الفقه الحنبلي - الطلاق
* (مسألة) * (وان قال لها أنت طالق في كل قرء طلقة وهي من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة) وإن كانت من ذوات القروء وقع في كل قرء طلقة فان كانت في القرء أوقعت بها واحدة في
الحال ووقع بها طلقتان في قرأين آخرين في أولهما سواء قلنا القرء الحيض أو الاطهار، وسواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها، إلا أن غير المدخول بها تبين بالطلقة الاولى فان تزوجها وقع بها في القرء الثاني طلقة أخرى وكذلك الحكم في الثالثة فان كانت من اللائي لم يحضن وقلنا القرء
الحيض لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة، وان قلنا القرء الاطهار احتمل أن تطلق في الحال واحدة ثم لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر فتطلق الثانية ثم الثالثة في القرء، لان الطهر قبل الحيض كله قرء واحد، واحتمل أن لا تطلق حتى تطهر بعد الحيض لان القرء هو الطهر بين
حيضتين وكذلك لو حاضت الصغيرة في عدتها لم تحتسب بالطهر الذي قبل الحيض من عدتها في أحد الوجهين، والحكم في الحامل كالحكم في الصغيرة لان زمن الحمل كله قرء واحد في أحد الوجهين إذا قلنا الاقراء الاطهار، والوجه الآخر ليس بقرء على كل حال، وإن كانت آيسة فقال القاضي تطلق واحدة على كل حال لانه علق طلاقها بصفة يستحيل فيها فلغت ووقع بها الطلاق كما لو قال لها: أنت طالق للبدعة، وإذا طلقت الحامل في حال حملها بانت بوصفه لان عدتها تنقضي به فلم يلحقها طلاق آخر فان استأنف أو راجعها قبل وضع حملها ثم طهرت من النفاس طلقت أخرى ثم إذا حاضت ثم طهرت وقعت الثالثة (فصل) فان قال أنت طالق للسنة ان كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة، وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع بحال لان الشرط ما وجد وكذلك إن قال أنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة، وان كانت في زمن البدعة وقع، والا لم يقع بحال فان كانت ممن لا سنة لطلاقها ولا بدعة فذكر القاضي فيها احتمالين (أحدهما) لا يقع في المسئلتين لان الصفة ما وجدت فأشبه ما لو قال: أنت طالق إن كنت هاشمية ولم تكن كذلك.
(والثاني) تطلق لانه شرط لوقوع الطلقة شرطا مستحيلا فلغى ووقع الطلاق، والاول أشبه، وللشافعي وجهان كهذين.
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله فهو كقوله أنت طالق للسنة) وكذلك إن قال أعدله أو أكمله أو أتمه أو أو فضله أو طلقة جليلة أو سنية، فكذلك كله عبارة
عن طلاق السنة، وبه قال الشافعي وقال محمد بن الحسن إذا قال أعدل الطلاق أو أحسنه كقولنا، وان قال سنته أو أعدله وقع الطلاق في الحال لان الطلاق لا يتصف بالوقت والسنة والبدعة وقت، فإذا وصفها بما لا تتصف به سقطت الصفة كما لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة رجعية، أو قال لها أنت طالق للسنة أو للبدعة.
ولنا أن ذلك عبارة عن طلاق السنة ويصح وصف الطلاق بالسنة والحسن لكونه في ذلك الوقت موافقا للسنة مطابقا للشرع فهو كقوله أحسن، وفارق قوله طلقة رجعية، لان الرجعية لا تكون إلا في عدة ولا عدة لها فلا يحصل ذلك بقوله فان قال نويت بقولي أعدل الطلاق وقوعه في زمان الحيض لانه أشبه باخلاقها القبيحة ولم أرد الوقت وكانت في الحيض وقع الطلاق لانه إقرار على نفسه بما فيه تغليظ، وان كانت في حال السنة دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين فيما تقدم.
* (مسألة) * (وان قال أقبحه أو أسمجه أو أفحشه أو أردأه أو ألكعه حمل على طلاق البدعة) فان كانت في وقت البدعة والا وقف على مجئ زمان البدعة وحكي عن أبي بكر أنه يقع ثلاثا ان قلنا ان جمع الثلاث بدعة وينبغي أن يقع الثلاث في وقت البدعة ليكون جامعا لبدعتي الطلاق فيكون أقبح الطلاق، وان نوى بذلك غير طلاق البدعة نحو أن يقول انما أردت ان طلاقك أقبح الطلاق لانك لا تستحقينه لحسن عشرتك وجميل طريقتك وقع في الحال، وان قال أردت بذلك طلاق السنة ليتأخر الطلاق عن نفسه إلى زمن السنة لم يقبل، لان لفظه لا يحتمله.
* (مسألة) * (وان قال أردت أن أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال) لان هذا يوجد في الحال فوقع فيه.
* (مسألة) * (وان قال أنت طلق مطلقة حسنة قبيحة فاحشة جميلة تامة ناقصة وقع في الحال) لانه وصفها بصفتين متضادتين فلغتا وبقي مجرد الطلاق فوقع فان قال أردت أنها حسنة لكونها في
زمان السنة وقبيحة لاضرارها بك أو قال أردت أنها حسنة لتخليصي من شرك وسوء خلقك وقبيحة
لكونها في زمن البدعة وكان ذلك يؤخر وقوع الطلاق وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على وجهين (فصل) فان قال أنت طالق الحرج فقال القاضي معناه طلاق البدعة لان الحرج الضيق والاثم فكأنه قال طلاق الاثم وطلاق البدعة طلاق الاثم وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه أنه يقع ثلاثا لان الحرج الضيق والذي يضيق عليه ويمنعه الرجوع إليها ويمنعها الرجوع هو الثلاث وهو مع ذلك طلاق بدعة وفيه اثم فيجتمع عليه الامران الضيق والاثم، وان قال طلاق الحرج والسنة كان كقوله طلاق السنة والبدعة * (باب صريح الطلاق وكنايته) * لا يقع الطلاق بغير لفظه فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع في قول علمة أهل العلم منهم عطاء وجابر ابن زيد وسعيد بن جبير ويحيى بن أبي كثير والشافعي واسحاق وروي أيضا عن القاسم وسالم والحسن والشعبي وقال الزهري إذا عزم على ذلك طلقت وقال ابن سيرين فيمن طلق في نفسه أليس قد علمه الله
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعلم " رواه النسائي والترمذي وقال هذا حديث صحيح ولانه تصرف يزيل الملك فلم يحصل بمجرد النية كالبيع والهبة وكذلك إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه فانه لا يقع لما ذكرناه.
إذا ثبت أنه يعتبر له اللفظ فهو يتصرف إلى صريح وكناية، فصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح وهو اختيار ابن حامد فإذا قال أنت طالق أو مطلقة أو قال طلقتك وقع الطلاق من غير نية، والكناية لا يقع بها الطلاق حتى ينويه أو يأتي بما يقوم مقام نيته * (مسألة) * (وقال الخرقي صريحه ثلاثة الفاظ الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن) وهذا مذهب الشافعي ومذهب أبي حنيفة أن صريحه يختص بلفظ الطلاق وما تصرف منه ووجه هذا القول أن لفظ الفراق والسراح يستعملان في غير الطلاق كثيرا فلم يكونا صريحين فيه كسائر
كناياته، ووجه قول الخرقي أن هذه الالفاظ ورد بها الكتاب في الفرقة بين الزوجين فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق قال الله تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقال (فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وقال سبحانه (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال سبحانه (فتعالين أمتعكن
وأسرحكن سراحا جميلا) والقول الاول أصح فان الصريح في الشئ ما كان نصا فيه لا يحتمل غيره إلا احتمالا بعيدا، ولفظة الفراق والسراح إن وردت في القرآن بمعنى الفرقة بين الزوجين فقد وردت فيه لغير ذلك المعنى وفي العرف كثيرا قال الله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب) فلا معنى لتخصيصه بفرقة الطلاق على أن قوله (أو فارقوهن بمعروف) لم يرد به الطلاق وانما هو ترك ارتجاعها وكذلك قوله (أو تسريح باحسان) ولا يصح قياسه على لفظ الطلاق فانه مختص بذلك سابق إلى الافهام من غير قرينة ولا دلالة بخلاف الفراق والسراح * (مسألة) * (فمتى أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه) وجملة ذلك ان الصريح لا يحتاج إلى نية بل يقع من غير قصد فمتى قال انت طالق أو مطلقة أو طلقتك وقع من غير نية بغير خلاف لان ما يعتبر له القول يكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحا فيه كالبيع سواء قصد المزح أو الجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء روي هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود ونحوه عن عطاء وعبيدة وبه قال الشافعي وأبو عبيد قال أبو عبيد هو قول سفيان وأهل العراق.
فأما لفظ الفراق
والسراح فينبني على الخلاف فيه، فمن جعله صريحا أوقع به الطلاق من غير نية ومن جعله كناية لم يوقع به الطلاق حتى ينويه ويكون بمنزلة الكنايات الخفية، فان قال أردت بقولي فارقتك أي بجسمي أو بقلبي أو بمذهبي أو سرحتك من يدي أو شغلى أو من حبسي أو سرحت شعرك قبل قوله
* (مسألة) * (فان نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو أراد ان يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد أنها مطلقة من زوج كان قبله لم تطلق فان ادعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين الا ان يكون في حال الغضب أو بعد سؤالها الطلاق فلا يقبل) إذا نوى بقوله أنت طالق من وثاق أو قال أردت أن أقول طلبتك فسبق لساني فقلت طلقتك أو نحو ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى (فمتى علم من نفسه ذلك لم يقع عليه فيما بينه وبين ربه) قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله انه إذا أراد أن يقول لزوجته اسقيني ماء فسبق لسانه فقال أنت طالق أو أنت حرة أنه لا طلاق فيه ونقل ابن منصور عنه انه سئل عن رجل حلف فجرى على لسانه غير ما في قلبه فقال أرجو ان يكون الامر فيه واسعا، وهل تقبل دعواه في الحكم؟ ينظر فان كان في حال الغضب أو سؤالها الطلاق لم يقبل في الحكم لان لفظه ظاهر في الطلاق وقرينة حاله تدل عليه فكانت دعواه
مخالفة للظاهر من وجهين فلا تقبل وان لم يكن في هذه الحال فظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور وأبي الحارث أنه يقبل قوله وهو قول جابر بن زيد والشعبي والحكم حكاه عنهم أبو حفص لانه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد فقبل كما لو قال أنت طالق أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها، وقال القاضي فيه روايتان (احداهما) التي ذكرناها قال وهي ظاهر كلام احمد (والثانية) لا يقبل وهو مذهب الشافعي لانه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف فلم يقبل في الحكم كما لو أقر بعشرة ثم قال زيوفا أو صغارا أو إلى شهر، فاما ان صرح بذلك في اللفظ فقال طلقتك من وثاقي أو فارقتك بجسمي أو سرحتك من يدي فلا شك أن الطلاق لا يقع لان ما يتصل بالكلام يصرفه عن مقتضاه كالاستثناء والشرط وذكر أبو بكر في قوله أنت مطلقة إن هو نوى أنها مطلقة طلاقا ماضيا من زوج كان قبله لم يكن عليه شئ، وان لم ينو شيئا فعلى قولين احدهما يقع والثاني لا يقع وهذا من قوله يقتضي ان تكون هذه اللفظة غير صريحة في أحد القولين قال القاضي والمنصوص عن أحمد انه صريح وهو صحيح لان هذه متصرفة من لفظ الطلاق فكانت صريحة فيه كقوله انت طالق، فان قال أردت بقولي أنها مطلقة من زوج كان قبلي ففيه وجه ثالث أنه يقبل ان كان وجد لان كلامه يحتمله ولا يقبل ان لم يكن وجد لانه لا يحتمله وقد ذكرنا في
ذلك روايتين غير هذا الوجه
* (مسألة) * (ولو قيل له اطلقت امرأتك فقال نعم وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة قال لا وأراد الكذب لم تطلق) أما إذا قيل له اطلقت امرأتك قال نعم أو قيل له امرأتك طالق فقال نعم طلقت امرأته وإن لم ينو وهذا الصحيح من مذهب الشافعي واختاره المزني لان نعم صريح في الجواب والصريح للفظ الصريح صريح، الا ترى لو قيل له لفلان عليك الف؟ قال نعم وجب عليه فان قيل له أطلقت امرأتك فقال قد كان بعض ذلك وقال أردت الايقاع وقع وان قال أردت أنني علقت طلاقها بشرط قبل لان ما قاله محتمل وان قال أردت الاخبار عن شئ ماض أو قيل له ألك امرأة فقال قد طلقتها ثم قال انما أردت أني طلقتها في نكاح آخر دين فيما بينه وبين الله تعالى وأما في الحكم فان لم يكن وجد ذلك منه لم يقبل وان كان وجد فعلى وجهين، واما إذا قيل له ألك امرأة فقال لا وأراد به الكذب لم يلزمه شئ لان قوله لي امرأة كناية يفتقر إلى نية الطلاق وإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق فلم يقع وهكذا لو نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني أو انني كمن لا امرأة له أو لم ينو شيئا لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية وإن أراد بهذا اللفظ طلاقها طلقت لانها كناية صحبتها النية وبهذا قال الزهري ومالك وحماد بن ابي سليمان
وابو حنيفة والشافعي وقال أبو يوسف ومحمد لا تطلق لان هذا ليس بكناية ولكنه خبر هو كاذب فيه وليس بايقاع ولنا انه محتمل للطلاق لانه إذا طلقها فليست له بامرأة فأشبه قوله انت بائن وغيرها من الكنايات الظاهرة وبهذا يبطل قولهم (فصل) فاما لفظة الاطلاق فليست صريحة في الطلاق لانها لم يثبت لها عرف الشرع ولا الاستعمال فاشبهت سائر كناياته، وذكر القاضي فيها احتمالا انها صريحة لانه لا فرق بين فعلت وافعلت نحو عظمته واعظمته وكرمته واكرمته، وليس هذا الذي ذكره مطردا فانهم يقولون حييته من التحية واحييته من
الحياة واصدقت المرأة صداقا وصدقت حديثها تصديقا ويفرقون بين اقبل وقبل ودبر وادبر وبصر وابصر ويفرقون بين المعاني المختلفة بحركة أو حرف فيقولون حمل لما في البطن وبالكسر لما على الظهر والوقر بالفتح الثقل في الاذن وبالكسر لنقل الحمل، وههنا فرقوا بين قيد النكاح بالتضعيف في احدهما والهمزة في الآخر ولو كان معنى اللفظين واحدا لقيل طلقت الاسير والفرس والطائر وطالق وطلقت الدابة فهي طالق ومطلقة ولم يسمع هذا في كلامهم وهذا مذهب الشافعي
* (مسألة) * (وان لطم امرأته أو أطعمها أو اسقاها وقال هذا طلاقك طلقت الا ان ينوي ان هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك لان هذا اللفظ كناية في الطلاق إذا نواه به وقع ولا يقع من غير نية أو دلالة حال لانه اضاف إليها الطلاق فوقع بها كما لو قال انت طالق) وقال ابن حامد تطلق من غير نية لان تقديره اوقعت عليك طلاقا هذا الضرب من أجله فعلى قوله يكون صريحا وقال اكثر الفقهاء ليس بكناية ولا يقع به طلاق وان نوى لان هذا لا يؤدي معنى الطلاق ولا هو سبب له ولا حكم فيه فلم يصح التعبير به عنه كما لو قال غفر الله لك.
ولنا على انه كناية انه يحتمل هذا التفسير الذي ذكره ابن حامد ويحتمل ان يكون سببا للطلاق لكون الطلاق معلقا عليه فصح أن يعبر به عنه ولان الكناية ما احتملت الطلاق وهذا يحتمله لانه يجوز أن يكون قد علق طلاقها فلما فعله قال هذا طلاقك اخبارا لها فلزمه ذلك كقوله اعتدى، ويدل على أنه ليس بصريح أنه احتاج إلى التقدير والصريح لا يحتاج إلى تقدير فيكون كناية، فان نوى ان هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك فلا تطلق لانه إذا أراد سبب الطلاق جاز أن يكون سببا له في زمان بعد هذا الزمان * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق لا شئ أو ليس بشئ أو لا يلزمك طلقت) وكذلك إن قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك أو طالق طلقة لا ينقضي بها عدد طلاقك لان ذلك
ورفع لجميع ما أوقعه فلم يصح كاستثناء الجميع، وإن كان ذلك خبرا فهو كذب لان الواحدة إذا أوقعها وقعت وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا
* (مسألة) * (وإن قال أنت طالق أولا؟ أو طالق واحدة أولا؟ لم تطلق) لان هذا استفهام فإذا اتصل به خرج عن أن يكون لفظا لايقاع ويخالف المسألة قبلها لانه ايقاع ويحتمل أن يقع لان لفظه لفظ الايقاع لا لفظ الاستفهام لان لفظ الاستفهام يكون بالهمزة أو نحوها فيقع ما أوقعه ولا يرتفع بما ذكره بعده كالتي قبلها، وكذلك إن قال أنت طالق واحدة أولا؟ وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قياس قول الشافعي وقال محمد في هذه تقع واحدة لان قوله أولا يرجع إلى ما يليه من اللفظ وهو واحدة دون لفظ الايقاع ولا يصح لان واحدة صفة للطلقة الواقعة فما اتصل بها رجع إليها فصار كقوله أنت طالق أولا؟ * (مسألة) * (وإن كتب طلاق امرأته ونوى الطلاق وقع وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله لم يقع وهل تقبل دعواه في الحكم؟ على روايتين) إذا كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم
وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي وذكر بعض أصحابه أن له قولا آخر أنه لا يقع به طلاق وإن نواه لانه فعل من قادر على النطق فلم يقع به الطلاق كالاشارة ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أنى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ ولان الكتابة تقوم مقام الكاتب بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته فجعل ذلك في حق البعض بالقول وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الاطراف ولان كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في اثبات الديون والحقوق فان نوى بذلك تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع لانه لو نوى باللفظ غير الايقاع لم يقع فالكتابة أولى، وإذا ادعى ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى ويقبل في الحكم في أصح الوجهين لان ذلك يقبل في اللفظ الصريح في أحد الوجهين فههنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وإن قال نويت غم أهلي فقد قال في رواية أبي طالب فيمن كتب طلاق زوجته ونوى الطلاق وقع، وإن أراد أن يغم أهله فقد عمل في ذلك أيضا يعني أنه يؤاخذ به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " عفي لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به " فظاهر هذا أنه أوقع الطلاق لان غم أهله يحصل بالطلاق
فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه كما لو قال أنت طالق يريد به غمها، ويحتمل أن لا يقع لانه أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته فلا يكون ناويا للطلاق والخبر انما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام وهذا لم ينو طلاقا فلا يؤاخذ به
* (مسألة) * (وإن لم ينو شيئا) فقال أبو الخطاب قد خرجها القاضي والشرف في الارشاد على روايتين (احداهما) يقع وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم لما ذكرنا من أن الكتابة تقوم مقام اللفظ (والثانية) لا يقع إلا بنيته وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي لان الكتابة محتملة فانه يقصد بها تجربة القلم أو تجويد الخط وغم الاهل فلم يقع من غير نية ككنايات الطلاق * (مسألة) * (وإن كتبه بشئ لا يبين مثل بأصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد أنه لا يقع) وقال أبو حفص العكبري يقع، ورواه الاثرم عن الشعبي لانه كتب حروف الطلاق فأشبه ما لو كتبه بشئ يبين والاول أولى لان الكتابة لا تبين كالهمس بالفم بما لا يستين وثم لا يقع فههنا أولى (فصل) ولا يقع الطلاق بغير لفظ الا في موضعين (احدهما) إذا كتب الطلاق ونواه وقد ذكرناه (الثاني) من لا يقدر على الكلام كالاخرس إذا طلق بالاشارة طلقت زوجته وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لانه لا طريق له إلى الطلاق الا بالاشارة فقامت اشارته مقام النطق
من غيره فيه كالنكاح، وأما القادر فلا يصح طلاقه بالاشارة كما لا يصح نكاحه بها فان أشار الاخرس باصابعه الثلاث لم يقع الا واحدة لان اشارته لا تكفي * (مسألة) * (وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم) فإذا أتى بها العجمي وقع الطلاق منه بغير نية وقال النخعي وأبو حنيفة هو كناية لا تطلق به الا بنية لان معناه وخليتك وهذه اللفظة كناية ولنا أن هذه اللفظة بلسانهم موضعة للطلاق ويستعملونها فيه فأشبه لفظ الطلاق بالعربية ولو لم تكن
هذه صريحة لم يكن في العجمية صريح في الطلاق وهذا بعيد ولا يضر كونها بمعنى خليتك فان معنى طلقتك خليتك أيضا الا أنه لما كان موضوعا له تستعمل فيه كان صريحا كذا هذه ولا خلاف في أنه إذا نوى بها الطلاق كانت طلاقا كذلك قال الشعبي والنخعي والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة وزفر والشافعي فان قاله العربي ولا يفهمه أو طلق لم يقع لانه لم يختر الطلاق لعدم علمه بمعناه، وان نوى موجبه فعلى وجهين (أحدهما) لا يقع لانه لا يتحقق اختياره لما لا يعلمه فأشبه ما لو نطق بكلمة الكفر فانه لا يعرف معناها (والثاني) يقع لانه أتى بالطلاق ناويا مقتضاه فوقع كما لو علمه
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه والكنايات نوعان ظاهرة وهي سبعة: أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأنت حرة وأنت الحرج.
أكثر الروايات عن أبي عبد الله رحمه الله كراهية الفتيا في هذه الكنايات مع ميله إلى أنها ثلاث وحكى ابن أبي موسى في الارشاد عنه روايتين (احداهما) انها ثلاث (والثانية) يرجع إلى ما نواه واختارها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي قال يرجع إلى ما نوى فان لم ينو شيئا وقعت واحدة، ونحوه قول النخعي الا أنه قال تقع طلقة بائنة لان لفظه يقتضي البينونة ولا يقتضي عددا وروى حنبل عن أحمد ما يدل على هذا فانه قال يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها ولو وقع ثلاث لم تبح له رجعتها ولو لم تبن لم يحتج إلى زيادة في مهرها، واحتج الشافعي بما روى أبو داود باسناده أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله ما أردت الا واحدة؟ " فقال ركانة الله ما اردت الا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال علي بن محمد الطنافسي ما أشرف هذا الحديث لان الكنايات مع النية كالصريح فلم يقع به عند الاطلاق أكثر من واحدة كقوله أنت طالق وقال الثوري وأصحاب الرأي ان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة ولا يقع اثنتان لان الكناية تقتضي البينونة دون العدد والبينونة بينونتان صغرى وكبرى
فالصغرى بالواحدة والكبرى بالثلاث ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد وهي لا تقتضيه، وقال
ربيعة ومالك يقع بها الثلاث وإن لم ينو الا في الخلع أو قبل الدخول فانها تطلق واحدة لانها تقتضي البينونة والبينونة تحصل في الخلع وقبل الدخول بواحدة فلم يزد عليها لان اللفظ لا يقتضي زيادة عليها وفي غيرها يقع الثلاث ضرورة لان البينونة لا تحصل إلا بها ووجه أنها ثلاث أنه قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنها ثلاث قال أحمد في الخلية والبرية والبتة قول علي وابن عمر قول صحيح ثلاثا قال علي والحسن والزهري في البائن انها ثلاث وروى النجاد باسناده عن نافع باسناده أن رجلا جاء إلى عاصم وابن الزبير فقال ان ظئري هذا طلق امرأته البتة قبل أن يدخل بها فهل تجد ان له رخصة؟ فقالا لا ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فسلهم ثم ارجع الينا فأخبرنا فسألهم فقال أبو هريرة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس هي ثلاث وذكر عن عائشة متابعتهما وروى باسناده أن عمر جعل البتة واحدة ثم جعلها بعد ثلاث تطليقات.
وهذه أقوال علماء الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان اجماعا ولانه طلق امرأته بلفظ يقتضي البينونة فوجب الحكم بطلاق تحصل به البينونة كما لو طلق ثلاثا أو نوى الثلاث وافضاؤه إلى البينونة ظاهر في قوله أنت بائن وكذا في قوله البتة لان البت القطع فكأنه قطع النكاح
كله وكذلك يعبر به عن الطلاق الثلاث كما قال امرأة رفاعة ان رفاعة طلقني فبت طلاقي وبتله هو من القطع أيضا وكذلك قيل في مريم البتول لانقطاعها عن النكاح ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل وهو الانقطاع عن النكاح بالكلية وكذلك الخلية والبرية يقتضيان الخلو من النكاح والبراءة منه وإذا كان اللفظ معنى فاعتبره الشرع انما يعتبره فيما يقتضيه ويؤدي معناه ولا سبيل إلى البينونة بدون الثلاث فوقعت ضرورة الوفاء بما يقتضيه لفظه ولا يمكن ايقاع واحدة بائنة لانه لا يقدر على ايقاع ذلك بصريح الطلاق فكذلك بكنايته ولا يفرق بين المدخول بها وغيرها لان الصحابة لم يفرقوا لان كل لفظة أوجبت الثلاث في مدخول بها أوجبتها في غيرها كقوله أنت طالق ثلاثا فأما حديث ركانة فان أحمد ضعف اسناده فلذلك تركه، وقوله أنت حرة يقتضي ذهاب الرق عنها وخلوصها منه والرق ههنا النكاح، وقوله أنت الحرج يعني الحرام والاثم.
قال الله تعالى (ليس على الاعمى حرج) أي
اثم وأصله الضيق قال الله تعالى (فلا يكن في صدرك حرج منه) فكأنه حرمها واثم نفسه في امساكها فصار في ضيق من أمرها وانما تكون بالبينونة على ما مر
* (مسألة) * (والخفية نحو اخرجي واذهبي وذرقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي وما أشبه واختاري ووهبتك لاهلك فهذه ثلاث إن نوى ثلاثا واثنتان إن نواهما وواحدة ان نواها أو اطلق) ما ظهر وما عنى به الطلاق فهو على ما عنى مثل حبلك على غاربك إذا نوى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا فهو على ما نوى.
وقد ذكر الخرقي في قوله حبلك على غاربك في الكنايات الظاهرة: وان قال أنت واحدة فهي كناية خفية لكنه لا يقع بها إلا واحدة وان نوى ثلاثا ذكره شيخنا لانهما لا تحتمل أكثر منها، وان قال أغناك الله فهو كناية خفية لانه يحتمل أغناك الله بالطلاق قال الله تعالى (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة في الكنايات لا يقع اثنتان وان نواهما وتقع واحدة وقد ذكرناه * (مسألة) * (واختلف في قوله ألحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت للازواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك وأنت علي حرام وأنت على حرج هل هي ظاهرة أو خفية؟ وغطي شعرك وقد أعتقتك فهذه عن أحمد فيها روايتان) (إحداهما) انها ثلاث والاخرى ترجع إلي ما نواه وان لم ينو شيئا فواحدة كسائر الكنايات
الخفية، وقد قاسوا على هذه استبرئي رحمك وتقنعي فهذه في معنى المذكورة فيكون حكمها حكمها.
والصحيح في الحقي بأهلك انها واحدة ولا تكون ثلاثا إلا بنية لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " متفق عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا وقد نهى عنه أمته قال الاثرم قلت لابي عبد الله إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنة الجون " الحقي بأهلك " ولم يكن طلاقا غير هذا ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليطلق ثلاثا فيكون غير طلاق السنة قال لا أدري، وكذلك قوله استبرئي رحمك لمن لا تحيض ثلاث فان ذلك يكون من الواحدة كما يكون من الثلاث، وقد روى هاشم أنا الاعمش عن المنهال بن
عمر أن نعيم بن دجاجة الاسدي طلق امرأته تطليقتين ثم قال هي على حرج فكتب في ذلك إلى عمر ابن الخطاب فقال اما انها ليست بأهونهن، فأما سائر اللفظات فان قلنا هي ظاهرة فان معناها معنى الظاهرة فان قوله لا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك انما يكون في المبتوتة.
أما الرجعية فله عليها سبيل وسلطان، وقوله أعتقتك يقتضي ذهاب الرق عنها والرق ههنا النكاح، وقوله أنت علي حرام يقتضي بينونتها منه لان الرجعية غير محرمة وكذلك قوله حللت للازواج لانك بنت مني وكذلك سائرها، وان قلنا هي واحدة فانها محتملة فان قوله حللت للازواج أي بعد انقضاء عدتك لانه لا يمكن حلها
قبل ذلك والواحدة تحلها وكذلك انحكي من شئت وكذلك سائر الالفاظ يتحقق معناها بعد انقضاء عدتها، وذكر بعض أصحابنا اعتدى المختلف فيه والصحيح أنها من الخفية لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة " اعتدي " متفق عليه (فصل) فان قال أنت طالق بائن البتة ففيه من الخلاف ما ذكرنا في الكنايات الظاهرة لانه لا يحتاج إلى نية لانه وصف بها الطلاق الصريح، فان قال أنت طالق لا رجعة لي عليك وهي مدخول بها قال احمد إذا قال لامرأته أنت طالق لا رجعة لي فيها ولا بمتوتة هذه مثل الخلية والبرية ثلاثا هكذا عندي وهو مذهب ابي حنيفة، وان قال ولا رجعة لي فيها بالواو فكذلك وقال أصحاب ابي حنيفة تكون رجعية لانه لم يصف الطلقة بذلك وانما عطف عليها ولنا أن الصفة تصح مع العطف كما لو قال بعتك بعشرة وهي مغرية وكان صفة للثمن قال الله تعالى (إلا استمعوه وهم يلعبون) وان قال أنت طالق واحدة بائنا أو واحدة بتة ففيها ثلاث روايات (احداهن) انها واحدة رجعية ويلغو ما بعدها قال احمد لا أعرف شيئا متقدما ان بواحدة تكون بائنا وهذا مذهب الشافعي لانه وصف الطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة كما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك (والثانية) هي ثلاث قاله أبو بكر وقال هو قول احمد لانه أتى بما يقتضي الثلاث فوقع ولنا
وله واحدة كما قال أنت طالق واحدة (والثالثة) رواها حنبل عن احمد إذا طلق امرأته البتة
فان أمرها بيدها يزيدها في مهرها إن أراد رجعتها فهذا يدل على أنه أوقع بها واحدة بائنا لانه جعل أمرها بيدها ولو كانت رجعية لما جعل أمرها بيدها ولو وقع ثلاث لما حلت له رجعتها قال أبو الخطاب هذه الرواية تخرج في جميع الكنايات الظاهرة فيكون مثل قول ابرهيم النخعي ووجهه أنه أوقع الطلاق بصفة البينونة فوقع على ما أوقعه ولم يزد على واحدة لان لفظه لم يقتض عددا فلم يقع أكثر من واحدة كما لو قال أنت طالق، وحمل القاضي رواية حنبل على أن ذلك بعد انقضاء العدة * (مسألة) * (ومن شرط وقوع الطلاق بها أن ينوي بها الطلاق) يعني من شرط وقوع الطلاق بالكناية النية للطلاق لانها كناية فلا يقع بها طلاق بدون النية كالكناية الخفية، وان لم ينو شيئا ولا دلت عليه قرينة لم يقع لانه ظاهر في غير الطلاق فلم يصرف إليه عند الاطلاق كما لا ينصرف الصريح إلى غيره، وان نوى بها الطلاق وقع وذكر القاضي أن ظاهر كلام احمد والخرقي أن الطلاق يقع بالكنايات الظاهرة من غير نية وهو قول مالك لانه اشتهر استعمالها فيه فلم تحتج إلى نية كالصريح ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يقع إلا بنية لانه كناية فأشبه سائر الكنايات
(فصل) إذا ثبت اعتبار النية فانها تعتبر مقارنة للفظه فان وجدت في ابتدائه وعزبت عنه في سائره وقع الطلاق، وقال بعض أصحاب الشافعي لا يقع فلو قال أنت بائن ينوي الطلاق وعزبت نيته حين قال أنت بائن لم يقع لان القدر الذي صاحبته النية لا يقع به شئ ولنا أن ما يعتبر له النية يكتفى فيه بوجودها في أوله كالصلوات وسائر العبادات فاما ان تلفظ بالكناية غير ناو ثم نوى بها بعد ذلك لم يقع بها الطلاق كما لو نوى الطهارة بالغسل بعد فراغه منه * (مسألة) * (الا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين) ذكرهما أبو بكر والقاضي وابو الخطاب (احداهما) يقع الطلاق ذكره الخرقي.
قال في رواية الميموني إذا قال لزوجته أنت حرة لوجه الله في الغضب أخشى أن يكون طلاقا (والرواية الثانية) ليس بطلاق وهو قول أبي حنيفة والشافعي الا أن أبا حنيفة يقول في اعتدي واختاري أمرك بيدك كقولنا في الوقوع، واحتجا بأن هذا ليس بصريح في الطلاق ولم ينوه فلم يقع
به الطلاق كحال الرضا ولان مقتضى اللفظ لا يتغير بالرضا والغضب، ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادرا نحو قوله أنت حرة لوجه الله واعتدي واستبرئي رحمك وحبلك
على غاربك وأنت بائن وأشباه ذلك أنه يقع في حال الغضب وجواب سؤال الطلاق من غير نية، وما كثر استعماله لغير ذلك نحو اخرجي واذهبي وروحي تقنعي لا يقع الطلاق به الا بنية ومذهب أبي حنيفة قريب من هذا، وكلام الخرقي انما ورد في قوله أنت حرة وهو مما لا يستعمله الانسان في حق زوجته غالبا إلا كناية عن الطلاق، ولا يلزم من الاكتفاء كذلك بمجرد الغضب وقوع غيره من غير نية لان ما كثر استعماله يوجد كثيرا غير مراد به الطلاق في حال الرضاء فكذلك في حال الغضب إذ لا حجر عليه في استعماله والتكلم به بخلاف ما لم تجر العادة بذكره فانه لما قل استعماله في غير الطلاق كان مجرد ذكره يظن منه ارادة الطلاق فإذا انضم إلى ذلك مجيئه عقيب سؤال الطلاق أو في حال الغضب قوى الظن فصار ظنا غالبا، ووجه الرواية الاخرى ان دلالة الحال تغير حكم الاقوال والافعال فان من قال لرجل يا عفيف ابن العفيف حال تعظيمه كان مدحا له، وان قاله في حال شتمه وتنقصه كان قذفا وذما ولو قال انه لا يغدر بذمة ولا يظلم حبة خردل وما احدا وفى ذمة منه في حال المدح كان مدحا بليغا كما قال حسان فما حملت من ناقة فرق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد ولو قال في حال الذم كان هجوا قبيحا كقول النجاشي قبيلته لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل
وقال آخر: كأن ربي لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس انسانا وهذا في هذا الموضع هجاء قبيح وذم حتى حكي عن حسان أنه قال: ما أراه إلا قد سلح عليهم ولولا القرينة ودلالة الحال كان من أحسن المدح وأبلغه، وفي الافعال لو أن رجلا قصد رجلا بسيف والحال تدل على المزح واللعب لم يجز قتله، ولو دلت الحال على الجد جاز دفعه بالقتل والغضب ههنا على عقد الطلاق فيقوم مقامه
* (مسألة) * (وان جاء جوابا لسؤالها الطلاق فقال أصحابنا يقع بها الطلاق) لدلالة الحال عليه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا أتى بها في حال الغضب على ما فيه من الخلاف والتفصيل والوجه لذلك ما تقدم من التوجيه.
قال شيخنا والاولى في الالفاظ التي يكثر استعمالها لغير الطلاق نحو اخرجي واذهبي أنه لا يقع بها لطلاق حتى ينويه بخلاف ما لا يستعمل في غير الطلاق إلا نادرا وقد ذكرنا في المسألة التي قبلها دليل ذلك
(فصل) فان ادعى أنه لم ينو فالمنصوص عن أحمد ههنا أنه لا يصدق في عدم النية.
قال في رواية الحارث إذا قال لم أنوه صدق في ذلك إذا لم تكن سألته الطلاق وان كان بينهما غضب قبل ذلك ففرق بين كونه جوابا للسؤال وكونه في حال الغضب وذلك لان الجواب ينصرف إلى السؤال فلو قال لي عندك دينار قال نعم أو صدقت كان اقرارا به ولم يقبل تفسيره بغير الاقرار، ولو قال زوجتك ابنتي أو بعتك ثوبي هذا قال قبلت كفى هذا ولم يحتج إلى زيادة عليه، ولو أراد بالكناية حال الغضب أو سؤال الطلاق غير الطلاق لم يقع الطلاق لانه لو أراده بالصريح لم يقع فالكناية أولى، وإذا ادعى ذلك دين، وهل يقبل في الحكم؟ ظاهر كلام أحمد في رواية الحارث انه يصدق وان كان في حال الغضب ولا يصدق ان كان جوابا لسؤال الطلاق.
ونقل عنه في موضع آخر أنه قال: أنت خلية أو برية أو بائن ولم يكن بينهما ذكر طلاق ولا غضب صدق فمفهومه أنه لا يصدق مع وجودهما وحكي هذا عن أبي حنيفة الا في الاربعة المذكورة والصحيح أنه يصدق لما روى سعيد باسناده أن رجلا خطب إلى قوم فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال قد طلقت ثلاثا فزوجوه بها ثم أمسك امرأته فقالوا ألم تقل انك طلقت ثلاثا؟ قال ألم تعلموا
أني تزوجت فلانة وطلقتها ثم تزوجت فلانة ثم طلقتها، ثم تزوجت فلانة وطلقتها، فسئل عثمان عن ذلك فقال: له نيته ولانه أمر تعتبر نيته فيه فقبل قوله فيما يحتمله، كما لو كرر لفظا وقال أردت التوكيد والله أعلم.
* (مسألة) * (ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة) هذا ظاهر المذهب لما ذكرنا من اجماع الصحابة وعنه يقع ما نواه وهو مذهب الشافعي كالكنايات الخفية ولحديث ركانة، وعنه يقع واحدة بائنة وهي رواية حنبل لما ذكرنا من قبل ويقع بالخفية ما نواه لانه محتمل وهو قول الشافعي إلا إذا قال أنت واحدة فانه لا يقع بها إلا واحدة وإن نوى ثلاثا لانها لا تحتمل غير الواحدة ذكره شيخنا.
(فصل) والطلاق الواقع بالكنايات رجعي ما لم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة كلها بوائن إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة لانها تقتضي البينونة فيقع كقوله أنت طالق ثلاثا ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض ولا استيفاء عدد فوجب أن يكون رجعيا كصريح
الطلاق وما سلموه من الكنايات وقولهم انها تقتضي البينونة قلنا فينبغي أن تبين بثلاث لان المدخول بها لا تبين إلا بعوض أو ثلاث.
* (مسألة) * (وأما ما لا يدل على الطلاق نحو كلي واشربي واقعدي واقربي وبارك الله عليك وأنت مليحة أو قبيحة وقومي وأطعميني واسقيني وغفر الله لك ما أحسنك وأشباه ذلك فليس بكناية ولا تطلق به وان نوى) لان اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية وقد ذكرنا أنه لا يقع بها وهذا مذهب أبي حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي في قوله كلي واشربي فقال بعضهم كقولنا، وقال بعضهم هو كناية لانه يحتمل كلي ألم الطلاق واشربي كأس الفراق فوقع كقوله ذوقي أو تجرعي ولنا أن هذا اللفظ لا يستعمل بمفرده إلا فيما لا ضرر فيه كنحو قوله تعالى (كلوا واشربو هنيئا بما كنتم تعلمون) وقال (فكلوه هنيئا مريئا) فلم يكن كناية كقوله أطعميني وفارق ذوقي وتجرعي فانه يستعمل في المكاره لقول الله سبحانه (ذق إنك أنت العزيز الكريم - وذوقوا عذاب الحريق -
وذوقوا مس سقر) وكذلك التجرع، قال الله تعالى (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فلم يصح أن يلحق بهما ما ليس مثلهما.
* (مسألة) * (وكذلك قوله أنا طالق لان الزوج ليس محلا للطلاق، وإن قال: أنا منك طالق لم تطلق زوجته) نص عليه في رواية الاثرم في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت أنت طالق لم تطلق وهو قول ابن عباس والثوري وأبي سعيد وأصحاب الرأي وابن المنذر.
وروي ذلك عن عثمان رضي الله عنه ويحتمل أنه كناية يطلق به إذا نوى وبه قال مالك والشافعي وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعطاء والقاسم واسحاق لان الطلاق ازالة النكاح وهو مشترك بينهما فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ولا خلاف في أنه لا يقع به الطلاق من غير نية.
ولنا أنه محل لا يقع الطلاق إذا أضافه إليه من غير نية فلم يقع وان نوى كالاجنبي ولانه لو قال أنا طالق ولم يقل منك لم يقع ولو كان محلا للطلاق لوقع بذلك كالمرأة ولان الرجل مالك في النكاح والمرأة مملوكة فلم تقع ازالة الملك بالاضافة إلى المالك كالعتق ويدل على هذا أن الرجل لا يوصف بأنه مطلق بخلاف المرأة وجاء رجل إلى ابن عباس فقال ملكت امرأتي أمرها فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس خطأ الله نواها ان الطلاق لك وليس لها عليك، رواه أبو عبيد والاثرم واحتج به أحمد
* (مسألة) * (وان قال أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أو لا؟ على وجهين) إذا قال أنا منك بائن أو برئ فقد توقف أحمد عنها وقال أبو عبد الله بن حامد يتخرج على وجهين (أحدهما) لا يقع لان الرجل محل لا يقع الطلاق باضافة صريحه إليه، فلم يقع باضافة كنايته إليه كالاجنبي.
(والثاني) يقع لان لفظ البينونة والبراءة والتحريم يوصف به كل واحد من الزوجين يقال بان منها وبانت منه، وحرم عليها وحرمت عليه، وكذلك لفظ الفرقة يضاف اليهما، قال الله تعالى (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته) وقال تعالى (ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ويقال فارقته المرأة وفارقها، ولا يقال طلقته ولا سرحته ولا تطلقا ولا تسرحا.
فان قال: أنا بائن ولم يقل منك فذكر القاضي فيما إذا قال لها: أمرك بيدك، فقالت: أنت بائن ولم تقل مني، أنه لا يقع،
وجها واحدا، وان قالت أنا بائن ونوت وقع، وان قالت أنت مني بائن فعلى وجهين فيخرج ههنا مثل ذلك.
* (مسألة) * (وان قالت أنت علي كظهر أمي، تنوي به الطلاق لم يقع وكان ظهارا) لانه صريح فلم يكن كناية في الطلاق كما لا يكون الطلاق كناية في الظهار ولان الظهار يشبه بمن
هي محرمة على التأبيد والطلاق يفيد تحريما غير مؤبد فلم تصح الكناية باحدهما على الآخر ولو صرح به وقال أعني به الطلاق لم يصر طلاقا لانه لا تصح الكناية به عنه * (مسألة) * (وان قال أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام ففيه ثلاث روايات (احداهن) أنه ظهار وان نوى الطلاق اختاره الخرقي (والثانية) كناية ظاهرة (والثالثة) هو يمين) إذا قال ذلك أو أطلق فهو ظهار وقال الشافعي لا شئ عليه، وله قول آخر عليه كفارة يمين وليس يمينا وقال أبو حنيفة هو يمين وقد روي ذلك عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن مسعود وقال سعيد ثنا خالد بن عبد الله عن جويبر عن الضحاك ان أبا بكر وعمر وابن مسعود قالوا في الحرام إنه يمين وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على ذلك لان الله تعالى قال (لم تحرم ما أحل الله لك؟) ثم قال (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) وقال ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولانه تحريم للحلال أشبه تحريم الامة ووجه الاول أنه تحريم للزوجة بغير طلاق فوجب به كفارة الظهار كما لو قال أنت علي حرام كظهر أمي فأما ان نوى غير الظهار فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة أنه ظهار نوى الطلاق أو لم ينوه ذكره الخرقي وممن قال إنه ظهار عثمان بن
عفان وأبو قلابة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران والبتي وروى الاثرم باسناده عن بن عباس في الحرام أنه تحرير رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا ولانه صريح في تحريمها فكان ظهارا وان نوى غيره كقوله أنت علي كظهر أمي وعن أحمد أنه إذا نوى به الطلاق اخاف أن يكون ثلاثا ولا افتي به وهذا مثل قوله في الكنايات الظاهرة فكأنه جعله من كنايات الطلاق يقع به الطلاق إذا نواه، ونقل عنه البغوي في رجل قال لامرأته أمرك بيدك فقالت أنا عليك حرام فقد حرمت
عليه فجعله منها كناية في الطلاق فكذلك من الرجل واختاره ابن عقيل وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وروي ذلك عن ابن مسعود وممن روي عنه طلاق ثلاث علي وزيد بن ثابت وأبو هريرة والحسن البصري وابن أبي ليلى وهو مذهب مالك في المدخول بها لان الطلاق نوع تحريم فصح ان يكنى به عنه كقوله انت بائن فان لو ينو به الطلاق لم يكن طلاقا بحال لانه ليس بصريح في الطلاق فان لم ينوه لم يقع به طلاق كسائر الكنايات وان قلنا انه كناية في الطلاق ونوى به فحكمه حكم الكنايات الظاهرة على ما مضى من الاختلاف فيها وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي كل على اصله ويمكن حمله على الكنايات الخفية إذا قلنا ان الرجعية محرمة لان اقل ما تحرم به الزوجة طلقة رجعية فحمل على اليقين وقد روي
عن احمد ما يدل عليه قال إذا قال انت علي حرام اعني به طلاقا فهي واحدة وروي هذا عن عمر ابن الخطاب والزهري وقد روي عن مسروق وابي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي ليس بشئ لانه قول هو كاذب فيه وهذا يبطل بالظهار لانه منكر من القول وزور، وقد اوجب الكفارة ولان هذا ايقاع للطلاق فأشبه قوله انت بائن وانت طالق وروي عن احمد انه إذا نوى اليمين كان يمينا وهذا مذهب ابن مسعود وقول ابي حنيفة والشافعي وممن روي عنه: عليه كفارة يمين أبو بكر الصديق وعمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وقتادة والاوزاعي وفي المتفق عليه عن سعيد بن جبير انه سمع ابن عباس يقول إذا حرم الرجل عليه امراته فهي يمين يكفرها وقال (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) ولان الله قال (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم؟ * قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم) فجعل الحرام يمينا ومعنى قوله نوى يمينا والله اعلم انه نوى بقوله انت علي حرام ترك وطئها واجتنابها واقام ذلك مقام والله لا وطأتك * (مسألة) * (وان قال ما احل الله علي حرام اعني به الطلاق فقال احمد تطلق امراته ثلاثا وان قال اعني به طلاقا طلقت واحدة)
رواه الجماعة عن أحمد فروى أبو عبد الله النيسابوري أنه قال إذا قال أنت علي حرام أريد به الطلاق كنت أقول إنها طالق يكفر كفارة الظهار وهذا كأنه رجوع عن قوله إنه طلاق ووجهه أنه صريح في الظهار فلم يصر طلاقا بقوله أريد به الطلاق كما لو قال أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق قال القاضي ولكن جماعة أصحابنا على أنه طلاق وهي الرواية المشهورة التي رواها عنه الجماعة لانه صرح بلفظ الطلاق فكان طلاقا كما لو ضربها وقال هذا طلاقك وليس هذا صريحا في الظهار وإنما هو صريح في التحريم والتحريم يتنوع إلى تحريم بالظهار وإلى تحريم بالطلاق فإذا بين بلفظه إرادة تحريم الطلاق وجب صرفه إليه وفارق قوله أنت علي كظهر أمي فانه صريح في الظهار وهو تحريم لا يرتفع إلا بالكفارة فلم يمكن جعل ذلك طلاقا بخلاف مسئلتنا ثم ان قال أعني به الطلاق أو نوى به ثلاثا فهي ثلاث نص عليه أحمد لانه أنى بالالف واللام التي للاستغراق تفسيرا للتحريم فدخل فيه الطلاق كله وإذا نوى الثلاث فقد نوى بلفظه ما يحتمله من الطلاق فوقع كما لو قال أنت بائن وعنه لا يكون ثلاثا حتى ينويها سواء كانت فيه الالف واللام أو لم تكن لان الالف واللام تكون لغير الاستغراق في أكثر اسماء الاجناس وإن قال أعنى به طلاقا فهي واحدة لانه ذكره منكرا فيكون طلاقا واحدا نص عليه
أحمد وقال في رواية حنبل إذا قال أعني طلاقا فهي واحدة أو اثنتان إذا لم يكن فيه الالف واللام وعنه أنه ظهار فيهما وقد ذكرناه وذكرنا دليله * (مسألة) * (وإن قال أنت علي كالميتة والدم وقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين وإن لم ينو شيئا فهل يكون ظهارا أو يمينا؟ على وجهين) أما إذا نوى الطلاق كان طلاقا لانه يصلح أن يكون كناية فيه فإذا اقترنت به النية وقع به الطلاق ويقع ما نواه من عدد الطلاق فان لم ينو شيئا وقعت واحدة لانه من الكنايات الخفية وهذا حكمها وإن نوى به الظهار وهو أن يقصد تحريمها عليه مع بقاء نكاحها احتمل أن يكون ظهارا كما قلنا في قوله أنت علي حرام واحتمل أن لا يكون ظهارا كما لو قال أنت علي كظهر البهيمة أو كظهر أبي وإن نوى اليمين وهو أن يريد بذلك ترك وطئها لا تحريمها ولا طلاقها فهو يمين وإن لم ينو شيئا لم يكن طلاقا لانه ليس بصريح
في الطلاق ولو نواه به وهل يكون ظهارا أو يمينا؟ على وجهين (أحدهما) يكون ظهارا لان معناه أنت حرام علي كالميتة والدم فان تشبيهها بهما يقتضي التشبيه بهما في الامر الذي استهزأ به وهو التحريم لقول الله تعالى فيهما (حرمت عليكم الميتة والدم) والثاني يكون يمينا لان الاصل براءة الذمة فإذا أتى بلفظ محتمل
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: