الفقه الحنبلي - احكام الصيام 1
(مسألة) (وان أكل شاكا في طلوع الفجر فلا قضاء عليه) إذا أكل وهو يشك في طلوع الفجر ولم يتبين له الحال فلا قضاء عليه وله الاكل حتى يتيقن طلوع الفجر نص عليه أحمد وهو قول ابن عباس وعطاء والاوزاعي والشافعي وأصحاب
الرأي وروي معنى ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وقال مالك يجب القضاء كما لو أكل شاكا في غروب الشمس ولنا قول الله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر)
مد الاكل إلى غاية التبين وقد يكون شاكا قبل التبين فلو لزمه القضاء لحرم عليه الاكل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وكان رجلا أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت ولان الاصل بقاء الليل فيكون زمن الشك منه ما لم يعلم يقين زواله بخلاف غروب الشمس فان الاصل بقاء النهار فبني عليه (مسألة) (وان أكل شاكا في غروب الشمس فعليه القضاء)
إذا لم يتبين لان الاصل بقاء النهار فان كان حين الاكل ظانا أن الشمس قد غربت ثم شك بعد الاكل ولم يتبين فلا قضاء عليه لانه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذي بنى عليه فأشبه مالو صلى بالاجتهاد ثم شك في الاصابة بعد صلاته (مسألة) (ومن أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا فعليه القضاء) وذلك أن يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو ان الفجر لم يطلع وقد طلع فيجب عليه القضاء
هذا قول أكثر أهل العلم وحكي عن عروة ومجاهد والحسن واسحاق لا قضاء عليهم لما روى زيد بن وهب قال كنت جالسا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في زمن عمر بن الخطاب فأتينا بعساس فيها شراب من بيت حفصة فشربنا ونحن نرى أنه من الليل ثم أنكشف السحاب فإذا الشمس طالعة قال فجعل الناس يقولون نقضي يوما مكانه فقال عمر والله لا نقضيه ما تجانفنا لاثم ولانه لم يقصد الاكل في الصوم فلم يلزمه القضاء كالناسي
ولنا أنه أكل مختارا ذاكرا للصوم فأفطر كما لو أكل يوم الشك ولانه جهل وقت الصيام فلم يعذر به كالجهل بأول رمضان ولانه يمكن التحرز منه فأشبه أكل العامد وفارق الناسي فانه لا يمكن التحرز منه.
وأما الخبر فرواه الاثرم أن عمر قال من أكل فليقض يوما مكانه رواه مالك في الموطأ أن عمر قال الخطب يسير يعني خفة القضاء وروى هشام بن عروة عن فاطمة أمرأته عن أسماء قالت أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام أمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء رواه البخاري
(فصل) ويجوز للجنب في الليل أن يؤخر الغسل حتى يصبح ويتم صومه وهو قول علي وابن مسعود وزيد وأبي الدرداء وأبي ذر وابن عمر وابن عباس وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم وهو قول مالك والشافعي في أهل الحجاز والثوري وأبي حنيفة في أهل العراق والاوزاعي في أهل الشام
والليث في أهل مصر واسحاق وأبي عبيد وأهل الظاهر وكان أبو هريرة يقول لاصوم له ويروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع عنه قال سعيد بن المسيب رجع أبو هريرة عن فتياه وحكى عن الحسن
وسالم بن عبد الله يتم صومه ويقضي وعن النخعي يقضي في الفرض دون التطوع وعن عروة وطاوس ان علم بجنابته في رمضان فلم يغتسل حتى أصبح فهو مفطر وان لم يعلم فهو صائم وحجتهم حديث أبي هريرة ولنا ماروى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال ذهبت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة فقالت أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كان ليصبح جنبا من جماع من غير احتلام ثم يصومه ثم دخلنا على أم سلمة فقال مثل ذلك ثم أتينا أبا هريرة فأخبرناه بذلك فقال هما أعلم بذلك انما
حدثنيه الفضل بن العباس متفق عليه قال الخطابي أحسن ما سمعت في خبر أبي هريرة أنه منسوخ لان الجماع كان محرما على الصائم بعد النوم فلما أباح الله سبحانه الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب أذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم وروت عائشة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أني أصبح جنبا وأنا أريد الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام " فقال له الرجل يا رسول الله أنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " اني لارجو ا أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقي " رواه مسلم ومالك في الموطأ (فصل) وحكم المرأة إذا انقطع حيضها من الليل وأخرت الغسل حتى أصبحت حكم الجنب يصح صومها إذا نوت من الليل بعد انقطاعه وقال الاوزاعي والحسن بن حي وعبد الملك بن الماجشون تقضي فرطت في الاغتسال أو لم تفرط لان حدث الحيض يمنع الصوم بخلاف الجنابة
ولنا أنه حدث يوجب الغسل فتأخير الغسل منه إلى أن يصبح لا يمنع صحة الصوم كالجنابة وما ذكروه لا يصح فان من طهرت من الحيض غير الحائض وانما عليها حدث موجب للغسل فهي كالجنب فان الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب
الغسل من الحيض والله أعلم (فصل) وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبرا فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا وعنه لا كفارة عليه مع الاكراه والنسيان هذا المسألة تشتمل على خمسة أمور (أحدها) أن من جامع في نهار رمضان في الفرج فأنزل أو لم ينزل أو دون الفرج فأنزل عامدا فسد صومه بغير خلاف علمناه وقد دلت الاخبار الصحيحة على ذلك (الثاني) أنه يجب عليه القضا في قول أكثر أهل العلم وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجب القضاء على من لزمته الكفارة لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الاعرابي بالقضاء وحكي عن الشافعي أنه قال ان كفر بالصيام فلا قضاء عليه لانه صام شهرين متتابعين ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمجامع " وصم يوما مكانه " رواه أبو داود باسناده وابن ماجة والاثرم ولانه
أفسد يوما من رمضان فلزمه قضاؤه كما لو أفسده بالاكل ولانه صوم واجب أفسده بالجماع فوجب عليه القضاء كغير رمضان (فصل) فان جامع في غير صوم عامدا افسده ويجب عليه القضاء ان كان واجبا بغير خلاف علمناه وان كان نفلا ففيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى (الثالث) ان من جامع في الفرج في رمضان عامدا تجب عليه الكفارة أنزل أو لم ينزل في قول عامة أهل العلم وعن الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير أنه لا كفارة عليه لانها عبادة لا تجب الكفارة بافساد قضائها فلم تجب في افساد أدائها كالصلاة ولنا ما روى عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت قال " مالك؟ " قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تجد رقبة تعتقها " قال لا قال " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال لا قال " فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ " قال لا قال فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال " أين السائل؟ " فقال أنا فقال " خذ هذا فتصدق به " فقال الرجل
على أفقر مني يارسول الله فوالله ما بين لابيتها أهل بيت أفقر من بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال " اطعمه أهلك " متفق عليه ولا يجوز اعتبار الاداء في ذلك بالقضاء لان الاداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به والقضاء محله الذمة والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلاف مسئلتنا
(الرابع) أن من جامع ناسيا فحكمه حكم العامد في ظاهر المذهب نص عليه أحمد وهو قول عطاء وابن الماجشون وروى أبو داود عن احمد أنه توقف عن الجواب وقال أجبن أن أقول فيه شيئا وفيه رواية ثانية أنه يجب عليه القضاء دون الكفارة وهذا قول مالك والاوزاعي والليث لان الكفارة لرفع الاثم وهو محطوط عن الناسي وفيه رواية ثالثة نقلها عنه ابن القاسم أنه قال كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره وهذا يدل على اسقاط القضاء والكفارة عن المكره والناسي وهو قول الحسن ومجاهد والثوري والشافعي وأصحاب الرأي لانه معنى حرمه الصوم فإذا وجد منه مكرها أو ناسيا لم يفسده كالاكل ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي قال وقعت على امرأتي بالكفارة ولم يستفصله ولو أفترق الحال لسأل واستفصل لانه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولانه يجب التعليل بما تناوله لفظ السائل وهو الوقوع على المرأة في الصوم ولان السؤال كالمعاد في الجواب فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال من وقع على أهله في نهار رمضان فليعتق رقبة.
فان قيل ففي الحديث ما يدل على العمد وهو قوله هلكت
وروى احترقت قلنا يجوز أن يخبر عن هلكته لما يعتقده في الجماع مع النسيان وخوفه من غير ذلك ولان الصوم عبادة تحرم الوطئ فاستوى فيها عمده وسهوه كالحج ولان افساد الصوم ووجود الكفارة حكمان يتعلقان بالجماع لا تسقطهما الشبهة فاستوى فيهما العمد والسهو كسائر أحكامه (الخامس) أنه لا فرق بين كون الفرج قبلا أو دبرا من ذكر أو أنثى وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة في أشهر الروايتين لا كفارة بالوطئ في الدبر لانه لا يحصل به الاحلال ولا الاحصان فلا يوجب الكفارة كالوطئ دون دون الفرج
ولنا أنه أفسد صوم رمضان بجماع في الفرج فأوجب الكفارة كالوطئ في القبل وأما الوطئ دون الفرج قلنا فيه منع وان سلمنا فلان الجماع دون الفرج لا يفسد الصوم بمجرده بخلاف الوطئ في الدبر (مسألة) (ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه على روايتين) حكم الوطئ في رمضان في حق المرأة كحكمه في حق الرجل في أفساد الصوم ووجوب القضاء بغير خلاف نعلمه في المذهب لانه نوع من المفطرات فاستوى فيه الرجل والمرأة كالاكل ولا يجب على المرأة كفارة مع العذر لما نذكره وهل يجب عليها الكفارة مع عدم العذر فيه روايتان احداهما تجب عليها اختاره أبو بكر وهو قول مالك وأبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر لانها
هتك صوم رمضان بالجماع فوجبت عليها الكفارة كالرجل (والثانية) لا كفارة عليها قال أبو داود سئل احمد عمن أتى أهله في رمضان أعليها كفارة قال ما سمعنا أن على المرأة كفارة وهذا قول الحسن وللشافعي قولان كالروايتين ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ولم يأمر في المرأة بشئ مع علمه بوجود ذلك منها ولانه حق مال يتعلق بالوطئ من بين جنسه فكان على الرجل المهر (مسألة) (قال وكل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة) هذه الرواية نقلها عنه ابن القاسم وهي تدل على اسقاط القضاء والكفارة مع الاكراه والنسيان وكذلك قال أبو الخطاب وقد ذكرنا حكم الناسي فاما حكم الاكراه فان أكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها رواية واحدة وعليها القضاء في ظاهر المذهب قال مهنا سألت احمد عن امرأة غصبها رجل نفسها فجامعها أعليها القضاء؟ قال نعم قلت وعليها الكفارة؟ قال لا وهذا قول الحسن والثوري وأصحاب الرأي وعلى قياس ذلك النائمة وقال مالك في النائمة عليها القضاء بلا كفارة والمكرهة عليها القضاء والكفارة وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر إن كان الاكراه بوعيد حتى فعلت كقولنا وان كان الجاء أو كانت نائمة لم تفطر وهذا مقتضى قول احمد في هذه الرواية التي رواها أبن القاسم لانها لم يوجد منها فعل فلم تفطر كما لو صب في حلقها ماء بغير اختيارها ووجه الاول أنه جماع في الفرج
فأفسد كما لو اكرهت بالوعيد ولانه عبادة يفسدها الوطئ ففسدت به على كل حال كالصلاة والحج (فصل) فان جامعت المرأة ناسية فقال أبو الخطاب حكم النسيان حكم الاكراه يوجب القضاء دون الكفارة قياسا على الرجل في ان الجماع يفطره مع النسيان، ويحتمل أن لا يلزمها القضاء لانه مفسد لا يوجب الكفارة أشبه الاكل (فصل) فان أكره الرجل فجامع فسد صومه على الصحيح لانه إذا أفسد صوم المرأة فالرجل أولى، فأما الكفارة فقال القاضي تجب عليه لان الاكراه على الوطئ لا يمكن لانه لا يطأ حتى ينتشر ولا ينتشر إلا عن شهوة فهو كغير المكره، وقال أبو الخطاب فيه روايتان (احداهما) لا كفارة عليه وهو مذهب الشافعي لان الكفارة إما عقوبة أو ماحية للذنب، والمكره غير آثم ولا مذنب، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " (والرواية الثانية) عليه الكفارة لما ذكرنا، فاما إن كان نائما فانتشر فاستدخلته امرأته أو غلبته على نفسه في حال يقظته، فقال ابن عقيل لا قضاء عليه ولا كفارة وهو ظاهر قول أحمد في رواية ابن القاسم ومذهب الشافعي لانه معنى حرمه الصوم حصل بغير اختياره فلم يفطر به كما لو طار إلى حلقه ذبابة، وظاهر كلام أحمد ان عليه القضاء وقد ذكرناه لان الصوم عبادة يفسدها الجماع فاستوى فيه حالة الاختيار والاكراه كالحج، ولا يصح قياس الجماع على غيره في عدم الافساد لتأكده بايجاب الكفارة وأفساد الحج من بين سائر محظوراته والله أعلم (فصل) فان تساحقت امرأتان فسد صومهما إن أنزلتا، فان أنزلت احداهما فسد صومها وحدها دون الاخرى، وهل يكون حكمهما حكم المجامع دون الفرج إذا أنزل أو لا يلزمهما كفارة بحال فيه وجهان مبنيان على ان الجماع من المرأة هل يوجب الكفارة على روايتين، والصحيح انه لا كفارة
عليهما لان ذلك ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص عليه فيبقى على الاصل، فان أنزل المجبوب بالمساحقة فحكمه حكم المجامع دون الفرج إذا أنزل والله أعلم
(مسألة) (وان جامع فيما دون الفرج فأنزل أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر وفي الكفارة وجهان) إذا جامع فيما دون الفرج عامدا فأنزل فسد صومه بغير خلاف علمناه وهل تجب عليه الكفارة فيه عن أحمد روايتان (احداهما) تجب وبه قال مالك وعطاء والحسن وابن المبارك وإسحاق اختارها الخرقي والقاضي لانه أفطر بجماع فوجبت به الكفارة كالوطئ في الفرج (والثانية) لا كفارة عليه وهو قول أبي حنيفة والشافعي لانه فطر بغير جماع تام أشبه القبلة ولانه لا نص فيه ولا اجماع ولا هو في معنى المنصوص لان الجماع في الفرج أبلغ بدليل تعلق الكفارة به من غير انزال، ويجب به الحد ويتعلق به أثنى عشر حكما فلا يصح القياس عليه ولان العلة في الاصل الجماع بدون الانزال والجماع هنا بدون إنزال غير موجب بالاجماع فلا يصح الاعتبار به وهذه أصح ان شاء الله تعالى (فصل) فان قبل أو لمس فأنزل فسد صومه، وفي الكفارة روايتان أصحهما أنها لا تجب نقلها عنه الاثرم وأبو طالب وأختارها الخرقي وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لانه أنزال بغير وطئ أشبه الانزال بتكرار النظر، ولا يصح قياسه على الوطئ دون الفرج لان الاستمتاع بالوطئ فيما دون الفرج أقوى وأبلغ من القبلة لكونه وطأ في الجملة (والثانية) عليه الكفارة نقلها حنبل لانه أنزال عن مباشرة أشبه الانزال بالوطئ دون الفرج، ولا فرق بين كون الموطوءة زوجة أو أجنبية صغيرة أو كبيرة لانه إذا وجب بوطئ الزوجة فبوطئ الاجنبية أولى (فصل) فأما الوطئ في فرج البهيمة فذكر القاضي انه موجب للكفارة، وذكر أبو بكر ذلك عن أحمد نقلها عنه ابن منصور لانه وطئ في فرج موجب للغسل مفسد للصوم أشبه وطئ الآدمية وفيه وجه آخر انه لا يوجب الكفارة ذكره أبو الخطاب لانه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص فانه مخالف لوطئ الآدمية في ايجاب الحد على إحدى الروايتين وفي كثير من أحكامه (مسألة) (وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وهو
قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجب لانها عقوبة فلم تجب بفعل مختلف فيه كالحد) ولنا أنه أفطر يوما من رمضان بجماع فوجبت عليه الكفارة كما لو قبلت شهادته، ولا نسلم ان
الكفارة عقوبة ثم قياسهم ينتقض بوجوب الكفارة بالجماع في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه (مسألة) (وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل يلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين) إذا جامع مرتين ولم يكفر عن الاول فان كان في يوم واحد أجزأته كفارة واحدة بغير خلاف وإن كان في يومين ففيه وجهان (أحدهما) تجرئه كفارة واحدة وهو ظاهر كلام الخرقي واختيار أبي بكر، واليه ذهب الزهري والاوزاعي وأصحاب الرأي لانها جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فيجب أن تتداخل كالحد (والثاني) يلزمه كفارتان اختاره القاضي وهو قول مالك والليث والشافعي وابن المنذر، وروي عن عطاء ومكحول لان كل يوم عبادة مفردة، فإذا وجبت الكفارة بافساده لم يتداخل كرمضانين وكالحجتين (مسألة) (وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فعليه كفارة ثانية نص عليه، وكذلك كل من لزمه الامساك إذا جامع) إذا كفر ثم جامع ثانية فان كان في يومين فعليه كفارة ثانية بغير خلاف نعلمه، وإن كان في يوم واحد فكذلك نص عليه احمد، وهكذا يخرج في كل من لزمه الامساك وحرم عليه الجماع في نهار رمضان، وإن لم يكن صائما كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النية أو أكل عامدا ثم جامع، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا شئ عليه بذلك الجماع لانه لم يصادف الصوم ولم يمنع صحته فلم يوجب شيئا كالجماع في الليل ولنا أنها عبادة تجب الكفارة بالجماع فيها فتكررت بتكرر الوطئ إذا كان بعد التكفير كالحج ولانه وطئ محرم لحرمة رمضان فأوجب الكفارة كالاول وفارق الوطئ في الليل لانه مباح، فان قيل الوطئ الاول تضمن هتك الصوم وهو مؤثر في الايجاب فلا يصح قياس غيره عليه قلنا هو ملغى بمن
طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام فانه يلزمه الكفارة مع أنه لم يهتك الصوم (فصل) وإذا بلغ الصبي أو أسلم كافر، أو أفاق مجنون، أو طهرت حائض، أو نفساء، أو قدم
المسافر مفطرا في نهار رمضان فقد ذكرنا في وجوب الامساك عليهم روايتين، فان قلنا بوجوب الامساك وجبت الكفارة على المجامع، وإن قلنا لا يجب فلا شئ عليهم لان الفطر مباح لهم أشبه المجامع بالليل، فأما أن نوى الصوم في مرضه، أو سفره، أو صغره ثم زال عذره في أثناء النهار لم يجز له الفطر رواية واحدة وعليه الكفارة إن وطئ، وقال بعض الشافعية في المسافر خاصة وجهان (أحدهما) له الفطر لانه أبيح له الفطر ظاهرا وباطنا في أول النهار فكانت له أستدامته كما لو قدم مفطرا ولا يصح ذلك لان سبب الرخصة زال قبل الترخص فلم يكن له ذلك كما لو قدمت به السفينة قبل قصر الصلاة وكالصبي يبلغ والمريض يبرأ وهذا ينقض ما ذكروه وما قاسوا عليه ممنوع، ولو علم الصبي أنه يبلغ في أثناء النهار بالسن، أو علم المسافر أنه يقدم لم يلزمهما الصيام قبل زوال عذرهما لان سبب الرخصة موجود فثبت حكمها كما لو لم يعلما ذلك (مسألة) (وإن جامع وهو صحيح ثم مرض، أو جن، أو سافر لم تسقط عنه) إذا جامع في أول النهار ثم مرض، أو جن، أو كانت أمرأة فحاضت أو نفست في أثناء النهار لم تسقط الكفارة، وبه قال مالك والليث وابن الماجشون واسحاق، وقال أصحاب الرأي لا كفارة عليهم، وللشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأن صوم هذا اليوم خرج عن كونه مستحقا فلم يجب بالوطئ فيه كفارة كصوم المسافر أو كما لو تبين أنه من شوال ولنا أنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة فلم يسقطها كالسفر، ولانه افسد صوما واجبا من رمضان بجماع تام فاستقرت الكفارة عليه كما لو لم يطرأ العذر والوطئ في صوم المسافر ممنوع، وإن سلم فالوطئ
ثم مباح لانه في صوم أبيح الفطر فيه بخلاف مسئلتنا، وكذا إذا تبين أنه من شوال لانه تبين أن الوطئ لم يصادف رمضان، والموجب انما هو الوطئ المفسد لصوم رمضان، فأما إن جامع في نهار رمضان ثم سافر في أثناء النهار لم تسقط الكفارة لانه يفضي إلى أن كل من جامع أمكنه اسقاط الكفارة عنه بالسفر في النهار وهو غير جائز (فصل) إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع فعليه القضاء والكفارة، وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب القضاء دون الكفارة لان وطأه لم يصادف صوما صحيحا فلم يوجب
الكفارة كما لو ترك النية وجامع ولنا أنه ترك صوم رمضان بجماع أثم به لحرمة الصوم فوجبت به الكفارة كما لو وطئ بعد طلوع الفجر وما قاسوا عليه ممنوع، فأما إن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر فقال ابن حامد والقاضي عليه الكفارة لان النزع جماع يلتذ به أشبه الايلاج، وقال أبو حفص لا قضاء عليه ولا كفارة وهو قول أبي حنيفة والشافعي لانه ترك الجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع كما لو حلف لا يدخل دارا وهو فيها فخرج منها وقال مالك يبطل صومه ولا كفارة عليه لانه لا يقدر على أكثر مما فعله من ترك الجماع أشبه المكره (قال شيخنا) وهذه المسألة تقرب من الاستحالة إذ لا يكاد يعلم أول طلوع الفجر على وجه يتعقبه النزع من غير أن يكون قبله شئ من الجماع فلا حاجة إلى فرضها والكلام فيها (فصل) ومن جامع يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه كان طلع فعليه القضاء والكفارة، وقال
بعض الشافعية لا كفارة عليه، ولو علم في أثناء الوطئ فاستدام ذلك فلا كفارة عليه أيضا لانه إذا لم يعلم لم يأثم أشبه الناسي، وإن علم فاستدام فقد حصل الذي أثم به في غير صوم ولنا حديث المجامع حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة ولم يستفصل، ولانه أفسد صوم رمضان بجماع تام فوجبت عليه الكفارة كما لو علم، ووطئ الناسي ممنوع ثم إنه لا يحصل به الفطر على الرواية الاخرى (مسألة) (وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة عليه وعنه عليه الكفارة) إذا نوى الصوم في سفره ثم أفطر بالجماع ففي الكفارة روايتان (احداهما) تجب اختارها القاضي لانه أفطر بجماع فلزمته الكفارة كالحاضر (والثانية) لا كفارة عليه اختارها شيخنا وهي الصحيحة وهو مذهب الشافعي لانه صوم لا يجب المضي فيه فلم تجب الكفارة بالجماع فيه كالتطوع وفارق الحاضر الصحيح فانه يجب عليه المضي في الصوم، وإن كان مريضا يباح له الفطر فهو كالمسافر قياسا عليه، ولانه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد حصول الفطر أشبه مالو أكل ثم جامع، ومتى أفطر المسافر فله فعل جميع ما ينافي الصوم من الاكل والشرب والجماع وغيره لان حرمتها بالصوم فيزول بزواله كمجئ الليل
(مسألة) (ولا تجب الكفارة بغير الجماع في نهار رمضان) إذا جامع من غير صوم رمضان لم تجب عليه الكفارة في قول جمهور العلماء وقال قتادة تجب على من وطئ في قضاء رمضان لانه عبادة تجب الكفارة في آدائها فوجبت في قضائها كالحج ولنا انه جامع في غير رمضان فلم يلزمه كفارة كما لو جامع في صيام الكفارة والقضاء يفارق الآداء لانه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له بخلاف القضاء (فصل) ولا تجب الكفارة بافساد الصوم بغير الجماع وعن أحمد في المحتجم ان كان عالما بالنهي فعليه الكفارة وقال عطاء في المحتجم عليه الكفارة وقال مالك تجب الكفارة بكل ما كان هتكا للصوم الا الردة قياسا على الافطار بالجماع وحكي عن عطاء والحسن والزهري والثوري والاوزاعي وإسحاق أن الفطر بالاكل والشرب يوجب ما يوجب الجماع وبه قال أبو حنيفة الا انه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به فلو ابتلع حصاة أو نواة أو فستقة بقشرها فلا كفارة عليه واحتج بأنه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه فوجبت عليه الكفارة كالمجامع ولنا أنه أفطر بغير جماع فلم يوجب الكفارة كبلع الحصاة وكالردة عند مالك، ولانه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا اجماع، ولا يصح قياسه على الجماع لان الحاجة إلى الزجر عنه أمس والحكمة
في التعدي به آكد، ولهذا يجب به الحد إذا كان محرما، ويختص بافساد الحج دون سائر محظوراته ويفسد صوم اثنين في الغالب دون غيره (مسألة) (والكفارة عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) ظاهر المذهب أن كفارة الوطئ في رمضان مرتبة ككفارة الظهار يلزمه العتق، فان عجز عنه أنتقل إلى الصيام، فان عجز انتقل إلى الاطعام المذكور وهذا قول أكثر العلماء منهم الثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وعن أحمد رواية أخرى أنها على التخيير بين هذه الثلاثة فبأيها كفر أجزأه وهي رواية مالك لما روى مالك وابن جريج عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين
أو اطعام ستين مسكينا وأو حرف تخيير، ولانها تجب بالمخالفة فكانت على التخيير ككفارة اليمين وعن مالك رواية أخرى أنه قال: الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان اطعام ستين مسكينا وصيام ذلك اليوم، وليس التحرير والصيام من كفارة رمضان في شئ، وهذا القول مخالف للحديث الصحيح مع أنه ليس له أصل يعتمد عليه ولا شئ يستند إليه، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، ووجه الرواية الاولى الحديث الصحيح روه معمر ويونس والاوزاعي والليث وموسى بن عقبة
وعبيد الله بن عمر وعراك بن مالك وغيرهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للواقع على أهله " هل تجد رقبة تعتقها " قال لا، قال " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال لا، قال " فهل تجد اطعام ستين مسكينا؟ " قال لا وذكر سائر الحديث وهذا لفظ الترتيب والاخذ به أولى من رواية مالك لان أصحاب الزهري اتفقوا على روايته هكذا سوى مالك وابن جريج فيما علمنا، واحتمال الغلط فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه ولان الترتيب زيادة والاخذ بالزيادة متعين، ولان حديثنا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم لفظ الراوي ويحتمل أنه رواه بأو لاعتقاده أن معنى اللفظين سواء ولانها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين فكانت مرتبة كالظهار والقتل (فصل) فعلى هذه الرواية إذا عدم الرقبة انتقل إلى الصوم المذكور ولا نعلم خلافا في دخول الصوم في هذه الكفارة إلا قولا شاذا يخالف السنة الثابتة وقد ذكرناه، ولا خلاف بين من أوجبه أنه شهران متتابعان للخبر، فان لم يشرع في الصيام حتى وجد الرقبة لزمه العتق لان النبي صلى الله عليه وسلم سأل المواقع عما يقدر عليه حين أخبره بالتق ولم يسأله عما كان يقدر عليه حالة المواقعة وهي حالة الوجوب ولانه وجد المبدل قبل التلبس بالبدل فلزمه كما لو وجده حال الوجوب، وإن شرع في الصوم قبل القدرة على الاعتاق ثم قدر عليه لم يلزمه الخروج إليه إلا أن يشاء أن يعتق فيجرئه ويكون قد فعل
الاولى، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه العتق لانه قدر على الاصل قبل أداء فرضه بالبدل فبطل حكم البدل كالمتيمم يرى الماء
ولنا أنه شرع في الكفارة الواجبة عليه فاجزأته كما لو استمر العجز وفارق العتق التيمم لوجهين (أحدهما) أن التيمم لا يرفع الحدث وانما يستره فإذا وجد الماء ظهر حكمه، بخلاف الصوم فانه يرفع حكم الجماع بالكلية (الثاني) أن الصيام تطول مدته فيشق الزامه الجمع بينه وبين العتق بخلاف الوضوء والتيمم (فصل) (فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) قال شيخنا رحمه الله ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في دخول الاطعام في كفارة الوطئ في رمضان في الجملة وهو مذكور في الخبر، ولانه اطعام في كفارة فيه صوم شهرين متتابعين فكان ستين مسكينا ككفارة الظهار، وقدر المطعم خمسة عشر صاعا من البر لكل مسكين مد وهو ربع الصاع أو ثلاثين صاعا من التمر أو الشعير لكل مسكين نصف صاع، قال أبو حنيفة من البر لكل مسكين نصف صاع ومن غيره صاع لكل مسكين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سلمة بن صخر " فاطعم وسقا من تمر " رواه أبو داود، وقال أبو هريرة يطعم مدا من أي الانواع شاء، وبهذا قال عطاء والاوزاعي
والشافعي لما روى أبو هريرة في حديث المجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمكتل من تمر قدره خمسة عشر صاعا فقال " خذ هذا فاطعمه عنك " رواه أبو داود ولنا ما روى أحمد: حدثنا اسماعيل ثنا أيوب عن أبي زيد المدني قال جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أطعم هذا فان مدي شعير مكان مد بر " ولان فدية الاذى
نصف صاع من التمر والشعير بلا خلاف فكذا هذا والمد من البر يقوم مقام نصف صاع من غيره بدليل هذا الحديث ولانه قول ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وزيد ولا مخالف لهم من الصحابة وأما حديث سلمة بن صخر فقد اختلف فيه وحديث أصحاب الشافعي يجوز أن يكون الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قاصرا عن الواجب فاجتزئ به لعجز المكفر عن ما سواه (مسألة) (فان لم يجد سقطت عنه، وعنه لا نسقط وعنه أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأه)
ظاهر المذهب أن المجامع في رمضان إذا عجز عن العتق والصيام والاطعام أن الكفارة تسقط عنه وهذا قول الاوزاعي وقال الزهري لابد من التكفير بدليل أن الاعرابي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم باعساره قبل أن يدفع إليه العرق ولم يسقطها عنه ولانها كفارة واجبة فلم تسقط بالفجر عنها كسائر الكفارات وهذه الرواية الثانية عن احمد وهو قياس أبي حنيفة والثوري وأبي ثور وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أن الاعرابي لما دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم التمر فأخبره بحاجته قال " اطعمه أهلك " ولم يأمره بكفارة أخرى قولهم إنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه فلم يسقطها، قلنا قد أسقطها عنه بعد ذلك وهذا آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما القياس على سائر الكفارات فلا يصح لمخالفته النص والاعتبار بالعجز في حالة الوجوب وهو حالة الوطئ
باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء (مسألة) (ويكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه وأن يبتلع النخامة وهل يفطر بهما على وجهين) لا يفطر ابتلاع الريق إذا لم يجمعه بغير خلاف نعلمه لانه لا يمكن التحرز منه أشبه غبار الطريق ويكره للصائم جمع ريقه وابتلاعه لامكان التحرز منه فان جمعه ثم أبتلعه قصدا لم يفطره لانه يصل إلى جوفه من معدته أشبه إذا لم يجمعه وفيه وجه آخر أنه يفطره لانه أمكنه التحرز منه أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق والاول أصح فان الريق لا يفطر إذا لم يجمعه وان قصد ابتلاعه فكذلك إذا جمعه بخلاف غبار الطريق فان خرج ريقه إلى ثوبه أو بين أصابعه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أو بلع ريق غيره أفطر لانه ابتلعه من غير فمه أشبه غير الريق فان قيل فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها رواه أبو داود قلنا قد روى عن أبي داود أنه قال هذا إسناد ليس بصحيح ويجوز أن يكون يقبل في الصوم ويمص لسانها في غيره ويجوز أن يمصه ثم لا يبتلعه ولانه لم يتحقق انفصال ما على لسانها من البلل إلى فمه فاشبه ما لو ترك حصاة مبلولة في فيه أو لو تمضمض بماء ثم مجه ولو ترك في فمه حصاة أو درهما فاخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده في فيه نظرت فان كان ما عليه من الريق
كثيرا فابتلعه أفطر وان كان يسيرا لم يفطر بابتلاع ريقه وقال بعض أصحابنا يفطر لابتلاعه ذلك البلل الذي كان على الجسم ولنا أنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ودخوله إلى حلقه كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب والمبلول ويقوي ذلك حديث عائشة في مص لسانها ولو أخرج لسانه وعليه بلة ثم عاد فأدخله وابتلع ريقه لم يفطر (فصل) وان ابتلع النخامة فقد روى حنبل قال سمعت ابا عبد الله يقول إذا تنخم ثم أزدرده فقد أفطر لان النخامة تنزل من الرأس والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم أزدرده أفطر وهذا مذهب الشافعي لانه امكن التحرز منها اشبه الدم ولانها من غير الفم اشبه القئ وفيه رواية اخرى لا يفطر فانه قال في رواية المروذي ليس عليك قضاء إذا ابتلعت النخاعة وانت صائم لانه معتاد في الفم اشبه الريق (فصل) فان سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قئ فازدرده افطر وان كان يسيرا لان الفم في حكم الظاهر والاصل حصول الفطر بكل واصل منه لكن عفى عن الريق لعدم امكان التحرز منه فيبقى فيما عداه على الاصل وان القاه من فيه وبقى فمه نجسا أو تنجس فمه بشئ من خارج فابتلع ريقه فان كان معه جزء من المنجس افطر بذلك الجزء والا فلا (مسألة) (ويكره ذوق الطعام وان وجد طعمه في حلقه افطر)
قال احمد احب إلي أن يجتنب ذوق الطعام فان فعل لم يضره، وقال ابن عقيل يكره من غير حاجة لانه ربما دخل حلقه فأفطر ولا بأس به مع الحاجة لقول ابن عباس لا بأس ان يذوق الطعام الخل والشئ يريد شراءه والحسن كان يمضغ الجوز لابن ابنه وهو صائم ورخص فيه ابراهيم فان فعل فوجد طعمه في حلقه افطر والا لم يفطر (فصل) ولا بأس بالسواك للصائم قبل الزوال قال احمد لا بأس به لما روى عامر بن ربيعة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا احصى يتسوك وهو صائم حديث حسن ولكنه يكون عودا ذاوي وهل يكره السواك للصائم بعد الزوال على روايتين ذكرناهما في باب الوضوء ويكره للصائم السواك
بالعود الرطب في إحدى الروايتين وهو قول قتادة والشعبي واسحاق ومالك في رواية لانه مغرر بصومه لكونه ربما يتحلل منه اجزاء تصل إلى حلقه فيفطره وعنه لا يكره، وهو قول الثوري وأبي حنيفة لانه يروى عن علي وابن عمر وعروة ومجاهد ولما روينا من الحديث والله اعلم (مسألة) (ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه اجزاء ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه اجزاء الا ان لا يبلع ريقه وان وجد طعمه في حلقه افطر)
المنقول عن احمد رحمه الله كراهة مضغ العلك قال اسحاق بن منصور قلت لاحمد الصائم يمضغ العلك؟ قال لا وقال اصحابنا العلك ضربان (احدهما) ما يتحلل منه اجزاء وهو الردئ الذي يتحلل بالمضغ فلا يجوز مضغه الا ان لا يبلع ريقه فان فعل فنزل إلى حلقه منه شئ افطر به كما لو تعمد اكله (والثاني) القوي الذي يصلب بالمضغ فهذا يكره مضغه ولا يحرم، وممن كرهه الشبعي والنخعي ومحمد بن علي والشافعي وأصحاب الرأي، وذلك لانه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش، ورخصت عائشة في مضغه، وبه قال عطاء لانه لا يصل إلى الجوف منه شئ فهو كوضع الحصاة في فيه ومتى مضغه ولم يجد طعمه في حلقه لم يفطر، وإن وجد طعمه في حلقه ففيه وجهان (أحدهما) يفطره كالكحل إذا وجد طعمه في حلقه (والثاني) لا يفطره لانه لا يترك منه شئ، ومجرد الطعم لا يفطر بدليل أنه قد قيل إن من لطخ باطن قدمه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطر بخلاف الكحل فان أجزاءه تصل إلى الحلق ويشاهد إذا تنخع.
قال احمد: من وضع في فيه درهما أو دينارا وهو صائم فلا بأس به ما لم يجد طعمه في حلقه وما يجد طعمه فلا يعجبني، وقال عبد الله سألت أبي عن الصائم يفتل الخيوط قال يعجبني أن يبزق
(مسألة) (وتكره القبلة إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته في احدى الروايتين) وجملته أن المقبل لا يخلو من ثلاثة أقسام:
(أحدها) أن يكون ذا شهوة مفرطة يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل أو مذى فهذا تحرم عليه القبلة لانها مفسدة لصومه (1) أشبهت الاكل (الثاني) أن يكون ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك فيكره له التقبيل لانه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فأعرض عني فقلت له ما بالي؟ فقال " انك تقبل وأنت صائم " ولان العبادة إذا منعت الوطئ منعت دواعيه كالاحرام، ولا تحرم القبلة في هذه الحال لما روي أن رجلا قبل وهو صائم فأرسل امرأته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبل وهو صائم، فقال الرجل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مثلنا قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " أني لاخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي " رواه مسلم بمعناه وروي عن عمر أنه قال: هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما
قبلت وأنا صائم قال " أرأيت لو تمضمضت من اناء وأنت صائم " قلت لا بأس به، قال " فمه " رواه أبو داود، ولان افضاءه إلى افساد الصوم مشكوك فيه ولا يثبت التحريم بالشك (الثالث) أن يكون ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الكبير ففيه روايتان (احداهما) لا تكره له وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم لما كان مالكا لاربه وغير ذي الشهوة في معناه، وقد روي أبو هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له، فأتاه آخر فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب، أخرجه أبو دواد، ولانها مباشرة لغير شهوة أشهت لمس اليد لحاجة (والثانية) يكره لانه لا يأمن حدوث الشهوة، ولان الصوم عبادة تمنع الوطئ فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته ومن لا تحرك كالاحرام، فأما اللمس لغير شهوة كلمس اليد ليعرف مرضها ونحوه فليس بمكروه بحال لان ذلك لا يكره في الاحرام أشبه لمس ثوبها (مسألة) (ويجب عليه اجتناب الكذب والغيبة والشتم فان شتم استحب أن يقول اني صائم)
يجب على الصائم أن ينزه صومه عن هذه الاشياء، قال احمد ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من
لسانه، ولا يماري ويصرن صومه كانوا إذا صاموا قعدوا في المساجد فقالوا نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا، ولا يعمل عملا يخرج به صومه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (1) " وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله تعالى كل عمل أبن آدم له إلا الصيام فانه لي وأنا أجزي به، الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فان سابه أحد أو قاتله فليقل اني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه " متفق عليهما (2) فصل (مسألة) (ويستحب تعجيل الافطار وتأخير السحور، وأن يفطر على التمر وإن لم يجد فعلى الماء، وأن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني انك أنت السميع العليم)
يستحب تعجيل الافطار وهو قول أكثر أهل العلم لما روى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه، وعن أبي عطية قال: دخلت أنا ومسروق على عائشة فقال مسروق رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الافطار ويعجل المغرب والاخر يؤخر الافطار ويؤخر المغرب، قالت من الذي يعجل الافطار ويعجل المغرب، قال عبد الله قالت هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى " أحب عبادي إلي أسرعهم فطرا " قال الترمذي هذا حديث حسن ويستحب أن يفطر قبل الصلاة لما روى أنس قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربه من ماء.
رواه أبن عبد البر
(مسألة) (ويستحب تأخير السحور) الكلام في السحور في امور ثلاثة (أحدها في استحبابه) ولا نعلم بين العلماء خلافا في استحبابه لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تسحروا فان في السحور بركة) متفق عليه وعن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فضل
مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " رواه مسلم وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين " رواه الامام احمد.
(الثاني في وقته) وقال احمد يعجبني تأخير السحور لما روى زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك؟ قال خمسين آية متفق عليه وروى العرباض بن سارية قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور فقال " هلم إلى الغداء المبارك " رواه أبو داود سماه غداء لقرب وقته منه ولان المقصود بالسحور التقوي على الصوم وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم قال أبو داود قال أبو عبد الله إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه وهذا قول ابن عباس وعطاء والاوزاعي قال احمد يقول الله تعالى (فكلوا واشربو حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يمنعكم من سحوركم اذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن المستطير في الافق " حديث حسن وروى أبو قلابة قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يتسحر يا غلام اخف لا يفجأنا الصبح، وقال رجل لابن عباس اني أتسحر فإذا شككت امسكت فقال ابن عباس كل ما شككت حتى لا تشك
فأما الجماع فلا يستحب تأخيره لانه ليس مما يتقوى به وفيه خطر وجوب الكفارة والفطر به (الثالث فيما يتسحر به) كل ما يحصل من أكل، أو شرب حصل به فضيلة السحور لقوله عليه السلام " ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء " وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " نعم سحور المؤمن التمر " (فصل) فيما يستحب أن يفطر عليه، يستحب أن يفطر على رطبات فان لم يكن فعلى تمرات،
فان لم يكن فعلى الماء، لما روى أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فان لم يكن فعلى تمرات، فان لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء، رواه أبو داود والترمذي وقال حسن غريب، وعن سليمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمرات فان لم يجد فليفطر على الماء فانه طهور " أخرجه أبو داود والترمذي (فصل) روى ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال " اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا أنك أنت السميع العليم " وعن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال " ذهب الظمأ وابتلت العروق، ووجب الاجر إن شاء الله " واسناده حسن ذكرهما الدارقطني (فصل) ويستحب تفطير الصائم لما روي زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من فطر صائما فله مثل اجره من غير أن ينقص من اجر الصائم شئ " قال الترمذي حديث حسن صحيح (مسألة) (يستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب)
لا نعلم خلافا في استحاب التتابع في قضاء رمضان لانه أشبه بالاداء، وفيه خروج من الخلاف ولا يجب، هذا قول ابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي قلابة ومجاهد وأهل المدينة ومالك وأبي حنيفة والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق وغيرهما وحكي وجوب التتابع عن علي وابن عمر والنخعي والشعي وقال داود يجب ولا يشترط لما روى ابن المنذر باسناده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه " ولقوله تعالى (فعدة من أيام أخر) غير مقيد بالتتابع فان قيل فقد روي عن عائشة أنها قالت نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقطت متتابعات قلنا هذا لم تثبت عندنا صحته ولو صح فقد سقطت اللفظة المحتج بها وأيضا قول الصحابة قال ابن عمر ان سافر ان شاء فرق وان شاء تابع وروي مرفوعا وقال أبو عبيدة في قضاء رمضان الله لم يرخص لكم في فطره وهو يريد ان يشق عليكم في قضائه وعن محمد بن المنكدر أنه قال بلغني ان رسول الله (ص) سئل عن تقطيع قضاء رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان على احدكم دين فقضاه من الدرهم أو الدرهمين حتى يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضيا دينه؟ قالوا نعم يارسول الله
قال فالله أحق بالعفو والتجاوز منكم " رواه الاثرم ولانه صوم لا يتعلق بزمان بعينه فلم يجب فيه التتابع
كالنذر المطلق وخبرهم لم تثبت صحته ولم يذكره أصحاب السنن ولو صح حملناه على الاستحباب جمعا بينه وبين ما ذكرناه والله أعلم (فصل) قال رحمه الله (ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر) وجملته ان من عليه صوم من رمضان فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر لما روت عائشة قالت كان يكون علي الصيام من شهر رمضان فلا أقضيه حتى يجئ شعبان متفق عليه ولا يجوز تأخيره إلى رمضان آخر من غير عذر لان عائشة رضي الله عنها لم تؤخره إلى ذلك ولو أمكنها لاخرته ولان الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخيره عن الثانية كالصلاة المفروضة (مسألة) (فان فعل فعليه القضاء واطعام مسكين لكل يوم) إذا أخر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر لعذر فليس عليه إلا القضاء لعموم الآية، وإن كان لغير عذر فعليه مع القضاء اطعام مسكين لكل يوم، يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ومجاهد وسعيد بن جبير، وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والشافعي واسحاق، وقال الحسن والنخعي وأبو حنيفة لافدية عليه لانه صوم واجب فلم يجب عليه في تأخيره كفارة كالاداء والنذر ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة ولم يرو عن غيرهم خلافهم وروي مسندا من طريق ضعيف ولان تأخير صوم رمضان عن وقته إذا لم يوجب القضاء أوجب الفدية كالشيخ الكبير (فصل) فان أخره لعذر حتى أدركه رمضانان أو أكثر لم يكن عليه أكثر من فدية مع القضاء لان كثرة التأخير لا يزداد بها الواجب كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله (مسألة) (وإن أخره لعذر فلا شئ عليه وان مات) من مات وعليه صيام من رمضان قبل امكان الصيام إما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم فلا شي عليه في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا يجب الاطعام عنه لانه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الاطعام عنه كالشيخ الهم إذا
ترك الصيام لعجزه عنه
ولنا أنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل امكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج ويفارق الشيخ الهم فانه يجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت (مسألة) (وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين ومن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين) إذا أخر رمضان مع امكان القضاء فمات أطعم عنه لكل يوم مسكين وهذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عائشة وابن عباس، وبه قال مالك والليث والاوزاعي والثوري والشافعي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم، وقال أبو ثور يصيام عنه وهو قول الشافعي لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " متفق عليه، وروي ابن عباس نحوه ولنا ماروى ابن ماجة عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا " رواه الترمذي وقال الصحيح عن ابن عمر موقوف، وعن عائشة أيضا قالت يطعم عنه في قضاء رمضان ولا يصام، وعن ابن عباس أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر يصوم شهرا وعليه صوم رمضان؟ قال أما رمضان فيطعم عنه، وأما النذر فيصام عنه، رواه الاثرم في السنن، ولان الصوم لا تدخله النيابة حال الحياة فكذلك بعد الوفاة كالصلاة، فأما حديثهم فهو في النذر لانه قد جاء مصرحا به في بعض الالفاظ كذلك رواه البخاري عن ابن عباس قال: قالت امرأة يارسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفاقضيه عنها؟ قال " أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان
يؤدي ذلك عنها " قالت نعم، قال " فصومي عن أمك " وقالت عائشة وابن عباس كقولنا وهما راويا حديثهم فدل على ما ذكرنا
(فصل) فان مات المفرط بعد أن أدركه رمضان آخر لم يجب عليه أكثر من اطعام مسكين
لكل يوم نص عليه احمد فيما رواه عنه أبو داود أن رجلا سأله عن امرأة افطرت رمضان ثم أدركها رمضان آخر ثم ماتت قال يطعم عنها قال له السائل كم أطعم؟ قال كم أفطرت؟ قال ثلاثين يوما، قال اجمع ثلاثين مسكينا واطعمهم مرة واحدة وأشبعهم، قال ما أطعمهم؟ قال خبزا ولحما إن قدرت من أوسط طعامكم، وذلك لانه باخراج كفارة واحدة زال تفريطه بالتأخير فصار كما لو مات من غير تفريط وقال أبو الخطاب يطعم عنه لكل يوم مسكينان لان الموت بعد التفريط بدون التأخير عن رمضان آخر يوجب كفارة، والتأخير بدون الموت يوجب كفارة، فإذا اجتمعا وجب كفارتان كما لو فرط في يومين (فصل) واختلفت الرواية عن احمد في جواز التطوع بالصوم ممن عليه صوم فرض فنقل عنه حنبل أنه لا يجوز بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه إن كان عليه نذر صامه يعني بعد الفرض، وروي حنبل باسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من صام تطوعا وعليه من رمضان شئ لم يقضه فانه لا يتقبل منه حتى يصومه " ولانه عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يصح التطوع قبل اداء فرضها كالحج، وروي عنه أنه يجوز له التطوع لانها عبادة تتعلق بوقت موسع فجاز التطوع في وقتها قبل فعلها
كالصلاة يتطوع في وقتها قبل فعلها وعليه يخرج الحج، ولان التطوع بالحج يمنع فعل واجبه المتعين فأشبه صوم التطوع في رمضان على أن لنا في الحج منعا، والحديث يرويه ابن لهيعة وهو ضعيف وفي سياقه ما هو متروك فانه قال في آخره " ومن أدركه رمضان وعليه من رمضان شئ لم يتقبل منه " ويخرج في التطوع بالصلاة في حق من عليه القضاء مثل ما ذكرنا في الصوم، بل عدم الصحة في الصلاة أولى لانها تجب على الفور بخلاف الصوم (فصل) واختلفت الرواية في كراهية القضاء في عشر ذي الحجة فروي أنه لا يكره وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي واسحاق لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر ولانه ايام عبادة فلم يكره القضاء فيه كعشر المحرم (والثانية) يكره روي ذلك عن الحسن والزهري لانه يروى عن علي رضي الله عنه أنه كرهه ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من
ايام العمل الصالح فيها أحب إلى الله سبحانه من هذه الايام " يعني أيام العشر قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله " قال " ولا الجهاد في سبيل الله الا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشئ " فاستحب اخلاؤها للتطوع لينال فضيلتها ويجعل القضاء في غيرها وقال بعض اصحابنا هاتان الروايتان مبنيتان على الروايتين في إباحة التطوع قبل صوم الفرض وتحريمه فمن اباحه كره القضاء فيها لتوفيرها على التطوع لينال فضله فيها مع فضل القضاء ومن حرمه لم يكرهه بل استحب فعله فيها لئلا تخلو من
العبادة بالكلية قال شيخنا ويقوى عندي ان هاتين الروايتين فرع على إباحة التطوع قبل القضاء أما على رواية التحريم فيكون صومها تطوعا قبل الفرض محرما وذلك أبلغ من الكراهة والله أعلم
(مسألة) (ومن مات وعليه صوم منذور أو حج أو اعتكاف فعله عنه وليه وان كانت صلاة منذورة فعلى روايتين) وجملة ذلك ان من مات وعليه صوم نذر ففعله عنه وليه اجزأ عنه وهذا قول ابن عباس والليث وأبي عبيد وأبي ثور وقال مالك والليث والاوزاعي والثوري وابن علية يطعم عنه لما ذكرنا في صوم رمضان
ولنا الاحاديث الصحيحة التي رويناها من قبل هذا وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم احق بالاتباع وفيها غنى عن كل قول والفرق بين النذر وغيره ان النيابة تدخل العبادة بحسب خفتها والنذر أخف حكما لكونه لم يجب بأصل الشرع وانما أوجبه الناذر على نفسه
(فصل) ولا يجب على الولي فعله لان النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين ولا يجب على الولي قضاء دين الميت إذا لم يخلف تركة كذلك هذا لكن يستحب له أن يصوم عنه لتفريغ ذمته وكذلك يستحب له قضاء الدين عنه ولا يختص ذلك بالولي بل كل من قضاه عنه وصام عنه أجزأ لانه تبرع فأما الاعتكاف
فلا يجب الا بالنذر فمن مات وعليه اعتكاف واجب فقضاه وليه اجزأ قياسا على الصوم ولان الكفارة تجب بتركه في الجملة أشبه الصوم وأما الحج فتجوز النيابة فيه عند العجز عنه وان يفعله عنه غيره في
حال الحياة فبعد الموت أولى ولا فرق في الحج بين النذر وحجة الاسلام لحديث الخثعمية الذي يذكر في الحج ان شاء الله تعالى وغيره من الاحاديث (فصل) وفي الصلاة المنذورة روايتان (احداهما) حكمها حكم الصوم فيما ذكرنا قياسا عليه
(والثانية) لا يجزئ عنه فعل الولي لانها عبادة بدنية محضة لا يدخل المال في جبرانها بحال فلا يصح قياسها على الصوم فعلى هذا يكفر عنه كفارة يمين لتركه النذر والله تعالى أعلم وسوف نذكره في النذر بابسط من هذا ان شاء الله تعالى
(باب صوم التطوع) (مسألة) (وافضله صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما) لما روى عبد الله بن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " له صم يوما وافطر يوما فذلك صيام داود وهو
افضل الصيام " فقلت اني اطيق افضل من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا افضل من ذلك " متفق عليه (مسألة) (ويستحب صيام ايام البيض من كل شهر وصوم الاثنين والخميس) صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب لا نعلم فيه خلافا بدليل ما روى أبو هريرة قال وصاني
خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وإن أوتر قبل ان أنام، وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " صم ثلاثة أيام فان الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر " متفق عليهما
ويستحب أن يجعل هذه الثلاثة أيام والبيض هي ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس لما روى أبو ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة واربع
عشرة وخمس عشرة " قال الترمذي هذا حديث حسن وروى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعرابي كل قال اني صائم قال " صوم ماذا؟ " قال صوم ثلاثة أيام من الشهر قال " ان كنت صائما فعليك بالغر البيض
ثلاث عشرة واربع عشرة وخمس عشرة " وعن ملحان القيسي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة واربع عشرة وخمس عشرة، وقال هو كهيئة الدهر رواه أبو داود وسميت
أيام البيض لا بيضاض ليلها والتقدير ايام الليالي البيض وذكر أبو الحسن التميمي أن الله سبحانه تاب
على آدم فيها وبيض صحيفته وروى أسامة بن زيد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس
فسئل عن ذلك فقال " ان اعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس " رواه أبو داود وفي لفظ فاحب
أن يعرض عملي وانا صائم (مسألة) (ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) صوم ستة أيام من شوال مستحب عند كثير من أهل العلم، روي عن كعب الاحبار والشعبي وميمون بن مهران والشافعي وكرهه مالك وقال: ما رأيت أحدا من أهل الفقه صومها ولم يبلغني ذلك
عن أحد من السلف، وان أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه ولنا ما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان واتبعه ستا من شوال
فكأنما صام الدهر " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، قال أحمد هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجري مجرى التقديم لرمضان لان يوم العيد فاصل وروى سعيد باسناده عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان شهر بعشرة اشهر وصام ستة ايام بعد الفطر وذلك تمام سنة " يعني أن الحسنة بعشر أمثالها فالشهر بعشرة والستة بستين يوما فذلك سنة كاملة فان قيل فالحديث لا يدل على فضيلتها لانه شبه صيامها بصيام الدهر وهو مكروه قلنا: انما كره صوم الدهر لما فيه من الضعف والتشبه بالتبتل لولا ذلك لكان فضلا عظيما لاستغراقه الزمان بالعبادة والطاعة والمراد بالخبر التشبيه به في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه كما قال عليه السلام " من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كمن صام الدهر " مع ان ذلك لا يكره بل يستحب بغير خلاف وكذلك نهى عبد الله بن عمرو عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث وقال " من قرأ (قل هو الله أحد) فكأنما قرأ ثلث القرآن " أراد التشبيه بثلث القرآن في الفضل لا في كراهة الزيادة عليه.
إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونها متتابعة أو متفرقة في اول الشهر أو في آخره لان الحديث ورد مطلقا من غير تقييد ولان فضيلتها لكونها تصير مع الشهر عشر السنة والحسنة بعشر أمثالها فيكون كانه صام السنة كلها فإذا وجد ذلك في كل سنة صار
كصيام الدهر كله وهذا المعنى يحصل مع التفريق والله أعلم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: