الفقه الحنبلي - النكاح
* (فصل) * قال رضي الله عنه (ويشترط ان يكون معلوما كالثمن فان أصدقها دارا غير معينة أو دابة لم يصح) وهذا اخنيار أبي بكر ومذهب الشافعي وقال القاضي يصح مجهولا ما لم تزد جهالته على مهر
المثل لان جعفر بن محمد نقل عن احمد في رجل تزوج امرأة على ألف درهم وخادم فطلقها قبل ان يدخل
يقوم الخادم وسطا على قدر ما يخدم مثلها ونحو هذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا لو تزوجها على عبد أو أمة أو فرس أو بغل أو حيوان من جنس معلوم أو ثوب هروي أو مروي أو ما أشبهه مما يذكر جنسه فانه يصح ولها القسط وكذلك قفيز حنطة وعشرة ارطال زيت فان كانت الجهالة تزيد على جهالة مهر المثل كثوب أو دابة أو حيوان أو على حكمها أو حكمه أو حمكم أجنبي أو على حنطة أو شعير أو زيب أو على ما اكتسبه من العام لم يصح لانه لا سبيل إلى معرفة الوسط فيتعذر تسليمه وفي الاول يصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أدوا العلائق ما تراضى عليه الاهلون " وهذا قد تراضوا عليه ولانه موضع يثبت فيه
الحيوان في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال فيثبت مطلقا كالدية ولان جهالة التسمية ههنا أقل من جهالة مهر المثل لانه يعتبر بنسائها من تساويها في صفاتها وبلدها وزمانها ونسبها ولانه لو تزوجهما على مهر المثل صح فههنا مع قلة الجهل أولى، ويفارق البيع فانه لا يحتمل فيه الجهالة بحال وقال مالك يصح مجهولا لانه ليس باكثر من ترك ذكره وان أصدقها عبدا مطلقا لم يصح وهو قول أبي بكر، وقال القاضي يصح ولها الوسط وهو السندي كما لو أصدقها عبدا أو ثوبا وذكر جنسه لان له وسطا تعطاه المرأة.
* (مسألة) * (وان اصدقها عبدا من عبيده لم يصح) ذكره أبو بكر وقال أبو الخطاب يصح وقد روى صحته عن احمد ولها احدهم بالقرعة وكذلك
يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه أو قميصا من قمصانه أو نحوه فانه قد روي عن احمد في رواية مهنا فيمن تزوج على عبد من عبيده جائز فان كانوا عشرة عبيد تعطى من أوسطهم فان تشاحا أقرع بينهم قلت: وتستقيم القرعة في هذا؟ قال نعم ووجه ذلك ان الجهالة في هذا يسيرة ويمكن التعيين بالقرعة بخلاف ما إذا أصدقها عبدا مطلقا فان الجهالة تكثر ولا تصح ولنا ان الصداق عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والاجارة ولان المجهول لا يصلح عوضا في البيع فلم يصح تسميته كالمحرم وكما لو زادت جهالته على مهر المثل وأما الخبر فالمراد به ما تراضوا عليه مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح، وأما الدية فانها تثبت بالشرع لا بالعقد وهي خارجة عن القياس في تقديرها ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا، ثم ان الحيوان الثابت فيها موصوف بسنه مقدر بقيمته فكيف يقاس عليه العبد المطلق في الامرين؟ ثم ليست عقدا وانما الواجب فيها بدل متلف لا يعتبر فيه التراضي فهو كقيمة المتلفات فكيف يقاس عليها عوض في عقد يعتبر تراضيهما به؟ ثم ان قياس العوض في عقد معاوضة على عوض في معاوضة أخرى اصح وأولى من قياسه على بدل متلف، وأما مهر المثل فانما يجب عند عدم التسمية الصحيحة كما تجب قيم المتلفات
وان كانت تحتاج إلى نظر، الا ترى انا نصير إلى مهر المثل عند عدم التسمية ولا نصير إلى عبد مطلق ولو باع ثوبا بعبد مطلق فاتلفه المشتري فانا نصير إلى تقويمه ولا نوجب العبد المطلق ثم لا نسلم ان جهالة المطلق من الجنس الواحد دون جهالة مهر المثل فان العادة في القبائل والقرى أن يكون لنسائهم مهر لا يكاد يختلف الا بالبكارة والثيوبة فقط فيكون إذا معلوما والوسط من الجنس يبعد الوقوف عليه لكثرة أنواع الجنس واختلافها واختلاف الاعيان في النوع الواحد، وأما تخصيص التصحيح بعبد من عبيده فلا نظير له يقاس عليه ولا نعلم فيه نصا يصار إليه فكيف يثبت الحكم فيه بالتحكم؟ وأما نصوص أحمد على الصحة فتأولها أبو بكر على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه، إذا ثبت هذا فان لها مهر المثل في كل موضع حكمنا بفساد التسمية ومن قال بصحتها أوجب الوسط من المسمى والوسط من العبيد السندي لان الاعلى التركي والرومي والاسفل الزنجي والحبشي والوسط السندي والمنصوري.
(فصل) وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لانه يجوز ان يكون عوضا في البيع فان جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها، وبهذا قال الشافعي وهو اختيار أبي الخطاب، وقال القاضي يلزمها ذلك قياسا على الابل في الدية ولنا أنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ولانه عبد وجب صداقا
فاشبه ما لو كان معيبا، وأما الدية فلا يلزمه أخذ قيمة الابل وانما الاثمان أصل في الدية فيتخير بين أي الاصول شاء فيلزم الولي قبوله لا على طريق القيمة بخلاف مسئلتنا، ولان الدية خارجة عن القياس فلا يناقض بها ولا يقاس عليها ثم قياس العوض على سائر الاعواض أولى من قياسه على عقود المعاوضات ثم ينتقض بالعبد المعين * (مسألة) * (وكذلك ان أصدقها عبدا مطلقا فجاءها بقيمته أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته لم يلزمهما قبولها) وقال القاضي يلزمهما ذلك الحاقا بالدية وقد ذكرنا الفرق بينهما وان الصحيح خلاف قوله
(فصل) وان تزوجها على ان يعتق أباها صح نص عليه أحمد فان طلبت اكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته وهذا قول الشعبي لما نذكره في الفصل الذي يليه فان جاءها بقيمته مع امكان شرائه لم يلزمها قبوله لما ذكرناه ولانه يفوت عليها الغرض في عتق أبيها (فصل) فان تزوجها على ان يشتري لها عبدا بعينه فلم يبعه سيد، أو طلب به اكثر من قيمته أو تعذر عليه فلها قيمته نص عليه أحمد في رواية الاثرم وقال الشافعي لا تصح التسمية ولها مهر المثل لانه جعل ملك غيره عوضا فلم يصح كالبيع ولنا أنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو تزوجها على رد عبدها الآبق من مكان معلوم ولا
نسلم أنه جعل ملك غيره عوضا وانما العوض تحصيله وتمليكها إياه، إذا ثبت هذا فانه ان قدر عليه بثمن مثله لزمه تحصيله ودفعه إليها وان جاءها بقيمته لم يلزمها قبولها لانه قدر على دفع صداقها إليها فلزمه كما لو اصدقها عبدا يملكه فان تعذر عليه الوصول إليه لتكلفه أو غير ذلك أو طب به أكثر من قيمته فلها قيمته لانه تعذر الوصول إلى قبض المسمى المتقدم فوجب قيمته كما لو تلف فان كان الذي جعل لها مثليا فلها مثله عند التعذر لان المثل اقرب إليه * (مسألة) * (وان أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح وعنه يصح فان فات طلاقها بموتها فلمها مهرها في قياس المذهب) ظاهر المذهب ان المسمى ههنا لا يصح ولها مهر مثلها، وهذا اختيار ابي بكر وقول الفقهاء لان هذا ليس بمال وقد قال الله تعالى (أن تبتغوا بأموالكم) ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في صحيفتها ولتنكح فان لها ما قدر لها " صحيح وروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لرجل ان ينكح امرأة بطلاق اخرى " ولان هذا لا يصلح ثمنا في بيع ولا أجرا في اجارة فلم يصح صداقا كالمنافع المحرمة، فعلى هذا يكون حكمه حكم ما لو أصدقها خمرا أو نحوه ويكون لها مهر المثل أو نصفه ان طلقها قبل الدخول أو المتعة عند من يوجبها في التسمية الفاسدة، وعن احمد رواية اخرى ان التسمية صحيحة لانه شرط فعل لها فيه نفع وفائدة لما يحصل لها من الراحة بطلاقها
من مقاسمتها وضررها والغيرة منها فصح هذا كعتق ابيها وخياطة قميصها ولهذا صح بدل العوض في طلاقها بالخلع، فعلى هذا ان لم تطلق ضرتها فلها مثل صداق الضرة لانه سمى لها صداقا لم تصل إليه فكان لها قيمته كما لو اصدقها عبدا فخرج حرا، ويحتمل أن لها مهر مثلها لان الطلاق لا قيمة له فان جعل صداقها أن طلاق ضرتها إليها إلى سنة أو إلى وقت فجاء الوقت ولم تقض شيئا رجع الامر إليه فقد أسقطه أحمد لانه جعله لها إلى وقت فإذا مضى الوقت ولم تقض فيه شيئا بطل تصيرفها كالوكيل وهل يسقط حقها من المهر؟ فيه وجهان ذكرهما أبو بكر (أحدهما) يسقط لانها تركت ما شرط لها باختيارها فسقط حقها كما لو تزوجها على عبد فاعتقه (والثاني) لا يسقط لانها أخرت استيفاء حقها فلم يسقط كما لو أخرت قبض دراهمها، وهل يرجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الاخرى؟ يحتمل وجهين (فصل) الزيادة في الصداق بعد العقد تلحق به نص عليها أحمد قال في الرجل يتزوج المرأة على مهر فلما رآها زادها في مهرها فهو جائز، فان طلقها قبل الدخول بها فلها نصف الصداق الاول ونصف الزيادة وهذا قول أبي حنيفة، وقال الشافعي لا تلحق الزيادة في العقد فان زادها فهي هبة تفتقر إلى شروط الهبة، فان طلقها بعد هبتها لم يرجع بشئ من الزيادة، قال القاضي وعن أحمد مثل
ذلك فانه قال: إذا زوج رجل أمته عبده ثم أعتقهما جميعا فقال الامة زدني في مهري حتى أختارك فالزيادة للامة، ولو لحقت بالعقد كانت الزيادة للسيد قال شيخنا وليس هذا دليلا على أن الزيادة لا تلحق بالعقد فان معنى لحوق الزيادة بالعقد أنها تلزم ويثبت فيها أحكام الصداق من التنصيف بالطلاق قبل الدخول وغيره ولان معناه أن الملك يثبت فيها قبل وجودها وانها تكون للسيد، وحجة الشافعي أن الزوج ملك البضع بالمسمى في العقد فلم يحصل بالزيادة شئ من المعقود عليه فلا يكون عوضا في النكاح كما لو وهبها شيئا ولانها زيادة في عوض العقد بعد لزومه فلم تلحق به كما في البيع.
ولنا قول الله تعالى (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) ولان ما بعد العقد زمن
لفرض المهر فكان حالة الزيادة كحالة العقد وبهذا فارق البيع والاجارة وقولهم انه لا يملك شيئا من المعقود عليه قلنا هذا يبطل بجميع الصداق فان الملك ما حصل به ولهذا صح خلوه عنه وهذا ألزم عندهم فانهم قالوا مهر المفوضة انما وجب بفرضه لا بالعقد وقد ملك البضع بدونه، ثم انه يجوز أن يستند ثبوت هذه الزيادة إلى حالة العقد فيكون كانه ثبت بهما جميعا كما قالوا في مهر المفوضة إذا فرضه وكما قلنا جميعا فيما إذا فرض لها أكثر من مهر مثلها.
إذا ثبت هذا فان معنى لحوق الزيادة بالعقد أنه ثبت لها حكم المسمى في العقد في أنها تنصف بالطلاق قبل الدخول ولا تفتقر إلى شروط الهبة وليس معناه
أن الملك يثبت فيها من حين العقد ولا أنها تثبت لمن كان الصداق له لان الملك لا يجوز تقديمه على سببه ولا وجوده في حال عدمه وانما يثبت الملك بعد سببه من حينئذ وقال القاضي في الزيادة وجه آخر أنها تسقط بالطلاق قال شيخنا لا أعرف ذلك فان من جعلها صداقا جعلها تستقر بالدخول وتتنصف بالطلاق قبله وتسقط كلها إذا جاء الفسخ من قبل المرأة ومن جعلها هبة لا تتنصف بطلاقها الا أن تكون غير مقبوضة فانها عدة غير لازمة فان كان القاضي أراد ذلك فهذا وجه والا فلا * (مسألة) * (وان تزوجها على ألف ان كان أبوها حيا وألفين ان كان ميتا لم تصح التسمية) ولها صداق نسائها نص عليه أحمد في رواية مهنأ لان حال الاب غير معلومة فيكون مجهولا * (مسألة) * (وان تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى الفين ان كانت له زوجة لم تصح التسمية) في قياس التي قبلها وكذلك إذا تزوجها على الف ان لم يخرجها من دارها ونص أحمد على صحة التسمية في هاتين المسئلتين قال أبو بكر في الجميع روايتان (احداهما) لا يصح وهو اختيار أبي بكر لان سبيله سبيل الشرطين فلم يجز كالبيع (والثانية) يصح لان الالف معلوم وانما جهل الثاني وهو معلوم على شرط فان وجد الشرط كان زيادة في الصداق وهي جائزة والاولى أولى، والقول بأن هذا تعليق على شرط لا يصح لوجهين (أحدهما) أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط فلو قال أن مات أبوك فقد زدتك إلى صداقك الفا لم يصح ولم تلزم الزيادة عند موت
الاب (والثاني) أن الشرط ههنا لم يتجدد في قوله ان كان لي زوجة وان كان أبوك ميتا ولا الذي جعل الالف فيه معلوم الوجود ليكون الالف الثاني زيادة عليه، ويمكن الفرق بين المسألة التي نص أحمد على ابطال التسمية فيها وبين التي نص على الصحة فيها بان الصفة التي جعل الزيادة فيها ليس للمرأة فيها غرض يصح بذل العوض فيه وهو كون أبيها ميتا بخلاف المسئلتين اللتين صحح التسمية فيها فان خلو المرأة من ضرة تعيرها وتقاسمها وتضيق عليها من أكبر أغراضها وكذلك اقرارها في دار لها بين أهلها وفي وطنها فلذلك خففت صداقها لتحصيل غرضها وثقلته عند فواته، فعلى هذا يمتنع قياس احدى الصورتين على الاخرى ولا يكون في كل مسألة الا رواية واحدة وهي الصحة في المسئلتين الآخرتين والبطلان في المسألة الاولى وما جاء من المسائل الحق ما أشبهها به * (مسألة) * (وإذا قال العبد لسيدته أعتقيني على أن أتزوجك فأعتقته على ذلك عتق ولم يلزمه شئ وكذلك ان قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوج بي لم يلزمه ذلك يعتق ولم يلزمه قيمة نفسه) لانها اشترطت عليه شرطا هو حق له فلم يلزمه كما لو شرطت عليه أن تهبه دنانير فيقبلها ولان النكاح من الرجل لا عوض له بخلاف نكاح المرأة، وكذلك لو شرط السيد على أمته أن تزوجه نفسها لم يلزمه ذلك * (مسألة) * (وإذا فرض الصداق مؤجلا ولم يذكر محل الاجل صح ومحله الفرقة عند أصحابنا وعند أبي الخطاب لا يصح)
يجوز أن يكون الصداق مؤجلا ومعجلا وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا لانه عقد في معاوضة فجاز ذلك فيه كالثمن ومتى أطلق اقتضى الحلول كما لو أطلق ذكر الثمن وان شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله وان شرطه مؤجلا ولم يذكر أجله فقال القاضي يصح ومحله الفرقة عند أصحابنا قال أحمد إذا زوج على العاجل والآجل لا يحل الا بموت أو بفرقة وهذا قول النخعي والشعبي وقال الحسن وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد يبطل الاجل ويكون حالا وقال اياس بن معاوية لا يحل حتى تطلق أو يخرج من مصرها أو يتزوج وعن مكحول والاوزاعي يحل إلى سنة بعد الدخول بها
واختار أبو الخطاب فساد المسمى ولها مهر المثل وهو قول الشافعي ولانه عوض مجهول المحل ففسد كثمن المبيع ووجه الاول أن المطلق يحمل على الفرقة والعادة في الصداق الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فحمل عليه فيصير حينئذ معلوما بذلك فأما ان جعل الاجل مدة معلومة كقدوم زيد ونحوه لم يصح للجهالة وانما صح المطلق لان أجله الفرقة بحكم العادة وقد صرفه ههنا عن العادة بذكر الاجل ولم يبينه فبقي مجهولا فيحتمل أن تبطل التسمية ويحتمل أن يبطل التأجيل ويحل * (فصل) * قال رضي الله عنه (وان أصدقها خمرا أو خنزيرا أو مالا مغصوبا صح النكاح ووجب مهر المثل نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء منهم الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وحكي
عن أبي عبيد أن النكاح فاسد اختاره أبو بكر عبد العزيز وروي عن أحمد نحو ذلك فانه قال في رواية المروذي إذا تزوج على غير طيب فكرهه فقلت ترى استقبال النكاح فأعجبه وحكي عن مالك أنه يثبت إذا دخل بها وإن كان قبله فسخ قالوا لانه نكاح جعل الصداق فيه محرما فأشبه نكاح الشغار ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب ان يصح وان كان فاسدا كما لو كان مجهولا ولانه عقد لا يبطل بجهالة العوض فلا يفسد بتحريمه كالخلع ولان فساد العوض لا يزيد على عدمه ولو عدم كان العقد صحيحا فكذلك إذا فسد وكلام احمد في رواية المروذي محمول على الاستحباب فان مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه وما حكي عن مالك لا يصح وما كان فاسدا قبل الدخول فهو بعده فاسد كنكاح ذوات المحارم فأما إذا فسد الطلاق لجهالته أو عدمه أو العجز عن تسليمه فالنكاح ثابت لا نعلم فيه اختلافا (فصل) ويجب مهر المثل في قول أكثر أهل العلم منهم مالك والثوري، والشافعي وأبو ثور يبطلان التسمية ويرجع بالقيمة كلها في المسئلتين كما في تفريق الصفقة قلنا لان القيمة بدل انما يصار إليها عند العجز عن الاصل وههنا العبد المملوك مقدور عليه ولا عيب فيه وهو مستحق في العقد فلا يجوز الرجوع إلى بدله أما تفريق الصفقة فانه إذا بطل العقد في الجميع صدنا إلى الثمن وليس هو بدلا عن المبيع وانما انفسخ العقد فرجع في رأس العقد وههنا لا ينفسخ العقد وانما يرجع إلى قيمة الحر منهما
لتعذر تسليمه فلا وجه لايجاب قيمته أما إذا كان نصفه حرا ففيه عيب فجاز رده بعيبه وقال أبو حنيفة إذا أصدقها عبدين فإذا أحدهما حر فلها العبد وحده صداقا ولا شئ لها سواه ولنا أنه أصدقها حرا فلم تسقط تسميته إلى غير شئ كما لو كان منفردا * (مسألة) * وان وجدت به عيبا فلها الخيار بين أخذ ارشه أو رده وأخذ قيمته) وجملة ذلك أن الصداق إذا كان معينا فوجدت به عيبا فلها رده كالمبيع المعيب ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان العيب كثيرا وان كان يسيرا فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يرد به ولنا أنه عيب يرد به المبيع فرد به الصداق كالكثير إذا رد به فلها قيمته ولا ينفسخ برده فيبقى سبب استحقاقه فتجب عليه قيمته كما لو غصبها إياه فأتلفه فان كان الصداق مثليا كالمكيل والموزون فردته فلها عليه مثله لانه أقرب إليه فان اختارت امساك المعيب وأخذ ارشه فلها ذلك في قياس المذهب وان حدث به عيب عندها ثم وجدت به عيبا خيرت بين أخذ ارشه ورده ورد ارش عيبه لانه عوض في عقد معاوضة فيثبت فيه ذلك كالبيع، وسائر فروع الرد بالعيب ثبتت ههنا مثل ما تثبت في البيع والخلاف فيه كالبيع لما ذكرنا (فصل) فان شرطت في الصداق صفة مقصودة كالكتابة والصناعة فبان بخلافها فلها الرد كما ترد في البيع وهكذا ان دلسه تدليسا يرد به المبيع كتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتضمير الماء على الرحا وأشباه ذلك فلها الرد به وان وجدت الشاة مصراة فلها ردها وترد صاعا من تمر قياسا على البيع ونقل مهنا عن أحمد فيمن تزوج امرأة على الف ذراع فإذا هي تسعمائة هي بالخيار ان شاءت أخذت الدار وان شاءت أخذت قيمة الف ذراع والنكاح جائز وهذا فيما إذا أصدقها دارا بعينها على أنها الف ذراع فخرجت تسعمائة فهذا كالعيب في ثبوت
الرد لانه شرطا شرطا مقصودا فبان بخلافه فأشبه ما لو شرط العبد كاتبا فبان بخلافه، وجوز أحمد الامساك لان المرأة رضيت بها ناقصة ولم يجعل لها مع الامساك ارشا لان ذلك ليس بعيب، ويحتمل ان لها الرجوع بقيمة بعضها أو ردها وأخذ قيمتها
(فصل) قال الشيخ رضي الله عنه (وان تزوجها على الف لها والف لابيها صح) وجملة ذلك أنه يجوز لابي المرأة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه وبهذا قال إسحاق.
وقد روي عن مسروق انه كما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف فجعلها في الحج والمساكين ثم قال للزوج جهز امرأتك، وروى ذلك علي بن الحسين، وقال عطاء وطاوس وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد يكون ذلك كله للمرأة وقال الشافعي: إذا فعل ذلك فلها مهر المثل وتفسد التسمية لانه نقص من صداقها لاجل هذا الشرط الفاسد لان المهر لا يجب إلا للزوجة لكونه عوض بضعها فيبقى مجهولا لاننا نحتاج أن نضم إلى المهر ما قص منه لاجل هذا الشرط وذلك مجهول فيفسد ولنا قول الله تعالى في قصة شعيب عليه السلام (اني أريد أن أنكحت إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج) فجعل الصداق الاجارة على رعاية غنمه وهو شرط لنفسه ولان الموالد الاخذ من مال ولده بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " أنت ومالك لابيك " وقوله " ان أولادكم من أطيب
كسبكم فكلوا من أموالهم " خرجه أبو داود وأخرج نحوه الترمذي وقال هذا حديث حسن، فإذا شرط لنفسه شيئا من الصداق يكون ذلك أخذا من مال ابنته وله ذلك قولهم هو شرط فاسد ممنوع، قال القاضي ولو شرط جميع الصداق لنفسه صح بدليل قصة شعيب عليه السلام فانه شرط الجميع لنفسه * (مسألة) * (فان طلقها قبل الدخول رجع عليها بالالف الذي قبضته ولم يكن على الاب شئ مما أخذ) لان الطلاق قبل الدخول يوجب تنصيف الصداق والالفان جميع صداقها فرجع عليها بنصفها وهو الف ولم يكن على الاب شئ لانه أخذ من مال ابنته الفا فلا يجوز الرجوع عليه به وهذا فيما إذا كان قبضها الالفين، فان طلقها قبل قبضها سقط عن الزوج الف وبقي عليه الف للزوجة يأخذ الاب منها ما شاء، وقال القاضي يكون بينهما نصفين، وقال نقله مهنا عن أحمد لانه شرط لنفسه النصف ولم يحصل من الصداق الا النصف، وليس هذا القول على سبيل الايجاب فان للاب ان يأخذ ما شاء ويترك
ما شاء وإذا ملك الاخذ من غير شرط فكذلك إذا شرط (فصل) فان شرط لنفسه جميع الصداق ثم طلق قبل الدخول يعد تسليم الصداق إليه رجع في نصف ما أعطى الاب لانه الذي فرضه لها فيرجع في نصفه لقوله تعالى (فنصف ما فرضتم) ويحتمل أن يرجع عليها بنصفه ويكون ما أخذه الاب له لاننا قدرنا أن الجميع صار لها ثم أخذه الاب منها فتصير
كأنها قبضته ثم أخذه منها، وهكذا لو أصدقها الفا لها والفا لابيها ثم ارتدت قبل الدخول فهل يرجع في الالف الذي قبضه الاب عليه أو عليها؟ على وجهين * (مسألة) * (وان فعل ذلك غير الاب فالكل لها دونه) إذا شرط ذلك غير الاب من الاولياء كالجد والاخ فالشرط باطلا نص عليه أحمد وجميع المسمى لها ذكره أبو حفص وهو قول من سمينا في أول المسألة، وقال الشافعي يجب مهر المثل وهكذا ذكر القاضي في المجرد لان الشرط إذا بطل احتجنا أن ترد إلى الصداق ما نقصت الزوجة لاجله ولا نعرف قدره فيصير الكل مجهولا فيفسد وان أصدقها الفين على أن تعطى أخاها الفا فالصداق صحيح لانه شرط لا يزاد في المهر من أجله ولا ينقص منه فلا يؤثر في المهر بخلاف التي قبلها ولنا أن ما اشترطه عوض في تزويجها فيكون صداقا لها كما لو جعله لها وإذا كان صداقا انتفت الجهالة وهكذا لو كان الاب هو المشترط لكان الجميع صداقا وانما هو أخذ من مال ابنته لان له ذلك، ويشترط أن لا يكون مجحفا بمال ابنته فان كان مجحفا بمالها لم يصح الشرط وكان الجميع لها كما لو اشترطه سائر الاولياء ذكره القاضي في المجرد * (مسألة) * (وللاب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها وان كرهت)
وجملة ذلك ان للاب تزويج المتعة بدون صداق مثلها بكرا كانت أو ثيبا صغيرة أو كبيرة وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي ليس له ذلك فان فعله فلها مهر مثلها لانه عقد معاوضة فلم يجز أن ينقص فيه عن قيمة المعوض كالبيع ولانه تفريط في مالها وليس له ذلك
ولنا أن عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال ألا لا نقالوا في صداق النسا فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه ولا أحدا من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وان كان دون صداق المثل، وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو من أشرف قريش شرفا وعلما ودينا، ومن المعلوم انه لم يكن مهر مثلها، ولانه ليس المقصود من النكاح العوض وانما المقصود السكن والازواج ووضع المرأة في منصب عند من يكفلها ويصونها ويحسن عشرتها، والظاهر من الاب مع تمام شفقته وبلوغ نظره انه لا ينقصها من صداقها الا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح فلا ينبغي أن يمنع من تحصيل المقصود بتفويت غيره، ويفارق سائر عقود المعاوضات فان المقصود فيها العوض فلم يجز تفويته * (مسألة) * (وان فعل ذلك غيره باختها صح) ولم يكن لغيره الاعتراض إذا كانت رشيدة لان الحق لها وقد أسقطته فأشبه ما لو أذنت في بيع
سلعة لها بدون ثمن مثلها، وان فعله بغير اذنها وجب مهر المثل لانه قيمة بضعها وليس للولي نقصها منه فوجب مهر المثل والنكاح صحيح لان فساد التسمية وعدمها لا يؤثر في النكاح (فصل) وتمام المهر على لزوج لان التسمية فاسدة ههنا لكونها غير مأذون فيها شرعا فوجب على الزوج مهر المثل كما لو زوجها لمحرم وعلى الولي ضمائه لانه المفرط فكان عليه الضمان كما لو باع مالها بدون ثمن مثله، قال أحمد أخاف أن يكون ضامنا وليس الاب مثل الولي، ويحتمل أن لا يلزم الزوج الا المسمى والباقي على الولي كالوكيل في البيع * (مسألة) * (وان زوج ابنه الصغير باكثر من مهر المثل صح ولزم ذمة الابن) وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى لان العوض له فكان المعوض عليه كالكبير وكثمن المبيع * (مسألة) * (فان كان معسرا فهل يضمنه الاب؟ يحتمل وجهين) ذكر شيخنا في كتاب المغني فيه روايتين مطلقا (إحداهما) يضمنه نص عليه احمد فقال تزويج الاب لابنه الطفل جائز ويضمن الاب المهر لانه التزم العوض عنه فضمنه كما لو نطق بالضمان والاخرى
لا يضمنه لانه عقد معاوضة ناب فيه عن غيره فلم يضمن عوضه كثمن مبيعه وكالوكيل قال القاضي وهذا أصح.
قال القاضي انما الروايتان فيما إذا كان الابن معسرا.
أما الموسر فلا يضمنه الاب رواية
واحدة، فان طلق قبل الدخول سقط نصف الصداق فان كان ذلك بعد دفع الاب الصداق عنه رجع نصفه إلى الابن وليس للاب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لان الابن ملكه بالطلاق عن غير أبيه فأشبه ما لو وهبه الاب أجنبيا ثم وهبه الاجنبي للابن، ويحتمل أن يرجع فيه لانه تبرع عن أبيه فلم يستقر الملك حتى استرجعه الابن وكذلك الحكم فيما لو قضي الصداق عن ابنه الكبير ثم طلق قبل الدخول فالحكم في الرجوع في جميعه كالحكم في الرجوع في نصفه بالطلاق * (مسألة) * (وللاب قبض صداق ابنته الصغيرة بغير إذنها) لانه يلي مالها فكان له قبضه كثمن مبيعها، ولا يقبض صداق الثيب الكبيرة الا باذنها إذا كانت رشيدة لانها المتصرفة في مالها فاعتبر اذنها في قبضه كثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة روايتان (اصحهما) أنه لا يقبضه إلا باذنها إذا كانت رشيدة كالثيب (والثانية) له قبضه بغير إذنها لانه العادة ولانه يملك اجبارها على النكاح أشبهت الصغيرة وهو قول أبي حنيفة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه: وان تزوج العبد باذن سيده على صداق مسمى صح بغير خلاف نعلمه والمهر على سيده وكذلك النفقة ضمنها أو لم يضمنها وسواء كان مأذونا له فط التجارة أو محجورا عليه نص عليه احمد وعنه ما يدل على أن ذلك يتعلق بكسبه فانه قال نفقته من ضريبته، وقال إن كانت نفقته بقدر ضريبته أنفق عليها ولا يعطى الولي وان لم يكن عنده ما ينفق فرق بينهما وهذا
قول الشافعي لانه لا يخلو إما أن يتعلق برقبة العبد أو بذمته أو كسبه أو ذمة السيد لا جائزا أن يتعلق بذمة العبد يتبع به بعد العتق لانه يستحق العوض في الحال معجلا فلا يجوز تأخير العوض ولا جائز أن يتعلق برقبته لانه وجب برضاء سيده أشبه ما لو اقترض برضائه ولا جائزا أن يتعلق بذمة السيد لانه انما يتعلق بذمته ما ضمنه عن عبده ولم يضمن عنه المهر والنفقة ثبت تعلقه بكسبه ضرورة، وفائدة
الخلاف أن من ألزم السيد المهر والنفقة أوجبهما عليه وان لم يكن للعبد كسب وليس للسيد الفسخ لعدم كسب العبد وللسيد استخدامه ومنعه الاكتساب، ومن علقه بكسبه فللمرأة الفسخ إذا لم يكن له كسب وليس لسيده منعه من التكسب ولنا انه حق تعلق بالعقد برضاء سيده فتعلق بسيده وجاز بيعه فيه كما لو أرهنه بدين، فعلى هذا أو باعه سيده أو أعتقه لم يسقط المهر عن السيد نص عليه لانه حق تعلق بذمته فلم يسقط ببيعه وعتقه كارش جنايتة فأما النفقة فانها تجدد فتكون في الزمن المستقبل على المشتري وعلى العبد إذا عتق * (مسألة) * (وان تزوج بغير إذن سيده لم يصح النكاح) أجمع العلماء على ان العبد ليس له ان ينكح بغير اذن السيد فان فعل لم ينفذ نكاحه في قول الجميع قال ابن المنذر أجمعو على ان نكاحه باطل قال شيخنا الصواب ما قلنا ان شاء الله تعالى فانهم اختلفوا في صحته فعن احمد في ذلك روايتان (أظهرهما) انه باطل وهو قول عثمان وابن عمر رضى الله عنهما وبه قال شريح وهو قول الشافعي، وعن احمد انه موقوف على اجازة السيد فان اجازه والا بطل وهو قول أصحاب الرأي لانه عقد يقف على الفسخ فوقف على الاجازة كالوصية
ولنا ما روى جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ايما عبد تزوج بغير اذن مواليه فهو عاهر " رواه الاثرم والترمذي وقال حسن وأبو داود وابن ماجه وروى الخلال باسناده عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ايما عبد تزوج بغير اذن مواليه فهو زان قال أحمد ذكرت هذا الحديث لابي عبد الله فقال هذا حديث منكر رواه أبو داود وابن ماجة عن ابن عمر موقوفا من قوله ولانه عقد فقد شرطه فلم يصح كما لو تزوجها بغير شهود * (مسألة) * (فان فارقها قبل الدخول فلا شئ عليه) لانه عقد باطل فلا يوجب بمجردة شيئا كالبيع الباطل وهكذا سائر الانكحة الفاسدة لا توجب بمجردها شيئا فان أصابها وجب لها المهر في الصحيح من المذهب رواه عن احمد جماعة وروى عنه حنبل انه لا مهر لها إذا تزوج العبد بغير اذن سيده وهذا يمكن حمله على ما قبل الدخول فيكون موافقا لرواية
الجماعة ويمكن حمله على عمومه في عدم الصداق وهو قول ابن عمر ورواه الاثرم عن نافع قال كان إذا تزوج مملوك لابن عمر جلده الحد وقال للمرأة انك أبحت فرجك وأبطل صداقها ووجهه انه وطئ امرأة مطاوعة في غير نكاح صحيح فلم يجب به مهر كالمطاوعة على الزنا قال القاضي هذا إذا كانا عالمين بالتحريم فاما ان جهلت المرأة ذلك فلها المهر لانه لا ينقص عن وطئ الشبهة ويمكن حمل هذه الرواية على انه لا مهر لها في الحال بل يجب في ذمة العبد يتعلق به بعد العتق وهو قول الشافعي الجديد
لان هذا حق لزم رضاء من له حق فكان محله الذمة كالدين والصحيح ان المهر واجب لقوله عليه الصلاة والسلام " ايما امرأة نكحت نفسها بغير اذن وليها فنكاحها باطل فان اصابها فلها المهر بما استحل من فرجها " وهذا قد استحل فرجها فيكون مهرها عليه لانه استوفى منافع البضع باسم النكاح فكان المهر واجبا كسائر الانكحة الفاسدة (فصل) ويتعلق المهر برقبته يباع فيه الا ان يفديه السيد ويحتمل ان يتعلق بذمة العبد وقد ذكرناه وهذا أظهر لان الوطئ اجري مجرى الجناية الموجبة للضمان بغير اذن المولى ولذلك وجب المهر ههنا وفي سائر الانكحة الفاسدة ولو لم تجر مجراها ما وجب شئ لانه برضي المستحق (فصل) والواجب مهر المثل وهو قول أكثر الفقهاء لانه وطئ يوجب المهر فاوجب مهر المثل بكماله كالنكاح بلا ولي وسائر الانكحة الفاسدة وعنه يجب خمسا المسمى اختارها الخرقي وعنه رواية ثالثة انها ان علمت انه عبد فلها خمسا المهر وان لم تعلم فلها المهر في رقبة العبد ووجه قول الخرقي ما روى الامام احمد باسناده عن خلاس ان غلاما لابي موسى تزوج بمولاة تيحان اليتمي بغير اذن مولاه فكتب أبو موسى في ذلك إلى عثمان بن عفان فكتب إليه ان فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة ولان المهر أحد موجبي الوطئ فجاز ان ينقص العبد فيه عن الحر كالحد والواجب خمسا المسمى لانه صار فيه إلى قصة عثمان وظاهرها انه أوجب خمسي المسمى ولهذا
قال كان صداقها خمسة ابعرة ولانه لو اعتبر مهر المثل أوجب جميعه كسائر قيم المتلفات والا وجبت القيمة
وهي الاثمان دون الابعرة ويحتمل ان يجب خمسا مهر المثل لانه عوض عن جناية فكان المرجع فيه إلى قيمة المحل كسائر أروش الجنايات وقيمة المحل مهر المثل (فصل) فان كان الواجب زائدا على قيمة العبد لم تلزم السيد الزيادة لان الواجب عليه ما يقابل قيمة العبد بدليل انه لو سلم العبد لم يلزمه شئ فإذا اعطى القيمة فقد اعطى ما يقابل الرقبة فلم تلزمه زيادة عليه وان كان الواجب أقل من قيمة العبد لم يلزمه أكثر من ذلك لانه أرش الجناية فلا يجب عليه أكثر منها والخيرة في تسليم العبد وفدائه إلى السيد وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع (فصل) وان اذن السيد لعبده في التزويج بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك فنكاحه فاسد والحكم فيه كما ذكرنا وان أذن له في تزويج صحيح فنكح نكاحا فاسدا فكذلك لانه غير مأذون له فيه وان اذن له في النكاح وأطلق فنكح نكاحا فاسدا احتمل ان يكون كذلك لان الاذن في النكاح لا يتناول الفاسد واحتمل ان يتناوله اذنه لان اللفظ باطلاقه يتناوله وان اذن له في نكاح فاسد وحصلت الاصابة فالمهر على سيده لانه باذنه والله أعلم * (مسألة) * (وان زوج السيد عبده امته لم يحب مهر ذكره أبو بكر والقاضي)
لا يجب للسيد على عبده مال وقيل يجب الصداق على السيد ثم يسقط قاله أبو الخطاب قال يجب المسمي أو مهر المثل ان لم يكن مسمى كيلا يخلو النكاح عن مهر ثم يسقط لتعذر اثباته وقال أبو عبد الله إذا زوج عبده من أمته فأحب ان يكون بمهر وشهود، قيل فان طلقها؟ قال يكون الصداق عليه إذا أعتق قيل فان زوجها منه بغير مهر؟ قال قد اختلفوا فيه فذهب جابر إلى انه جائز لان النكاح لا يخلو من مهر ولا يثبت للسيد علي عبده مال فسقط * (مسألة) * (وان زوج عبده حرة ثم باعها اياه بثمن في الذمة تحول صداقها أو نصفه ان كان قبل الدخول إلى ثمنه) إذا اشترت الحرة زوجها أو ملكته انفسخ النكاح لان ملك النكاح واليمين يتنافيان لاستحالة كون الشخص مالكا لمالكه ولان المرأة تقول انفق علي لاني امرأتك وانا اسافر بك لانك عندي ويقول
هو انفقي علي لاني عبدك وانا اسافر بك لانك امرأتي فيتنافا ذلك فثبت اقواهما وهو ملك اليمين وينفسخ النكاح ذنه أضعفهما ولها على سيده المهر ان كان بعد الدخول وعليها الثمن فان كانا دينين من جنس تقاضا وتساقطا ان كانا متساويين وان تفاضلا سقط الاقل منهما بمثله وبقي الفاضل وان اختلف جنسهما لم يتساقطا وعلى كل واحد منهما تسليم ما عليه إلى صاحبه وقال الشافعي في أحد قوليه يسقط مهرها لانه دين في ذمة العبد فإذا ملكته لم يجز ان يثبت لها دين في ذمة عبدها كما لو اتلف
لها مالا وهذا بناء منهم على ان المهر يتعلق بذمة العبد وقد بينا انه يتعلق بذمة سيده فلا يؤثر ملك العبد في اسقاطه وذكر القاضى وجها انه يسقط لان ثبوت الدين في ذمة السيد تبع لثبوته في ذمة العبد فإذا سقط من ذمة العبد سقط من ذمة السيد تبعا كالدين الذي على الضامن إذا سقط من ذمة المضمون عنه ولا يعرف هذا في المذهب ولانه ثبت في الذمتين جيعا احداهما تبع للاخرى بل المذهب انه لا يسقط بعد الدخول حال فأما ان كان الشراء قبل الدخول سقط نصفه كما لو طلقها قبل الدخول بها وفى سقوط باقية وجهان (أحدهما) لا يسقط لان زوال الملك انما هو بفعل البائع فالفسخ إذا من جهته فلم يسقط جميع المهر (والثاني) يسقط لان الفسخ انما تم بشراء المرأة فأشبه الفسخ بالعيب في أحدهما وفسخها لاعساره وشراء الرجل امرأته فان قلنا لا يسقط جميعه فالحكم في النصف الباقي كالحكم في جميعه إذا فسخ النكاح بعد الدخول على ما ذكرنا (فصل) فان باعها اياه بالصداق صح نص عليه وذكره أبو بكر والقاضي ويرجع عليها بنصفه ان قلنا يسقط نصفه أو بجميعه ان قلنا يسقط جميعه ويحتمل ان لا يصح قبل الدخول لكون انفساخ النكاح جاء من قبلها فيبقي الشراء بغير عوض فلا يصح وهو قول أصحاب الشافعي لان ثبوت البيع يقتضي نفيه فان صحة البيع تقتضي فسخ النكاح وسقوط المهر يقتضي بطلان البيع لانه عوض ولا يصح بغير عوض ووجهه الاول انه يجوز ان يكون ثمنا لغير هذا العبد فجاز ان يكون ثمنا له كغيره من الديون وما سقط منه رجع عليها به
(فصل) قال رضي الله عنه وتملك المرأة الصداق المسمى بالعقد هذا قول عامة أهل العلم وحكي عن مالك انها لا تملك الا نصفه وعن أحمد ما يدل على ذلك وقال ابن عبد البر هذا موضع اختلف فيه السلف والآثار، وأما الفقهاء اليوم فعلى انها تملكه وقول النبي صلى الله عليه وسلم " ان أعطيتها ازارك جلست ولا إزار لك " دليل على ان الصداق كله للمرأة لا يبقي للرجل منه شئ ولانه عقد يملك به العوض بالعقد فملك فيه العوض كاملا كالبيع وسقوط نصفه بالطلاق لا يمنع وجوب جميعه بالعقد ألا ترى انها لو ارتدت سقط جميعه وان كانت قد ملكت نصفه * (مسألة) * فان كان معينا كالعبد والدار فلها التصرف فيه ونماؤه لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه متصلا كان النماء أو منفصلا وعليها زكاته إذا حال عليها الحول نص عليه أحمد وان تلف فهو من ضمانها، ولو زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كلها عليها لانها قد ملكته اشبه ما لو ملكته بالبيع الا ان يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه لانه بمنزلة الغاصب فان زاد فالزيادة لها وان نقص فالنقص عليه ويكون الخيار بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته أكثر ما كانت من يوم العقد إلى حين القبض لانه إذا زاد بعد العقد فالزيادة لها وان نقص فالنقص عليه الا أن تكون الزيادة لتغير السعر فقد ذكرناه في الغصب وعن أحمد فيمن تزوج على عبد ففقئت عينه.
ان كانت قد قبضته فهو لها وان لم تقبضه فهو على الزوج هكذا نقله مهنا فظاهر هذا أنه جعله قبل قبضه من
ضمان الزوج بكل حال سواء كان معينا أو لم يكن كغير المعين وهو مذهب الشافعي.
* (مسألة) * (فان كان غير معين كقفيز من صبرة لم يدخل في ضمانها ولم تملك التصرف فيه الا بقبضه كالبيع) وجملة ذلك أن حكم الصداق حكم البيع في ان ما كان مكيلا أو موزونا لا يجوز لها التصرف فيه قبل قبضه وما عداه لا يحتاج إلى قبض ولها التصرف فيه قبل قبضه، وقال القاضي وأصحابه ما كان معينا فلها التصرف فيه وما لم يكن معينا كقفيز من صبرة ورطل من زيت لم تملك التصرف فيه حتى تقبضه كالبيع وقد ذكرنا في المبيع رواية أخرى أنها لا تملك التصرف في شئ من قبل قبضه وهذا مذهب
الشافعي وهذا أصل ذكر في البيع وذكر القاضي في موضع آخر ان ما لم ينتقض العقد بهلاكه كالمهر وعوض الخلع يجوز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث، وقد نص أحمد على هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضها وهو نوع تصرف وقياس المذهب ان ما جاز لها التصرف فيه فهو من ضمانها ان تلف أو نقص وما لا تصرف لها فيه فهو من ضمان الزوج إلا أن يمنعها من قبضه فيكون من ضمان الزوج بكل حال كالغاصب وقد ذكرنا ما رواه مهنا عن احمد في العبد إذا فقئت عينه ان ضمانه على الزوج ما لم تكن قبضته وهذا كمذهب الشافعي
(فصل) وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج قبل القبض إذا تلف قبل قبضه لم يبطل الصداق بتلفه ويضمنه بمثله ان كان مثليا وبقيمته ان لم يكن مثليا، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي في القديم وقال في الجديد يرجع إلى مهر المثل لان تلف العوض يوجب الرجوع إلى المعوض فإذا تعذر رده رجع إلى قيمته كالمبيع ومهر المثل هو القيمة فوجب الرجوع إليه ولنا أن كل عين وجب تسليمها مع وجودها إذا تلفت مع بقاء سبب استحقاقها فالواجب بدلها كالمغصوب والقرض والعارية وفارق المبيع إذا تلف فان المبيع انفسخ وزال سبب الاستحقاق فإذا ثبت هذا فان التالف في يد الزوج لا يخلو من أربعة أحوال (أحدها) أن يتلف بفعلها فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عن الزوج ضمانه (الثاني) تلف بفعل الزوج فهو من ضمانه على كل حال ويضمنه لها بما ذكرناه (الثالث) أتلفه أجنبي فلها الخيار بين الرجوع على الاجنبي بضمانه وبين الرجوع على الزوج ويرجع الزوج على الاجنبي (الرابع) تلف بفعل الله تعالى فهو على ما ذكرنا من التفصيل في صدر المسألة * (مسألة) * (فان قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه ان كان باقيا) لقول الله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وليس في هذا اختلاف بحمد الله ويدخل في ملكه حكما كالميراث هذا قياس المذهب ولا يفتقر إلى
اختياره وارادته فما يحدث من النماء يكون بينهما وهو قول زفر وذكر القاضي احتمالا أنه لا يدخل في ملكه حتى يختار كالشفيع وهو قول أبي حنيفة وللشافعي قولان كالوجهين فعلى هذا ما ينمي قبل ذلك فهو لها وعلى القول الآخر يكون بينهما نصفين ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) أي لكم أولهن فاقتضى ذلك ان النصف لها والنصف له بمجرد الطلاق ولان الطلاق سبب يملك به بغير عوض فلم يقف الملك على ارادته واختياره كالارث ولانه سبب لنقل الملك فيه فنقل الملك بمجرده كالبيع وسائر الاسباب ولا تلزم الشفعة فان سبب الملك فيها الاخذ ومتى أخذ بها ثبت الملك من غير إرادة واختيار وقبل الاخذ ما وجد السبب وانما استحق بمباشرة سبب الملك ومباشرة الاسباب موقوفة على اختياره كما ان الطلاق مفوض إلى اختياره فالاخذ بالشفعة نظير الطلاق وثبوت الملك للاخذ بالشفعة نظير ثبوت الملك للمطلق فان ثبوت الملك حكم لهما وثبوت أحكام الاسباب بعد مباشرتها لا يقف على اختيار أحد ولا ارادته (فصل) فان زاد زيادة منفصلة رجع في نصف الاصل والزيادة لها وان كانت متصلة فهي مخيرة بين دفع نصفه زائدا وبين دفع نصف قيمته يوم العقد وجملة ذلك أن الصداق إذا زاد بعد العقد لم يخل من ان تكون الزيادة غير متميزة كسمن العبد وكبره وتعلمه صناعة أو متميزة كالولد والكسب والثمرة فان كانت زيادة متميزة اخذت الزيادة ورجع
بنصف الاصل وان كانت غير متميزة فالخيرة إليها ان شاءت دفعت إليه قيمته يوم العقد لان الزيادة لها لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الاصل بدونها فصرنا إلى نصف القيمة وان شاءت دفعت إليه نصفه زائدا فيلزمه قبوله لانها دفعت إليه حقه وزيادته لا تضر ولا تتميز فان كانت محجورا عليها لم يكن له الرجوع الا في نصف القيمة لان الزيادة لها ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشئ لا يجب عليها * (مسألة) * (وان كان ناقصا خير الزوج بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ القيمة يوم العقد) إذا نقص الصداق بعد العقد فهو من ضمانها وقد ذكرناه مفصلا ولا يخلو من ان يكون النقص متميزا أو غير متميز فان كان متميزا كعبدين تلف أحدهما فانه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة
التالف أو مثل نصف التالف ان كان من ذوات الامثال وان لم يكن متميزا كأن شاب فصار شيخا فنقصت قيمته أو نسي صناعة أو كتابة أو هزل فالخيار إلى الزوج ان شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها لان ضمان النقص عليها فلا يلزمه أخذ نصفه لانه دون حقه وان شاء رجع بنصفه ناقصا فتجبر المرأة على ذلك لانه رضي أن يأخذ نصف حقه ناقصا فان اختار ان يأخذ ارش النقص مع هذا لم يكن له ذلك في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء، وقال القاضي القياس أن له ذلك كالمبيع يمسكه ويطالب بالارش وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة والشافعي وقال محمد بن الحسن الزيادة غير المتميزة تابعة للعين فللزوج الرجوع فيها لانها تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة السوق
ولنا أنها زيادة حديث في ملكها فلم تتنصف بالطلاق كالمميزة فأما زيادة السوق فليست ملكها وفارق نماء المبيع لان سبب الفسخ العيب وهو سابق على الزيادة وسبب تنصيف المهر الطلاق وهو حادث بعدها ولان الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف بدلها بخلاف المبيع المعيب والمفروض لم يكن سمينا فلم يكن له اخذه والمبيع تعلق حقه بعينه فتبعه سمنه فأما ان نقص الصداق من وجه وزاد من وجه مثل ان يتعلم صناعة وينسى اخرى أو هزل وتعلم ثبت الخيار لكل واحد منهما وكان له الامتناع والرجوع إلى القيمة فان اتفقا على نصف العين جاز وان امتنعت المرأة من بذلها فلها ذلك لاجل الزيادة وان امتنع هو من الرجوع في نصفها فله ذلك لاجل النقص وإذا امتنع أحدهما رجع في نصف قيمتها (فصل) فان أصدقها شقصا وقلنا للشفيع أحذه فأخذه ثم طلق الزوج رجع في نصف قيمته لزوال ملكها عنه فان طلقها قبل الاخذ بالشفعة فطالب الشفيع قدم حقه في أحد الوجهين لان حقه أسبق فانه يثبت بالنكاح وحق الزوج ثابت بالطلاق ولان الزوج يرجع إلى بدل وهو نصف القيمة وحق الشفيع إذا بطل فالى غير بدل (والثاني) يقدم الزوج لان حقه ثبت بنص القرآن والاجماع فكان آكد وحق الشفيع مختلف فيه فعلى هذا يكون للشفيع أخذ النصف الباقي بنصف ما كان يأخذ به الجميع * (مسألة) * (وان كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة فله نصف القيمة يوم العقد الا ان يكون
مثليا فيرجع بنصف مثله)
وقال القاضي له القيمة أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض، قال شيخنا: هذا مبنى على ان الصداق لا يدخل في ضمان المرأة الا بقبضه وان كان معينا كالمبيع في رواية فعلى هذا ان كانت القيمة وقت العقد أقل لم يلزمها إلا نصفها لان الزيادة بعد العقد لها لانها نماء ملكها فأشبهت الزيادة بعد القبض وان كانت القيمة وقت القبض اقل لم يلزمها أكثر من نصفها لان ما نقص من القيمة من ضمانه تلزمه غرامته لها فكيف يجب له عليها؟ (فصل) فان أصدقها نخلا حائلا فأطلعت ثم طلقها قبل الدخول فله نصف قيمتها يوم العقد وليس له الرجوع في نصفها لانها زادت زيادة متصلة فهي كسمن الجارية وسواء كان الطلع مؤبرا أو غير مؤبر لانه متصل بالاصل لا يجب فصله عنه في هذه الحال فأشبه السمن وتعلم الصناعة فان بذلت له المرأة الرجوع فيها مع طلعها لزمه ذلك لانها زيادة متصلة لا يجب فصلها، وإن قال اقطعي ثمرتك حتى أرجع في نصف الاصل لم يلزمها لان العرف في هذه الثمرة أنها لا تؤخذ الا بالجذاذ بدليل البيع ولان حق الزوج انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين إلا برضاهما فان قالت المرأة اترك الرجوع حتى آخذ ثمرتي وترجع في نصف الاصل وأرجع في نصف الاصل وأمهلني حتى أقطع الثمرة أو قال الزوج انا أصبر حتى إذا أخذت ثمرتك رجعت في الاصل، أو قال أنا أرجع في الاصل وأصبر حتى تجذي ثمرتك لم يلزم
أحدهما قبول قول الآخر لان الحق انتقل إلى القيمة فلم يعد إلى العين الا بتراضيهما ويحتمل أن يلزمها قبول ما عرض عليها لان الضرر عليه فأشبه ما لو بذلت له نصفها مع طلعها وكما لو وجد العين ناقصة فرضي بها، وإن تراضيا على شئ من ذلك جاز والحكم في سائر الشجر كالحكم في النخل واخراج النور في الشجر بمنزلة الطلع الذي لم يؤبر.
(فصل) فان كانت أرضا فحرثتها فتلك زيادة محضة ان بذلتها له بزيادة لزمه قبولها كالزيادات المتصلة كلها وإن لم تبذلها دفعت نصف قيمتها، وإن زرعتها فحكمها حكم النخل إذا طلع إلا في موضع واحد
وهو انها إذا بذلت نصف الارض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله بخلاف الطلع مع النخل والفرق بينهما من وجهين: (أحدهما) أن الثمرة لا تنقص بها الشجرة، والارض تنقص بالزرع وتضعف.
(الثاني) أن الثمرة متولدة من الشجر فهي تابعة له، والزرع ملكها أودعته في الارض فلم يجبر على قبوله.
وقال القاضي يجبر على قبوله كالطلع سواء، وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق.
ومسائل الغراس كمسائل الزرع فان طلقها بعد الحصاد ولم تكن الارض زادت ولا نقصت رجع في نصفها وإن نقصت الزرع أو زادت به رجع في نصف قيمتها إلا أن يرضى بأخذها ناقصة أو ترضى هي ببذلها زائدة.
(فصل) فان أصدقها خشبا فشقته أبوابا فزادت قيمته لم يكن له الرجوع في نصفه لزيادته ولا يلزمه قبول نصفه لانه نقص من وجه فانه لم يبق مستعدا لما كان يصلح له من التسقيف وغيره، وإن
أصدقها ذهبا أو فضة فصاغته حليا فزادت قيمته فلها منعه من نصفه، وإن بذلت له النصف لزمه القبول لان الذهب لا ينقص بالصياغة ولا يخرج عن كونه مستعدا لما كان يصلح له قبل صياغته وإن أصدقها دنانير أو دراهم أو حليا فكسرته ثم صاغته على غير ما كان عليه لم يلزمه قبول نصفه لانه نقص في يدها ولا يلزمها بذل نصفه لزيادة الصناعة التي أحدثتها فيه، وإن أعادت الدراهم والدنانير إلى ما كانت عليه فله الرجوع في نصفها وليس له طلب قيمتها لانها عادت إلى ما كانت عليه من غير نقص ولا زيادة فأشبه ما لو أصدقها عبدا فمرض أو برئ، وإن صاغت الحلي على ما كان عليه ففيه وجهان.
(أحدهما) له الرجوع كالدراهم إذا اعيدت (والثاني) ليس له الرجوع في نصفه لانها جددت فيه صناعة فأشبه ما لو صاغته على صفة أخرى ولو أصدقها جارية فهزلت ثم سمنت فعادت إلى حالتها الاولى فهل يرجع في نصفها؟ على وجهين.
* (مسألة) * (وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فهل تضمن بعضه؟ يحتمل وجهين) أما ان كانت منعته منه بعد طلبه فعليها الضمان لانها غاصبة وان تلف قبل مطالبته فقياس المذهب أنه لا ضمان عليها لانه حصل في يدها بغير فعلها ولا عدوان من جهتها فلم تضمنه كالوديعة، وان اختلفا في مطالبته لها فالقول قولها لانها منكرة، وفيه وجه آخر: أن عليها الضمان لانه حصل في يدها من
من غير اذن الزوج لها في امساكه أشبهت الغاصب وهذا ظاهر قول أصحاب الشافعي قالوا لانه
حصل في يدها بحكم قطع العقد فأشبه البيع إذا ارتفع العقد بالفسخ والاول أولى لما ذكرناه وأما البيع فيحتمل أن يمنع وان سلمنا فان الفسخ ان كان منهما أو من المشتري فقد حصل منه التسبب إلى جعل ملك غيره في يده، وفي مسئلتنا ليس من المرأة فعل وانما حصل ذلك بفعل الزوج وحده فأشبه ما لو ألقى ثوبه في دارها بغير اذنها.
* (مسألة) * (وان قال الزوج نقص قبل الطلاق فعليك ضمانه وقالت بعده فالقول قولها مع يمينها) لانه ادعى ما يوجب الضمان عليها وهي منكرة والقول قول المنكر.
(فصل) إذا خالع امرأته بعد الدخول ثم تزوجها وطلقها قبل دخوله بها فلها في النكاح الثاني نصف الصداق المسمى فيه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لها جميعه لان حكم الوطئ موجود فيه بدليل أنها لو أتت بولد لزمه.
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولانه طلاق من نكاح صحيح لم يمسها فيه فوجب أن يتنصف المهر كما لو تزوجها بعد العدة وما ذكره غير صحيح فان لحوق النسب لا يقف على الوطئ عنده فلا يقوم مقامه فاما ان كان لم يدخل بها في النكاح الاول فعليه نصف الصداق للنكاح الاول ونصف الصداق للنكاح الثاني بغير خلاف
(فصل) إذا طلق المرأة قبل الدخول وقد تصرفت في الصداق بعقد من العقود لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) ما يزيل الملك عن الرقبة كالبيع والهبة والعتق فهذا يمنع الرجوع به وله نصف القيمة لزوال ملكها وانقطاع تصرفها فان عادت العين إليها قبل طلاقها ثم طلقها وهي في يدها بحالها فله الرجوع في نصفها لانه وجدها بعينها فأشبه ما لو لم يخرجها ولا يلزم الوالد إذا وهب ولده شيئا فخرج عن ملكه ثم عاد إليه حيث لا يملك الرجوع لانا نمنع ذلك، وان سلمنا فان حق الوالد سقط بخروجه عن يد الولد بكل حال بدليل أنه لا يطالبه ببدله والزوج لم يسقط حقه بالكلية بل يرجع بنصف
قيمته عند عدمه فإذا وجد كان الرجوع في نفسه أولى، وفي معنى هذه التصرفات الرهن فانه لم يزل الملك عن الرقبة لكنه يراد للبيع المزيل للملك ولذلك لا يجوز رهن مالا يجوز بيعه ففي الرجوع في العين ابطال حق المرتهن من الوثيقة فلم يجز، وكذلك الكتابة فانها تراد للعتق المزيل للملك وهي عقد لازم فجرت مجرى الرهن، ويحتمل أن لا يمنع الرجوع إذا قلنا يجوز بيع المكاتب كالتدبير فان طلق الزوج قبل اقباض الهبة أو الرهن أو في مدة الخيار في البيع ففيه وجهان (أحدهما) لا تجبر على رد نصفه إليه لانه عقد عقدته في ملكها فلم يملك ابطاله كاللازم ولان ملكها قد زال فلم يملك الرجوع فيما ليس بمملوك لها (والثاني) تجبر على تسليم نصفه فانها قادرة على ذلك ولا زيادة فيها وللشافعي قولان كهذين
الوجهين، فأما ان طلقها بعد تقبيض الهبة والرهن ولزوم البيع فلم يأخذ قيمة النصف حتى فسخ البيع والرهن والهبة لم يكن له الرجوع في نصفها لان حقه ثبت في القيمة (الثاني) تصرف غير لازم لا ينقل الملك كالوصية والشركة والمضاربة فهذا لا يبطل الرجوع في نصفه ويكون وجوده بهذا التصرف كعدمه لانه تصرف لم ينقل الملك ولم يمنع المالك من التصرف فلا يمنع من له الرجوع على المالك من الرجوع كالايداع والعارية، فأما ان دبرته فظاهر المذهب أنه لا يمنع الرجوع لانه لا يمنع البيع فلم يمنع الرجوع كالوصية، ولا يجبر على الرجوع في نصفه بل يخير بين ذلك وبين أخذ نصف قيمته ولان شركة من نصفه مدبر نقص ولا يؤمن أن يرفع إلى حاكم حنفي فيحكم بعتقه، وان كانت أمة فدبرتها فان قلنا تباع في الدين فهي كالعبد، وإن قلنا لا تباع لم يجز الرجوع في نصفها (الثالث) تصرف لازم لا يراد لازالة الملك كالاجارة والتزويج فهو نقص فيخير الزوج بين أن يرجع في نصفه ناقصا وبين الرجوع في نصف قيمته فان رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنفسخ الاجارة، فان قيل فلم قلتم في الطلع الحادث في النخيل إذا قال أنا أصبر حتى تنتهي الثمرة لم يكن له ذلك؟ قلنا الفرق بينهما أن في تلك المسألة تكون المنة له فلا يلزمها قبول منته بخلاف مسئلتنا ولان ذلك يؤدي إلى التنازع في سقي الثمرة وجذاذها وقطعها لخوف العطش أو غيره بخلاف مسئلتنا
(فصل) قد ذكرنا أن المهر إذا كان معينا يدخل في ملك المرأة بمجرد العقد فإذا زاد فالزيادة
لها وان نقص فعليها فإذا كانت غنما فولدت فالاولاد زيادة منفصلة تنفرد المرأة بها لانه نماء ملكها وترجع في نصف الامهات ان لم تكن نقصت ولا زادت زيادة متصلة لانه نصف ما فرض لها.
وقد قال الله تعالى (فنصف ما فرضتم) فان كانت نقصت بالولادة أو بغيرها فله الخيار بين أخذ نصفها ناقصا لانه رضي بدون حقه وبين أخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها لان ضمان النقص عليها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يرجع في نصف الاصل وانما يرجع في نصف القيمة لانه لا يجوز فسخ العقد في الاصل دون النماء لانه موجب للعقد فلم يجز رجوعه في الاصل بدونه.
ولنا أن هذا نماء منفصل عن الصداق فلم يمنع رجوع الزوج كما لو انفصل قبل القبض، وما ذكروه لا يصح لان الطلاق ليس برفع العقد ولا النماء من موجباته إنما هو من موجبات الملك، إذا ثبت هذا فلا فرق بين كون الولادة قبل تسليمه إليها أو بعده إلا أن يكون قد منعها قبضه فيكون النقص من ضمانه والزيادة لها فينفرد بالاولاد، وان نقصت الامهات خيرت بين أخذ نصفها ناقصة وبين أخذ نصف قيمتها أكثر ما كانت من يوم أصدقها إلى يوم طلقها وإن أراد الزوج أخذ نصف قيمة الامهات من المرأة لم يكن له.
وقال أبو حنيفة إذا ولدت في يد الزوج ثم طلقها قبل الدخول رجع في نصف الاولاد أيضا لان الولد دخل في التسليم المستحق بالعقد لان حق التسليم تعلق بالام فسرى إلى الولد لحق الاستيلاد وما دخل في التسليم المستحق ينصف بالطلاق كالذي دخل في العقد
ولنا قول الله تعالى (فنصف ما فرضتم) وما فرض ههنا إلا الامهات فلا يتنصف سواها ولان الولد حدث في ملكها أشبه ما حدث في يدها، ولا يشبه حق التسليم حق الاستيلاد فان حق الاستيلاد يسري وحق التسليم لا سراية له فان تلف في يد الزوج وكانت المرأة قد طالبت به فمنعها ضمنه كالغاصب والا لم يضمنه لانه تبع لامه.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: