عين مال لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله مع ملك غيره وهذا حجة عليه لانه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره وجعله كالصفة فلان لا يزول ملك غيره بعلمه فيه أولى فان احتج بان من زرع في أرض غيره ترد عليه نفقته قلنا الزرع ملك للغاصب
لانه عين ماله ونفقته عليه تز داد به قيمته فإذا أخذه مالك الارض احتسب بما انفق على ملكه وفي مسئلتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير إذنه فكان لاغيا على اننا نقول إنما تجب قيمة الزرع على احدى الروايتين وقال ابو بكر يملكه وعليه قيمته لما روى محمد بن الحكم ووجهه كما ذكرنا والصحيح الاول (فصل) فان نقصت العين دون القيمة رد الموجود وقيمة النقص وان نقصت اليعن القيمة ضمنهما معا كالزيت إذا أغلاه وهكذا القول في كل ما تصرف فيه كنقرة ضربها دراهم أو حليا أو طينا جعله لبنا أو عزلا نسجه أو ثوبا قصره لانه نقص بفعل غير مأذون فيه أشبه مالو أتلف بعضه وان جعل فيه شيئا من عين ماله مثل ان سمر الدفوف بمساميره فله قلعها ويضمن ما نقصت الدفوف، وان كانت المسامير من الخشبة المغصوبة أو مال المغصوب منه فلا شئ للغاصب وليس له قلعها الا ان يأمره
المالك فيلزمه، وان كانت المسامير للغاصب فوهبها للمالك لم يجبر على قبلوها في أقوى الوجهين وان استأجر الغاصب على عمل شئ من هذا الذي ذكرناه فالاجر عليه والحكم في زيادته ونقصه كما لو فعل ذلك بنفسه وللمالك تضمين النقص من شاء منهما فان غرم الغاصب لم يرجع على أحد إذا لم يعلم الاجير الحال وان ضمن الاجير رجع على الغاصب لانه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما بالحال، وإن ضمن الغاصب رجع على الاجير لان النقص حصل منه فاستقر الضمان عليه وإن استعان بمن فعل ذلك فهو كالاجير.
(مسألة) (وان غصب أرضا فحفر فيها بئرا ووضع ترابها في أرض مالكها لم يملك طمها إذا أبرأه المالك من ضمان ما يتلف بها في أحد الوجهين) إذا طمه المالك بطمها لزمه لانه يضر بالارض ولان التراب ملكه نقله من موضعه فلزمه رده كتراب الارض وكذلك لو حفر فيها نهرا أو حفر بئرا في ملك رجل بغير اذنه، وان أراد الغاصب طمها فمنعه المالك نظرنا فان كان له غرض في طمها بأن يسقط عنه ضمان ما يقع فيها أو يكون قد نقل ترابها إلى ملكه أو ملك غيره أو طريق يحتاج إلى تفريغه فله ذلك لما فيه من الغرض وبه قال الشافعي وان لم يكن له غرض مثل أن يكون قد وضع التراب في ملك المغصوب وأبرأه من ضمان ما يتلف بها لم يكن له
طمها في أحد الوجهين لانه اتلاف لا نفع فيه فلم يكن له فعله كما لو غصب نقرة فطبعها دراهم ثم
أراد ردها نقرة وبهذا قال أبو حنيفة والمزني وبعض الشافعية وقال بعضهم له طمها وهو الوجه الثاني لنا لانه لا يبرأ من الضمان بابراء المالك لكونه ابرأ مما لم يجب بعد وهو أيضا إبراء من حق غيره وهو الواقع فيها ولنا أن الضمان انما يلزمه لوجود التعدي فإذا رضي صاحب الارض زال التعدي فزال الضمان وليس هذا إبراء مما يجب انما هو اسقاط التعدي برضاه به وهكذا ينبغي أن يكون الحكم إذا لم يتلفظ بالابراء لكن منعه من طمها لانه يتضمن رضاه بذلك (مسألة) (وان غصب حبا فزرعه أو نوى فصار غرسا أو بيضا فصار فراخا رده ولا شئ للغاصب لانه عين مال المغصوب منه ويتخرج أن يملكه الغاصب كما إذا قصر الثوب أو ضرب الفضة لكونه غيره بفعله فالتغيير في البيضة أعظم فانه استحال بزوال اسمه، فعلى هذا يتخرج أيضا أن يكون شريكا بالزيادة كالمسألة الاولى (فصل) وان غصب دجاجة فباضت عنده ثم حضنت بيضها فصار فراخا فهما لما لكها ولا شئ للغاصب في علفها.
قال أحمد في طيرة جاءت إلى دراه قوم فأفرخت عندهم يردها وفراخها إلى أصحاب الطيرة ولا شئ للغاصب فيما عمل وان غصب شاة فانزا عليها فحله فالولد لصاحب الشاة لانه من نمائها وان غصب فحلا فانراه عل شاته فالولد لصاحب الشاة لانه يتبع الامام ولا أجرة له لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب الفحل، وان نقصه الضراب ضمنه وان نقص المغصوب لزمه ضمان نقصه بقيمته رقيقا
كان أو غيره وبه قال الشافعي وعن احمد في العبد رواية أخرى أنه يضمن بما يضمن به في الاتلاف فيجب في يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وهو قول بعض أصحاب الشافعي لانه ضمان لابعاض العبد فكان مقدرا من قيمته كارش الجناية ولنا أنه ضمان مال من غير جناية فكان الواجب ما نقص كالبهيمة وكنقص الثوب يحققه أن القصد بالضمان جبر حق المالك بايجاب قدر المفوت عليه وقدر النقص هو الجابر ولانه لو فات الجميع لو جبت قيمته فإذا
فات منه شئ وجب قدره من القيمة كغير الحيوان وضمان الجناية على أطراف العبد معدول به عن القياس للالحاق بالجناية على الحر والواجب ههنا ضمان اليد وهي لا تثبت على الحر فوجب البقاء فيه على موجب الاصل والحاقه بسائر الاموال المغصوبة على أن في الجناية على العبد رواية أنه يضمن بما نقص فتنفض الروايتان والتفريع على الاول، ويتخرج أن يضمنه بأكثر الامريين منهما لان سبب كل واحد منهما قد وجد، فأما ان كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض أو شجة دون الموضحة فعليه ما نقص مع الرد لا غير لا نعلم فيه خلافا فان كان العبد أمرد فنبتت ليحته فنقصت قيمته وجب ضمان نقصه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب ضمانه لان الفائت لا يقصد قصدا صحيحا أشبه الصناعة المحرمة، ولنا أنه نقص في القبمة بتغير صفه فيضمنه كبقية الصور
(مسألة) (وان غصبه وجني عليه ضمنه بأكثر الامرين) وجملة ذلك أنه إذا غصب عبدا وجني عليه جناية مقدرة الدية فعلى قولنا ضمان الغصب ضمان الجناية يكون الواجب ارش الجناية كما لو جني عليه من غير غصب ونقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر وان قلنا ضمان الغصب غير ضمان الجناية وهو الصحيح فعليه أكثر الامرين من ارش النقنص أو دية ذلك العضو لان سبب كل واحد منهما وجد فوجب أكثرهما ودخل الآخر فيه فان الجناية واليد وجدا جميعا فلو غصب وقيمته الف فزادت قيمته إلى الفين ثم قطع يده فنقص الفا لزمه الف ورد العبد لان زيادة السوق إذا تلفت العين مضمونة ويد العبد كنصفه فكان يقطع يده فوت نصفه وان نقص الفا وخمسمائة وقلنا الواجب ما نقص فعليه الف وخمسمائة ويرد العبد وان قلنا ضمان الجناية فعليه الف ويرد العبد حسب وإن نقص خمسمائة فعليه رد العبد وهل يلزمه الف أو خمسمائة؟ على وجهين.
(مسألة) (وان جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب أكثر الامرين ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية وله تضمين الجاني أرش الجناية وتضمين الغاصب ما بقي من النقص) إذا غصب عبدا فقطع آخر يده فللمالك تضمين من شاء منهما لان الجاني قطع يده والغاصب حصل النقص
في يده فان ضمن الجاني ضمنه نصف الفيمة لا غير ولم يرجع على أحد لانه لم يضمنه أكثر مما وجب عليه ويضمن الغاصب ما زاد على نصف القيمة ان نقص أكثر من النصف ولا يرجع على أحد وان قلنا ضمان الغصب ضمان الجناية أو لم ينقص أكثر من نصف قيمته لم يضمن الغاصب ههنا شيئا وان اختار تضمين الغاصب وقلنا ان ضمان الغصب كضمان الجناية ضمنه نصف القيمة ورجع بها الغاصب على الجاني لان التلف حصل بفعله فاستقر الضمان عليه، وان قلنا ان ضمان الغصب بما نقص فلرب العبد تضمينه باكثر الامرين لان ما وجد في يده فهو في حكمه الموجود منه ثم يرجع الغاصب على الجاني بنصف القيمة لانها أرش جنايته فلا يجب عليه أكثر منها (مسألة) (وان غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد قيمته) إذا غصب عبدا فقطع خصييه أو يديه أو ذكره أو لسانه أو ما تجب فيه الدية من الحر لزمه رده ورد قيمته كلها نص عليه وبه قال مالك والشافعي، وقال الثوري وأبو حنيفة يخير المالك بين ان يصبر ولا شئ له وبين أخذ قيمته ويملكه الجاني لانه ضمان مال فلا يبقى ملك صاحبه عليه مع ضمانه كسائر الاموال ولنا ان المتلف البعض فلا يقف ضمانه على زوال الملك كقطع ذكر المدبر ولان المضمون التالف فلا يزول الملك عن غيره بضمانه كما لو قطع تسع أصابع، وبهذا ينفصل عما ذكروه فان الضمان في مقابلة
التالف لا في مقابلة الجملة، فان ذهبت هذه الاعضاء بغير جناية فهل يضمنها ضمان الاتلاف أو ما نقص؟ على روايتين مضى ذكرهما، وعن أحمد رواية أخرى أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها من الخيل والبغال والحمير فانه قال في رواية أبي الحارث في رجل فقأ عين دابة عليه ربع قيمتها قيل له فقأ العينين؟ قال إذا كانت واحدة فقال عمر ربع القيمة واما العينان فما سمعت فيهما شيئا قيل له فان كان بعيرا أو بقرة أو شاة؟ فقال هذا غير الدابة هذا ينتفع بلحمه ينظر ما نقصها، وهذا يدل على ان احمد انما أو جب مقدرا في العين الواحدة من الدابة وهي الغرس والبغل والحمار خاصة للاثر الوارد فيه وما عدا هذا يرجع إلى القياس.
واحتج أصحابنا لهذه الرواية بما روى زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم
قضي في عين الدابة بربع قيمتها وروي عن عمر رضي الله عنه انه كتب إلى شربح لما كتب إليه يسأله عن عين الدابة: انا كنا نزلها منزلة الآدمي الا أنه اجمع رأينا ان قيمتها ربع الثمن.
وهذا اجماع يقدم على القياس ذكر هذين أبو الخطاب في رءوس المسائل، وقال أبو حنيفة إذا قلع عيني بهيمة ينتفع بها من وجهين كالدابة والبعير والبقرة وجب نصف قيمتها وفي إحداهما ربع قيمتها لقول عمر أجمع رأينا على ان قيمتها ربع الثمن، والمذهب ان قدر الارش ما نقص من القيمة كسائر الاعيان فاما حديث زيد بن ثابت فلا أصل له ولو كان صحيحا لما احتج احمد وغيره بحديث عمر وتركوه واما قول عمر فمحمول على ان ذلك كان قدر نقصها كما روي عنه أنه قضى في العين الفائمة بخمسين دينارا
(مسألة) (وإن نقصت قيمة العين لتغير الاسعار لم يضمن نص عليه) وهو قول جمهور العلماء وحكي عن ابى ثور انه يضمنه لانه يضمنه إذا تلفت العين فلزمه إذا ردها كالسمن وذكره ابن أبي موسي رواية عن احمد ولنا انه رد العين بحالها لم تنقص منها عين ولا صفه فلم يلزمه شئ كما لو لم تنقص ولانسلم انه يضمنها مع تلف العين وان سلمنا فلانه وجبت قيمة العين اكثر ما كانت قيمتها فدخلت في التقويم بخلاف ما إذا ردها فان القيمة لا تجب ويخالف السمن فانه من عين المغصوب والعلم بالصناعة صفة فيها وههنا لم تذهب عين ولا صفة ولانه لا حق للمغصوب منه في القيمة مع بقاء العين وانما حقه في العين وهي باقية كما كانت ولان الغاصب يضمن ما غصبه والقيمة لا تدخل في الغصب بخلاف زيادة العين فانها مغصوبة وقد ذهبت (مسألة) وان نقصت القيمة لمرض أو غيره ثم عادت ببرئه لم يلزمه شئ الارده) إذا مرض المغصوب ثم برئ أو ابيضت عينه ثم زال بياضها أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثم خف سمنها فعاد حسنها وقيمتها ردها ولا شئ عليه لانه لم يذهب ماله قيمة والعيب الذي أوجب الضمان زال في يديه، وكذلك لو حملت فنقصت ثم وضعت فزال نقصها لم يضمن شيا فان رد المغصوب ناقصا بمرض أو عيب أو سمن مفرط أو حمل فعليه أرش نفصه فان زال عيبه في يد مالكه لم يلزمه رد ما أخذ لانه استقر ضمانه برد المغصوب وكذلك أن اخذ المغصوب دون أرشه ثم زال العيب قبل أخذ أرشه لم يسقط ضمانه لذلك (مسألة) وإن زادت القيمة لسمن أو غيره ثم نقصت ضمن الزيادة) إذا زادت قيمة المغصوب في يد
الغاصب لسمن أو تعلم صنعة مثل ما إذا غصب عبدا أو امة وقيمته مائة فزاد بتعليمه أو في بدنه حتى صارت قيمته مائتين ثم نقص بنقصان بدنه أو نيسان ما علم حتى صارت قيمته مائة لزمه رده وياخذ من الغاصب مائة وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب عليه عوض الزيادة الا ان يطالب بردها زائدة فلا يردها لانه رد العين كما أخذها فلم يضمن نقص قيمتها كنقص سعرها، وذكر ابن أبى موسى في الارشاد رواية ان المغصوب إذا زادت قيمته بسمن أو تعلم صنعة ثم نقصت بزوال ذلك فلا ضمان عليه إذا رده بعينه ولنا انها زيادة في نفس المغصوب فلزم الغاصب ضمانها كما لو طالبه بردها فلم يفعل ولانها زادت على ملك المغصوب منه فلزمه ضمانها كما لو كانت موجودة حال الغصب، وفارق زيادة السعر لانها لو كانت موجودة حال الغصب لم يضمنها والصناعة وإن لم تكن من عين المغصوب فهي صفة فيه ولذلك يضمنها إذا طولب برد العين وهي موجودة فلم يردها، اجريناها هي والتعليم مجرى السمن الذي هو عين لانها صفة تتبع العين، واجر ينا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجرى الزيادة الموجودة حال الغصب لانها زيادة في العين المملوكة للمغصوب منه فتكون مملوكة له لانها تابعة للعين، فاما ان غصب العين سمينة أو ذات صناعة فهزلت أو نسيت فنقصت قيمتها فعليه ضمان نقصها لا نعلم فيه خلافا لانها نقصت عن حال غصبها نقصا اثر في قيمتها فوجب ضمانها كما لو ذهب بعض أعضائها (فصل) إذا غصبها وقيمتها مائة فسمنت فبلغت قيمتها الفاثم تعلمت صناعة فبلغت الفين ثم هزلت ونسيت
فعادت إلى مائة ردها ورد الفا وثمانمائة لانها نقصت بالهزال تسعمائة وبالنسيان تسعمائة وإن سمنت فبلغت الفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم تعلمت فعادت إلى الف ردها وتسعمائة لان زوال الزيادة الاولى أو جب الضمان ثم حدثت زيادة اخرى من وجه آخر على ملك المغصوب منه فلا ينجبر ملك الانسان بملكه (مسألة) (فان عاد مثل الزيادة الاولى من جنسها مثل ان كانت قيمتها مائة فسمنت فبلغت الفاثم هزلت فعادت إلى مائة صم سمنت فعادت إلى الف ففيه وجهان) (احدهما) يردها زائدة ويضمن نقص الزيادة الاولى كما لو كانا من جنسين لان الزيادة الثانية غير الاولى، فعلى هذا ان هزلت مرة
ثانية فعادت إلى مائة ضمن النقصين بألف وثمانمائة (والثاني) إذا ردها سمينة فلا شي ء عليه لان ما ذهب عاد فهي كما لو مرضت فنقصت ثم برئت فعادت القيمة أو نسيت صناعة ثم تعلمتها أو أبق عبد ثم عاد وفارق ما إذا زادت من جهة أخرى لانه لم يعد ما ذهب وهذا الوجه أقيس لما ذكرنا من الشواهد فعلى هنا لو سمنت بعد الهزال ولم تبلغ قيتهما إلى ما بلغت بالسمن الاول أو زادت عليه ضمن أكثر الزيادتين وتدخل فيها الاخرى وعلى الوجه الاول يضمنهما جميعا، فأما ان زادت بالتعليم أو الصناعة ثم نسبت ثم تعلمت ما نسيته فعادت القيمة الاولى لم يضمن النقص الاول لان العلم الثاني هو الاول فقد
عاد ما ذهب، وان تعلمت علما آخر أو صناعة أخرى فهو كعود السمن فيه وجهان ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي، وقال أبو الخطاب متى زادت ثم نقصت ثم زادت مثل الزيادة الاولى ففي ذلك وجهان سواء كانا من جنس كالسمن مرتين أو من جنسين كالسمن والتعلم والاول أولى (مسألة) (وان كانت من غير جنس الاولى لم يسقط ضمانها) قد ذكرناه في المسألة قبلها (مسألة) (وان غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته أو لم ينقص رده ولا شئ عليه) لان الشرع انما أوجب في هذا ما نقص من القيمة ولم يقدر بدله ولم تنقص القيمة فلم يجب شئ (فصل) فان نقصت عين المغصوب دون قيمته لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون الذاهب مقدر البدل كعبد خصاه وزيت أغلاه ونقرة ضربها دراهم فنقصت عينها دون قيمتها فانه يجب ضمان النقص فيضمن العبد بقيمته ونقص الزيت والنقرة بمثلها مع رد الباقي منهما لان الناقص من العين له بدل مقدر فلزم ما يقدر به كما لو اذهب الكل (الثاني) أن لا يكون مقدرا كهزال العبد إذا لم تنقص قيمته وقد ذكرناه (الثالث) ان يكون النقص مقدر البدل لكن الذاهب منه اجزاء غير مقصودة كعصير اغلاه فذهبت مائيته وانعقدت اجزاؤه فقصت عينه دون قيمته فلا شئ فيه في أحد الوجهين سوى رده لان النار انما اذهبت مائيته التي يقصد اذهابها ولهذا تزداد حلاوته وتكثر قيمته فهو كسمن العبد الذي لا تنقص به قيمته إذا ذهب (والثاني) يجب ضمانه لانه مقدر البدل فأشبه الزيت إذا اغلاه، ان نقصت العين والقيمة جميعا وجب في الزيت وشبهه ضمان النقصين جميعا لان كل واحد منهما مضمونا منفردا فكذلك إذا اجتمعا
وذلك مثل رطل زيت قيمته درهم فأغلاه فنقص ثلثه وصار قيمة الباقي درهم فعليه ثلث رطل وسدس درهم وان كان قيمة الباقي ثلثي درهم فليس عليه أكثر من ثلث رطل لان قيمة الباقي لم تنقص وان خصى العبد فنقصت قيمته فليس عليه أكثر من ضمان خصييه لان ذلك بمنزلة مالو فقأ عينه (مسألة) (وان نقص المغصوب نقصا غير مستقر كخطة ابتلت وعفنت وخشي فسادها فعليه ضمان نقصه) وقال القاضي عليه بدله لان لا يعلم قدر نقصه وهذا منصوص الشافعي وله قول آخر أنه يضمن نقصه وكلما نقص شئ ضمنه لانه يستند إلى السبب الموجود في يد الغاصب فكان كالموجود في يده وقال أبو الخطاب يتخير صاحبه بين أخذ بدله وبين تركه حتى يستقر فساده ويأخذ ارش نقصه وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح، وقال أبو حنيفة يتخير بين أخذه ولا شئ له أو تسليمه إلى الغاصب ويأخذ قيمته لانه لو ضمن النقص مع أخذه لحصل له مثل كيله وزيادة وهذا لا يجوز كما لو باع قفيزا جيدا بقفيز ردئ ولنا أن عين ماله باقية وانما حدث فيه نقص فوجب فيه ما نقص كما لو كان عبدا فمرض، وقد وافق بعض أصحاب الشافعي على هذا في العفن وقال بضمن ما نقص قولا واحدا ولا يضمن ما تولد فيه لانه ليس من فعله وهذا الفرق لا يصح لان البلل قد يكون من غير فعله أيضا وقد يكون العفن بسبب منه ثم ان ما وجد في يد العاصب فهو مضمون عليه لوجوده في يده فلا فرق، وقول أبي حنيفة لا يصح
لان الطعام عين ماله وليس ببدل عنه وقال شيخنا: وقول أبي الخطاب لا بأس به والله أعلم (مسألة) (وان جنى المغصوب فعليه ارش جنايته سواء جنى على سيده أو غيره) إذا جنى العبد المغصوب فجنايته مضمونة على الغاصب لانه نقص في العبد الجاني لكون الجناية تتعلق برقبته فكان مضمونا على الغاصب كسائر نقصه وسواء في ذلك ما يوجب القصاص أو المال ولا يلزمه أكثر من النقص الذي لحق العبد وكذلك ان جنى على سيده لانها من جملة جناياته فكان مضمونا كالجناية على الا جني
(فصل) ويضمنه بأقل الامرين من قيمته أو أرش جنايته كما يفديه سيده، وان جنى على ما دون النفس مثل أن قطع يدا فقطعت يده قصاصا فعلى الغاصب ما نقص العبد بذلك دون ارش اليد لان اليد ذهبت بسبب غيره مضمون فأشبه مالو سقطت، وان عفي عنه على مال تعلق ارش اليد برقبته وعلى الغاصب أقل الامرين من قيمته أو ارش اليد، فان زادت جناية العبد على قيمته ثم مات فعلى الغاصب يدفعها إلى سيده فإذا أخذها تعلق ارش الجناية بها لانها كانت متعلقة بالعبد فتعلقت ببدله كما أن الرهن إذا أتلفه متلف وجبت قيمته وتعلق الرهن بها، فإذا اخذ ولي الجناية القيمة من المالك رجع المالك على الغاصب بقيمته مرة أخرى لان القيمة التي أخذها استحقت بسبب كان في يد الغاصب فكان من ضمانه، ولو كان العبد وديعة فجنبي جناية استغرقت قيمته ثم ان المودع قتله بعدها
فعليه قيمته وتعلق بها ارش الجناية فإذا أخذها ولي الجناية لم يرجع على المودع لانه جنبى وهو غير مضمون عليه ولو جنى العبد في يد سيده جناية تستغرق قيمته بيع في الجنايتين وقسم ثمنه بينهما ورجع صاحب العبد على الغاصب بما أخذه الثاني منهما لان الجناية كانت في يده وكان للمجني عليه أولا أن يأخذه دون الثاني لان الذي يأخذه المالك من الغاصب هو عوض ما أخذه المجني عليه ثانيا فلا يتعلق به حقه ويتعلق به حق الاول لانه بدل عن قيمة الجاني لا يزاحم فيه، وان مات هذا العبد في يد الغاصب فعليه قيمته تقسيم بينهما ويرجع المالك على الغاصب بنصف القيمة لانه ضامن للجناية الثانية ويكون للمجني عليه أولا أن يأخذه لما ذكرنا (مسألة) (وجنايته على الغاصب وعلى ماله هدر) لانه إذا جنى على أجنبي وجب ارشه على الغاصب فلو وجب له شئ لوجب على نفسه فكان هدرا (مسألة) (ويضمن زوائد الغصب كالولد والثمرة إذا تلفت أو نقصت كالاصل سواء كان منفردا أو مع أصله مثل ثمرة الشجرو ولد الحيوان) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب ضمان زوائد الغصب الا أن يطالب بها فيمنع من أدائها لانها غير مغصوبة فلا يجب ضمانها كالوديعة ودليل عدم الغصب أنه فعل محرم، بثبوت
يده على هذه الزوائد واثبات يده على الام محظور لا يصح لانه بامساك الام تسبب إلى اثبات يده
(مسألة) (فان خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز منه مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله منه في أحد الوجهين وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء) إذا خلط المغصوب بماله بحيث لا يتميز منه كزيت بزيت أو دقيق بمثله أو دراهم أو دنانير بمثلها فقال ابن حامد يلزمه مثل المغصوب منه وهو ظاهر كلام أحمد لانه لا نص على ان يكون شريكا له إذا خلطه بغير جنسه فيكون تنبيها على ما إذا خلطه بجنسه وهو قول بعض الشافعية الا في الدقيق فانه تجب قيمته لانه عندهم ليس بمثلي وقال القاضي قياس المذهب أنه يلزمه مثله من حيث شاء الغاصب لانه تعذر عليه رد عين ماله بالخلط أشبه مالو تلف لانه لا يتميز له شئ من ماله ولنا أنه قدر على دفع بعض ماله إليه مع رد المثل في الباقي فلم يتنقل إلى المثل في الجميع كما لو غصب صاعا فتلف بعضه وذلك لانه إذا دفع إليه منه فقد دفع إليه بعض ماله وبدل الباقي فكان أولى من دفعه من غيره (مسألة) (وان خلطه بدونه أو خير منه أو بغير جنسه فله مثله في قياس التي قبلها) وظاهر كلام أحمد أنهما شريكان بقدر ملكيهما فانه قال في رواية أبي الحارث في رجل له رطل زيت وآخر له رطل شيرج اختلطا يباع الدهن كله ويعطى كل واحد منهما قدر حصته وذلك أننا إذا فعلنا ذلك أو صلنا إلى كل واحد منهما يدل عين ماله، وان نقص المغصوب عن قيمته منفردا فعلى الغاصب
ضمان النقص لانه حصل بفعله، وقال القاضي قياس المذهب أن يلزم الغاصب مثله لانه صار بالخلط مستهلكا ولذلك لو اشترى زيتا فخلطه بزيته ثم أفلس صار البائع كبعض الغرماء لانه تعذر عليه الوصول إلى عين ماله فكان له بدله كما لو كان تالفا ويحتمل أن يحمل كلام أحمد على ما إذا اختلطا من غير غصب.
أما المغصوب فقد وجد من الغاصب ما منع المالك أخذ حقه من المثليات متميزا فلزمه مله كما لو أتلفه.
(فصل) الا انه إذا خلطه يخير منه وبذل لصاحبه مثل حقه منه لزمه قبوله لانه اوصل إليه بعض حقه بعينه وتبرع بالزيادة في مثل الباقي، وان خلطه بأدنى منه فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه لزم الغاصب بذله لانه أمكنه رد بعض المغصوب ورد مثل الباقي من غير ضرر وقيل لا يلزم الغاصب ذلك لان حقه انتقل إلى الذمة فلم يجبر على عين ماله، وان بذله للمغصوب منه فأباه لم يجبر على قبوله لانه ان كان دون حقه من الردئ أو دون حقه من الجيد لم يجز لانه ربا لكونه يأخذ الزيادة في القدر عوضا عن الجودة وان كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه من الردئ أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد جاز لانه لا مقابل للزيادة وانما هي تبرع مجرد، وان خلطه بغير جنسه فتراضيا على أن يأخذا كثر من قدر حقه أو أقل جاز لانه بماله من غير جنس فلاتحرم الزيادة بينهما (فصل) وان خاله بما لا قيمة له كزيت خلطه بماء أو لبن شابه بماء فان أمكن تخليصه خاصه ورده
ورد نقصه وان لم يكن تخليصه أو كان ذلك يفسده لزمه مثله لانه صار كالهالك وان كان يفسده رده ورد نقصه وان احتج في تخليصه إلى غرامة لزم الغصب ذلك لانه سببه ولاصحاب الشافعي في هذه الفصول نحو ما ذكرنا.
(مسألة) (وان غصب ثوبا فصبغه أو سويقا فلته بزيت وكان الصبغ والزيت من مال الغاصب فان نقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن لغاصب النقص) لانه بتعديه الا أن ينقص لتغير الاسعار فلا يضمن لما ذكرنا من قبل (مسألة) (وان لم تنقص ولم تزد مثل أن كانت قيمة كل منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرة فهما شريكان) لان الصبغ والزيت عين مال له قيمة فان تراضيا بتركه لهما جاز وان باعه فثمنه بينهما نصفين (مسألة) (وإن زادت قيمتهما مثل ان كانت قيمة كل واحد منهما خمسة فصارت قيمتهما عشرين فان كان ذلك لزيادة الثياب في السوق كانت الزيادة لصاحب الثوب وان كانت لزيادة الصبغ فهي لصاحب الصبغ وان كانت لزيادتهما معا فهي بينهما على قدر زيادة كل واحد منهما) فان تساويا في الزيادة في السوق
تساوا صاحباها فيها وان زاد أحدهما ثمانية والآخر اثنين فهي بينهما كذلك، وان زاد ابا لعمل فالزيادة بينهما لان عمل الغاصب زاد به في الثوب والصبغ وما علمه في المغصوب للمغصوب منه إذا كان أثرا وزيادة مال الغاصب له
(مسألة) (وان أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ويحتمل ان يجبر إذا ضمن له الغاصب النقص) إذا أراد الغاصب قطع الصبغ فقال أصحابنا له ذلك سواء أضر بالثوب أو لم يضر ويضمن نقص الثوب ان نقص وبهذا قال الشافعي لانه عين ماله فملك أخذه كما لو غرس في أرض غيره، ولم يفرق أصحابنا بين ما يهلك صبغه بالقلع وبين مالا يهلك قال شيخنا وينبغي ان ما يهلك بالقلع لا يملك قلعه لانه سفه وظاهر كلام الخرقي أنه لا يملك قلعه إذا تضرر به الثوب لانه قال في المشتري إذا بنى أو غرس في الارض المشفوعة فله أخذه إذا لم يكن في أخذه ضرر، وقال أبو حنيفة ليس له أخذه لان فيه اضرارا بالثوب المغصوب فلم يمكن منه كقطع خرقة منه، وفارق قلع الغرس لان الضرر قليل ويحصل به نفع قلع العروق من الارض وان اختار المغصوب منه قلع الصبغ ففيه وجهان (أحدهما) يملك اجبار الغاصب عليه كما يملك اجباره على قلع شجرة من أرضه وذلك لانه شغل ملكه بملكه على وجه أمكن تخليصه فلزمه تخليصه وان استضر الغاصب كقلع الشجر وعلى الغاصب ضمان نقص الثوب وأجر بالاستخراج وقد أمكن وصول الحق إلى مستحقه بدونه بالبيع فلم يجبر على قلع كقلع الزرع من الارض، وفارق الشجر فانه لا يتلف بالقلع قفال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد ولعله أخذ ذلك من قول
أحمد في الزرع وهذا مخالف للزرع لان له غاية ينتهي إليها ولصاحب الارض أخذه بنفقته فلا يمتنع عليه اتسرجاع ارضه في الحال بخلاف الصبغ فانه لا نهاية له الا تلف الثوب فهو أشبه بالشجة في الارض ولا يختص وجوب القلع في الشجر بما لا يتلف فانه يجبر على قلع ما يتلف وما لا يتلف ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين.
(فصل) وان بذل رب الثوب قيمة الصبغ للغاصب ليملكه لم يجبر على قبوله لانه اجبار على بيع ماله فلم يجبر عليه كما لو بذل له قيمة الغراس ويحتمل أن يجبر على ذلك إذا لم يقلعه قياسا على الشجر
والبناء في الارض المشفوعة والعارية وفي الارض المغصوبة إذا لم يقله الغاصب ولانه أمر يرتفع به النزاع ويتخلص به أحدهما من صاحبه من غير ضرر فاجبر عليه كما ذكرنا، وان بذل الغصب قيمة الثوب لصاحبه ليملكه لم يجبر على ذلك كما لو بذل صاحب الغرس قيمة الارض لما لكها في هذه المواضع (مسألة) (وان وهب الغاصب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها فهل يلزه قبوله؟ على وجهين) (أحدهما) يلزمه لان الصبغ صار من صفات العين فهو كزيادة الصفة في المسلم فيه وهذا ظاهر كلام الخرقي لانه قال في الصداق إذا كان ثوبا فصبغته فبذلت له نصفه مضبوغا لزمه قبوله (والثاني) لا يجبر لانها أعيان متميزة فأشبهت الغراس، وان أراد المالك بيع الثوب وأبي الغاصب فله بيعه لانه ملكه فلا يملك الغاصب منعه من بيع ملكه بعدوانه وان أراد الغاصب بيعه لم يجبر المالك
على بيعه لانه منه فلم يستحق ازالة ملك صاحب الثوب عنه بعدوانه ويحتمل أن يجبر ليصل الغاصب إلى ثمن صبغه.
(مسألة) (وان غصب صبغا فصبغ به ثوبا أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك كما إذا غصب ثوبا فصبغه حكمه كحكمه إذا كان الثوب والسويق للغاصب لانه خلط المغصوب بماله ويحتمل ان يلزمه قيمته أو مثه ان كان مثليا لان المغصوب الصبغ وقد تفرق في الثوب وتلف يخلاف المسألة المتقدمة.
(مسألة) (وان غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده وأرش نقصه ولا شئ في زيادته) إذا غصب ثوبا وصبغا من واحد فصبغه به فلم تزد قيمتهما ولم تنقص أو زادت القيمة ردهما ولا شئ عليه وليس للغاصب شئ في الزيادة لانه انما له في الصبغ أثر لا عين وان نقص لزمه ضمان النقص لانه بتعديه إلا أن ينقص لتغير الاسعار (فصل) وان غصب ثوب رجل وضبغ آخر فصبغه به فان كانت القيمتان بحالهما فهما شريكان بقدر ماليهما وان زادت فالزيادة لهما وان نقصت بالصبغ فالضمان على الغاصب ويكون النقص من صاحب الصبغ لانه تبدد في الثوب ويرجع بها على الغاصب، وان نقص لنقص سعر الثياب أو الصبغ أو لنقص
سعرهما لم يضمنه الغاصب وكان نقص كل واحد منهما من صاحبه، وان أراد صاحب الصبغ قلمه أو أراد
ذلك صاحب الثوب فالحكم فيه كما لو صبغه الغاصب بصبغ من عنده على ما مر بيانه والحكم فيما إذا غصب سويقا فلته بزيت أو عسلا ونشا فعقده حلواء حكم مالو غصب ثوبا فصبغه على ما ذكر فيه (فصل) (وان وطئ الجارية فعليه الحد والمهر وأرش البكارة) إذا غصب جارية فوطئها فهو زان لانها ليست زوجته ولا مك يمين وعليه حد الزنا ان كان عالما بالتحريم وعليه مهر مثلها مكرهة كانت أو مطاوعة وقال الشافعي لامهر للمطاوعة لان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي: ولنا ان المهر حق للسيد فلم يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع يدها ولانه حق للسيد يجب مع الاكراه فيجب مع المطاوعة كأجر منافعها والخبر محمول على الحرة، ويجب أرش بكارتها لانها بدل جزء منها ويحتمل أن لا يجب لانه يدخل في مهر الكبر ولهذا يزيد على مهر الثيب عادة لاجل ما يتضمنه من تفويت البكارة ووجه الاول ان كل واحد منهما يضمن منفردا بدليل أنه لو وطئها ثيبا وجب مهرها وإذا أفضاها باصبعه وجب أرش بكارتها فكذلك وجب ان يضمنهما إذا اجتمعا وعنه لا يلزمه مهر الثيب لانه لم ينقصها ولم يؤلهما أشبه مالو قبلها والاول أولى (مسألة) (وان ولدت فالولد رقيق للسيد لانه من نمائها وأجزائها ولا يلحق نسبه بالواطئ لانه من زنا وان وضعته حيا وجب رده معها كزاوئد الغصب وان أسقطته ميتا لم يضمن لانا لا نعلم
حياته قبل هذا هذا، قول القاضي وهو ظاهر مذهب الشافعي عند أصحابه وقال القاضي أبو الحسين يجب ضمانه يقيمته لو كان حيا نص عليه الشافعي لانه يضمنه لو سقط بضربة وما يضمن بالاتلاف يضمنه الغاصب إذا تلف في يده كأجرة الارض، قال شيخنا والاولى ان شاء الله انه يضمنه بعشر قيمة أمه لانه الذي يضمنه به في الجناية وان وضعته حياثم مات ضمنه بقيمته (مسألة) (ويضمن نقص الولادة ولا ينجبر بزادتها بالولد) وهذا مذهب الشافعي وقال أبو
حنيفة ينجبر نقصها بولدها.
ولنا ان ولدها ملك للمصغوب منه فلا ينجبر به نقص حصل بجناية الغاصب كالنقص الحاصل بغير الولادة وان ضرب العاصب بطنها فالقت الجنين ميتا فعليه عشر قيمة أمه وان فعله أجنبي ففيه مثل ذلك وللمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الضارب لان الاتلاف وجد منه، وان ماتت الجارية فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل في ذلك أرش بكارتها ونقص ولادتها ولا يدخل فيه ضمان ولدها ولامهر مثلها، ولا فرق في هذه الاحوال بين المكرهة والمطاوعة لانها حقوق لسيدها ولا تسقط بمطاوعتها وقد ذكرنا الخلاف في مهر المطاوعة، فاما حقوقا لله تعالى من الحد والتعزير فان كانت مطاوعة عالمة بالتحريم فعليها الحد إذا كانت من أهله والافلا (فصل) فان كان الغاصب جاهلا بتحريم ذلك لقرب عهده بالاسلام أو ناشئا بيادية بعيدة يخفى
عليه مثل هذا أو اعتقدها أمته فاخذها ثم بان انها غيرها فلا حد عليه لان الحدود تدرأ بالشبهات وعليه المهر وأرش البكارة وان حملت فالولد حر لاعتقاده أنها ملكه ويحلقه النسب لمكان الشبهة وان وضعته ميتا لم يضمنه لانه لم يعلم حياته ولانه لم يحل بينه وبينه وانما وجب تقويمه لا جل الحيلولة وان وضعته حيا فعليه قيمته يوم انفصاله لانه فوت عليه رقه باعتقاده ولا يمكن تقويمه حملا فقوم عليه عند انفصاله لانه أول حال امكان تقويمه ولانه وقت الحيلولة بينه وبين سيده، وان ضرب الغاصب بطنها فألقت جنبنا ميتا فعليه غرة قيمتها خمس من الابل موروثة عنه لا يرث الضارب منها شيئا لانه أتلف جنبنا حرا وعليه للسيد عشر قيمة أمه لان الاسقاط لما يعقب الضرب ينسب إليه لان الظاهر حصوله به وضمانه للسيد ضمان المماليك ولهذا لو وضعته حيا قومناه مملوكا، وان ضربه أجبني فعليه غرة دية الجنين الحر لانه محكوم بحريته وتكون مورثة عنه وعلى الغاصب عشر قيمة امه لانه يضمنه ضمان المماليك وقد فوت رقه على السيد وحصل التلف في يديه، والحكم في المهر والارش والاجر ونقص الولادة وقيمتها ان تلفت على ما ذكرنا ان كانا عاليمن لان هذه حقوق الآدميين فلا تسقط بالجهل والخطأ كالدية (مسألة) (وان باعها أو وهبها لعالم بالغصب فوطئها فللمالك تضمين أيهما شاء نقصها ومهرها وأجرتها
وقيمة ولدها ان تلف فان ضمن الغاصب رجع على الآخر ولا يرجع الآخر عليه)
تصرف الغاصب في العين المضمونة فاسد لانه تصرف في مال الغير بغير اذنه وفيه اختلاف نذكره ان شاء الله تعالى، فإذا باع الجارية المغصوبة أو وهبها لعالم بالنصب فوطئها فللمالك تضمين الغاصب لانه السبب في ايصالها إلى المشتري وله تضمين المشتري والمتهب لانه المتلف ويستقر الضمان على المشتري لان كل واحد منهما غاصب لان الغصب الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق وقد وجد منهما ولان كل واحد منهما يلزم ردها إذا كانت في يده لان يده عليها بغير حق وقد قال عليه الصلاة والسلام (على اليد ما اخذت حتى تؤدى) ويلزم المشتري كل ما يلزم الغاصب من النقص والمهر وغيره لانه غاصب وقد ذكرنا دليله في المسألة قبلها الا أن المالك ان ضمن الغاصب رجع على المشتري والمتهب ولا يرجع الآخر على الغاصب بما ضمنه لانه المتلف فاستقر الضمان عليه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: