الفقه الحنبلي - الطلاق
* (مسألة) * (وان اختلفا في قدر العوض أو عينه أو تأجيله فالقول قولها وكذلك ان اختلفا في صفة) حكاه أبو بكر نصا عن أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة وعنه أن
القول قول الزوج.
حكاها القاضي عن أحمد لان البضع يخرج عن ملكه فكان القول قوله في عوضه كالسيد مع مكاتبه، وقال الشافعي يتحالفان لانه اختلاف في عوض فيتحالفان فيه كالمتبايعين إذا اختلفا في الثمن ولنا أنه أحد نوعي الخلع فكان القول قول المرأة كالطلاق على مال إذا اختلفا في قدره، ولان المرأة منكرة للزائد في القدر أو الصفة فكان القول قولها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " وأما التحالف في البيع فيحتاج إليه لفسخ العقد والخلع في نفسه فسخ فلا ينفسخ (فصل) فان قال سألتني طلقة بألف فقالت بل سألتك ثلاثا بألف فطلقتني واحدة، بانت باقراره والقول قولها في سقوط العوض، وعند أكثر الفقهاء يلزمها ثلث الالف بناء على أصلهم
فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة أنه يلزمها ثلث الالف وان خالعها على الف فادعى انها دنانير فقالت بل هي دراهم فالقول قولها لما ذكرنا في أول الفصل، وان قال أحدهما كانت دراهم قراضة وقال الآخر مطلقة فالقول قولها الا على الرواية التي حكاها القاضي فان القول قول الزوج في هاتين المسئلتين، وان اتفقا على الاطلاق لزمه من غالب نقد البلد، وان اتفقا على أنهما أرادا دراهم
قراضة لزمها ما اتفقا عليه، وان اختلفا في الارادة كان حكمها حكم المطلقة يرجع إلى غالب نقد البلد.
وقال القاضي إذا اختلفا في الارادة وجب المهر المسمى في العقد لان اختلافهما يجعل البدل مجهولا فيجب المسمى في النكاح والاول أصح لانهما لو أطلقا لصحت التسمية ووجب الف من غالب نقد البلد ولم يكن اطلاقهما جهالة تمنع صحة العوض فكذلك إذا اختلفا، ولانه يجيز العوض المجهول إذا لم تكن جهالته تزيد على جهالة مهر المثل كعبد مطلق والجهالة ههنا أقل فالصحة أولى * (مسألة) * (وان علق طلاقها بصفة ثم خالعها فوجدت الصفة ثم عاد فتزوجها فوجدت الصفة طلقت نص عليه ويتخرج أن لا تطلق بناء على الرواية في العتق واختاره أبو الحسن التميمي، وان لم توجد الصفة حال البينونة عادت رواية واحدة) مثال ذلك إذا قال ان كلمت أباك فأنت طالق ثم أبانها ثم تزوجها فكلمت أباها فانها تطلق نص عليه أحمد، فأما ان وجدت الصفة في حال البينونة ثم تزوجها ثم وجدت مرة أخرى فظاهر
المذهب أنها تطلق، وعن احمد ما يدل على أنها لا تطلق، نص عليه في العتق في رجل قال لعبده أنت حر ان دخلت الدار فباعه ثم رجع يعني فاشتراه فان رجع وقد دخل الدار لم يعتق، وان لم يكن دخل فلا يدخل إذا رجع إليه فان دخل عتق، فإذا نص في العتق على أن الصفة لا تعود وجب أن يكون في الطلاق مثله بل أولى، لان العتق يتشوف الشرع إليه ولذلك قال الخرقي إذا قال ان تزوجت فلانة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها، ولو قال ان ملكت فلانا فهو حر فملكه صار حرا وهذا اختيار أبي الحسن التميمي، وأكثر أهل العلم يرون أن الصفة لا تعود إذا أبانها بطلاق ثلاث، وان لم توجد في حال البينونة، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد أقوال الشافعي قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا ان دخلت الدار فطلقها ثلاثا ثم نكحت غيره ثم نكحها الحالف ثم دخلت الدار لا يقع عليها الطلاق وهذا مذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي لان اطلاق الملك يقتضي ذلك فان أبانها دون الثلاث فوجدت الصفة ثم تزوجها انحلت يمينه في قولهم وان لم توجد الصفة في البينونة ثم نكحها لم تنحل
في قول مالك وأصحاب الرأي وأحد أقوال الشافعي، وله قول آخر لا تعود الصفة بحال وهو اختيار
المزني وأبي اسحاق لان الايقاع وجد قبل النكاح فلم يقع كما لو علقه بالصفة قبل أن يتزوج بها فانه لا خلاف في أنه لو قال لاجنبية أنت طالق إذا دخلت الدار ثم تزوجها ودخلت الدار لم تطلق وهذا في معناه، فاما إذا وجدت الصفة في حال البينونة انحلت اليمين لان الشرط وجد في وقت لا يمكن وقوع الطلاق فيه فسقطت اليمين، وإذا انحلت مرة لم يمكن عودها الا بعقد جديد ولنا أن عقد الصفة ووقوعها وجدا في النكاح فيقع كما لو لم يتخلله بينونة أو كما لو بانت بما دون الثلاث عند مالك وأبي حنيفة ولم تفعل الصفة، وقولهم ان هذا طلاق قبل نكاح قلنا يبطل بما إذا لم يكمل الثلاث، وقولهم تنحل الصفة بفعلها قلنا انما تنحل بفعلها على وجه يحنث به وذلك لان اليمين حل وعقد ثم ثبت ان عقدها يفتقر إلى الملك فكذلك حلها والحنث لا يحصل بفعل الصفة حال بينونتها فلا تنحل اليمين به، وأما العتق ففيه روايتان (احداهما) انه كالنكاح في أن الصفة لا تنحل بوجودها بعد بيعه فيكون كمسئلتنا (والثانية) تنحل لان الملك الثاني لا ينبني على الاول في شئ من أحكامه، وفارق النكاح فانه ينبني على الاول في بعض أحكامه وهو عدد الطلاق فجاز أن ينبني عليه في عود الصفة، ولان هذا يفعل حيلة على ابطال الطلاق المعلق والحيل خداع لا تحل ما حرم الله فان ابن ماجه وابن بطة رويا باسناديهما عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما بال قوم يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياة قد طلقتك،
قد راجعتك قد طلقتك " وفي لفظ رواه ابن بطة " خلعتك وراجعتك " وروى باسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتسحلوا محارم الله بأدنى الحيل " (فصل) فان كانت الصفة لا تعود بعد النكاح الثاني مثل ان قال ان أكلت هذا الرغيف فأنت طالق ثلاثا، ثم أبانها ثم أكلته ثم نكحها لم يحنث لان حنثه بوجود الصفة في النكاح الثاني وما وجدت ولا يمكن ايقاع الطلاق بأكلها له حال البينونة لان الطلاق لا يلحق البائن والله أعلم.
* (كتاب الطلاق) * وهو حل قيد النكاح وهو مشروع والاصل في مشروعية الكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقال سبحانه (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وأما السنة فروى ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " متفق عليه في آي وأخبار سوى هذين كثير وأجمع الناس على جواز الطلاق والعبرة دالة على
جوازه فانه ربما فسدت الحال بين الزوجين فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة واضرارا مجردا بالزام الزوج النفقة والسكنى وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه * (مسألة) * (ويباح عند الحاجة ويكره من غير حاجة وعنه أنه يحرم، ويستحب إذا كان بقاء النكاح ضررا) الطلاق على خمسة أضرب (واجب) وهو طلاق المولي بعد التربص إذا أبى الفئة وطلاق الحكمين في الشقاق إذا رأيا ذلك (والثاني) مكروه وهو الطلاق من غير حاجة إليه لانه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها فيكون مكروها وقال القاضي فيه روايتان (إحداهما) أنه محرم لانه ضرر بنفسه وزوجته واعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراما كاتلاف المال ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا اضرار " (والثانية) أنه مباح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وفي لفظ " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " رواه أبو داود (والثالث) مباح وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر منها من غير حصول الغرض بها (والرابع) مندوب إليه وهو عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه اجبارها عليها أو يكون له امرأة غير عفيفة قال أحمد لا ينبغي له امساكها وذلك لان فيه نقصا في دينه ولا يأمن افسادها فراشه
والحاقها به ولدا من غيره ولا بأس بعضلها في هذه الحال في التضييق عليها لتفتدي منه قال الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) ويحتمل أن الطلاق في هذين الموضعين واجب ومن المندوب إليه الطلاق في حال الشقاق وفي الحال التي تخرج المرأة إلى المخالعة لتزيل عنها الضرر (والخامس) المحظور وهو طلاق الحائض أو في طهر أصابها فيه وقد أجمع العلماء في جميع الامصار على تحريمه ويسمى طلاق البدعة لان المطلق خالف السنة وترك أمر الله ورسوله.
قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " وفي لفظ رواه الدارقطني باسناده عن ابن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله انك أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء " ولانه إذا طلق في الحيض طول العدة عليها فان الحيضة التي طلق فيها لا تحسب من عدتها ولا الطهر الذي بعدها عند من يجعل الاقراء الحيض وإذا طلق في طهر أصابها فيه لم يأمن من أن تكون حاملا فيندم وتكون مرتابة أتعتد بالحمل أو الاقراء؟ * (مسألة) * (ويصح من الزوج العاقل البالغ المختار ومن االصبي العاقل وعنه لا يصح حتى يبلغ)
أما صحة الطلاق من الزوج العاقل المختار فلا نعلم فيه خلافا لانه عقد معاوضة فصح منه كالبيع، وأما الصبي فان لم يعقل فلا طلاق له بغير خلاف وأما الذي يعقل الطلاق ويعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه فأكثر الروايات عن أحمد أن طلاقه يقع، وذكره الخرقي واختاره أبو بكر وابن حامد وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي واسحاق وروى أبو طالب عن أحمد لا يجوز طلاقه حتى يحتلم وهو قول النخعي والزهري ومالك وحماد والثوري وأبي عبيد وذكر أبو عبيد أنه قول أهل العراق وأهل الحجاز وروي ذلك عن ابن عباس لقول النبي صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم " ولانه غير مكلف فلم يقع طلاقه كالمجنون ووجه الاولى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ
بالساق - وقوله - كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله " وروي عن علي رضي الله عنه قال: اكتموا الصبيان النكاح فيفهم أن فائدته أن لا يطلقوا.
ولانه طلاق من عاقل صادف محل طلاق فأشبه طلاق البالغ (قصل) وأكثر الروايات عن أبي عبد الله تحديد من يقع طلاقه من الصبيان بكونه يعقل وهو اختيار القاضي وروى أبو الحارث عن أحمد إذا عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر إلى اثنتي عشرة وهذا يدل على أنه لا يقع دون العشر وهو اختيار أبي بكر لان العشر حد الضرب على الصلاة والصيام وصحة الوصية فكذلك هذا وعن سعيد بن المسيب إذا احصى الصلاة وصام رمضان جاز طلاقه وقال عطاء
إذا بلغ أن يصيب النساء وعن الحسن إذا عقل وحفظ الصلاة وصام رمضان وقال اسحاق إذا جاز اثنتي عشرة.
(فصل) ومن أجاز طلاقه اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره وقد أومأ إليه فقال في رجل قال لصبي طلق امرأتك فقال قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق قيل له فان كانت له زوجة صبية فقالت له صير أمري الي فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي؟ فقال أحمد ليس شيئا حتى يكون مثلها يعقل الطلاق، وقال أبو بكر لا يصح أن يوكل حتى يبلغ، وحكاه عن أحمد ولنا أن من صح تصرفه في شئ مما تجوز الوكالة فيه بنفسه صح توكيله ووكالته فيه كالبالغ وما روي عن أحمد من منع ذلك فهو على الرواية التي لا تجيز طلاقه وتأنى إن شاء الله تعالى (فصل) فأما السفيه فيقع طلاقه في قول أكثر أهل العلم منهم القاسم بن محمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه ومنع منه عطاء والاولى صحته لانه مكلف مالك لمحل الطلاق فوقع طلاقه كالرشيد والحجر عليه في ماله لا يمنع من التصرف في غير ما هو محجور عليه فيه كالمفلس * (مسألة) * (ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم لم يقع طلاقه) أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلي وسعيد بن المسيب والحسن والنخعي والشعبي وقتادة وأبو قلابة والزهري ويحيى الانصاري ومالك
والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأجمعوا على أن الرجل في حال نومه أنه لا طلاق له وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل " وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله " رواه البخاري وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديث عطاء عن ابن عجلان وهو ذاهب الحديث وروي عن علي باسناده مثل ذلك ولانه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال بجنون أو اغماء أو شرب دواء أو اكراه على شرب الخمر أو شرب ما يزيل عقله أو لم يعلم أنه مزيل للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا * (مسألة) * وإن كان بسبب لا يعذر فيه كالسكران ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ففي صحة طلاقه روايتان وكذا يخرج في قتله وقذفه وسرقته وزناه وظهاره وايلائه) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في طلاق السكران فروي عنه أنه يقع اختارها أبو بكر الخلال والقاضي وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبى والنخعي والحكم ومالك والاوزاعي والشافعي وابن شبرمة وأبي حنيفة وصاحبيه وسليمان بن حرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوة " ومثل هذا عن علي ومعاوية وابن عباس، قال ابن عباس طلاق السكران جائز ان ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ولان الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد
بالقذف بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد إلى عمر فأتيته في المسجد وعنده عثمان وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت ان خالدا يقول ان الناس انهمكوا في الخمر وتحاقر والعقوبة قال عمر هؤلاء عندك فسلهم فقال علي نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فقال عمر أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ولانه ايقاع طلاق من مكلف غير مكره صادق ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحي ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون (والثانية) لا يقطع طلاقه اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضي الله عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز
والقاسم وطاوس وربيعة ويحيي الانصاري والليث والعنبري واسحاق وأبي ثور والمزني قال ابن المنذر هذا ثابت عن عثمان لا نعلم أحدا من الصحابة خالفه وقال أحمد حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعني من حديث علي وحديث الاعمش عن منصور ولا يرفعها علي ولانه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولانه مفقود الارادة أشبه المكره ولان العقل شرط التكليف إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل أن من كسر ساقه جاز له أن يصلي قاعدا ولو ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضربت رأسه فجن سقط التكليف وحديث أبي هريرة لا يثبت وأما قتله وقذفه وسرقته فهو كمسئلتنا
(فصل) والحكم في عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته واقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم في طلاقه لان المعنى في الجميع واحد وقد روي عن أحمد بيعه وشرائه الروايتان وسألته ابن منصور إذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أخبر عنه لا يصح من أمر السكران شئ وقال أبو عبد الله بن حامد حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه أما في ماله وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ وقد أومأ إليه أحمد والاولى أن ماله أيضا لا يصح منه لان تصحيح تصرفاته مما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح له وكذلك الحكم فيمن شرب أو أكل ما يزيل عقله لغير حاجة وهو يعلم قياسا على السكران في وقوع طلاقه وبهذا قال أصحاب الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة لا يقع طلاقه لانه لا يلتذ بشربها ولنا أنه زال عقله فأشبه السكران (فصل) وحد السكر الذي يقع الخلاف في صاحبه هو الذي يجعله يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره وفعله من فعل غيره ونحو ذلك لان الله تعالى قال (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول وروي عن عمر رضي الله
عنه أنه قال: استقرئوه القرآن أو ألقوا رداءه في الاردية فان قرأ أم القرآن أو عرف رداءه والا
فأقم عليه الحد ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الارض ولا الذكر من الانثى لان ذلك لا يخفى على المجنون فغيره أولى.
(فصل) في المغمى عليه إذا طلق فلما أفاق وعلم أنه كان أغمى عليه وهو ذاكر لذلك فقال إذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه فقال أحمد يجوز طلاقه وقال في رواية أبي طالب في المجنون يطلق فقيل له لما أفاق انك طلقت امرأتك فقال ما أنا أذكر اني طلقت ولم يكن عقلي معي فقال إذا كان يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنونا إذا كان يذكر الطلاق ويعلم به.
قال شيخنا وهذا والله أعلم فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، فأما من كان جنونه لنشاف أو كان متبرسما فان ذلك يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق ان شاء الله تعالى * (مسألة) * (ومن أكره على الطلاق بغير حق لم يقع طلاقه) لا تختلف الرواية عن أحمد ان طلاق المكره لا يقع روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس
وابن الزبير وجابر بن سمرة وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد وشريح وعطاء وطاوس وعمر بن عبد العزيز وابن عمر وايوب السختياني ومالك والاوزاعي والشافعي واسحاق وابو ثور وابو عبيد واجازه أبو قلابة والشعبي والنخعي والزهري والثوري وابو حنيفة وصاحباه لانه طلاق من مكلف في محل يملكه فنفذ كطلاق غير المكره.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا طلاق في اغلاق " رواه أبو داود وقال أبو عبيد والقتيبي معناه في اكراه، وقال أبو بكر سألت ابن دريد وأبا طاهر النحويين فقالا يريد الاكراه لانه إذا أكره انغلق عليه رأيه، ويدخل في هذا المعنى المبرسم والمجنون ولانه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون اجماعا ولانه قول حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم ككلمة الكفر إذا أكره عليها (فصل) وإن كان الاكراه بحق كاكراه الحاكم المولي على الطلاق بعد التربض إذا لم بقئ أو اكراهه الرجلين اللذين زوجهما الوليان ولم يعلم السابق منهما على الطلاق فانه يقع لانه قول حمل
عليه لحق فصح كاسلام المرتد إذا أكره عليه، ولانه انما جاز اكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود.
* (مسألة) * (وإن هدده بالقتل وأخذ المال ونحوه قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به فهو اكراه، وعنه لا يكون مكرها حتى يناله شئ من العذاب كالضرب والخنق وعصر الساق واختاره الخرقي) أما إذا نيل بشئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغط في الماء مع الوعيد فانه يكون اكراها بلا اشكال لما روي أن المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرط فأعطاهم فأتى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عن عينيه ويقول " أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلته، فان أخذوك مرة أخرى فافعل ذلك بهم " رواه أبو حفص باسناده وقال عمر رضي الله عنه ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أوجعته أو ضربته أو أوثقته وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراها.
فاما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه روايتان (احداها) ليس باكراه لان الذي ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد في حديث عمار وفيه " إنهم أخذوك فغطوك " فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله (والثانية) أن الوعيد بمفرده اكراه قال في رواية ابن منصور حد الاكراه إذا خاف القتل أو ضربا شديدا، وهذ قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعي لان الاكراه لا يكون
إلا بالوعيد الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ولا يخشى من قوعه وانما أبيح له فعل المكروه عليه دفعا لما يتوعد به من العقوبة فيما بعد وهو في الموضعين واحد لانه متى توعد بالقتل وعلم أنه يقتله فلم يبح له فعل ما أفضى إلى قتله وافضاؤه بيده إلى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة بالاكراه شيئا لانه إذا طلق في هذه الحال وقع طلاقه فيصل المكره إلى مراده ويقع الضرر بالمكره وثبوت الاكراه في حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره.
وقد روي عن عمر في الذي تدلى يشتار عسلا فوقفت امرأته على الحبل وقالت طلقني ثلاثا والا
قطعته، فذكرها الله والاسلام فقالت لتفعلن أو لافعلن، فطلقها ثلاثا فردها إليه.
رواه سعيد باسناده وهذا كان وعيدا.
(فصل) ومن شرط الاكراه ثلاثة أمور (أحدها) أن يكون قادرا بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه.
وحكي عن الشعبي ان أكرهه النص لم يقع طلاق، وان أكرهه السلطان وقع.
وقال ابن عيينة لان اللص يقتله.
وعموم ما ذكرناه في دليل الاكراه يتناول الجميع، والذين أكرهوا عمارا لم يكونوا لصوصا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ان عادوا فعد " لانه اكراه فمنع وقوع الطلاق كاكراه اللص
(الثاني) أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به ان لم يجبه إلى ما طلبه.
(الثالث) أن يكون فيما يستضر به ضررا كبيرا كالقتل والضرب الشديد والحبس والقيد الطويلين، فأما السب والشتم فليس باكراه رواية واحدة وكذلك أخذ المال اليسير.
فأما الضرب اليسير فان كان في حق من لا يبالي به فليس باكراه، وان كان في حق ذوي المروءات على وجه يكون اخراقا لصاحبه وغضا له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره، وان توعد بتعذيب ولده فقد قيل ليس باكراه لان الضرر لا حق بغيره والاولى ان يكون اكراها لان ذلك أعظم عنده من أخذ ماله والوعيد بذلك اكراه فكذلك هذا.
(فصل) فان أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لانه غير مكره عليه وان أكره على طلقة فطلق ثلاثا وقع أيضا لانه لم يكره على الثلاث، وان طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها وان خلصت نيته في الطلاق دون دفع الاكراه وقع لانه قصده واختاره ويحتمل أن لا يقع لان اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى الا مجرد النية فلا يقع بها طلاق، وان طلق ونوى بقلبه غير امرأته وتأول في يمينه فله تأويله ويقبل قوله في نيته لان الاكراه دليل على تأويله، وان لم يتأول وقصدها بالطلاق لم يقع لانه معذور.
وذكر أصحاب الشافعي وجها أنه يقع لانه لا يكره على نيته
ولنا أنه مكره عليه لعموم ما ذكرنا من الادلة ولانه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال فتفوت الرخصة
* (مسألة) * (ويقع الطلاق في النكاح المختلف فيه كالنكاح بلا ولي عند أصحابنا) واختار أبو الخطاب أنه لا يقع حتى يعتقد صحته ولنا أنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية فجاز أن ينفذ في العقد الفاسد إذا لم يكن في نفوذه اسقاط حق الغير ولانه عقد يسقط الحد ويثبت النسب والعدة والمهر أشبه الصحيح، ووجه قول أبي الخطاب أنه ليس بعقد صحيح ولم يثبت به النكاح فلم يقع فيه الطلاق كالمتفق على بطلانه فان اعتقد صحته وقع فيه الطلاق كالمتفق على صحة.
* (مسألة) * (وإذا وكل في الطلاق من يصح توكيله صح طلاقه) لانه ازالة ملك فصح التوكيل فيه كالعتق ولا يصح التوكيل إلا للبالغ العاقل، فاما الطفل والمجنون فلا يصح توكيلهما فان فعل فطلق واحد منهم لم يقع طلاقه، وقال أصحاب الرأي يقع ولنا أنهما ليسا من أهل التصرف فلا يصح تصرفهم كما لو وكلهم في العتق، وإن وكل كافرا أو عبدا صح لانهما ممن يصح طلاقه لنفسه فصح توكيلهما فيه، وان وكل امرأة صح لانه يصح توكيلها
في العتق فصح في الطلاق كالرجل فانه جعله في يد صبي يعقل الطلاق انبنى ذلك على صحة طلاقه لزوجته وقد مضى ذلك، وقد نص أحمد ههنا على اعتبار وكالته بطلاقه فقال إذا قال لصبي طلق امرأتي ثلاثا فطلقها ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه؟ فاعتبر طلاقه بالوكالة بطلاقه لنفسه وهكذا لو جعل أمر الصغيرة والمجنونة بيدها لم تملك ذلك، نص عليه أحمد في امرأة صغيرة قال لها أمرك بيدك فقالت اخترت نفسي، ليس بشئ حتى يكون مثلها يعقل لانه تصرف بحكم التوكيل وليس من أهل التصرف، فظاهر كلام أحمد هذا أنها إذا عقلت الطلاق وقع طلاقها وان لم تبلغ كما قررناه في الصبى، وفيه رواية أخرى أن الصبي لا يصح طلاقه حتى يبلغ فكذلك يخرج في هذه لانها مثله في المعنى * (مسألة) * (وله أن يطلق متى شاء إلا أن يحل له حدا) لان الفظ التوكيل يقتضي ذلك لكونه توكيلا مطلقا فأشبه التوكيل في البيع الا أن يحد له حدا
فيكون على ما أذن له لان الامر إلى الموكل في ذلك لكون الحق له والوكيل نائبة فتنسب له الوكالة على ما يقتضيه لفظ الموكل، ان كان لفظه عاما اقتضى العموم، وان كان خاصا اقتضى ذلك
* (مسألة) * (ولا يطلق أكثر من واحدة الا أن يجعل ذلك إليه) لان الامر المطلق يتناول ما يقع عليه الاسم الا أن يجعل أكثر من واحدة بلفظه أو نيته، نص عليه لانه نوى بكلامه ما يحتمله والقول قوله في نيته لانه أعلم بها.
* (مسألة) * (فان وكل اثنين صح وليس لاحدهما أن يطلق على الانفراد الا أن يجعل ذلك إليه) ولانه انما رضي بتصرفهما جميعا وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والشافعي وأبو عبيد وابن المنذر فان أذن لاحدهما في الانفراد صح لان الحق له (فصل) فان وكلهما في ثلاث فطلق احدهما أكثر من الآخر مثل أن يطلق أحدهما واحدة والآخر ثلاثا فتقع واحدة وبهذا قال اسحاق، وقال الثوري لا يقع بشئ ولنا أنهما طلقا جميعا واحدة مأذونا فيها فصح كما لو جعل اليهما واحدة وان طلق أحدهما اثنتين والآخر ثلاثا وقع اثنتان لانهما اجتمعا عليهما.
* (مسألة) * (وان قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل فان نوى عددا فهو على ما نوى وان طلق من غير نية لم يملك الا واحدة)
لان الامر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وكذلك الحكم لو وكل أجنبيا فقال طلق زوجتي فالحكم على ما ذكرناه.
قال أحمد لو قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث وان كان نوى واحدة لان الطلاق يكون واحدة وثلاثا فايهما نواه فقد نوى بلفظ ما احتمله وان لم ينو تناول اليقين فان طلقت نفسها أو طلقها الوكيل في المجلس أو بعده وقع الطلاق لانه توكيل وقال القاضي إذا قال لامرأته طلقي نفسك تقيد بالمجلس لانه تفويض للطلاق إليها فتقيد بالمجلس
كقوله اختاري.
ولنا أنه توكيل في الطلاق فكان على التراخي كتوكيل الاجنبي وكقوله أمرك بيدك وفارق اختاري فانه تخيير وينتقض ما ذكره بقوله أمرك بيدك فان قال طلقي ثلاثا فطلقت واحدة وقع، نص عليه، وقال مالك لا يقع شئ لانها لم تمثل أمره.
ولنا أنها ملك ايقاع ثلاث فملكت ايقاع واحدة كالموكل ولانه لو قال وهبتك هؤلاء العبيد
الثلاثة فقال قبلت واحدا منهم صح كذا ههنا، وان قال طلقي واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة نص عليه أيضا وبه قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا يقع شئ لانها لم تأت بما يصلح قبولا فلم يصح كما لو قال بعتك نصف هذا العبد فقال قبلت البيع في جميعه ولنا أنها أوقعت طلاقا مأذونا فيه وغيره فوقع المأذون فيه دون غيره كما لو قال طلقي نفسك فطلقت نفسها وضرائرها فان قال طلقي فقالت أنا طالق ان قدم زيد لم يصح لان إذنه انصرف إلى المنجز فلم يتناول المعلق على شرط وحكم توكيل الاجنبي في الطلاق كحكمها فيما ذكرناه كله (فصل) نقل عنه أبو الحارث إذا قال طلقي نفسك طلاق السنة فقالت قد طلقت نفسي ثلاثا هي واحدة وهو أحق برجعتها انما كان كذلك لان التوكيل بلفظ يتناول أقل ما يقع عليه اللفظ وهو طلقة واحدة وسيما وطلاق السنة في الصحيح واحدة في طهر لم يصبها * (مسألة) * (وان قال اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنتين) لان لفظه يقتضي ذلك لان من للتبعيض فلم يكن لها استيعاب الجميع والله أعلم
باب سنة الطلاق وبدعته والسنة في الطلاق أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها يعني طلاق السنة الطلاق الذي وافق أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وفي حديث عبد الله بن عمر الذي ذكرناه ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه واحدة ثم تركها حتى تنقضي عدتها أنه مصيب للسنة مطلق للعدة
التي أمر الله بها قاله ابن عبد البر وابن المنذر قال ابن مسعود طلاق السنة أن يطلقها من غير جماع، وقال في قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) قال طاهرا من غير جماع ونحوه عن ابن عباس، وفي حديث ابن عمر الذي رويناه " ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثمم ان شاء أمسك وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " وقوله ثم يدعها حتى تنقضي عدتها فمعناه أن لا يتبعها طلاقا آخر قبل انقضاء عدتها، ولو طلقها ثلاثا في ثلاثة اطهار كان حكم ذلك حكم جميع الثلاث في طهر واحد.
قال احمد طلاق السنة واحدة ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض وبذلك قال مالك والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد، وقال أبو حنيفة والثوري السنة أن يطلقها ثلاثا في كل قرء طلقة وهو قول سائر
الكوفيين واحتجوا بحديث ابن عمر حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم راجعها ثم امسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر قالوا وانما أمره بامساكها في هذا الطهر لانه لم يفصل بينه وبين الطلاق طهر كامل فإذا مضى ومضت الحيضة التي بعده أمره بطلاقها، وقوله في حديثه الآخر والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء، وروى النسائي باسناده عن عبد الله قال: طلاق السنة أن يطلقها تطليقة وهي طاهر في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يطلق أحد للسنة فيندم رواه الاثرم وهذا لا يحصل الا في حق من لم يطلق ثلاثا، وقال ابن سيرين ان عليا كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبدا يطلقها تطليقة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا فمتى شاء راجعها رواه البخاري باسناده: وروي ابن عبد البر عن ابن مسعود أنه قال: طلاق السنة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاء.
فأما حديث ابن عمر الاول فلا حجة لهم فيه لانه ليس فيه جمع الثلاث، وأما حديثه الآخر فيحتمل أن يكون ذلك بعد ارتجاعها ومتى ارتجع بعد الطلقة ثم طلقها كان للسنة على كل حال، حتى قال أبو حنيفة لو أمسكها بيده لشهوة ثم والى
بين الثلاث كان مصيبا للسنة لان يكون مرتجعا والمعنى فيه أنه إذا ارتجعها سقط حكم الطلقة الاولى
فصارت كأنها لم توجد ولا تغني به عن الطلقة الاخرى إذا احتاج إلى فراق امرأته بخلاف ما إذا لم يرتجعها فانه مستغن عنها لافضائها إلى مقصوده من ابانتها فافترقا ولان ما ذكروه ارداف طلاق من غير ارتجاع فلم يكن للسنة كجمع الثلاث * (مسألة) * (وإن طلق المدخول بها في حيضها أو في طهر أصابها فيه فهو طلاق بدعة محرم ويقع طلاقه في قول عامة أهل العلم) قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، وحكاه أبو نصر عن ابن علية وهشام بن الحكم والشيعة قالوا لا يقع طلاقه لان الله تعالى أمر به في قبل العدة فإذا طلق في غيره لم يقع كالوكيل إذا أوقعه في زمن أمره موكله بايقاعه في غيره ولنا حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وفي رواية الدارقطني قال: قلت يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال " لا كانت تبين منك وتكون معصية " وقال نافع وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقه وراجعها كما أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رواية يونس بن جبير عن ابن عمر قال قلت لابن عمر أتعتد عليه أو تحتسب عليه؟ قال نعم أرأيت إن عجز واستحمق وكلها أحاديث صحاح ولانه طلاق من مكلف في محل الطلاق فوقع كطلاق الحامل ولانه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فايقاعه في زمن البدعة أولى تغليظا عليه وعقوبة له أما غير الزوج فلا يملك الطلاق والزوج يملكه بملك محله * (مسألة) * (تستحب رجعتها وعنه أنها واجبة) إنما استحبت مراجعتها لامر النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها وأقل أحوال الامر الاستحباب ولانه بالرجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق ولا يجب في ظاهر المذهب وهو قول الثوري والاوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأصحاب الرأي وحكى ابن أبي موسى عن أحمد أن الرجعة تجب واختارها وهو قول مالك وداود لان ظاهر الامر الوجوب ولان الرجعة تجري مجرى استيفاء النكاح واستيفاؤه ههنا واجب بدليل تحريم الطلاق لان الرجعة امساك للزوجة بدليل قوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف) فوجب
ذلك كامساكها قبل الطلاق، وقال مالك وداود يجبر على رجعتها.
قال أصحاب مالك يجبر على رجعتها
ما دامت في العدة الا أشهب قال ما لم تطهر ثم تحيض ثم تطهر لانه لا تجب عليه امساكها في تلك الحال فلا تجب عليه رجعتها فيه.
ولنا أنه طلاق لا يرتفع بالرجعة فلا تجب عليه الرجعة فيه كالطلاق في طهر أصابها فيه فانهم أجمعوا على أن الرجعة لا تجب حكاه ابن عبد البر عن جميع العلماء وما ذكروه من المعنى ينتقض بهذه الصورة والامر بالرجعة محمول على الاستحباب لما ذكرنا (فصل) فإذا راجعها وجب امساكها حتى تطهر ويستحب أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر الذي رويناه، قال ابن عبد البر ذلك من وجوه عند أهل العلم منها أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها الا بالوطئ لانه المعني من النكاح ولا يحصل الوطئ إلا في الطهر فإذا وطئها حرم طلاقها فيه حتى تحيض ثم تطهر فاعتبرنا مظنة الوطئ ومحله لا حقيقته ومنها أن الطلاق كره في الحيض لتطويل العدة فلو طلقها عقيب الرجعة من غير وطئ كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبني على عدتها فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطئ واعتبر الطهر الذي هو موضع الوطئ فإذا وطئ حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر وقد جاء في حديث عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مره أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فان شاء طلقها وإن شاء أمسكها " رواه ابن عبد البر، ومنها أنه عوقب على ايقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له وذكره غير هذا فان طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة قبل أن يمسها فهو طلاق سنة وقال أصحاب مالك لا يطلقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر على ما جاء في الحديث ولنا قوله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وهذا مطلق للعدة فيدخل وقد روى يونس بن جبير وسعيد بن جبير وابن سيرين وزيد بن أسلم وأبو الزبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم ان شاء طلق وان شاء أمسك ولم يذكروا تلك الزيادة وهو حديث صحيح متفق عليه
ولانه طهر لم يمسها فيه فأشبه الطهر الثاني وحديثهم محمول على الاستحباب * (مسألة) * وان طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كره وفي تحريمه روايتان) اختلفت الرواية عن أحمد في جمع الثلاث فروي عنه أنه غير محرم اختارها الخرقي وهو مذهب الشافعي وأبي ثور وداود وروي ذلك عن الحسن بن علي وعبد الرحمن بن عوف والشعبي لان عويمر العجلاني لما لاعن امرأته قال كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه ولم ينقل انكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه وعن عائشة أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان رفاعة طلقني فبت طلاقي متفق عليه وفي حديث فاطمة بنت قيس ان زوجها أرسل إليها ولانه طلاق جاز تفريقه فجاز جمعه كطلاق النساء (والرواية الثانية) ان جمع الثلاث محرم وهو طلاق بدعة اختارها أبو بكر وابو حفص روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وهو قول مالك وابي حنيفة قال علي لا يطلق احد للسنة فيندم وفي رواية قال يطلقها واحدة ثم يدعها ما بينها وبين ان تحيض ثلاث حيض فمتى شاء راجعها، وعن عمر انه كان إذا اتي برجل طلق ثلاثا اوجعه ضربا، وعن مالك بن الحارث قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال ان ابن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال ان ابن عمك عصى الله واطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجا.
ووجه ذلك قول الله تعالى (يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) إلى قوله (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا) ثم قال بعد ذلك (ومن يتق الله يجعل له مخرجا - ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا) ورى النسائي باسناده عن محمود بن لبيد قال اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امراته
ثلاث تطليقات جميعا فغضب قال " ايلعب بكتاب الله عزوجل وانا بين اظهركم؟ " حتى قام رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله وفي حديث ابن عمر قال قلت يا رسول الله لو طلقتها ثلاثا قال " إذا عصيت ربك وبانت منك امرأتك " وروى الدارقطني باسناده عن علي قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق البتة فغضب وقال " يتخذون آيات الله هزوا ولعبا من طلق البتة الزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره " ولانه تحريم للبضع بقول الزوج
من غير حاجة فحرم كالظهار بل هذا أولى لان الظهار يرفع تحريمه بالتكفير وهذا لا سبيل للزوج إلى دفعه بحال ولانه ضرر وإضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة فيدخل في عموم النهي وربما كان وسيلة إلى عوده إليها حراما أو بحيلة لا تزيل التحريم، ووقوع الندم خسارة الدنيا والآخرة فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياما يسيرة والطلاق في طهر مسها فيه الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل فان ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافا كثيرة فالتحريم ثم تنبيه على التحريم ههنا ولانه قول من سمينا من الصحابة رواه الاثرم وغيره ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم فيكون ذلك اجماعا، فأما حديث المتلاعنين فغير لازم فان الفرقة لم تقع بالطلاق فانها وقعت بمجرد لعانهما وعند الشافعي بمجرد لعان الزوج فلا حجة فيه ثم إن اللعان يوجب تحريما مؤبدا فالطلاق بعده
كالطلاق بعد انفسكاخ النكاح بالرضاع أو غيره ولان جمع الثلاث انما حرم لما يعقبه من الندم ويحصل به من الضرر ويفوت عليه من حل نكاحها ولا يحصل ذلك بالطلاق بعد اللعان لحصوله باللعان، وسائر الاحاديث ليس فيها جمع الثلاث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مقرا عليه ولا حضر المطلق عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك لينكر عليه، على أن حديث فاطمة قد جاء فيه ان أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها وحديث امرأة رفاعة جاء فيه ان طلاقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه فلم يكن في شئ من ذلك جمع الثلاث، ولا خلاف بين الجميع في أن الاختيار والاولى أن يطلق واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها إلا ما حكينا من قول من قال انه يطلقها في كل قرء طلقة والاولى أولى فان في ذلك امتثالا لامر الله سبحانه وموافقة لقول السلف وأمنا من الندم فانه متى ندم راجعها فان فات ذلك بانقضاء عدتها له نكاحها قال محمد بن سيرين إن عليا كرم الله وجهه قال لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة ابدا يطلقها تطليقة ثم يدعها حتى ما بينها وبين ان تحيض ثلاثا فمتي شاء راجعها رواه النجاد باسناده وقال عبد الله من أراد أن يطلق الطلاق الذى هو الطلاق فليمهل حتى إذا حاضت ثم طهرت طلقها تطليقة في غير جماع ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ولا يطلقها ثلاثا وهي حامل فيجمع الله عليه نفقتها وأجر رضاعها ويندمه فلا يستطيع إليها سبيلا
(فصل) فان طلق ثلاثا بكلمة واحدة وقع الثلاث وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا فرق بين قبل الدخول وبعده روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وأنس وهو قول أكثر أهل العلم من التابعين والائمة بعدهم وكان عطاء وطاوس وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار يقولون من طلق البكر ثلاثا فهي واحدة، وروى طاوس عن ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة رواه أبو داود وروى سعيد بن جبير وعمرو بن دينار ومجاهد ومالك بن الحارث عن ابن عباس خلاف رواية طاوس أخرجه أيضا أبو داود وأفتي ابن عباس بخلاف ما روى عنه طاوس وقد ذكرنا حديث ابن عمر ارأيت لو طلقها ثلاثا، وروى الدارقطني باسناده عن عبادة بن الصامت قال طلق بعض ابائي امرأته الفا فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن أبانا طلق امنا الفا فهل له مخرج؟ فقال " إن أباكم لم يتق الله فيجعل له من أمره مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبعة وتسعون اثم في عنقه " ولان النكاح ملك يصح إزالته متفرقا فصح مجتمعا كسائر الاملاك، فأما حديث ابن عباس فقد صحت الرواية عنه بخلافه وافتى بخلافه قال الاثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس بأي شئ
تدفعه فقال أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوه خلافه ثم ذكر عن ابن عباس من وجوه خلافه أنها ثلاث، وقيل معنى حديث ابن عباس أن الناس كانوا يطلقون واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر والا فلا يجوز أن يخالف عمر ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ولا يسوغ لابن عباس ان يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفتي بخلافه (فصل) فان طلق ثنتين في طهر ثم تركها حتى انقضت عدتها فهو للسنة لانه يحرمها على نفسه ولم يسد على نفسه المخرج من الندم ولكنه ترك الاختيار لانه فوت على نفسه طلقة جعلها الله له من غير فائدة يحصل بها فكان مكروها كتضييع المال، فان كانت المرأة صغيرة أن آيسة أو غير مدخول بها أو حاملا قد استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة إلا في العدد، فإذا قال لها أنت طالق للسنة أو قال للبدعة
طلقت في الحال واحدة قال ابن عبد البر أجمع العلماء ان طلاق السنة إنما هو للمدخول بها فأما غير المدخول بها فليس لطلاقها سنة ولا بدعة إلا في عدد الطلاق على اختلاف بينهم فيه وذلك لان الطلاق في حق المدخول بها إذا كانت من ذوات الاقراء انما كان له سنة وبدعة لان العدة تطول عليها بالطلاق في الحيض وترتاب بالطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وينتفي عنها الامران بالطلاق في الطهر
الذي لم يجامها فيه، أما غير المدخول بها فلا عدة عليها تبقى بتطويلها أو الارتياب فيها وكذلك ذوات الاشهر كالصغيرة التي لم تحض، والآيسات من المحيض لا سنة لطلاقهن ولا بدعة لان العدة لا تطول بطلاقها في حال ولا تحمل فترتاب، وكذلك الحامل التي استبان حملها فهؤلاء كلهن ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة من جهة الوقت في قول أصحابنا وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل العلم، فإذا قال لاحدى هؤلاء أنت طالق للسنة أو للبدعة وقعت طلقة في الحال ولغت الصفة لان طلاقها لا يتصف بذلك فصار كأنه قال أنت طالق ولم يزد، وكذلك إن قال أنت طالق للسنة والبدعة أو قال أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال لانه وصف الطلقة بصفتها ويحتمل كلام الخرقي أن يكون للحامل طلاق سنة لانه طلاق أمر به لقوله عليه الصلاة والسلام " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " رواه مسلم وهو ظاهر كلام أحمد فانه قال أذهب إلى حديث سالم عن أبيه يعني هذا الحديث ولانها في حال انتقلت إليها بعد زمن البدعة ويمكن أن تنتقل عنها إلى زمان البدعة فكان طلاقها طلاق سنة كالطاهر من الحيض من غير مجامعة، ويتفرع منه انه لو قال لها أنت طالق للبدعة لم تطلق في الحال فإذا وضعت الحمل طلقت لان النفاس زمان بدعة كالحيض.
وقوله إلا في العدد يعني انه يكره له أن يطلق ثلاثا أو يحرم لانه إذا طلق ثلاثا لم يبق له سبيل إلى الرجعة فطلاق السنة في حقهم ان يكون واحدة ليكون له سبيلا إلى تزوجها من غير ان تنكح زوجا غيره (فصل) وإن قال لصفيرة أو غير مدخول بها أنت طالق للبدعة ثم قال أردت إذا حاضت الصغيرة أو أصيبت غير المدخول بها أو قال لهما انتما طالقتان للسنة أو قال أردت طلاقهما في زمن يصير طلاقهما فيه للسنة دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي (أحدهما) لا يقبل
وهو أشبه بالمذهب لانه فسر كلامه بما يحتمله فيقبل كما لو قال أنت طالق وقال أردت بالثانية افهامها (فصل) إذا قال لها في طهر جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من الحيض لم تطلق لانه وصف طلاقها بانه للسنة في زمن يصلح له فإذا صارت آيسة فليس لطلاقها سنة فلم توجد الصفة فلا يقع وكذلك ان استبان حملها لم يقع ايضا إلا على قول من جعل طلاق الحامل سنة فانه ينبغى ان يقع لوجود الصفة كما لو حاضت ثم طهرت * (مسألة) * (وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة) إذا قال لامرأته أنت طالق للسنة فمعناه في وقت السنة فان كانت في طهر غير مجامعة فيه فهو وقت السنة على ما اسلفناه، وكذلك ان كانت حاملا قد استبان حملها على ظاهر كلام أحمد وقد ذكرنا الخلاف في الحامل فإذا قال لها أنت طالق للسنة في الحالتين طلقت لانه وصف الطلقة بصفتها فوقعت في الحال وإن قال ذلك لحائض لم يقع في الحال لان طلاقها طلاق بدعة لكن إذا طهرت طلقت لان الصفة وجدت حينئذ فصار كأنه قال أنت طالق في النهار فان كان في النهار طلقت وان كان في الليل
طلقت إذا جاء النهار وإن كانت في طهر جامعها فيه لم يقع حتى تحيض ثم تطهر لان الطهر الذي جامعها فيه والحيض بعده زمان بدعة فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة طلقت حينئذ لان الصفة وجدت وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، فان أولج في آخر الحيضة واتصل بأول الطهر أو أولج مع اول الطهر لم يقع الطلاق في ذلك الطهر لكن متى جاء طهر لم يجامعها فيه طلقت في أوله وهذا كله مذهب الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا (فصل) (إذا انقطع الدم من الحيض فهو زمان السنة يقع عليها طلاق السنة وإن لم تغتسل كذلك قال أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان طهرت لاكثر الحيض مثل ذلك وإن انقطع الدم لدون أكثره لم يقع حتى تغتسل أو تتيمم عند عدم الماء أو تصلي أو يخرج عنها وقت الصلاة لانه متى لم يوجد فما حكمنا بانقطاع حيضها ولنا انها طاهر فوقع بها طلاق السنة كالتي طهرت لاكثر الحيض، والدليل على انها طاهر أنها
تؤمر بالغسل ويلزمها ويصح منها وتؤمر بالصلاة وتصح صلاتها ولان في حديث ابن عمر " فإذا طهرت طلقها إن شاء " وما قاله لا يصح فانا لو لم نحكم بالطهر لما أمرناها بالغسل ولا صح منها * (مسألة) * (وإن قال لها أنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر اصابها فيه طلقت في الحلال
وان كان في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا اصابها أو حاضت هذه المسألة عكس المسألة التي قبلها فانه وصف الطلقة بانها للبدعة فإذا كان ذلك لحائض أو طاهر مجامعة فيه وقع الطلاق في الحال لانه وصف الطلقة بصفتها وان كانت في طهر لم يصبها فيه لم يقع في الحال فإذا حاضت طلقت باول الحيض وإن اصابها طلقت بالتقاء الختانين فان نزع من غير توقف فلا شئ عليهما وان اولج بعد النزع فقد وطئ مطلقته ويأتي بيان حكم ذلك وان وطئها واستدام فسنذكرها ان شاء الله تعالى فيما بعد (فصل) فان قال لطاهر أنت طالق للبدعة في الحال فقد قيل تلغوا الصفة ويقع الطلاق لانه وصفها بما لا تصف به فلغت الصفة دون الطلاق ويحتمل أن تطلق ثلاثا في الحال لان ذلك طلاق بدعة فانصرف الوصف بالبدعة إليه لتعذر صفة البدعة من الجهة لاخرى، وان قال للحائض أنت طالق للسنة في الحال لغت الصفة ووقع الطلاق لانه وصف الطلقة بما لا تنصف به، وان قال أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة طلقت ثلاثا في الحال بناء على ما سنذكره * (مسألة) * (وان قال لها أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في طهر لم يصبها فيه في إحدى الروايتين، وفي الاخرى تطلق في الحال واحدة وتطلق الثانية والثالثة في طهرين في نكاحين ان أمكن)
المنصوص عن احمد في هذه المسألة أنها تطلق ثلاثا ان كانت في طهر لم يجامعها فيه، وان كانت حائضا طلقت ثلاثا إذا طهرت وهذا مذهب الشافعي وقال القاضي وأبو الخطاب هذا على الرواية التي قال فيها ان جمع الثلاث سنة فاما على الرواية الاخرى فإذا طهرت طلقت واحدة وتطلق الثانية والثالثة في نكاحين آخرين أو بعد رجعتين، وقد أنكر أحمد هذا القول فقال في رواية مهنا إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا للسنة فقد اختلفوا فيه فمنهم من يقول
يقع عليها الساعة واحدة فلو راجعها تقع عليها تطليقة أخرى وتكون عنده على أخرى وما يعجبني قولهم هذا فيحتمل ان أحمد أوقع الثلاث لان ذلك عنده سنة، ويحتمل أنه أوقعها لوصفه الثلاث بما لا تتصف به فألغى الصفة وأوقع الطلاق كما لو قال لحائض أنت طالق في الحال للسنة، وقد قال في رواية أبي الحارث ما يدل على هذا؟ قال يقع عليها الثلاث ولا معنى لقوله للسنة، وقال أبو حنيفة يقع في كل قرء طلقة وان كانت من ذوات الاشهر وقع في كل شهر طلقة وبنى على أصله في أن السنة تفريق الثلاث على الاطهار، وقد بينا أن ذلك في حكم جمع الثلاث فان قال أردت بقولي للسنة إيقاع واحدة في الحال واثنتين في نكاحين آخرين قبل منه، وان قال أردت أن يقع في كل قرء طلقة قبل أيضا لانه مذهب
طائفة من أهل العلم، وقد ورد به الاثرم فلا يبعد أن يريده قال أصحابنا يدين وهل يقبل في الحكم؟ على وجهين (أحدهما) لا يقبل لان ذلك ليس بسنة (والثاني) يقبل لما قدمنا.
فان كانت في زمن البدعة فقال سبق لساني إلى قولي للسنة ولم أرده وانما أردت الايقاع في الحال وقع في الحال لانه ملك لايقاعها فإذا اعترف بما يوقعها قبل منه (فصل) فان قال انت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الثالثة إلى الحال الآخرى لانه سوى بين الحالتين فاقتضى الظاهر ان يكونا سواء فيقع في الحال واحدة ونصف ثم يكمل النصف لكون الطلاق لا يتبعض.
ويحتمل ان يقع طلقة ويتأخر اثنتان إلى الحال الاخرى لان البعض يقع على ما دون الكل ويتناول القليل من ذلك والكثير فيقع اقل ما يقع عليه الاسم لانه اليقين وما زاد لا يقع بالشك فيتأخر إلى الحال الاخرى فان قيل لم لا يقع من كل طلقة بعضها ثم يكمل فتقع الثلاث؟ قلنا متى امكنت القسمة من غير تكسير وجبت القسمة على الصحة فان قال نصفهن للسنة ونصفهن للبدعة وقع في الحال اثنتان وتأخرت الثالثة وان قال طلقتان للسنة وواحدة للبدعة أو طلقتان للبدعة وواحدة للسنة فهو على ما قال فان طلق ثم قال نويت ذلك ان فسر نيته بما
يوقع في الحال طلقت وقبل لانه يقتضي الاطلاق ولانه غير متهم فيه وان فسرها بما يوقع طلقة واحدة
ويؤخر اثنتين دين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم؟ فيه وجهان (اظهرهما) انه يقبل لان البعض حقيقة في القليل والكثير فما فسر كلامه به لا يخالف الحقيقة فيجب ان يقبل (والثاني) لا يقبل لانه فسر كلامه بأخف مما يلزمه حالة الاطلاق ومذهب الشافعي على نحو هذا فان قال انت طالق ثلاثا بعضهن للسنة ولم يذكر شيئا آخر احتمل ان تكون كالتي قبلها لانه يلزم من ذلك ان يكون بعضها للبدعة فأشبه ما لو صرح به ويحتمل ان لا يقع في الحال الا واحدة لانه لم يسو بين الحالين والبعض لا يقتضي النصف فتقع الواحدة لانها اليقين والزائد لا يقع بالشك وكذلك لو قال بعضها للسنة وباقيها للبدعة أو سائرها للبدعة (فصل) إذا قال انت طالق إذا قدم زيد فقدم وهي حائض طلقت للبدعة الا انه لا يأثم لانه لم يقصده وان قالت انت طالق إذا قدم للسنة فقدم زيد في زمان السنة طلقت وان قدم في زمان البدعة لم يقع حتى إذا صارت إلى زمن السنة وقع ويصير كأنه قال ان قدم زيد انت طالق للسنة لانه اوقع الطلاق بقدوم زيد على صفة فلا يقع الا عليها وان قال لها انت طالق للسنة إذا قدم زيد قبلى ان يدخل
بها طلقت عند قدومه حائضا كانت أو طاهرا لانها لا سنة لطلاقها ولا بدعة وان قدم بعد دخوله بها وهي في طهر لم يصبها فيه طلقت وان قدم في زمن البدعة لم تطلق حتى يجئ زمن السنة لانها صارت ممن لطلاقها سنة وبدعة وان قال لامرأته انت طالق إذا جاء رأس الشهر للسنة فكان رأس الشهر في زمن السنة وقع وإلا وقع إذا جاء زمان السنة.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: