الفقه الحنبلي - الحوالة -
إذا صحت الحوالة برئت ذمة المحيل وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه في قول عامة
اهل العلم وروي عن الحسن انه كان لا يرى الحوالة براءة إلا أن يبرئه وعن زفر أنه قال لا تنقل الحق وأجراها مجرى الضمان ولنا ان الحوالة مشتقة من تحويل الحق بخلاف الضمان فانه مشتق من ضم ذمة إلى ذمة فعلق على كل واحد مقتضاه وما دل عليه لفظه.
إذا ثبت ذلك فمتى رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار لم يعد الحق إلى المحيل أبدا سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غيره وبه قال الليث والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وهو ظاهر كلام الخرقي، وقال شريح والشعبي والنخعي متى أفلس أو مات رجع على صاحبه وقال أبو حنيفة يرجع عليه في حالين إذا مات المحال عليه مفلسا وإذا جحده وحلف عليه عند الحاكم وقال أبو يوسف ومحمد يرجع عليه في هاتين الحالتين وإذا
حجر عليه لفلس لانه روي عن عثمان انه سئل عن رجل أحيل بحقه فمات المحال عليه مفلسا فقال يرجع بحقه لانه لا توى على مال امرئ مسلم ولانه عقد معاوضة لم يسلم العوض فيه لاحد المتعاوضين فكان له الفسخ كما لو اعتاض بثوب فلم يسلم إليه ولنا أن حزنا حد سعيد بن المسيب كان له على علي رضي الله عنه دين فاحاله به فمات المحال
عليه فأخبره فقال اخترت علينا أبعدك الله فأبعده بمجرد احتياله ولم يخبره ان له الرجوع ولانها براءة من دين ليس فيها قبض ممن هي عليه ولا ممن يدفع عنه فلم يكن فيها رجوع كما لو أبرأه من الدين وحديث عثمان لم يصح يرويه خلد بن جعفر عن معاوية بن قرة عن عثمان ولم يصح سماعه وقد روي انه قال في حوالة أو كفالة وهذا يوجب التوقف ولو صح كان قول علي مخالفا له، وقولهم هو معاوضة لا يصح لانه يفضي إلى بيع الدين بالدين وهو منهي عنه ويقارق المعاوضة بالثوب لان في ذلك قبضا يقف استقرار العقد عليه وههنا الحوالة بمنزلة القبض والاكان بيع دين بدين (مسألة) (ولا تصح الا بشروط ثلاثة (أحدها) ان يحيل على دين مستقر فان احال على مال الكتابة أو السلم قبل قبضه أو الصداق قبل الدخول لم يصح وان احال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح) لا تصح الحوالة على دين غير مستقر لان مقتضاها الزام المحال عليه الدين مطلقا ولا يثبت ذلك فيما هو بعرض السقوط ولا يعتبر أن يحيل بدين مستقر الا ان السلم لا تصح الحوالة به ولا عليه لان دين السلم ليس بمستقر لكونه متعرضا للفسخ بانقطاع المسلم فيه ولا تصح الحوالة به لانها لا تصح الا فيما يجوز أخذ العوض عنه ولا يجوز ذلك في السلم لقوله عليه الصلاة والسلام (من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى
غيره فلا تصح الحوالة على المكاتب بمال الكتابة لانه غير مستقر لان له ان يمتنع من أدائه ويسقط بعجزه وتصح الحوالة عليه بدين غير دين الكتابة لان حكمه حكم الاحرار في المداينات، وان احال المكاتب سيده بنجم قد حل عليه صح وبرئت ذمة المكاتب بالحوالة ويكون ذلك بمنزلة القبض وان احالت المرأة على زوجها بصداقها قبل الدخول لم يصح لانه غير مستقر يحتمل ان يسقط بانفساخ
النكاح بسبب من جهتها، وان أحالها الزوج به صح لان له تسليمه إليها وحوالته به تقوم مقام تسليمه وان أحالت به بعد الدخول صح لانه مستقر، وان أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار لم يصح في قياس ما ذكرنا وان أحاله المشتري به صح لانه بمنزلة الوفاء قبل الاستقرار، وان احال البائع بالثمن على المشتري ثم ظهر على عيب لم يتبين ان الحوالة كانت باطلة لان الثمن كان ثابتا مستقرا والبيع كان لازما وانما ثبت الجاز بعد العلم بالعيب بالنسبة إلى المشتري، ويحتمل ان تبطل الحوالة لان سبب الجواز عيب المبيع وقد كان موجودا وقت الحوالة.
وكل موضع أحال من عليه دين غير مستقر به ثم سقط الدين كالزوجة ينفسخ نكاحها بسبب من جهتها أو المشتري يفسخ البيع ويرد المبيع فان كان ذلك قبل القبض من المحال عليه ففيه وجهان (أحدهما) تبطل الحوالة لعدم الفائدة في بقائها ويرجع
المحيل بدينه على المحال عليه والثاني لا تبطل لان الحق انتقل عن المحيل فلم يعد إليه وثبت للمحتال فلم يزل عنه ولان الحوالة بمنزلة القبض فكأن المحيل أقبض المحتال فيرجع عليه به ويأخذ المحتال من المحال عليه وسواء تعذر القبض من المحال عليه أو لم يتعذر وان كان بعد القبض لم تبطل وجها واحدا ويرجع المحيل على المحتال به (فصل) وان أحال من لادين عليه على من له عليه دين فهي وكالة يثبت فيها احكامها وليست بحوالة لان الحوالة مأخوذة من تحويل الحق وانتقاله ولا حق ههنا ينتقل ويتحول وانما جازت الوكالة بلفظ الحوالة لاشتراكهما في استحقاق الوكيل مطالبة من عليه الدين كاستحقاق المحتال مطالبة المحال عليه و تحول ذلك إلى الوكيل كتحوله إلى المحتال، وان أحال من عليه دين على من لا دين عليه فليست حوالة نص عليه أحمد فلا يلزم المحال عليه الاداء ولا المحتال القبول لان الحوالة معاوضة ولا معاوضة ههنا وانما هو اقتراض فان قبض المحتال منه الدين رجع على المحيل لانه قرض وان ابرأه لم تصح البراءة لانها براءة لمن لادين عليه وان وهبه إياه بعد أن قبضه منه رجع المحال عليه على على المحيل به لانه قد غرم عنه وانما عاد إليه المال بعقد مستأنف ويحتمل أن لا يرجع إليه لكونه ما
غرم عنه شيئا، وان أحال من لادين عليه على من لادين عليه فهي وكالة في اقتراض و ليست حوالة لان الحوالة انما تكون بدين على دين (الشرط الثاني) اتفاقن الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل لانها تحويل للحق ونقل له فينتقل على صفته ويعتبر تماثلهما في الامور المذكورة (احدها) الجنس فيحيل من عليه ذهب بذهب ومن عليه فضة بفضة ولو أحال من عليه ذهب بفضة أو بالعكس لم يصح (الثاني) الصفة فلو احال من عليه صحاح بمكسرة أو من عليه مصرية بأميرية لم يصح (الثالث) الحلول والتأجيل ويعتبر اتفاق أجل المؤجلين فان كان أحدهما حالا والآخر مؤجلا أو كان أحدهما إلى شهر والآخر إلى شهرين لم تصح الحوالة، ولو كان الحقان حالين فشرط على المحتال أن يؤخر حقه أو بعضه إلى أجل لم تصح الحوالة لان الحال لا يتأجل ولانه شرط ما لو كان ثابتا في نفس الامر لم تصح الحوالة فكذلك إذا اشترطه.
فإذا اجتمعت هذه الامور وصحت الحوالة فتراضيا بأن يدفع المحال عليه إلى المحتال خيرا من حقه أو رضي المحتال بدون الصفة أو رضي من عليه المؤجل بتعجيله أو من له الحال بالظاره جاز لان ذلك يجوز في القرض ففي الحوالة أولى فان مات المحيل أو المحتال فالاجل بحال وان مات المحال عليه انبنى على حول الدين بالموت وفيه روايتان (الشرط الثالث) أن يحيل برضاه لان الحق
عليه فلا يلزمه اداؤه من جهة الدين الذى على المحال عليه ولا خلاف في هذا (فصل) ويعتبر لصحة الحوالة ان تكون بمال معلوم لانها ان كانت بيعا فلا يصح في مجهول وان كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم، والجهالة تمنع منه، فتصح بكل ما يثبت في الذمة بالاتلاف من الاثمان والحبوب والادهان، ولا تصح فيما لا يصح السلم فيه لانه لا يثبت في الذمة، ومن شرط الحوالة تساوي الدينين فاما ما يثبت في الذمة سلما غير المثليات كالمعدود والمذروع ففي صحة الحوالة به وجهان (أحدهما) لا يصح لان المثل فيه لا يتحرر ولهذا لا يضمن بمثله في الاتلاف وهذا ظاهر مذهب الشافعي (والثاني) يصح ذكره القاضي لانه حق ثابت في الذمة فاشبه ماله مثل ويحتمل ان يخرج هذان الوجهان على الخلاف فيما يقضي به قرض هذه الاموال فان كان عليه ابل من الدية وله على آخر مثلها في السن فقال القاضي يصح لانها تختص باقل ما يقع عليه الاسم في السن والقيمة وسائر القصات، وقال أبو الخطاب
لا تصح في أحد الوجهين لانها مجهولة ولان الابل ليست من المثليات التي تضمن بمثلها في الاتلاف فلا تثبت في الذمة سلما في رواية، وإن كان عليه ابل في دية وله على آخر مثلها قرضا فأحاله عليه فان قلنا يرد القرض قيمتها لم تصح الحوالة لاختلاف الجنس وإن قلنا يرد مثلها اقتضى قول القاضي صحة الحوالة
لانه أمكن استيفاء الحق على صفته من المحال عليه ولان الخيرة في التسليم إلى من عليه الدية وقد رضي بتسليم ماله في ذمة المقترض فان كانت بالعكس فاحتال المقرض بابل الدية لم يصح لاننا ان قلنا تجب القيمة في القرض فقد اختلف الجنس وإن قلنا يجب المثل فللمقرض مثل ما أقرض في صفاته وقيمته والذي عليه الدية لا يلزمه ذلك (مسألة) (ولا يعتبر رضى المحال عليه ولارضى المحتال ان كان المحال عليه مليئا) أما المحال عليه فلا يعتبر رضاه لان للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد افام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل وانما تعتبر الملاءة في رضى المحتال بقرض الملئ غير المعدوم قال الشاعر: تطيلين لياني وأنت مليئة واحسن يا ذات الوشاح التقاضيا يعني قادرة على وفائي قال احمد في تفسير الملئ ان يكون مليئا بماله وقوله وبدنه فمتى احيل على من هذه صفته لزم المحتال والمحال عليه القبول ولم يعتبر رضاهما، وقال أبو حنيفة يعتبر رضاهما لانه معاوضة فيعتبر الرضا من المتعاقدين، وقال مالك والشافعي يعتبر رضى المحتال لان حقه في ذمة المحيل فلا يجوز نقله إلى غيرها بغير رضاه كما لا يجوز ان يجبره على ان يأخذ بالدين عوضا، فأما المحال عليه فقال مالك لا يعتبر رضاؤه الا ان يكون المحتال عدوه وللشافعي في اعتبار رضاه قولان:
(احدهما) يعتبر وهو يحكى عن الزهري لانه احد من تتم به الحوالة فأشبه المحيل (والثاني) لا يعتبر لانه اقامه في القبض مقام نفسه فلم يفتقر إلى رضى من عليه الحق كالتوكيل ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اتبع احدكم على ملئ فليتبع، ولان للمحيل ان يوفي الحق
الذي عليه بنفسه وبوكيله وقد اقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض قلزم المحتال القبول كما لو وكل رجلا في إيفائه، وفارق ما إذا أراد ان يعطيه عما في ذمته عرضا لانه يعطيه غير ما وجب له فلم يلزمه قبوله وان لم يكن المحال عليه مليئا لم يلزمه ان يحتال لمفهوم الحديث ولان عليه ضررا في ذلك فلم يلزمه كما لو بذل له دون حقه في الصفة (ففصل) فان شرط المحتال ملاءة المحال عليه فبان معسرا رجع على المحيل وبه قال بعض الشافعية وقال بعضهم لا يرجع لان الحوالة لا ترد بالاعسار إذا لم يشترط الملاءة فلا ترد به وإن شرط كما لو شرط كونه مسلما ويفارق البيع فان الفسخ يثبت بالاعسار فيه من غير شرط بخلاف الحوالة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) ولانه شرط ما فيه مصلحة العقد في عقد معاوضة فيثبت الفسخ بفواته كما لو شرط صفة في المبيع وقد يثبت بالشرط مالا يثبت باطلاق العقد بدليل اشتراط صفة في المبيع.
(مسألة) (وان ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإلا فلا ويحتمل ان يرجع)
أما إذا لم يرض المحتال بالحوالة ثم بان المحال عليه مفلسا أو ميتا رجع على المحيل بغير خلاف، ولا يلزمه الاحتيال على غير الملئ لما عليه فيه من الضرر وانما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبول الحوالة على الملئ، وان كان رضي بالحوالة لم يرجع لانه رضي بدون حقه ويحتمل أن يرجع لان الفلس عيب في الذمة فاشبه مالو اشترى شيئا يظنه سليما فبان معيبا.
(مسألة) (وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا فالحوالة باطلة) مثل أن يشتري عبدا فيحيل المشتري البائع بالثمن ثم يظهر العبد حرا وأو مستحقا فالبيع باطل والحوالة باطلة لانا تبينا أن لاثمن على المشتري وكذلك ان أحال البائع على المشتري أجنبيا بالثمن متى بطل البيع بطلت الحوالة لذلك والحرية انما ثبتت ببينة أو اتفاقهم فان اتفق المحيل والمحال عليه على حريته وكذبهما المحتال ولابينة بذلك لم يقبل قولهما عليه لانهما يبطلان حقه فاشبه ما لو باع المشتري العبد ثم اعترف هو وبائعه أنه كان حرا لم يقبل قولهما على المشتري الثاني وان أقاما بينه لم تسمع لانهما
كذباها بدخولهما في التبايع، وان أقام العبد بينة بحريته قبلت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال وادعى أن الحوالة بغير ثمن العبد فالقول قوله مع يمينه لان الاصل صحة الحوالة وهما يدعيان بطلانها فكان جنبته أقوى فان أقام البينة أن الحوالة كانت بالثمن قبلت لانهما لم يكذباها، وإن اتفق المحيل والمحتال على حرية العبد وكذبهما المحال عليه لم يقبل قولهما عليه في حرية العبد لانه إقرار على غيرهما وتبطل
الحوالة لاتفاق المرجوع عليه بالدين والراجع به على استحقاق الرجوع والمحال عليه يعترف للمحتال بدين لا يصدقه فيه فلا يأخذ منه شيئا، وان اعترف المحتال والمحال عليه بحرية العبد عتق لاقرار من هو في يده بحريته وبطلت الحوالة بالنسبة اليهما ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لان دخوله معه في الحوالة اعتراف ببراءته فلم يكن له الرجوع عليه (مسألة) (فان العقد بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة) يعني إذا فسخ العقد بعيب أو إقالة بعدا لقبض فيما إذا أحال المشتري البائع بالثمن فقد برئ المحال عليه لانه قبض منه باذنه ويرجع المشتري على البائع فان كان ذلك قبل القبض فقال القاضي تبطل الحوالة ويعود المشتري إلى ذمة المحال عليه ويبرأ البائع فلا يبقى له دين ولا عليه لان الحوالة بالثمن وقد سقط بالفسخ، ويجب أن تبطل الحوالة لذهاب حقه من المال المحال به، وقال أبو الخطاب لا تبطل في أحد الوجهين لان المشتري عوض البائع عما في ذمته ماله في ذمة المحال عليه ونقل حقه إليه نقلا صحيحا وبرئ من الثمن ويرئ المحال عليه من دين المشتري فلم يبطل ذلك بفسخ العقد الاول كما لو أعطاه بالثمن ثوبا وسلمه إليه ثم فسخ العقد لم يرجع بالثوب كذا ههنا، فان قلنا ببطلان الحوالة رجع المحيل على المحال عليه بدينه ولم يبق بينهما وبين البائع معاملة وان قلنا لا تبطل رجع المشتري على البائع بالثمن ويأخذه البائع من المحال عليه وان كانت المسألة بحالها لكن أحال البائع أجنبيا بالثمن على المشتري ثم رد البعد المبيع ففي الحوالة وجهان:
(أحدهما) لا تبطل لان ذمة المشتري برئت بالحوالة من حق البائع وصار الحق عليه للمحتال
فأشبه مالو دفعه المشتري إلى المحيل فعلى هذا يرجع المشتري على البائع بالثمن ويسلم للمحتال ما أحاله به (والثاني) تبطل الحوالة ان كان الرد قبل القبض لسقوط الثمن الذي كانت الحوالة به ولا فائدة في بقاء الحوالة فيعود البائع بدينه ويبرأ المشتري منهما كالمسألة قبلها (مسألة) (وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشتري عليه في الصورة الاولى وللمشتري أن يحيل المتحال عليه على البائع في الثانية) إذا قلنا إن الحوالة لا تبطل وبحتمل أن تبطل إذا لم يكن قبضها وقد ذكرناه (فصل) إذا أحال رجلا على زيد بألف فاحاله زيد بها على عمرو فالحوالة صحيحة لان حق الثاني ثابت مستقر في الذمة فصح أن يحيل به كالا ول وهكذا لو أحال الرجل عمرا على زيد بما يثبت له في ذمته صح أيضا لما ذكرنا وتكرر المحتال والمحيل لا يضر (مسألة) (وإذا قال احلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني فالقول قول مدعي الوكالة) إذا كان لرجل دين على آخر فاذن لرجل في قبضه ثم اختلفا فقال احلتك بدينك قال بل وكلتني وديني باق في ذمتك أو قال وكلتك في قبض دينى بلفظ التوكيل قال بل أحلتني
بلفظ الحوالة فالقول قول مدعي الوكالة مع يمينه لانه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله والاصل معه فان كان لاحدهما بينة حكم بها لان اختلافهما في اللفظ وهو مما يمكن اقامة البينة عليه (مسألة) (وإذا اتفقا على أنه قال أحلتك بالمال الذي قبل زيد ثم اختلفا فقال المحيل انما وكلتك في القبض لي وقال الآخر بل احلتني بديني عليك فالقول قول مدعي الحوالة في أحد الوجهين) لان الظاهر معه فان اللفظ حقيقة في الحوالة دون الوكالة فيجب حمل اللفظ على ظاهره كما لو اختلفا في دار في يد أحدهما (والثاني) القول قول المحيل لان الاصل بقاء حق المحيل على المحال عليه والمحتال يدعي نقله والمحيل ينكره والقول قول المنكر.
فعلى الوجه الاول يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل، وعلى الوجه الثاني يحلف المحيل
ويبقى حقه في ذمة المحال عليه، وعلى كلا الوجهين ان كان المحتال قد قبض من المحال عليه وتلف في يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان عليه سواء تلف بتفريط أو غيره لانه ان تلف بتفريط وكان المحتال محقا فقد أتلف ماله وان كان مبطلا ثبت لكل واحد منهما في ذمة الآخر ما في ذمته له فيتقاصان ويسقطان وان تلف بغير تفريط فالمحتال يقول قد قبضت حقي وتلف في يدي وبرئ منه المحيل بالحوالة والمحال عليه بتسليمه والمحيل يقول قد تلف المال في يد وكيلي بغير تفريط فلا ضمان عليه وان لم يتلف احتمل ان لا يملك المحيل طلبه لانه معترف ان له عليه من الدين مثل ماله في يده وهو مستحق لقبضه فلا فائدة في أن يقبضه منه ثم يسلمه إليه ويحتمل أن يملك أخذه منه ويملك المحتال مطلبته بدينه وقيل يملك المحيل اخذه منه ولا يملك المحتال
المطالبة بدينه لا عترافه ببراءة المحيل منه بالحوالة وليس بصحيح لان المحتل ان اعترف بذلك فهو يدعي أنه قبض هذا المال منه بغير حق وانه لا يستحق المطالبة به فعلى كلا الحالين هو مستحق للمطالبة بمثل هذا المال المقبوض منه في قولهما جميعا فلا وجه لا سقاطه ولا موضع للبينة في هذه المسألة لانهما لا يختلفان في لفظ يسمع ولا فعل يرى وانما يدعي المحيل نيته وهذا لا تشهد به البينة نفيا ولا اثباتا.
(فصل) فان قال احلتك بدينك قال بل وكلتني ففيهما وجهان ايضا لما قدمنا فان قلنا القول قول المحيل فحلف برئ من حق المحتال وللمحتال قبض المال من المحال عليه لنفسه لانه يجوز ذلك بقولهما معا فإذا قفبضه كان له بحقه، وان قلنا القول قول المححتال فحلف كان له مطالبة المحيل بحقه ومطالبة المحتال عليه لانه اما وكيل أو محتال، فان قبض منه قبل أخذه من المحيل فله اخذ ما قبض لنفسه لانه يجوز ذلك لان المحيل يقول هو لك والمحتال يقول هو امانة في يدي ولي مثله على صاحبه وقد أذن له في أخذه ضمنا فإذا أخذه لنفسه حصل غرضه ولم يأخذ من المحيل شيئا، وان استوفى من المحيل، دون المحال عليه رجع المحيل على المحال عليه في أحد الوجهين لان الوكالة قد ثبتت بيمين المحتال وبقي في ذمة المحال عليه للمحيل (والثاني) لا يرجع عليه لانه يعترف انه قد برئ من حقه وانما
المحيل ظلمه باخذ ما كان عليه، قال القاضي والاول أصح وان كان قد أخذ الحوالة فتلفت في يده بتفريط أو اتلفها سقط حقه وجها واحدا لانه ان كان محقا فقد أتلف حقه وان كان مبطلا فقد أبطل مثل دينه فيثبت في ذمته فيتقاصان وان تلف بغير تقريطه فعلى الوجه الاول يسقط حقه أيضا لان ماله تلف تحت يده وعلى الثاني له ان يرجع على المحيل بحقه وليس للمحيل الرجوع على المحال عليه لانه يقر ببراته
(مسألة) (وان قال احتلك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا) إذا اتفقا على انه قال احتلك بدينك ثم اختلفا فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا لان الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة فلم يقبل قول مدعيها وسواء اعترف المحيل بدين المحتال أو قال لادين لك علي لان قوله أحتلك بدينك اعتراف بدينه فلا يقبل جحده بعد ذلك فاما ان لم يقل بدينك بل قال احلتك ثم قال ليس لك علي دين وانما أردت التوكيل بلفظ الحوالة أو قال أردت أن أقول وكلتك فسبق لساني فقلت أحلتك وادعى المحتال انه حوالة بدينه وان دينه كان ثابتا على المحيل فهل هو اعتراف بالدين أولاء فيه وجهان سبق توجيهما (فصل) وان كان لرجل دين على آخر فطالبه به فقال قد أحلت به علي فلانا الغائب وانكر صاحب الدين فالقول قوله مع يمينه فان كان لمن عليه الدين بينة بدعواه سمعت بينته لاسقاط حق المحيل عليه، وان ادعى رجل ان فلانا الغائب أحالني عليك فأنكر المدعى عليه فالقول قوله فان اقام المدعي بينة ثبتت في حقه وحق الغائب لان البينة يقضى بها على الغائب ولزم الدفع إلى المحتال، وان لم يكن له بينة فأنكر الندعى عليه فهل يلزمه اليمين؟ فيه وجهان بناء على مالو اعترف له هل يلزمه الدفع على وجهين (أحدهما) يلزمه الدفع إليه لانه لا يأمن انكار المحيل ورجوعه عليه فكان له الاحتياط لنفسه كما لو ادعى أني وكيل فلان في قبض دينه منك فصدقه وقال لا أدفعه اليك فإذا قلنا يلزمه الدفع مع الاقرار لزمته اليمين مع الانكار فإذا حلف برئ ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لاعترافه ببراءته وكذلك ان قلنا لا يلزمه اليمين فليس للمحتال الرجوع على المخيل، ثم ينظر في المحيل فان
صدق المدعي في انه أحاله ثبتت الحوالة لان رضا المحال عليه لا يعتبر وان أنكر الحوالة حلف وسقط حكم الحوالة فان نكل المحال عليه عن اليمين فقضي عليك بالنكول واستوفى الحق منه ثم ان المحيل صدق المدعي فلا كلام وان أنكر الحوالة فالقول قوله وله أن يستوفي من المحال عليه لانه معترف له بالحق ويدعي ان المحتال ظلمه وببقى دين المحتال على المحيل فان أنكر المحيل ان له عليه دينا فالعقول قوله بغير يمين لان المحتال يقر ببراءته منه لا يستيفائه من المحال عليه وان كان المحيل
يعترف به لم يكن للمحتال المطالبة به لانه يقر أنه قد برئ منه بالحوالة والمحيل يصدق المحال عليه في كون المحتال قد ظلمه واستوفى منه بغير حق والمحتال يزعم ان المحيل قذ أخذ منه أيضا بغير حق وانه يجب عليه ان يرد ما أخذ منه إليه فينبغي ان يقبضها المحتال ويسلمها إلى المحال عليه أو يأذن للمحيل في ذفعها إلى المحال عليه وإن صدق المحال عليه المحتال في الحوالة ودفع إليه فأنكر المحيل الحوالة حلف ورجع على المحال عليه، والحكم في الرجوع بما على المحيل من الدين على ما ذكرنا في التي قبلها (فصل) فان كان عليه الف ضمنه رجل فأحال الضامن صاحب الدين به برئت ذمته وذمة المضمون عنه لان الحوالة كالتسليم ويكون الحكم ههنا كالحكم فيما لو قضى عنه الدين على ما ذكرنا فان كان الالف على رجلين على كل واحد منهما خمسمائة وكل واحد كفيل عن الآخر بذلك فأحاله أحدهما بالالف برئت ذمتهما معا كما لو قضاها وان أحال ضاحب الالف رجلا على أحدهما بعينه صحت الحوالة لان الدين على كل واحد منهما مستقر، وان احال عليهما جميعا ليستوفي منهما أو من أيهما شاء صحت الحوالة ايضا عند القاضي لانه لا فضل ههنا في نوع ولا أجل ولا عدد وانما هو زيادة استيثاق فلم فلم يمنع ذلك صحة الحوالة كحوالة المعسر على الملئ، وقال بعض الشافعية لا تصح الحوالة لان الفضل قد دخلها فان المحتال ارتفق بالتخيير الاستيفاء من أيهما شاء فأشبه مالو أحاله على رجلين له على كل واحد منهما الف ليستوفي من أيهما شاء والاول أصح، والفرق وبين هذه المسألة وبين ما إذا
أحاله بألفين انه لا فضل بينهما في العدد ههنا وثم تفاضلا ولان الحوالة ههنا بألف معين وثم الحوالة بأحدهما من غير تعيين وانه إذا قضاه أحدهما الالف فقد قضاه جميع الدين وثم إذا قضى احدهما بقي ما على الآخر ولو لم يكن كل واحد من الرجلين ضامنا عن صاحبه فأحال عليهما حصت الحوالة بغير إشكال لانه لما كان له ان يستوفي الالف من واحد كان له أن يستوفي من اثنين كالوكلين باب الضمان وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت في ذمتهما جميعا ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما، واستقاقه من الضم وقيل من التضمين لان ذمة الضامن تتضمن الحق، والاصل في جوازه الكتاب والسنة والاجماع.
اما اكتاب فقوله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم والزعيم الكفيل قاله بان عباس.
واما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (الزعيم غارم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، واجمع المسلمون على الضمان في الجملة واختلفوا في فروع تذكر ان شاء الله تعالى، يقال ضمين وكفيل وقبيل وحميل وزعيم وصبير بمعنى واحد ولا بد في الضمان من ضامن ومضمون عنه ومضمون له.
(مسألة) (ولصاحب لحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت) وجملة ذلك أن المضمون عنه لا يبرأ بنفس الضمان كما يبرأ المحيل بنفس الحوالة قبل القبض بل يثبت
الحق في ذمة الضامن مع بقائه في ذمة المضمون عنه فعلى هذا لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة وبعد الموت، وبهذا قال الئوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد وحكي عن مالك في احدى الروايتين عنه أنه لا يطالب الضامن الا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه ولانه وثيقة فلا يستوفى الحق منها الا مع تعذر استيفائه من الاصل كالرهن ولنا قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولان الحق ثابت في ذمة الضامن فملك مطالبتة كالاصل ولان الحق ثابت في ذمتهما فملك مطالبة من شاء منهما كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه ولا يشبه الرهن لانه مال من عليه الحق وليس بدين ذمة يطالب إنما يطالب من عليه الدين ليقضي منه
أو من غيره، وقال أبو ثور الكفالة والحوالة سواء وكلاهما ينقل الحق عن ذمة المضمون عنه والمحيل وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود، وعن أحمد رواية أن الميت يبرأ بمجرد الضمان نص عليه في رواية يوسف بن موسى واحتجوا بما روى أبو سعيد الخدري قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال (هل على صاحبكما من دين؟) قالوا نعم درهمان فقال (صلوا على صاحبكم) فقال علي هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال (جزاك الله عن الاسلام خيرا أو فك رها نك كما فككت رهان أخيك) فقيل يا رسول
الله هذا لعلي خاصة أم للناس عامة؟ فقال (بل الناس عامة) رواه الدارقطني فدل على أن المضمون عنه برئ بالضامن ولذلك صلى الله عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى الامام أحمد في المسند عن جابر قال توفي صاحب لنا فاتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فخطا خطوة ثم قال (أعليه دين؟) قلنا ديناران فانصرف، فتحملهما أبو قتادة فقال الديناران علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجب حق الغريم وبرئ الميت منهما؟) قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك (ما فعل الديناران؟) قال انما مات أمس قال فعاد إليه من الفد فقال قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآن بردت جلدته) وهذا صريح في براءة المضمون عنه لقوله (وبرئ الميت منهما؟) ولانه دين واحد فإذا صار في ذمة نائبة برئت الاولى منه كالمحال به لان الدين الواحد لا يحل في محلين ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وقوله في خبر أبي قتادة (الآن بردت جلدته) حين أخره أنه قضى دينه ولانها وثيقة فلا تنقل الحق كالشهادة، فأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على المضمون عنه فلانه بالضمان صار له وفاء وانما كان عليه الصلاة والسلام يمتنع من الصلاة على مدين لم يخلف وفاء، وأما قوله لعلى (فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك) فانه كان بحال لا يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضمنه فكه من ذلك أو ما في معناه، وقوله (برئ الميت منهما؟) أي صرت أنت المطالب بهما وهذا على وجه التأكيد لثبوت الحق في ذمته ووجوب الاداء عنه بدليل قوله حين أخبره بالقضاء (الآن بردت عليه جلده) وفارق الضمان الحوالة
فان الضمان مشتق من الضم بين الذمتين في تعلق الحق بهما وثبوته فيهما والحوالة من التحول فيقتضي تحول الحق عن محله إلى ذمة المحال عليه وقولهم إن الدين الواحد لا يحل محلين قلنا يجوز تعلقه بمحلين على سبيل الاستيثاق كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن كذلك هذا (مسألة) (فان برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن) متى برئت ذمة المضمون بقضاء أو إبراء برئت ذمة الضامن لا نعلم فيه خلافا لانه بيع ولانه وثيقة فإذا برئ الاصل زالت الوثيقة كالرهن (مسأله) (وان برى الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه لانه أصل فلا يبرأ بابراء التبع ولانه وثيقة انحلت من غير استيفاء الدين منها فلم تبرأ ذمة الاصل كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء وأيهما قضى الحق برئا جميعا من المضمون له لانه حق واحد فإذا استوفي مرة زال تعلقه بهما كما لو استوفي الحق الذي به رهن، وان أحال أحدهما الغريم برئا جميعا لان الحوالة كالقضاء (فصل) ويجوز ان يضمن الحق عن الرجل الواحد اثنان أو اكثر سواء ضمن كل واحد جميعه أو جزأ منه فان ضمن كل واحد منهم جميعه برئ كل واحد منهم بأداء أحدهم وان أبرأ المضمون عنه برئ الجميع لانهم فروع له وان أبرأ أحد الضامنين برئ واحده لانهم غير فروع له فلم يبرؤا ببراءته كالمضمون عنه وان ضمن أحد هم صاحب لم يجز لان الحق ثبت في ذمته بضمانه الاصلى فلا يجوز أن يثبت ثانيا ولانه أصل فيه بالضمان فلا يجوز ان يصير فيه فرعا، ولو تكفل بالرجل الواحد اثنان جازو يجوز أن يكفل كل واحد
من الكفيلين صاحبه صاحبه لان الكفالة ببدنه لا بما في ذمته وأي الكفيلين أخضر المكفول به برئ وبرئ صاحبه من الكفالة لانه فرعه ولم يبرأ من احضار المكفول به لانه أصل في ذك وان كفل المكفول به الكفيل لم يجز لانه أصل له في الكفالة فلم يجز أن يصير فرعا فيما كفل به وان كفل به في غيره جاز.
(مسألة) (ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا فأسلم المضمون له أو المضمون عنه برئ هو والضامن معا)
لانه برئ من الخمر الذي ضمن عنه إذ لا يجوز وجوب خمر على مسلم وإذا برئ المضمون عنه برئ الضامن لانه فرعه، وان أسلم المضمون له برئ أيضا لانه ليس للمسلم المطالبة بثمن الخمر لكونه لاقيمة له في الاسلام فان أسلم وحده برئ ولم يبرأ المضمون عنه لانه أصل فلم يبرأ ببراءة فرعه كما لو ابرأه المضمون له (مسألة) (ولا يصح الامن جائز التصرف) لا يصح لا لضمان الاممن يصح تصرفه في ماله رجلا كان أو امرأة لانه عقد يقصد به المال فصح من المرأة كالبيع.
(مسألة) (ولا يصح من صبي ولا مجنون ولاسفيه ولامن عبد بغير إذن سيده وعنه يصح ويتبع به بعد العتق وان ضمن باذن سيده صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين)
لا يصح الضمان من مجنون ولا مبرسم ولا صبي غير مميز بغير خلاف لانه ايجاب مال فلم يصح منهم كالنذر والاقرار، ولا يصح من السفيه المحجور عليه وهو قول الشافعي وقال القاضي يصح ويتبع به بعد فك الحجر عنه لان من أصلنا ان اقراره صحيح يتبع به بعد فلك الحجر عنه كذلك ضمانه والاول أولى لانه إيجاب مال بعقد فلم يصح منه كالبيع والشراء وأما الاقرار فلنا فيه منع وان سلم فالفرق بينهما أن الاقرار اخبار بحق سابق وأما الصبي المميز فلا يصح ضمانه وهو قول الشافعي وخرج أصحابنا صحته على الروايتين في صحة اقراره وتصرفه باذن وليه، ولا يصح هذا الجمع لان هذا التزام مال لا فائدة له فيه فلم يصح كالتبرع والنذر بخلاف البيع، وان اختلفا في وقت الضمان بعد بلوغه فقال الصبي قبل بلوغي وقال المضمون له بعد البلوغ فقال القاضي قياس قول أحمد ان القول قول المضمون له لان معه سلامة العقد فأشبه ما لو اختلفا في شرط فاسد ويحتمل أن القول قول الضامن لان الاصل عدم البلوغ وعدم وجوب الحق عليه، وهذا قول الشافعي ولا يشبه هذا ما إذا اختلفا في شرط فاسد لان المختلفين ثم متفقان على أهلية التصرف والظاهر انهما لا يتصرفان الا تصرفا صحيحا فكان قول مدعي الصحة وههنا في اهلية التصرف وليس مع من يدعي اهلية ظاهر يستند
إليه فلم ترجح دعواه، والحكم فيمن عرف له حال جنون كالحكم في الصبي وان لم يعرف له حال
جنون فالقول قول المضمون له لان الاصل عدمه، وأما المحجور عليه لفلس فيصح ضمانه ويتبع به بعد فك الحجر عنه لانه من أهل التصرف والحجر عليه في ماله لا في ذمته فهو كتصرف الراهن فيما عدا الرهن، فأما العبد فلا يصح ضمانه بغير اذن سيده سواء كان مأذونا له في التجارة أولا، وبهذا قال ابن أبي ليلى والثوري وابو حنيفة، ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لانه من أهل التصرف فصح تصرفه بما لا ضرر فيه على السيد كالاقرار بالاتلاف ولنا انه عقد تضمن إيجاب فلم يصح بغير اذن السيد كالنكاح وقال أبو ثور ان كان من جهه التجارة جاز وإلا لم يجز فان ضمن باذن سيده صح لان سيده لو أذن في التصرف صح قال القاضى وقياس المذهب تعلق المال برقبته لانه دين لزمه بفعله فتعلق برقبته كارش جنايته وقال ابن عقيل ظاهر المذهب وقياسه أنه يتعلق بذمة السيد.
وقد ذكر شيخنا هنا روايتين وكذلك ذكره أبو الخطاب كاستدانته باذن سيده ونسذكر ذلك ان شاء الله تعالى، فان أذن له سيده في الضمان ليكون القضاء من
المال الذي في يده صح ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي ى في يد العبد كتعلق حق الجناية برقبة الجاني كما لو قال الحر لك هذا الدين على أن تأخذ من مالي هذا صح (فصل) ولا يصح ضمان المكاتب بغير اذن سيده كالقن لانه تبرع بالتزام مال أشبه نذر الصدقة بمال معين ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد عتقه كقولنا في العبد وإن ضمن باذنه ففيه وجهان (أحدهما لا يصح أيضا لانه ربما أدى إلى تفويت الحرية (والثاني) يصح لان الحق لهما لا يخرج عنهما فأما المريض فان كان مرضه غير مخوف أو لم يتصل به الموت فهو كالصحيح وان كان مرض الموت المخوف فحكم ضمانه حكم تبرعه يحسب من ثلثه لانه تبرع بالتزام مال لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضا أشبه الهبة، وإذا فهمت اشارة الاخرس صح ضمانه لا نه يصح بيعه واقراره وتبرعه أشبه الباطن، ولا يثبت الضمان بكتابته
منفردة عن اشارة يفهم بها أنه قصد الضمان لانه قد يكتب عبثا أو تجربة قلم فلم يثبت الضمان به مع الاحتمال ومن لاتفهم اشارته لا يصح مانه لانه لا يدري بضمانه وكذلك سائر تصرفاته (مسألة) (ولا يصح إلا برضى الضامن ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه ولا معرفة الضامن لها) لا يصح الضمان الا برضى الضامن فان أكره عليه لم يصح لانه التزام مال فلم يصح بغير رضا الملتزم كالنذر ولا يعتبر رضا المضمون له وقال أبو حنيفة ومحمد يعتبر لانه اثبات مال لآدمي فلم يثبت الا برضاه أو رضا من ينو ب عنه كالبيع والشراء وعن أصحاب الشافعي كالمذهبين ولنا ان أبا قتادة ضمن من غير رضا المضمون له ولا المضمون عنه فأجاره النبئ صلى الله عليه وسلم
ولانها وثيقة لا يعتبر فيها قبض فأشبهت الشهادة ولانه ضمان دين فأشبه ضمان بعض الورثة دين الميت للغائب وقد سلموه، ولا يعبر رضى المضمون حديث أبي قتادة، ولا يعتبر أن يعرفهما الضامن وقال القاضي يعتبر معرفتهما لعيلم هل المضمون عنه أهل لا صطناع المعروف إليه أولا وليعرف المضمون له فيؤدي إليه وذكر وجها آخر أنه يعتبر معرفة المضمون له لذلك ولا تعتبر معرفة المضمون عنه لانه لا معاملة بينه وبينه ولا صحاب الشافعي ثلاثة أوجه نحو هذا ولنا حديث علي وأبي قتادة فانهما ضمنا لمن لم يعرفا وعن لم يعرفا ولانه تبرع بالتزام مال فلم تعتبر معرفة من يتبرع له به كالنذر
(مسألة) (ولا يعتبر كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب فلو قال ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح) يصح ضمان المجهول فمتى قال أنا ضامن لك ما على فلان أو ما تقوم به البينة أو ما يقر به لك أو ما يخرج في روز ما نجك صح الضمان، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الثوري والليث وابن أبى ليلى والشافعي وابن المنذر لا يصح لانه التزام مال فلم يصح مجهولا كالثمن.
ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) وحمل البعير غير معلوم لان حمل البعير مختلف باختلافه وعموم قوله عليه السلام (الزعيم غارم) ولانه التزام حق في الذمه من غير معاوضة فصح في المجهول كالنذر والاقرار ولانه يصح تعليقه بغرر وخطر وهو ضمان العهدة، وإذا قال الق متاعك
في البحر وعلي ضمانه أو قال ادفع ثيابك إلى هذا الرقاء وعلي ضمانها فصح في المجهول كالعتق والطلاق (فصل) ويصح ضمان ما لم يجبفلو قال ما أعطيت فلانا فهو علي صح، والخلاف في هذه المسألة كالتي قبلها ودليل القولين ما ذكرنا، قد قال في هذه المسألة الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الدين فإذا لم يكن على المضمون عنه شئ لم يوجد ضم ولا يكون ضامنا قلنا: قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه وان ما يثبت مضمونه يثبت في ذمته وهذا كاف وقد سلموا ضمان ما يلقيه في البحر قبل وجوبه بقوله الق مناعك في البحر وعلي ضمانه وسلم أصحاب الشافعي في أحد الوجهين ضمان الجعل في الجعالة قبل العمل وما وجب شئ بعد (مسألة) (ويصح ضمان دين الضامن) نحو أن يضمن الضامن ضامن آخر لانه دين لازم في ذمته فصح ضمانه كسائر الديون ويثبت
الحق في ذمم الثلاثة أيهم برئت ذممهم كلها لانه حق واحد فإذا قضي مرة سقط فلم يجب مرة أخرى، وان أبرأ الغريم المضمون عنه الضامنان لانهما فرغ وان أبرئ الضامن الاول برئ الضامنان لذلك ولم يبرأ المضمون عنه لما تقدم وان ابرئ الضامن الثاني برئ وحده، ومتى حصلت براءة الذمة بالابراء فلا رجوع فيها لان الرجوع مع الغرء وليس في الابراء غرم والكفالة كالضمان في هذا المعنى.
(فصل) وان ضمن المضمون عنه الضامن أو تكلفل المكفول عنه الكفيل لم يصح لان الضامن يقتضي الزامه الحق في ذمته والحق لازم له فلا يتصور الزامه ثابيا ولانه اصل في الدين فلا يجوز أن يصير فرعا فيه فان ضمن عنه دينا آخر أو تكفل به في حق آخر جاز لعدم ما ذكرنا
(مسألة) (ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين)
يصح الضمان عن كل غريم وجب عليه حق حيا كان أو ميتا مليئا أو مفلسا وبه قال أكثر العلماء وقال أبو حنيفة لا يصح ضمان دين الميت الا ان يخلف وفاء فان خلف بعض الوفاء صح ضمانه بقدر ما خلف لانه دين صاقط فلم يصح ضمانه كما لو سقط بالابراء ولان ذمته قد خربت خرابا لا يعمر بعده فلم يبق فيه دين والضمان ضم ذمة إلى ذمة.
ولنا حديث ابي قتادة فانهما ضمنا دين ميت لم يخلف وفاء وقد حضهم النبي صلى الله عليه وسلم على ضمانه في حديث أبى قتادة بقوله (الاقام أحدكم فضمنه) وهذا صريح في المسألة ولانه دين ثابت فصح ضمانه كما لو خلف وفاء.
ودليل ثبوته أنه لو تبرع رجل بقضاء دينه جاز لصاحب الحق اقتضاؤه ولو ضمنه حياثم مات لم يبرأ منه الضامن ولو برئت ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن وفي هذا انفصال عما ذكروه.
وإذا ثبت صحة ضمان دين الميت فان ذمته لا تبرأ من الدين قبل القضاء في احدى
الروايتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) ولان النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبا قتادة عن الدينارين الذين ضمنهما فقال قد قضيتهما فقال (الآن بردت جلدته) رواه الامام أحمد ولانه وثيقة بدين فلم يسقط قبل القضاء كالرهن وكالشهادة والثانية يبرأ بمرجد الضمان نص عليه أحمد في رواية يوسف بن موسى لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة (وبرئ الميت منهما) قال نعم وقد ذكر نا ذلك (فصل) ويصح الضمان في جميع الحقوق المالية الواجبة والتي تؤول إلى الوجوب كثمن المبيع في مدة الخيار وبعده والاجرة والمهر قبل الدخول وبعده ولان هذه الحقوق لازمة وجواز سقوطها لا يمنع صحة ضمانها كالثمن في المبيع بعد انقضاء الخيار يجوز أن يسقط بالرد بالعيب وبالمقايلة وهذا مذهب الشافعي (مسألة) (ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع) فضمانه على المشتري هوان يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، وان ظهر فيه عيب أو استحق رجع بذلك على الضامن
وضمانه عن البائع للمشتري هو أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع متسحقا أو رد بعيب أو أرش العيب، فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثمن أو جزء منه عن أحدهما للآخر، والعهدة الكتاب الذي تكتب فيه وثيقة البيع ويذكر فيه الثمن فعبر به عن الثمن الذي يضمنه، وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة أبو حنيفة ومالك والشافعي ومنع منه بعض أصحابه لكونه ضمان ما لم يجب وضمان مجهول وضمان عين وقد ثبت جواز الضمان في ذلك كله ولان الحاجة تدعوا إلى الوثيقة على البائع، والوثائق ثلاثة الشهادة والرهن والضمان، فأما الشهادة فلا يستوفى منها الحق وأما الرهن فلا يجوز في ذلك بالاجماع لانه يؤدي إلى أن يبقى أبدا مرهونا فلم يبق الا الضمان ولانه لا يضمن الا ما كان واجبا حال العقد ومتى كان كذلك فقد ضمن ما وجب حين العقد والجهالة منتفية لانه ضمن الجملة فإذا خرج بعضه مستحقا لزمه بعض ما ضمنه، إذا ثبت هذا فانه يصح ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبل قبض الثمن
وبعده.
وقال الشافعي انما يصح بعد القبض لانه قبل القبض لو خرج مستحقا لم يجب على البائع شئ وهذا ينبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة وسنذكرها، وألفاظ ضمان عهدة المبيع قوله ضمنت عهدته أو تمثه أو دركه أو يقول للمشتري ضمنت خلاصك منه أو متى خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن وحكي عن أبي يوسف أنه إذا قال ضمنت عهدته أو ضمنت لك العهدة لم يصح لان العهدة الصك بالابتياع كذا فسره أهل اللغة فلا يصح ضمانه للمشتري لانه ملكه وليس بصحيح لان العهدة في العرف عبارة عن الدرك وضمان الثمن والمطلق يحمل على الاسماء العرفية كالرواية تحمل عند اطلاقها على المزادة لاعلى المحل وان كان الموضوع لغة.
فأما ان ضمن له خلاص المبيع فقال أبو بكر هو باطل لانه إذا خرج حرا أو مستحقا لم يستطع تخليصه ولا يحل وقد قال أحمد في رجل باع عبدا أو أمة ومضن له الخلاص فقال كيف يستطيع الخلاص إذا خرج حرا فان ضمن عهدة المبيع وخلاصه بطل في الخلاص، وتنبني صحته في العهدة على تفريق الصفقة.
إذا ثبت صحة ضمان العهدة فالكلام فيما يلزم الضامن فنقول استحقاق رجوع المشترى بالثمن إما أن يكون بسبب حادث بعد العقد أو مقارن له فأما الحادث فمثل تلف المكيل والموزون في يد البائع أو بغصب من يده أو يتقايلان
فان المشتري يرجع على البائع دون الضامن لان هذا لم يكن موجودا حال العقد وانما ضمن الاستحقاق الموجود حال العقد ويحتمل أن يرجع به على الضامن لان ضمان ما لم يجب جائز وهذا منه، وأما إن كان بسبب مقارن نظر نا فان كان بسبب لا تفريط من البائع فيه كأخذه بالشفعة فان المشتري يأخذ الثمن من الشفيع ولا يرجع على البائع ولا الضامن ومتى لم يجب على المضمون عنه لم يجب على الضامن بطريق الاولى.
فأما ان كان زوال ملكه عن المبيع بسبب مقارن لتفريط من البائع باستحقاق أو حرية أورد بعيب قديم فله الرجوع لعى الضامن وهذا ضمان العهدة، وان أراد اخذ أرش العيب رجع على الضامن أيضا لانه إذا لزمه كل الثمن لزمه بعضه إذا استحق ذلك على المضمون عنه وسواء ظهر
كل المبيع متسحقا أو بعضه لانه إذا ظهر بعضه مستحقا بطل العقد في الجميع في احدى الروايتين فقد خرجت العين كلها من يده بسبب الاستحقاق، وعلى الرواية الاخرى يبطل في البعض المستحق وله رد الجميع فان ردها فهو كما لو استحقت كلها وان أمسك بعضها فله المطالبة بالارش كما لو وجدها الكفالة لانه لا يلزم البائع فلا يلزم الكفيل مالا يلزم الاصل، وان ضمن للمشتري قيمة ما يحدث في المبيع من بناء أو غراس صح سواء ضمنه البائع أو أجنبيي فإذا بنى أو غرس فاستحق المبيع رجع المشتري على الضامن بقيمة ما تلف أو نقص وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا يصح لانه ضمان مجهول وضمان ما لم يجب وقد بيناه جوازه (مسألة) (ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين) وهو قول الشافعي وأكثر أهل العلم والاخرى يصح لانه دين على المكاتب فصح ضمانه كسائر ديونه والاولى أصح لانه ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم لان للمكاتب تعجيز نفسه والامتناع من الاداء فإذا لم يلزم الاصل فالضامن أولى (مسألة) (ولا يصح ضمان الامانات كالوديعة ونحوها الا أن يضمن التعدي فيها) أما الامانات كالوديعة والعين المؤجرة والشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والقصار فان ضمنها من غير تعد فيها لم يصح لانها غير مضمونة على صاحب اليد فكذلك على ضامنه وان ضمن
التعدي فيها فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى صحة ضمانها فانه قال في رواية الاثرم في رجل يتقبل من الناس الثياب فقال له رجل ادفع إليه ثيابك وأنا ضامن فقال هو ضامن لما دفعه إليه يعني إذا تعدى أو تلف بفعله، فعلى هذا ان تلف بغير فعله ولا تفريط منه فلا شئ على الضامن وان تلف بفعله أو تفريط لزمه ضامنه أيضا لانها مضمونة على من هي في يده فهي كالغصوب والعواري وهذا في الحقيقة ضمان ما لم يجب وقد ذكرناه
(مسألة) (فأما الاعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها) وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه، وقال في الآخر لا يصح لان الاعيان غير ثابتة في الذمة فانما يضمن ما يثبت في الذمة ووصفنا لما بالضمان انما معناه أنه يلزم قيمتها عند التلف والقيمة مجهولة ولنا أنها مضمونة على من هي في يده فصح ضمانها كالحقوق الثابتة في الذمة، وقولهم ان الاعيان لا تثبت في الذمة قلنا الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها وردها والتزام تحصيلها أو قيمتها عند تلفها وهذا مما يصح ضمانه كعهدة المبيع فانه يصح وهي في الحقيقة التزام رد الثمن أو عوضه إن ظهر بالمبيع عيب أو استحق.
(فصل) ويصح ضمان الجعل في الجعالة وفي المسابقة والمناضلة وقال أصحاب الشافعي لا يصح ضمانه في أحد الوجهين لانه لا يؤول إلى اللزوم أشبه مال الكتابة ولنا قول الله تعالى (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) ولانه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل وانما الذي لا يلزم العمل والمال يللزم بوجوده والضمان للمال دون العمل، ويصح ضمان أرش الجناية سواء كان نقودا كقيم المتلفات أو حيوانا كاليات وقال اصحاب الشافعي لا يصح ضمان الحيوان الواجب فيها لانه مجهول وقد مضى الدليل على صحة ضمان المجهول ولان الابل الواجبة في الدية معلومة الاسنان والعدد وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضر لانه انما يلزمه أدنى لون وصفة فيحصل معلومه وكذلك غيرها من الحيوان ولان جهل ذلك لا يمنع وجوبه باتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام ويصح ضمان نفقة الزوجة سواء كانت نفقة يومها أو مستقبلة لان نفقة اليوم واجبة والمستقبلة مآلها
إلى اللزوم ويلزمه ما يلزم الزوج في قياس المذهب، وقال القاضي: إذا ضمن نفقة المستقبل لميلزمه إلا نفقة المعسر لان الزيادة على ذلك تسقط بالاعسار، وهذا مذهب الشافعي على القول الذي قال فيه يصح ضمانها.
ولنا أنه يصح ضمان الجعالة والصداق قبل الدخول والمبيع في مدة الخيار.
فأما النفقة في الماضي
فان كانت واجبة بحكم حاكم أو قلنا بوجوبها بدون حكمه صح ضمانها والا فلا وفي صحة ضمان السلم اختلاف نذكره في بابه.
(مسألة) (وان قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشئ لانه تطوع بذلك أشبه الصدقة وسواء ضمن باذنه أو بغير إذنه (مسألة) (وان نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير اذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين وإن أذن له في أحدهما فله الرجوع بأقل الامرين مما قضى أو قدر الدين) وجملة ذلك أن الضامن متى أدى الدين بينة الرجوع لم يخل من أربعة أقسام (أحدها) أن يضمن باذن المضمون عنه ويؤدي بأمره فانه يرجع عليه سواء قال اضمن عني واد عني أو أطلق، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة ومحمد ان قال اضمن عني وانقد عني رجع عليه وان قال انقد هذا لم يرجع عليه الا ان يكون مخالطا له يستقرض منه ويودع عنده لان قوله اضمن عنى وانقد عنى اقراره منه بالحق وإذا أطلق صار كانه قال هب لهذا أو تطوع وإذا كان مخالطاله رجع استحسانا لانه قدر يأمر مخالطه بالنقد عنه ولنا انه ضمن ودفع بامره فأشبه مالو كان مخالطا له أو قال اضمن عني وما ذكراه ليس بصحيح لانه إذا أمره بالضمان لا يكون الا لما هو عليه وأمره بالنقد بعد ذلك ينصرف إلى ما ضمنه بدليل المخالطة له فيجب عليه أداء ما ادى عنه كما لو صحربه (الثاني) ضمن بامره وقضى بغير أمره فله الرجوع أيضا وبه قال مالك والشافعي في أحد الوحوه عنه، والوجه الثاني لا يرجع لانه دفع بغير أمره أشبه مالو تبرع، الوجه الثالث أنه ان تعذر الرجوع
على المضمون عنه فدفع ما عليه رجع وإلا فلا لانه تبرع بالدفع
ولنا أنه إذا أذن في الضمان تضمن ذلك اذنه في الاداء لان الضمان يوجب عليه الاداء فرجع عليه كما لو أذن في الاداء صريحا (الثالث) ضمن بغير امره وقضى بامره فله الرجوع أيضا وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يرجع لان أمره بالقضاء انصرف إلى ما وجب بضمانه ولنا أنه أدى دينه بامرمه فرجع عليه كما لو لم يكن ضامنا أو كما لو ضمن بامره، قولهم ان إذنه في القضاء انصرف إلى ما وجب بضمانه قلنا والواجب بضمانه انما هو اداء دينه وليس هو شيئا آخر فمتى أداه عنه باذنه لزمه إعطاؤه بدله (الرابع) ضمن بغير أمره وقضى بغير أمره ففيه روايتان (احداهما) يرجع وهو قول مالك وعبيد الله بن الحسن واسحاق (والثانية) لا يرجع بشئ وهو قول أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر بدليل حديث علي وأبي قتادة فانهما لو كان يستحقان الرجوع على الميت صار الدين لهما فكانت ذمة الميت مشغولة بدينهما كاشتغالها بدين المضمون له ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم لانه تبرع بذلك أشبه مالو علف دوابه وأطعم عبيده بغير أمره.
ووجه الاولى أنه قضاء مبرئ من دين واجب فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضى عنه عند امتناعه، فاما علي وأبو قتادة فانهما تبرعا بالقضاء والضمان فانهما قضيا دينه قصدا لتبرئة ذمته ليصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهما انه لم يترك وفاءه والمتبرع لا يرجع بشئ وانما الخلاف في المحتسب بالرجوع (فصل) ويرع الضامن على المضمون عنه باقل الامرين مما قضى أو قدر الدين لانه ان كان الاقل الدين فالزائد لم يكن واجبا فهو متبرع به وان كان المقضي أقل فانما يرجع بما غرم ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشئ فان دفع عن الدين عرضا رجع باقل الامرين من قمته أو قدر الدين لما ذكرنا (فصل) ولو كان على رجلين مائة على كل واحد منهما نصفها وكل واحد ضامن عن صاحب ما عليه فضمن آخر عن احدهما المائة بأمره وقضاها سقط الحق عن الجميع وله الرجوع على الذي ضمن عنه ولم ين له أن يرجع على الآخر بشئ في احدى الروايتين لانه لم يفضي عنه ولا اذن له في القضاء
فإذا رجع على الذي ضمن رجع على الآخر بنضفها ان كان ضمن عنه باذنه لانه ضمنها عنه باذنه وقضاها ضامنه، والرواية الثانية له الرجوع على الآخر بالمائة لانها وجبت له على من أداها عنه فملك الرجوع بها كالاصل (فصل) وإذا ضمن عن رجل بامره فطولب الضامن فله مطالبة المضمون عنه بتخليصه لانه لزمه الآداء عنه بامره فكانت له المطالبة بتبرئة ذمته وان لم يطالب الضامن لم يملك مطالبه المضمون عنه لانه لما لم يكن له الرجوع بالدين قبل غرامته لم تكن له المطالبة قبل طلبه منه وفيه وجه آخر أن له المطالبة لانه شغل ذمته باذنه فكانت له المطالبة بتفريغها كما لو استعار عبدا فرهنه كان لسيده مطالبته بفكاكه وتفريغه من الرهن والاولى أولى.
ويفارق الضمان العارية لان السيد يتضرر بتعويق منافع عبده المستعار فملك المطالبة بما يزيل الضرر عنه والضامن لا يبطل بالضمان شئ من منافعه فاما ان ضمن عنه بغير اذنه لم يملك مطالبة المضمون عنه قبل الآداء بحال لانه لاحق له يطالب به ولا شغل ذمته بأمره فأشبه الاجنبي، وقيل ان ينبني على الروايتين في رجوعه على المضمون عنه بما أدى عنه فان قلنا لا يرجع فلا مطالبة له بحال وان قلنا يرجع فحكمه حكم من ضمن عنه بامره على ما مضى تفصيله (فصل) وان ضمن الضامن آخر فقضى أحدهما الدين برئ الجميع فان قضاه المضمون عنه لم يرجع على أحد وان قضاه الضامن الاول رجع على المضمون عنه دون الضامن الثاني وان قضاه الثاني رجع على الاول ثم رجع الاول على المضمون عنه إذا كان كل واحد منهما قد أذن لصاحبه فان لم يكن اذن له ففي الرجوع روايتان، وان أذن الاول للثاني ولم يأذن المضمون عنه أو أذن المضمون عنه لضامنه ولم يأذن الضامن لضامنه رجع المأذون له على من أذن له ولم يرجع على الآخر على احدي الروايتين فان أذن المضمون عنه للضامن الثاني في الضمان ولم يأذن له الضامن الاول رجع على المضمون عنه ولم يرجع على الضامن لانه انما يرجع على من أذن له دون غيره
(فصل) إذا كان له.
الف على رجلين على كل واحد مهما نصفه وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه فابرأ الغريم أحدهما من الالف برئ منه ويرئ صاحبه من ضمانه وبقي عليه خمسمائة وان قضاه أحدهما
خمسمائة أو أبرأه الغريم منها وعين القضاء بلفظه أو ببينة عن الاصل أو الضمان انصرف إليه وان أطلق احتمل ان له صرفها إلى ما شاء منهما كمن أخرج زكاة نصاب وله نصابان غائب وحاضر كان له صرفها إلى ما شاء منهما واحتمال أن يكون نصفها عن الاصل ونصفها عن الضمان لان اطلاق القضاء والابراء ينصرف إلى جملة ما في ذمته فيكون بينهما، والمعتبر في القضاء لفظ القاضي ونيته وفي الابراء لفظ المبرئ ونيته ومتى اختلفوا في ذلك فالقول قول من اعتبر لفظه ونيته (فصل) ولو ادعى الفا على حاضر وغائب وان كل واحد منهما ضامن عن صاحبه فاعترف الحاضر بذلك فله أخذ الالف منه فان قدم الغائب فاعترف رجع عليه صاحبه بنصفه وان أنكر فالقول قوله مع يمينه وان كان الحاضر أنكر فالقول قوله مع يمينه، فان قامت عليه بينة فاستوفى الالف منه لم يرجع على الغائب بشئ لانه بانكاره معترف انه لا حق له عليه وانما المدعي ظلمه وان اعترف الغائب وعاد الحاضر عن انكاره فله الاستيفاء منه لانه يدعي عليه حقا يعترف له به فجاز له أخذه، وان لم يقم على الحاضر بينة حلف وبرئ فإذا قدم الغائب فان أنكر وحلف برئ فان اعترف لزمه دفع الالف وقال بعض أصحاب الشافعي لا يلزمه الا خمس المائة الاصيلة دون المضمونة لانها سقطت عن المضمون عنه بيمينه فتسقط عن ضامنه ولنا أنه مقربها وغريمه يدعيها واليمين انما اسقطت المطالبة عنه في الظاهر ولم تسقط عنه الحق الذي في ذمته بدليل أنه لو قامت عليه بينة بعد يمينه لزمه ولزم الضامن
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: