الفقه الحنبلي - العدة

واما مقطوع الذكر والانثيين فلا يلحق به الولد في قول عامة اهل
العلم لانه يستحيل منه الايلاج والانزال.
فان قطعت انثياه دون ذكره فكذلك لانه لا ينزل ماء يخلق منه الولد وقال اصحابنا يلحقه وفيه بعد قالوا لانه يتصور منه الايلاج وينزل ماء رقيقا ولنا ان هذا لا يخلق منه الولد عادة ولا وجد ذلك فاشبه ما لو قطع ذكره معهما ولا اعتبار بايلاج لا يخلق منه الولد فهو كما لو اولج اصبعه.
فأما ان قطع ذكره وحده فقد قيل يلحقه الولد لانه يمكن ان يساحق فينزل ما يخلق منه الولد فيدخل الماء إلى فرج المرأة ولهذا الحقنا ولد الامة بسيدها إذا اعترفت بوطئها فيما دون الفرج
ولاصحاب الشافعي اختلاف في ذلك كنحو ما ذكرنا من الاختلاف عندنا.
وقال ابن اللبان لا يلحقه الولد في هاتين الصورتين في قول الجمهور وقال بعضهم يلحقه بالفراش وهو غلط لان الولد انما يلحق بالفراش إذا امكن، الا ترى انها إذا ولدت بعد شهر منذ تزوجها لم يلحقه وههنا لا يمكن لفقد المني من المسلول وتعذر اتصال المني إلى قعر الرحم من المجبوب ولا معنى لقول من قال يجوز
ان تستدخل المرأة مني الرجل فتحبل لان الولد مخلوق من مني الرجل والمراة جميعا ولذلك يأخذ الشبه منهما وإذا استدخلت المني بغير جماع لم يحدث لها لذة تمني بها فلا يختلط منهما، ولو صح ذلك لكان الاجنبيان الرجل والمراة إذا تصادقا انها استدخلت منيه وان الولد من ذلك المني يحلقه نسبه وما قال ذلك احد، والذي ذكره ابن اللبان انما يصح إذا استدخلت منيه من غير مباشرة فأما مع المباشرة والمساحقة فيمكن ان يحدث لها شهوة ينزل المني معها فتحبل فلا يشبه ما ذكره من الاصل والله اعلم (مسألة) (وان طلقها طلاقا رجعيا فولدت لاكثر من أربع سنين منذ طلقها ولاقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها ففيه وجهان) (أحدهما) لا يلحقه بنسبه وينتفي عنه بغير لعان لانها علقت به بعد طلاقه فأشبهت البائن
(والثاني) يلحقه لانها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والايلاء والحل في رواية فأشبهت ما قبل الطلاق، فأما ان وضعته لاكثر من أربع سنين منذ انقضت العدة لم يلحق به لانها حلت به بعد زوال الفراش وكذلك ان كان الطلاق بائنا فوضعته لاكثر من أربع سنين من حين الطلاق فانه ينتفي عنه بغير لعان ولا يحلقه لذلك (فصل) إذا غاب عن زوجته سنين فبلغها وفاته فاعتدت ونكحت نكاحا صحيحا في الظاهر ودخل بها الثاني وأولدها أولادا ثم قدم الاول فسخ نكاحا الثاني وردت إلى الاول وتعتد من الثاني ولها عليه صداق مثلها والاولاد له لانهم ولدوا على فراشه، روي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو قول الثوري وأهل العراق وابن أبي ليلى ومالك وأهل الحجاز والشافعي وإسحاق وأبي يوسف وغيرهم من أهل العلم إلا أبا حنيفة، قال الولد للاول لانه صاحب الفراش لانه نكاحه صحيح ثابت ونكاح الثاني غير ثابت فأشبه الاجنبي ولنا أن الثاني انفرد بوطئها في نكاح يلحق النسب في مثله فكان الولد له كوالد الامة من زوجها يلحقه دون سيدها وفارق الاجنبي فانه ليس له نكاح
(فصل) ولو وطئ رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه وهو قول الشافعي وأبي حنيفة، وقال القاضي وجدت بخط أبي بكر أنه لا يلحق به لان النسب لا يلحق إلا في نكاح صحيح أو فاسد أو ملك أو شبهة ملك ولم يوجد شئ من ذلك، ولانه وطئ لا يسند إلى عقد فلم يلحق الولد فيه الواطئ كالزنا، والصحيح في المذهب الاول، قال أحمد كل من درأت عند الحد ألحقت به الولد ولانه وطئ اعتقد الواطئ حله فلحق به النسب كالوطئ في النكاح الفاسد، وفارق وطئ الزنا فانه لا يعتقد الحل فيه.
(فصل) ولو تزوج رجلان أختين فغلط بهما عند الدخول فزفت كل واحدة منهما إلى زوج الاخرى فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ لانه يعتقد حله فلحق به النسب كالواطئ في نكاح فاسد وقال أبو بكر لا يكون الولد للواطئ وإنما يكون للزوج وهو الذي يقتضيه مذهب أبي حنيفة لان الولد للفراش.
ولنا أنه الواطئ انفرد بوطئها فيما يلحق به النسب فلحق به كما لو لم تكن ذات زوج وكما
لو تزوجت امرأة المفقود عند الحكم بوفاته ثم بان حيا والخبر مخصوص بهذا فنقيس عليه ما كان في معناه.
(فصل) وان وطئت امرأته أو أمته بشبهة في طهر لم يصبها فيه فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوطئ لحق الواطئ وانتفى عن الزوج من غير لعان، وعلى قول أبي بكر وأبي حنيفة يلحق الزوج لان الولد للفراش، وان أنكر الواطئ الوطئ فالقول قوله بغير يمين ويلحق نسب الولد بالزوج لانه لا يمكن الحاقه بالمنكر ولا تقبل دعوى الزوج في قطع نسب الولد، وان أتت بالولد لدون ستة أشهر من حين الوطئ لحق الزوج بكل حال لاننا نعلم أنه ليس من الواطئ، فان اشتركها في وطئها في طهر فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق الزوج لان الولد للفراش وقد أمكن كونه منه وان ادعى الزوج أنه من الواطئ فقال بعض إصحابنا يعرض على القافة معهما فيلحق بمن الحقته به منهما فان ألحقته بالواطئ لحقه ولم يملك نفيه عن نفسه وانتفى عن الزوج بغير لعان وان الحقته بالزوج لحق
ولم يملك نفيه باللعان في أصح الروايتين وان ألحقته بهما لحق بهما ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه، وهل يملك الزوج نفيه باللعان؟ على روايتين، فان لم يوجد قافة أو اشتبهه عليهم لحق الزوج لان المقتضي للحاق
النسب به متحقق ولم يوجد ما يعارضه فوجب اثبات حكمه، ويحتمل أن يلحق الزوج بكل حال لان دلالة قول القافة ضعيفة ودلالة الفراش قوية فلا يجوز ترك دلالته لمعارضة دلالة ضعيفة (فصل) فان أتت امرأته بولد فادعى أنه من زوج قبله نظرنا فان كانت تزوجت بعد انقضاء العدة لم يلحق بالاول بحال، وان كان بعد أربع سنين منذ بانت من الاول لم يلحق به أيضا وان وضعته لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يلحق به وينتفي عنهما وان كان لاكثر من ستة أشهر فهو ولده، وان كان لاكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ولاقل من أربع سنين من طلاق الاول ولم يعلم انقضاء العدة عرض على القافة وألحق بمن ألحقته به منهما فان ألحقته بالاول انتفى عن الزوج بغير لعان وان ألحقته بالزوج انتفى عن الاول ولحق بالزوج وهل له نفيه باللعان؟ على روايتين (فصل) قال رضي الله عنه (ومن اعترف بوطئ أمته في الفرج أو دونه فأتت بولد لستة أشهر لحقه نسبه وان ادعى العزل الا أن يدعي الاستبراء وهل يحلف؟ على وجهين) من اعترف بوطئ أمته في الفرج صارت فراشا له فإذا أتت بولد لمدة الحمل من يوم الوطئ لحقه نسبه وبهذا قال
مالك والشافعي وقال الثوري وأبو حنيفة لا تصير فراشا حتى يقر بولدها فإذا أقر به صارت فراشا ولحقه أولاده بعد ذلك لانها لو صارت فراشا بالوطئ لصارت فراشا باباحته كالزوجة ولنا أن سعدا نازع عبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فقال هو أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر " متفق عليه، وروى ابن عمر أن عمر رضي الله عنه قال ما بال رجال يطؤن ولائدهم ثم يعزلون لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها الا ألحقت به ولدها فاعتزلوا بعد ذلك أو اتركوا، ولان الوطئ يتعلق به تحريم المصاهرة فإذا كان مشروعا صارت به المرأة فراشا كالنكاح، ولان المرأة إنما سميت فراشا تجوزا اما لمضاجعته
لها على الفراش واما لكونها تحته في حال المجامعة وكلا الامرين يحصل في الجماع، وقياسهم الوطئ على الملك لا يصح لان الملك لا يتعلق به تحريم المصاهرة ولا تنعقد في محل يحرم الوطئ فيه، كالمجوسية والوثنية وذوات محارمه.
إذا ثبت هذا فانه إذا أراد نفي ولد أمته التي يلحقه ولدها فطريقه أن يدعي أنه استبرأها بعد وطئه لها بحيضة فينتفي بذلك وان ادعى أنه كان يعزل عنها لحقه النسب ولم ينتف عنه
بذلك لما روى جابر قال جاء رجل من الانصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اعزل عنها ان شئت فانه سيأتيها ما قدر لها " رواه أبو داود ولما ذكرنا من حديث عمر وروي عن أبي سعيد أنه قال كنت أعزل عن جاريتي فولدت أحب الخلق إلى يعني ابنه، ولانه حكم تعلق بالوطئ فلم يعتبر معه الاعتزال كسائر الاحكام وقد قيل انه ينزل من الماء ما لا يحس به، فأما ان أقر بالوطئ دون الفرج أو في الدبر لم تصر بذلك فراشا لانه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص وروي عن أحمد أنها تصير فراشا لانه قد يجامع فيسبق الماء إلى الفرج، ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين، وإذا اعى الاستبراء قبل قوله بغير يمين في أحد الوجهين لان من قبل قوله في الاستبراء قبل بغير يمين كالمرأة تدعي انقضاء عدتها، وفي الآخر يستحلف وهو مذهب الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام " ولكن اليمين على المدعى عليه " ولان الاستبراء غير مختص به فلم يقبل قوله فيه بغير يمين كسائر الحقوق، ومتى لم يدع الاستبراء لحقه ولدها ولم ينتف عنه وقال الشافعي في أحد قوليه له نفيه باللعان لانه ولد لم يرض به فأشبه ولد المرأة
ولنا قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم) فخص بذلك الازواج ولانه ولد يلحقه نسبه من غير الزوجة فلم يملك نفيه باللعان كما لو وطئ أجنبية بشبهة فألحقت الفاقة ولدها به ولان له طريقا إلى نفي الولد بغير اللعان فلم يحتج إلى نفيه باللعان فلا يشرع ولانه لو وطئ امته ولم يستبرئها فأتت بولد احتمل ان يكون منه فلم يجز له نفيه لكون النسب يلحق بالامكان فكيف مع الظهور ووجود نسبه؟
فان ادعى الاستبراء فأتت بولدين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقاه معا لانه لا يمكن جعل احدهما منه والآخر من غيره وهما حمل واحد ولا يجوز نفي الولد المقر به عنه مع اقراره به فوجب الحاقهما به معا وكذلك لو اتت التي لم يعترف بوطئها بولدين توأمين فاعترف باحدهما ونفى الآخر (مسألة) (وان اعتقها أو باعها بعد اعترافه بوطئها فأتت بولد لدون ستة اشهر من حين العتق أو البيع فهو ولده) لانها حملت به وهي فراش لان اقل الحمل ستة اشهر فإذا اتت به لاقل من ذلك علم ان حملها
كان قبل بيعها فيلحق النسب به كما لو لم يبعها وتصير ام ولد والبيع باطل لانها صارت ام ولد (مسألة) (وكذلك ان لم يستبرئها فأتت به لاكثر من ستة اشهر فادعى المشتري انه منه سواء ادعاه البائع أو لم يدعه) لانه وجد منه سببه وهو الوطئ ولم يوجد ما يعارضه ولا يمنعه فتعين احالة حكمه عليه والحاق الولد بمن وجد السبب منه سواء ادعاه البائع أو لا (مسألة) (وان استبرئت ثم اتت بولد لاكثر من ستة اشهر لم يلحقه نسبه) لان الاستبراء يدل على براءتها من الحمل وقد امكن ان يكون من غيره لوجود مدة الحمل بعد الاستبراء مع قيام الدليل على ذلك، فاما ان اتت به لاقل من ستة اشهر فقد علمنا انها كانت حاملا في زمن الاستبراء فيكون الاستبراء غير صحيح وتكون بمنزلة من لم يستبرئها وكذلك ان لم يستبرئ ولم يقر المشتري له به ولد امة المشتري فلا تقبل دعوى غيره له الا باقرار من المشتري
(مسألة) (فاما ان لم يكن البائع اقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال سواء ولدته لستة اشهر أو لاقل منها) لانه يحتمل ان يكون من غيره وان اتفقا على انه ولد البائع لحقه لان الحق لهما فيثبت باتفاقهما (مسألة) (وان ادعاه البائع فهو عبد للمشتري)
لا يقبل دعوى البائع في الايلاد لان الملك انتقل إلى المشتري في الظاهر فلا يقبل قول البائع فيما يبطل حقه كما لو باع عبدا ثم اقر انه كان اعتقه والقول قول المشتري مع يمينه لانه منكر.
وهل يلحق البائع نسبه؟ على وجهين (احدهما) يلحقه مع كونه عبدا للمشتري لانه يجوز ان يكون ابنا لواحد مملوكا لآخر كولد الامة المزوجة (والثاني) لا يلحقه لان فيه ضررا على المشتري فانه لو اعتقه كان ابوه احق بميراثه منه (مسألة) (وان وطئ المجنون من لا ملك له عليها ولا شبهة ملك فأتت بولد لم يلحقه نسبه لانه لا يسند إلى ملك ولا اعتقاد اباحة فان اكرهها على الوطئ فعليه مهر مثلها كالمكلف لان الضمان يستوي فيه المكلف وغيره والله اعلم
كتاب العدد الاصل في وجوب العده الكتاب والسنة والاجماع اما الكتاب فقوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)، وقوله سبحانه (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن) وقوله سبحانه (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا) واما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تحد على ميت فوق ثلاث الا على زوج اربعة اشهر وعشر " وقال لفاطمة بنت قيس " اعتدي في بيت ابن ام مكتوم " في آي واحاديث كثيرة واجتمعت الامة على وجوب العدة في الجملة وانما اختلفوا في انواع فيها (مسألة) (كل امرأة فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس والخلوة بها فلا عدة عليها) اجمع العلماء على ذلك لقول الله تعالى (يا ايها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنان ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولان العدة انما وجبت في الاصل لبراءة الرحم وقد تيقناها ههنا
(فصل) وتجب العدة على الذمية من الذمي والمسلم.
وقال أبو حنيفة ان لم يكن من دينهم لم يلزمها لانهم لا يخاطبون بفروع الاسلام ولنا عموم الآيات ولانها بائن بعد الدخول اشبهت المسلمة.
وعدتها كعدة المسلمة في قول علماء الامصار منهم الثوري والشافعي وابو عبيد واصحاب الرأي وهو قول مالك.
وروي عنه انه قال تعتد من الوفاة بحيضة ولنا عموم قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا) ولانها معتدة من الوفاة اشبهت المسلمة (مسألة) (وان خلا بها وهي مطاوعة فعليها العدة سواء كان بهما أو باحدهما مانع من الوطئ كالاحرام والصيام والحيض والنفاس والمرض والجب والعنة أو لم يكن الا ألا يعلم بها كالاعمى والطفل فلا عدة عليها) وجملة ذلك ان العدة تجب على من خلا بها زوجها ولم يمسها ولا خلاف بين اهل العلم في وجوبها على المطلقة بعد المسيس فاما ان خلا بها ولم يصبها ثم طلقها فان العدة تجب عليها روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر وبه قال عروة وعلي بن الحسين وعطاء والزهري والثوري والاوزاعي وإسحاق واصحاب الرأي والشافعي في قديم قوله وقال في الجديد لا عدة عليها لقوله تعالى
(يأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وهذا نص ولانها مطلقة لم تمس فأشبهت من لم يخل بها ولنا اجماع الصحابة فروى الامام احمد والاثرم باسنادهما عن زرارة بن اوفى قال قضى الخلفاء الراشدون ان من ارخى سترا أو غلق بابا فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه الاثرم ايضا عن عمر وعلى.
وعن سعيد بن المسيب عن عمر وزيد بن ثابت وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فصارت اجماعا وضعف احمد ما روي في خلاف ذلك وقد ذكرناه في الصداق ولانه عقد على المنافع فالتمكين فيه يجري مجرى الاستيفاء في الاحكام المتعلقة كعقد الاجارة والآية مخصوصة بما ذكرناه ولا يصح
القياس على من لم يخل بها لانه لم يوجد منها التمكين ولا فرق بين ان يخلو بها مع المانع من الوطئ أو مع عدمه وسواء كان المانع حقيقيا كالجب والعنه والرتق أو شرعيا كالصوم والاحرام والحيض والنفاس والظهار لان الحكم علق ههنا على الخلوة التي هي مظنة الاصابة دون حقيقتها ولهذا لو خلا بها فأتت بولد لمدة الحمل لحقه نسبه وان يطأ وقد روي عن احمد ان الصداق لا يكمل مع وجود المانع فكذلك يخرج في العدة.
وروي عنه ان صوم شهر رمضان يمنع كمال الصداق مع الخلوة وهذا يدل على ان المانع متى كان متأكد كالاحرام وشبهه مع كمال الصداق ولم تجب العدة لان الخلوة انما اقيمت مقام المسيس لانها مظنة له ومع المانع لا تتحقق المظنة
(مسألة) (الا ألا يعلم بها كالاعمى والطفل فلا عدة عليها ولا يكمل صداقها لان المظنة لا تتحقق وكذلك ان كانت صغيرة لا يوطأ مثلها أو لم تكن مطاوعة لعدم تحقق المظنة مع ظهور استحالة المسيس والمعتدات على ستة اضرب (احدها) اولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن حرائركن أو اماء من فرقة الحياة أو الممات) كل امرأة حامل من زوج إذا فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو موته حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة فعدتها بوضع الحمل لقول الله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا إجماع أهل المدينة إلا أنه روي عن ابن عباس وعن علي من وجه أن المتوفي عنها زوجها تعتد بأطول الاجلين وقاله أبو السنابل بن بعكك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وقد روي أن ابن عباس رجع إلى قول الجماعة لما بلغه حديث سبيعة وكره الحسن والشعبي إن تنكح في دمها، وحكي عن إسحاق وحماد أن عدتها لا تنقضي حتى تطهر وأبى سائر أهل العلم هذا القول وقالوا لو بعد ساعة من وفاة زوجها حل لها أن تتزوج، ولكن لا يطؤها زوجها حتى تطهر من نفاسها وتغتسل وذلك لقول الله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وروي عن أبي كعب قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) للمطلقة ثلاثا والمتوفي عنها زوجها، قال " هي للمطلقة ثلاثا والمتوفي عنها وقال ابن مسعود من شاء باهلته
أو لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) نزلت بعد التي في سورة البقرة (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا) يعني أن هذه الآية هي الاخيرة فتقدم على ما خالفها من عموم الآية المتقدمة ويختص بها عمومها.
وروى عبد الله بن الارقم أن سبيعة الاسلمية أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح؟ انك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفناني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
متفق عليه.
قال ابن عبد البر هذا حديث حسن صحيح قد جاء من وجوه شتى كلها ثابتة إلا ما روي عن ابن عباس وروي عن علي من وجه منقطع ولانها معتدة حامل فتنقضي عدتها بوضعه كالمطلقة يحققه أن العدة انما شرعت لمعرفة براءتها من الحمل ووضعه أدل الاشياء على البراءة منه فوجب أن تنقضي به العدة ولانه لا خلاف في بقاء العدة ببقاء الحمل فوجب أن تنقضي به كما في حق المطلقة (فصل) وإذا كان الحمل واحدا انقضت العدة بوضعه وانفصال جميعه وان ظهر بعضه فهي في عدتها حتى ينفصل باقيه لانها لا تكون واضعة لحملها حتى يخرج كله وان كان الحمل اثنين أو أكثر
لم تنقض عدتها إلا بوضع الآخر لان الحمل هو الجميع، هذا قول جماعة أهل العلم إلا أبا قلابة وعكرمة فانهما قالا تنقضي عدتها بوضع الاول ولا تتزوج حتى تضع الآخر وذكر ابن أبي شيبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها قيل له أفتزوج؟ قال لا قال قتادة خصم العبد، وهذا قول شاذ يخالف ظاهر الكتاب وقول أهل العلم والمعنى أن العدة شرعت لمعرفة البراءة من الحمل فإذا علم وجود الحمل فقد تبين وجود الموجب للعدة وانتفت البراءة الموجبة لانقضائها ولانها لو انقضت عدتها بوضع الاول لابيح لها النكاح كما لو وضعت الآخر فان وضعت ولدا وشكت في وجود ثان لم تنقض عدتها حتى تزول الربية وتتيقن أنه لم يبق معها حمل
لان الاصل بقاؤها فلا يزول بالشك (مسألة) (والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شئ من خلق الانسان فان وضعت مضغة لا يتبين فيها شئ من ذلك فذكر ثقات من النساء انه مبتدأ خلق آدمي فهل تنقضي به العدة؟ على روايتين) وجملة ذلك ان المرأة أذا القت بعد فرقة زوجها شيئا لم تخل من خمسة أحوال (أحدهما) أن تضع ما بان فيه خلق آدمي من الرأس واليد والرجل فتنقضي به العدة بغير خلاف بينهم، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن عدة المرأة تنقضي بالقسط إذا علم أنه
ولد وممن نحفظ عنه ذلك الحسن وابن سيرين وشريح والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق، قال الاثرم قلت لابي عبد الله إذا نكس في الخلق الرابع يعني تنقضي به العدة فقال إذا نكس في الخلق الرابع فليس فيه اختلاف ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل وذلك لانه إذا بان فيه شئ من خلق الآدمي علم أنه حمل فيدخل في عموم قوله تعالى (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) (الحال الثاني) ألقت نطفة أو دما لا تدري هل هو ما يخلق منه آدمي أو لا فهذا لا يتعلق به شئ من الاحكام لانه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة (الحال الثالث) ألقت مضغة لم تبن فيها الخلقة فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية بان بها أنها خلقة آدمي فهذا في حكم الحال والاول (الحال الرابع) ألقت مضغة لا صورة فيها فشهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي فاختلفت الرواية عن أحمد فنقل مهنا وابو طالب أن عدتها لا تنقضي به ولا تصير به ام ولد لانه لم يبن فيه خلق آدمي أشبه الدم، وقد ذكر هذا قولا للشافعي وهو اختيار ابي بكر، ولقل الاثرم عن أحمد أن عدتها لا تنقضي به ولكن تصير أم ولد لانه مشكوك في كونه ولدا فلم يحكم بانقضاء العدة المتيقنة بأمر مشكوك فيه ولم يجز بيع الامة الوالدة له مع الشك في رقها فيثبت كونها أم ولد احتياطا ولا تنقضي
العدة احتياطا وقال حنبل انها تصير ام ولد ولم يذكر العدة فقال بعض أصحابنا على هذا تنقضي به العدة وهو قول الحسن وظاهر مذهب الشافعي لانهم شهدوا بانه خلقة آدمي أشبه ما لو تصور، قال شيخنا والصحيح ان هذا ليس برواية في العدة لانه لم يذكرها ولم يتعرض لها (الحال الخامس) أن تضع مضغة لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بانها مبتدأ خلق آدمي فلا تنقضي به العدة ولا تصير به الامة ام ولد لم يثبت كونه ولدا ببينه ولا مشاهدة فأشبه العلقة ولا تنقضي العدة بوضع ما قبل المضغة بحال سواء كان نطفة أو علقة وسواء قيل إنه بدء خلق آدمي أو لم يقل نص عليه احمد فقال: اما إذا كان علقا فليس بشئ انما هود.
لا نقضي بها عدة ولا نعتق بها امة ولا نعلم في هذا مخالفا الا الحسن فانه قال: إذا علم انها حمل انقضت به العدة، وفيه الغرة والاول أصح وعليه الجمهور (مسألة) (وان أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة الطفل لم تنقض به العدة وعنه تنقضي وفيه بعد) إذا أتت بولد بعد أربع سنين منذ مات أو بانت منه بطلاق أو فسخ أو انقضاء عدتها ان كانت رجعية لم يلحقه ولدها لانا نعلم انها علقت به بعد زوال النكاح والبينونة منه وكونها قد صارت أجنبية منه فأشبهت سائر الاجنبيات، فعلى هذا لا تنقضي به العدة وهو ظاهر كلام الخرقي لانه ينتفي عنه بغير لعان فلم تنقض عدتها به كما لو أتت به لاقل من ستة أشهر منذ نكحها، وقال أبو الخطاب هل تنقضي
به العدة؟ على وجهين، وذكر القاضي أن عدتها تنقضي به وهو مذهب الشافعي لانه ولد يمكن أن يكون منه بعد نكاحه بأن يكون قد وطئها بشبهة أو جدد نكاحها فوجب أن تنقضي به العدة وان لم يلحق، به كالولد المنفي باللعان، وبهذا فارق الذي أتت به لاقل من ستة أشهر فانه ينتفي عنه يقينا، ثم ناقضوا قولهم فقالوا لو تزوجت في عدتها وأتت بولد لاقل من ستة أشهر من حين دخل بها الثاني ولاكثر من أربع سنين من حين بانت من الاول فالولد منتف عنهما ولا تنقضي عدتها بوضعه عن واحد منهما، وهذا أصح فان احتمال كونه منه لم يكف في اثبات نسب الولد منه مع انه يثبت بمجرد الامكان فلان لا يكفي في انقضاء العدة أولى وأحرى، وما ذكروه منتقض بما سلموه، وما ذكروه من الفرق بين هذا وبين الذي أتت به قبل ستة أشهر غير صحيح فانه يحتمل أن يكون أصابها قبل نكاحها بشبهة
أو نكاح غير هذا النكاح الذي أتت بالولد فيه فاستويا، واما المنفي بلعان فاننا نفينا الولد عن الزوج بالنسبة إليه ونفينا حكمه في كونه منه بالنسبة إليها حتى أوجبنا الحد على قاذفها وقاذف ولدها وانقضاء العدة من الاحكام المتعلقة بها دونه مثبت (فصل) فاما امرأة الطفل الذي لا يولد لمثله إذا مات عن زوجة فولدت لم يلحقه نسبه ولم تقض به عدتها وتعتد بالاشهر وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة ان مات وبها حمل ظاهر اعتدت عنه بالوضع فان ظهر الحمل بها بعد موته لم تعتد به، وقد روي عن أحمد في الصبي مثل قول أبي حنيفة
وذكره ابن أبي موسى قال أبو الخطاب وفيه بعد، وهكذا الخلاف فيما إذا تزوج امرأة دخل بها وأتت بولد لدون ستة أشهر من حين عقد النكاح فانها لا تعتد بوضعه عندنا وعنده تعتد به، واحتج بقوله سبحانه (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ولنا أن هذا حمل منفي عنه يقينا فلم تعتد بوضعه كما لو ظهر بعد موته والآية واردة في المطلقات ثم هي مخصوصة بالقياس الذي ذكرناه.
إذا ثبت هذا فان عدتها تنقضي بوضع الحمل من الوطئ الذي علقت به منه سواء كان هذا الولد ملحقا بغير الصغير مثل أن يكون من عقد فاسد أو وطئ بشبهة أو كان من زنا لا يلحق بأحد لان العدة تجب من كل وطئ فإذا وضعته اعتدت من الصبي بأربعة أشهر وعشر لان العدة من رجلين لا يتداخلان، وان كانت الفرقة في الحياة بعد الدخول كزوجة كبير دخل بها ثم طلقها وأتت بولد لدون ستة أشهر منذ تزوجها فانها تعتد بعد وضعه بثلاثة قروء، وكذلك إذا طلق الخصي المجبوب امرأته أو مات عنها فأتت بولد لم يلحقه نسبه ولم تنقض عدتها بوضعه وتنقضي به عدة الوطئ ثم تستأنف عدة الطلاق أو عدة الوفاة على ما بيناه، وذكر القاضي أن ظاهر كلام احمد أن الولد يلحق به لانه قد يتصور منه الانزال بأن يحك موضع ذكره بفرجها فينزل، فعلى هذا القول يحلق به الولد وتنقضي به العدة، والصحيح أن هذا لا يحلق به ولد لانه لم تجر به عادة فلا يلحق به ولدها كالصبي الذي لم يبلغ تسع سنين، وكذلك إذا تزوج امرأة بحضرة الحاكم ثم طلقها في المجلس أو تزوج
المشرقي بالمغربية ثم أتت بولد لم يلحقه ولا تنقضي به العدة وقد ذكرناه في الباب الذي قبله وذكرنا الخلاف فيه، وانقضاء العدة مبني على لحوق النسب (مسألة) (وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة وأكثرها أربع سنين وعنه سنتان) انما كان أقل مدة الحمل ستة أشهر لما روى الاثرم باسناده عن أبي الاسود أنه رفع إلى عمر أن امرأة ولدت لستة أشهر فهم عمر برجمها فقال له علي ليس لك ذلك قال الله تعالى (والوالدات يرضعن وأولادهن حولين كاملين) وقال الله تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) فحولان وستة أشهر ثلاثون شهرا لارجم عليها فخلى عمر سبيلها وولدت مرة أخرى لذلك الحد، ورواه الاثرم أيضا عن عكرمة ان ابن عباس قال ذلك قال عاصم الاحول قلت لعكرمة انه بلغنا ان عليا قال هذا قال فقال عكرمة لا ما قال هذا الا ابن عباس، وذكر ابن قتيبة في المعارف ان عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم غالبه تسعة أشهر لان غالب النساء كذلك وهذا أمر معروف بين الناس، وأكثر مدة الحمل أربع سنين هذا ظاهر المذهب وبه قال الشافعي وهو المشهور عن مالك، وروي عن احمد ان اقصى مدته سنتان روي ذلك عن عائشة وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة لما روت جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل، ولان التقدير انما يعلم بتوقيف أو اتفاق ولا توقيف ههنا والاتفاق انما هو على ما ذكرنا، وقد وجد ذلك فان الضحاك بن مزاحم
وهرم بن حبان حملت أم كل واحد منهما به سنتين، وقال الليث أقصاه ثلاثه سنين حملت مولاة لعمر بن عبد الله ثلاث سنين، وقال أبو عبيد ليس لاقصاءه وقت يوقف عليه وقال عباد بن العوام خمس سنين وعن الزهري قال قد تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين ولنا أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد الحمل أربع سنين فروى الوليد بن مسلم قال قلت لمالك حديث جميلة بنت سعد عن عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل قال مالك سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد، وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن أمه أربع سنين قال أحمد نساء بني عجلان يحملن أربع سنين، وامرأة
عجلان حملت ثلاث بطون كل دفعة أربع سنين وبقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي في بطن أمه أربع سنين وهكذا ابراهيم بن نجيح العقيلي حكى ذلك أبو الخطاب وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به ولا يزاد عليه لانه ما وجد ولان عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين ولم يكن ذلك الا لانه غاية الحمل، وروي ذلك عن عثمان وعلي وغيرهما.
إذا ثبت هذا فان المرأة إذا ولدت لاربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء، ولا بوضع الحمل فان الولد لاحق بالزوج وعدتها تنقضي به
(مسألة) (وأقل ما يتين به الولد أحد وثمانون يوما وهو أقل ما تقضي به العدة من الحمل وهو أن تضعه بعد ثمانين يوما منذ أمكنه وطؤها) لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان خلق أحدكم ليجع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك " ولا تنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن يكون بعد الثمانين فاما بعد أربعة أشهر فليس فيه اشكال لانه يستكمل الخلق في الرابع (فصل) الضرب الثاني المتوفي عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشر ان كانت حرة وشهران وخمسة أيام ان كانت أمة وسواء ما قبل الدخول وبعده أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر مدخولا بها أو غير مدخول بها سواء كانت بالغة أو لم تبلغ لقول الله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث الا على زوج أربعة أشهر وعشرا " متفق عليه فان قيل الا حملتم الآية على المدخول بها كما قلتم في قوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) قلنا انما خصصنا هذه بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) ولم يرد تخصيص عدة الوفاة ولا أمكن قياسا على المطلقة
في التخصيص لوجهين (أحدهما) ان النكاح عقد عمر فإذا مات انتهى والشئ إذا انتهى تقررت أحكامه كتقرر أحكام الصيام بدخول الليل وأحكام الاجارة بانقضائها والعدة من أحكامه (الثاني) ان المطلقة إذا أتت بولد يمكن الزوج تكذيبها ونفيه باللعان وهذا ممتنع في حق الميت فلا يأمن أن يأتي بولد فيلحق الميت نسبه وما له من ينفيه فاحتطنا بايجاب العدة عليها لحفظها عن التصرف والميت في غير منزلها حفظا لها إذا ثبت هذا فانه لا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم، وحكي عن مالك انها إذا كانت مدخولا بها وجبت أربعة أشهر وعشر فيها حيضة واتباع الكتاب والسنة اولى ولانه لو اعتبر الحيض في حقها لاعتبر ثلاثة قروء كالمطلقة وهذا الخلاف مختص بذات القروء فأما الآيسة والصغيرة فلا خلاف فيهما وأما الامة المتوفى عنها فعدتها شهرين وخمسة أيام في قول عامة أهل العلم منهم سعيد بن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابو ثور وأصحاب الرأي وغيرهم الا ابن سيرين فانه قال ما أرى عدة الامة الا كعدة الحرة الا أن تكون قد مضت في ذلك سنة فان السنة أحق أن تتبع وأخذ بظاهر اللفظ وعمومه
ولنا اتفاق الصحابة رضي الله عنهم على أن عدة الامة المطلقة على النصف من عدة الحرة فكذلك عدة الوفاة (فصل) والعشر المعتبرة في العدة هي عشر ليال فيجب عشرة أيام مع الليالي وبه قال مالك والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال الاوزاعي يجب عشر ليال وتسعة أيام لان العشرة تستعمل في الليالي دون الايام وإنما دخلت الايام اللاتي في أثناء الليالي تبعا.
قلنا العرب تغلب حكم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالى وتريد الليالي بايامها كما قال الله تعالى لزكريا (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) يريد بأيامها ولو نذر اعتكاف العشر الاخير من رمضان لزمه الليالي والايام ويقول القائل: سرنا عشرا يريد الليالي بأيامها فلم يجز نقلها عن العدة إلى الاباحة بالشك (مسألة) (وإن مات زوج الرجعية في عدتها استأنفت عدة الوفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق) وهذا لا خلاف فيه، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك لان الرجعية
زوجة يلحقها طلاقه وينالها ميراثه فاعتدت للوفاة كغير المطلقة، وحكى في المحرر أنها تعتد أطول الاجلين وهو بعيد.
(مسألة) (وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عن عدتها وتبني على عدة الطلاق ولا تعتد للوفاة) وهذا قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر، وقال الثوري وأبو حنيفة عليها أطول الاجلين كما لو طلقها في مرض موته
ولنا قوله سبحانه (والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء) ولانها أجنبية منه في نكاحه وميراثه والحل له ووقوع طلاقه وظهاره وتحل له أختها وأربع سواها فلم تعتد لوفاته كما لو انقضت عدتها.
وذكر القاضي في المطلقة في المرض أنها إذا كانت حاملا تعتد أطول الاجلين وليس بشئ فان الحمل تنقضي بوضعه كل عدة ولا يجوز أن يجب عليها الاعتداد بغير الحمل لما ذكرناه والله أعلم (مسألة) (وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الاجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة) نص على هذا أحمد وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، وقال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق لانه مات وليست زوجة له لانها بائن من النكاح فلا تكون منكوحة.
عن أحمد مثل ذلك، وعنه رواية ثالثة أنها تعتد عدة الوفاة فقط ذكرها هاتين في المحرر لانها ترثه أشبهت الرجعية والاولى ظاهر المذهب ووجه ذلك أنها وارثه فتجب عليها عدة الوفاة كالرجعية ويلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في دليلهم (فصل) وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة لموته، وقال القاضي عليها عدة الوفاة إذا قلنا ترثه فتجب عليها عدة الوفاة كما لو مات بعد الدخول قبل قضاء العدة ورواه أبو طالب عن أحمد في التي انقضت عدتها،
وذكر ابن أبي موسى فيها روايتين، والصحيح انها لا عدة عليها لان الله تعالى قال (إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) وقال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال (واللائي يئسن من الحيض من نسائكم ان ارتبم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم تحضن) فلا يجوز تخصيص هذه النصوص بالتحكم ولانها أجنبية تحل للازواج ويحل للمطلق نكاح أختها وأربع سواها فلم تجب عليها عدة لموته كما لو تزوجت وتخالف التي مات زوجها في عدتها فانها لا تحل لغيره في هذه الحال ولم تنتقض عدتها وتمنع انها ترثه لانها لو ورثته لا أفضي إلى أن يرث الرجل ثماني زوجات فاما إن تزوجت إحدى هؤلاء فلا عدة عليها بغير خلاف نعلمه ولا ترثه فان كانت المطلقة البائن لا ترث كالامة أو الحرة يطلقها العبد أو الذمية يطلقها المسلم والمختلعة أو فاعلة ما يفسخ نكاحها لم يلزمها عدة سواء مات زوجها في عدتها أو بعدها على قياس قول أصحابنا لانهم عللوا نقلها إلى عدة الوفاة بارثها وهذه ليست وارثة فأشبهت المطلقة في الصحة (مسألة) (وان ارتابت المتوفي عنها لظهور امارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض قبل أن تنكح لم تزل في عدتها حتى تزول الربية وإن تزوجت قبل زوالها لم يصح النكاح وإن ظهر بها ذلك بعد نكاحها لم يفسد به لكن إن أتت بولد لاقل من ستة أشهر منذ نكحها فهو باطل وإلا فلا)
وجملة ذلك أن المعتدة إذا ارتابت في عدتها بأن ترى امارات الحمل من حركة أو نفخة أو نحوهما وشكت هل هو حمل أم لا؟ لم تخل من ثلاثة أحوال (أحدهما) أن تحدث بها الريبة قبل انقضاء عدتها فانها تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة فان بان حملا انقضت عدتها بوضعه فان زال وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بالشهور أو بالاقراء ان كان فارقها في الحياة فان تزوجت قبل زوال الريبة فالنكاح باطل لانها تزوجت وهي في حكم المعتدات في الظاهر، ويحتمل أنه إذا تبين عدم الحمل انه يصح النكاح إذا كان بعد انقضاء العدة (الثاني) أن تظهر الريبة بعد قضاء عدتها والتزوج فالنكاح صحيح لانه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا والحمل مع الريبة مشكوك فيه فلا يزول ما حكمنا بصحته لكن لا يحل لزوجها وطؤها لاننا شككنا في صحة النكاح ولانه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ثم ينظر فان وضعت
الولد لاقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لانه نكاحها وهي حامل وإن أتت به لاكثر من ذلك فالولد لاحق به.
(الثالث) ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح ففيه وجهان (احدهما) لا يحل لها ان تتزوج وان فعلت لم يصح النكاح لانها تتزوج مع الشك في انقضاء العدة فلم تصح كما لو وجدت الريبة في العدة ولاننا لو صححنا النكاح لوقع موقوفا ولا يجوز كون النكاح موقوفا ولهذا لو أسلم وتخلفت امرأته في الشرك لم يجز أن يتزوج اختها لان نكاحها يكون موقوفا على إسلام الاولى
(والثاني) يحل لها النكاح ويصح لانا حكمنا بانقضاء العدة وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال ما حكمنا به بالشك الطارئ ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده وروجوع الشهود (فصل) وإذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها اخرجت بالقرعة وعليها العدة دون غيرها وتحسب عدتها من حين طلق لا من حين خرجت القرعة وان طلق واحدة بعينها وانسيها ففي قول اصحابنا الحكم فيها كذلك.
والصحيح انه يحرم عليه الجميع وهو اختيار شيخنا وقد ذكرناه في باب الشك في الطلاق فان مات فعلى الجميع الاعتداد بأقصى الاجلين من عدة الطلاق أو الوفاة لان النكاح كان بائنا بيقين وكل واحدة منهن يجوز ان تكون المطلقة ويجوز ان تكون زوجة فوجب اقصى الاجلين إن كان الطلاق بائنا ليسقط الفرض بيقين كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه ان يصلي خمس صلوات لكن ابتداء القرء من حين طلق وابتداء عدة الوفاة من حين الموت وهذا مذهب الشافعي وان طلق الجميع ثلاثا بعد ذلك فعليهن كلهن تكميل عدة الطلاق من حين طلقهن، وإن طلق ثلاثا وانسيهن فهو كما لو طلق واحدة (مسألة) (وإذا مات عن امرأة نكاحها فاسد فقال القاضي عليها عدة الوفاة نص عليه وقال ابن حامد لا عدة عليها للوفاة لذلك فان كان النكاح مجمعا على بطلانه لم تعتد للوفاة من أجله وجها واحدا) أما إذا كان النكاح مجمعا على بطلانه مثل أن ينكح ذات محرمه أو معتدة يعلم حالها وتحريمها فلا حكم لعقدها والخلوة بها كالخلوة بالاجنبية لا توجب عدة وكذلك الموت عنها لا يوجب
عدة الوفاة وان وطئها اعتدت لوطئها بثلاثة قروء منذ وطئها سواء فارقها أو مات عنها كالمزني بها من
غير عقد فأما ان نكحها نكاحا مختلفا فيه فهو فاسد مات عنها فنقل جعفر بن محمد أن عليها عدة الوفاة وهو اختيار أبي بكر وقال أبو عبد الله بن حامد ليس عليها عدة الوفاة وهو مذهب الشافعي لانه نكاح لا يثبت فأشبه الباطل فعلى هذا ان كان قبل الدخول فلا عدة عليها وان كان بعده اعتدت بثلاثة قروء ووجه الاول أنه نكاح يلحق به النسب فوجبت به العدة كالنكاح الصحيح بخلاف الباطل فانه لا يلحق به النسب وان فارقها في الحياة بعد الاصابة اعتدت بعد فرقته بثلاثة قروء ان كانت من ذوات الاقراء أو بثلاثة أشهر إن لم تكن ولا خلاف في ذلك، وان كان قبل الخلوة فلا عدة عليها بغير خلاف لان المفارقة في الحياة في النكاح الصحيح لا عدة عليها ففي الفاسد أولى، وإن كان بعد الخلوة قبل الاصابة فالمنصوص عن أحمد أن عليها العدة لانه أجري مجرى النكاح الصحيح في لحوق النسب فكذلك في العدة وقال الشافعي لا عدة عليها لوجهين (احدهما) انها خلوة في غير نكاح صحيح أشبهت التي نكاحها باطل (والثاني) أن الخلوة عنده في النكاح الصحيح لا توجب العدة ففي الفاسد أولى، وهذا مقتضى قول ابن حامد.
(فصل) (الثالث ذات القروء التي فارقها في الحياة بعد دخوله بها عدتها ثلاثة قروء ان كانت حرة وقرءان كانت أمة) أما الحرة من ذوات القروء فعدتها ثلاثة قروء بغير خلاف بين أهل العلم لقول الله تعالى (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وأما الامة فعدتها بالقرء قرءان في قول أكثر أهل العلم منهم عمر وعلي وابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وعبد الله بن عتبة والقاسم وسالم والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وعن ابن سيرين عدتها عدة الحرة الا أن تكون قد مضت بذلك سنة وهو قول داود لقول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " قرء الامة حيضتان " ولانه قول من ذكرنا من الصحابة ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة فكان اجماعا وهذا يخص عموم الآية ولانه معنى ذو عدد بني على التفاضل فلا تساوي
الامة فيه الحرة كالحد وكان القياس يقتضي أن تكون حيضة ونصفا كما كان حدها على النصف من حد الحرة الا أن الحيض لا يتبعض فكمل حيضتين، ولهذا قال عمر رضي الله عنه أو أستطيع أن أجعل العدة حيضة ونصفا لفعات (مسألة) (والقرء الحيض في أصح الروايتين (والثانية) هي الاطهار) القرء في كلام العرب يقع على الحيض والطهر جميعا فهو من الاسماء المشتركة قال أحمد بن يحيى ثعلب القروء الاوقات الواحد قرء وقد يكون حيضا وقد يكون طهرا لان كل واحد منهما يأتي لوقت قال الشاعر: كرهت العقر عقر بني تميم * * إذا هبت لقارئها الرياح يعني لوقتها وقال الخليل بن أحمد يقال أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا دنا طهرها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " دعي الصلاة أيام اقرائك فهذا الحيض " وقال الشاعر: مورثة عزا وفي الحي رفعة * * لما ضاع فيها من قروء نسائكا فهذا الطهر، واختلف إهل العلم في المراد في قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) واختلفت
الرواية عن أحمد في ذلك فروي أنها الحيض روي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري والاوزاعي والعنبري واسحاق وأبي عبيد وأصحاب الرأي وروي أيضا عن أبي بكر الصديق وعثمان ابن عفان وأبي موسى وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء قال القاضي الصحيح عن احمد ان الاقراء الحيض واليه ذهب اصحابنا ورجع عن قوله بالاطهار فقال في رواية النيسابوري كنت اقول انه الاطهار وانا اذهب اليوم إلى ان الاقراء الحيض وقال في رواية الاثرم كنت أقول إنه الاطهار ثم وقفت لقول الاكابر.
(والرواية الثانية) عن احمد ان القروء الاطهار وهو قول زيد وابن عمر وعائشة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز والزهري ومالك والشافعي وابي ثور، وقال ابو بكر بن عبد الرحمن ما ادركت احدا من فقهائا الا وهو يقول ذلك قال ابن عبد البر رجع احمد إلى القرء والاطهار قال في رواية الاثرم رأيت الاحاديث عمن قال القرء الحيض تختلف والاحاديث
عمن فال انه أحق بها حتى تدخل في الحيضة الثالثة أحاديثها صحاح قوية واحتج من قال ذلك بقول الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) أي في عدتهن كقوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) أي في يوم القيامة وانما أمر بالطلاق في الطهر لا في الحيض ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن
عمر " فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فان شاء طلق وان شاء أمسك فتلك العدة التي امر الله ان تطلق لها النساء " متفق عليه، وفي رواية ابن عمر: فطلقوهن في قبل عدتهن ولانها عدة عن طلاق مجرد مباح فوجب ان تعتبر عقيب الطلاق كعدة الآيسة والصغيرة، ووجه الرواية الاولى قول الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر اللائي لم يحضن) فنقلهن عند عدم الحيض إلى الاعتداد بالاشهر فيدل ذلك على أن الاصل الحيض كما قال تعالى (فان لم تجدوا ماء فتيمموا) ولان المعهود في لسان الشارع استعمال القرء بمعنى فقال النبي صلى الله عليه وسلم " تدع الصلاة أيام اقرائها " رواه أبو داود، وقال لفاطمة بنت ابي حبيش " انظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلى وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلى ما بين القرء إلى القرء " رواه النسائي ولم يعهد في لسانه استعماله بمعني الطهر في موضع فوجب أن يحمل كلامه على المعهود في لسانه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " طلاق الامة طلقتان وقرؤها حيضتان " رواه أبو داود وغيره فان قالوا هذا يرويه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث قلنا قد رواه عبد الله بن عيسى عن عطية العوفي عن ابن عمر كذلك أخرجه ابن ماجة في سننه وابو بكر الخلال في جامعه وهو نص في عدة الامة فكذلك عدة الحرة ولان ظاهر قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وجوب التربص ثلاثة كاملة ومن جعل القروء الاطهار لم يوجب
ثلاثة بل يكتفي بطهرين وبعض الثالث فيخالف ظاهر النص ومن جعله الحيض أوجبه ثلاثة كاملة فيوافق ظاهر النص فيكون أولى من مخالفته ولان العدة استبراء فكانت بالحيض كاستبراء الامة، وذلك لان الاستبراء لمعرفة براءة الرحم من الحمل والذي يدل عليه الحيض فوجب أن يكون الاستبراء به فان قيل لا نسلم ان استبراء الامة بالحيضة لذلك قال ابن عبد البر وانما هو بالطهر الذي قبل الحيضة
وقال قولهم ان استبراء الامة حيضة باجماع ليس كما ظنوا بل جائز لها عندنا أن تنكح إذا دخلت في الحيضة واستيقنت أن دمها دم حيض كذلك قال اسماعيل بن اسحاق ليحيى بن أكثم حين دخل عليه في مناظرته اياه، قلنا هذا يرده قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حامل حتى تستبرئ بحيضة " ولان الاستبراء تعرف براءة الرحم وانما يحصل بالحيضة لا بالطهر الذي قبلها ولان العدة تتعلق بخروج خارج من الرحم فوجب أن تتعلق بالحيض كوضع الحمل يحققه ان العدة مقصودها براءة المرأة من الحمل فتارة تحصل بوضعه وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض الذي لا يتصور وجوده معه فأما قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) فيجوز انه أراد قبل عدتهن إذ لا يمكن حمله على الطلاق في العدة ضرورة ان الطلاق يسبق العدة لكونه سببها والسبب يتقدم الحكم ولا يؤخذ الحكم قبله والطلاق في الطهر تطليق قبل العدة إذا كانت الاقراء بالحيض (مسألة) (ولا تعتد بالحيضة التي طلقها فيها حتي تأتي بثلاث كاملة بعدها
لا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم لان الله تعالى أمر بثلاثة قروء فيتناول ثلاثة كاملة والتي طلق فيها لم يبق ما تتم به مع اثنتين ثلاثة كاملة فلا تعتد بها ولان الطلاق انما حرم في الحيض لما فيه من تطويل العدة عليها فلو احتسب بتلك الحيضة قرءا كان أقصر لعدتها وأنفع لها فلم يكن محرما (مسألة) (ولا تعتد بالحيضة التى طلقها فيها، وإذا طهرت من الحيضة الثالثة حلت في إحدى الروايتين، ولاخرى لا تحل حتى تغتسل) حكى هاتين الروايتين أبو عبد الله بن حامد (إحداهما) انها في العدة ما لم تغتسل يباح لزوجها ارتجاعها ولا يحل لغيره نكاحها قال قال احمد وعمر وعلي وابن مسعود يقولون قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة روي ذلك عن سعيد بن المسيب والثوري وإسحاق، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان وأبى موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم قال شريك له الرجعة، وان فرطت في الغسل عشرين سنة قال أبو بكر روي عن أبي عبد الله انها في عدتها ولزوجها رجعتها حتى يمضي وقت الصلاة التي قد طهرت في وقتها وهذا قول الثوري، وقال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لدون أكثر
الحيض، وان انقطع لاكثره انقضت العدة بانقطاعه، ووجه اعتبار الغسل أنه قول الاكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون اجماعا، ولانها ممنوعة من الصلاة بحكم حدث الحيض فأشبهت الحائض
(والرواية الثانية) أن العدة تنقضي بطهرها من الحيضة الثالثة، وانقطاع دمها.
اختاره ابو الخطاب وهو قول سعيد بن جبير والاوزاعي والشافعي في القديم لقول الله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقد كملت القروء بوجوب الغسل عليها ووجوب الصلاة وفعل الصيام وصحته منها ولانه لم يبق حكم العدة في الميراث ووقوع الطلاق بها واللعان النفقة وكذلك فيما نحن فيه قال القاضي إذا شرطنا الغسل أفاد عدمه الرجعة وتحريمها على الازواج فأما سائر الاحكام فلها تنقطع بانقطاع دمها (فصل) ومن قال القرء الاطهار احتسب لها بالطهر الذي طلقها فيه قرءا، وان بقي منه لحظة حسبها قرءا، هذا قول كل من قال ان القروء الاطهار الا الزهري فانه قال تعتد بثلاثة قروء سوى الطهر الذي طلقها فيه، وحكي عن أبي عبيد أنه ان كان جامعها في الطهر لم تحتسب ببقيته لانه زمن حرم فيه الطلاق فلم تحتسب به من العدة كزمن الحيض ولنا أن الطلاق حرم في زمن الحيض دفعا لضرر تطويل العدة عليها فلو لم تحتسب ببقية الطهر قرءا كان الطلاق في الطهر أضر بها وأطول عليها وما ذكر عن أبي عبيد لا يصح لان تحريم الطلاق في الحيض لكونها لا تحتسب ببقيته فلا يجوز أن تجعل العلة في عدم الاحتساب تحريم الطلاق فتصير العلة معلولا وانما تحريم الطلاق في الطهر الذي أصابها فيه لكونها مرتابة ولكونه لا يأمن الندم بظهور حملها فأما انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر فان الطلاق يقع في أول الحيضة ويكون محرما ولا تحتسب بتلك الحيضة من عدتها وتحتاج أن تعتد بثلاث حيض أو ثلاثة اطهار على الرواية الاخرى ولو قال
لها أنت طالق في آخر جزء من طهرك أو في آخر جزء من طهرك فانها لا تحتسب الذي وقع فيه الطلاق لان العدة لا تكون الا بعد وقوع الطلاق وليس بعده طهر تعتد به ولا يجوز الاعتداد بما قبله ولا بما
قارنه، ومن جعل القرء الحيض اعتد لها بالحيضة التي تلي الطلاق لانها حيضة كاملة لم يقع فيها طلاق فوجب أن تعتد بها قرءا فان اختلفا فقال الزوج وقع الطلاق في أول الحيض وقالت بل في آخر الطهر أو قال انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر وقالت بل قد بقي منه بقية فالقول قولها لان قولها مقبول في الحيض وفي انقضاء العدة (مسألة) (والرواية الثانية القروء الاطهار وتعتد بالطهر الذي طلقها فيه قراءا فإذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت إذا طلقها وهي طاهر انقضت عدتها برؤية الدم من الحيضة الثالثة، وان طلقها حائضا انقضت برؤية الدم من الحيضة الرابعة وهذا قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبان بن عثمان ومالك وأبي ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي وحكي عنه قول آخر لا تنقضي العدة حتى يمضي من الدم يوم وليلة لجواز أن يكون الدم دم فساد فلا يحكم بانقضاء العدة حتى يزول الاحتمال، وحكى القاضي هذا الاحتمال في مذهبنا أيضا.
ولنا أن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء فالزيادة عليها مخالفة للنص فلا يعول عليه ولانه قول من سمينا من الصحابة رواه الاثرم عنهم باسناده ولفظ حديث زيد بن ثابت إذا دخلت
في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها وقولهم ان الدم يجوز أن يكون دم فساد قلنا قد حكم بكونه حيضا في ترك الصلاة وتحريمها على الزوج وسائر أحكام الحيض فكذلك في انقضاء العدة ثم ان كل التوقف عن الحكم بانقضاء العدة للاحتمال فإذا تبين أنه حيض علمنا أن العدة قد انقضت حين رأت الدم كما لو قال لها ان حضت فأنت طالق اختلف القائلون بهذا القول فمنهم من قال اليوم والليلة من العدة لانه دم تكمل به العدة فكان منها كالذي في أثناء الاطهار ومنهم من قال ليس منها انما يتبين به انقضاؤها لاننا لو جعلناه منها أوجبنا الزيادة على ثلاثة قروء ولكننا نمنعها من النكاح حتى يمضي يوم وليلة، ولو راجعها زوجها فيها لم تصح الرجعة وهذا أصح الوجهين (فصل) وكل فرقة بين زوجين في الحياة بعد الدخول فعدة المرأة منها عدة الطلاق سواء كانت يخلع أو لعان أو رضاع أو فسخ بعيب أو أعسار أو اعتاق أو اختلاف دين أو غيره في قول أكثر أهل
العلم، وروي عن ابن عباس أن عدة الملاعنة تسعة أشهر وأبى ذلك سائر أهل العلم وقالوا عدتها عدة الطلاق لانها مفارقة في الحياة أشبهت المطلقة وأكثر أهل العلم يقولون عدة المختلفة عدة المطلقة منهم سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز والحسن الشعبي والنخعي والزهري وقتادة وحلاس بن عمرو وأبو عياض ومالك والليث والاوزاعي والشافعي، وروي عن عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس وابان بن عثمان واسحاق وابن المنذر أن عدة المختلعة حيضة،
ورواه ابن القاسم عن أحمد لما روي ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة.
رواه النسائي، وعن ربيع بنت معوذ مثل ذلك ولان عثمان قضى به رواه النسائي وابن ماجه ولنا قول الله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ولانها فرقة بعد الدخول في الحياة فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " قرء الامة حيضتان " عام وحديثهم يرويه عكرمة مرسلا قال أبو بكر هو ضعيف مرسل، وقول عثمان وابن عباس وقد خالفة قول عمر وعلي فانهما قالا: عدتها ثلاث حيض وقولهما أولى، وأما ابن عمر فقد روي مالك عن نافع عنه أنه قال عدة المخلعة عدة المطلقة وهو أصح عنه (فصل) الرابع اللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ان كن حرائر وان كن اماء فشهران وعنه ثلاثة أشهر وعنه شهر ونصف أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة الآيسة الصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر لقوله الله تعالى (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فان كان الطلاق في أول الشهر اعتبر ثلاثة أشهر بالاهلة لقول الله تعالى (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال سبحانه (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم) ولم يختلف الناس في ان الاشهر الحرم معتبرة بالاهلة وان وقع الطلاق في اثناء شهر اعتدت بقية ثم اعتدت شهرين
بالاهلة ثم اعتدت من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوما، وهذا مذهب مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تحسب
بقية الاول وتعتد من الرابع بقدر ما فاتها من الاول تاما كان أو ناقصا لانه لو كان من أول الهلال كانت العده بالاهلة فإذا كان من بعض الشهر وجب قضاء ما فات منه وخرج أصحابنا وجها ثانيا أن جمع الشهور محسوبة بالعدد وهو قول ابن بنت الشافعي لانه إذا حسب الاول بالعدد كان ابتداء الثاني من نصف الشهر وكذلك الثالث ولنا أن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى الثلاثين ولذلك إذا غم الشهر كمل ثلاثين والاصل الهلال ماذا أمكن اعتبار الهلال اعتبر وإذا تعذر رجع إلى العدد وفي هذا انفصال عما ذكر لابي حنيفة وأما التخريج الذي ذكر لاصحابنا فانه لا يلزم إتمام الشهر الاول من الثاني ويجوز أن يكون تمامة من الرابع (فصل) وتحسب العدة من الساعة التي فارقها زوجها فيها فلو فارقها نصف النهار أو نصف الليل اعتدت من ذلك الوقت إلى مثله في قول أكثر أهل العلم وقال ابن حامد لا تحتسب بالساعات وإنما يحتسب بأول الليل والنهار فإذا طلقها نهارا احتسبت من أول الليل الذي يليه وان طلقها ليلا احتسبت من أول النهار الذي يليه وهذا قول مالك لان حساب الساعات يشق فسقط اعتباره ولنا قول الله تعالى (فعدتهن ثلاثة أشهر) فلا تجوز الزيادة عليها بغير دليل وحساب الساعات ممكن
اما يقينا واما استظهارا فلا وجه للزيادة على ما أوجبه الله تعالى، واختلفت الرواية في عدة الامة فأكثر الروايات عنه أنها شهران وهو الذي ذكره الخرقي رواه عنه جماعة من أصحابه واحتج فيه بقول عمر رضي الله عنه عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كانت عدتها شهرين، رواه الاثرم عنه باسناده وهذا قول عطاء والزهري وإسحاق وأحد أقوال الشافعي، ولان الاشهر بدل من القروء وعدة ذات القروء قرآن فبدلهما شهران ولانها معتدة بالشهور من غير الوفاة فكان عددها كعدد القروء ولو كانت ذات قروء كالحرة (والرواية الثانية) أن عدتها شهر ونصف، نقلها الميموني والاثرم واختارها أبو بكر وهذا قول علي رضي الله عنه، وروي ذلك عن ابن عمر وابن المسيب وسالم والشعبي الثوري وأصحاب الرأي وهو قول ثان للشافعي لان عدة الامة نصف عدة الحرة وعدة الحرة وعدة الحرة ثلاثة أشهر فنصفها شهر
ونصف وأنما كملنا لذات الحيض حيضتين لتعذر تبعيض الحيضة فإذا صرنا إلى الشهور أمكن النصيف فوجب المصير إليه كما في عدة الوفاة ويصير هذا كالمحرم إذا وجب عليه في جزاء الصيد نصف مد مكيل أخرجه فان أراد الصيام مكانه صام يوما كاملا ولانها عدة أمكن تنصيفها فكانت على النصف من عدة الحرة كعدة الوفاة.
(والثالثة) أن عليها ثلاثة أشهر روي ذلك عن الحسن ومجاهد وعمر بن عبد العزيز ويحيى الانصاري وربيعة ومالك، وهو القول الثالث للشافعي لعموم قوله تعالى (فعدتهن ثلاثة أشهر) ولان اعتبار الشهور
ههنا للعلم ببراءة رحمها ولا يحصل هذا بدون ثلاثة أشهر في الحرة والامة جميعا لان الحمل يكون نطفة أربعين يوما وعلقه أربعين يوما ثم يصير مضغة ثم تتحرك ويعلو بطن المرأة فيظهر الحمل، وهذا معنى لا يختلف بالرق والحرية ومن رد هذه الرواية قال هي مخالفة لاجماع الصحابة لانهم اختلفوا على القولين الاولين ومتى اختلف الصحابة على قولين لم يجز احداث قول ثالث لانه يفضي إلى تخطئتهم وخروج الحق عن قول جميعهم ولا يجوز ذلك ولانها معتدة بغير الحمل فكانت دون عدة الحرة كذات القروء المتوفى عنها زوجها (مسألة) (وعدة أم الولد عدة الامة لانها امة مملوكة وعدة المتعق بعضعها بالحساب من عدة حرة وامة اما أذا اعتدت بالحمل أو بالقروء فعدتها كعدة الحرة) لان عدة الحامل لا تختلف بالرق والحرية وعدة الامة بالقروء قرآن فأدنى ما يكون فيها من الحرية يوجب قرءا ثالثا لانه لا يتبعض وان كانت عدتها بالشهور للوفاة وكان نصفها حرا اعتدت بثلاثة شهور وثمانية أيام وإذا كان نصفها حرا فعدتها ثلاثة أرباع عدة الحرة فان قلنا عدة الامة شهران فعدتها شهران ونصف وان قلنا شهر ونصف فعدتها شهران وسبعة أيام ونصف وان قلنا عدتها ثلاثة أشهر فهي كالحرة (مسألة) (وحد الاياس خمسون سنة وعنه أن ذلك حده في نساء العجم وحده في نساء العرب ستون سنة) اختلف عن أحمد في السن الذي تصير به المرأة من الآيسات فعنه أوله خمسون سنة لان
عائشة رضي الله عنها قالت لن ترى المرأة في بطنها ولدا بعد خمسين سنة وعنه ان كانت من نساء العجم فخمسون سنة وان كانت من نساء العرب فستون لانهن أقوى جبلة وطبيعة وقد ذكر الزبير بن بكار في كتاب النسب ان هند ابنة أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ولها ستون سنة وقال يقال إنه لن تلد خمسين سنة إلا عربية ولا تلد لستين إلا قرشية وللشافعي قولان (أحدهما) يعتبر السن الذي بتيقن أنها إذا بلغته لم تحض، قال بعضهم هو اثنان وستون سنة (والثاني) يعتبر السن الذي ييئس فيه نساء عشيرتها لان الظاهر أن نشأها كنشئهن وطبعها كطبعهن وقال شيخنا الصحيح ان شاء الله أنه متى بلغت المرأة خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة لان وجود الحيض في حق هذه نادر بدليل قول عائشة وقلة وجوده فإذا انضم إلى هذا انقطاعه عن العادات مرات حصل اليأس من وجوده فلها حينئذ أن تعتد بالاشهر وان انقطع قبل ذلك فحكمها حكم من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه على ما نذكره ان شاء الله تعالى وان رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض في الصحيح لان دليل الحيض الوجود في زمن الامكان وهذا يمكن وجود الحيض فيه وان كان نادرا وان رأته بعد الستين فقد تيقن أنه ليس بحيض فعند ذلك لا تعتد به وتعتد بالاشهر كالتي لا ترى دما، أما أقل سن تحيض له
المرأة فقد ذكرناه في باب الحيض وذكرنا دليله فان رأته قبل ذلك اعتدت بالاشهر وان رأته بعد ذلك فالمعتبر من ذلك ما تكرر ثلاث مرات في حال الصحة وان لم يوجد ذلك لم تعتد به (مسألة) (وان حاضت الصغيرة في عدتها انتقلت إلى القروء ويلزمها اكمالها) وجملة ذلك أن الصغيرة التي لم تحض إذا اعتدت بالشهور فحاضت قبل انقضاء عدتها ولو بساعة لزمها استئناف العدة بالاقراء في قول عامة فقهاء الامصار منهم سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وقتادة والشعبي والنخعي والزهري والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وأهل المدينة وأهل البصرة وذلك لان الشهور بدل عن الحيض فإذا وجد المبدل بطل حكم البدل كالتيمم مع الماء ويلزمها
أن تعتد بثلاث حيض ان قلنا القروء الحيض وان قلنا القروء الاطهار فهل تعتد بما مضى من الطهر قبل الحيض قرءا؟ فيه وجهان (أحدهما) تعتد به لانه طهر انتقلت منه إلى حيض فأشبه الطهر بين الحيضتين (الثاني) لا تعتد به وهو ظاهر كلام الشافعي لان القرء هو الطهر بين حيضتين وهذا لم يتقدمه حيض فأما ان حاضت بعد انقضاء عدتها بالشهور ولو بلحظة لم يلزمها استئناف العدة لانه حدث بعد انقضاء العدة فأشبه ما لو حدث بعد طول الفصل ولا يمكن منع هذا الاصل لانه لو صح منعه لم يحصل للصغيرة الاعتداد بالشهور بحال.
(مسألة) (وان يئست ذات القروء في عدتها انتقلت إلى عدة الايسات ثلاثة أشهر) لان العدة لا تلفق من جنسين وقد تعذر اتمامها بالحيض فوجب تكميلها بالاشهر لانها عجزت عن الاصل فانتقلت إلى البدل كمن عجز عن الماء ينتقل إلى التراب فان ظهر بها حمل من الزوج سقط حكم ما مضى وبان لنا أن ما رأته من الدم لم يكن حيضا لان الحامل لا تحيض ولو حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل فولدت لاقل من ستة أشهر منذ انقضت الحيضة الثانية تبينا أن الدم ليس بحيض لانها كانت حاملا مع رؤية الدم والحامل لا تحيض فأما ان حاضت ثلاث حيض ثم ظهر بها حمل يمكن حدوثه بعد العدة بأن تلد لستة أشهر منذ انقضت عدتها لم يلحق الزوج وحكما بصحة الاعتداد وكان هذا الولد حادثا (مسألة) (وان عتقت الامة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة وان كانت بائنا بنت على عدة أمة) هذا قول الحسن والشعبي والضحاك واسحاق وأصحاب الرأي وهو أحد أقوال الشافعي والقول الثاني تكمل عدة أمة سواء كانت بائنا أو رجعية وهو قول مالك وأبي ثور لان الحرية طرأت بعد وجوب العدة عليها فلا يغير حكمها كما لو كانت بائنا أو كما لو طرأت بعد وجوب الاستبراء ولانه معنى يختلف بالرق والحرية فكان الاعتبار بحالة الوجوب كالحد وقال عطاء والزهري وقتادة تبني على عدة حرة بكل حال وهو القول الثالث للشافعي لان سبب العدة الكاملة إذا وجد في اثناء العدة انتقلت إليها وان
كانت بائنا كما لو اعتدت بالشهور ثم حاضت
ولنا أنها إذا أعتقت وهي رجعية فقد وجدت الحرية وهي زوجة تعتد عدة الوفاة لو مات فوجب أن تعتد عدة الحرائر كما لو أعتقت قبل الطلاق، وإن أعتقت وهي بائن فلم توجد الحرية في الزوجية فلم تجب عليها عدة الحرائر كما لو عتقت بعد مضي القرأين ولان الرجعية تنتقل إلى عدة الوفاة لو مات فتنتقل إلى عدة الحرائر، والبائن لا تنتقل إلى عدة الوفاة فلا تنتقل إلى عدة الحرائر كما لو انقضت عدتها وما ذكره مالك يبطل بما إذا مات زوج الرجعية فانها تنتقل إلى عدة الوفاة والفرق بين ما نحن فيه وبين ما إذا حاضت الصغيرة أن الشهور بدل عن الحيض فإذا وجد المبدل زال حكم البدل كالتيمم يجد الماء، وليس كذلك ههنا فان عدة الامة ليست ببدل ولذلك تبني الامة على ما مضى من عدتها اتفاقا وإذا حاضت الصغيرة استأنفت العدة فافترقا وتخالف الاستبراء فان الحرية لو قاربت سبب وجوبه لم يكمل ألا ترى أن أم الولد إذا مات سيدها عتقت لموته ووجب الاستبراء كما يجب على التي لم تعتق ولان الاستبراء لا يختلف بالرق والحرية بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا عتقت الامة تحت العبد فاختارت نفسها اعتدت عدة الحرة لانها بانت من زوجها وهي حرة وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بريرة أن تعتد عدة الحرة وإن طلقها العبد طلاقا رجعيا فأعتقها سيدها بنت على عدة حرة سواء فسخت أو أقامت على النكاح لانها عتقت في عدة رجعية وإن لم يفسخ فراجعها في عدتها فلها الخيار بعد رجعتها فان اختارت الفسخ قبل المسيس فهل تستأنف العدة أو تبنى على ما مضى من عدتها؟ على وجهين فان قلنا تستأنف فانها تستأنف عدة حرة، وان قلنا تبني بنت على عدة حرة.
(فصل) (الخامس من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد سنة تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة) وجملة ذلك أن الرجل إذا طلق زوجته وهي من ذوات الاقراء فلم ترى الحيض في عادتها ولم تدر
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: