الفقه الحنبلي - الحلف و القسم
* (مسألة) * (وان حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة استعارها لم يحنث وان ركب دابة استأجرها حنث)
لانه ملك منافعها بخلاف المستعير وهكذا ذكره أبو الخطاب ولو ركب دابة غصبها
فلان لم يحنث، وفارق مسألة الدار فانه لم يحنث في الدار لكونه استعارها ولا غصبها وانما حنث لسكناه فيها فاضيفت الدار إليه لذلك ولو غصبها أو استعارها من غير ان يسكنها لم تصح إضافتها إليه فلا يحنث الحالف فيكون كمستعير الدابة وغاصبها * (مسألة) * (وان حلف لا يركب دابه عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث)
وكذلك ان حلف لا يدخل دار هذا العبد ولا يلبس ثوبه وعند الشافعي لا يحنث لانه لا يملك شيئا من ذلك والاضافة تقتضي الملك وقد قدمنا الكلام معه فيما مضى ويخص هذا الفصل بان الملكية لا تمكن ههنا فلا تصح الاضافة بمعناها فتعين حمل الاضافة ههنا على إضافة الاختصاص دون الملك * (مسألة) * (وان حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث وان دخل طاق الباب احتمل وجهين) إذا حلف لا يدخل دارا فرقى سطحها حنث، وبه قال مالك وابو ثور واصحاب الرأي وقال الشافعي لا يحنث ولاصحابه فيما إذا كان السطح محجرا وجهان واحتجوا بان السطح يقيها الحر والبرد ويحرزها فهو كحيطانها، ولنا ان سطح الدار منها وحكمه حكمها فحنث بدخوله كالمحجر أو كما لو دخل بين حيطانها ودليل ذلك أن الاعتكاف يصح في سطح المسجد ويمنع الجنب من اللبث فيه، ولو حلف ليخرجن من الدار فصعد سطحها لم يبر ولو حلف ان لا يخرج منها فصعد سطحها لم يحنث، ولانه داخل في حدود الدار ومملوك لصاحبها ويملك بشرائها ويخرج منها من ملك صاحبها ببيعها، والبائت عليه يقال بات في داره وبهذا يفارق ما وراء حائطها، فان كان في اليمين قرينة لفظية أو حالية تقتضي اختصاص الارادة بداخل الدار مثل ان يكون بسطح الدار طريق وسبب يمينه يقتضي ترك وصلة أهل الدار لم يحنث بالمرور على سطحها وكذلك
ان نوى بيمينه باطن الدار تقيدت يمينه بما نواه لانه ليس المرء الا ما نواه، وان دخل طلق الباب احتمل وجهين (أحدهما) يحنث لانه دخل في حدها (والثاني) لا يحنث لانه لا يسمى داخلا وقال
القاضي إذا قام على العتبة لم يحنث لان الباب إذا أغلق حصل خارجا منها ولا يسمى داخلا فيها (فصل) فان تعلق بغصن شجرة في الدار لم يحنث لانه لم يدخلها فان صعد حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها حنث وان لم ينزل بين حيطانها احتمل ان لا يحنث لانه في هوائها وهواؤها ملك لصاحبها فاشبه ما لو قام على سطحها واحتمل ان لا يحنث لانه لا يسمى داخلا ولا هو على شئ من اجزائها وكذلك لو كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع ماد على الدار في مقابلة سطحها وان قام على حائط احتمل وجهين (أحدهما) يحنث وهو قول أبي ثور وأصحاب الرأي لانه داخل في حدها فاشبه القائم على سطحها (والثاني) لا يحنث لانه لا يسمى دخولا (فصل) وان حلف لا يضع قدمه في الدار فدخلها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا حنث كما لو حلف لا يدخلها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال أبو ثور ان دخلها راكبا لم يحنث لانه لم يضع قدمه فيها ولنا أنه قد دخل الدار فيحنث كما لو دخلها ماشيا ولا نسلم أنه لم يضع قدمه فيها فان قدمه
موضوعة على الدابة فيها فاشبه ما لو دخلها منتعلا وعلى ان هذا في العرف عبارة عن اجتناب الدخول فتحمل عليه يمينه، فان قيل هذا مجاز لا يحمل اليمين عليه قلنا المجاز إذا اشتهر صار من الاسماء العرفية فينصرف اللفظ باطلاقه إليه كلفظ الرواية والدابة وغيرهما * (مسألة) * (وان حلف لا يكلم انسانا حنث بكلام كل انسان - لانه فعل المحلوف عليه - فان زجره فقال تنح أو اسكت حنث) لانه كلمه وقال أصحاب أبي حنيفة لا يحنث بالقليل لان هذا تمام الكلام الاول والذي يقتضيه يمينه ان لا يكلمه كلاما مستأنفا ولنا ان هذا القليل كلام منه له حقيقة وقد وجد بعد يمينه فيحنث به كما لو فصله ولان ما يحنث به إذا فصله يحنث به إذا وصله كالكبير، وقولهم ان اليمين تقتضي خطابا مستأنفا قلنا هذا خطاب مستأنف وهو غير الاول بدليل أنه لو قطعه حنث به قال شيخنا وقياس المذهب ان لا يحنث لان قرينة صلته
هذا الكلام بيمينه تدل على ارادة كلام يستأنفه بعد انقضاء هذا الكلام المتصل فلم يحنث كما لو وجدت النية حقيقة ولو نوى كلاما غير هذا لم يحنث بهذا في المذهبين (فصل) فان صلى بالمحلوف عليه إماما ثم سلم من الصلاة لم يحنث نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال أصحاب الشافعي يحنث لانه شرع له ان ينوي السلام على الحاضرين
ولنا أنه قول مشروع في الصلاة فلم يحنث به كتكبيرها وليست نية الحاضرين بسلامه واجبة في السلام وان أرتج عليه في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث لان ذلك كلام الله وليس بكلام الآدميين * (مسألة) * (وان حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معا حنث) لان كل واحد منهما مبتدئ إذ لم يتقدم كلامه كلام سواه (فصل) وان كاتبه أو أرسل إليه رسولا حنث الا ان يكون اراد ان لا يشافهه وهذا قول الاصحاب ومذهب مالك والشافعي في القديم وقد روى الاثرم وغيره عن أحمد في رجل حلف ان لا يكلم رجلا فكتب إليه كتابا فقال وأي شئ كان سبب ذلك؟ انما ننظر إلى سبب يمينه ولم حلف؟ ان الكتاب يجري مجرى الكلام وقد يكون بمنزلة الكلام في بعض الحالات وهذا يدل على أنه لا يحنث بالكتاب الا ان تكون نيته أو سبب يمينه يقتضي هجرانه وترك صلته فان لم يكن كذلك لم يحنث بكتاب ولا رسول لان ذلك ليس بتكليم في الحقيقة وهذا يصح نفيه فيقال ما كلمته انما كاتبته أو راسلته ولذلك قال الله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله - وقال - يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي) ولو كانت الرسالة تكليما لشارك موسى غيره من الرسل ولم يختص بكونه كليم الله ونجيه، وقد قال أحمد حين مات بشر الحافي لقد كان فيه أنس
وما كلمته قط وقد كانت بينهما مراسلة وممن قال لا يحنث بهذا الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر والشافعي في الجديد، واحتج اصحابنا بقول الله تعالى (وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا) فاستثنى الرسول من التكلم والاصل ان يكون المستثنى من جنس
المستثنى منه ولانه موضوع لافهام الآدميين أشبه الخطاب والصحيح ان هذا ليس بتكليم وهذا الاستثناء من غير الجنس كما قال في الآية الاخرى (آيتك ان لا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا) والرمز ليس بتكليم لكن ان نوى ترك مواصلته أو كان سبب يمينه يقتضي هجرانه حنث ولذلك قال أحمد الكتاب يجرى مجرى الكلام وقد يكون بمنزلة الكلام فلم يجعله كلاما انما قال هو بمنزلته في بعض الحالات إذا كان السبب يقتضي ذلك وان اطلق احتمل ان لا يحنث لانه لم يكلمه واحتمل ان يحنث لان الغالب من الحالف بهذه اليمين قصد المواصلة فتعلق يمينه بما يراد في الغالب (فصل) وان اشار إليه ففيه وجهان (أحدهما) يحنث قاله القاضي لانه ليس بكلامه قال الله تعالى لمريم عليها السلام (فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا - إلى قوله - فاشارت إليه) وقال في زكريا (آيتك ان لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا - إلى قوله - فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم ان سبحوا بكرة وعشيا) ولان الكلام حروف وأصوات ولا يوجد في الاشارة ولان
الكلام شئ مسموع وتبطل به الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس " والاشارة خلاف هذا، فان قيل فقد قال الله تعالى (آيتك ان لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) قلنا هذا استثناء من غير الجنس بدليل ما ذكرنا ولصحة نفيه عنه فيقال ما كلمه وإنما أشار إليه.
(فصل) فان ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته حنث نص عليه أحمد فانه سئل عن رجل حلف ان لا يكلم انسانا فناداه والمحلوف عليه لا يس؟ ع قال يحنث وهذا لكون ذلك يسمى تكليما يقال فلم يسمع (فصل) وان سلم على المحلوف عليه حنث لان السلام كلام تبطل به الصلاة فحنث به كغيره من الكلام * (مسألة) * (وان حلف لا يكلمه حينا فذلك ستة أشهر نص عليه) وجملة ذلك انه إذا حلف لا يكلمه حينا فقيد ذلك بلفظه أو نيته بزمن تقيد به وان اطلق انصرف
إلى ستة أشهر روي ذلك عن ابن عباس وبه قال أصحاب الرأي وقال مجاهد والحكم وحماد ومالك هو سنة لقوله تعالى (تؤتي أكلها كل حين باذن ربها) اي كل عام وقال الشافعي وأبو ثور ليس هو مقدرا ويبر بادنى زمن لان الحين اسم مبهم يقع على الكثير والقليل، قال الله تعالى (ولتعلمن نبأه بعد حين) قيل اراد يوم القيامة، وقال (هل أتى على الانسان حين من الدهر؟ - وقال - فذرهم في غمرتهم حتى حين - وقال - حين تمسون وحين تصبحون) ويقال جئت منذ حين وإن كان اتاه من ساعة ولنا ان الحين المطلق في كلام الله تعالى اقله ستة اشهر قال عكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيد في قوله تعالى (تؤتي أكلها كل حين باذن ربها) إنه ستة أشهر فيحمل مطلق كلام الآدمي على مطلق كلام الله تعالى ولانه قول ابن عباس ولا نعلم له في الصحابة مخالفا وما استشهدوا به من المطلق في كلام الله تعالى فما ذكرناه أقله فيحمل عليه لانه اليقين * (مسألة) * (وان قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا أو الزمان رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ) وكذلك وقتا أو طويلا أو بعيدا أو قريبا في قول أبي الخطاب وهو مذهب الشافعي لان هذه الاشياء لا حد لها في اللغة وتقع على القليل والكثير فوجب حمله على أقل ما تناوله اسمه وقد يكون القريب بعيدا بالنسبة إلى ما هو أقرب منه أو قريبا بالنسبة إلى ما هو أبعد منه ولا يجوز التحديد بالتحكم
وانما يصار إليه بالتوقيف ولا توقيف ههنا فيجب حمله على اليقين وهو أقل ما تناوله الاسم وقال ابن أبي موسى الزمان ثلاثة أشهر وقيل هو كالابد والدهر وهو اقيس لانه بالالف واللام فهو على معناهما وقال طلحة العاقولي: الحين والعمر والزمان واحد لانهم لا يفرقون في العادة بينها والناس يقصدون بذلك البعيد فلو حمل على القليل حمل على خلاف قصد الحالف، ودهر يحتمل أنه كالحين أيضا لهذا المعنى وقال في بعيد وطويل وملي هو على أكثر من شهر وهذا قول أبي حنيفة لان ذلك ضد القليل فلا يجوز حمله على ضده * (مسألة) * (وان قال عمرا احتمل أنه كذلك واحتمل أن يكون أربعين عاما)
واحتمل ان يكون كالحين وهو قول طلحة العاقولي واحتمل ان يكون أربعين عاما لقول الله تعالى (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله) وكان ذلك أربعين سنة فيجب حمل الكلام عليه ولان العمر في الغالب لا يكون الا مدة طويلة فلا يحمل على خلاف ذلك وهذا قول حسن قاله شيخنا وقال القاضي هذه الالفاظ كلها مثل الحين قياسا الا بعيدا ومليا فانه على أكثر من شهر لانه يقتضي البعيد * (مسألة) * (وان قال الابد والدهر فذلك على الزمان كله) لان الالف واللام للاستغراق تقتضي الدهر كله وكذلك الزمان في الصحيح وقد ذكرناه
* (مسألة) * (والحقب ثمانون عاما وقال مالك أربعون يوما) لان ذلك يروى عن ابن عباس وقال القاضي وأصحاب الشافعي هو أدنى زمان لانه لم ينقل عن أهل اللغة فيه تقدير ولنا ما روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى (لابثين فيها أحقابا) الحقب ثمانون سنة وما ذكره القاضي وأصحاب الشافعي لا يصح لان قول ابن عباس حجة لان ما ذكروه يفضي إلى حمل كلام الله تعالى (لابثين فيها أحقابا - وقول موسى - أو أمضي حقبا) إلى اللكنة لانه أخرج ذلك مخرج التكثير فإذا صار معنى ذلك لابثين فيها ساعات أو لحظات أو أمضي لحظات أو ساعات صار مقتضى ذلك التقليل وهو ضد ما أراد الله تعالى بكلامه وضد المفهوم منه ولم يذكره أحد من المفسرين فيما نعلم فلا يجوز تفسير الحقب به * (مسألة) * والشهور اثنا عشر عند القاضي وعند أبي الخطاب ثلاثة كالاشهر) أما الاشهر فهي ثلاثة لانها أقل الجمع وأما الشهور فاختار أبو الخطاب أنها ثلاثة أيضا لذلك ولان جمع الكثرة يستعمل بمعنى القلة كقوله تعالى (ثلاثة قروء) وقال القاضي وغيره هي اثنا عشر شهرا ولان الشهور جمع الكثرة وأقله عشرة فلا يحمل على ما يحمل عليه جمع القلة * (مسألة) * (والايام ثلاثة) لانها أقل الجمع قال الله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) وهي أيام التشريق)
(فصل) وان حلف لا يتكلم ثلاث ليال أو ثلاثة أيام لم يكن له ان يتكلم في الايام التي بين الليالي ولا في الليالي التي بين الايام الا ان ينوي قال الله تعالى (آيتك ان لا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا) وفي موضع آخر ثلاث ليال سويا فكان كل واحد من اللفظين عبارة عن الزمانين جميعا وقال تعالى (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر) فدخل فيه الليل والنهار * (مسألة) * (وان حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث) إذا حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب لم يحنث لان يمينه لم تتناول غير الباب ويتخرج ان يحنث إذا أراد بيمينه اجتناب الدار ولم يكن الباب سبب هيج يمينه كما لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار فاوى معها في غيرها وان حول بابها إلى مكان آخر فدخل منه حنث لانه دخلها من بابها وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي.
وان حلف لا دخلت من باب هذه الدار فكذلك وان جعل لها باب آخر مع بقاء الاول فدخل منه حنث لانه دخل من باب الدار وان قلع الباب ونصب في دار أخرى وبقي الممر حنث بدخوله ولم يحنث بالدخول من الموضع الذي نصب فيه الباب لان الدخول في الممر لا من المصراع * (مسألة) * (وان حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه باوله)
لان إلى لانتهاء الغاية فتنتهي عند أول الغاية كقوله سبحانه (ثم اتموا الصيام إلى الليل) ويحتمل ان تتناول جميع مدته لان إلى تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى (ويزدكم قوة إلى قوتكم - وقوله - ولا تأكلوا أموالهم إلى اموالكم - وقوله - وأيديكم إلى المرافق) * (مسألة) * (وان حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث) إذا حلف لا يملك مالا حنث بملك كل ما يسمى مالا سواء كان من الاثمان أو غيرها من العقار والاثاث والحيوان وبهذا قال الشافعي وعن أحمد أ؟؟ إذا نذر الصدقة بجميع ماله انما يتناول نذره الصامت من ماله ذكرها ابن أبي موسى لان اطلاق المال ينصرف إليه وقال أبو حنيفة لا يحنث الا ان يملك مالا زكويا استحسانا لان الله تعالى قال (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) فلا يتناول الا الزكوي
ولنا ان غير الزكوية أموال قال الله تعالى (أن تبتغوا باموالكم) وهي مما يجوز ابتغاء النكاح بها وقال أبو طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم ان أحب أموالي الي ببرحا يريد حديقة وقال عمر أصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط هو انفس عندي منه وقال أبو قتادة اشتريت مخرفا فكان اول مال تأثلته وفي حديث آخر " المال سكة مأثورة أو مهرة مأمورة " ويقال خير المال عين خرارة في ارض خوارة ولانه يسمى مالا فحنث به؟ لزكوي واما قوله تعالى (وفي اموالهم حق) فالحق ههنا غير الزكاة لان هذه الآية
مكية نزلت قبل فرض الزكاة لان الزكاة انما فرضت بالمدينة ثم لو كان لحق الزكاة فلا حجة فيها فان الحق إذا كان في بعض المال كان في المال كما ان من هو في بيت في بلدة فهو في البيت وفي البلدة قال الله تعالى (وفي السماء رزقكم وما توعدون) ولا يلزم ان يكون في جميع اقطارها، ثم لو اقتضى هذا العموم لوجب تخصيصه فان ما دون النصاب مال ولا زكاة فيه وان كان له دين حنث وهكذا ذكره أبو الخطاب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا يحنث لانه لا ينتفع به ولنا أنه ينعقد عليه حول الزكاة ويصح اخراجها عنه ويصح التصرف فيه بالابراء والحوالة والمعاوضة عنه لمن هو في ذمته والتوكيل في استيفائه فحنث به كالمودع (فصل) وان كان له مال مغصوب حنث لانه باق على ملكه وان كان له مال ضائع ففيه وجهان (أحدهما) يحنث لان الاصل بقاؤه على ملكه (والثاني) لا يحنث لانه لا يعلم بقاؤه فان ضاع على وجه قد أيس من عوده كالذي سقط في بحر لم يحنث لان وجوده كعدمه، ويحتمل ان لا يحنث في كل موضع لا يقدر على أخذ ماله كالمجحود والمغصوب والدين على غير ملئ لانه لا نفع فيه وحكمه حكم المعدوم في جواز الاخذ من الزكاة وانتفاء وجوب ادائها عنه وان تزوج لم يحنث لان ما ملكه ليس بمال وكذلك ان وجب له حق شفعة لانه لم يثبت له الملك به وان استأجر عقارا أو غيره لم يحنث لانه لا يسمى مالكا لمال * (مسألة) * (وان حلف لا يفعل شيئا فوكل من يفعله حنث الا ان ينوي)
لان الفعل ينسب إلى الموكل كما ينسب إلى الوكيل فيحنث به كما لو حلف لا يحلق رأسه فامر من يحلقه فانه يحنث لان الفعل منسوب إليه ولذلك تجب الفدية على من حلق رأسه باذنه في الاحرام وان كانت نيته ان لا يباشر بنفسه لم يحنث لان الايمان مبناها على النية (فصل) فاما الاسماء العرفية فهي اسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة كالرواية والظعينة والدابة والغائط والعذرة ونحوها فيتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة لان الحقيقة صارت فيها مغمورة لا يعرفها أكثر الناس كالراوية للمزادة في العرف وفي الحقيقة الجمل الذي يستقى عليه، والغائط والعذرة في العرف للخارج المستقذر وفي الحقيقة الغائط المكان المطمئن والعذرة فناء الدار، والظعينة في العرف للمرأة وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها والدابة في الحقيقة لكل ما يدب قال الله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على اربع) وفي العرف اسم للبغال والخيل والحمير فلهذا قلنا اليمين تنصرف إلى العرف دون الحقيقة لانه لا يعلم أن الحالف لا يريد غيره فصار كالمصرح به * (مسألة) * (وان حلف على وطئ امرأة تعلقت يمينه بجماعها) لانه الذي يصرف اللفظ في العرف إليه وكذلك إذا حلف على وطئ زوجته صار موليا منها
* (مسألة) * (وان حلف على وطئ دار تعلقت يمينه بدخولها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منعلا) لان هذا في العرف عبارة عن اجتناب الدخول فيحمل اليمين عليه باطلاقه كلفظ الرواية والدابة وغيرهما * (مسألة) * (وان حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين أو لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس انه لا يحنث وقال بعض أصحابنا يحنث) إذا حلف لا يشم الريحان فانه في العرف اسم يختص الريحان الفارسي وفي الحقيقة اسم لكل نبت أو زهر طيب الريح مثل الورد والبنفسج والنرجس وقال القاضي لا يحنث الا بشم الريحان الفارسي وهو مذهب الشافعي لان الحالف لا يريد بيمينه في الظاهر سواه وقال أبو الخطاب يحنث
بشم ما يسمى في الحقيقة ريحانا ولا يحنث بشم الفاكهة وجها واحدا وان حلف لا يشم وردا ولا بنفسجا فشم دهنهما أو ماء الورد فقال القاضي لا يحنث وهو مذهب الشافعي لانه لم يشم وردا ولا بنفسجا وقال أبو الخطاب يحنث لان الشم انما هو للرائحة دون الذات ورائحة الورد والبنفسج موجودة فيهما
وقال أبو حنيفة يحنث بشم دهن البنفسج لانه يسمى وردا والاول أقرب إلى الصحة ان شاء الله تعالى فان شم الورد والبنفسج اليابس حنث وقال بعض اصحاب الشافعي لا يحنث كما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل تمرا ولنا ان هذا اسمه وحقيقته باقية فيحنث به كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل قديدا وفارق ما ذكروه فان التمر ليس برطب ولا يسمى رطبا * (مسألة) * (وان حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند الخرقي ولم يحنث عند ابن أبي موسى) إذا حلف لا يأكل لحما ولم يرد لحما بعينه فأكل من الانعام أو الصيد أو الطير حنث في قول عامة علماء الامصار وأما السمك فظاهر المذهب أنه يحنث بأكله وبهذا قال قتادة والثوري ومالك وأبو يوسف وقال ابن أبي موسى في الارشاد لا يحنث الا ان ينويه وهذا قول أبي نيفة والشافعي لانه لا ينصرف إليه اطلاق اسم اللحم ولو وكل وكيلا في شراء اللحم فاشترى له سمكا لم يلزمه ويصح ان ينفى عنه الاسم فيقول ما أكلت لحما انما أكلت سمكا فلم يتعلق به الحنث عند الاطلاق كما
لو حلف لاقعدت تحت سقف فانه لا يحنث بقعوده تحت السماء وقد سماه الله سقفا محفوظا لانه مجاز كذا ههنا ولنا قول الله تعالى (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا) ولانه من جسم حيوان ويسمى لحما فحنث بأكله كلحم الطير وما ذكروه يبطل بلحم الطائر، وأما السماء فان الحالف لا يقعد تحت سقف لا يمكنه التحرز من القعود تحتها فيعلم انه لم يردها بيمينه ولان التسمية ثم مجاز وههنا حقيقة لكونه من جسم حيوان يصلح للاكل فكان الاسم فيه حقيقة كلحم الطير حيث قال الله تعالى (ولحم طير مما يشتهون)
* (مسألة) * (وان حلف لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث يأكل رءوس الطير والسمك والجراد عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يحنث الا بأكل رأس كل حيوان جرت العادة بأكله منفردا أو بيض بزايل بائضه في حال الحياة) إذا حلف لا يأكل رأسا فانه يحنث باأكل رأس كل حيوان من الابل والصيود والحيتان والجراد ذكره القاضي وقال أبو الخطاب لا يحنث الا بأكل رأس جرت العادة ببيعه للاكل منفردا
وقال الشافعي لا يحنث الا بأكل رءوس بهيمة الانعام دون غيرها الا ان يكون ببلد تكثر فيه الصيود وتميز رؤوسها فيحنث باكلها، وقال أبو حنيفة لا يحنث بأكل روس الابل لان العادة لم تجر ببيعها للاكل منفردة وقال صاحباه لا يحنث الا بأكل رءوس الغنم لانها التى تباع في الاسواق دون غيرها فيمينه تنصرف إليها، ووجه الاول ان هذه رءوس حقيقة وعرفا وهي مأكولة فيحنث بأكلها كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم النعام والزرافة وما يندر وجوده وبيعه، وأما إذا حلف لا يأكل بيضا فيحنث بأكل بيض كل حيوان كثر وجوده كبيض الدجاج أو قل كبيض النعام وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي لا يحنث بأكل بيض النعام وقال أبو ثور لا يحنث إلا بأكل بيض الدجاج وما يباع في السوق ولنا ان هذا كله بيض حقيقة وعرفا وهو مأكول فيحنث بأكله كبيض الدجاج ولانه أو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء البحر أو ماء نجسا أو لا يأكل خبزا فأكل خبز الارز والذرة في مكان لا يعتاد أكله فيه حنث، فأما ان أكل بيض السمك والجراد فقال القاضي يحنث لانه بيض حيوان اشبه بيض النعام وقال أبو الخطاب لا يحنث الا بأكل بيض يزايل بائضه حال الحياة وهذا قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وأكثر العلماء وهو الصحيح لان هذا لا يفهم من اطلاق
اسم البيض ولا يذكر الا مضافا إلى بائضه ولا يحنث بأكل شئ يسمى بيضا غير بيض الحيوان ولا شئ يسمى رأسا غير رءوس الحيوان لان ذلك ليس برأس ولا بيض في الحقيقة * (مسألة) * (وان حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب
فركب سفينة حنث عند اصحابنا ويحتمل ان لا يحنث) وجملة ذلك انه إذا حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما حنث نص عليه أحمد ويحتمل ان لا يحنث وهو قول أكثر الفقهاء لانه لا يسمى بيتا في العرف والاول المذهب لانهما بيتان حقيقة وقد سمى الله عزوجل المساجد بيوتا فقال (في بيوت اذن الله ان ترفع - وقال - ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا) وروي في حديث " المسجد بيت كل تقي " وروي في الحديث " بئس البيت الحمام " فإذا كان في الحقيقة بيتا وفي عرف الشرع حنث بدخوله كبيت الانسان وان دخل بيت شعر أو أدم حنث سواء كان الحالف حضريا أو بدويا فان اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا قال الله تعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها) وأما مالا يسمى في العرف بيتا كالخيمة فالاولى ان لا يحنث بدخوله من لا يسميه بيتا لان يمينه لا تنصرف إليه وإن دخل دهليز دار وصفتها لم يحنث وهو قول بعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة يحنث لان جميع الدار بيت
ولنا انه لا يسمى بيتا ولهذا يقال ما دخل البيت وانما وقف في الصحن فان حلف لا يركب فركب سفينة حنث وهو قول أبي الخطاب لانه ركوب قال الله تعالى (اركبوا فيها بسم الله مجريها) وقال (فإذا ركبوا في الفلك) ويحتمل ان لا يحنث لانه لا يسمى في العرف ركوبا.
* (مسألة) * (وان حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث).
إذا حلف لا يتكلم فقرأ لم يحنث وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان قرأ في الصلاة لم يحنث وان قرأ خارجا منها حنث لانه يتكلم بكلام الله تعالى وان ذكر الله تعالى لم يحنث ومقتضى مذهب أبي حنيفة أنه يحنث ولانه كلام الله قال الله تعالى (والزمهم كلمة التقوى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " ولنا ان الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله يحدث من أمره ما شاء وانه قد أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة " لم يتناول المختلف فيه وقال زيد بن
ارقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقال الله تعالى (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وقال (آيتك ان لا تكلم الناس ثلاثة أيام الا رمزا - واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار) فأمره بالتسبيح مع قطع الكلام عنه ولان مالا
يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها كالاشارة وما ذكروه يبطل بالقراءة والتسبيح في الصلاة وذكر الله المشروع فيها وان استأذن عليه إنسان فقال (ادخلوها بسلام آمنين) يقصد القرآن لم يحنث، لان هذا من القرآن فلا يحنث به ولذلك لا تبطل الصلاة به وان لم يقصد القرآن حنث لانه من كلام الناس.
* (مسألة) * (وان حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث) لانه يقصد ترك تأليمها وقد آلمها فاما ان عضها بتلذذ ولم يقصد تاليمها لم يحنث وان حلف ليضربنها ففعل ذلك بر لوجود المقصود بالضرب.
* (مسألة) * (وان حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه).
وبهذا قال مالك وأصحاب الرأي وقال ابن حامد يبر، لان احمد قال في المريض عليه الحد يضرب بعثكال النخل ويسقط عنه الحد، وبهذا قال الشافعي إذا علم أنها مسته كلها وان علم انها لم تمسه كلها لم يبر وان شك لم يحنث في الحكم لان الله تعالى قال (فخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المريض الذي زنى " خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة واحدة " ولانه ضرب بمائة سوط فبر في يمينه كما لو فرق الضرب.
ولنا ان معنى يمينه أن يضربه مائة ضربة ولم يضربه إلا ضربة واحدة، الدليل على هذا أنه لو ضربه مائة ضربة بسوط بر بغير خلاف ولو عاد العدد إلى السوط لم يبر بالضرب بسوط واحد كما لو حلف ليضربنه بعشرة أسواط ولان السوط ههنا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصب انتصابه لان معنى كلامه لاضربنه مائة ضربة بسوط وهذا هو المفهوم من يمنيه والذي يقتضيه لغة فلا يبر
بما يخالف ذلك، وأما ايوب عليه السلام فان الله تعالى أرخص له رفقا بامرأته لبرها به واحسانها إليه ليجمع له بين بره في يمينه ورفقه بامرأته ولذلك امتن عليه بهذا وذكره في جملة ما من به عليه من معافاته من بلائه واخراج الماء له فيختص هذا به كاختصاصه بما ذكر معه ولو كان هذا الحكم عاما بكل أحد لما خص ايوب بالمنة عليه، وكذلك المريض الذي يخاف تلفه ارخص له بذلك في الحد دون غيره وإذا لم يتعده هذا الحكم في الحد الذي ورد النص به فيه فلان لا يتعداه إلى اليمين أولى ولو خص بالبر من له عذر يبيح العدول في الحد إلى الضرب بالعثكال لكان له وجه اما بعد تعديته إلى غيره فبعيد جدا.
[ فصل ] ولو حلف ان يضربه بعشرة اسواط فجمعها فضربه بها بر لانه قد فعل ما حلف عليه وان حلف ليضربنه عشر ضربات فكذلك إلا وجها لاصحاب الشافعي انه يبر وليس بصحيح لان
هذه ضربة واحدة باسواط ولهذا يصح ان يقال ما ضربته واحدة ولو حلف لا يضربه أكثر من ضربة واحدة ففعل هذا لم يحنث في يمينه.
و [ فصل ] ولا يبر حتى يضربه ضربا يؤلمه، وبهذا قال مالك وقال الشافعي يبر بما لم يؤلم لان الاسم يتناوله فوقع البر به كالمؤلم.
ولنا ان هذا يقصد به في العرف التأليم فلا يبر بغيره وكذلك كل موضع وجب الضرب في الشرع في حد أو تعزير كان من شرطه التأليم كذا ههنا.
* (فصل) * إذا حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل ان لا يأكل لبنا فاكل زبدا أو لا ياكل سمنا فاكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا ياكل بيضا ناطفا أو لا ياكل شحما فاكل اللحم الاحمر أو لا ياكل شعيرا فاكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث وان ظهر طعم السمن أو طعم شئ من المحلوف عليه حنث وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الاحمر وحده وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير) اما إذا حلف لا ياكل لبنا فاكل زبدا لا يظهر فيه طعم اللبن لم يحنث لانه لم ياكل لبنا فاشبه ما لو أكل كشكا وكذلك ان حلف لا ياكل سمنا فاكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه
لا يحنث لذلك، فاما ان ظهر طعم شئ من المحلوف عليه حنث كما لو أكل كل واحد منفردا، وان حلف لا ياكل بيضا فاكل ناطفا لم يحنث لانه لا يسمى بيضا.
(مسألة) وان حلف لا ياكل شحما فاكل اللحم الاحمر فقال الخرقي يحنث لان الشحم ما يذوب بالنار مما في الحيوان والعرف يشهد لقوله وهو ظاهر قول أبي الخطاب واللحم لا يكاد يخلو من شئ منه فيحنث به، وان قل لانه يظهر في الطبيخ فيبين على وجه المرق وفارق، من حلف لا ياكل سمنا فاكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه ولا لونه، لان هذا قد يظهر الدهن فيه وقال غير الخرقي من اصحابنا لا يحنث، قال شيخنا وهو الصحيح لانه لا يسمى شحما ولا يظهر فيه طعمه ولا لونه والذي يظهر في المرق قد فارق اللحم فلا يحنث باكل اللحم الذي كان فيه فان حلف لا ياكل شعيرا فاكل حنطة فيها حبات شعير فقال غير الخرقي يحنث لانه أكل شعيرا فأشبه ما لو أكله منفردا أو حلف لا ياكل رطبا فاكل منصفا والاولى ان لا يحنث لانه مستهلك في الحنطة اشبه السمن في الخبيص الذي لا يظهر طعمه، وان نوى بيمينه ان لا ياكل الشعير منفردا أو كان السبب يقتضي ذلك أو يقتضي اكل شعير يظهر اثر اكله لم يحنث بذلك * (فصل) * قال رضي الله عنه (فان حلف لا ياكل سويقا فشربه أو لا يشربه فاكله فقال الخرقي يحنث وقال أحمد من حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان وقال القاضي ان عين المحلوف عليه حنث وإلا فلا)
وجملة ذلك ان من حلف لا يأكل شيئا فشربه أو لا يشربه فأكله فقد نقل عن احمد ما يدل على روايتين (احداهما) يحنث لان اليمين على ترك أكل شئ أو شربه يقصد بها في العرف اجتناب ذلك الشئ فحملت اليمين عليه ألا ترى إلى قوله تعالى (ولا تأكلوا اموالهم - وان الذين ياكلون أموال اليتامى) لم يرد به الاكل على الخصوص؟ ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل لكان ناهيا عن شربه (والثانية) لا يحنث وهو مذهب الشافعي وأبي ثور واصحاب الرأي، لان الافعال انواع
كاليمين ولو حلف على نوع من الاعيان لم يحنث بغيره كذلك الافعال، وقال القاضي انما الروايتان فيمن عين المحلوف عليه مثل من حلف لا أكلت هذا السويق فشربه أو لا يشربه فاكله أما إذا اطلق فقال لا أكلت سويقا فشربه أو لا يشربه فاكله لم يحنث رواية واحدة لا يختلف المذهب فيه وهذا يخالف ما ذكرنا ههنا من الاطلاق ومخالف لما أطلقه الخرقي، وليس للتعيين اثر في الحنث وعدمه فان الحنث في المعين إنما كان لتناوله ما حلف عليه وإجراء معنى الاكل والشرب على التناول العام فيهما وهذا لا فرق فيه بين التعيين وعدمه وعدم الحنث معلل بانه لم يفعل الفعل الذي حلف على تركه وانما فعل غيره وهذا في المعين كهو في المطلق لعدم الفارق بينهما، ولان الرواية في الحنث أحدث من كلام الخرقي وليس فيه تعيين ورواية عدم الحنث احدث من رواية مهنا عن احمد فيمن حلف لا يشرب هذا النبيذ فاكله لا يحنث لانه لا يسمى شربا وهذا في المعين فان عديت كل رواية
إلى محل الاخرى وجب أن يكون في الجميع روايتان، وان قصرت كل رواية على محلها كان الامر على خلاف ما قال القاضي وهو ان يحنث في المطلق ولا يحنث في المعين.
(فصل) فان حلف ليشربن شيئا فأكله أو ليأكلنه فشربه خرج فيه وجهان بناء على الروايتين في الحنث إذا حلف على الترك ومتى تقيدت يمينه بنية أو سبب يدل عليها كانت يمينه على ما نواه أو دل عليه السبب لان الايمان على النية (فصل) فان حلف لا يشرب شيئا فمصه ورمى به فقد روي عن أحمد فيمن حلف لا يشرب فمص قصب السكر لا يحنث وقال ابن ابي موسى إذا حلف لا يأكل ولا يشرب فمص قصب السكر لا يحنث وهذا قول أصحاب الرأي فانهم قالوا إذا حلف فمص حب رمان ورمى بالتفل لا يحنث لانه ليس بأكل ولا شرب ويجئ على قول الخرقي أنه يحنث لانه قد تناوله فوصل إلى حلقه وبطنه فيحنث به على ما قلناه فيمن حلف لا يأكل شيئا فشربه أو لا يشربه فأكله وان حلف لا يأكل سكرا فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه خرج على الروايتين * (مسألة) * (فان حلف لا يطعم شيئا حنث بأكله وشربه ومصه)
لان ذلك كله طعم قال الله تعالى في النهر (من ولم يطعمه)
* (مسألة) * (وان ذاقة ولم يبتلعه لم يحنث) في قولهم جميعا لانه ليس بأكل ولا شرب ولذلك لا يفطر به الصائم، وان حلف لا يذوقه فأكله أو شربه أو مصه حنث لانه ذوق وزيادة وكذلك ان مضغه ورمى به لانه قد ذاقه * (مسألة) * (وان حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث) لان ذلك يسمى اكلا ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلوا الزيت وادهنوا به " (فصل) وان حلف ليأكلن أكلة بالفتح لم يبر حتى يأكل ما يعده الناس أكلة وهي المرة من الاكل والاكلة بالضم اللقمة ومنه " فليناوله في يده أكلة أو أكلتين " * (فصل) * وان حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث) في قولهم جميعا لانه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة فلا يقال تزوجت شهرا ولا تطهرت شهرا ولا تطيبت شهرا وإنما يقال منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة ابتدائهما في تحريمه في الاحرام * (مسألة) * (وان حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك حنث) من حلف لا يلبس ثوبا هو لابسه فنزعه في الحال والا حنث وكذلك ان حلف لا يركب دابة هو راكبها فنزل في أول حالة الامكان والاحنث وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال أبو ثور
لا يحنث باستدامة اللبس والركوب حتى يبتدئه لانه لو حلف ان لا يتزوج ولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث كذا ههنا ولنا ان استدامة اللبس والركوب تسمى لبسا وركوبا ويسمى لابسا وراكبا ولذلك يقال لبست هذا الثوب شهرا وركبت دابتي يوما فحنث باستدامته كما لو حلف لا يسكن فاستدام السكنى وقد اعتبر الشرع هذا في الاحرام حيث حرم لبس المخيط وأوجب الكفارة في استدامته كما أوجبها
في ابتدائه، وفارق التزويج فانه لا يطلق على الاستدامة فلا يقال تزوجت شهرا وانما يقال منذ شهر ولهذا لم تحرم استدامته في الاحرام ويحرم ابتداؤه * (مسألة) * (وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فاقام فيها حنث عند القاضي ولم يحنث عند أبي الخطاب) وجه قول القاضي ان استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم قال أحمد في رجل حلف على امرأته لا دخلت انا وانت هذه الدار وهما جميعا فيها قال أخاف ان يكون قد حنث [ والثاني ] لا يحنث اختاره أبو الخطاب وهو قول أصحاب الرأي لان الدخول لا يستعمل في الاستدامة ولهذا يقال دخلتها منذ شهر ولا يقال دخلتها شهرا فجرى مجرى التزويج ولان الدخول الانفصال من خارج إلى داخل ولا يوجد في الاقامة وللشافعي قولان كالوجهين، ويحتمل أن من أحنثه
انما كان لان ظاهر حال الحالف أنه يقصد هجران الدار ومباينتها والاقامة فيها تخالف ذلك فجرى مجرى الحالف على ترك السكنى بها (فصل) وان حلف لا يضاجع امرأته على فراش وهما متضاجعان فاستدام ذلك حنث لان المضاجعة تقع على الاستدامة ولهذا يقال اضطجع على الفراش ليلة وان كان هو مضطجعا على الفراش وحده فاضطجعت عنده عليه نظرت، فان قام لوقته لم يحنث وان استدام حنث لما ذكرنا، وان حلف لا يصوم وهو صائم فأتم يومه فقال القاضي لا يحنث ويحتمل ان يحنث لان الصوم يقع على الاستدامة يقال صام يوما، ولو شرع في صوم يوم العيد حرمت عليه استدامته وان حلف لا يسافر وهو مسافر فاخذ في العود أو اقام لم يحنث وان مضى في سفره حنث لان الاستدامة سفر ولهذا يقال سافرت شهرا * (مسألة) * (وان حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فاقام معه فعلى الوجهين) * (مسألة) * (وان حلف لا يمكن دارا ولا يساكن فلانا وهما متساكنان ولم يخرج في الحال حنث إلا ان يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى ان يمكنه) وجملة ذلك انه إذا حلف لا يسكن دارا هو ساكنها خرج من وقته فان أقام فيها بعد يمينه زمنا يمكنه الخروج حنث لان استدامة السكنى سكنى كابتدائها في وقع السكنى عليها الا تراه
يقول سكنت في هذه الدار شهرا كما يقول لبست هذا الثوب وبهذا قال الشافعي، فان اقام لنقل رحله وقماشه لم يحنث لان الانتقال لا يكون الا بالاهل والمال فيحتاج إلى ان ينقل ذلك معه حتى يكون منتقلا وحكي عن مالك أنه ان أقام دون اليوم والليلة لم يحنث لان ذلك قليل يحتاج إليه في الانتقال فلم يحنث به وعن زفر أنه يحنث وان انتقل في الحال لانه لابد ان يكون ساكنا عقيب يمينه ولو لحظة فحنث بها وليس بصحيح فانه لا يمكن الاحتراز منه لانه لا يراد باليمين ولا تقع عليه اما إذا اقام زمنا يمكنه الانتقال فيه فانه يحنث لانه فعل ما يقع عليه اسم السكنى فحنث به كموضع الاتفاق الا ترى أنه لو حلف لا يدخل الدار فدخل إلى اول جزء منها يحنث وان كان قليلا * (مسألة) * (وان أقام لنقل أهله ومتاعه لم يحنث) وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي يحنث ولنا ان الانتقال انما يكون بالاهل والمال على ما سنذكره فلا يمكنه التحرز من هذه الاقامة فلا يقع اليمين عليها وعلى هذا لو خرج بنفسه وترك أهله وماله في المسكن مع إمكان نقلهم عنه حنث وقال الشافعي لا يحنث إذا خرج بنية الانتقال لانه إذا خرج بنية الانتقال فليس بساكن لانه يجوز أن يريد السكنى وحده دون أهله وماله
ولنا ان السكنى تكون بالاهل والمال ولهذا يقال فلان ساكن في البلد الفلاني وهو غائب عنه بنفسه، وإذا نزل بلدا بأهله وماله يقال سكنه، وقولهم انه نوى السكنى بنفسه لا يصح فان من خرج إلى مكان لينقل اهله إليه ولم ينو السكنى به بنفسه منفردا عن اهله الذي في الدار لم يحنث فيما بينه وبين الله تعالى ذكره القاضي وعن مالك انه اعتبر نقل عياله دون ماله والاولى ان شاء الله انه إذا انتقل بأهله فسكن في موضع آخر انه لا يحنث وان بقي متاعه في الاولى لان مسكنه حيث حل اهله به ونوى الاقامة به ولهذا لو حلف
لا يسكن دارا لم يكن ساكنا بها فنزلها بأهله ناويا للسكني بها حنث وقال القاضي ان نقل إليها ما يتأثث به ويستعمله في منزله فهو ساكن وان سكنها بنفسه * (مسألة) * (وان خرج دون اهله ومتاعه حنث) لما ذكرنا في المسألة قبلها الا ان يودع متاعه أو بعيره أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه اكراهها فيخرج وحده فلا يحنث
(فصل) وان أكره على المقام لم يحنث لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وكذلك ان كان في جوف الليل في وقت لا يجد منزلا يتحول إليه أو تحول بينه وبين المنزل أبواب مغلقة لا يمكنه فتحها أو خوف على نفسه أو اهله أو ماله فاقام في طلب النقلة أو انتظار الزوال المانع منها أو خرج طالبا للنقلة فتعذرت عليه اما لكونه لم يجد مسكنا يتحول إليه لتعذر الكراء أو غيره.
أو لم يجد بهائم ينتقل عليها ولا يمكنه النقلة بدونها فأقام ناويا للنقلة متى قدر
عليها لم يحنث وان أقام أياما وليالي، لان اقامته من غير اختيار منه لعدم تمكنه من النقلة فانه إذا لم يجد مسكنا لا يمكنه ترك أهله أو القاء متاعه في الطريق فلم يحنث به كالمقيم للاكراه، فان أقام في هذا الوقت غيرنا وللنقلة حنث ويكون نقله لما يحتاج إلى نقله على ما جرت العادة فلو كان ذا متاع كثير فنقله قليلا قليلا على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد لم يحنث وان أقام أياما، ولا يلزمه
جمع دواب البلد لنقله.
ولا النقل بالليل ولا وقت الاستراحة عند التعب، ولا أوقات الصلوات لان العادة لم تجر بالنقل فيها (فصل) ولو وهب رحله أو أودعه أو أعاره وخرج وحده لم يحنث لان يده زالت عن المتاع وكذلك ان أبت امرأته الخروج معه ولم يمكنه اكراهها أو كان له عائلة فامتنعوا من الخروج والانتقال، ولم يمكنه اخراجهم فتركهم لم يحنث لان هذا مما لم يمكنه فأشبه ما لم يمكنه نقله من
رحله، وان تردد إلى الدار لنقل المتاع أو عائدا أو زائرا لصديق لم يحنث، وقال القاضي ان دخلها ومن رأيه الجلوس عنده حنث والا فلا ولنا ان هذا ليس بسكنى ولذلك لو حلف ليسكنن دارا لم يبر بالجلوس فيها على هذا الوجه، ولا يسمى ساكنا بها بهذا القدر فلم يحنث كما لو لم ينو الجلوس
(فصل) وان حلف لا يساكن فلانا وهو مساكنه فالحكم في الاستدامة علي ما ذكرنا في الحلف على السكنى وان انتقل أحدهما وبقي الآخر لم يحنث لزوال المساكنة * (مسألة) * (وان حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائط وهما متساكنان حنث وان كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها وطريقها فسكن كل واحد حجرة لم يحنث) إذا كان في دار واحدة حالة اليمين فخرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحدة
منهما بابا وبينهما حاجز ثم سكن كل واحد منهما في حجرة لم يحنث لانهما غير متساكنين، وإن بنيا الحاجز بينهما وهما متساكنان حنث لانهما تساكنا قبل انفراد إحدى الدارين من الاخرى وهذا قول الشافعي ولا نعمل فيه خلافا (فصل) وان سكنا في دار واحدة كل واحد في بيت ذي باب وغلق رجع إلى نيته بيمينه
أو إلى سببها، وما دلت عليه قرائن أحواله في المحلوف على المساكنة فيه.
فان عدم ذلك حنث وهذا قول مالك، وقال الشافعي إن كانت الدار صغيرة فهما متساكنان، وان كانا في بيتين كل واحد منهما له غلق أو كانا في خان فليسا متساكنين.
لان كل واحد منهما ينفرد بمسكنه دون الآخر فأشبها المتجاورين
(فصل) وان حلف لا ساكنت فلانا في هذه الدار فقسماها ججرتين وبنيا بينهما حائطا وفتح
كل واحد منهما بابا لنفسه وسكناها لم يحنث كما ذكرنا في التي قبلها وهذا قول الشافعي وابن المنذر وابي ثور وأصحاب الرأي وقال مالك لا يعجبني ذلك ويحتمله قياس المذهب لكونه عين الدار فلا تنحل يمينه بتغييرها كما لو حلف لا يدخلها فصارت فضاء والاول أصح لانه لا يساكنه فيها لكون المساكنة في الدار لا تحصل مع كونها دارين وفارق الدخول فانه دخلها متغيرة
* (مسألة) * (وان حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج دون أهله لم يحنث وان حلف ليخرجن من هذه الدار فخرج دون أهله لم يبر) إذا حلف ليخرجن من هذه الدار اقتضت يمينه الخروج بنفسه وأهله كما لو حلف لا يسكنها وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة تناولت يمينه الخروج بنفسه لان الدار يخرج منها صاحبها
في اليوم مرات عادة فظاهر حاله أنه لم يرد الخروج المعتاد، وانما أراد الخروج الذي هو النقلة.
والخروج من البلد بخلاف ذلك * (مسألة) * (وان حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العودة إليها؟ على روايتين (إحداهما) لا شئ عليه في العود ولا يحنث به لان يمينه على الخروج، وقد خرج فانحلت يمينه لفعل ما حلف عليه فلم يحنث فيها بعد
(والثانية) يحنث بالعود لان ظاهر حاله قصد هجران ما حلف على الرحيل منه ولا يحصل ذلك بالعود ويمكن حمل هذه الرواية على ان المحلوف عليه شئ هيج يمينه أو دلت قرينة حاله على إرادة هجرانه أو نوى ذلك بيمينه فاقتضت يمينه دوام اجتنابها فان لم يكن كذلك لم يحنث بالعود لان اليمين عند عدم ذلك على مقتضى اللفظ ومقتضاه ههنا الخروج وقد فعله فانحلت يمينه به وكذلك الحكم إذا حلف على الرحيل من بلد لم يبر إلا بالرحيل بأهله
(فصل) (إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها أو يمكنه الامتناع فلم يمتنع أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث) إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها فلم يمكنه الامتناع لم يحنث نص عليه احمد في رواية ابي طالب، وبه قال الشافعي وابو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا لان الفعل غير موجود منه ولا منسوب إليه فان حمل بأمره فأدخلها حنث لانه دخل مختارا فأشبه ما لو دخل راكبا.
فان حمل بغير أمره لكنه أمكنه الامتناع فلم يمتنع حنث أيضا
اختاره القاضي لانه دخلها غير مكره فأشبه ما لو حمل بأمره، وقال أبو الخطاب في الحنث وجهان (أحدهما) لا يحنث لانه لم يفعل الدخول ولم يأمر به فأشبه ما لو لم يمكنه الامتناع، ومتى دخل باختياره حنث سواء كان ماشيا أو راكبا أو محمولا أو القى سفينة في ماء فجره إليها أو سبح فيها
فدخلها، وسواء دخل من بابها أو تسور حائطها أو دخل من طاقة فيها أو نقب حائطها أو دخل من ظهرها أو غير ذلك (فصل) فان أكره بالضرب وتحوه فدخلها لم يحنث في أحد الوجهين وهذا أحد قولي الشافعي (والثاني) يحنث وهو قول أصحاب الرأي ونحوه عن النخعي لانه دخلها وفعل ما حلف على تركه
والصحيح لاول لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولانه دخلها مكرها أشبه ما لو حمل فأدخلها مكرها وكذلك ان حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فيه من الخلاف ما ذكرناه في دخول الدار لانه في معناه (فصل) وان حلف لا يستخدم عبدا فخدمه وهو ساكت لم يامره ولم ينهه فقال القاضي ان كان عبده حنث وان كان عبد غيره لم يحنث وهو قول ابي حنيفة لان عبده يخدمه عادة بحكم استحقاقه
ذلك عليه ويكون معنى يمينه لا منعتك خدمتي فإذا لم ينهه لم يمنعه وعبد غيره بخلافه وقال أبو الخطاب يحنث في الحالين لان اقراره على الخدمة استخدام ولهذا يقال فلان يستخدم عبده إذا خدمه وان لم يأمره ولانه ما حنث به في عبده حنث به في عبد غيره كسائر الاشياء وقال الشافعي لا يحنث في الحالين لانه حلف على فعل نفسه فلا يحنث بفعل غيره كسائر الافعال * (مسألة) * (وان حلف ليشربن هذا الماء أو ليضربن عبده غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي ويحتمل أن لا يحنث وان مات الحالف لم يحنث)
أما إذا مات الحالف من يومه فلا حنث عليه لان الحنث انما يحصل بفوات المحلوف عليه وفي وقته وهو الغد والحالف قد خرج عن أهلية التكليف قبل الغد فلا يمكنه حنثه وكذلك ان جن الحالف من يومه فلم يفق إلا بعد خروج الغد لانه خرج عن كونه من أهل التكليف، وان هرب العبد أو مرض هو أو الحالف أو نحو ذلك فلم يقدر على ضرب العبد حنث لانه لم يفعل ما حلف عليه مع كونه من أهل التكليف وان لم يمت الحالف ففيه سبع مسائل
(أحدها) أن يضرب العبد في غد أي وقت كان منه فانه ببر في يمينه بلا خلاف.
(الثانيه) أمكنه ضربه في غد فلم يضربه حتى مضى الغد وهما في الغد فيحنث بلا خلاف أيضا (الثالثة) مات العبد من يومه فانه يحنث وهو أحد قولي الشافعي ويتخرج أن لا يحنث وهو قول أبي حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعي لانه قد ضربه بغير اختياره فمل يحنث كالمكره والناسي ولنا انه لم يفعل ما حلف عليه في وقته من غير إكراه ولا نسيان وهو من أهل الحنث فحنث
كما لو أحلفه باختياره وكما لو حلف ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو عدم النفقة وفارق الاكراه والنسيان فان الامتناع لمعنى في الحلف وههنا الامتناع لمعنى في المحل فأشبه ما لو ترك ضربه لصعوبته
أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق وبعدها عليه فاما ان كان تلف المحلوف عليه بفعله واختياره حنث وجها واحدا لانه فوت الفعل على نفسه قال القاضي ويحنث الحالف ساعة موته لان يمينه انعقدت من حين حلفه وقد تعذر عليه الفعل فحنث في الحال كما لو لم يؤقت ويتخرج ان لا يحنث قبل الغد لان الحنث مخالفة ما عقد يمينه عليه فلا يحصل المخالفة الا بترك الفعل في وقته
(الرابعة) مات العبد في غد قبل التمكن من ضربه فهو كما لو مات في يومه (الخامسة) مات العبد في غد بعد التمكن من ضربه قبل ضربه فانه يحنث وجها واحدا وهو قول بعض اصحاب الشافعي وقال بعضهم فيه قولان ولنا انه تمكن من ضربه في وقته فلم يضربه فحنث كما لو مضى الغد قبل ضربه
(السادسة) مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه فلم يضربه حنث وجها واحدا لما ذكرنا (السابعة) ضربه في يومه فانه لا يبر وهذا قول اصحاب الشافعي وقال القاضي واصحاب أبي حنيفة يبر لان يمينه للحنث على ضربه فإذا ضربه اليوم فقد فعل المحلوف عليه وزيادة فأشبه ما لو حلف ليقضيه غدا فقضاه اليوم
ولنا انه لم يفعل المحلوف عليه في وقته فلم يبر كما لو حلف ليصومن يوم الجمعة فصام يوم الخميس وفارق قضاء الدين فالمقصود تعجيله لا غير وفي قضاء الدين زيادة في التعجيل فلا يحنث فيها لانه علم من قصده ارادة ان لا يتجاوز غدا بالقضاء فصار كالملفوظ به إذا كان مبنى الايمان على النية ولا يصح
قياس ما ليس مثله عليه وسائر المحلوفات لا يعلم منها ارادة التعجيل عن الوقت الذي وقته لها فامتنع الالحاق وتعين التمسك باللفظ (الثامنة) ضربه بعد موته فلا يبر لان اليمين تنصرف إلى ضربه حيا يتألم بالضرب وقد زال هذا بالموت
(التاسعة) ضربه ضربا لا يؤلمه لا يبر لما ذكرناه (العاشرة) خنقه أو نتف شعره أو عصر ساقه بحيث يؤلمه فانه يبر لانه يسمى ضربا لما تقدم ذكرنا له (الحادية عشر) جن العبد فضربه فانه يبر لانه حي يتألم بالضرب وان لم يضربه حنث وان
حلف لا يضربه في غد ففيه نحو هذه المسائل ومتى فات ضربه بموته أو غيره لم يحنث لانه لم يضربه * (مسألة) * (وان قال والله لاشربن ماء هذا الكوز غدا فاندفق اليوم أو لآكلن هذا الخبز غدا فتلف فهو على ما نحو ما ذكرنا في العبد)
قال صالح سألت أبي عن الرجل يحلف أن يترب الماء ف؟ نصب فقال يحنث وكذا لو حلف ان يأكل هذا الرغيف فأكله كلب قال يحنث لان ذا لا يقدر عليه (فصل) ومن حلف لا يتكفل بمال فكفل ببدن فقال أصحابنا يحنث لان المال يلزمه بكفالته إذا تعذر احضار المكفول به قال شيخنا والقياس أنه لا يحنث لانه لم يكفل بمال انما يلزمه المال لتعذر احضار المكفول به وأما قبل ذلك فلا يلزمه، ولان هذا لا يسمى كفالة بالمال ويصح نفيها عنه فيقال
ما تكفل بمال انما تكفل بالبدن وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي * (مسألة) * (وان حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث؟ على وجهين) وذلك مبني على ما إذا حلف على فعل شئ فتلف قبل فعله وفيه وجهان
(احدهما) يحنث لانه لم يفعل ما حلف عليه (والثاني) لا يحنث لانه منع من فعله فاشبه المكره على فعل ما حلف على تركه وقد ذكرنا ذلك
فيمن حلف ليضربن غلامه فتعذر ضربه * (مسألة) * (وان مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث ذكره أبو الخطاب لان قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في ابراء ذمته فكذلك في البر في يمينه)
وحكي عن القاضي أنه يحنث لانه تعذر قضاؤه فأشبه ما لو حلف ليضربن عبده غدا فمات العبد اليوم ومن نصر قول أبي الخطاب قال موت العبد يخالف ذلك لان ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه وقال أصحاب الرأي وأبو ثور تنحل اليمين بموت المستحق ولا يحنث سواء قضى ورثته أو لم يقضهم لانه تعذر عليه فعل ما حلف عليه بغير اختياره أشبه المكره وقد سبق الكلام على هذا في مسألة من حلف ليضربن عبده غدا فمات العبد اليوم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: