الفقه الحنبلي - زكاة الفطر - الزكاة

أو سائمة يحتاج إلى نمائها لذلك أو بضاعة يختل ربحها الذي يحتاج إليه باخراج الفطرة منها
فلا فطرة عليه لذلك لان هذا مما تتعلق به حاجته الاصلية فلم يلزمه بيعه كمؤنة نفسه يوم العيد ومن له كتب يحتاج إليها للنظر فيها والحفظ منها لا يلزمه بيعها، والمرأة إذا كان لها حلي للبس أو الكرى المحتاج إليه لم يلزمها بيعه في الفطرة وما فضل من ذلك كله عن حوائجه الاصلية وأمكن بيعه أو صرفه في الفطرة وجبت الفطرة به لانه أمكنه أداؤها من غير ضرر أصلي أشبه ما لو ملك من الطعام ما يؤديه فاضلا عن حاجته.
(فصل) وليس على السيد في مكاتبه زكاة الفطر، وهذا قول أبي سلمة بن عبد لرحمن والثوري والشافعي في أشهر قوليه وأصحاب الرأي وقال عطاء ومالك وابن المنذر على السيد لانه عبد أشبه سائر العبيد ولنا قوله عليه السلام " ممن تمونون " وهذا لا يمونه ولانه لا تلزمه مؤنته أشبه الاجنبي وبهذا فارق سائر عبيده.
إذا ثبت هذا فان على المكاتب فطرة نفسه وفطرة من تلزمه نفقته كزوجته ورقيقه وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجب عليه قياسا على الثمن ولانها زكاة فلم تجب على المكاتب كزكاة المال ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الحر والعبد والذكر والانثى وهذا عبد لا يخلو من كونه ذكرا أو أنثى ولانه تلزمه مؤنة نفسه فلزمته الفطرة كالحر ويفارق زكاة المال لانه يعتبر لها الغنى والنصاب والحول ولا يحملها أحد عن غيره بخلاف الفطرة ولا يصح قياسه على القن لان مؤنة القن على سيده بخلاف المكاتب ويجب على المكاتب فطرة من يمونه لعموم قوله عليه السلام " عمن تمونون " * (مسألة) * (وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين)
احداهما لا يلزمه اختارها ابن عقيل لانها طهرة فلا تجب على من يعجز عن بعضها كالكفارة والثانية يلزمه إخراجه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بامر فاءتوا منه ما استطعتم " ولانها طهرة فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء ولان بعض الصاع يخرج بمن العبد المشترك فجاز أن يخرج عن غيره كالصاع * (مسألة) * (ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين).
إذا وجد ما يؤدي عنهم لحديث ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون (فصل) والذين يلزم الانسان فطرتهم ثلاثة أصناف الزوجات والعبيد والاقارب
فاما الزوجات فتلزمه فطرتهن في قول مالك والليث والشافعي وإسحق، وقال أبو حنيفة والثوري وابن المنذر لا تجب عليه وعلى المرأة فطرة نفسها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدقة الفطر على كل ذكر وأنثى " ولانها زكاة فوجبت عليها كزكاة مالها ولنا الخبر الذي رويناه ولان النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة كالملك والقرابة بخلاف زكاة المال فانها لا تتحمل بالملك والقرابة، فان كان لامرأته من يخدمها بأجره فليس على الزوج فطرته لان الواجب الاجر دون النفقة وإن كان لها نظرت، فان كانت ممن لا يجب لها خادم فليس عليه نفقة خادمها ولا فطرته وإن كانت ممن يخدم مثلها فعلى الزوج أن يخدمها ثم هو مخير بين أن يشتري لها خادما أو يكتري أو ينفق على خادمها فان اختار الانفاق على خادمها فعليه فطرته وإن استأجر لها خادما فليس عليه نفقته ولا فطرته سواء شرط عليه مؤنته أو لم يشترط لان المؤنة إذا كانت أجرة فهي من مال المستأجر وإن كانت تبرعا فهو كما لو تبرع بالانفاق أجنبي وسنذكره إن شاء الله تعالى (فصل) الثاني العبيد وتجب فطرتهم على السيد إذا كانوا لغير التجارة اجماعا وإن كانوا للتجارة فكذلك وهو قول مالك والليث والاوزاعي والشافعي وإسحق وابن المنذر.
وقال عطاء
والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لا تلزمه فطرتهم لانها زكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان وقد وجب فيهم زكاة التجارة فيمتنع وجوب الزكاة الاخرى كالسائمة إذا كانت للتجارة ولنا عموم الاحاديث وقول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الحر والعبد وفي حديث عمرو بن شعيب " ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر أو عبد صغير أو كبير " ولان نفقتهم واجبة اشبهوا عبيد القنية وزكاة الفطر تجب على البدن ولهذا تجب على الاحرار وزكاة التجارة تجب عن القيمة وهي المال بخلاف السوم والتجارة فأنهما يجبان بسبب مال واحد ومتى كان عبيد التجارة في يد المضارب وجبت فطرتهم من مال المضاربة لان مؤنتهم منها وحكى ابن المنذر عن الشافعي انها على رب المال ولنا أن الفطرة تابعة للنفقة وهي من المال فكذلك الفطرة
(فصل) وأما عبيد عبيده فان قلنا إن العبد لا يملكهم بالتمليك ففطرتهم على السيد لانهم ملكه وهذا ظاهر كلام الخرقي وقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وإن قلنا يملك بالتمليك فقد قيل لا تجب فطرتهم على أحد لان السيد لا يملكهم وملك العبد ناقص والصحيح وجوب فطرتهم على العبد لان نفقتهم واجبة عليه فكذلك فطرتهم وعدم تمام الملك لا يمنع وجوب الفطرة بدليل وجوبها على المكاتب عن نفسه وعبيده مع نقص ملكه (فصل) وأما زوجة العبد فذكر أصحابنا المتأخرون أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها ان كانت أمة قال شيخنا رحمه الله وقياس المذهب عندي وجوب فطرتها على سيد العبد لوجوب نفقتها عليه كما أنه يجب على الزوج نفقة خادم امرأته مع انه لا يملكها لوجوب نفقتها ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذه ممن يمون وهكذا لو زوج الابن أباه وكان ممن تجب عليه نفقته ونفقة امرأته فعليه فطرتهما
* (مسألة) * (فان لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالاقرب فالاقرب في الميراث) إذا لم يفضل عنده الا صاع أخرجه عن نفسه لقوله عليه السلام " أبدا بنفسك ثم بمن تعول " ولان الفطرة تبنى عليه النفقة فكما انه يدأ بنفسه في النفقة فكذلك في الفطرة فان فضل صاع أخرجه عن امرأته لان نفقتها آكد لانها تجب على سبيل المعاوضة مع اليسار والاعسار ونفقة الاقارب صلة إنما تجب مع اليسار فان فضل آخر أخرجه عن رقيقه لوجوب نفقتهم في الاعسار أيضا قال ابن عقيل ويحتمل تقديمهم على الزوجة لان فطرتهم متفق عليها وفطرتها مختلف فيها فان فضل آخر أخرجه عن ولده الصغير لان نفقته منصوص عليها ومجمع عليها وفي الوالد والولد الكبير وجهان أحدهما يقدم الولد لانه كبعضه أشبه الصغير والثاني الوالد لانه كبعض ولده ويقدم فطرة الام على فطرة الاب لان الام مقدمة في البر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للاعرابي حين قال من أبر؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أباك " ولانها ضعيفة عن
الكسب ويحتمل تقديم فطرة الاب وحكاه ابن أبي موسى رواية عن أحمد لقوله عليه السلام " أنت ومالك لابيك " ثم بالجد ثم بالاقرب على ترتيب الميراث ويحتمل تقديم فطرة الولد على فطرة المرأة لما روى أبو هريرة قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقام رجل فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على ولدك " قال عندي آخر قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر قال " أنت أبصر " فقدم الولد في الصدقة عليها فكذلك الصدقة عنه ولان الولد كبعضه فيقدم كتقديم نفسه ولانه إذا ضيع ولده لم يجد من ينفق عليه والزوجة إذا لم ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم ولان نفقة
الزوجة على سبيل المعاوضة فكانت أضعف في استتباع الفطرة من النفقة الواجبة على سبيل الصلة لان وجوب زيادة عليه يتصدق بها عنه ولذلك لم تجب فطرة الاجير المشروط نفقته بخلاف القرابة فانها كما اقتضت صلته بالانفاق عليه اقتضت صلته بتطهيره باخراج الفطرة عنه والله أعلم * (مسألة) * (ويستحب الاخراج عن الجنين ولا يجب) يستحب إخراج الفطرة عن الجنين لان عثمان رضي الله عنه كان يخرجها عنه ولانها صدقة عمن لا تجب عليه فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع وظاهر المذهب أن فطرة الجنين غير واجبة وهو قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر كل من نحفظ عنه من علماء الامصار لا يوجب على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى أنها تجب عليه لانه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الاخبار ويقاس على المولود ولنا انه جنين فلم تتعلق به الزكاة كأجنة البهائم ولانه لم تثبت له أحكام الدنيا إلا في الارث والوصية بشرط خروجه حيا فحكم هذا كسائر الاحكام * (مسألة) * (ومن تكفل بمؤنة شخص في شهر رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب والمنصوص انها تلزمه) وهذا قول أكثر الاصحاب وقد نص عليه أحمد في رواية أبي داود فيمن ضم إلى نفسه يتيمة يؤدي عنها لعموم قوله عليه السلام " أدوا صدقة الفطر عمن تمونون " وهذا ممن يمون ولانه شخص
يتفق عليه فلزمته فطرته كعبده واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته لانه لا تلزمه مؤنته فلم تلزمه فطرته كما لو لم يمنه وهذا قول أكثر أهل العلم وهو الصحيح إن شاء الله وكلام أحمد في هذا محمول على الاستحباب والحديث محمول على من تلزمه مؤنته لا على حقيقة المؤنة بدليل انه تلزمه فطرة الآبق ولم يمنه ولو ملك عبدا عند غروب الشمس أو تزوج أو ولد له ولد لزمته فطرتهم لوجوب مؤنتهم
عليه وإن لم يمنهم ولو باع عبده أو طلق امرأته أو ماتا أو مات ولده لم تلزمه فطرتهم وان مانهم ولان قوله " عمن تونون " فعل مضارع يقتضي الحال لو الاستقبال دون الماضي ومن مانه في رمضان إنما وجدت منه المؤنة في رمضان وإنما وجدت منه المؤنة في الماضي فلا يدخل في الخبر ولو دخل فيه لاقتضى بعمومه وجوب الفطرة على من مانه ليلة واحدة لانه ليس في الخبر ما يقتضي تقييده بالشهر ولا بغيره فالتقييد بمؤنة الشهر تحكم، فعلى هذا تكون فطرته على نفسه كما لو لم يمنه وعلى قول أصحابنا المعتبر الانفاق في جميع الشهر وقال ابن عقيل قياس مذهبنا انه إذا مانه آخر ليلة وجبت فطرته قياسا على من ملك عبدا عند غروب الشمس، فان مانه جماعة في الشهر كله أو مانه انسان في بعض الشهر فعلى تخريج ابن عقيل تكون فطرته على من مانه آخر ليلة وعلى قول غيره يحتمل أن لا تجب فطرته على أحد ممن مانه لانه سبب الوجب المؤنة في جميع الشهر ولم توجد ويحتمل أن تجب على الجميع فطرة واحدة بالحصص لانهم اشتركوا في سبب الوجوب أشبه ما لو اشتركوا في ملك عبد * (مسألة) * (وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر) فطرة العبد المشترك واجبة على مواليه وبه قال مالك ومحمد بن سلمة وعبد الملك والشافعي ومحمد بن الحسن وأبو ثور وقال الحسن وعكرمة والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف لا فطرة على واحد منهم لانه ليس عليه لاحد منهم ولاية تامة أشبه المكاتب ولنا عموم الاحاديث ولانه عبد مسلم مملوك لمن يقدر على الفطرة وهو من أهلها فلزمته كمملوك الواحد وفارق المكاتب فانه لا يلزم سيده مؤنته ولان المكاتب يخرج عن نفسه زكاة الفطر بخلاف القن والولاية غير معتبرة في وجوب الفطرة بدليل عبد الصبي، ثم إن ولايته للجميع فتكون فطرته
عليهم واختلفت الرواية في قدر الواجب على كل واحد منهم ففي احداهما على كل واحد صاع لانها طهرة فوجب تكميلها على كل واحد من الشركاء ككفارة القتل والثانية على الجميع صاع واحد على كل واحد بقدر ملكه فيه هذا الظاهر عن أحمد قال قوران رجع أحمد عن هذه المسألة وقال يعطي كل واحد منهم نصف صاع يعني رجع عن إيجاب صاع كامل على كل واحد وهذا قول سائر من أوجب فطرته على سادته لان النبي صلى الله عليه وسلم أوجب صاعا عن كل واحد وهذا عام في المشترك وغيره ولان نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته التابعة لها ولانه شخص واحد فلم يجب عنه أكثر من صاع كسائر الناس ولانها طهرة فوجبت على سادته بالحصص كماء الغسل من الجنابة إذا احتيج إليه وبهذا ينتقض ما ذكرناه للرواية الاولى (فصل) (ومن بعضه حر ففطرته عليه وعلى سيده وبه قال الشافعي وأبو ثور وقال مالك على الحر بحصته وليس على العبد شئ) ولنا انه مسلم تلزم مؤنته شخصين من أهل الفطرة فكانت فطرته عليهما كالمشترك وهل يلزم كل واحد منهما صاع أو بالحصص ينبني على ما ذكرنا في العبد المشترك فان كان أحدهما معسرا فلا شئ عليه وعلى الاحرار القدر الواجب عليه فان كان بين السيد والعبد مهايأة أو كان المشتركون في العبد قدتها يؤوا عليه لم تدخل الفطرة في المهايأة لان المهايأة معاوضة كسب بكسب والفطرة حق لله تعالى فلم تدخل في ذلك كالصلاة) ولو ألحقت القافة ولدا برجلين أو أكثر فالحكم في فطرته كالحكم في العبد المشترك وكذلك المعسر القريب لاثنين أو لجماعة نفقته عليهم وفطرته عليهم حكمها حكم فطرة العبد المشترك على ما ذكر فيه * (مسألة) * (وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن كانت امة فطرتها ويحتمل أن لا تجب) إذا أعسر بفطرة زوجته فعليها فطرة نفسها أو على سيدها إن كانتت مملوكة لانها تتحمل إذا
كان ثم متحمل فإذا لم يكن عاد إليها كالنفقة ويحتمل أن لا يجب عليها شئ لانها لم نجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيره كفطرة نفسه ويفارق النفقة فان وجوبها آكد لانها مما لابد
منه وتجب على المعسر والعاجز وبرجع عليه بها عند يساره والفطرة بخلافها * (مسألة) * (ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته الا أن يشك في حياته فتسقط) تجب فطرة العبد الحاضر والغائب الذي تعلم حياته والآبق والمرهون والمغصوب قال ابن المنذر اجمع عوام أهل العلم على أن على المرء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر غير المكاتب والمغصوب والآبق والغائب تجب فطرته إذا علم أنه حي سواء رجا رجعته أو أيس منها، وسواء كان مطلقا أو محبوسا كالاسير وغيره قال ابن المنذر: أكثر أهل العلم يرون أن تؤدى زكاة الفطر عن الرقيق غائبهم وحاضرهم لانه مالك لهم فوجبت فطرتهم عليه كالحاضرين، وممن أوجب فطرة الآبق الشافعي وأبو ثور وابن المنذر والزهري إذا علم مكانه، والاوزاعي إن كان في دار الاسلام، ومالك إن كانت غيبته قريبة، ولم يوجبها عطاء والثوري وأصحاب الرأي لانه لا يلزمه الانفاق عليه فلا تجب فطرته كالمرأة الناشز ولنا أنه ماله فوجبت زكاته في حال غيبته كمال التجارة، ويحتمل أن لا يلزمه اخراج زكاته حتى يرجع كزكاة الدين والمغصوب ذكره ابن عقيل، ووجه القول الاول أن زكاة الفطر تجب تابعة للنفقة والنفقة تجب مع الغيبة بدليل أن من رد الآبق رجع بنفقته، فأما من شك في حياته وانقطعت أخباره لم تجب فطرته.
نص عليه في رواية صالح لانه لا يعلم بقاء ملكه عليه، ولانه لو أعتقه عن كفارته لم يجزئه فلم تجب فطرته كالميت * (مسألة) * (وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى) لانه بان له وجود سبب الوجوب في الزمن الماضي فوجب عليه الاخراج لما مضى كما لو سمع بهلاك
ماله الغائب، ثم بان له أنه كان سليما والحكم في القريب الغائب كالحكم في العبيد لانهم ممن تجب فطرتهم مع الحضور فكذلك مع الغيبة كالعبيد، ويحتمل أن لا تجب فطرتهم مع الغيبة لانه لا يلزمه بعث نفقتهم إليهم ولا يرجعون بالنفقة الماضية * (مسألة) * (ولا يلزم الزوج فطرة الناشز وقال أبو الخطاب تلزمه) إذا نشزت المرأة في وقت وجوب الفطرة ففطرتها على نفسها دون زوجها لان نفقتها لا تلزمه،
واختار أبو الخطاب أن عليه فطرتها لان الزوجية ثابتة عليها فلزمته فطرتها كالمريضة التي لا تحتاج إلى نفقة والاول أصح لان هذه ممن لا تلزمه مؤنته فلا تلزمه فطرته كالاجنبية، وفارق المريضة لان عدم الانفاق عليها لعدم الحاجة لا لخلل في المقتضي لها فلا يمنع ذلك من ثبوت تبعها بخلاف الناشز وكذلك كل امرأة لا تلزمه نفقتها كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه، والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها فانه لا تلزمه نفقتها ولا فطرتها لانها ليست ممن يمون * (مسألة) * (ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير اذنه فهل يجزئه على وجهين) من وجبت نفقته على غيره كالمرأة والنسيب الفقير إذا أخرج عن نفسه باذن من تجب عليه صح بغير خلاف نعلمه لانه نائب عنه، وإن أخرج بغير اذنه ففيه وجهان (أحدهما) يجزئه لانه أخرج فطرة نفسه فأجزأه كالتي وجبت عليه (والثاني) لا يجزئه لانه أدى ما وجب على غيره بغير اذنه فلم يصح كالمؤدي عن غيره * (مسألة) * (ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالبا به) انما لم يمنع الدين الفطرة لانها آكد بدليل وجوبها على الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على اخراجها ووجوب تحملها عمن وجبت نفقته على غيره ولا تتعلق بقدر من المال فجرى مجرى النفقة، ولان زكاة
المال تجب بالملك والدين يؤثر في الملك فأثر فيها، وهذه تجب على البدن والدين لا يؤثر فيه.
فأما عند المطالبة بالدين فتسقط الفطرة لوجوب ادائه عندها وتأكده بكونه حق آدمي معين لا يسقط بالاعسار وكونه أسبق سببا وأقدم وجوبا يأثم بتأخيره (فصل) وإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل ادائها أخرجت من ماله، فان كان عليه دين وله مال يفي بهما قضيا جميعا، وإن لم يف بهما قسم بين الدين والصدقة بالحصص نص عليه احمد في زكاة المال أن التركة تقسم بينهما فكذا ههنا، فان كان عليه زكاة مال وصدقة الفطر ودين فزكاة الفطر والمال كالشئ الواحد لاتحاد مصرفهما فيحاصان الدين، وأصل هذا أن حق الله تعالى وحق الآدمي إذا تعلقا بمحل واحد فكانا في الذمة أو كانا في العين تساويا في الاستيفاء
(فصل) وإذا مات المفلس وله عبيد فهل شوال قبل قسمتهم بين الغرماء ففطرتهم على الورثة لان الدين لا يمنع نقل التركة، بل غايته أن يكون رهنا بالدين وفطرة الرهن على مالكه (فصل) ولو مات عبيده أو من يمونه بعد وجوب الفطرة لم تسقط لانها دين ثبت في ذمته بسبب عبده فلم يسقط بموته كما لو استدان العبد باذنه دينا وجب في ذمته، ولان زكاة المال لا تسقط بفطرته فالفطرة أولى، فان زكاة المال تتعلق بالعين في احدى الروايتين وزكاة الفطر بخلافه * (مسألة) * (وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر، فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبدا أو زوجة أو ولد لم تلزمه فطرته، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت) ولو كان حين الوجوب معسرا ثم أيسر في ليله تلك أو في يومه لم يجب عليه شئ، ولو كان وقت الوجوب موسرا ثم أعسر لم تسقط عنه اعتبارا بحالة الوجوب ومن مات ليلة الفطر بعد غروب الشمس فعليه صدقة الفطر نص عليه احمد، وبهذا قال الثوري وإسحق ومالك في احدى الروايتين
عنه، والشافعي في أحد قوليه.
وقال الليث وأبو ثور وأصحاب الرأي: تجب بطلوع الفجر يوم العيد وهي رواية عن مالك لانها قربة تتعلق بالعيد فلم يتقدم وقتها يوم العيد كالاضحية ولنا قول ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو، ولانها تضاف إلى الفطر فكانت واجبة به كزكاة المال، وذلك لان الاضافة دليل الاختصاص والسبب أخص بحكمه من غيره، والاضحية لا تتعلق بطلوع الفجر ولا هي واجبة، ولا تشبه ما نحن فيه، فعلى هذا إذا غربت والعبد المبيع في مدة الخيار، أو وهب له عبد فقبله ولم يقبضه أو اشتراه ولم يقبضه فالفطرة على المشتري والمتهب لان الملك له والفطرة على المالك، ولو أوصي له بعبد أو مات الموصي قبل غروب الشمس فلم يقبل الموصى له حتى غربت فالفطرة عليه في أحد الوجهين، والآخر على ورثة الموصي بناء على الوجهين في الموصى به هل ينتقل بالموت أو من حين القبول، ولو مات الموصى له قبل الرد والقبول فقبل ورثته وقلنا بصحة قبولهم فهل تكون فطرته على ورثة الموصي أو في تركة الموصى له؟ على وجهين.
وقال القاضي فطرته في تركة الموصى له لانا حكمنا بانتقال الملك من حين موت الموصى له، فان كان موته بعد هلال
شوال ففطرة العبد في تركته لان الورثة انما قبلوه له، وإن كا موته قبل هلال شوال ففطرته على الورثة، ولو أوصى لرجل برقبة عبد ولآخر بنفعه فقبلا كانت الفطرة على مالك الرقبة لان الفطرة تجب بالرقبة لا بالمنفعة، ولهذا تجب على من لا نفع فيه، ويحتمل أن تكون تبعا لنفقته وفيها ثلاثة أوجه (أحدها) أنها على مالك نفعه (والثاني) أنها على مالك رقبته (والثالث) في كسبه * (مسألة) * (ويجوز اخراجها قبل العيد بيومين) ولا يجوز قبل ذلك.
قال ابن عمر: كانوا يعطونها قبل الفطر بيوم أو يومين.
وقال بعض أصحابنا
يجوز تعجيلها بعد نصف الشهر كما يجوز تعجيل أذان الفجر والدفع من مزدلفة بعد نصف الليل.
وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول لانها زكاة أشبهت زكاة المال.
وقال الشافعي: يجوز من أول شهر رمضان لان سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد مالك النصاب ولنا ما روى الجوزجاني ثنا يزيد بن هارون أنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به فيقسم.
قال يزيد: أظن قال يوم الفطر ويقول " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " والامر للوجوب، ومتى قدمها بالزمن الكثير لم يحصل اغناؤهم بها يوم العيد، وسبب وجوبها الفطر بدليل اضافتها إليه وزكاة المال سببها ملك النصاب، والمقصود اغناء الفقير بها في الحول كله فجاز اخراجها في جميعه، وهذا المقصود منها الاغناء في وقت مخصوص فلم يجز تقديمها قبل الوقت، أما تقديمها بيوم أو يومين فجائز لما روى البخاري باسناده عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان - وقال في آخره - وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين، وهذا اشارة إلى جميعهم فيكون اجماعا، ولان تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها، فان الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطواف والطلب فيه، ولانها زكاة فجاز تعجيلها قبل وجوبها كزكاة المال * (مسألة) * (والافضل اخراجها يوم العيد قبل الصلاة) لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة في حديث ابن عمر، وقال في
حديث ابن عباس " من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " فان أخرها عن الصلاة ترك الافضل لما ذكرنا من السنة، ولان المقصود منها الاغناء عن الطواف والطلب في هذا اليوم فمتى أخرها لم يحصل اغناؤهم في جميعه، ومال إلى هذا القول عطاء
ومالك وموسى بن وردان وأصحاب الرأي.
وقال القاضي: إذا أخرجها في بقية اليوم لم يكره، وقد ذكرنا من الخبر والمعنى ما يقتضي الكراهة * (مسألة) * (ويجوز في سائر اليوم لحصول الاغناء في اليوم إلا أنه يكون قد ترك الافضل على ما ذكرنا) فان أخرها عنه أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لانه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين، وحكى عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد، وحكاه ابن المنذر عن احمد، وروى محمد بن يحيى الكحال قال: قلت لابي عبد الله: فان أخرج الزكاة ولم يعطها؟ قال نعم إذا أعدها لقوم واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى (فصل) قال الشيخ رحمه الله: والواجب في الفطرة صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الاقط في احدى الروايتين الكلام في هذه المسألة في أمور ثلاثة (أحدها) أن الواجب في صدقة الفطر صاع عن كل انسان من جميع أجناس المخرج، وبه قال مالك والشافعي وإسحق، وروي عن أبي سعيد الخدري والحسن وأبي العالية.
وروي عن ابن الزبير ومعاوية أنه يجزئ نصف صاع من البر خاصة وهو مذهب سعيد ابن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وأبي سلمة وسعيد بن جبير وأصحاب الرأي، واختلفت الرواية عن علي وابن عباس والشعبي فروي صاع وروي نصف صاع، وعن أبي حنيفة في الزبيب روايتان: احداهما صاع والاخرى نصف صاع، واحتجوا بما روى ثعلبة ابن أبي صعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صاع من بر أو قمح على كل اثنين " رواه أبو داود وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح أو سواه صاعا من
طعام.
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب
ولنا ما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة فتكلم فكان فيما كلم الناس: اني لارى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر.
فأخذ الناس بذلك.
قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فعدل الناس إلى نصف صاع من بر.
متفق عليهما.
ولانه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان صاعا كسائر الاجناس فأما أحاديثهم فال تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قاله ابن المنذر، وحديث ثعلبة ينفرد به النعمان بن راشد قال البخاري وهو يهم كثيرا.
وقال مهنا.
ذكرت لاحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر، فقال ليس بصحيح انما هو مرسل يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلا قلت من قبل من هذا؟ قال من قبل النعمان بن أبي راشد ليس هو بقوي في الحديث، وسألته عن ابن أبي صعير أمعروف هو؟ قال من يعرف ابن أبي صعير؟ ليس هو معروف وضعفه احمد وابن المديني جميعا.
وقال ابن عبد البر: ليس دون الزهري من تقوم به حجة، وقد روى أبو إسحاق الجوزجاني حديث ثعلبة باسناده عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح - أو قال بر - عن كل انسان صغير أو كبير " وهذا حجة لنا واسناده حسن، قال الجوزجاني والنصف صاع ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته ليس تثبت، ولان ما ذكرناه أحوط مع موافقته القياس (فصل) والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وقد دللنا عليه فيما مضى وذكرنا الاختلاف فيه والاصل فيه الكيل وانما قدره العلماء بالوزن ليحفظ وينقل وقد روى جماعة عن أحمد انه قال الصاع وزنته وقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلثا حنطة، وروي عنه تقديره بالعدس أيضا وإذا كان الصاع خمسة أرطال وثلثا من الحنطة والعدس وهما من اثقل الحبوب فمتى أخرج من غيرهما خمسة أرطال وثلثا
فهي أكثر من صاع وقال محمد بن الحسن ان أخرج خمسة أرطال وثلثا برا لم يجزئه لان البر يختلف فيكون ثقيلا وخفيفا وقال الطحاوي يخرج ثمانية أرطال مما يستوي كيله ووزنه وهو الزبيب والماش ومقتضى كلامه انه إذا أخرج ثمانية أرطال مما هو أثقل منهما لم يجزئه حتى يزيد شيئا يعلم انه قد بلغ صاعا قال شيخنا والاولى لمن أخرج من الثقيل بالوزن أن يحتاط فيزيد شيئا يعلم به انه قد بلغ صاعا وقدر الصاع بالرطل الدمشقي رطل وسبع وقدره بالدراهم ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم ويجزى إخراج مد بالدمشقي من سائر الاجناس لانه أكثر من صاع يقينا والله أعلم.
(الامر الثاني) انه لا يجوز العدول عن هذه الاجناس المذكورة مع القدرة عليها سواء كان المعدول إليه قوت بلده أو لم يكن وقال أبو بكر يتوجه قول آخر انه يعطى ما قام مقام الخمسة على ظاهر الحديث صاعا من طعام والطعام قد يكون البر والشعير وما دخل في الكيل قال وكلا القولين محتمل وأقيسهما لا يجوز غير الخمسة إلا أن يعدمها فيعطي ما قام مقامها وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان الاغلب على الرجل أدى زكاة الفطر منه واختلف أصحابه فمنهم من قال كقول مالك ومنهم من قال الاعتبار بغالب قوت المخرج ثم إن عدل عن الواجب إلى أعلى منه جاز وان عدل إلى دونه جاز في أحد القولين لقوله عليه السلام " اغنوهم عن الطلب " والغنى يحصل بالقوت والثاني لا يجوز لانه عدل عن الواجب إلى أدنى منه فلم يجزئه كما لو عدل عن الواجب في زكاة المال إلى أدنى منه ولنا قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير.
متفق عليه.
وروى أبو سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب، متفق عليه، وفي لفظ لمسلم كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير أو كبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب.
فقصروها على أجناس معدودة فلم يجز العدول عنها كما لو أخرج القيمة وكما لو أخرج عن زكاة المال من غير جنسه والاغناء يحصل بالاخراج من المنصوص عليه فلا منافاة بين الخبرين
لكونهما جميعا يدلان على وجوب الاغناء بأحد الاجناس المفروضة.
والسلت نوع من الشعير فيجوز اخراجه لدخوله في المنصوص عليه وقد صرح بذكره في بعض ألفاظ حديث ابن عمر قال كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب رواه أبو داود (الامر الثالث) انه يجوز اخراج أحد الاصناف المذكورة أيها شاء وإن لم يكن قوتا له وقال مالك يخرج من غالب قوت البلد وقال الشافعي أي قوت كان أغلب على الرجل أخرج منه ولنا أن خبر الصدقة ورد بحرف " أو " هي للتخيير بين هذه الاصناف فوجب التخيير فيه ولانه عدل إلى منصوص عليه فجاز كما لو عدل إلى الاعلا ولانه خير بين الزبيب والتمر والاقط ولم يكن الزبيب والاقط قوتا لاهل المدينة فدل على انه لا يعتبر أن يكون قوتا للمخرج (فصل) ويجوز إخراج الدقيق نص عليه أحمد وكذلك السويق قال أحمد قد روي عن ابن سيرين دقيق أو سويق وقال مالك والشافعي لا يجوز اخراجهما لحديث ابن عمر ولان منافعه نقصت فهو كالخبز ولنا حديث أبي سعيد وفي بعض ألفاظه أو صاعا من دقيق رواه النسائي ثم شك سفيان بعد فقال دقيق أو سلت ولان الدقيق والسويق أجزاء الحب بحتا يمكن كيله وادخاره فجاز إخراجه كالحب وذلك لان الطحن انما فرق أجزاءه وكفى الفقير مؤنته فأشبه ما لو نزع نوى التمر ثم أخرجة ويفارق الخبز فانه قد خرج عن حال الادخار والكيل والمأمور به صاع وهو مكيل وحديث ابن عمر لم يقتض ما ذكروه ولم يعملوا به (فصل) وفي جواز إخراج الاقط إذا قدر على غيره من الاجناس المذكورة روايتان أحدهما يجزئه لحديث أبي سعيد المذكور والثانية لا يجزئه لانه جنس لا تجب الزكاة فيه فلم يجز اخراجه مع القدرة على غيره من الاصناف المنصوص عليها كاللحم ويحمل الحديث علي من هو قوت له أو لم
يقدر على غيره وقال الخرقي ان أخرج اهل البادية الاقط اجزأ إذا كان قوتهم فظاهر انه يجوز اخراجه وان قدر على غيره إذا كان من اهل البادية وكان قوتا له وعلى قوله ينبغي ان يجزئ غير اهل
البادية إذا كان قوتهم ايضا لان الحديث لم يفرق وحديث ابي سعيد يدل عليه وهم من غير اهل البادية ولعله انما ذكر اهل البادية لان الغالب انه لا يقتاته غيرهم وقال أبو الخطاب في اخراج الاقط لمن قدر عليه غيره مطلقا روايتان وظاهر حديث ابي سعيد يدل على خلافه وذكر القاضي انا إذا قلنا يجواز اخراج الاقط وعدمه اخرج لبنا لانه اكمل من الاقط لكونه يجئ منه الاقط وغيره وحكاه ابو ثور عن الشافعي وقال الحسن ان لم يكن بر ولا شعير اخرج صاعا من لبن وما ذكره القاضي لا يصح فانه لو كان اكمل من الاقط لجاز اخراجه مع وجوده ولان الاقط اكمل من اللبن من وجه لانه بلغ حالة الادخار وهو جامد بخلاف اللبن لكن يكون حكم اللبن حكم اللحم يجزئ اخراجه عند عدم الاصناف المنصوص عليها على قول ابن حامد ومن وافقه وكذلك الجبن وما أشبهه * (مسألة) * ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد وعند ابن بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص لا يجوز اخراج غير الاجناس المذكورة مع القدرة عليها لان في بعض ألفاظ حديث أبي سعيد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمز أو صاعا من أقط رواه النسائي ولما ذكرنا الا أن يعدمها فيخرج مما يقتات عند ابن حامد كالذرة والدخن واللحم واللبن وسائر ما يقتات لان مبناها على المواساة وقال أبو بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص عند عدمه من كل مقتات من الحب والتمر كالذرة والدخن والارز والتين اليابس وأشباهه لانه أشبه بالمنصوص عليه فكان أولى من غيره وهذا ظاهر كلام الخرقي.
* (مسألة) * (ولا يخرج حبا معيبا ولا خبزا) لا يجوز أن يخرج حبا معيبا كالمسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه لقول الله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) فان كان القديم لم يتغير طعمه إلا أن الحديث أكثر قيمة جاز اخراجه لعدم العيب فيه والافضل الاجود قال أحمد كان ابن
سيرين يجب أن ينقى الطعام وهو أحب الي ليكون على الكمال ويسلم مما يخالطه من غيره فان كان المخالط له يأخذ حظا من المكيال وكان كثيرا بحيث يعد عيبا فيه لم يجزئه وإن لم يكثر جاز إخراجه إذا زاد على المخرج قدرا يزيد على ما فيه من غيره ليكون المخرج صاعا كاملا.
ولا يجوز اخراج الخبز
ولا الهريسة ولا الكبولا وأشباهها لانه خرج عن الكيل والادخار ولا الخل والدبس لانهما ليسا قوتا * (مسألة) * (ويجزئ اخراج صاع من أجناس) إذا كان من الاجناس المنصوص عليها لان كل واحد منهما يجزئ منفردا فاجزأ بعض من هذا وبعض من الآخر كفطرة العبد المشترك إذا أخرج كل واحد من جنس * (مسألة) * (وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده) وهذا قول مالك قال ابن المنذر واستحب مالك اخراج العجوة منه واختار الشافعي وأبو عبيد اخراج البر وقال بعض أصحاب الشافعي يحتمل أن الشافعي قال ذلك لان البر كان أغلا في زمنه لان المستحب أن يخرج أغلاها ثمنا وأنفسها لان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الرقاب فقال " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " وإنما اختار أحمد اخراج التمر اقتداء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي باسناده عن أبي مجلز قال قلت لابن عمر ان الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال إن أصحابي سلكوا طريقا وأحب أن أسلكه (1) وظاهر هذا أن جماعة الصحابة كانوا يخرجون التمر فأحب ابن عمر موافقتهم وسلوك طريقهم وأحب أحمد أيضا الاقتداء بهم واتباعهم وروى البخاري عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر فكان ابن عمر يخرج التمر فاعوز أهل المدينة من التمر فأعطى شعيرا ولان التمر فيه قوت وحلاوة وهو أقرب تناولا وأقل كلفة فكان أولى.
والافضل بعد التمر البر وقال بعض أصحابنا الزبيب لانه أقرب تناولا وأقل كلفة أشبه التمر ولنا أن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير ولذلك قال أبو مجلز لابن عمر البر
__________
(1) سبب ذلك الظاهر أنه كان غالب قوت أهل المدينة وفقراء مصر والشام إذا وجد عندهم التمر يوم العيد لا يغنيهم عن سؤال القوت لانه في عرفهم حلوى وعقبة طعام لا قوت وكذلك الزبيب
أفضل من التمر فلم ينكره بن عمر وانما عدل عنه اتباعا لاصحابه وسلوك طريقتهم ولهذا عدل نصف صاع منه بصاع من غيره وتفضيل التمر انما كان لاتباع الصحابة فيبقى فيما عداه على قضية الدليل ويحتمل
أن يكون الافضل بعد التمر ما كان أعلا قيمة وأكثر نفعا لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة) أما إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد فلا نعلم فيه خلافا إذا أعطى من كل صنف ثلاثة لانه دفع الصدقة إلى مستحقها وأما إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة فان الشافعي ومن وافقه أوجبوا تفريق الصدقة على ستة أصناف من كل صنف ثلاثة وقد روي مثل هذا عن أحمد وسنذكر ذلك فيما بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى وظاهر المذهب الجواز وبه قال مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر لانها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالتطوع (فصل) ومصرف صدقة الفطر مصرف سائر الزكوات لعموم قوله تعالى (انما الصدقات للفقراء) الآية ولانها زكاة أشبهت زكاة المال فلا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه وبهذا قال مالك والليث والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة يجوز وعن عمرو بن ميمون وعمرو بن شرحبيل ومرة الهمداني انهم كانوا يعطون منها الرهبان ولنا انها زكاة فلم يجز دفعها إلى غير المسلمين كزكاة المال، وزكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين اجماعا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على انه لا يجوز أن يعطي من زكاة المال احدا من أهل الذمة (فصل) فان دفعها إلى مستحقها فأخرجها آخذها إلى دافعها أو جمعت الصدقة عند الامام ففرقها على أهل السهمان فعادت إلى انسان صدقته فاختار القاضي جواز ذلك قال لان أحمد نص فيمن له نصاب من الماشية والزروع أن الصدقة تؤخذ منه وترد إليه إذا لم يكن له قدر كفايته وهو مذهب الشافعي لان قبض الامام أو المستحق ازال ملك المخرج وعادت إليه بسبب آخر أشبه ما لو عادت
إليه بميراث وقال أبو بكر مذهب أحمد انه لا يحل له اخذها لانها طهرة فلم يجز له أخذها كشراتها لان عمر رضي الله عنه اراد أن يشتري الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسترها ولا تعد في صدقتك فان العائد في صدقته كالعائد في قيئه " فان عادت إليه بالشراء ففيه من الخلاف مثل ما ذكرنا والمنصوص انه لا يجوز فان عادت إليه بالميراث فله اخذها لانها رجعت إليه بغير فعل منه والله اعلم.
باب اخراج الزكاة (لا يجوز تأخيره عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه أو نحو ذلك) الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه إذا لم يخش ضررا، وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة له التأخير ما لم يطالب لان الامر بأدائها مطلق فلا يتعين الزمن للاداء دون غيره كما لا يتعين المكان ولنا ان الامر المطلق يقتضي الفور على ما يذكر في موضعه، ولذلك يستحق مؤخر الامتثال العقاب بدليل ان الله تعالى أخرج ابليس وسخط عليه بامتناعه من السجود.
ولو أن رجلا أمر عبده ان يسقيه فأخر ذلك استحق العقوبة، ولان جواز التأخير ينافي الوجوب لكون الواجب ما يعاقب على تركه ولو جاز التأخير لجاز إلي غير غاية فتنتفي العقوبة بالترك.
ولو سلمنا ان مطلق الامر لا يقتضي الفور لاقتضاه في مسئلتنا إذ لو جاز التأخير ههنا لاخره بمقتضى طبعه ثقة منه بأنه لا يأتم بالتأخير فيسقط عنه بالموت أو بتلف ماله أو بعجزه عن الاداء فيتضرر الفقراء، ولان هنا قرينة تقتضي الفور وهو ان الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهي ناجزة فيجب أن يكون الوجوب ناجزا، ولانها
عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها كالصلاة والصوم، قال الاثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحول الحول على ماله فيؤخر عن وقت الزكاة فقال لا، ولم يؤخر إخراجه؟ وشدد في ذلك، قيل فابتدأ في إخراجها فجعل يخرج أولا فأولا فقال لا بل يخرجها كلها إذا حال الحول، فأما ان كان يتضرر بتعجيل الاخراج مثل أن يخشى ان أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى فله تأخيرها، نص عليه أحمد وكذلك ان خشي في اخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها فله تأخيرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " ولانه إذا جاز تأخير دين الآدمي فتأخير الزكاة أولى (فصل) فان أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة فان كان شيئا يسيرا فلا بأس وان كان كثيرا لم يجز.
قال أحمد: لا يجزئ على أقرابه من الزكاة في كل شهر يعني لا يؤخر اخراجها حتى يدفعها إليهم مفرقة في كل شهر شيئا، فأما إن عجلها فدفعها إليهم والى غيرهم
مفرقة أو مجموعة جاز لانه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك ان كانت عنده أموال أحوالها مختلفة مثل أن يكون عنده نصاب وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها لانه يمكنه جمعها بتعجيلها في أول واجب منها (فصل) فان أخرج الزكاة فضاعت قبل دفعها إلى الفقير لم تسقط عنه، وهذا قول الزهري وحماد والثوري وأبي عبيد والشافعي الا انه قال: ان لم يكن فرط في اخراج الزكاة وفي حفظ ذلك المخرج رجع إلى ماله فان كان فيما بقي زكاة أخرج والا فلا.
وقال أصحاب الرأي: يزكى ما بقي الا أن ينقص عن النصاب وان فرط.
وقال مالك: أراها تجزئه إذا أخرجها في محلها، وان أخرجها بعد ذلك ضمنها.
وقال مالك: يزكي ما بقي بقسطه وان بقي عشرة دراهم ولنا انه حق متعين على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقه فلم يبرأ منه بذلك كدين الادمي.
قال أحمد: ولو دفع إلى رجل زكاته خمسة دراهم فقبل أن يقبضها منه قال اشتر لي ثوبا بها
أو طعاما فذهبت الدراهم أو اشترى بها ما قال فضاع منه فعليه أن يعطي مكانها لانه لم يقبضها منه ولو قبضها ثم ردها إليه وقال: اشتر لي بها أو اشتر بها فضاعت أو ضاع ما اشتراه فلا ضمان عليه إذا لم يكن فرط، وانما قال ذلك لان الفقير لا يملكها الا بقبضه فإذا وكله في الشراء بها لم يصح التوكيل وبقيت على ملك رب المال فإذا تلفت كانت من ضمانه، ولو عزل قدر الزكاة ينوي انه زكاة فتلف فهو من ضمان رب المال ولا تسقط الزكاة عنه بذلك سواء قدر على دفعها أو لم يقدر وهي كالمسألة قبلها * (مسألة) (فان جحد وجوبها جهلا به عرف ذلك فان أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثا فان لم يتب قتل) من جحد وجوب الزكاة جهلا به وكان ممن يجهل ذلك اما لحداثة عهده بالاسلام أو لانه نشأ ببادية بعيدة عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لانه معذور، وان كان مسلما ناشئا ببلاد الاسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويسثتاب ثلاثا فان تاب والا قتل لان أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة واجماع الامة فلا تكاد تخفى على من هذا حاله فإذا جحدها لا يكون الا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما
* (مسألة) * (وان منعها بخلا بها أخذت منه وعزر، فان غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة، وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله) إذا منع الزكاة مع اعتقاد وجوبها وقدر الامام على أخذها منه أخذها وعزره قال ابن عقيل إلا أن يكون كتمها لفسق الامام لكونه يصرفها في غير مصرفها فلا يعزر لان له عذرا في ذلك ولم يأخذ زيادة عليها في قول أكثر اهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وكذلك ان غل ماله فكتمه أو قاتل دونها فقدر عليه الامام، وقال اسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز يأخذها وشطر ماله لما روى أبو داود والنسائي والاثرم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول " في كل سائمة الابل في كل أربعين بنت لبون لا تفرق الابل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا
فله أجرها، ومن أبى فانا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شئ " وسئل أحمد عن اسناده فقال هو عندي صالح الاسناد وقال ما أدري ما وجهه ووجه الاول قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس في المال حق سوى الزكاة " ولان منع الزكاة كان عقيب موت النبي صلى الله عليه وسلم مع توفر الصحابة فلم ينقل عنهم أخذ زيادة ولا قول بذلك، واختلف أهل العلم في العذر عن هذا الخبر فقيل كان في بدء الاسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ بالحديث الذي رويناه ولذلك انعقد الاجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال.
وحكى الخطاب عن ابراهيم الحربي أنه يؤخذ منه السن الواجب عليه من خيار ماله من غير زيادة في سن ولا عدد لكن ينتقي من خيار ماله ما يزيد به صدقته في القيمة بقدر شطر قيمة الواجب عليه فيكون المراد بماله ههنا الواجب عليه من ماله فيزاد في القيمة بقدر شطره والله أعلم * (مسألة) * (فان لم يكن أخذها استتيب ثلاثا فان تاب وإلا قتل وأخذت من تركته، وقال بعض أصحابنا ان قاتل عليها كفر) متى كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الامام قاتله لان الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على قتال مانعي الزكاة وقال أبو بكر: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
فان ظفر به وبماله أخذها من غير زيادة لما ذكرنا ولم يسب ذريته لان الجناية من غيرهم ولان المانع
لا يسبى فذريته أولى، وإن ظفر به دعاه إلى أدائها فان تاب وأدى وإلا قتل قياسا على تارك الصلاة ولم يحكم بكفره في ظاهر المذهب.
وعن احمد انه قال: إذا منعوا الزكاة وقاتلوا عليها كما قاتلوا أبا بكر لم يورثوا ولم يصل عليهم.
وهذا حكم منه بكفرهم واختاره بعض اصحابنا.
قال عبد الله بن مسعود وما تارك الصلاة بمسلم، ووجه ذلك ما روي ان أبا بكر رضي الله عنه لما قاتلهم وعضتهم الحرب قالوا نؤديها قال لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
ولم ينقل انكار ذلك عن أحد من الصحابة فدل على كفرهم.
ووجه الاول أن عمر وغيره امتنعوا من القتال في بدء الامر ولو اعتقدوا
كفرهم لما توقفوا عنه ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على أصل النفي ولان الزكاة فرع من فروع الدين فلم يكفر بتركه كالحج، وإذا لم يكفر بتركه لم يكفر بالقتال عليه كأهل البغي، وأما الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم جحدوا وجوبها فانه نقل عنهم انهم قالوا انما كنا نؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لان صلاته سكن لنا وليس صلاة أبي بكر سكنا لنا فلا نؤدي إليه.
وهذا يدل على انهم جحدوا وجوب الاداء إلى أبي بكر رضي الله عنه، ولان هذه قضية في عين ولم يتحقق من الذين قال لهم أبو بكر هذا القول فيحتمل انهم كانوا مرتدين ويحتمل انهم جحدوا وجوب الزكاة ويحتمل غير ذلك فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ويحتمل أن أبا بكر قال ذلك لانهم ارتكبوا كبائر وماتوا عليها من غير توبة فحكم لهم بالنار ظاهرا كما حكم لقتلى المجاهدين بالجنة ظاهرا والامر إلى الله تعالى في الجميع، ولانه لم يحكم عليهم بالتخليد ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر فقد أخبر عليه السلام أن قوما من أمته يدخلون النار ثم يخرجهم الله تعالى منها ويدخلهم الجنة * (مسألة) * (وإن ادعى ما يمنع وجوب الزكاة من نقصان الحول، أو النصاب، أو انتقاله عنه في بعض الحول قبل قوله بغير يمين) نص عليه احمد لان الزكاة عبادة وحق لله فلم يستحلف عليه كالصلاة والحد * (مسألة) * (والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما)
تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون إذا كان حرا مسلما تام الملك، روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وعائشة والحسن بن علي وجابر رضي الله عنهم، وبه قال جابر بن زيد وعطاء ومجاهد وربيعة ومالك والحسن بن صالح وابن أبي ليلى والشافعي والعنبري واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وحكي عن
ابن مسعود والثوري والاوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة ولا يخرج حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه وقال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وأبو وائل والنخعي وأبو حنيفة: لا تجب الزكاة في أموالهما.
قال أبو حنيفة: إلا العشر وصدقة الفطر وذلك لقوله عليه السلام " رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق " (1) ولانها عبادة محضة فلا تجب عليهما كالصلاة والحج ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة " أخرجه الدارقطني، وفي رواته المثنى بن الصباح وفيه مقال (2) وروي موقوفا عن عمر رضي الله عنه وانما تأكله الصدقة باخراجها، وانما يجوز اخراجها إذا كانت واجبة لانه ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولان من وجب العشر في زرعه وجب نصف العشر في ورقه كالبالغ العاقل وتخالف الصلاة والصوم فانها مختصة بالبدن ونية الصبي ضعيفة عنها، والمجنون لا يتحقق منه نيتها والزكاة حق يتعلق بالمال أشبه نفقة الاقارب والزوجات وأروش الجنايات، والحديث أريد به رفع الاثم والعبادات البدنية بدليل وجوب العشر وصدقة الفطر والحقوق المالية، ثم هو مخصوص بما ذكرنا والزكاة في المال في معناه ومقيسة عليه.
إذا تقرر هذا فان الولي يخرج عنهما من مالهما لانها زكاة واجبة فوجب اخراجها كزكاة البالغ العاقل والولي يقوم مقامه في اداء ما عليه، ولانه حق واجب على الصبي والمجنون فكان على الولي اداؤه عنهما كنفقة أقاربه، وتعتبر نية الولي في الاخراج كما تعتبر النية من رب المال * (مسألة) * (ويستحب للانسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي، وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى تفريق الباقي) وانما استحب ذلك ليكون على يقين من وصولها إلى مستحقها، وسواء كانت من الاموال الظاهرة والباطنة.
قال احمد: أعجب إلي أن يخرجها، وإن دفعها إلى السلطان فهو جائز.
وقال الحسن
ومكحول وسعيد بن جبير: يضعها رب المال في مواضعها.
وقال الثوري احلف لهم واكذبهم ولا
__________
" 1 " الظاهر انه ذكر منه ما يتعلق بغرضه بالمعنى.
والمروي عن أحمد وأصحاب السنن الا الترمذي والحاكم عن عائشة مرفوعا " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلي حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر " والاولان والاخير في واقعة مع على وعمر " رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم " " 2 " والحديث رواه الترمذي من طريقه أيضا وهو ضعيف لا يحتج به
تعطهم شيئا إذا لم يضعوها مواضعها.
وقال طاوس: لا تعطهم.
وقال عطاء: أعطهم إذا وضعوها مواضعها.
وقال الشعبي وأبو جعفر: إذا رأيت الولاة لا يعدلون فضعها في أهل الحاجة.
وقال ابراهيم ضعوها في مواضعها، فان أخذها السلطان أجزأك.
وقال ثنا سعيد ثنا أبو عوانة عن مهاجر أبي الحسن قال: أتيت أبا وائل وأبا بردة بالزكاة وهما على بيت المال فأخذاها، ثم جئت مرة أخرى فرأيت أبا وائل وحده فقال لي: ردها فضعها مواضعها، وقد روي عن احمد أنه قال: أما صدقة الارض فيعجبني دفعها إلى السلطان، وأما زكاة الاموال كالمواشي فلا بأس أن يضعها في الفقراء والمساكين، فظاهر هذا أنه استحب دفع العشر خاصة إلى الائمة، وذلك لان العشر قد ذهب قوم إلى أنه مؤنة الارض يتولاه الائمة كالخراج بخلاف سائر الزكاة.
قال شيخنا: والذي رأيت في الجامع قال: أما صدقة الفطر فيعجبني دفعها إلى السلطان، ثم قال أبو عبد الله قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب ويشربون بها الخمور، قال ادفعها إليهم * (مسألة) * (وعند أبي الخطاب دفعها إلى الامام العادل أفضل) اختاره ابن أبي موسى وهو قول أصحاب الشافعي، وممن قال بدفعها إلى الامام الشعبي ومحمد بن علي والاوزاعي لان الامام أعلم بمصارفها ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا لاحتمال أن يكون غير مستحق لها، ولانه يخرج من الخلاف وتزول عنه التهمة، وكان ابن عمر يدفع
زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير أو نجدة الحروري، وقد روي عن سهيل ابن أبي صالح قال أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني، قال ادفعها إليهم، فأتيت ابن عمر فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك، وروي نحوه عن عائشة رضي الله عنهم.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يفرق الاموال الظاهرة إلا الامام لقول الله تعالى (خذمن أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) ولان أبا بكر
رضي الله عنه طالبهم بالزكاة وقاتلهم عليها وقال: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها.
ووافقه الصحابة على هذا، ولان ما للامام قبضه بحكم الولاية لا يجوز دفعه إلى المولى عليه كولي اليتيم وللشافعي قولان كالمذهبين ولنا على جواز دفعها بنفسه أنه دفع الحق إلى مستحقه الجائز تصرفه فأجزأه كما لو دفع الدين إلى غريمه وكزكاة الاموال الباطنة والآية تدل على أن للامام أخذها ولا خلاف فيه ومطالبة أبي بكر لهم بها لكونهم لم يؤدوها إلى أهلها ولو أدوها إلى أهلها لم يقاتلهم عليها لان ذلك مختلف في إجزائه ولا يجوز المقاتلة من أجله وانما يطالب الامام بحكم الولاية والنيابة عن مستحقها، فإذا دفعها إليهم جاز لانهم أهل رشد بخلاف اليتيم وأما وجه فضيلة دفعها بنفسه فلانه إيصال للحق إلى مستحقه مع توفير أجر العمالة وصيانة حقهم عن خطر الجناية، ومباشرة تفريج كربة مستحقها واغنائه بها مع اعطائها للاولى بها من محاويج أقاربه وذوي رحمه وصلة رحمه بها فكان أفضل كما لو لم يكن اخذها من أهل العدل، فان قيل فالكلام في الامام العادل والخيانة مأمونة في حقه، قلنا الامام لا يتولى ذلك بنفسه وانما يفوضه إلى نوابة فلا تؤمن منهم الخيانة، ثم ربما لا يصل إلى المستحق الذي قد علمه المالك من أهله وجيرانه شئ منها وهم أحق الناس بصلته وصدقته ومؤاساته، وقولهم إن أخذ الامام يبرئه ظاهرا وباطنا، قلنا يبطل هذا بدفعها إلى غير العادل فانه يبرأ أيضا وقد سلموا أنه ليس بأفضل، ثم إن البراءة الظاهرة تكفي وقولهم إنه تزول به التهمة، قلنا متى أظهرها زالت التهمة سواء أخرجها بنفسه أو دفعها إلى الامام، ولا يختلف
المذهب أن دفعها إلى الامام جائز سواء كان عادلا أو غير عادل، وسواء كانت من الاموال الظاهرة أو الباطنة، ويبرأ بدفعها سواء تلفت في يد الامام أو لا، أو صرفها في مصارفها أو لم يصرفها، لما ذكرنا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولان الامام نائب عنهم شرعا فبرئ بدفعها إليه كولي اليتيم إذا قبضها
له، ولا يختلف المذهب أيضا في أن صاحب المال يجوز أن يفرقها بنفسه (فصل) وإذا أخذ الخوارج والبغاة الزكاة اجزأت عن صاحبها، حكاه ابن المنذر عن احمد والشافعي وأبي ثور في الخوارج أنها تجزئ، وكذلك كل من أخذها من السلاطين اجزأت عن صاحبها سواء عدل فيها أو جار، وسواء أخذها قهرا أو دفعها إليه اختيارا لما ذكرنا من حديث أبي صالح.
وقال ابراهيم: تجزئ عنك ما أخذ العشارون، وعن سلمة بن الاكوع أنه دفع صدقته إلى نجدة، وعن ابن عمر أنه سئل عن مصدق ابن الزبير ومصدق نجدة فقال: إلى أيهما دفعت اجزأ عنك، وبهذا قال أصحاب الرأي فيما غلبوا عليه وقالوا: إذا مر على الخوارج فعشره لا يجزئ عن زكاته.
وقال أبو عبيد: على من أخذ الخوارج منه الزكاة الاعادة لانهم ليسوا بأئمة أشبهوا قطاع الطريق ولنا قول الصحابة رضي الله عنهم من غير خلاف في عصرهم علمناه فيكون اجماعا، ولانه دفعها إلى أهل الولاية فأشبه دفعها إلى أهل البغي.
" مسألة " (ولا يجزئ اخراجها إلا بنية إلا أن يأخذها الامام منه قهرا.
وقال أبو الخطاب لا تجزئه أيضا بغير نية) مذهب عامة أهل العلم أن النية شرط في اخراج الزكاة، وحكي عن الاوزاعي أنها لا تجب لها النية لانها دين فلا تجب لها النية كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ويأخذها السلطان من الممتنع ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " انما الاعمال بالنيات " وأداؤها عمل ولانها عبادة منها فرض ونفل فافتقرت إلى النية كالصلاة وتفارق قضاء الدين فانه ليس بعبادة فانه يسقط باسقاط مستحقة وولي اليتيم والسلطان ينويان عند الحاجة إذا ثبت ذلك فالنية أن يعتقد انها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب لانها محل الاعتقادات كلها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: