الفقه الحنبلي - الطلاق
ثبت فيه أقل الحكمين لانه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا ثبته بالشك ولا نزول عن الاصل إلا بيقين وعند الشافعي هو كقوله أنت حرام سواء * (مسألة) * (وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لزمه إقراره في الحكم ولا
يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى وان قال حلفت بالطلاق أو علي يمين بالطلاق ولم يكن حلف لم يلزمه شئ فيما بينه وبين الله تعالى ولزمه ما أقر به في الحكم) ذكره القاضي وأبو الخطاب لانه يحتمل ما قاله ويلزمه في الحكم لانه خلاف ما أقربه وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هي كذبة ليس عليه يمين وذلك لان قوله حلفت ليس بحلف وانما هو خبر عن الحلف فإذا كان كاذبا فيه لم يصر حالفا كما لو قال حلفت بالله وكان كاذبا واخبار أبو بكر أنه يلزمه ما أقر به وحكى في زاد المسافر عن الميموني عن أحمد أنه قال إذا قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الطلاق الثلاث أو الواحدة وقال القاضي معنى قول أحمد يلزمه الطلاق أي في الحكم ويحتمل أنه أراد يلزمه إذا نوى به الطلاق فجعله كناية عنه وكذلك قال يرجع إلى نيته أما الذي قصد الكذب فلا نية له في الطلاق فلا يقع به شئ لانه ليس بصريح في الطلاق ولا نوى الطلاق فلم يقع به طلاق كسائر الكنايات وذكر القاضي في
كتاب الايمان فيمن قال حلفت بالطلاق ولم يكن حلف هل يقع به؟ على روايتين (احداهما) لا يلزمه شئ لانه لم يحلف واليمين انما تكون بالحلف (والثانية) يلزمه ما أقر به اختاره أبو بكر لانه إذا اقر ثم قال كذبت كان جحودا بعد الاقرار فلا يقبل كما لو أقر بدين ثم أنكر ويرجع إلى نيته لانه أعلم بحاله (فصل) والقول قوله في قدر ما حلف به وفي الشرط الذي علق اليمين به لانه أعلم بحاله ويمكن حمل كلام أحمد
على هذا وهو أن يكون قوله ليس عليه يمين فيما بينه وبين الله تعالى وقوله يلزمه الطلاق أي في الحكم لانه يتعلق بحق إنسان معين فلم يقبل في الحكم وفيما بينه وبين الله سبحانه إذا علم أنه لم يحلف فلا شئ عليه * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (إذا قال لامرأته أمرك بيدك فلها أن تطلق ثلاثا وان نوى واحدة وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ) الكلام في هذه المسألة في فصلين (احدهما) أنه إذا قال لامرأته أمرك بيدك كان لها ان تطلق ثلاثا وان نوى أقل منها هذا ظاهر المذهب لانها من الكنايات الظاهرة وقد مضى الكلام فيها روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن علي أيضا وفضالة بن عبيد وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والزهري قالوا إذا طلقت ثلاثا فقال لم أجعل إليها الا واحدة لم يلتفت إلى قوله والقضاء ما قضت وعن عمر وابن مسعود أنها طلقة واحدة وبه قال عطاء ومجاهد والقاسم وربيعة ومالك والاوزاعي والشافعي وقال الشافعي ان نوى ثلاثا فلها ان تطلق ثلاثا وان نوى غير ذلك
لم تطلق ثلاثا والقول قوله في نيته قال القاضي ونقل عبد الله عن أحمد ما يدل على أنه إذا نوى واحدة فهي واحدة لانه نوع تخيير فيرجع إلى نيته فيه كقوله اختاري ولنا انه لفظ يقتضي العموم في جميع أمرها لانه اسم جنس مضاف فيتناول الطلقات الثلاث كما لو قال طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله أردت واحدة لانه بخلاف مقتضى اللفظ لا يبين في هذا لانه من الكنايات الظاهرة والكنايات الظاهرة تقتضي ثلاثا (الفصل الثاني) أنه لا يتقيد بالمجلس ويكون في يدها ما لم يفسخ أو يطأ وان جعل أمرها في يد غيرها فكذلك في الفصل الاول والثاني ووافق الشافعي في انه إذا جعله في يد غيرها أنه لا يتقيد بالمجلس لانه وكيل، وإذا قال له جعلت امر امرأتي في يدك أو جعلت لك الخيار في طلاق امرأتي أو طلق امرأتي فالجميع سواء في انه لا يتقيد بالمجلس وقال اصحاب أبي حنيفة ذلك مقصور على المجلس لانه نوع تخيير أشبه ما لو قال اختاري ولنا انه توكيل مطلق فكان على التراخي كالتوكيل في البيع.
إذا ثبت هذا فان له ان يطلق ما لم يفسخ أو يطأ وله ان يطلق ثلاثا وواحدة كالمرأة فان فسخ الوكالة بطلت كسائر الوكالات وكذلك ان
وطئها لانه يدل على الفسخ أشبه ما لو فسخ بالقول * (مسألة) * (وان قال اختاري نفسك لم يكن لها ان تطلق أكثر من واحدة الا ان يجعل إليها أكثر من ذلك وليس لها ان تطلق الا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)
وجملة ذلك ان لفظ التخيير لا يقتضي بمطلقه اكثر من طلقة رجعية قال احمد هذا قول ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمر وعائشة رضي الله عنهم وروي ذلك عن جابر وعبد الله بن عمر وقال ابو حنيفة هي واحدة بائنة وهو قول ابن شبرمة لان اختيارها نفسها يقتضي زوال سلطانه ولا يكون الا بالبينونة وقال مالك هي ثلاث في المدخول بها لان المدخول بها لا تبين الا بالثلاث الا ان تكون بعوض ولنا اجماع الصحابة رضي الله عنهم فان من سمينا منهم قالوا ان اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها رواه النجاد عنهم باسانيده ولان قوله اختاري تفويض مطلق فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم وذلك طلقة واحدة ولا تكون بائنا لانها طلقة بغير عوض لم يكمل بها العدد بعد الدخول فاشبه ما لو طلقها واحدة ولا تكون بائنا لانها طلقة، ويخالف قوله أمرك بيدك فانه للعموم لانه اسم جنس مضاف فيتناول جميع أمرها لكن ان جعل لها اكثر من ذلك فلها ما جعل إليها سواء جعله بلفظه بان يقول اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات ان شئت فلها ان تختار ذلك أو جعله بنيته وهو ان ينوى بقوله اختاري عددا فانه يرجع إلى ما نواه لان قوله اختاري كناية خفية فيرجع في قدرها إلى نيته كسائر الكنايات الخفية، فان نوى ثلاثا أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وان اطلق فهي واحدة وان نوى ثلاثا فطلقت اقل منها وقع ما طلقته لانه يعتبر قولهما جميعا كالوكيلين إذا طلق احدهما واحدة والآخر
ثلاثا وليس لها ان تطلق الا ما دامت في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه هذا قول اكثر اهل العلم ان التخيير على الفور ان اختارت في وقتها والا فلا خيار لها بعده روي ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر وبه قال عطاء وجابر بن زيد ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال الزهري وقتادة وابو عبيد وابن المنذر ومالك في رواية انه على التراخي ولها الاختيار
في المجلس وبعده ما لم يفسخ أو يطأ، واحتج ابن المنذر بقول النبي صلى الله عليه وسلم " لعائشة اني ذاكر لك امرا فلا عليك ان لا تعجلي حتى تستأمري ابويك " وهذا يمنع قصره على المجلس ولانه جعل امرها إليها اشبه ما لو قال امرك بيدك ولنا أنه قول من سمينا من الصحابة فروى النجاد باسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال قضى عمر وعثمان في الرجل يخير امرأته أن لها الخيار ما لم يتفرقا وعن عبد الله بن عمر قال ما دامت في مجلسها ونحوه عن ابن مسعود وجابر ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان اجماعا ولانه خيار تمليك فكان على الفور كخيار القبول، وأما الخبر فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار على التراخي، فأما أمرك بيدك فهو توكيل والتوكيل يعم الزمان ما لم يقيده بقيد بخلاف مسئلتنا * (مسألة) * (وليس لها ان تطلق إلا ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه)
وذلك ان لا يخرجا من الكلام إلى غير ذلك الطلاق فان تفرقا عن ذلك الكلام إلى كلام غيره بطل خيارها قال أحمد إذا قال لامرأته اختاري فلها الخيار ما داموا في ذلك الكلام فان طال المجلس وأخذوا في كلام غير ذلك ولم تختر فلا خيار لها وهذا مذهب أبي حنيفة ونحوه مذهب الشافعي على اختلاف عنه فقيل عنه انه يتقيد بالمجلس وقيل هو على الفور وقال أحمد الخيار على مخاطبة الكلام وأن تجاريه ويجاريها انما هو جواب كلام ان أجابته من ساعته وإلا فلا شئ، ووجهه أنه تمليك مطلق تأخر قبوله عن أول حال الامكان فلم يصح كما لو قامت من مجلسها فان قام أحدهما عن المجلس قبل اختيارها بطل خيارها، وقال أبو حنيفة يبطل بقيامها دون قيامه على أصله بان الزوج لا يملك الرجوع، وعندنا ان الزوج يملك الرجوع فبطل بقيامه كما يبطل بقيامها، وان كان أحدهما قائما فركب أو مشى بطل الخيار وإن قعد لم يبطل لان القيام يبطل الفكر والارتياء في الخيار فيكون اعراضا والقعود بخلافه ولو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت لم يبطل لان ذلك لا يبطل الفكرة، وإن تشاغلت بالصلاة بطل الخيار وان كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل خيارها وان أضافت إليها ركعتين أخريين بطل خيارها وإن أكلت شيئا أو قال بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا لم يبطل لان ذلك ليس باعراض وان قالت ادعوا لي شهودا أشهدهم على ذلك لم يبطل وإن
كانت راكبة فسارت لم يبطل خيارها وهذا كله قول أصحاب الرأي * (مسألة) * (فان جعل لها الخيار اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها هذا المذهب)
إذا جعل لها الخيار اليوم كله أو أكثر من ذلك أو متى شاءت فلها الخيار في تلك المدة وان قال اختاري إذا شئت أو متى شئت فلها ذلك لان هذه تفيد جعل الخيار لها في عموم الاوقات فان ردت ذلك أو جعل أمرها بيدها فردته بطل خيارها لانها انما ملكته بالوكالة فهي كالوكيل إذا رد الوكالة وان رجع فيما ملكها بطل أيضا كما إذا رجع الموكل فيما وكل فيه، وان وطئها فهو رجوع أيضا لانه يدل على الرجوع أشبه ما لو رجع بالقول، ويحتمل ان لا تنفسخ الوكالة كما لو وكله في بيع دار وسكنها ذكره ابن أبي موسى وان قال اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فان ردت الخيار في الاول بطل كله وان قال لها لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ونحوه فلها الخيار على التراخي فان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة فدل على ان خيارها لا يبطل بالتأخير، وإن قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته في اليوم الاول لم يبطل في الثاني، وقال أبو حنيفة لا يبطل في المسألة الاول أيضا لانهما خياران في وقتين فلم يبطل أحدهما برد الآخر قياسا على المسألة الثانية ولنا أنه خيار واحد في مدة واحدة فإذا بطل أوله بطل ما بعده كما لو كان الخيار في يوم واحد وكخيار الشرط، ولا نسلم أنهما خياران، وانما هو خيار واحد في يومين، وفارق ما إذا قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فانهما خياران لان كل واحد ثبت بسبب مفرد (فصل) ولو خيرها شهرا فاختارت ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار وعند أبي حنيفة لها الخيار
ولنا انها استوفت ما جعل لها في هذا العقد فلم يكن لها في عقد ثان كما لو اشترط الخيار في سلعة مدة ثم فسخ ثم اشتراها بعقد آخر في تلك المدة، ولو لم تختر نفسها أو اختارت زوجها وطلقها الزوج ثم تزوجها بطل لان الخيار المشروط في عقد لا يثبت في عقد سواه كما في البيع، والحكم في قوله أمرك بيدك في هذا كله
كالحكم في التخيير لانه نوع تخيير ولو قال لها اختاري أو أمرك بيدك اليوم وبعد الغد فردت في اليوم الاول لم يبطل في بعد غد لانهما خياران ينفصل أحدهما عن صاحبه فلا يبطل أحدهما ببطلان الآخر بخلاف ما إذا كان الزمان متصلا واللفظ واحد فانه خيار واحد فبطل كله ببطلان بعضه، وإن قال لك الخيار يوما أو أمرك بيدك يوما فابتداؤه من حين نطق به إلى مثله من الغد لانه لا يمكن استكمال يوم بتمامه إلا بذلك وإلا قال شهرا فمن ساعة نطق إلى استكمال ثلاثين يوما إلى مثل تلك الساعة وان قال الشهر أو اليوم أو النسة فهو على ما بقى من اليوم والشهر والسنة، وخرج أبو الخطاب في كل مسألة وجها مثل حكم الاخرى أي خرج في قوله أمرك بيدك وجها أنها لا تطلق أكثر من واحدة وأنها تتقيد بالمجلس بشرط ان لا يتشاغلا بما يقطع كلامهما، وفي قوله اختاري نفسك أنه لا يتقيد بالمجلس وان لها ان تطلق أكثر من واحدة عند الاطلاق قياسا لكل واحدة منهما علي الآخرى (فصل) فان خيرها فاختارت زوجها أو ردت الخيار أو الامر لم يقع شئ نص عليه أحمد في رواية الجماعة وروي ذلك عن عمر وعلي وزيد وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وهو قول عمر ابن عبد العزيز وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي وابن المنذر وعن الحسن تكون واحدة
رجعية وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ورواه اسحاق بن منصور عن أحمد قال ان اختارت زوجها فواحدة يملك الرجعة وان اختارت نفسها فثلاث قال أبو بكر انفرد بهذا اسحاق بن منصور والعمل على ما رواه الجماعة ووجه هذه الرواية ان التخيير كناية نوى بها الطلاق فوقع بها بمجرده كسائر كناياته كقوله أنكحي من شئت ولنا قول عائشة قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان طلاقا وقالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني لمخبرك خبرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ثم قال ان الله تعالى قال (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها - حتى بلغ - ان الله اعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) فقلت في أي هذا أستأمر أبوي؟ فاني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت متفق عليهما قال مسروق ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو
الفا بعد ان تختارني ولانها مخيرة اختارت النكاح فلم يقع بها الطلاق كالمعتقة تحت عبد وقولهم ان التخيير كناية نوي بها الطلاق فوقع بها بمجردها كسائر كناياته قلنا انما أراد بذلك تفويض الطلاق إلى زوجته لا إيقاع الطلاق وصار ذلك كقوله طلقي نفسك فانه لا يقع بذلك طلاق والكناية مع النية لا ترد على الصريح فأما ان نوى بقوله اختاري نفسك ايقاع الطلاق وقع كسائر الكنايات
* (مسألة) * (ولفظه الامر والخيار كناية في حق الزوج تفتقر إلى نيته) فلفظة الامر من الكنايات الظاهرة والخيار من الخفية وكلاهما يحتاج إلى النية لما ذكرنا في الكناية الظاهرة قوله إنها تحتاج إلى نية وهو قول مالك وقد ذكرناه فان قبلته بلفظ الكناية فقالت اخترت نفسي افتقر إلى نيتها أيضا كالزوج وان قالت طلقت نفسي وقع من غير نية لانه صريح فلم يحتج إلى نية كقوله أنت طالق فان نوى أحدهما دون الآخر لم يقع لان الزوج إذا لم ينو فما فوض إليها الطلاق فلا يصح ان يوقعه وان نوى ولم تنو هي فقد فوض إليها الطلاق فما أوقعته فلم يقع شئ كما لو وكل وكيلا في الطلاق فلم يطلق وان نويا جميعا وقع ما نواه من العدد وان نوى احدهما أقل من الآخر وقع الاقل لان ما زاد انفرد به احدهما فلم يقع * (مسألة) * (فان اختلفا في نيتها فقال لم تنو الطلاق باختيارك نفسك فقالت قد نويت فالقول قولها) لانها أعلم بنيتها ولا نعلم ذلك الا من جهتها وان اختلفا في رجوعه فالقول قوله لانهما اختلفا فيما يختص فكان القول قوله فيه كما لو اختلفا في نيته (فصل) وإن قال امرك بيدك أو قال اختاري فقالت قبلت لم يقع شئ كما لو قال لاجنبي أمر امرأتي بيدك فقال قبلت واختاري في معناه ونحوه ان قالت أخذت أمري نص عليهما أحمد في رواية ابراهيم بن هانئ إذا قال لامرأته أمرك بيدك فقالت قبلت ليس بشئ حتى يبين وقال إذا قالت اخذت
امري ليس بشئ قال وإذا قال لامرأته اختاري فاختارت فقالت قبلت نفسي واخترت نفسي كان ابين قال القاضي ولو قالت اخترت ولم تقل نفسي لم تطلق وان نوت ولو قال الزوج اختاري ولم
يقل نفسك ولم ينوه لم تطلق ما لم يذكر نفسها ما لم يكن في كلام الزوج أو جوابها ما يصرف الكلام إليه لان ذلك في حكم التفسير فإذا عري عن ذلك لم يصح وان قالت اخترت زوجي واخترت البقاء على النكاح أو رددت الخيار أو رددت عليك سفهتك بطل الخيار وان قالت اخترت نفسي أو أنوي ونوت وقع الطلاق ولان هذا يصلح ان يكون كناية من الزوج فيما إذا قال الحقي باهلك فكذلك منها وان قالت اخترت الازواج فكذلك لانهم لا يحلون الا بمفارقة هذا الزوج ولذلك كان كناية منه في قوله أنكحي من شئت (فصل) فان كرر لفظة الخيار ثلاث مرات فقال اختاري اختاري اختاري فقال أحمد ان كان ما يردد عليها ليفهمها وليست نيته ثلاثا فهي واحدة وان كان أراد بذلك ثلاثا فهي ثلاث فرد الامر إلى نيته في ذلك وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبلت وقع ثلاث لانه كرر ما يقع به الطلاق فيكرر كما لو كرر الطلاق ولنا أنه يحتمل التأكيد فإذا قصده قبلت نيته كما لو قال أنت طالق الطلاق وان أطلق فقد روي عن أحمد ما يدل على انها واحدة تملك الرجعة وهذا اختيار القاضي ومذهب عطاء وأبي ثور لان تكرر
التخيير لا يزيد به الخيار كشرط الخيار في البيع وروي عن احمد رحمه الله إذا قال لامرأته اختاري فقالت اخترت نفسي هي واحدة الا ان يقول اختاري اختاري وهذا يدل على انها تطلق ثلاثا ونحوه قال الشعبي والنخعي واصحاب الرأي ومالك لان لفظة الواحدة إذا تكررت اقتضت ثلاثا كلفظة الطلاق (فصل) ويجوز أن يجعل أمر امرأته بيدها بعوض وحكمه حكم ما لا عوض له في أن له الرجوع فيما جعل لها وأنه يبطل بالوطئ قال أحمد إذا قالت امرأته اجعل أمري بيدي وأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها فلها أن تختار ما لم يطأها أو ينقضه وذلك لانه توكيل والتوكيل لا يبطل بدخول العوض فيه وكذلك التحليل بعوض لا يلزم ما لم يتصل به القبول * (مسألة) * (وإن قال طلقي نفسك فقالت اخترت نفسي ونوت الطلاق وقع) ويحتمل أن لا يقع لانه فوضه إليها بلفظ الصريح فلا يصح أن يوقع ما فوضه إليها، ووجه الاول
أنه فوض إليها الطلاق وقد أوقعته فوقع كما لو أوقعته بلفظ الصريح ولا يصح ما ذكروه ولان التوكيل في شئ لا يقتضي أن يكون ايقاعه بلفظ الامر كما لو وكله فقال بع داري فباع بلفظ التمليك صح وكما لو قال لها اختاري نفسك فقالت طلقت نفسي فانه يقع مع اختلاف اللفظ * (مسألة) * (وليس لها أن تطلق أكثر من واحدة الا أن يجعل إليها أكثر منها) قال أحمد رحمه الله إذا قال لامرأته طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت نفسها ثلاثا فهي ثلاث
وان نوى واحدة فهي واحدة وذلك لان الطلاق يكون واحدة ثلاثا فأيهما نواه فقد نوى بلفظه ما احتمله وإن لم ينو وقع واحدة لانها اليقين لان النطق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم * (مسألة) * (وإذا قال وهبتك لاهلك فان قبلوها فواحدة وإن ردوها فلا شئ، وعنه إن قبولها فثلاث وإن ردوها فواحدة وكذلك إذا قال وهبتك لنفسك) الرواية الاولى هي المشهورة عن أحمد نص عليها وبه قال ابن مسعود وعطاء ومسروق والزهري ومكحول ومالك واسحاق وروي عن علي رضي الله عنه والنخعي إن قبلوها فواحدة بائنة وإن لم يقبلوها فواحدة رجعية، وروي عن أحمد مثل ذلك وعن زيد بن ثابت والحسن ان قبلوها فثلاث، وقال ربيعة ويحيى بن سعيد وأبو الزناد ومالك هي ثلاث على كل حال قبلوها أو ردوها، وقال أبو حنيفة فيها كقوله في الكناية الظاهرة ومثله قال الشافعي واختلفا ههنا بناء على اختلافهما ثم ولنا على أنها لا تطلق إذا لم يقبلوها أنه تمليك للبضع فافتقر فيه إلى القبول كقلوه اختاري وأمرك بيدك وكالنكاح وعلى أنها لا تكون ثلاثا انه لفظ يحتمل فلا يحمل عى الثلاث عند الاطلاق كقوله اختاري وعلى أنها رجعية انها طلقة لمن عليها عدة بغير عوض قبل استيفاء العدد فكانت رجعية كقوله أنت طالث ثنتين وقوله انها واحدة محمول على ما إذا أطلق النية أو نوى واحدة فأما ان نوى ثلاثا أو اثنتين فهو على ما نوى لانها كناية غير ظاهرة فيرجع إلى نيته في عددها كسائر الكنايات ولابد
من أن ينوي بذلك الطلاق أو تكون ثم دلالة حال لانها كناية ولابد للكناية من ذلك.
قال القاضي
وينبغي أن تعتبر النية من الذي يقبل أيضا كما تعتبر في اختيار الزوجة إذا قال لها اختاري أو أمرك بيدك إذا ثبت هذا فان صفة القبول أن يقول أهلها قبلناها نص عليه أحمد والحكم في هبتها لنفسها أو لاجنبي كالحكم في هبتها لاهلها (فصل) فان باع امرأته لغيره لم يقع به طلاق وان نوى، وبه قال الثوري واسحاق وقال مالك تطلق واحدة وهي املك بنفسها لانه أتى بها يقتضي خروجها عن ملكه أشبه ما لو وهبها ولنا أن البيع لا يتضمن معنى الطلاق لانه نقل ملك بعوض والطلاق مجرد اسقاط لا يقتتضي العوض فلم يقع به طلاق كقوله أطعميني واسقيني (فصول في قول الزوج لامرأته أمرك بيدك) قد ذكرنا أن الزوج إذا قال لامرأته أمرك بيدك أنه في يدها ما لم يفسخ أو يطأ لان الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه وبين أن يوكل فيه وان يفوضه إلى المرأة ويجعله إلى اختيارها لان النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترنه ومتى جعل أمر امرأته بيدها لم يتقيد بالمجلس روي ذلك عن علي رضي الله، وبه قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس كقوله اختاري
ولنا قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها قال هو لها حتى تنكل ولانه نوع توكيل في الطلاق فكان على التراخي كما لو جعله لاجنبي فان رجع الزوج فيما جعل إليها أو قال فسخت ما جعلت اليك بطل وبذلك قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والاوزاعي واسحاق وقال الزهري والثوري ومالك وأصحاب الرأي ليس له الرجوع لانه ملكها ذلك فلم يملك الرجوع كما لو طلقت ولنا أنه توكيل فكان له الرجوع فيه كالتوكيل في البيع وكما لو وكل في ذلك أجنبيا ولا يصح قولهم تمليكا لان الطلاق لا يصح تمليكه ولا ينتقل عن الزوج وانما ينوب غيره فيه عنه وان سلم أنه تمليك فالتمليك يصح الرجوع فيه قبل ايصال القبول به كالبيع، وان وطئها الزوج كان رجوعا لانه نوع توكيل والتصرف فيما توكل فيه يبطل الوكالة وان ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة برد الوكيل.
(فصل) ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به ايقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها ومتى ردت الامر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شئ في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومسروق وعطاء ومجاهد والزهري والثوري والاوزاعي والشافعي وقال قتادة ان ردت فواحدة رجعية ولنا أنه توكيل رده الوكيل أو تمليك لم يقبله المملك فلم يقع به شئ كسائر التوكيل والتمليك فأما
ان نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال حبلك على غاربك * (مسألة) * (فان قالت اخترت نفسي فهي واحدة رجعية) روي ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز والثوري وابن أبي ليلى والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وروي عن علي أنها واحدة بائنة وبه قال أبو حنيفة واصحابه لان تمليكه اياها امرها يقتضي زوال سلطانه عنها فإذا قبلت ذلك الاختيار وجب ان يزول عنها ولا يحصل ذلك مع بقاء الرجعة وعن زيد بن ثابت انها ثلاث، وبه قال الحسن ومالك والليث الا أن مالكا قال: إذا لم تكن مدخولا بها قبل منه إذا اراد واحدة أو اثنتين وحجتهم ان ذلك يقتضي زوال سلطانه عنها ولا يكون ذلك الا بثلاث وفي قول مالك ان غير المدخول بها يزول سلطانه عنها بواحدة فاكتفي بها ولنا أنها لم تطلق بلفظ الثلاث ولا نوت ذلك فلم تطلق ثلاثا كما لو أتى الزوج بالكنايات الخفية وهذا إذا لم تنو الا واحدة فان نوت اكثر منها وقع ما نوت لانها تملك الثلاث بالتصريح فملكتها بالكنايات كالزوج وهكذا ان أتت بشئ من الكنايات فحكمها فيها حكم الزوج ان كانت مما يقع بها الثلاث من الزوج وقع بها الثلاث إذا أتت بها وان كانت من الكنايات الخفية نحو قولها لا تدخل علي ونحوها وقع ما نوت.
قال احمد إذا قال لها امرك بيدك فقالت لا تدخل على الا باذن سواء في ذلك ان قالت واحدة فواحدة وان قالت اردت ان اغيظه قبل منها يعني لا يقع شئ، وكذلك ان جعل
امرها بيد اجنبي فأتى بهذه الكنايات لا يقع شئ حتى ينوي الوكيل الطلاق ثم ان طلق بلفظ صريح
ثلاثا أو بكناية ظاهرة وقعت الثلاث وان كان بكناية خفية وقع ما نواه * (باب ما يختلف به عدد الطلاق) * (يملك الحر ثلاث طلقات وان كان تحته امة ويملك العبد اثنتين وان كانت تحته حرة) وجملة ذلكان الطلاق معتبر بالرجال فان كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو امة وان كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو امة روي ذلك عن عمر وعثمان وزيد وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي واسحاق وابن المنذر، وقال ابن عمر ايهما رق نقص الطلاق برقه فطلاق العبد اثنتان وان كان تحته حرة وطلاق الامة اثنتان وان كان زوجها حرا، وعنه ان الطلاق بالنساء فيملك زوج الحرة ثلاثا وان كان عبدا وزوج الامة اثنتين وان كان حرا روي ذلك عن على رضي الله عنه وهو قول ابن مسعود وبه قال الحسن وابن سيرين وعكرمة وعبيدة ومسروق والزهري والحكم وحماد والثوري وابو حنيفة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " طلاق الامة تطليقتان " رواه أبو داود وابن ماجه ولان المرأة محل الطلاق فيعتبر بها كالعدة
ولنا ان الله خاطب الرجال بالطلاق فكان محله معتبرا بهم ولان الطلاق خالص حق الزوج وهو مما يختلف بالرق والحرية فكان اختلافه به كعدد المنكوحات، وحديث عائشة قال أبو داود رواه مظاهر بن أسلم وهو منكر الحديث وقد اخرجه الدارقطني في سننه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وقروء الامة حيضتان وتتزوج الحرة على الامة ولا تتزوج الامة على الحرة " وهذا نص ولان الحر يملك ان يتزوج اربعا فملك طلقات ثلاثا كما لو كان تحته حرة.
ولا خلاف في ان الحر الذي زوجته حرة طلاقه ثلاث وان العبد الذي تحته امة طلاقه اثنتان، وانما الخلاف فيما إذا كان احد الزوجين حرا والآخر رقيقا قال احمد المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وطلاقه واحكامه كلها احكام العبد وهذا صحيح فانه جاء في الحديث " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ولانه يصح عتقه ولا ينكح الا اثنتين ولا يتزوج ولا يتسرى الا باذن سيده وهذه أحكام العبيد فيكون طلاقه كطلاق سائر العبيد، وقد روى الاثرم في سننه عن سليمان بن يسار
مكاتب ام سلمة طلق امراة حرة تطليقتين فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك فقالا حرمت عليك والمدبر كالعبد القن في نكاحه وطلاقه وكذلك المعلق عتقه بصفة لانه عبد فثبت فيه احكام العبد (فصل) قال احمد في رواية محمد بن الحكم العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه عبدا يتزوج ثلاثا ويطلق ثلاث تطليقات
وكذلك كل ما يجري بالحساب انما جعل له نكاح ثلاث لان عدد المنكوحات يتبعض فوجب ان يتبعض في حقه كالحد فكذلك كان له ان ينكح نصف ما ينكح العبد وذلك ثلاث، وأما الطلاق فلا تمكن قسمته في حقه لان مقتضى حاله ان يكون له ثلاثة ارباع الطلاق وليس له ثلاثة ارباع فكمل في حقه ولان لاصل اثبات الطلقات الثلاث في حق كل مطلق وانما خولف في حق من كمل الرق فيه ففيما عداه يبقى على الاصل * (مسألة) * (فإذا قال انت الطلاق أو الطلاق لي لازم ونوى الثلاث طلقت ثلاثا) قال القاضي لا تختلف الرواية عن احمد فيمن قال لامرأته انت الطلاق انه يقع نواه أو لم ينوه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ولاصحاب الشافعي وجهان (احدهما) انه غير صريح لانه مصدر والاعيان لا توصف بالمصادر إلا مجازا ولنا ان الطلاق لفظ صريح فلم يفتقر إلى نية كالتصرف وهو مستعمل في عرفهم قال الشاعر: نوهت باسمي في العالمين * وافنيت عمري عاما فعاما فانت الطلاق وانت الطلاق * وانت الطلاق ثلاثا تماما قولهم انه مجاز قلنا نعم الا انه يتعذر حمله على الحقيقة ولا محمل له يظهر سوى هذا المحمل فتعين فيه.
إذا ثبت ذلك فانه إذا قال انت الطلاق أو الطلاق لي لازم أو الطلاق يلزمني أو علي الطلاق فهو
بمثابة قوله الطلاق يلزمنى لان من يلزمه شئ يضره فهو عليه كالدين.
وقد اشتهر استعمال هذا في إيقاع الطلاق فهو صريح فانه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق وقالوا إذا عقل الصبي الطلاق فطلق لزمه ولعلهم اراد والزمه حكمه فحذفوا المضاف واقاموا المضاف إليه مقامه ثم اشتهر ذلك حتى صار من الاسماء العرفية وانغمرت الحقيقة فيه ويقع ما نواه واحدة أو اثنتين أو ثلاثا
* (مسألة) * (فان لم ينو شيئا ففيه روايتان) احداهما يقع الثلاث نص عليها أحمد في رواية مهنا وهي اختيار أبي بكر لان الالف واللام للاستغراق فتقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) انها واحدة لانه يحتمل ان تعود الالف واللام إلى معهود يربد الطلاق الذي أوقعته ولان الالف واللام في أسماء الاجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا كقوله ومن اكره على الطلاق وإذا عقل الصبي الطلاق وأشباه هذا مما يراد به ذلك الجنس ولا يفهم منه الاستغراق، فعند ذلك لا يحمل على التعميم الا بنية صارفة إليه، قال شيخنا والاشبه في هذا جميعه ان يكون واحدة في حال الاطلاق لان أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ولا يعلمون ان الالف واللام للاستغراق ولهذا ينكر احدهم ان يكون طلق ثلاثا ولا يعتقد انه طلق الا واحدة فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة فلا يريدون الا ما يعتقدونه مقتضى لفظهم فيصير كأنهم نووا واحدة (فصل) فاما ان قال لامرأته انت طالق ثلاثا فهي ثلاث وان نوى واحدة، لا نعلم بين أهل العلم
فيه خلافا لان اللفظ صريح في الطلاق الثلاث والنية لا تعارض الصريح لانها أضعف من اللفظ كما لا يعارض النص القياس ولان النية انما تعمل في صرف اللفظ إلى بعض محتملا له والثلاث نص فيها لا يحتمل الواحدة بحال فإذا نوى واحدة فقد نوى ما لا يحتمله فلم يصح كما لو قال له علي ثلاثة دراهم وقال اردت واحدا * (مسألة) * (وان قال انت طالق ونوى ثلاثا ففيه روايتان) احداهما تطلق ثلاثا وهو قول مالك والشافعي وأبي عبيد وابن المنذر لان لفظه لو قرن به لفظ الثلاث كان ثلاثا فإذا نوى به الثلاث كان ثلاثا كالكنايات ولانه نوى بلفظه ما يحتمله فوقع ذلك به كالكناية وبيان احتمال اللفظ للعدد انه يصح تفسيره به فيقول انت طالق ثلاثا ولان قوله طالق اسم فاعل واسم الفاعل يقتضي المصدر كما يقتضيه الفعل والمصدر يقع على القليل والكثير (والرواية الثانية) لا تقع الا واحدة وهو قول الحسن وعمرو بن دينار والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي لان هذا اللفظ لا يتضمن عددا ولا بينونة فلم يقع به الثلاث كما لو قال انت واحدة.
بيانه ان قوله انت طالق اخبار عن صفة هي عليها فلم يتضمن العدد كقوله قائمة وحائض وطاهر، والاولى أصح لما
ذكرنا، وفارق قوله انت حائض وطاهر لان الحيض والطهر لا يمكن تعدده في حقها والطهر يمكن تعدده (فصل) فان قال انت طالق طلاقا ونوي ثلاثا وقع ثلاث لانه صريح بالمصدر والمصدر يقع على القليل
والكثير فقد نوى بلفظه ما يحتمله وان نوى واحدة فهي واحدة وان اطلق فهي واحدة لانه اليقين وان قال انت طالق الطلاق وقع ما نواه، وان ينو شيئا فذكر القاضي فيها روايتين (احداهما) تقع الثلاث لان الالف واللام للاستغراق فيقتضي استغراق الكل وهو ثلاث (والثانية) انها واحدة لما ذكرنا من أن الالف واللام تعود إلى المعود * (مسألة) * (وان قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا لم يقع الا واحدة) لان لفظه لا يحتمل أكثر منها فإذا نوى ثلاثا فقد نوى ما لا يحتمله لفظه فلو وقع أكثر من ذلك لوقع بمجرد النية ومجرد النية لا يقع بها طلاق، وقال أصحاب الشافعي تقع ثلاث في أحد الوجهين لانه يحتمل واحدة معها اثنتان وهذا لا يصح فان قوله معها اثنتان لا يؤديه معنى الواحدة ولا يحتمله فنيته فيه نية مجردة فلا يعمل كما لو نوى الطلاق من غير لفظه، وفيه لاصحابنا أنه يقع ثلاث والاول أصح * (مسألة) * (وان قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا) لان قوله هكذا صريح بالتشبيه بالاصابع في العدد وذلك يصلح بيانا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " الشهر هكذا وهكذا " وأشار بيده مرة ثلاثين ومرة تسعا وعشرين فان قال أردت تعدد المعتوقين قبل منه لانه
يحتمل ما يدعيه، فأما ان قال أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث ولم يقل هكذا لم يقع الا واحدة لان اشارته لا تكفي (فصل) وان قال لاحدى امرأتيه أنت طالق واحدة بل هذه وأشار إلى الاخرى ثلاثا طلقت الاولى واحدة والثانية ثلاثا لانه أوقعه بهما كذلك أشبه ما لو قال له علي هذا الدرهم بل هذا فانه يجب الدرهمان ولا يصح اضرابه عن الاول * (مسألة) * (وان قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثر أو جميعه أو منتهاه أو طالق كألف أو بعدد الحصى أو القطر أو الرمل أو الريح أو التراب طلقت ثلاثا وان نوى واحدة)
لان هذا يقتضي عددا ولان للطلاق أقل وأكثر فأقله واحدة وأكثره ثلاث، وان قال كعدد الماء أو التراب وقع ثلاث، وقال أبو حنيفة يقع واحدة بائن لان الماء والتراب من أسماء الاجناس لا عدد له ولنا أن الماء تتعدد أنواعه وقطراته والتراب تتعدد أنواعه وأجزاؤه فأشبه الحصى، وان قال يا مائة طالق أو انت مائة طالق طلقت ثلاثا، وان قال أنت طالق كمائة أو الف فهي ثلاث قال احمد فيمن قال أنت طالق كألف تطليقة فهي ثلاث، وبه قال محمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة وابو يوسف ان لم يكن له نية وقعت واحدة لانه لم يصرح بالعدد، وانما شبهها بالالف وليس الموقع المشبه به ولنا أن قوله كألف يشبه العدد خاصة لانه لم يذكر إلا ذلك فوقع العدد كقوله أنت طالق
كعدد الالف، وفي هذا انفصال عما قال، وان قال أردت أنها كالف في صعوبتها دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين * (مسألة) * (وان قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو مل ء الدنيا ونوى الثلاث وقع الثلاث وان لم ينو شيئا أو نوى واحدة فهي واحدة) قال أحمد فيمن قال لامرأته أنت طالق مل ء البيت فان أراد الغلظة عليها يعني يريد أن تبين منه فهي ثلاث فاعتبر نيته فدل على انه إذا لم ينو تقع واحدة وذلك لان هذا الوصف لا يقتضي عددا وهذا لا نعلم فيه خلافا فإذا وقعت الواحدة فهي رجعية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه تكون بائنا لانه وصف الطلاق بصفة زائدة فيقتضي الزيادة عليها وذلك هو البينونة، ولنا أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير استيفاء عدد ولا عوض فكان رجعيا كقوله أنت طالق، وما ذكروه لا يصح لان الطلاق حكم فإذا ثبت ثبت في الدنيا كلها فلا يقتضي ذلك زيادة فان قال أنت طالق مثل الجبل أو مثل عظم الجبل ولا نية له وقعت طلقة رجعية وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تقع بائنا، وقال أصحابه ان قال مثل الجبل كانت رجعية وان قال مثل عظم الجبل كانت بائنا ووجه القولين ما تقدم
ولنا انه لا يملك إيقاع البينونة فانها حكم وليس ذلك إليه وانما تثبت البينونة بأسباب معينة كالخلع والطلاق قبل الدخول فيملك مباشرة سببها فثبتت وان أراد اثباتها بدون ذلك لم تثبت، ويحتمل أن يكون ابتداء الطلاق عليه أو عليها ليعجلها أو لحب أحدهما صاحبه ومشقة فراقه عليه فلم يقع أمر زيد بالشك، فان قال أقصى الطلاق أو أكثره فكذلك في قياس المذهب، ويحتمل أن يكون أقصى الطلاق ثلاثا لان أقصاه آخره وآخر الطلاق الثالثة ومن ضرورة كونها ثالثة وقوع اثنتين، وان قال أتم الطلاق وأكمله فواحدة إلا أنها تكون بنيته * (مسألة) * (وان قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقع طلقتان) وبهذا قال أبو حنيفة لان ما بعد الغاية لا يدخل فيها كقوله تعالى (ثم اتموا الصيام إلى الليل) وانما كانت بمعنى مع وذلك خلاف موضوعها، وقال زفر: تطلق واحدة لان ابتداء الغاية ليس منها كقوله بعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط، ويحتمل أن تطلق ثلاثا وهو قول أبي يوسف ومحمد لانه نطق بها فلم يجز إلغاؤها وكقوله بعتك هذا الثوب من أوله إلى آخره ولنا على ان ابتداء الغاية يدخل قوله خرجت من البصرة فانه يدل على انه كان فيها وأما انتهاء
الغاية فلا يدخل بمقتضي اللفظ ولو احتمل الدخول وعدمه لم يقع الطلاق بالشك فان قال انت طالق ما بين واحدة وثلاث وقعت لانها التى بينهما * (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق طلقة في اثنتين ونوى طلقة مع طلقتين وقعت الثلاث) وان نوي موجبة عند الحساب وهو يعرفه طلقت طلقتين وان لم يعرفه فكذلك عند ابن حامد وعند القاضي تطلق واحدة وان لم ينو وقع بأمرأة الحاسب طلقتان وبغيرها طلقه ويحتمل ان تطلق إذا قال انت طالق طلقة في طلقتين أو واحدة في اثنتين ونوى به ثلاثا فهي ثلاث لانه بغير نفي عن كقوله تعالى (ادخلي في عبادي) فتقدير الكلام طلقة مع طلقتين فان أقر بذلك على نفسه قبل منه وان قال أردت واحدة قبل أيضا وان كان كان حاسبا وقال القاضي لا يقبل إذا كان عارفا بالحساب ووقع
طلقتان لانه خلاف ما اقتضاه اللفظ ولنا انه فسر كلامه بما يحتمله فانه لا يبعد ان يريد بكلامه ما يريده العامي وان لم يكن له نية وكان عارفا بالحساب وقع طلقتان وقال الشافعي ان أطلق لم يقع الا واحدة لان لفظ الايقاع انما هو الواحدة وما زاد عليها لم يحصل فيه لفظ الايقاع وانما يقع الزائد بالقصد فإذا خلا عن القصد لم يقع الا ما أوقعه وقال بعض أصحابه كقولنا وقال أبو حنيفة لا يقع الا واحدة سواء قصد به الحساب أو لم يقصد به واحدة أو اثنتن لان الضرب انما يصح فيما له مساحة فأما ما لا مساحة له فلا حقيقة فيه للحساب وانما حصل
منه الايقاع في واحدة فوقعت دون غيرها ولنا ان هذا اللفظ موضوع في اصطلاحهم لاثنين فإذ لفظ به واطلق وقع كما لو قال انت طالق اثنتين وبهذا يحصل الانفصال عما قاله الشافعي فان اللفظ الموضوع لا يحتاج معه إلى نية فأما ما قاله أبو حنيفة فانما ذلك في موضع الحساب بالاصل ثم صار مستعملا في كل ماله عدد فصار حقيقة فيه فأما ا لجاهل بمقتضي ذلك الحساب إذا أطلق وقعت طلقة واحدة لان لفظ الايقاع انما هو لفظة واحدة وانما صار مصروفا إلى اثنين بوضع أهل الحساب واصطلاحهم فمن لا يعرف اصطلاحهم لا يلزمه مقتضاه كالعربي ينطق بالطلاق بالعجمية وهو لا يعرف معناها فان نوى موجبه عند الحساب وهو لا يعرفه فقال ابن حامد لا يقع هو كالحاسب قياسا عليه لاشتراكهما في النية وعند القاضي تطلق واحدة لانه إذا لم يعرف موجبه لم يقصد ايقاعه فهو كالعجمي ينطلق بالطلاق بالعربي لا يفهمه وهذا قول اكثر أصحاب الشافعي إذا لم يكن يعرف موجبه لانه لا يصح منه قصد ما لا يعرفه ويحتمل ان تطلق ثلاثا بناء على أن في معناها مع فالتقدير انت طالق طلقة مع طلقتين قال شيخنا ولم يفرق أصحابنا في ذلك بين ان يكون المتكلم بذلك ممن لهم عرف في هذا اولا والظاهر ان كان المتكلم بذلك ممن عرفهم ان في ههنا بمعني مع وقعت الثلاث لان كلامه يحمل على عرفهم والظاهر منه ارادته وهو المتبادر إلى الفهم من كلامه
(فصل) إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقتين وقع طلقتان نص عليه أحمد وقال الشافعية يقع ثلاث
في أحد الوجهين لان قوله أنت طالق ايقاع فلا يجوز ايقاع الواحدة مرتين فيدل على أنه أوقعها ثم أراد دفعها ووقع اثنتين آخرتين فوقع الثلاث ولنا أن ما لفظ به قبل الاضراب لفظ به بعده فلم يلزمه أكثر مما بعده كقوله له على درهم بل درهمان وقولهم لا يجوز ايقاع ما أوقعه قلنا يجوز أن تجبره بوقوعه مع وقوع غيره فلا يقع الزائد بالشك (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة أو نصف طلقتين طلقت طلقة وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو جزءا منها وان قل وقع طلقة كاملة في قول عامة أهل العلم إلا داود قال لا تطلق بذلك قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أنها تطلق بذلك منهم الشعبي والحارث العكلي والزهري وقتادة والشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد قال أبو عبيد وهو قول مالك وأهل الحجاز وأهل العراق وذلك لان ذكر ما لا يتبعض في الطلاق ذكر لجميعه كما لو قال نصفك طالق فان قال نصفي طلقة وقعت طلقة لان نصفي الشئ كله وان قال أنت طالق نصف طلقتين وقعت واحدة لان نصف الطلقتين طلقة وذكر أصحاب الشافعي وجها آخر أنه يقع طلقتان لان اللفظ يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل وما ذكرناه أولى لان التنصيف يتحقق به وفيه عمل باليقين والغاء الشك وإيقاع ما أوقعه من غير زيادة فكان أولى
* (مسألة) * (وان قال نصفي طلقتين وقعت طلقتان) لان نصفي النئ جميعه فهو كما لو قال أنت طالق طلقتين * (مسألة) * (وان قال ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين) لان ثلاثة الانصاف طلقة ونصف وكمل النصف فصار طلقتين وهذا وجه لاصحاب الشافعي ولهم وجه آخر أنها لا تطلق إلا واحدة لانه جعل الانصاف من طلقة واحدة فسقط ما ليس منها ويقع طلقة لان إسقاط الطلاق الموقع من الاول في المجلس لا سبيل إليه وانما الاضافة إلى الطلقة الواحدة غير صحيحة فلغت الاضافة وان قال أنت طالق نصف ثلاث طلقات طلقت طلقتين لان نصفها طلقة ونصف ثم يكمل النصف فيصير طلقتين * (مسألة) * (وان قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا ويحتمل ان تطلق طلقتين)
نص أحمد على وقوع الثلاث في رواية مهنا وقال أبو عبد الله بن حامد تقع طلقتان لان معناه ثلاثة انصاف من طلقتين وذلك طلقة ونصف ثم يكمل فيصير وقيل بل لان النصف الثالث من طلقتين محال ولاصحاب الشافعي وجهان كهذين ولنا ان نصف الطلقتين طلقة وقد أوقعت ثلاثا فيقع ثلاث كما لو قال أنت طالق ثلاث طلقات وقولهم معناه ثلاثة أنصاف من طلقتين تأويل يخالف ظاهر اللفظ فانه على ما ذكره يكون ثلاثة أنصاف
طلقتين مخالفة لثلاثة أنصاف طلقة وقولهم إنه مخالف قلنا وقوع نصف الطلقتين عليها ثلاث مرات ليس بمحال فوجب ان يقع * (مسألة) * (وان قال نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة طلقت طلقة) لانه لم يعطف بواو العطف فيدل على ان هذا الاجزاء من طلقة غير متغايرة وان الثاني ههنا يكون بدلا من الاول والثالث من الثاني والبدل هو المبدل أو بعضه فلم تتبعض المغايرة وعلى هذا التعليل لو قال أنت طالق طلقة نصف طلقة أو طلقة طلقة لم تطلق إلا طلقة وكذلك ان قال نصفا وثلثا وسدسا لم يقع إلا طلقة لان هذه أجزاء للطلقة إلا ان يريد من كل طلقة جزءا فتطلق ثلاثا ولو قال أنت طالق نصفا وثلثا وربعا طلقت طلقتين لانه يزيد على الطلقة نصف سدس طلقة ثم يكمل وان أراد من كل طلقة جزءا طلقت ثلاثا وان قال انت طلقة وأنت نصف طلقة أو أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو أنت نصف طالق وقع بها طلقة بناء على قولنا في قوله أنت الطلاق إنه صريح في الطلاق وههنا مثله * (مسألة) * (وان قال نصف طلقة وثلث طلقة طلقت ثلاثا) ذكره اصحابنا لانه عطف جزءا من طلقة على جزء من طلقة وظاهره أنها طلقات متغايرة ولانه لو كانت الثانية هي الاولى لجاء بها بلام التعريف فقال ثلث الطلقة وسدس الطلقة فان أهل العربية قالوا إذا ذكر لفظ ثم أعيد منكرا فالثاني غير الاول وان أعيد معرفا بالالف واللام فالثاني هو الاول
لاعادته معرفا وليس الثاني غير الاول لاعادته منكرا ولهذا قيل لن يغلب عسر يسيرين وقيل لو
أراد بالثانية الاولى لذكرها بالضمير لانه أولى * (مسألة) * (وإذا قال لاربع نسوة أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة) إذا قال أوقعت بينكن طلقة وقع بكل واحدة منهن طلقة كذلك قال الحسن والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي لان اللفظ اقتضى قسمها بينهن لكل واحدة ربعها ثم يكمل وان قال بينكن طلقة فكذلك نص عليه احمد لان معناه أوقعت بينكن طلقة وان قال أوقعت بينكن طلقتين فكذلك ذكره ابو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وقال أبو بكر والقاضي يقع بكل واحدة طلقتان وعن أحمد ما يدل عليه فانه روي عنه في رجل قال أوقعت بينكن ثلاث تطليقات ما أرى إلا قد بن منه ووجه ذلك انا إذا قسمنا كل طلقة بينهن حصل لكل واحدة جزء من طلقتين ثم يكمل والاول أولى لانه لو قال أنت طالق نصف طلقتين طلقت واحدة ويكمل نصيبها من الطلاق في واحدة فيكون لكل واحدة نصف ثم يكمل طلقة واحدة وانما يقسم بالاجزاء مع الاختلاف كالدور ونحوها من المختلفات أما الجمل المتساوية من جنس كالنقود فانما تقسم برؤوسها ويكمل نصيب كل واحد من واحد كاربعة لهم درهمان صحيحان فانه يجعل لكل واحد نصف من درهم واحد والطلقات لا خلاف فيها ولان فيما ذكرناه أخذا باليقين فكان أولى من إيقاع طلقة زائدة بالشك فاما ان أراد قسمة كل طلقة بينهن فهو على
ما قال أبو بكر وان قال أوقعت بينكن ثلاثا أو أربعا فعلى قولنا يقع بكل واحدة طلقة وعلى قولهما يطلقن ثلاثا ثلاثا * (مسألة) * (وان قال أوقعت بينكن خمسا وقع بكل واحدة طلقتان) وبه قال الحسن وقتادة والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لان نصيب كل واحدة تطليقة وربع ثم يكمل وكذلك ان قال ستا أو سبعا أو ثمانيا وان قال أوقعت بينكن تسعا وقع بكل واحدة ثلاث على القولين جميعا (فصل) فان قال اوقعت بينكن طلقة وطلقة وطلقة وقع بكل واحدة منهن ثلاث لانه لما عطف وجب قسم كل طلقة على حدتها ويستوي في ذلك المدخول بها وغيرها في قياس المذهب لان الواو لا تقتضي ترتيبا وقيل يقع بها واحدة على الاولى خاصة كما إذا قال أوقعت بينكن ثلاثا ذكره صاحب المجرد
وان قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة فكذلك لان هذا يقتضي وقوع ثلاث على ما قدمنا وان قال أوقعت بينكن طلقة فطلقة فطلقة أو طلقتها طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة واوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا إلا التي لم يدخل بها فانها لا تطلق إلا واحدة لانها بانت بالاولى فلم يلحقها ما بعدها (فصل) فان قال لنسائه أنتن طالق ثلاثا أو طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا نص عليه أحمد لان قوله طلقتكن يقتضي تطليق كل واحدة منهن وتعميمهن به ثم وصف ما عمهن به من الطلاق بأنه ثلاث فصار
لكل واحدة ثلاث بخلاف قوله أوقعت بينكن ثلاثا فانه يقتضي قسمة الثلاث عليهن لكل واحدة منهن جزءا منها وجزء الواحدة من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة (فصل) إذا قال نصفك أو جزء منك أو أصبعك أو دمك طالق طلقت، متى طلق جزءا من المرأة من أجزائها النابته طلقت كلها سواء كان شائعا كنصفها أو سدسها أو جزءا من ألف جزء منها أو جزءا معينا كيدها أو رأسها أو أصبعها، وهذا قول الحسن ومذهب الشافعي وأبي ثور وابن القاسم من أصحاب مالك وقال أصحاب الرأي ان أضافه إلى جزء شائع أو واحد من أعضاء خمسة: الرأس والوجه والرقبة والظهر والفرج طلقت وان أضافه إلى جزء معين غير هذه الخمسة لم تطلق لانه جزء تبقى الجملة بدونه أو جزء لا يعبر به عن الجملة فلم تطلق المرأة لاضافة الطلاق إليه كالسن والظفر ولنا أنه أضاف الطلاق إلى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع والاعضاء الخمسة ولانها جملة لا تتبعض في الحل والحرمة وجد فيها ما يقتضي التحريم والاباحة فغلب فيها حكم التحريم كما لو اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد، وفارق ما قاسوا عليه فانه ليس يبقى فان الشعر والظفر يزولان ويخرج غيرهما ولا تنقض منها الطهارة
* (مسألة) * (وان قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق) وبهذا قال أصحاب الرأي ويحتمل أن تطلق ذكره صاحب المحرر وقال مالك والشافعي تطلق بذلك ونحوه عن الحسن لانه جزء يستباح بنكاحها فتطلق بطلاقه كالاصبع
ولنا أنه جزء ينفصل عنها في حال السلامة، وفارق الاصبع فانها لا تنفصل في حال السلامة والسن تزول من الصغير ويخلق غيرها وتنقلع من الكبير بخلاف الاصبع فلم تطلق بطلاقه كالحمل والريق ولان الشعر لا روح فيه ولا ينقض الوضوء مس فأشبه العرق واللبن * (مسألة) * (وان أضافه إلى الريق والحمل والدمع والعرق لم تطلق) لا نعلم فيه خلافا لان هذه ليست من جسمها فان الريق والدمع والعرق فضلات والحمل وان كان متصلا بها الا ان مآله إلى الانفصال فلذلك لم تطلق به وهو مودع فيها.
قال الله تعالى (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) في بطن الام * (مسألة) * (وان قال روحك طالق طلقت) لان الحياة لا تبقى بدون روحها كالدم، وقال أبو بكر لا يختلف قول أحمد في الطلاق والعتاق والظهار والحرام ان هذه الاشياء لا تقع إذا ذكر أربعة أشياء: الشعر والسن والظفر والروح.
جرد لقول عنه مهنأ بن يحيى والفضل بن زياد القطان فبذلك أقول ووجهه أن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به
(فصل) فيما يخالف المدخول بها غيرها * (مسألة) * (إذا قال للمدخول بها أنت طالق أنت طالق طلقت طلقتين الا أن ينوي بالثانية التأكيد أو افهامها) إذا قال لامرأته المدخول بها أنت طالق مرتين ونوى بالثانية إيقاع طلقة ثانية وقعت بها طلقتان بلا خلاف وان نوى بها افهامها أن الاولى قد وقعت بها أو التأكيد لم تطلق الا واحدة، وان لم تكن له نية وقعت طلقتان، وبه قال أبو حنيفة ومالك وهو الصحيح من قولي الشافعي وقال في الآخر تطلق واحدة لان التكرار يكون للتأكيد والافهام ويحتمل الايقاع فلا نوقع طلقة بالشك ولنا أن هذا اللفظ للايقاع ويقتضي الوقوع بدليل ما لو يتقدمه مثله وإنما ينصرف عن ذلك بنية التأكيد والافهام فإذا لم يوجد ذلك وقع مقتضاه كما يجب العمل بالعموم في العام إذا لم يوجد المخصص وبالاطلاق في المطلق إذا لم يوجد المقيد، فأما غير المدخول بها فلا تطلق الا واحدة سواء نوى الايقاع
أو غيره وسواء قال ذلك منفصلا أو متصلا وهذا قول عكرمة والنخعي وحماد بن أبي سليمان والحكم والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي عبيد وابن المنذر وذكره الحاكم عن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وقال مالك والاوزاعي والليث يقع بها طلقتان وان قال ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا إذا كان متصلا لانه طلق ثلاثا بكلام متصل أشبه قوله أنت طالق ثلاثا
ولنا أنه طلاق مفرق في غير المدخول بها فلم يقع الا الاولى كما لو فرق كلامه ولان غير المدخول بها تبين بطلقة لانه لا عدة عليها فتصادفها الطلقة الثانية بائنا فلا يقع الطلاق بها لانها غير زوجة ولانه قول من سمينا من الصحابة ولا نعلم لهم مخالفا في عصرهم فيكون اجماعا (فصل) فأما إن قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول بها طلقت ثانية ولم يقبل قوله نويت التوكيد لان التوكيد تابع للكلام فشرطه أن يكون متصلا به كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق فطالق أو ثم طالق أو طالق بل طلقتين أو بل طلقة أو طالق طلقة بعدها أو قبل طلقة طلقت طلقتين إن كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها بانت بالاولى ولم يلزمها ما بعدها وعنه فيما إذا قال أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق أنه لا يقع بالمدخول بها الا طلقة بناء على ما إذا قال له علي درهم بل درهم ذكره في المحرر) كل طلاق مرتب في الوقوع يأتي بعضه بعد بعض لا يقع بغير المدخول بها منه أكثر من واحدة لما ذكرنا ويقع بالمدخول بها ثلاث إذا أوقعها كقوله أنت طالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق وأنت طالق أو فطالق وأشباه ذلك لان هذه حروف تقتضي الترتيب فتقع بها الاولى فتبينا فتأتي الثانية فتصادفها بائنا غير زوجة فلا تقع بها
فأما المدخول بها فتأتي الثانية فتصادفها محل النكاح فتقع وكذلك الثالثة وكذلك لو قال أنت طالق بل طالق وطالق ذكره أبو الخطاب، وان قال أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعد طلقة أو بعدها طلقة أو
طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة وقع بغير المدخول بها طلقة وبالمدخول بها اثنتان لما ذكرنا من أن هذا يقتضي طلقة بعد طلقة * (مسألة) * (وان قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة فكذلك عند القاضي) وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم لا يقع بغير المدخول بها شئ بناء على قولهم في السريجية وقال أبو بكر وأبو الخطاب يقع اثنتان وهو قول أبي حنيفة لانه استكمال وقوع الطلقة الاخرى قبل الطلقة الموقعة فوقعت معها لانها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد ايقاعها فيه لكونه زمانا ماضيا وجب ايقاعها في أقرب الازمنة وهو معها ولا يلزم تأخرها إلى ما بعدها لان قبله زمنا يمكن الوقوع فيه وهو زمن قريب فلا يؤخر إلى البعيد ولنا أن هذا طلاق بعضه قبل بعض فلم يقع بغير المدخول بها جميعه كما لو قال طلقه بعد طلقة أو قال أنت طالق طلقة غدا وطلقة اليوم ولو قال جاء زيد بعد عمرو أو جاء زيد وقبله عمرو أو أعط زيدا بعد عمرو كان كلامه صحيحا يفيد تأخر المتقدم لفظا عن المذكور بعده.
وليس هذا طلاقا في زمن ماض وانما يقع ايقاعه في المستقبل على الوجه الذي رتبه، ولو قدر أن احداهما موقعة في زمن ماض
لامتنع وقوعها ووقعت الاخرى وهذا تعليل القاضي لكونه لا يقع الا واحدة.
قال شيخنا والاول من التعليلين أصح إن شاء الله تعالى * (مسألة) * (وان قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين) إذا قال أنت طلق طلقة معها طلقة وقع بها طلقتان سواء في ذلك المدخول بها أو غيرها وان قال معها اثنتان وقع بها ثلاث في قياس المذهب وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي وقال أبو يوسف تقع واحدة لان الطلقة إذا وقعت مفردة لم يكن أن يكون معها شئ ولنا أنه أوقع ثلاث طلقات بلفظ يقتضي وقوعهن معا فوقعن كلهن كما لو قال أنت طالق ثلاثا ولا نسلم أن الطلقة تقع مفردة فان الطلاق لا يقع بمجرد اللفظ به إذ لو وقع بذلك لما صح تعليقه بشرط ولا صح وصفه بالثلاث ولا بغيرها
(فصل) إذا قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق وقعت طلقتان، وان قال أنت طالق وطالق وطالق طلقت ثلاثا وبه قال مالك والاوزاعي والليث وربيعة وابن أبي ليلى وحكي عن الشافعي في القديم ما يدل عليه، وقال الثوري والشافعي لا يقع الا واحدة لانه أوقع الاولى قبل الثانية فلم يقع عليها شئ آخر كما لو فرقها وذكره ابن أبي موسى في الارشاد وجها في المذهب ولنا أن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها فيكون موقعا للثلاث جميعا فيقعن عليها كقوله انت طالق
ثلاثا أو طلقة معها طلقتان، ويفارق ما إذا فرقها فانه لا يقع جميعا وكذلك إذا عطف بعضها على بعض بحرف يقتضي الترتيب فان الاولى تقع قبل الثانية بمقتضى إيقاعه وههنا لا تقع الاولى حين نطقه بها حتى يتم كلامه بدليل أنه لو ألحقه استثناءا أو شرطا لحق به ولم يقع الاول مطلقا ولو كان يقع حين نطقه لم يلحقه شئ من ذلك، وإذا ثبت أنه يقف وقوعه على تمام الكلام فانه يقع عند تمام كلامه على الوجه الذي اقتضاه لفظه ولفظه يقتضي وقوع الطلقات الثلاث مجتمعات، فان قيل إنما أوقعنا أول الكلام على آخره مع الشرط والاستثناء لانه معبر له والعطف لا يعبر فلا يتوقف عليه، ويتبين أنه وقع أول ما لفظ به وكذلك لو قال لها أنت طالق أنت طالق لم يقع إلا واحدة، قلنا ما لم يتم الكلام فهو عرضة للتغيير اما بما يخصه بزمن أو يقيده بقيد كالشرط وإما بما يمنع بعضه كالاستثناء، واما بما يبين عدد الواقع كالصفة بالعدد واشباه هذا فيجب أن يكون واقعا ولو لا ذلك لما وقع بغير المدخول بها ثلاث بحال لانه لو قال لها أنت طالق ثلاثا فوقعت بها طلقة قبل قوله ثلاثا لم يكن أن يقع شي آخر وأما إذا قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق احداهما بالاخرى ولو تعقب احداهما شرط أو استثناء أو صفة لم يتناول الاخرى فلا وجه لوقوف إحداهما على الاخرى والمعطوف مع
المعطوف عليه شئ واحد لو تعقبه شرط لعاد إلى الجميع ولان المعطوف لا يستقل بنفسه ولا يفيد بمفرده بخلاف قوله أنت طالق فانها جملة مفيدة لا تعلق لها بالاخرى فلا يصح قياسها عليها (فصل) فان قال أنت طلق طلقتين ونصفا فهي عندنا كالتي قبلها تقع الثلاث وقال مخالفونا تقع طلقتان
(فصل) وإذا قال أنت طالق طلقة بعدها طلقة ثم قال أردت أن أوقع بعدها طلقة دين وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين.
وان قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقال أردت أني طلقتها قبل هذا في نكاح آخر أو أن زوجا قبلي طلقها دين، وهل يقبل في الحكم؟ فيه ثلاثة أوجه (أحدها) يقبل (والثانى) لا يقبل (والثالث) يقبل إن كان وجد، والصحيح أنه لا يقبل إذا لم يكن وجد لانه لا يحتمل ما قاله.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: