الفقه الحنبلي - الحلف - النذر
* (مسألة) * (وان باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد لانه قد قضاه حقه) وقال القاضي يحنث لانه لم يقض الحق الذي عليه بعينه * (مسألة) * (وان حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال أو مع رأسه أو
إلى رأس الهلال أو إلى
استهلاله أو عند رأس الشهر أو مع رأسه فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر في يمينه وان أخر ذلك مع امكانه حنث وان شرع في عده أو وكيله أو وزنه فتأخر القضاء لم يحنث) لانه لم يترك القضاء وكذلك إذا حلف ليأكلن هذا الطعام في هذا الوقت فشرع في أكله
فيه وتأخر الفراغ لكثرة لم يحنث لان أكله كله غير ممكن في هذا الوقت للعلم بالعجز عن غير ذلك ومذهب الشافعي في هذا كما ذكرنا
* (مسألة) * (وان حلف لا فارقتك حتى استوفي حقي منك فهرب منه حنث نص عليه وقال الخرقي
لا يحنث وان فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على روايتين) وإذا حلف لا فارقتك ففيه عشر مسائل
(أحدها) ان يفارقه الحالف مختارا فيحنث سواء ابرأه من الحق أو فارقه والحق عليه لانه فارقه قبل استيفاء حقه منه
(الثانية) فارقه مكرها فينظر فان كان حمل مكرها حتى فارقه لم يحنث وان أكره بالضرب والتهديد لم يحنث وفي قول أبي بكر يحنث وفي الناسي تفصيل ذكرناه فيما مضى (الثالثة) هرب منه الغريم بغير اختياره فلا يحنث وبهذا قال مالك وابو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن أحمد انه يحنث لان معنى يمينه ان لا تحصل بينهما فرقة وقد حصلت
ولنا انه حلف على فعل نفسه في الفرقة ولا فعل باختياره فلم يحنث كما لو حلف لا قمت فقام غيره (الرابعة) اذن له الحالف في الفرقة ففارقه فمفهوم كلام الخرقي انه يحنث وقال الشافعي لا يحنث قال القاضي وهو قول الخرقي لانه لم يفعل الفرقة التى حلف أنه لا يفعلها ولنا أن معنى يمينه لالزمنك فإذا فارقه باذنه فما لزمه ويفارق ما إذا هرب منه لانه فر بغير اختياره وليس هو قول الخرقي لان الخرقي قال فهرب منه ففهومه انه إذا فارفه بغير هرب انه يحنث
(الخامسة) فارقه من غير اذن ولا هرب على وجه تمكنه ملازمته والمشي معه أو امساكه فهي كالتي قبلها
(السادسة) قضاه قدر حقه ففارقة ظنا منه انه قد وفاه فخرج رديئا أو بعضه فيخرج في الحنث روايتان بناء على الناسي وللشافعي قولان كالروايتين
(أحدهما) يحنث وهو قول مالك لانه فارقه قبل استيفاء حقه مختارا (والثانية) لا يحنث وهو قول أبي ثور واصحاب الرأي إذا وجدها زيوفا وان وجد أكثرها
نحاسا انه يحنث وان وجدها مستحقة فاخذها صاحبها خرج أيضا على الروايتين في الناسي لانه ظان انه مستوف حقه فأشبه ما لو وجدها رديئة وقال أبو ثور وأصحاب الرأي لا يحنث وان علم بالحال ففارقه حنث لانه لم يوفه حقه
(السابعة) فلسه الحاكم ففارقه فان الزمه الحاكم فهو كالمكره وان لم يلزمه مفارقته لكن فارقه لعلمه بوجوب مفارقته حنث لانه فارقه من غير اكراه فحنث كما لو حلف لا يصلي فوجبت عليه صلاة فصلاها
(الثامنة) احاله الغريم بحقه ففارقه فانه يحنث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وقال أبو حنيفة ومحمد لا يحنث لانه قد برئ إليه منه
ولنا انه ما استوفى حقه منه بدليل انه لم يصل إليه شئ ولذلك يملك المطالبة به فحنث كما لو لم يحله فان ظن أنه قد يريد بذلك مفارقته ففارقه خرج على الروايتين ذكره أبو الخطاب، قال شيخنا
والصحيح انه يحنث لان هذا جهل بحكم الشرع فيه فلا يسقط الحنث كما لو جهل كون اليمين موجبة للكفارة فاما ان كانت يمينه لا فارقتك ولي قبلك حق فاحاله ففارقه لم يحنث لان هذا لم
يبق له قبله حق فان أخذ به ضمينا أو كفيلا أو رهنا ففارقه حنث بلا إشكال لانه يملك مطالبة الغريم (التاسعة) قضاه عن حق عوضا عنه ثم فارقه فقال ابن حامد لا يحنث وهو قول أبي حنيفة
لانه قد قضاه حقه وبرئ إليه منه بالقضاء وقال القاضي يحنث لان يمينه على نفس الحق وهذا بدله والاول أولى ان شاء الله تعالى لحصول المقصود به فان كانت يمينه لا فارقتك حتى تبرأ من حقي أو
ولي قبلك حق لم يحنث وجها واحدا لانه لم يبق قبله حق وهذا مذهب الشافعي (العاشرة) وكل وكيلا يستوفي له حقه فان فارقه قبل استيفاء الوكيل حنث لانه فارقه قبل
استيفاء حقه، وان استوفى الوكيل ثم فارقه لم يحنث لان استيفاء وكيله استيفاء له ببراءة غريمه ويصير
في ضمان الموكل فاما ان قال لا فارقتني حتى استوفي حقي منك ففارقه المحلوف عليه مختارا حنث وان
أكره على فراقه لم يحنث وان فارقه الحالف مختارا حنث الا على ما ذكره القاضي في تأويل كلام الخرقي
وهو مذهب الشافعي وسائر الفروع تأتي ههنا على نحو ما ذكرنا
* (مسألة) * (فان حلف لا فترقنا فهرب منه حنث)
إذا هرب من المحلوف عليه لان يمينه تقتضي أن لا تحصل بينهما فرقة بوجه وقد حصلت الفرقة
بهربه وان أكرها على الفرقة لم يحنث الا على قول من لا يرى الاكراه عذرا
(فصل) وان حلف لا فارقتك حتى اوفيك حقك فابراه الغريم منه فهل يحنث؟ على وجهين بناء على المكره، وان كان الحق عينا فوهبها له الغريم فقبلها حنث لانه ترك ايفاءها له باختياره
وان قبضها منه ثم وهبها إياه لم يحنث، وإن كانت يمينه لا أفارقك ولك قبلي حق لم يحنث إذا أبرأه أو وهب العين له
* (مسألة) * (وقدر الفرقة ما عده الناس فراقا كفرقة البيع وقد ذكرناه في البيع) وما نواه بيمينه عما تحتمله لفظه فهو على ما نواه
باب النذر الاصل فيه الكتاب والسنة والاجماع.
اما الكتاب فقول الله تعالى (يوفون بالنذر) وقال سبحانه (وليوفوا نذورهم) واما السنة فروت عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه البخاري وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم ينذرون ولا يوفون ويخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيهم السمن " رواه البخاري وأجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة ووجوب الوفاء به (فصل) ولا يستحب النذر لان ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال " انه لا يأتي بخير وانما يستخرج به من البخيل " متفق عليه وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم لانه لو كان حراما لما مدح الموفين به لان ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ولان النذر لو كان مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه * (مسألة) * (وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا فقول: لله علي أن افعل كذا، وان قال علي
نذر كذا لزمه ايضا) لانه صرح بلفظ النذر ولا يصح الا من مكلف مسلما كان أو كافرا لانه قول يوجب على
المكلف عبادة أو مالا فلم يصح من غير المكلف كالاقرار ولانه غير مكلف أشبه الطفل، ويصح من الكافر لحديث عمر حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نذرت ان أعتكف ليلة في المسجد الحرام: قال " أوف بنذرك " متفق عليه * (مسألة) * (ولا يصح إلا بالقول فان نواه من غير قول لم يصح) لانه موجب للكفارة في أحد طرفيه فلم ينعقد بالنية كاليمين * (مسألة) * (ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد) لا ينعقد نذر المستحيل كصوم امس ولا يوجب شيئا لانه لا يتصور انعقاده ولا الوفاء به لانه لو حلف على فعله لم تلزمه كفارة فالنذر اولى قال شيخنا وعقد الباب في الصحيح من المذهب ان النذر كاليمين وموجبه موجبها الا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله، ودليل هذا الاصل قول النبي صلى الله عليه وسلم لاخت عقبه لما نذرت المشي ولم تطقه " ولتكفر يمينها " وفي رواية " فلتصم ثلاثة أيام " قال احمد إليه اذهب، وعن عقبة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " كفارة النذر كفارة اليمين " أخرجه مسلم وقول ابن عباس في التي نذرت
ذبح ابنها كفري يمينك ولانه قد ثبت ان حكمه حكم اليمين في احد اقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع فان نذر واجبا كالصلاة المكتوبة فقال اصحابنا لا ينعقد نذره وهو قول اصحاب الشافعي لان النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم له ويحتمل أن ينعقد نذره موجبا لكفارة يمين ان تكره كما لو حلف لا يفعله ففعله فان النذر كاليمين وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم يمينا ولذلك لو نذر معصية أو مباحا لم يلزمه ويكفر إذا لم يفعله * (مسألة) * (والنذر المنعقد على خمسة أقسام (أحدها) النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر فيجب به كفارة يمين في قول أكثر اهل العلم) روي ذلك عن ابن مسعود وبان عباس وجابر وعائشة رضي الله عنهم وبه قال الحسن وطاوس وسالم والقاسم والشعبي والنخعي وعكرمة وسعيد بن جبير ومالك والثوري ومحمد بن الحسن ولا نعلم
فيه محالفا الا الشافعي قال: لا ينعقد نذره ولا كفارة فيه وأما ما روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كفارة النذر إذا لم يسم كفاره يمين " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب وهذا نص ولانه قول من سمينا من الصحابة والتابعين ولا نعرف لهم في عصرهم مخالفا فيكون اجماعا
(الثاني) اللجاج والغضب وهو ما يقصد به المنع من شئ أو الحمل عليه كقوله ان كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا يمين يخير بين فعله وبين كفاره يمين لما روى عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين " رواه سعيد في سننه، وعن احمد ان الكفارة تتعين عليه ولا يجزئه غيرها للخبر والاول ظاهر المذهب لانها يمين فيخير فيها بين الامرين كاليمين بالله تعالى ولان هذا جمع الصفتين فيخرج عن العهدة بكل واحدة منهما (الثالث) نذر المباح كقوله لله علي ان البس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة يمين لما روي ان امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت اني نذرت أن اضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواه أبو داود ولانه لو حلف على فعل مباح بر بفعله فكذلك إذا نذره لان النذر كاليمين، وان شاء تركه وعليه كفارة يمين كما لو حلف ليفعلنه فلم يفعل ويتخرج ان لا كفارة فيه فان أصحابنا قالوا من نذر أن يعتكف في مسجد معين أو يصلي فيه كان له أن يصلي ويعتكف في غيره ولا كفارة عليه ومن نذر أن يتصدق بماله كله أجزأته الصدقة بثلثه بلا كفارة وهذا مثله وقال مالك والشافعي لا ينعقد نذره لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر الا فيما يبتغى به وجه الله " وروى ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو اسرائيل نذر ان يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مروه فليجلس ويستظل وليتكلم وليتم صومه " رواه البخاري
وعن أنس قال نذرت امرأة ان تمشي إلى بيت الله فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " إن الله لغني عن مشيها مروها فلتركب "، قال الترمذي هذا حديث صحيح ولم يامر بكفارة وروي أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يهادى بين اثنين فسال عنه فقالوا نذر ان يحج ماشيا فقال " ان الله لغني عن تعذيب هذا نفسه مروه فليركب " متفق عليه ولم يامره بكفارة ولانه نذر غير واجب لفعل ما نذره فلم يوجب كفارة كنذر المستحيل، ولنا ما تقدم في قسم نذر اللجاج ولا غضب فاما حديث التي نذرت المشي فقد امر فيه بالكفارة في حديث آخر فروى عقبة بن عامر ان اخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام فسال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال " مروها فلتركب ولتكفر عن يمينها " اخرجه أبو داود وهذه زيادة يجب الاخذ بها ويجوز أن يكون الراوي للحديث روى البعض وترك البعض أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذكر الكفارة في بعض الحديث إحالة على ما علم من حديثه في موضع آخر.
* (مسألة) (فان نذر مكروها كالطلاق فانه مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " استحب ان يكفر ولا يفعله) لان ترك المكروه اولى من فعله فان فعله فلا كفارة عليه والخلاف فيه كالذي قبله (الرابع)
نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض ويوم العيد فلا يجوز الوفاء به ويكفر لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر ان يعصي الله فلا يعصه " ولان معصية الله لا تباح في حال ويجب على الناذر كفارة يمين، روي نحو هذا عن مسعود وابن عباس وعمران بن حصين وسمرة بن جندب، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وروي عن احمد ما يدل على انه لا كفارة عليه وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (إلا ان ينذر ذبح ولده ففيه روايتان (احداهما) انه كذلك (والثانية) يلزمه ذبح كبش اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله فيمن قال ان فعلت كذا فلله علي نحر ولدي أو يقول ولدي نحير ان فعلت كذا أو نذر ذبح ولده مطلقا غير معلق بشرط فعن احمد عليه كفارة يمين وهذا قياس المذهب لان هذا نذر معصية أو نذر لجاج وكلاهما يوجب الكفارة وهو قول ابن عباس فانه قال لامرأة نذرت ان تذبح ابنها لا تنحري ابنك كفري عن يمينك
(والرواية الثانية) كفارته ذبح كبش ويطعمه المساكين وهو قول أبي حنيفة ويروى ذلك عن ابن عباس أيضا، لان نذر ذبح الولد جعل في الشرع كنذره ذبح شاة بدليل أن الله تعالى أمر ابراهيم عليه السلام بذبح ولده وكان أمرا بذبح شاة وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه ودليل انه أمر بذبح شاة ان الله لا يأمر بالفحشاء ولا بالمعاصي وذبح الولد من كبائر المعاصي، قال الله
تعالى (ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قيل ثم أي؟ قال " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك "، وقال الشافعي ليس هذا بشئ ولا يجب به شئ لانه نذر معصية لا يجوز الوفاء به ولا يجوز ولا تجب به كفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " رواه سعيد في سننه ولان النذر حكمه حكم اليمين بدليل قوله عليه الصلاة والسلام " النذر حلفة " وكفارته كفارة يمين فيكون بمنزلة من حلف ليذبحن ولده وقولهم ان النذر لذبح الولد كناية عن ذبح كبش لا يصح لان ابراهيم عليه السلام لو كان مأمورا بذبح كبش لم يكن الكبش فداء ولا كان مصدقا للرؤيا قبل ذبح الكبش وانما أمر بذبح ابنه ابتلاء ثم فدي بذبح الكبش وهذا أمر اختص به ابراهيم عليه السلام لا يتعداه إلى غيره لحكمة علمها الله تعالى فيه ثم لو كان ابراهيم مأمورا بذبح كبش فقد ورد شرعنا بخلافه فان نذر ذبح الابن ليس بقربة في شرعنا ولا مباح بل هو معصية فتكون كفارته كفارة سائر نذور المعاصي.
(فصل) فان نذر ذبح نفسه أو اجنبي ففيها أيضا عن أحمد روايتان فنقل ابن منصور عن احمد
فيمن نذر ذبح نفسه إذا حنث يذبح شاة وكذلك ان نذر ذبح أجنبي لان ذلك يروى عن ابن عباس والذي قال أنا أنحر فلانا فقال عليه كبش ولانه نذر ذبح آدمي فكان عليه ذبح كبش كنذر ذبح ابنه (والثانية) عليه كفارة يمين لانه نذر معصية فكان موجبه كفارة لما ذكرنا فيما تقدم
وروى الجوزجاني باسناده عن الاوزاعي قال حدثني أبو عبيد قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال إني نذرت ان أنحر نفسي فتجهمه ابن عمر واقف منه ثم أتي ابن عباس فقال اهد مائة بدنة ثم أتي عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال أرأيت لو نذرت ان لا تكلم أباك أو أخاك؟ انما هذه خطوة من خطوات الشيطان استغفر الله وتب إليه فرجع إلى ابن عباس فأخبره نقال أصاب عبد الرحمن ورجع ابن عباس عن قوله والصحيح ان هذا نذر معصية حكمه حكم سائر المعاصي لا غير.
(فصل) قال أحمد في امرأة نذرت نحر ولدها ولها ثلاثة أولاد تذبح عن كل واحد كبشا وتكفر عن يمينها وهذا على قولنا ان كفارة نذر ذبح الولد كبش فجعل عن كل واحد لان لفظ الواحد إذا أضيف اقتضى التعميم فكان عن كل واحد كبش فان عينت بنذرها واحدا فانما عليه كبش واحد بدليل ابراهيم عليه السلام لما أمر بذبح ابنه الواحد فدى بكبش واحد ولم يفد غير من أمر بذبحه من أولاده كذا ههنا وعبد المطلب لما نذر ذبح ابن من بنيه ان يبلغوا عشرة لم يفد منهم إلا واحدا وسواء نذرت معينا أو عينت واحدا غير معين، فأما قول أحمد وتكفر يمينها فيحتمل
انه أراد ان تذبح الكباش كفارة ويحتمل انه كان مع نذرها يمين فأما على الرواية الاخرى تجزئها كفارة يمين على ما سبق.
* (مسألة) * (ويحتمل ان لا ينعقد نذر المباح ولا المعصية ولا تجب به كفارة ولهذا قال أصحابنا من نذر الاعتكاف أو الصلاة في مكان معين فله فعله في غيره ولا كفارة وقد روي عن احمد ما يدل على ذلك فانه قال فيمن نذر ليهدمن دار غيره لبنة لبنة لا كفارة عليه) وهذا في معناه وروي هذا عن مسروق والشعبي وهو مذهب الشافعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك العبد " رواه مسلم والمذهب ان عليه الكفارة وقد ذكرناه في نذر المباح ووجهه ما روت عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين " رواه الامام احمد وأبو داود والترمذي وقال هذا حديث غريب (فصل) وان نذر فعل طاعة وليس بطاعة لزمه فعل الطاعة كالذي في خبر ابي اسرائيل فان
النبي صلى الله عليه وسلم امره باتمام الصوم وترك ما سواه لكونه ليس بطاعة وفي وجوب الكفارة لما تركه روايتان على ما ذكرناه وقد روى عقبة بن عامر ان أخته نذرت ان تمشي إلى بيت الله الحرام حافية غير مختمرة فذكر عقبة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " مر اختك فلتركب ولتختمر ولتعصم ثلاثة
أيام "، رواه الجوزجاني والترمذي فان كان المتروك خصالا كثيرة اجزأته كفارة واحدة لانه نذر واحد فتكون كفارته واحدة كاليمين الواحدة على افعال ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم اخت عقبة بن عامر في ترك التحفي والاختمار باكثر من كفاة.
* (مسألة) * (ولو نذر الصدقة بكل ماله فله الصدقة بثلثه ولا كفارة عليه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لابي لبابة حين قال ان من توبتي يا رسول الله ان انخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجزيك الثلث " وبهذا قال الزهري ومالك وقال ربيعة يتصدق منه بقدر الزكاة لان المطلق يحمل على معهود الشرع ولا يجب في الشرع إلا قدر الزكاة وعن جابر بن زيد قال ان كان كثيرا وهو ألفان تصدق بعشره وان كان متوسطا وهو الف تصدق بسبعه، وان كان قليلا وهو خمسمائة تصدق بخمسه وقال أبو حنيفة يتصدق بالمال الزكوي كله وعنه في غيره فيه روايتان.
[ احداهما ] يتصدق به (والثانية) لا يلزمه منه شئ وقال النخعي والبتي والشافعي يتصدق بماله كله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر ان يطيع الله فليطعه " ولانه نذر طاعة فلزمه الوفاء به كنذر الصلاة والصيام ولنا حديث ابي لبابة المذكور وعن كعب ابن مالك قال قلت يا رسول الله ان من توبتي ان انخلع من مالي صدقه إلى الله والى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امسك عليك بعض مالك فهو خير لك " متفق عليه ولابي داود يجزئ عنك الثلث قالوا ليس هذا بنذر وإنما أراد الصدقة
بجميعه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم؟ الاقتصار على الثلث وليس هذا محل النزاع انما النزاع فيمن نذر الصدقة بجميعه فلنا عنه جوابان (احدهما) أن قوله " يجزئك الثلث " دليل على انه اتى بلفظ يقتضي الايجاب لانها انما تستعمل غالبا
في الواجبات ولو كان مخيرا بارادة الصدقة لما لزمه شئ يجزئ عنه بعضه (الثاني) ان منعه من الصدقة بزيادة على الثلث دليل على انه ليس بقربة لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أصحابة من القرب ونذر ما ليس بقربة لا يلزم الوفاء به ولنا على أبي حنيفة ان غير الزكوي مال فتناوله النذر كغير الزكوي وما قاله ربيعة لا يصح فان هذا ليس بزكاة ولا في معناها فان الصدقة وجبت لاغناء الفقراء ومواساتهم وهذه صدقة تبرع بها صاحبها تقربا إلى الله تعالى ثم ان المحمول على معهود الشرع المطلق وهذه صدقة معينة غير مطلقة ثم تبطل بما لو نذر صياما فانه لا يحمل على صوم رمضان وكذلك الصلاة وما ذكره جابر بن زيد فهو تحكم بغير دليل * (مسألة) * (وان نذر الصدقة بألف لزمه جميعه) وعنه يجزئه ثلثه إذا نذر الصدقة بمعين من ماله أو بمقدر كألف فروي عن أحمد انه يجزئه ثلثه لانه مال نذر الصدقة به فأجزأه ثلثه كجميع المال والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه لانه
منذور هو قربة فلزمه الوفاء به كسائر المنذورات ولعموم قوله سبحانه (يوفون بالنذر) وانما خولف هذا في جميع المال للاثر فيه ولما في الصدقة بالمال كله من الضرر اللاحق به اللهم الا ان يكون المنذور ههنا يستغرق جميع المال فيكون كنذر ذلك ويحتمل انه ان كان المنذور ثلث المال فما دون لزمه وفاء نذره وان زاد على الثلث لزمه الصدقة بقدر الثلث منه لانه حكم يعتبر فيه الثلث فأشبه الوصية به (فصل) إذا نذر الصدقة بقدر من المال فابرأ غريمه من قدره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه وإن كان الغريم من أهل الصدقة قال أحمد لا يجزئه حتى يقبضه وذلك لان الصدقة تقتضي التمليك وهذا إسقاط فلم يجزئه كما في الزكاة قال أحمد فيمن نذر ان يتصدق بمال وفي نفسه انه الف أجزأه ان يخرج ما قلنا وذلك لان اسم المال يقع على القليل وما نواه زيادة على ما تناوله الاسم والنذر لا يلزم بالنية والقياس انه يلزمه ما نواه لانه نوى بكلامه ما يحتمله فتعلق الحكم به كاليمين وقد نص أحمد فيمن نذر صوما أو صلاة وفي نفسه أكثر مما تناوله لفظه انه يلزمه ذلك وهذا كذلك
* (فصل) * قال رحمه الله (الخامس نذر التبرر كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف والحج والعمرة ونحوها من القرب سواء نذره مطلقا أو علقه بشرط يرجوه فقال ان شفى الله مريضي أو سلم الامالي فلله علي كذا فمتى وجد شرطه انعقد نذره ويلزمه الوفاء به) نذر التبرر يتنوع ثلاثة أنواع (أحدها) هذا الذي ذكرناه إذا كان في مقابلة نعمة استجلبها أو نقمة
استدفعها كقوله ان شفي الله مريضي فعلي صوم شهر وتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الشرع كالصوم والصلاة والصدقة والحج فهذا يلزم الوفاء به باجماع أهل العلم (والنوع الثاني) التزام طاعة من غير شرط كقوله ابتداء لله علي صوم شهر فيلزم الوفاء به في قول أكثر أهل العلم وهو قول أهل العراق وظاهر مذهب الشافعي وقال بعض أصحابه لا يلزم الوفاء به لان أبا عمر غلام ثعلبة قال النذر عند العرب وعد بشرط ولان ما التزمه الآدمي بعوض يلزمه كالبائع والمستأجر وما التزمه بغير عوض لا يلزمه بمجرد العقد كالهبة (النوع الثالث) نذر طاعة لا أصل لها في الوجوب كالاعتكاف وعيادة المريض فيلزم الوفاء به عند عامة أهل العلم وحكى عن أبي حنيفة انه لا يلزمه الوفاء به لان النذر فرع على المشروع فلا يجب به ما لا يجب له مالا نظير له باصل الشرع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر ان يطيع الله فليطعه " رواه البخاري وذمه الذين ينذرون.
ولا يوفون وقول الله تعالى (ومنهم من عاهد الله لان آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين) الآيات إلى قوله (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) وقال عمر اني نذرت ان أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " ولانه الزم نفسه قربة على وجه التبرر فلزمه كموضع الاجماع وكالعمرة فانهم سلموها وهي غير واجبة عندهم كالاعتكاف وما ذكروه يبطل بهذين الاصلين وما حكوه عن أبي عمر لا يصح فان العرب تسمى الملتزم نذرا وان لم يكن بشرط قال جميل
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي * وهموا بقتلي يابثين لقوني
والجعالة وعد بشرط وليست بنذر * (مسألة) * (وان نذر صوم سنة لم يدخل في نذره رمضان ويوما العيد وفي أيام التشريق روايتان وعنه ما يدل على انه يقضي يومي العيدين وأيام التشريق) إذا نذر صوم سنة معينة لم يدخل في نذره رمضان، ويوما العيدين لا يصح صومهما فلم يدخلا في نذره كالليل وفي أيام التشريق روايتان (احداهما) لا يدخل في نذره لانه منهى عن صومها اشبهت يومي العيدين (والثانية) تدخل في نذره ويصومها كالمتمتع إذا لم يجد الهدي وفيه رواية اخرى ان يومي العيدين وأيام التشريق يدخل في نذره فعلى هذا لا يصومها ويقضي بدلها وعليه كفارة يمين لقوله عليه السلام " لا نذر في معصية " وكفارته كفارة يمين رواه أبو داود وان قلنا يجوز صيام أيام التشريق عن نذره فصامها فلا كفارة عليه لانه أتى بالمنذور اشبه ما لو نذر غيرها مما يصح صومه * (مسألة) * (وان نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض افطر وقضي وكفر) لان مثل هذا النذر ينعقد لانه نذر نذرا يمكن الوفاء به غالبا فكان منعقدا كما لو وافق غير
يوم العيد أو غير يوم الحيض والنفاس ولا يجوز ان يصوم يوم العيد ان وافقه لان الشرع حرم صومه فاشبه زمن الحيض ويلزمه القضاء لانه نذر منعقد قد فاته الصيام بالعذر فلزمته الكفارة كما لو فاته لمرض وعنه يكفر من غير قضاء لانه وافق يوم صومه معصية فأوجب الكفارة من غير قضاء كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها * (مسألة) * (ونقل عنه ما يدل على انه ان صام يوم العيد صح صومه) لانه وفي بما نذر، فأما ان وافق نذره يوم حيض أو نفاس لم يصمه بغير خلاف نعلمه بين أهل العلم ويتخرج في القضاء والكفارة مثل ما في يوم العيد قياسا عليه * (مسألة) * (وان وافق ايام التشريق فهل يصومها؟ على روايتين) (احداهما) يصومها لقول عائشة لم يرخص في هذه الايام ان يصمن الا للمتمتع إذا لم يجد الهدي
فسنا عليه سائر الواجبات (والثانية) لا يصومها للنهي عن ذلك * (مسألة) * (وان نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا فلا شئ عليه وان قدم نهارا فعنه ما يدل على أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه الا صيام ذلك اليوم ان لم يكن افطر وعنهه أنه يقضي ويكفر سواء قدم وهو مفطر أو صائم وان وافق قدومه يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه صياما لرمضان ونذره وقال غيره عليه القضاء وفي الكفارة روايتان)
وجملة ذلك أنه إذا نذر ان يصوم يوم يقدم فلان صح نذره وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وقال في الاخر لا يصح نذره لانه لا يمكن صومه بعد وجود شرطه فلم يصم كما لو قال لله علي ان اصوم اليوم الذي قبل اليوم الذي يقدم فيه زيد ولنا أنه زمن يصح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائما تطوعا وقال لله علي أن أصوم يومي وقولهم لا يصح صومه لا يصح لانه قد يعلم اليوم الذي يقدم فيه قبل قدومه فينوي صومه من الليل ولانه قد يجب عليه مالا يمكنه كالصبي يبلغ في أثناء يوم من رمضان والحائض تطهر فيه ولا نسلم ما قاسوا عليه: إذا ثبت ذلك لم يخل من اقسام خمسة (أحدهما) ان يقدم ليلا فلا شئ عليه في قول الجميع لانه لم يقدم في اليوم ولا في وقت يصح فيه الصيام (الثاني) أن يعلم قدومه من الليل فينوي صومه ويكون يوما يجوز فيه صوم النذر فيصح صومه ويجزئه وفاء بنذره (الثالث) أن يقدم يوم فطر أو أضحى فاختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فعنه لا يصح ويقضي ويكفر نقله عن أحمد جماعة وهو قول أكثر أصحابنا ومذهب الحكم وحماد (والرواية الثانية) يقضي ولا كفارة عليه وهو قول الحسن والاوزاعي وأبي عبيد وقتادة وأبي ثور وأحد قولي الشافعي لانه فاته الصوم الواجب بالنذر فلزمه قضاؤه كما لو تركه نسيانا ولم تلزمه كفارة لان الشرع منعه
من صومه فهو كالمكره وعن أحمد رواية ثالثة ان صامه صح صومه وهو مذهب أبي حنيفة لانه
قد وفي بما نذر فأشبه ما لو نذر معصية ففعلها ويتخرج أن يكفر من غير قضاء لانه وافق يوما صومه حرام فكان موجبه الكفارة كما لو نذرت المرأة صوم يوم حيضها ويتخرج ان لا يلزمه شئ من كفارة ولا قضاء بناء على من نذر المعصية.
ووجه قول الخرقي ان النذر ينعقد لانه نذر نذرا يمكن الوفاء به غالبا فكان منعقدا كما لو وافق غير يوم العيد ولا يجوز أن يصوم يوم العيد لان الشارع حرم صومه فأصبه زمن الحيض ولزمه القضاء لانه نذر منعقد قد فاته الصيام بالعذر فلزمته الكفارة لفواته كما لو فاته بمرض، وان وافق يوم حيض أو نفاس فهو اكما لو وافق يوم فطر أو أضحى الا انها لا تصومه بغير خلاف بين أهل العلم (الرابع) ان يقدم في يوم يصح صومه والناذر مفطر ففيه روايتان (احداهما) يلزمه القضاء والكفارة لانه نذر صوما نذرا صحيحا ولم يف به فلزمه القضاء والكفارة كسائر المنذورات ويتخرج ان لا تلزمه كفارة وهو مذهب الشافعي لانه ترك المنذر لعذر (والثانية) لا يلزمه شئ من قضاء ولا غيره وهو قول ابي يوسف وأصحاب الرأي وابن المنذر لانه قدم في زمن لا يصح صومه فيه فلم يلزمه شئ كما لو قدم ليلا
(الخامسة) قدم والناذر صائم فلا يخلو من أن يكون تطوعا أو فرضا فان كان تطوعا فقال القاضي يصوم بقيته ويعقده عن نذره ويجزئه ولا قضاء ولا كفارة وهو قول أبي حنيفة لانه يمكن صوم يوم بعضه تطوع وبعضه واجب كما لو نذر في صوم التطوع اتمام صوم ذلك اليوم وإنما وجد سبب الوجوب في بعضه وذكر القاضي احتمالا آخر أنه يلزمه القضاء والكفارة لانه صوم واجب فلم يصح بنية من النهار كقضاء رمضان وذكر أبو الخطاب هذين الاحتمالين روايتين وعند الشافعي عليه القضاء فقط كما لو قدم وهو مفطر ويتخرج لنا مثله، وأما ان كان الصوم واجبا مثل ان يوافق يوما من رمضان فقال الخرقي يجزئه لرمضان ونذره لانه نذر صومه وقد وفى به وقال غيره عليه القضاء لانه لم يصمه عن نذره وفي الكفارة روايتان (إحداهما) يجب لتأخر النذر (والثانية) لا يجب لانه أخر أشبه ما لو أخر صوم رمضان لعذر
* (مسألة) * (وان وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة) لانه خرج عن أهلية التكليف قبل وقت النذر أشبه ما لو فاته (فصل) وان قال لله علي صوم يوم العيد فهذا نذر معصية على ناذر الكفارة لا غير نقلها حنبل عن أحمد وفيه رواية أخرى ان عليه القضاء مع الكفارة كما لو نذر يوم الخميس فوافق يوم العيد والاولى هي الصحيحة قاله القاضي لان هذا نذر معصية فلم يوجب قضاء كسائر المعاصي وفارق ما
إذا نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم العيد لانه لم يقصد بنذره المعصية وإنما وقع اتفاقا وههنا وتعمدها بالنذر فلم ينعقد نذره ويدخل في قوله عليه الصلاة والسلام " لا نذر في معصية " ويتخرج ألا يلزمه شئ بناء على نذر المعصية فيما تقدم * (مسألة) * (وان نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر فعليه القضاء وكفارة يمين) لانه صوم واجب معين أخره فلزمه قضاؤه كرمضان وتلزمه كفارة يمين لتأخير النذر عن وقته لانه يمين وان لم يصمه لعذر فعليه القضاء لانه واجب أشبه رمضان وفي الكفارة روايتان (إحداهما) تلزمه لتأخير النذر والاخرى لا تلزمه لانه أخره لعذر أشبه تأخير رمضان ل؟ ذر * (مسألة) * (وان صام قبله لم يجزئه) وكذلك ان نذر الحج في عام فحج قبله وقال أبو يوسف يجزئه كما لو حلف ليقضينه حقه في وقت فقضاه قبله ولنا ان المنذر محمول على المشروع ولو صام قبل رمضان لم يجزئه فكذلك إذا صام المنذور قبله ولانه لم يأت بالمنذور في وقته فلم يجزئه كما لو لم يفعله أصلا * (مسألة) * (وان افطر في اثنائه لغير عذر لزمه استئنافه ويكفر ويحتمل ان يتم باقيه ويقضي ويكفر) إذا نذر صوم شهر معين فافطر في أثنائه لم يخل من حالين احدهما الفطر لغير عذر ففيه روايتان (إحداهما) ينقطع صومه ويلزمه استئنافه لانه صوم يجب متتابعا بالنذر فابطله الفطر لغير عذر وفارق
رمضان فانه تتابعه بالشرع لا بالنذر وههنا اوجبه عل نفسه ثم فوته فأشبه ما لو شرطه متتابعا
(الثانية) لا يلزمه الاستئناف الا أن يكون قد شرط التتابع وهذا قول الشافعي لان وجوب التتابع ضرورة التعيين لا بالشرط فلم يبطله الفطر في أثنائه كشهر رمضان ولان الاستئناف يجعل الصوم في غير الوقت الذي عينه والوفاء بنذره في غير وقته وتفويت البعض لا يوجب تفويت الجميع فعلى هذا يكفر عن فطره ويقضي أيام فطره بعد اتمام صومه وهذا أ؟ يس إن شاء الله تعالى واصح وعلى الرواية الاولى يلزمه الاستئناف عقيب الايام التي أفطر فيها ولا يجوز تأخيره لان باقي الشهر منذور فلا يجوز ترك الصوم فيه وتلزمه كفارة أيضا لا خلاله بصوم الايام التي أفطرها (الحال الثاني) أفطر لعذر فانه يبني على ما مضى من صيامه ويكفر هذا قياس المذهب وفيه رواية أخرى انه لا كفارة عليه وهو مذهب مالك والشافعي وابي ثور وابن المنذر لان النذر محمول على المشروع ولو أفطر رمضان لعذر لم يلزمه شئ ولنا انه فات ما نذره فلزمته كفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لاخت عقبة بن عامر " ولتكفر بمينها " وفارق رمضان فانه لو أفطر لغير عذر لم تجب عليه كفارة إلا في الجماع بخلاف هذا (فصل) وان جن جميع الشهر المعين لم يلزمه قضاء ولا كفارة وقال أبو يوسف يلزمه القضاء لانه
من اهل التكليف في وقت الوجوب فلم يلزمه القضاء كما لو كان في شهر رمضان وان حاضت المرأة جميع الزمن المعين فعليها القضاء وفي الكفارة وجهان وقال الشافعي لا كفارة عليها وفي القضاء وجهان (أحدهما) لا يلزمها لان زمن الصوم لا يمكن الصوم فيه فلا يدخل في النذر كزمن رمضان ولنا ان المنذور يحمل على المشروع ابتداء ولو حاضت في شهر رمضان لزمها القضاء فكذلك المنذور (فصل) وان قال على الحج في عامي هذا فلم يحج لعذر أو غيره فعليه القضاء والكفارة ويحتمل أن لا كفارة عليه إذا كان معذورا وقال الشافعي ان تعذر عليه الحج لاحد الشرائط السبعة أو منعه منع سلطان أو عدو فلا قضاء عليه وان حدث به مرض أو اخطأ أو تواني قضاه ولنا انه فاته الحج المنذور فلزمه قضاؤه كما لو مرض ولان المنذور محمول على المشروع ابتداء ولو فاته المشروع لزمه قضاؤه فكذلك المنذور
* (مسألة) * (وان نذر صوم شهر لزمه التتابع) إذا نذر صوم شهر فهو مخير بين أن يصوم شهرا بالهلال فيجزئه وبين أن يصومه بالعدد ثلاثين يوما ويلزمه التتابع في احد الوجهين وهو قول ابي ثور لان اطلاق الشهر يقتضي التتابع (والثاني) لا يلزمه التتابع
وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن لان الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى ثلاثين يوما ولا خلاف في انه يجزئه ثلاثون يوما فلم يلزمه التتابع كما لو نذر ثلاثين يوما * (مسألة) * (وان نذر أياما معدودة لم يلزمه التتابع الا أن يستر له) نص عليه أحمد وروي عنه فيمن قال لله علي صيام عشرة أيام يصومها متتابعا وهذا يدل على وجوب التتابع في الايام المنذورة وهو اختيار القاضي وحمل بعض أصحابنا كلام احمد على من شرط التتابع أو نواه لان لفظ العشرة لا يقتضي تتابعا والنذر لا يقتضيه ما لم يكن في لفظه أو نيته وقال بعضهم كلام أحمد على ظاهره ويلزمه التتابع في نذر العشرة دون الثلاثين لان الثلاثين شهر فلو أراد التتابع لقال شهرا فعدوله إلى العدد دليل على ارادة التفريق بخلاف العشرة والصحيح أنه لا يلزمه التتابع فان عدم ما يدل على التفريق ليس بدليل على التتابع فان الله تعالى قال في رمضان (فعدة من أيام أخر) ولم يذكر تفريقها ولا تتابعها ولم يجب التتابع فيها بالاتفاق وقال بعض أصحابنا ان نذر اعتكاف ايام لزمه التتابع ولا يلزم مثل ذلك في الصيام لان الاعتكاف يتصل بعضه ببعض من غير فصل الصوم يتخلله الليل فيفل بعضه من بعض ولذلك لو نذر اعتكاف يومين متتابعين لدخل فيه الليل والصحيح التسوية لان الواجب ما اقتضاه لفظه ولا يقتضي التتابع بدليل نذر الصوم وما ذكروه ومن قال يلزمه التتابع لزمته الليالي التي بين أيام الاعتكاف كما لو قال متتابعة
* (مسألة) * (وان نذر صياما متتابعا فافطر لمرض أو حيض قضى لا غير وان افطر لغير عذر لزمه الاستيفاء وإن افطر لسفر أو ما يبيح الفطر فعلى وجهين) وجملته ان من نذر صياما متتابعا غير معين لم يخل من حالين (احدهما) ان يفطر لعذر من حيض
أو مرض أو نحوه فهو مخير بين ان يبتدئ الصوم ولا شئ عليه لانه أتى بالمنذور على وجهه وبين أن يبني على صيامه ويكفر لان الكفارة تلزم لتركه المنذور وان كان عاجزا بدليل ان النبي صلى الله عليه وسلم امر اخت عقبة بن عامر بالكفارة لعجزها عن المشي ولان النذر كاليمين، ولو حلف ليصومن صياما متتابعا ثم لم يأت به متتابعا لزمته الكفارة، وانما جوزنا له البناء ههنا لان الفطر لعذر لا يقطع التتابع حكما كما لو افطر في صيام الشهرين المتتابعين لعذر كان له البناء والذي ذكره شيخنا في الكتاب المشروح انه لا كفارة عليه إذا افطر لعذر فانه قال: قضاه لا غير وهي إحدى الروايتين عن احمد، كما لو ترك التتابع في الشهرين المتتابعين لعذر فانه لا كفارة عليه كذا ههنا (الحال الثاني) ان يفطر لغير عذر فهذا يلزمه استئناف الصيام ولا كفارة عليه لانه ترك التتابع المنذور لغير عذر مع امكان الاتيان به فلزمه فعله كما لو نذر صوما معينا فصام قبله فان أفطر لعذر يبيح الفطر
كالسفر لم يقطع التتابع في أحد الوجهين لانه عذر في فطر رمضان فأشبه المرض (والثاني) يفطر لانه أفطر باختياره أشبه ما لو أفطر لغير عذر (فصل) إذا نذر صوم شهر متتابع فصام من اول الهلال أجزأه تاما كان الشهر أو ناقصا لان ما بين الهلالين شهر ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهر تسع وعشرون " وإن بدأ من أثناء شهر لزمه شهر بالعدد ثلاثون يوما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم علكيم فاكملوا ثلاثين " لانه بدأ من أثنائه، ان كان ناقصا قضى يومين وان كان تاما أتم يوما واحدا وان صام ذا الحجة أفطر يوم الاضحى وأيام التشريق ولم ينقطع تتابعه كما لو أفطرت المرأة لحيض، وعليه كفارة ويقضي أربعة أيام إن كان تاما وخمسة ان كان ناقصا والاولى أن لا يلزمه إلا أربعة إذا كان ناقصا لانه بدأ من اوله فيقضي المتروك منه حسب، وان صام من اول شهر فمرض فيه أياما معلومة أو حاضت المرأة فيه ثم طهرت قبل خروجه قضى ما افطر منه بعدته إن كان الشهر تاما وان كان ناقصا فهل يلزمه الاتيان بيوم آخر؟ على وجهين بناء على ما ذكرنا فيما إذا أفطر يوم العيد وأيام التشريق.
(فصل) إذا نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان فقدم في أول شهر رمضان فظاهر كلام الخرقي
ان هذا نذر منعقد يجزئ صيامه عن النذر ورمضان وهو قول أبي يوسف وقياس قول ابن عباس وعكرمة لانه نذر صوما في وقت وقد صام فيه، وقال القاضي في شرحه ظاهر كلام الخرقي انه غير
منعقد لان نذره وافق زمنا يستحق صومه فلم ينعقد نذره كنذر صوم رمضان قال والصحيح عندي صحة النذر لانه نذر طاعة يمكن الوفاء به غالبا فانعقد كما لو وافق شعبان فعلى هذا يصوم رمضان ثم يقضي ويكفر وهذا اختيار أبي بكر ونقل جعفر بن محمد عن احمد ان عليه القضاء وقول الخرقي: أجزأه صيامه لرمضان ونذره دليل على ان نذره انعقد عنده لولا ذلك ما كان صومه عن نذره وقد نقل أبو طالب عن احمد في من نذر ان يحج وعليه حجة مفروضة فاحرم عن النذر: وقعت عن المفروض ولا يجب عليه شئ آخر وهذا مثل قول الخرقي وروي عكرمة عن ابن عباس في رجل نذر ان يحج ولم يكن حج الفريضة قال يجزئ لهما جميعا، وعن عكرمة انه سئل عن ذلك فقال عكرمة يقتضي حجة عن نذره وعن حجة الاسلام ارأيتم لو ان رجلا نذر ان يصلي اربع ركعات فصلى العصر أليس ذلك يجزئه من العصر والنذر؟ قال فذكرت قولي لابن عباس فقال أصبت وأحسنت وقال ابن عمر وأنس يبدأ بحجة الاسلام ثم يحج لنذره وفائدة انعقاد ونذره لزوم الكفارة بتركه وانه لو لم ينوه لنذره لزمه قضاؤه وعلى هذا لو وافق نذره بعض رمضان وبعض شهر آخر اما شعبان وإما شوال لزمه صوم ما خرج عن رمضان ويتمه، ولو قال لله علي صوم رمضان فعلى قياس قول الخرقي يصح نذره ويجزئه صيامه عن الامرين ولزمته الكفارة ان اخل به وعلى قول القاضي لا ينعقد نذره وهو مذهب الشافعي لانه لا يصح صومه عن النذر أشبه الليل.
ولنا أن النذر يمين فينعقد في الواجب موجبا للكفارة كاليمين بالله تعالى وقد نقل عن أحمد فيمن نذر أن يحج العام وعليه حجة الاسلام روايتان.
(إحداهما) تجزئه حجة الاسلام عنها وعن نذره نقلها أبو طالب (والثانية) ينعقد نذره موجبا لحجة غير الاسلام ويبدأ بحجة الاسلام ثم يقضي نذره نقلها ابن منصور لانهما عبادتان تجبان بسببين
مختلفين فلم تسقط إحداهما بالاخرى كما لو نذر حجتين.
ووجه الاولى انه نذر عبادة في وقت معين وقد أتى بها فيه فأشبه ما لو قال لله علي ان أصوم رمضان.
(فصل) فأما ان قال لله علي ان أصوم شهرا فنوى صيام شهر رمضان لنذره ورمضان لم يجزئه لان شهر رمضان واجب يفرض الله تعالى ونذره يقتضي إيجاب شهر فيجب شهران بسببين فلا يجزئ أحدهما عن الآخر كما لو نذر صوم شهرين وكما لو نذر أن يصلي ركعتين لم تجزئه صلاة الفجر عن نذره وعن الفجر * (مسألة) * (وان نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم عنه لكل يوم مسكينا ويحتمل أن يكفر ولا شئ عليه) من نذر طاعة لا يطيقها أو كان قادار عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين لما روى عقبة بن عامر قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته
فقال " لتمش ولتركب " متفق عليه ولابي داود " ولتكفر يمينها " وللترمذي " ولتصم ثلاثة أيام " وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين " قال " ومن نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين " رواه أبو داود وقال وقفه من رواه عن ابن عباس وقال ابن عباس من نذر نذرا يطيقه فليف بما نذر فإذا كفر وكان المنذور غير الصيام لم يلزمه شئ آخر وان كان صياما فعن احمد روايتان (احداهما) يلزمه لكل يوم اطعام مسكين قال القاضي وهذا أصح لانه صوم وجد سبب ايجابه عبثا فإذا عجز عنه لزمه ان يطعم عن كل يوم مسكينا كصوم رمضان ولان المطلق من كلام الادمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى، ولو عجز عن الصوم المشروع اطعم عن كل يوم مسكينا كذلك إذا عجز عن الصوم المنذور (والثانية) لا يلزمه شئ آخر من اطعام ولا غيره لقوله من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين وهذا يقتضي أن تكون كفارة اليمين جميع كفارته ولانه نذر عجز عن الوفاء به فكان الواجب
فيه كفارة يمين كسائر النذر ولان موجب النذر موجب اليمين الا مع إمكان الوفاء به إذا كان قربة ولا يصح قياسه على صوم رمضان لوجهين (أحدهما) ان رمضان يطعم عنه عند العجز بالموت فكذلك في الحياة (الثاني) ان قياس المنذور على المنذور أولى من قياسه على المفروض باصل الشرع لان هذا قد وجبت فيه كفارة فاجزأت عنه بخلاف المشروع
(فصل) وان عجز عن الصوم لعارض يرجى زواله من مرض أو نحوه انتظر زواله ولا تلزمه كفارة ولا غيرها لانه لم يفت الوقت فيشبه المريض في شهر رمضان فان استمر عجزه إلى ان صار غير مرجو الزوال صار إلى الكفارة والفدية على ما ذكرنا من الخلاف فيه، فان كان العجز المرجو الزوال عن صوم معين فات وقته انتظر الامكان ليقضيه وهل تلزمه لفوات الوقت كفارة، على روايتين ذكرهما أبو الخطاب (إحداهما) تجب الكفارة لاته اخل بما نذره على وجهه فلزمته الكفارة كما لو نذر المشي إلى بيت الله الحرام فعجز ولان النذر كاليمين ولو حلف ليصومن هذا الشهر لزمته الكفارة كذا ههنا (والثانية) لا يلزمه لانه أتى بصيام اجزأ عن نذره من غير تفريطه فلم تلزمه كفارة كما لو صام عينه (فصل) فان نذر غير الصيام فعجز عنه كالصلاة ونحوها فليس عليه الا الكفارة لان الشرع لم يجعل لذلك حدا يصار إليه فوجبت الكفارة لمخالفته نذره فقط وان عجز عنه لعارض فحكمه حكم الصيام سواء فيما فصلناه (فصل) وان نذر صياما ولم يسم عددا ولم ينوه اجزأه صوم يوم لا خلاف فيه لانه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه لانه اليقين فان نذر صلاة مطلقة ففيها روايتان (إحداهما) تجزئه ركعة نقلها اسماعيل بن سعيد لان أقل الصلاة ركعة فان الوتر صلاة مشرعة وهي ركعة واحدة وروي عن عمر رضي الله عنه أنه تطوع بركعة واحدة
(والثانية) لا يجزئه إلا ركعتان ذكرها الخرقي وبه قال أبو حنيفة لان أقل صلاة وجبت بالشرع ركعتان
فوجب حمل النذر عليه، وأما الوتر فهو نفل والنذر فرض فحمله على المفروض أولى ولان الركعة لا تجزئ في الفرض ولا تجزئ في النفل كالسجدة وللشافعي قولان كالروايتين فاما ان عين بنذره عددا لزمه قل أو كثر لان النذر يثبت بقوله فكذلك عدده فان نوى عددا فهو كما لو سماه لانه نوى بلفظه ما يحتمله فلزمه حكمه كاليمين (فصل) وان نذر صوم الدهر لزمه ولم يدخل في نذره رمضان ولا أيام العيد والتشريق فإذا افطر لعذر أو غيره لم يقضه لان الزمن مستغرق بالصوم المنذور لكن تلزمه كفارة لتركه وان لزمه قضاء لرمضان أو كفارة قدمه على النذر لانه واجب باصل الشرع فيقدم على ما اوجبه على نفسه لتقديم حجة الاسلام على المنذورة وإذا لزمته كفارة لتركه صوم يوم أو أكثر وكانت كفارته الصيام احتمل ان يجب لانه لا يمكن التكفير الا بترك الصوم المنذور وتكره يوجب كفارة فيفضي إلى التسلسل وترك المنذور بالكلية ويحتمل ان تجب الكفارة ولا يجب بفعلها كفارة لان ترك النذر لعذر لا يوجب كفارة فلا يفضي إلى التسلسل والله أعلم * (مسألة) * (وان نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا المشي في حج أو عمرة فان ترك المشي لعجز أو غيره فعليه كفارة يمين وعنه عليه دم) وجملة ذلك ان من نذر المشي إلى بيت الله عزوجل لزمه الوفاء بنذره وبهذا قال مالك
والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر ولا نعلم فيه خلافا لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من نذر ان يطيع الله فليطعه - وقال - لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى " ولا يجزئه المشي الا في حج أو عمرة وبه يقول الشافعي ولا نعلم فيه خلافا وذلك لان المشي إليه في الشرع هو المشي في حج أو عمرة فإذا اطلق الناذر حمل على المعهود الشرعي ويلزمه المشي لنذره اياه فان عجز عن المشي ركب وعليه كفارة يمين وعن احمد رواية أخرى أنه يلزمه دم وهو قول الشافعي وبه قال عطاء لما روى ابن عباس ان أخت عقبة بن عامر نذرت المشي إلى بيت الله الحرام فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم ان تركب وتهدي هديا رواه أبو داود وفيه ضعف لانه أخل بواجب في الاحرام فلزمه هدي كتارك الاحرام من المقيات وعن ابن عمر وابن الزبير قالا يحج من قابل
ويركب ما مشي ويمشي ما ركب ونحوه قال ابن عباس وزاد ويهدي وعن الحسن مثل الاقوال الثلاثة وعن النخعي روايتان (إحداهما) كقول ابن عمر (والثانية) كقول ابن عباس وهذا قول مالك وقال أبو حنيفة يلزمه هدي سواء عجز عن المشي أو قدر عليه وأقل الهدي شاة وقال الشافعي لا تلزمه مع العجز كفارة بحال الا ان يكون النذر إلى بيت الله فهل يلزمه هدي؟ فيه قولان وأما غيره فلا يلزم مع العجز شئ ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لاخت عقبة بن عامر لما نذرت المشي إلى بيت الله " لتمش ولتركب
ولتكفر يمينها " وقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفارة النذر كفارة اليمين " ولان المشي مما لا يوجبه الاحرام فلم يجب الدم يتركه كما لو نذرت صلاة ركعتين فتركتهما وحديث الهدي ضعيف وهذا حجة على الشافعي حيث أوجب الكفارة عليها من غير ذكر العجز فان قيل ان النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه الكفارة من غير ذكر العجز قلنا يتعين حمله على حالة العجز لان المشي قربة لكونه مشيا إلى عبادة والمشي إلى العبادة أفضل ولهذا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يركب في عيد ولا جنازة فلو كانت قادرة على المشي لامرها به ولم يأمرها بالتكفير ولان المشي المقدور عليه لا يخلو من ان يكون واجبا أو مباحا فان كان واجبا لزم الوفاء به وان كان مباحا لم تجب الكفارة بتركه عند الشافعي وقد أوجب الكفارة ههنا وترك ذكره في الحديث إما لعلم النبي صلى الله عليه وسلم بحالها وعجزها وإما لان الظاهر من حال المرأة العجز عن المشي إلى مكة أو يكون قد ذكر في الخبر فترك الراوي ذكره وقول أصحاب أبي حنيفة إنه اخل بواجب في الحج قلما المشي لم يوجبه الاحرام ولا هو من مناسكه فلم يجب بتركه هدي كما لو نذر صلاة ركعتين في الحج فلم يصلهما فاما ان ترك المشي مع إمكانه فقد اساء وعليه كفارة لتركه صفة النذر وقياس المذهب ان يلزمه استئناف الحج ماشيا لتركه صفة المنذور كما لو نذر صوما متتابعا فأتى به متفرقا، فان عجز عن المشي بعد الحج كفر واجزأه وان مشي بعض الطريق وركب بعضا فعلى هذا القياس يحتمل ان يكون كقول
ابن عمر وهو ان يحج فيمشي ما ركب ويركب ما مشي ويحتمل ان لا يجزئه الا حج يمشي في جميعه
لان ظاهر النذر يقتضي هذا ووجه القول الاول وهو الا يلزمه بترك المشي المقدور عليه أكثر من كفارة ان المشي ليس بمقصود في الحج ولا ورد الشرع باعتباره في موضع فلم يلزمه بتركه أكثر من كفارة كما لو نذر النحفي وشبهه وفارق التتابع في الصيام فانه صفة مقصودة فيه اعتبرها الشرع في صيام كفارتي الظهار والقتل * (مسألة) * (فان نذر الركوب فمشى فعلى الروايتين) إذا نذر الحج راكبا لزمه الحج كذلك لان فيه انفاقا في الحج فان ترك الركوع فعليه كفارة وقال أصحاب الشافعي يلزمه دم لترفهه بترك الانفاق وعن احمد مثل ذلك وقد بينا ان الواجب بترك النذر الكفارة دون الهدي الا ان هذا إذا مشى ولم يركب مع امكانه لم يلزمه أكثر من كفارة لان الركوب في نفسه ليس بطاعة ولا قربة، وكل موضع نذر المشي فيه أو الركوب فانه يلزمه الاتيان بذلك من ديرة أهله إلا أن ينوي موضعا بعينه فيلزمه من ذلك الموضع لان النذر محمول على أصله في الفرض، والحج المفروض يجب كذلك ويحرم للمنذور من حيث يحرم للواجب وقال بعض الشافعية يجب الاحرام من دويرة أهله لان اتمام الحج كذلك ولنا ان المطلق محمول على المعهود في الشرع، والاحرام الواجب انما هو من الميقات ويلزمه
المنذور من المشي أو الركوب في الحج والعمرة إلى ان يتحلل لان ذلك انقضاء الحج والعمرة.
قال احمد يركب في الحج إذا رمى وفي العمرة إذا سعى لانه لو وطئ بعد ذلك لم يفسد حجه ولا عمرته، وهذا يدل على أنه انما يلزمه في الحج التحلل الاول (فصل) وإذا نذر المشي إلى البيت الحرام أو بقعة منه كالصفا والمروة وابي قبيس، أو موضع من الحرم لزمه حج أو عمرة نص عليه احمد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يلزمه إلا أن ينذر المشي إلى الكعبة أو إلى مكة، وقال أبو يوسف ومحمد ان نذر المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام كقولنا وفي باقي الصور كقول ابي حنيفة ولنا أنه نذر المشي إلى موضع من الحرم أشبه النذر إلى مكة فاما ان نذر المشي إلى غير الحرم
كعرفة ومواقيت الاحرام وغير ذلك لم يلزمه ذلك ويكون كنذر المباح وكذلك ان نذر اتيان مسجد سوى المساجد الثلاثة لم يلزمه اتيانه، وان نذر الصلاة فيه لزمه الصلاة دون المشي ففي أي موضع صلى أجزأه لان الصلاة لا تختص مكانا دون مكان فلزمته الصلاة دون الموضع ولا نعلم في هذا خلافا الا عن الليث فانه قال لو نذر صلاة أو صياما بموضع لزمه فعله في ذلك الموضع ومن نذر المشي إلى مسجد مشى إليه قال الطحاوي ولم يوافقه على ذلك أحد من الفقهاء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى " متفق عليه ولو لزمه المشي إلى مسجد بعيد لشد الرحل إليه وقد ذكرناه في الاعتكاف
(فصل) فان نذر المشي إلى بيت الله ولم ينو شيئا ولم يعينه انصرف إلى بيت الله الحرام لانه المخصوص بالقصد دون غيره، واطلاق بيت الله ينصرف إليه دون غيره في العرف فينصرف إليه في النذر (فصل) إذا نذر المشي إلى بيت الله والركوب إليه ولم يرد بذلك حقيقة المشي انما أراد اتيانه لزمه اتيانه في حج أو عمرة وعن ابي حنيفة لا يلزمه شئ لان مجرد اتيانه ليس بقربة ولا طاعة ولنا انه علق نذره بوصول البيت فلزمه كما لو قال لله علي المشي إلى الكعبة إذا ثبت هذا فانه مخير في المشي والركوب، وكذلك إذا نذر أن يحج البيت أو يزوره لان الحج يحصل بكل واحد من الامرين فلم يتبين أحدهما وان قال لله علي ان آتي البيت الحرام غير حاج ولا معتمر لزمه الحج أو العمرة وسقط شرطه وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لان قوله لله علي ان آتي البيت يقتضي حجا أو عمرة وشرط سقوط ذلك يخالف نذره فسقط حكمه.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: