الفقه الحنبلي - احكام الصيام - الاعتكاف
(مسألة) وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين ولا يستحب لمن كان بعرفة صيام هذين اليومين مستحب لما روي أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيام عرفة " أني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة
التي بعده " وقال في صيام عاشوراء " أني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " أخرجه مسلم (فصل) يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم هذا قول سعيد بن المسيب والحسن لما روي ابن عباس قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح وروى عن ابن عباس أنه التاسع وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع أخرجه مسلم بمعناه وروي عنه عطاء أنه قال صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود فعلى هذا يستحب صوم
التاسع والعاشر نص عليه احمد وهو قول اسحاق وقال احمد فان اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام وانما يفعل ذلك ليحصل له التاسع والعاشر يقينا (فصل) واختلف في صوم عاشوراء هل كان واجبا فذهب القاضي إلى أنه لم يكن واجبا وقال هذا قياس المذهب واستدل بأمرين (أحدهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يأكل بالصوم والنية في الليل شرط في الواجب
(والثاني) أنه لم يأمر من أكل بالقضاء ويشهد لهذا ما روى معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ان هذا يوم عاشوراء لم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر " وهو حديث صحيح وروي عن أحمد أنه كان مفروضا لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه فلما افترض رمضان كان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه حديث صحيح وحديث معاوية محمول على أنه أراد ليس هو مكتوبا عليكم الآن، وأما تصحيحه بنية من النهار وترك الامر بقضائه فيحتمل أن يقول من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه كما قلنا فيمن أسلم وبلغ في اثناء يوم من رمضان على أنه قد روى أبو داود ان أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " صمتم يومكم هذا؟ " قالوا لا قال " فأتموا يقية يومكم واقضوه " (فصل) فأما يوم عرفة فهو اليوم التاسع من ذي الحجة لا نعلم فيه خلافا سمي بذلك لان الوقوف بعرفة فيه وقيل سمي بذلك لان ابراهيم عليه السلام أري في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه فأصبح يومه يتروى هل هذا من الله أو حلم فسمي يرم التروية فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح فعرف أنه من الله فسمي يوم عرفة وهو يوم شريف عظيم وفضله كبير
(فصل) ولا يستحب لمن كان بعرفة أن يصومه ليتقوى على الدعاء عند اكثر أهل العلم وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه، وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، وقال عطاء أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف لان كراهة صومه انما هي معللة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان
في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة ولنا ما روي عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا بين يديها يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره، بعرفات فشربه النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وقال ابن عمر حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه يعني يوم عرفة ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه، قال الترمذي حديث حسن وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة رواه أبو داود لان الصوم يضعفه ويمنعه من الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله فيه واجابه دعائه فكان تركه أفضل
(مسألة) (ويستحب صيام عشر ذي الحجة) أيام عشر ذي الحجة كلها شريفة مفضلة يضاعف العمل الصالح فيها ويستحب صومها والاجتهاد في العبادة فيها لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الايام يعني أيام العشر قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ " حديث حسن صحيح، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أيام احب إلى الله بأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر " اخرجه الترمذي وقال غريب، وروى أبو داود عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء (مسألة) (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) وذلك لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (مسألة) (ويكره افراد رجب بالصوم) قال احمد ان صام رجل افطر فيه يوما أو اياما بقدر ما لا يصومه كله وذلك لما روى احمد
باسناده عن خرشة ابن الحر قال رأيت عمر يضرب اكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول كلوا فانما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية، وباسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب كرهه وقال صوموا منه وافطروا وعن ابن عباس نحوه، وباسناده عن أبي بكرة انه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا؟ فقالوا رجب نصومه فقال أجعلتم رجب رمضان فاكفأ السلال وكسر الكيزان قال احمد من كان يصوم السنة صامه والا فلا يصومه متواليا بل يفطر فيه لاو يشبهه برمضان (مسألة) (ويكره افراد يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الشك ويوم النيروز والمهرجان ألا أن يوافق عادة) وجملته انه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم الا أن يوافق عادة مثل من يصوم يوما ويفطر يوما فيوافق صومه يوم الجمعة أو من عادته صومه أول يوم الشهر أو آخره أو يوم لضعفه ونحو ذلك نص
عليه احمد في رواية الاثرم قال قيل لابي عبد الله صيام يوم الجمعة فذكر حديث النهي ان يفرد ثم قال الا ان يكون في صيام كان يصومه، أما ان يفرد بفلا قال قلت رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما فوقع فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة وفطره يوم السبت فصام الجمعة مفردا فقال هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة انما كره ان يتعمد الجمعة، وقال أبو حنيفة ومالك لا يكره افراد الجمعة لانه يوم فأشبه سائر الايام.
ولنا ما روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يصومن احدكم يوم الجمعة الا ان يصوم يوما قبله أو يوما بعده " وقال محمد بن عباد سألت جابرا: انهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال نعم متفق عليهما وعن جويرية بنت الحرث ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال " صمت امس؟ " قالت لا قال " اتريدين ان تصومي غدا؟ " قال لا قال " فافطري " رواه البخاري وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم احق ان تتبع وهذا الحديث يدل على ان المكروه افراده لانه نهيه معلل بكونها لم تصم أمس ولا غدا
(فصل) ويكره افراد يوم السبت بالصوم ذكره أصحابنا لما روى عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " قال الترذي هذا حديث حسن، وروي أيضا عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فان لم يجد أحدكم إلا لحاء من عنب أو عود شجرة فليمضغه " رواه أبو داود قال اسم أخت عبد الله بن بسر هجيمة أو جهيمة، قال الاثرم قال أبو عبد الله: أما صيام يوم السبت ينفرد به، فقد جاء فيه حديث الصماء والمكروه افراده فان صام معه غيره لم يكره لحديث أبي هريرة وجويرية، وإن وافق صوما لانسان لم يكره لما قدمناه (فصل) ويكره صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مصحية ولم يروا الهلال الا أن يوافق صوما كان يصومه كمن عادته صوم يوم، وفطر يوم أو صوم يوم الخميس، أو صوم آخر يوم من الشهر وشبه ذلك، أو من صام قبل ذلك بأيام فلا بأس بصومه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه " متفق عليه، ويحتمل أن يحرم لقول عمار: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
حديث حسن صحيح
(فصل) ويكره أفراد يم النيروز والمهرجان بالصوم ذكره أصحابنا لانهما يومان يعظمها الكفار فيكون تخصيصهما بالصيام دون غيرهما موافقة لهم في تعظيمهما فكره كيوم السبت، وعلى قياس هذا كل عيد للكفار، أو يوم يفردونه بالتعظيم يكره افراده بالصوم لما ذكرنا إلا أن يوافق عادة فلا يكره لما ذكرنا في الفصول المتقدمة (فصل) في الوصال وهو ان لا يفطر بين اليومين أو الايام بأكل وشرب وهو مكروه في قول اكثر أهل العلم وروي عن ابن الزبير انه كان يواصل اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا ما روى ابن عمر قال واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقالوا انك تواصل فقال " إني لست مثلكم اني اطعم واسقي " متفق عليه وهذا يقتضي
اختصاصه بذلك ومنع الحاق غيره به وقوله (اني أطعم وأسقى) يحتمل أنه أراد أني اعان على الصيام ويغنيه الله تعالى عن الشراب والطعام بمنزلة من طعم وشرب ويحتمل أنه اراد إني أطعم حقيقة واسقي حقيقة حملا للفظ على حقيقته والاول اظهر لوجهين (أحدهما) أنه لو طعم وشرب حقيقة لم يكن مواصلا وقد أقرهم على قولهم انك تواصل (والثاني) أنه قد روي أنه قال " اني اظل يطعمني ربي ويسقيني " وهذا يقتضي أنه في النهار ولا يجوز الاكل في النهار له ولا لغيره.
إذا ثبت هذا فان الوصال غير محرم وظاهر قول الشافعي أنه حرام لظاهر النهي ولنا (1) أنه ترك الاكل والشرب المباح فلم يكن محرما كما لو تركه في حال الفطر فان قيل فصوم يوم العيد محرم مع كونه تركا للاكل والشرب المباح قلنا ما حرم ترك الاكل والشرب بنفسه وانما حرم نية الصوم ولهذا لو تركه من غير نية الصوم لم يكن محرما وأما النهي فانما أتى به رحمة لهم ورفقا بهم لما فيه من المشقة عليهم كما نهى عبد الله بن عمرو عن صيام النهار وقيام الليل وعن قراءة القرآن في أقل من ثلاث وقالت عائشة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم وهذه قرينة صارفة عن التحريم ولهذا لم يفهم منه اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التحريم بدليل أنهم واصلوا بعده ولو فهموا منه التحريم لما فعلوه قال أبو هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ويوما ثم رأوا الهلال فقال " لو تأخر لزدتكم " كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا متفق عليه فان واصل إلى السحر جاز لما روى أبو سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تواصلوا فأيكم اراد أن يواصل فليواصل إلى السحر أخرجه البخاري وتجيل الفطر أفضل لما قدمناه
(فصل) في صوم الدهر روى أبو قتادة قال قيل يارسول الله فكيف بمن صام الدهر؟ قال " لا صام ولا افطر أو لم يصم ولم يفطر " قال الترمذي هذا حديث حسن وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام الدهر ضيقت عليه جهنم " قال الاثرم قيل لابي عبد الله وفسر مسدد حديث أبي موسى من صام الدهر ضيقت عليه جهنم فلا يدخلها فضحك وقال من قال هذا؟ وأين حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك وما فيه من الاحاديث؟ قال أبو الخطاب انما يكره
إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق لان احمد قال إذا افطر يومي العيدين وأيام التشريق رجوت ان لا يكون بذلك بأس.
وروي نحو هذا عن مالك وهو قول الشافعي لان جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم منهم أبو طلحة قيل إنه صام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم اربعين سنة قال شيخنا ويقوى عندي أن صوم الدهر مكروه وان لم يصم هذه الايام فان صامها فقد فعل محرما وانما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف وشبه التبتل المنهي عنه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبدالله بن عمرو " انك لتصوم الدهر وتقوم الليل؟ " قال نعم قال " انك إذا فعلت ذلك هجمت له عينك (1) ونفهت له النفس، لا صام من صام الدهر، صوم ثلاثة أيام صوم الدهر كله " وذكر الحديث رواه البخاري.
(فصل) ويكره استقبال رمضان باليوم واليومين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين الا ان يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه " متفق عليه وما وافق من هذا كله عادة فلا بأس لهذا الحديث، وقد دل هذا الحديث بمفهومه على جواز التقدم باكثر من يومين، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان " وهذا حديث حسن فيحمل الاول على الجواز، وهذا على نفي الفضيلة جمعا بينهما (مسألة) (ولا يجوز صوم العيدين عن فرض ولا تطوع وان قصد صيامهما كان عاصيا ولم يجزه عن الفرض) اتفق اهل العلم على ان صوم يومي العيدين محرم في التطوع والنذر المطلق والقضاء والكفارة وذلك لما روى أبو عبيد مولى إبن أزهر قال شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فجاء فصلى ثم أنصرف فخطب الناس فقال ان هذين يومين نهى رسول الله (ص) عن صيامهما يوم فطركم من
صيامكم والآخر يوم تأكلون من نسككم وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم فطر ويوم اضحى متفق عليهما والنهي يقتضي فساد المنهى عنه وتحريمه اما
صومهما عن النذر المعين ففيه خلاف نذكره في باب النذر ان شاء الله تعالى (مسألة) (ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا وفي صيامها عن الفرض روايتان) وجملة ذلك أن أيام التشريق منهي عن صيامها لما روى نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عزوجل " رواه مسلم، وعن عمرو بن العاص أنه قال: هذه الايام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بافطارها وينهي عن صيامها، قال مالك وهي أيام التشريق رواه أبو داود، ولا يحل صيامها تطوعا في قول أكثر أهل العلم، وعن ابن الزبير أنه كان يصومها، وروي نحو ذلك عن ابن عمر والاسود بن يزيد وعن أبي طلحة أنه كان لا يفطر إلا يومي العيدين، والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها، ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره، وأما صومها عن الفرض ففيه روايتان (احداهما) لا يجوز لانه منهي عن صيامها فأشبهت يومي العيدين (والثانية) يجوز لما روي عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا: لم يرخص في أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي أن يصوم وهو حديث صحيح ويقاس عليه سائر المفروض (مسألة) (ومن شرع في صوم أو صلاة تطوعا استحب له اتمامه ولا يلزمه، فان أفسده فلا قضاء عليه) لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما أصبحا صائمين ثم أفطرا، وقال ابن عمر لا بأس به ما لم يكن نذرا أو قضاء رمضان، وقال ابن عباس إذا صام الرجل تطوعا ثم شاء أن يقطعه قطعه، وإذا دخل في صلاة تطوعا ثم شاء ان يقطعها قطعها، وقال ابن مسعود متى أصبحت تريد الصوم فأنت على خير النظرين، إن شئت صمت وإن شئت أفطرت، هذا قول أحمد والثوري والشافعي واسحاق، وفد روى حنبل عن أحمد إذا أجمع على الصيام فأوجبه على نفسه فأفطر من غير عذر أعاد ذلك اليوم وهذا محمول على أنه استحب ذلك أو نذره ليكون موافقا لسائر الروايات عنه، وقال النخعي وأبو حنيفة ومالك: يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر فان خرج قضاه، وعن مالك لا قضاء عليه، واحتج من أوجب القضاء بما روي عن عائشة أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين
فأهدي لنا حيس فأفطرنا ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اقضيا يوما مكانه " ولانها عبادة تلزم بالنذر فلزمت بالشروع فيها كالحج والعمرة ولنا ما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال " هل عندكم شئ " فقلت لا، قال " فاني صائم " ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي لنا حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قلت يارسول الله: انه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه قال " ادنيه أما اني قد أصبحت وانا صائم " فأكل منه ثم قال " انما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فان شاء أمضاها، وإن شاء حبسها " هذا لفظ رواية النسائي وهو أتم من غيره وروت أم هانئ قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بشراب فناولنيه فشربت منه ثم قلت يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها " أكنت تقضين شيئا؟ " قالت لا، قال " فلا يضرك إن كان تطوعا " رواه سعيد وأبو داود والاثرم، وفي لفظ قالت قلت اني صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المتطوع أمير نفسه، فان شئت فصومي، وإن شئت فافطري " ولان كل صوم لو أتمه كان تطوعا إذا خرج منه لم يجب قضاؤه كما لو اعتقد أنه من رمضان فبان من شعبان، فأما خبرهم فقال أبو داود لا يثبت، وقال الترمذي فيه مقال وضعفه الجوزجاني وغيره، ثم هو محمول على الاستحباب، إذا ثبت هذا فانه يستحب له اتمامه، وإن خرج منه استحب قضاؤه للخروج من الخلاف وعملا بالخبر الذي رووه (فصل) وسائر النوافل من الاعمال حكمها حكم الصيام في أنها لا تلزم بالشروع ولا يجب قضاؤها إذا أفسدها إلا الحج والعمرة فانهما يخالفان سائر العبادات في هذا لتأكد احرامهما ولا يخرج منهما بافسادهما ولو اعتقد أنهما واجبان ولم يكونا واجبين لم يكن له الخروج منهما، وقد روي عن أحمد في الصلاة ما يدل على أنها تلزم بالشروع، قال الاثرم قلت لابي عبد الله الرجل يصبح صائما متطوعا، أيكون بالخيار؟ والرجل يدخل في الصلاة له أن يقطعها، قال الصلاة أشد أما الصلاة فلا يقطعها، قيل له فان قطعها قضاها؟ قال إن قضاها فليس فيه اختلاف ومال أبو إسحاق الجوزجاني إلى هذا
القول وقال الصلاة ذات احرام واحلال فلزمت بالشروع فيها كالحج، وأكثر أصحابنا على أنها لا تلزم أيضا وهو قول ابن عباس لان ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة، والحج والعمرة يخالفان غيرهما بما ذكرنا
(فصل) فان دخل في صوم واجب كقضاء رمضان أو نذر معين، أو مطلق، أو صيام كفارة لم يجز له الخروج منه لان المتعين وجب الدخول فيه وغير المتعين بدخوله فيه فصار بمنزلة المتعين وهذا لا خلاف فيه بحمد الله (مسألة) (وتطلب ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان وليالي الوتر آكدها) ليلة القدر ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة قال الله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) قيل معناه العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه، قيل انما سميت ليلة القدر لانه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من خير ومصيبة، ورزق وبركة، يروي ذلك عن ابن عباس قال الله تعالى (يفرق فيها كل أمر حكيم) وسماها مباركة فقال تعالى (أنا أنزلناه في ليلة مباركة) وهي ليلة القدر بدليل قوله تعالى (انا أنزلناه في ليلة القدر) وقال تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) يروى أن جبريل نزل به من بيت العزة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما في ثلاث وعشرين سنة وهي باقية لم ترفع لما روى أبو ذر قال قلت يارسول الله ليلة القدر رفعت مع الانبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة؟ فقال " باقية إلى يوم القيامة " قلت في رمضان أو في غيره؟ قال " في رمضان " فقلت في العشر الاول أو الثاني أو الآخر؟ فقال " في العشر الآخر " واكثر أهل العلم على أنها في رمضان وكان ابن مسعود يقول من يقم الحول يصيبها يشير إلى
أنها في السنة كلها، وفي كتاب الله تعالى ما يبين أنها في رمضان لان الله تعالى أخبر أنه انزل القرآن في ليلة القدر وأنه أنزله في رمضان فيجب ان يكون في رمضان لئلا يتناقض الخبران ولان النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر أنها في رمضان في حديث ابي ذر وقال التمسوها في العشر الاواخر في كل وتر متفق عليه وقال أبي بن كعب والله لقد علم ابن مسعود انها في رمضان ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا، إذا ثبت هذا فانه يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الاواخر آكد وفي ليالي الوتر آكد قال احمد في العشر الاواخر في الوتر من الليالي لا تخطئ ان شاء الله كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اطلبوها في العشر الاواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين " وروى سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الاواخر فالتمسوها في العشر الاواخر في الوتر منها " متفق عليه وقالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الاواخر من رمضان، وفي لفظ البخاري تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الاواخر من رمضان والاحاديث في ذلك كثيرة صحيحة (مسألة) (وأرجاها ليلة سبع وعشرين) اختلف أهل العلم في أرجى هذا الليالي فقال أبي بن كعب وعبد الله بن عباس هي ليلة سبع
وعشرين قال زر بن بن حبيش قلت لابي بن كعب أما علمت أبا المنذر أنها ليلة سبع وعشرين، قال اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع فعددنا وحفظنا والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان وانها ليلة سبع وعشرين ولكنه كره أن يخبركم فتتكلوا، قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى أبو ذر في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم بهم في رمضان حتى بقي سبع فقام بهم حتى مضى نحو من ثلث الليل ثم قام بهم في ليلة خمس وعشرين حتى مضى نحو من شطر الليل حتى كانت ليلة سبع وعشرين فجمع نساءه وأهله واجتمع الناس قال فقام بهم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور متفق عليه وحكي عن ابن عباس انه قال: سورة القدر ثلاثون كلمة السابعة والعشرين منها (هي) وروى أبو داود باسناده عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال " ليلة سبع وعشرين " وقيل آكدها ليلة ثلاث وعشرين لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ان عبد الله بن أنيس سأله فقال يارسول الله اني أكون
ببادية يقال لها الوطاة واني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها في المسجد فأصليها فيه فقال " انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيها وإن احببت أن تستتم آخر هذا الشهر فافعل وإن أحببت فكف " فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد.
رواه أبو داود مختصرا، وقيل آكدها ليلة أربع وعشرين لانه روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه قال ليلة القدر أول ليلة من السبع الاواخر، وروي عن بعض الصحابة انه قال: لم نكن نعد عددكم هذا وانما نعد من آخر الشهر يعني ان السابعة والعشرين هي أول ليلة من السبع الاواخر، وقيل آكدها ليلة احدى وعشرين لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " أريت ليلة القدر ثم أنسيتها فالتمسوها في العشر الاواخر في الوتر واني رأيت أني أسجد في صبيحتها في ماء وطين " قال فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان من جريد النخل فأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الماء والطين في جبهته، وفي حديث " في صبيحة احدى وعشرين " متفق عليه قال الترمذي قد روي انها ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين وآخر ليلة، وقال أبو قلابة انها تنتقل في ليالي العشر قال الشافعي كان هذا عندي والله أعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل، فعلى هذا كانت في السنة التي رأى أبو سعيد ان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ليلة احدى وعشرين وفي السنة التي أمر عبد الله بن أنيس ليلة ثلاث وعشرين وفي السنة التي رأى أبي بن كعب علامتها ليلة سبع وعشرين
وقد ترى علامتها في غير هذه الليالي قال بعض أهل العلم أبهم الله هذه الليلة على الامة ليجتهدوا في طلبها ويجدوا في العبادة في الشهر كله طمعا في ادراكها كما أخفى ساعة الاجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله واخفى اسمه الاعظم في الاسماء ورضاه في الطاعات ليجتهدوا في جميعها واخفى الاجل وقيام الساعة ليجد الناس في العلم حذرا منها (فصل) والمشهور من علامتها ما ذكره أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع من صبيحتها
بيضاء لا شعاع لها وفي بعض الاحاديث بيضاء مثل الطست وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها " ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس من صبيحتها لا شعاع لها " (مسألة) (ويستحب أن يجتهد فيها في الدعاء ويدعو فيها بما روي عن عائشة أنها قالت يارسول الله ان وافقتها بم أدعوا قال " قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني " (كتاب الاعتكاف) (وهو لزوم المسجد لطاعة الله) الاعتكاف في اللغة لزوم الشئ وحبس النفس عليه برا كان أو غيره ومنه قوله تعالى (يعكفون على أصنام لهم) قال الخليل عكف يعكف ويعكف وهو في الشرع الاقامة في المسجد لطاعة الله تعالى على صفة نذكرها، وهو قربة وطاعة قال الله تعالى (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين) وقالت عائشة كان
النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الاواخر متفق عليه وروى ابن ماجة في سننه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المعتكف " هو يعكف الذنوب ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها " الا أن الحديث ضعيف فيه فرقد السنجي قال أبو داود لاحمد رحمه الله تعرف في فضل الاعتكاف شيئا؟ قال لا إلا شيئا ضعيفا (مسألة) (وهو سنة الا أن ينذره فيجب) لا نعلم خلافا في استحبابه وانه إذا نذره وجب عليه قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا الا ان يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا فيجب عليه ويدل على أنه سنة أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه تقربا إلى الله وطلبا لثوابه واعتكف أزواجه بعده ومعه ويدل على أنه غير واجب أن اصحابه لم يعتكفوا ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به إلا من أراده وقال عليه السلام " من أراد ان يعتكف فليعتكف العشر الاواخر " ولو كان واجبا لم يعلقه بالارادة، وأما إذا نذره فيجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من نذر ان يطع الله فليطعه " وعن عمر أنه قال يارسول الله إني نذرت ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواهما البخاري
(فصل) فان نوى الاعتكاف مدة لم يلزمه فان شرع فيها فله اتمامها والخروج منها متى شاء،
وبهذا قال الشافعي وقال مالك: يلزمه بالنية مع الدخول فيه، فان قطعه فعليه قضاؤه، قال ابن عبد البر لا يختلف في ذلك الفقهاء ويلزمه القضاء عند جميع العلماء، قال وإن لم يدخل فيه فالقضاء مستحب ومن العلماء من أوجبه وإن لم يدخل فيه، واحتج بما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها فأمرت ببنائها فضرب وسألت حفصة أن يستأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلت فأمرت ببنائها فضرب، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببنائها فضرب قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح دخل معتكفه، فلما صلى الصبح انصرف فبصر بالابنية فقال " ما هذا؟ " فقالوا بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " البر أردتن ما أنا بمعتكف " فرجع فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال، متفق على معناه، ولانها عبادة تتعلق بالمسجد فلزمت بالدخول فيها كالحج وما ذكره ابن عبد البر فليس بشئ، فان هذا ليس باجماع ولا يعرف هذا القول عن أحد سواه، وقال الشافعي: كل عمل لك أن لا تدخل فيه، فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة، ولم يقم الاجماع على لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة، وإذا كانت العبادات التي لها أصل في الوجوب لا تلزم بالشروع فما ليس له أصل في الوجوب أولى، وقد انعقد الاجماع على أن الانسان لو نوى الصدقة بمال قدر وشرع في الصدقة به فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقية وهو نظير للاعتكاف لانه غير مقدر بالشرع
فأشبه الصدقة، وما ذكره من الحديث حجة عليه فان النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجبا ما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب الابنية له ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ولا أمرن بالقضاء وقضاء النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لوجوبه عليه وانما فعله تطوعا لانه كان إذا عمل عملا أثبته فكان فعله لقضائه على سبيل التطوع كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه دليل على عدم وجوبه وقضاؤه لا يدل على الوجوب لان قضاء السنن مشروع، فان قيل انما جاز
تركه ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه لتركهن إياه قبل الشروع قلنا فقد سقط الاحتجاج لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه فلم يكن القضاء دليلا على الوجوب مع الاتفاق على انتفائه ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لان الوصول اليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظيمة، ومشقة شديدة، وانفاق مال كثير، ففي ابطالهما تضييع لماله وابطال لاعماله الكثيرة، وقد نهينا عن اضاعة المال وابطال الاعمال، وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع ولا عمل يبطل، فان ما مضى من اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل، ولان النسك يتعلق بالمسجد الحرام على الخصوص والاعتكاف بخلافه (مسألة) (ويصح بغير صوم وعنه لا يصح فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا بعض يوم) ظاهر المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم يروى ذلك عن على وابن مسعود وسعيد بن المسيب
وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء وطاوس والشافعي واسحاق، وعن أحمد رواية أخرى أن الصوم شرط فيه، قال إذا اعتكف يجب عليه الصوم، يروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة، وبه قال الزهري وأبو حنيفة ومالك والثوري والليث والحسن بن حي لما روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا اعتكاف إلا بصوم " وعن ابن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال " اعتكف وصم " رواه أبو داود، ولانه لبث في مكان مخصوص فلم يكن بمجرده قربة كالوقوف ولنا ما روي عن عمر أنه قال يارسول الله إني نذرت في الجاهلية ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواه البخاري ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل لانه لا صيام فيه ولانه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة وكسائر العبادات ولان إيجاب الصوم حكم لا يثبت الا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع فان أحاديثهم لا تصح، أما حديث عمر فتفرد به ابن بديل وهو ضعيف قال أبو بكر النيسابوري هذا حديث منكر والصحيح ما رويناه
أخرجه البخاري والنسائي وغيرهما وحديث عائشة موقوف عليها ومن رفعه فقد وهم، ثم لو صح فالمراد به الاستحباب فان الصوم فيه أفضل وقياسهم ينقلب عليهم فانه لبث في مكان مخصوص فلم يشترط له الصوم كالوقوف ثم نقول بموجبه فانه لا يكون قربة بمجرده بل بالنية إذا ثبت هذا فانه يستحب أن يصوم لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وهو صائم ولان المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات والقرب والصوم من أفضلها ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات ويخرج به من الخلاف (فصل) وإذا قلنا باشتراط الصوم لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ولا بعض يوم ولا ليلة وبعض يوم لان الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم ويحتمل أن يصح في بعض اليوم إذا صام اليوم كله لان الصوم المشروط وجد في زمان الاعتكاف ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله (مسألة) (وليس للمرأة الاعتكاف إلا باذن زوجها ولا للعبد الا باذن سيده) وذلك لان منافعهما مملوكة لغيرهما والاعتكاف يفوتها ويمنع استيفائها وليس بواجب عليهما بالشرع فكان لهما المنع منه وأم الولد والمدبر كالقن في هذا لان الملك باق فيهما لهما (مسألة) (فان شرعا فيه بغير اذن فلهما تحليلهما وان كان باذن فلهما تحليلهما إن كان تطوعا والا فلا) إذا اعتكفت الزوجة بغير اذن زوجها أو العبد بغير اذن السيد فلهما منعهما منه وان كان فرضا لانه يتضمن تفويت حق غيرهما بغير اذنه فكان لصاحب الحق المنع منه كالغصب وإذا أذن السيد أو الزوج في الاعتكاف ثم أرادا اخراجهما منه بعد شروعهما فيه فلهما ذلك في التطوع وبه قال الشافعي وأبو حنيفة في العبد وقال في الزوجة ليس لزوجها إخراجها لانها تملك بالتمليك فبالاذن اسقط حقه من منافعها واذن لها في استيفائها فلم يكن له الرجوع فيها كما لو أذن لها في الحج فأحرمت به بخلاف العبد فانه لا يملك بالتمليك وقال مالك ليس له تحليلهما لانهما عقدا على أنفسهما تمليك منافع كانا يملكانها بحق الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها كما لو احرما بالحج باذنهما ولنا أن لهما المنع منه ابتداء فكان لهما المنع منه دواما كالعارية ويخالف الحج فانه يلزم بالشروع فيه ويجب المضي في فاسده بخلاف الاعتكاف على ما مضى من الاختلاف
(فصل) وان كان ما أذنا فيه منذورا لم يكن لهما تحليلهما منه لانه يتعين بالشروع فيه ويجب إتمامه فيصير كالحج إذا أحرما به فأما ان نذرا الاعتكاف فاراد السيد والزوج منعهما الدخول فيه فان كان النذر باذنهما وكان معينا لم يملكا منعهما منه لانه وجب باذنهما وان كان النذر المأذون فيه غير معين فشرعا فيه باذنهما لم يملكا منعهما منه لانه يتعين بالدخول فيه فهو كالمعين بالنذر، وان كان النذر باذن وكان غير معين والشروع بغير إذن لم يجز تحليلهما كما لو أذن في الشروع خاصة ويحتمل ان لهما تحليلهما (مسألة) (وللمكاتب أن يحج ويعتكف بغير إذن سيده) سواء كان فرضا أو تطوعا لان السيد لا يستحق منافعه ولا يملك اجباره على الكسب وانما له دين في ذمته فهو كالحر المدين (مسألة) (ومن بعضه حر إن كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف في نوبته بغير اذن سيده) لان منافعه غير مملوكة لسيده في ذلك الزمن وحكمه في نوبة سيده حكم القن، فان لم يكن بينهما مهايأة فلسيده منعه لان له ملكا في منافعه في جميع الاوقات (فصل) ولا يصح بغير نية لانه عبادة محضة أشبه الصوم، وإن كان فرضا لزمه نية الفرضية ليتميز عن التطوع، فان نوى الخروج منه ففيه وجهان (أحدهما) يبطل كما لو قطع نية الصوم (والثاني) لا يبطل لانها قربة تتعلق بمكان فلا يخرج منها بنية الخروج كالحج (مسألة) (ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها) لا يجوز للرجل الاعتكاف في غير مسجد لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم لقول الله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فخصها بذلك، ولو صح الاعتكاف في غيرها لم يختص بتحريم
المباشرة فيها، فان المباشرة محرمة في الاعتكاف مطلقا، وفي حديث عائشة قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل إلي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت الا لحاجة وإذا كان معتكفا
وقوله إلا في مسجد يجمع فيه أي تقام فيه الجماعة، وانما اشترط ذلك لان الجماعة واجبة فاعتكف الرجل في مسجد لا تقام فيه يفضي إلى أحد أمرين، إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيرا مع أمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف إذ هو لزوم الاقامة في المسجد على طاعة الله فعلى هذا يجوز الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة، وروي عن حذيفة وعائشة والزهري ما يدل على هذا، واعتكف أبو قلابة وسعيد بن جبير في مسجد حيهما، وروي عن عائشة والزهري أنه لا يصح إلا في مساجد الجماعات وهو قول الشافعي إذا كانت الجمعة تتخلل اعتكافه لئلا يلتزم الخروج من معتكفه لما يمكنه التحرز من الخروج إليه، وروي عن حذيفة وسعيد بن المسيب لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد نبي، وحكي عن حذيفة أن الاعتكاف لا يصح إلا في أحد المساجد الثلاثة.
قال سعيد ثنا مغيرة عن ابراهيم قال: دخل حذيفة مسجد الكوفة فإذا هو بأبنية مضروبة فسأل عنها فقيل قوم معتكفون فانطلق إلى ابن مسعود فقال ألا تعجب من قوم يزعمون أنهم معتكفون بين دارك ودار الاشعري؟ فقال عبد الله لعلهم أصابوا واخطأت، وحفظوا ونسيت، فقال حذيفة لقد علمت ما الاعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال مالك يصح الاعتكاف في كل مسجد لعموم قوله (وأنتم عاكفون
في المساجد) وهو قول الشافعي إذا لم تتخلل اعتكافه جمعة ولنا ماروى الدارقطني باسناده عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب عن عائشة أن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الانسان ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة وهو ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى سعيد ثنا هشيم أنا جرير عن الضحاك عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مسجد له امام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح " ولان قوله (وأنتم عاكفون في المساجد) يقتضي اباحة الاعتكاف في كل مسجد إلا أنه يقيد بما يقام فيه الجماعة بالاخبار، والمعنى الذي ذكرناه فيبقى على العموم فيما عداه، واشترط الشافعي أن يكون المسجد مما تقام فيه الجمعة وهذا مخالف للاخبار المذكورة والجمعة لا تتكرر فلا يصح قياسها على الجماعة، ولا يصر الخروج إليها كاعتكاف
المرأة مدة يتخللها أيام حيضها، ولو كان الجامع تقام فيه الجمعة وحدها لم يجز اعتكاف الرجل فيه عندنا، ويصح عند مالك والشافعي، ومبنى ذلك على أن الجماعة واجبة عندنا فيلزم الخروج إليها وليست واجبة عندهم (فصل) فان كان اعتكافه في مدة غير وقت الصلاة كليلة أو بعض يوم جاز في كل مسجد لعدم المانع، وإن كان تقام فيه في بعض الزمان جاز الاعتكاف فيه في ذلك الزمن دون غيره، وإن كان المعتكف ممن لا تلزمه الجماعة كالمريض والمعذور ومن هو في قرية لا يصلي فيها غيره جاز اعتكافه في
كل مسجد لان الجماعة ساقطة عنه أشبه المرأة، ويحتمل أن لا يجوز ذلك للمريض والمعذور لانه من أهل الجماعة فأشبه من تجب عليه، ولانه إذا التزم الاعتكاف وكلفه نفسه فينبغي أن يجعله في مكان تصلى فيه الجماعة، ولان من التزم مالا يلزمه لا يصح بدون شرطه كالمتطوع بالصلاة والاول أولى لان من لا تجب عليه الجماعة لا يجب عليه الخروج إليها فلا يفوت شرط الاعتكاف، ولو اعتكف اثنان أو أكثر في مسجد لا تقام فيه الجماعة فأقاما الجماعة صح اعتكافهم لانهما أقاما الجماعة أشبه ما لو أقامها غيرهما (فصل) فأما المرأة فيجوز اعتكافها في كل مسجد لان الجماعة لا تجب عليها، وبهذا قال الشافعي وليس لها الاعتكاف في بيتها، وقال أبو حنيفة والثوري لها الاعتكاف في مسجد بيتها وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه واعتكافها فيها أفضل كصلاتها فيه، وحكي عن أبي حنيفة أنه لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة لان النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه وقال " البر أردتن؟ " ولان مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل ولنا قوله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) والمراد بها المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لانه لم يبن للصلاة فيه وتسميته مسجدا مجاز فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية بدليل جواز لبث الجنب فيه وصار كقوله عليه السلام " جعلت لي الارض مسجدا " ولان النبي صلى الله عليه وسلم حين أستاذنه أزواجه في الاعتكاف في المسجد أذن لهن ولو لم يكن موضعا لاعتكافهن لما أذن فيه ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لنبههن عليه ولان الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في
حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف وحديث عائشة قد بينا أنه حجة لنا وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال حيث كثرت ابنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه لهن خشية عليهن من فساد نيتهن ولذلك قال " البر أردتن؟ " منكرا لذلك أي لم تفعلن ذلك تبررا ولو كان للمعنى الذي ذكروه لامرهن بالاعتكاف في بيوتهن ولم يأذن لهن في المسجد، وأما الصلاة فلا يصح اعتبار الاعتكاف بها فان صلاة النافلة للرجل في بيته أفضل ولا يصح اعتكافه فيه بالاتفاق (فصل) وإذا اعتكفت المرأة في المسجد استحب لها أن تستتر بشئ لان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأبنيتهن فضربت في المسجد ولان المسجد يحضره الرجال وخير لهم وللنساء أن لا يرى بعضهم بعضا وإذا ضربت بناء جعلته في مكان لا يصلي فيه الرجال لئلا تقطع صفوفهم ويضيق عليهم ولا بأس أن يستتر الرجل أيضا فان النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببنائه فضرب ولانه أسترله وأخفى لعمله وروى ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية على سدتها قطعة حصير قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس (مسألة) (والافضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله) إذا كانت الجمعة تتخلل الاعتكاف فالافضل ان يكون في المسجد الذي تقام فيه الجمعة لئلا يحتاج إلى الخروج إليها فيترك الاعتكاف مع إمكان التحرز من ذلك ولان فيه خروجا من الخلاف على ما ذكرناه ولان ثواب الجماعة فيه أكثر (مسألة) (وإذا نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعله في غيره، ولا كفارة عليه إلا المساجد الثلاثة) وجملة ذلك أنه لا يتعين شئ من المساجد بنذره الاعتكاف أو الصلاة فيه إلا المساجد الثلاثة
وهي المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الاقصى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا " متفق عليه ولو تعين غيرها
بتعيينه لزمه المضي إليه واحتاج لشد الرحل لقضاء نذره فيه ولان الله تعالى لم يعين لعبادته مكانا فلم يتعين بتعيين غيره وانما تعينت هذه المساجد للخبر الوارد فيها ولان العبادة فيها أفضل فإذا عين ما فيه فضيلة لزمته كانواع العبادة ولهذا قال الشافعي في صحيح قوليه وقال في الآخر لا يتعين المسجد الاقصى لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " صلاة في مسجدي هذا أفضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام " رواه مسلم، وهذا يدل على التسوية فيما عدا هذين المسجدين لان المسجد الاقصي لو فضلت الصلاة فيه على غيره يلزم احد امرين اما خروجه من عموم هذا الحديث واما كون فضيلته بألف مختصا بالمسجد الاقصى ولنا أنه من المساجد التي تشد الرحال إليها فتعين بالتعيين في النذر كالآخرين وما ذكره لا يلزم فانه إذا فضل الفاضل بألف فقد فضل المفضول بها أيضا (مسألة) (وافضلها المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم المسجد الاقصى) وقال قوم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المسجد الحرام لان النبي (ص) انما دفن في خير البقاع وقد نقله الله تعالى من مكة إلى المدينة فدل على أنها أفضل ولنا قوله عليه السلام (صلاة في مسجدي هذا أفضل من الف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " وروى ابن ماجة باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة الف صلاة فيما سواه فيدخل في عمومه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم (مسألة) (فان نذره في الافضل لم يكن له فعله في غيره وان نذره في غيره فله فعله فيه) إذا نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لزمه ولم يكن له الاعتكاف فيما سواه لان عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال (أوف بنذرك) متفق عليه وان نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يعتكف في المسجد الحرام لانه أفضل ولم يجز له أن يعتكف في المسجد الاقصى لان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه فلم يجز له تفويت فضيلته وان نذر الاعتكاف في المسجد الاقصى جاز له أن يعتكف في المسجدين الاخرين لانهما أفضل منه وروى الامام احمد في مسنده عن رجال من الانصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح والنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس قريبا من المقام فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا نبي الله: اني نذرت إن فتح الله للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مكة لاصلين في بيت المقدس وإني وجدت رجلا من أهل الشام ههنا في قريش مقبلا معي ومدبرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " ههنا فصل "
فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرات كل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ههنا فصل " ثم قال الرابعة مقالته هذه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اذهب فصل فيه، فو الذي بعث محمدا بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاة في بيت المقدس " (فصل) وإن نذر الاعتكاف في غير هذه المساجد فدخل فيه ثم أنهدم معتكفه ولم يمكن المقام فيه لزم اتمام الاعتكاف في غيره ولم يبطل اعتكافه (مسألة) (وإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه) إذا عين بنذره زمنا تعين لان الله تعالى عين للعبادة زمنا فتعين بتعيين العبد ويلزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه وهذا قول مالك والشافعي، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يدخل في معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله وهو قول الليث وزفر لان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه، متفق عليه، ولان الله تعالى قال (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) ولا يلزم الصوم إلا من قبل طلوع الفجر، ولان الصوم شرط في الاعتكاف فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه ولنا أنه نذر الشهر وأوله غروب الشمس بدليل حل الديون المعلقة به ووقوع الطلاق والعتاق المعلقين به فوجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر فانه لا يمكن إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كامساك جزء من الليل في الصوم، وأما الصوم فمحله النهار فلا يدخل فيه شئ من الليل في أثنائه ولا ابتدائه إلا ما حصل ضرورة بخلاف الاعتكاف وأما الحديث فقال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به على أن الخبر انما هو في التطوع فمتى شاء دخل، وفي مسألتنا نذر شهرا فيلزمه اعتكاف شهر كامل، ولا يحصل إلا أن يدخل فيه
قبل غروب الشمس من أوله ويخرج بعد غروبها من آخره فاشبه ما لو نذر اعتكاف يوم فانه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره ويخرج بعد غروب شمسه وقوله: إن الاعتكاف لا يصح بغير صوم قد أجبنا عنه فيما مضى (فصل) وان أحب اعتكاف العشر الاواخر تطوعا ففيه روايتان (إحداهما) يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين لما روي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاوسط من رمضان حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال " من كان معي فليعتكف العشر الاواخر " متفق عليه ولان العشر بغير هاء عدد الليالى فانها عدد المؤنث قال الله تعالى (وليال عشر) وأول الليالي العشر ليلة احدى وعشرين
(والرواية الثانية) يدخل بعد صلاة الصبح قال حنبل قال احمد أحب الي أن يدخل قبل الليل ولكن حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه وبهذا قال الاوزاعي واسحاق ووجهه ماروت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه متفق عليه وان نذر اعتكاف العشر ففي وقت دخوله الروايتان (فصل) ومن اعتكف العشر الاواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه نص عليه احمد وروي عن النخعي وأبي مجاز وأبي بكر بن عبد الرحمن والمطلب بن حنطب وأبي قلابة أنهم كانو يستحبون ذلك وروى الاثرم باسناده عن أيوب عن أبي قلابة أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر ثم يغدو كما هو إلى العيد وكان يعني في اعتكافه لا يلقى له حصير ولا مصلى يجلس عليه كان يجلس كأنه بعض القوم قال فأتيته في يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ما ظننتها الا بعض بناته فإذا هي أمة له فأعتقها وغدا كما هو إلى العيد وقال ابراهيم كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الاواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد ثم يغدو إلى المصلى من المسجد (مسألة) (وان نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع)
إذا نذر اعتكاف شهر مطلق فهل يلزمه التتابع فيه وجهان بناء على الروايتين في نذر الصوم (أحدهما) لا يلزمه وهو مذهب الشافعي لانه معنى يصح فيه التفريق فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام (والثاني) يلزمه التتابع وهو قول أبي حنيفة ومالك وقال القاضي يلزمه التتابع وجها واحدا لانه معنى يحصل في الليل والنهار فإذا أطلقه اقتضى التتابع كما لو حلف لا يكلم زيدا شهرا وكمدة الايلاء والعدة وبهذا فارق الصيام فان أتى بشهر بين هلالين أجزأه ذلك وان كان ناقصا وان اعتكف ثلاثين يوما من شهرين جاز فتدخل فيه الليالي لان الشهر عبارة عنهما ولا يجزئه أقل من ذلك وان قال الله تعالى ان اعتكف أيام هذا الشهر أو ليالي هذا الشهر لزمه ما نذر ولم يدخل فيه غيره وكذلك ان قال شهرا في النهار أو في الليل (مسألة) (وان نذر أياما معدودة فله تفريقها الا عند القاضي) إذا قال لله على أن اعتكف ثلاثين يوما يلزمه التتابع كما لو نذر شهرا مطلقا وقال أبو الخطاب لا يلزمه لان اللفظ يقتضي تناوله والايام المطلقة توجد بدون التتابع فلا يلزمه كما لو نذر صوم ثلاثين يوما فعلى قول القاضي تدخل فيه الليالي الداخلة في الايام المنذورة كما لو نذر شهرا ومن لم يوجب التتابع لا يدخل في الليل فيه الا أن ينويه فان نوى التتابع أو شرطه وجب (مسألة) (وان نذر أياما أو ليالي متتابعة ما يتخللها من ليل أو نهار)
متى شرط التتابع في نذره أو نواه دخل الليالي فيه ويلزمه ما بين الايام من الليالي وان نذر الليالي لزمه ما بينها من الايام حسب وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يلزمه من الليالي بعدد الايام إذا كان على وجه الجمع أو التثنية يدخل فيه مثله من الليالي والليالي تدخل معها الايام بدليل قوله تعالى (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وقال في موضع آخر (ثلاثة أيام الا رمزا) ولنا ان اليوم اسم لبياض النهار والليلة اسم لسواد الليل والتثنية والجمع تكرار الواحد وانما تدخل الليالي تبعا لوجوب التتابع ضمنا وهذا يحصل مابين الايام خاصة فاكتفى به وأما الآية فان الله تعالى نص على الليل في موضع والنهار في موضع فصار منصوصا عليهما فعلى هذا إن نذر اعتكاف يومين
متتابعين لزمه يومان وليلة بينهما وان نذر اعتكاف يومين مطلقا فكذلك عند القاضي وكذلك لو نذر اعتكاف ليلتين لزمه اليوم الذي بينهما عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يلزمه ما بينهما الا بلفظ أو بنية ويتخرج أنه إذا نذر اعتكاف يومين متتابعين أن لا تلزمه الليلة التي بينهما كالليلة التي قبلهما وكذلك إذا نذر اعتكاف ليلتين لا يلزمه اليوم الذي بينهما كاليوم الذي قبلهما اختاره الشيخ أبو حكيم (فصل) وإن نذر اعتكاف يوم لزمه أن يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس، وقال مالك يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم كقولنا في الشهر لان الليل يتبع النهار بدليل ما لو كان متتابعا ولنا أن الليلة ليست من اليوم وهي من الشهر قال الخليل اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس وانما دخل الليل في المتتابع ضمنا ولهذا خصصناه بما بين الايام وان نذر اعتكاف ليلة لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس ويخرج منه بعد طلوع الفجر وليس له تفريق الاعتكاف وظاهر كلام الشافعي جواز التفريق قياسا على الشهر ولنا أن اطلاق اليوم يفهم منه التتابع فلزمه كما لو قال متتابعان وفارق الشهر فانه اسم لما بين هلالين واسم لثلاثين يوما واليوم لا يقع في الظاهر الا على ما ذكرنا وان قال في وسط النهار لله علي أن اعتكف يوما من وقتي هذا، لزمه الاعتكاف من ذلك الوقت إلى مثله ويدخل فيه الليل لانه في خلل نذره فصار كما لو نذر يومين متتابعين وانما لزمه بعض يومين لتعيينه ذلك بنذره فعلمنا أنه أراد ذلك ولم يرد يوما صحيحا (فصل) وان نذر اعتكافا مطلقا لزمه ما يسمى به معتكفا ولو ساعة من ليل أو نهار الا على قولنا بوجوب الصوم في الاعتكاف فيلزمه يوم كامل فأما اللحظة ومالا يسمى به معتكفا فلا يجزئه على الروايتين جميعا (فصل) إذا نذر اعتكاف يوم يقدم فلان صح نذره فان ذلك ممكن فان قدم في بعض النهار
لزمه اعتكاف الباقي منه ولم يلزمه قضاء ما فات لانه فات قبل شرط الوجوب فلم يجب كما لو نذر اعتكاف
زمن ماض لكن ان قلنا شرط صحة الاعتكاف الصوم لزمه قضاء يوم كامل لانه لا يمكنه أن يأتي بالاعتكاف في الصوم فيما بقي من النهار ولا قضاؤه مميزا مما قبله فلزمه يوم كامل ضرورة كما لو نذر صوم يوم يقدم فلان ويحتمل أن يجزئه اعتكاف ما بقي منه إذا كان صائما لانه قد وجد اعتكاف مع الصوم وان قدم ليلا لم يلزمه شئ لان ما التزمه بالنذر لم يوجد فان كان للناذر عذر يمنعه الاعتكاف عند قدوم فلان من حبس أو مرض قضى أو كفر لفوات النذر في وقته ويقضي بقية اليوم فقط لانه الذي كان يلزم في الاداء على الرواية المنصورة وفي الاخرى يقضي يوما كاملا بناء على اشتراط الصوم في الاعتكاف (فصل) قال الشيخ رحمه الله ولا يجوز للمعتكف الخروج الا لما لابد له منه كحاجة الانسان والطهارة والجمعة والنفير المتعين والشهادة الواجبة والخوف من فتنة أو مرض والحيض والنفاس وعدة الوفاة ونحوه.
وجملته أنه ليس للمعتكف الخروج من معتكفه الا لما لابد منه قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابد منه.
رواه أبو داود وقالت أيضا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني الي رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان.
متفق عليه ولا خلاف في ان له الخروج لما لابد منه قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول ولان هذا لا يمكن فعله في المسجد ولو بطل الاعتكاف بالخروج إليه لم يصح لاحد اعتكاف ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وقد علمنا أنه كان يخرج لقضاء حاجته والمراد بحاجة الانسان البول والغائط كني بذلك عنهما لان كل انسان يحتاج إلى فعلهما وفي معناه الحاجة إلى المأكول
والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه عند الحاجة إليه وان بغته القئ فله أن يخرج ليتقيأ خارج المسجد وكل مالا بد له منه ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه ولا يفسد اعتكافه وهو عليه ما لم يطل وكذلك له الخروج إلى ما أوجبه الله تعالى عليه مثل من يعتكف في مسجد لا جمعة فيه فيحتاج الي الخروج لصلاة الجمعة ولا يبطل اعتكافه به، وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي فيمن
نذر اعتكافا متتابعا فخرج منه لصلاة الجمعة بطل اعتكافه وعليه الاستئناف لانه امكنه فرضه بحيث لا يخرج منه فبطل بالخروج كالمكفر إذا ابتدأ صوم الشهرين المتتابعين في شعبان أو ذي الحجة ولنا أنه خرج لواجب فلم يبطل اعتكافه كالمعتدة تخرج لقضاء العدة، وكالخارج لانقاذ غريق واطفاء حريق واداء شهادة تعينت عليه، ولانه إذا نذر أياما فيها جمعة فكأنه استثنى الجمعة بلفظه ثم يبطل بما إذا نذرت المرأة أياما فيها عادة حيضها فانه يصح مع امكان فرضها في غيرها والاصل ممنوع.
إذا ثبت هذا فانه إذا خرج لواجب فهو على اعتكافه ما لم يطل لانه خروج لابد منه أشبه الخروج لحاجة الانسان، فان كان خروجه لصلاة الجمعة فله أن يتعجل.
قال الامام احمد: أرجو أن يكون له لانه خروج جائز فجاز تعجيله كالخروج لحاجة الانسان، فإذا صلى الجمعة فأحب أن يعتكف في الجامع فله ذلك لانه محل للاعتكاف والمكان لا يتعين للاعتكاف بتعيينه فمع عدم ذلك أولى.
وإن
أحب الرجوع إلى معتكفه فله ذلك كما لو خرج إلى غير الجمعة.
قال بعض أصحابنا: يستحب له الاسراع إلى معتكفه، وقال أبو داود قلت لاحمد يركع يعني المعتكف يوم الجمعة بعد الصلاة في المسجد؟ قال نعم بقدر ما كان يركع (قال شيخنا) رحمه الله ويحتمل أن تكون الخيرة إليه في تعجيل الرجوع وتأخيره لانه في مكان يصلح للاعتكاف فأشبه مالو نوى الاعتكاف فيه، فأما إن خرج ابتداء إلى مسجد آخر أو إلى الجامع من غير حاجة، أو كان المسجد أبعد من موضع حاجته فمضى إليه لم يجز له ذلك لانه خروج لغير حاجة أشبه مالو خرج لغير المسجد، فان كان المسجدان متصلاقين يخرج من أحدهما فيصير في الآخر فله الانتقال من أحدهما إلى الآخر لانهما كمسجد واحد ينتقل من احدى زاويتيه إلى الاخرى، وإن كان يمشي بينهما في غيرهما لم يجز له الخروج: وإن قرب لانه خروج من المسجد لغير حاجة (فصل) وإذا خرج لما لابد منه فليس عليه أن يتعجل في مشيه لكن يمشي على حسب عادته لان عليه مشقة في الزامه غير ذلك فليس له الاقامة بعد قضاء حاجته لاكل ولا لغيره، وقال ابن حامد يجوز أن يأكل اليسير في بيته كاللقمة والثنتين ولا يأكل جميع أكله، وقال القاضي: يتوجه أن له الاكل
في بيته والخروج إليه ابتداء لان الاكل في المسجد دناءة وقد يخفي جنس قوته عن الناس، وقد يكون في المسجد غيره فيستحي منه أن يأكل دونه وإن أطعمه لم يكفهما
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لايدخل البيت إلا لحاجة الانسان وهذا كناية عن الحدث، ولانه خروج لما له منه بد، ولبث في غير معتكفه لما له منه بد فأبطل الاعتكاف كمحادثة أهله وما ذكره القاضي ليس بعذر يبيح الخروج ولا الاقامة، ولو ساغ ذلك لساغ الخروج للنوم وأشباهه (فصل) وإن خرج لحاجة الانسان وبقرب المسجد سقاية أقرب من منزله لا يحتشم من دخولها ويمكنه التنظف فيها لم يكن له المضي إلى منزله لان له من ذلك بدا، وإن كان يحتشم من دخولها أو فيه نقيصة عليه أو مخالفة لعادته أو لا يمكنه التنظف فيها فله المضي إلى منزله لما عليه من المشقة في ترك المروءة، وكذلك إن كان له منزلان أحدهما أقرب من الآخر يمكنه الوضوء في الاقرب بلا ضرر فليس له قصد الابعد، وإن بذل له صديقه أو غيره الوضوء في منزله القريب لم يلزمه لما عليه من المشقة بترك المروءة والاحتشام من صاحبه، قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الاعتكاف في المسجد الكبير أعجب اليك أو مسجد الحي؟ قال: المسجد الكبير وأرخص لي أن أعتكف في غيره، قلت فأين ترى أن أعتكف في هذا الجانب، أو في ذلك الجانب؟ قال في ذاك الجانب هو أصلح من أجل السقاية، قلت فمن أعتكف في هذا الجانب ترى أن يخرج إلى الشط يتهيأ؟ قال إذا كان له حاجة لابد له من ذلك قلت يتوضأ الرجل في المسجد؟ قال لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: