الفقه الحنبلي - الزكاة - مصارف الزكاة -

الزكاة لم يجزئه وهذا قول الشافعي وقال أصحاب أبي حنيفة يجزئه استحسانا ولنا انه لم ينو الفرض فلم يجزئه كما لو تصدق ببعض ماله وكما لو صلى مائة ركعة لم ينو الفرض بها (فصل) ومن له مال غائب يشك في سلامته يجوز اخراج الزكاة عنه وتصح منه نية الاخراج لان الاصل بقاؤه فان نوى أن هذا زكاة مالي ان كان سالما وإلا فهو تطوع فبان سالما أجزأت لانه اخلص النية للفرض ثم رتب عليها النقل وهذا حكمها لو لم يقله فإذا قاله لم يضر ولو قال هذا زكاة مالي الغائب والحاضر صح لان التعيين لا يشترط بدليل أن من له أربعون دينارا إذا أخرج نصف دينار عنها صح وإن كان يقع عن عشرين غير معينة وان قال هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع لم تجزئه ذكره أبو بكر لانه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قال أصلي فرضا أو تطوعا وان قال هذا زكاة مالي الغائب ان كان سالما والا فهو زكاة لمالي الحاضر أجزأه عن السالم منهما، فان كانا سالمين فعن أحدهما لان التعيين ليس بشرط وان قال زكاة مالي الغائب وأطلق فبان تالفا لم يكن له أن يصرفه إلى كفارة غيره انه عينه فأشبه ما لو اعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها لم يكن له صرفه إلى كفارة اخرى.
هذا التفريع فيما إذا كانت الغيبة مما لا تمنع اخراج زكاته في بلد رب المال أما لقربه أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان أو على الرواية التي نقول باجزاء اخراجها في بلد بعيد من بلد المال وإن كان له موروث غائب فقال ان كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله الذي ورثته عنه فبان ميتا لم يجزئه لانه ينبني على غير أصل فهو كقوله ليلة الشك ان كان غدا من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل (فصل) فان اخذها الامام منه قهرا اجزأت بغير نية وهذا قول الخرقي ومفهوم هذا الكلام انه متى دفعها طوعا لم يجزئه الا بنية سواء دفعها إلى الامام وغيره أما في حال القهر فتسقط النية لان تعذرها في حقه أسطقها كالصغير والمجنون وقال القاضي لا تشترط النية إذا أخذها الامام في حال الطوع والكره وهو قول الشافعي لان أخذ الامام بمنزلة القسم بين الشركاء فلم يحتج إلى نية ولان
للامام ولاية في أخذها ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا ولو لم تجزئه لما أخذها ولاخذها ثانيا
وثالثا حتى ينفد ماله لان أخذها ان كان لاجزائها فهو لا يحصل بدون النية وان كان لوجوبها فهو باق بحاله واختار أبو الخطاب وابن عقيل انها لا تجزئه أيضا من غير نية فيما بينه وبين الله تعالى لان الامام إما وكيله وإما وكيل الفقراء أو وكيلهما وأي ذلك كان فلا بد من نية رب المال ولانها عبادة تجب لها النية فلا تجزئ عمن وجبت عليه إذا كان من أهل النية بغير نية كالصلاة وانما أخذت منه حراسة للعلم الظاهر كالممتنع من الصلاة يحبر عليها ليأتي بصورتها ولو صلى بغير نية لم تجزئه والمرتد يطالب بالشهادة فإذا أتى بها حكم باسلامه ظاهرا وإن لم يعتقد صحتها لم يصح اسلامه باطنا ومن نصر القول الاول قال ان للامام ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نيته كولي المجنون واليتيم وفارق الصلاة فان النيابة فيها لا تصح فلابد من نية فاعلها وقوله لا يخلو من كونه وكيلا له أو للفقراء أو لهما قلنا بل هو وكيل على المالك والحاق الزكاة بالقسمة غير صحيح لانها ليست عبادة ولا يعتبر لها نية بخلاف الزكاة * (مسألة) * (وان دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل دون الوكيل) إذا وكل في دفع الزكاة فدفعها الوكيل إلى مستحقها قبل تطاول الزمن أجزأت نية الموكل ولم يفتقر إلى نية الوكيل لان الموكل هو الذي عليه الفرض فاكتفى بنيته ولان تأخر الاداء عن النية بالزمن اليسير جائز على ما ذكرنا فان تطاول الزمن فقال أبو الخطاب يجزئ كما لو تقارب الدفع وهو ظاهر كلام شيخنا ها هنا والصحيح انه لابد من نية الموكل حال الدفع إلى الوكيل ونية الوكيل عند الدفع إلى المستحق لئلا يخلو الدفع إلى المستحق عن نية مقارنة أو مقاربة ولو نوى الوكيل دون الموكل لم يجز تتعلق الفرض بالموكل ووقوع الاجزاء عنه وإن دفعها إلى الامام ناويا ولم ينو الامام حال دفعها إلى الفقراء جاز وان طال الزمن لانه وكيل الفقراء * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الدفع اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما) ويحمد الله على التوفيق لادائها لما روي أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أعطيتم الزكاة
فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما " أخرجه ابن ماجه * (مسألة) * (ويقول الآخذ آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا) (فصل) وان دفعها إلى الساعي أو الامام شكره ودعا له لقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم) وقال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال " اللهم صل على آل فلان " فأتاه أبي بصدقته فقال " اللهم صلى على آل أبي أوفى " متفق عليه والصلاة ها هنا الدعاء والتبرك وليس هذا بواجب لان النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذا أو أمره يأخذ الزكاة منهم لم يأمره بالدعاء ولان ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى * (مسألة) * ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة فان فعل فهل تجزئه؟ على روايتين قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال لا، قيل وان كان قرابته بها؟ قال لا.
واستحب أكثر أهل العلم أن لا تنقل من بلدها وروي عن الحسن والنخعي انهما كرها نقل الزكاة من بلد إلى بلد الا لذي قرابة وكان أبو العالية يبعث بزكاته إلى المدينة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم وهذا يختص فقراء بلدهم وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن بن طاوس عن أبيه قال في كتاب معاذ ابن جبل من أخرج من مخلاف إلى مخلاف فان صدقته وعشره ترد إلى مخلافه وروي عن عمر بن عبد العزيز انه رد زكاة أتي بها من خراسان إلى الشام إلى خراسان ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن إلى عمر أنكر ذلك عمر وقال لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت اليك بشئ وأنا اجد من يأخذه مني، رواه أبو عبيد في الاموال وروي أيضا عن ابراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين أن زيادا أو بعض الامراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال أين المال؟ قال أللمال بعثتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولان المقصود اغناء الفقراء بها فإذا أبحنا نقلها أفضى إلى بقاء فقراء أهل ذلك البلد محتاجين فان خالف ونقل ففيه روايتان احداهما
تجزئه وهو قول أكثر اهل العلم واختارها أبو الخطاب لانه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين وكما لو فرقها في بلدها والاخرى لا تجزئه اختارها أبن حامد لانه دفع الزكاة إلى غير من أمر بدفعها إليه أشبه ما لو دفعها إلى غير الاصناف (فصل) فان استغنى عنها فقرا أهل بلدها جاز نقلا نص عليه أحمد فقال قد تحمل الصدقة إلى الامام إذا لم يكن فقراء أو كان فيها فضل عن حاجتهم وقال أيضا لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد الا أن يكون فيها فضل لكن الذي كان يجئ إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة انما كان عن فضل منهم يعطون ما يكفيهم ويخرج الفضل عنهم وروى أبو عبيد في كتاب الاموال باسناده عن عمرو بن شعيب أن معاذا لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، لكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم.
فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا أجد من يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه بشرط الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها فراجعه عمر بمثل ما راجعه فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ منى شيئا، وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها إليه فرقها على فقراء أقرب البلاد إليه (فصل) ويستحب أن يفرق الصدقة في بلدها ثم الاقرب فالاقرب من القرى والبلدان.
قال أحمد في رواية صالح: لا بأس أن يعطي زكاته في القرى التي حوله ما لم تقصر الصلاة في اتيانها ويبدأ بالاقرب فالاقرب، فان نقلها إلى البعيد لتحري قرابة أو من كان أشد حاجة فلا بأس ما لم يجاوز مسافة القصر
" مسألة " (فان كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده وفطرته في البلد الذي هو فيه) قال احمد في رواية محمد بن الحكم: إذا كان الرجل في بلد وماله في بلد فأحب إلي أن يؤدي حيث كان المال، فان كان بعضه حيث هو وبعضه في مصر يؤدي زكاة كل مال حيث هو، فان كان
غائبا عن مصره وأهله والمال معه فأسهل أن يعطي بعضه في هذا البلد بعضه في البلد الآخر، فأما إن كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما فلا يبعث بزكاته إلى بلد آخر، فان كان المال تجارة يسافر به فقال القاضى: يفرق زكاته حيث حال حوله في أي موضع كان، ومفهوم كلام احمد في اعتباره الحول التام أنه يسهل في أن يفرقها في ذلك البلد وغيره من البلدان التي أقام بها في ذلك الحول.
وقال في الرجل يغيب عن أهله فتجب عليه الزكاة يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه، فأما زكاة الفطر فانه يفرقها في البلد الذي وجبت عليه فيه سواء كان ماله فيه أو لم يكن لانه سبب وجوب الزكاة ففرقت في البلد الذي سببها فيه (فصل) إذا أخذ الساعي الصدقة فاحتاج إلى بيعها لمصلحة من كلفة نقلها أو مرضها ونحوهما فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في ابل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: اني ارتجعتها بابل فسكت عنه.
رواه أبو عبيد في الاموال وقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها، فان لم يكن حاجة إلى بيعها فقال القاضي: لا يجوز والبيع باطل وعليه الضمان قال شيخنا: ويحتمل الجواز لحديث قيس فان النبي صلى الله عليه وسلم سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل " مسألة " (وإذا حصل عند الامام ماشية استحب له وسم الابل في أفخاذها والغنم في آذانها فان كانت زكاة كتب لله أو زكاة، وإن كانت جزية كتب صغارا أو جزية)
انما استحب ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها، ولان الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها من غنم الجزية والضوال ولترد إلى مواضعها إذا شردت ويسم الابل والبقر في أفخاذها لانه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتطهر السمة ويسم الغنم في آذانها لانه مكان تظهر فيه السمة لا تضرر به الغنم (فصل) قال ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب ولا يجوز قبل ذلك وجملة ذلك أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل جاز تقديم الزكاة، وبهذا
قال الحسن وسعيد بن جبير والزهري والاوزاعي وأبو حنيفة والشافعي واسحاق وأبو عبيد، وحكي عن الحسن أنه لا يجوز، وبه قال ربيعة ومالك وداود لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تؤدى زكاة قبل حلول الحول " ولان الحول أحد شرطي الزكاة فلم يجز تقديم الزكاة عليه كالنصاب، ولان للزكاة وقتا فلم يجز تقديمها عليه كالصلاة ولنا ما روي علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك، وفي لفظ في تعجيل الزكاة فرخص له في ذلك.
رواه أبو داود، وقال يعقوب بن شيبة هو أثبتها اسنادا، وروى الترمذي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر " انا قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام " وفي لفظ قال " إنا كنا تعجلنا صدقة العباس لعامنا هذا عام أول " رواه سعيد عن عطاء وابن أبي مليكة والحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولان تعجيل المال وجد سبب وجوبه فجاز كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، واداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل الزهوق، وقد سلم مالك تعجيل الكفارة وفارق تقديمها قبل النصاب لانه تقديم لها على سببها فأشبه تقديم الكفارة على اليمين وكفارة القتل على الجرح، ولانه قدمها على الشرطين وههنا قدمها على أحدهما، وقولهم إن للزكاة وقتا قلنا الوقت إذا دخل في الشئ رفقا بالانسان كان له
أن يعجله ويترك الارفاق بنفسه كالدين المؤجل وكمن أدى زكاة مال غائب: وإن لم يكن على يقين من وجوبها، ومن الجائز أن يكون المال تالفا في ذلك الوقت، وأما الصلاة والصيام فتعبد محض والتوقيت فيها غير معقول فيجب أن يقتصر عليه (فصل) فأما تعجيلها قبل ملك النصاب فلا يجوز بغير خلاف نعلمه، فلو ملك بعض نصاب فعجل زكاته أو زكاه نصاب لم يجز لانه تعجل الحكم قبل سببه " مسألة " (وفي تعجيلها لاكثر من حول روايتان) (احداهما) لا يجوز لان النص لم يرد بتعجيلها لاكثر من حول فاقتصر عليه (والثانية) يجوز لانه قد روي في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأما العباس فهي علي ومثلها " متفق عليه ورواه
الامام احمد، وروي أنه قال عليه السلام في حديث العباس " انا استسلفنا زكاة عامين " ولانه تعجيل لها بعد وجود النصاب أشبه تقديمها على الحول الواحد وما لم يرد به النص يقاس على المنصوص إذا كان في معناه، ولا يعلم معنى سوى أنه تقديم للمال الذي وجد سبب وجوبه على شرط وجوبه وهذا متحقق في التقديم في الحولين كتحققه في الحول الواحد، فعلى هذا إذا كان عنده أكثر من النصاب فعجل زكاته لحولين جاز، وإن كان قدر النصاب مثل من عنده أربعون شاة فعجل شاتين لحولين وكان المعجل من غيره جاز، وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره أجزأ عن الحول الاول ولم يجز عن الثاني لان النصاب نقص، فان تكمل بعد ذلك صار اخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها وإن أخرج الشاتين جميعا من النصاب لم تجب الزكاة في الحول الاول إذا قلنا ليس له ارتجاع ما عجله لانه كالتالف فيكون النصاب ناقصا، فان كمل بعد ذلك استؤنف الحول من حين كمل النصاب وكان ما عجله سابقا على كمال النصاب فلم يجز عنه (فصل) فأما تعجيلها لما زاد على الحولين فقال ابن عقيل: لا يجوز رواية واحدة لان التعجيل على خلاف الاصل وانما جاز في عامين للنص فيبقى فيما عداه على قضية الاصل
" مسألة " (وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده اجزأ عن النصاب دون الزيادة) إذا ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربحه فيه أجزأه عن النصاب دون الزيادة، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئه لانه تابع لما هو مالكه، وحكى ابن عقيل عن احمد رواية فيما إذا ملك مائتي درهم وعجل زكاة أربعمائة أنه يجزئه عنهما لانه قد وجد سبب وجوب الزكاة في الجملة بخلاف تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، وكذلك لو كان عنده نصاب من الماشية فعجل زكاة نصابين ولنا أنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يجز كالنصاب الاول، ولان الزائد من الزكاة على زكاة النصاب انما سببها الزائد في الملك فقد عجل الزكاة قبل وجود سببها فأشبه ما لو عجل الزكاة قبل ملك النصاب، وقوله انه تابع قلنا انما يتبع في الحول، فأما في الايجاب فان الوجوب ثبت بالزيادة لا بالاصل
ولانه انما يصير له حكم بعد الوجود، فأما قبل ظهوره فلا حكم له في الزكاة (فصل) وإن عجل زكاة نصاب من الماشية فتوالدت نصابا، ثم ماتت الامهات وحال الحول على النتاج اجزأ المعجل عنها لانها دخلت في حول الامهات وقامت مقامها فأجزأت زكاتها عنها، فإذا كان عنده أربعون من الغنم فعجل عنها شاة ثم توالدت أربعين سخلة وماتت الامهات وحال الحول على السخال اجزأت المعجلة عنها لانها كانت مجزئة عنها وعن أمهاتها لو بقيت فلان تجزئ عن أحدهما أولى.
وإن كان عنده ثلاثون من البقر فعجل عنها تبيعا ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الامهات وحال الحول على العجول احتمل أن يجزئ عنها لانها تابعة لها في الحول واحتمل أن لا يجزئ عنها لانه لو عجل عنها تبيعا مع بقاء الامهات لم يجزئ عنها فلان لا يجزئ عنها إذا كان التعجيل عن غيرها أولى وهكذا الحكم في مائة شاة إذا عجل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الامهات وحال الحول على السخال وإن توالد نصفها ومات نصف الامهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار، فان قلنا بالوجه الاول اجزأ المعجل عنهما جميعا، وإن قلنا بالثاني فعليه في الخمسين سخلة شاة لانها نصاب لمم تؤد
زكاته، وليس عليه في العجول إذا كانت خمس عشر شئ لانها لم تبلغ تصابا، وانما وجبت الزكاة فيها بناء على أمهاتها التي عجلت زكاتها، وإن ملك ثلاثين من البقر فعجل مسنة زكاة لها ولنتاجها فنتجت عشرا اجزأته عن الثلاثين دون العشر ووجب عليه في العشر ربع مسنة، ويحتمل أن تجزئه المسنة المعجلة عن الجميع لان العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول فانه لو لا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شئ فصارت الزيادة على النصاب منقسمة أربعة أقسام (الاول) ما لا يتبع في وجوب ولا حول وهو المستفاد من غير الجنس فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده وملك نصابه بغير خلاف (الثاني) ما يتبع في الوجوب دون الحول وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقل فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده مع الخلاف في ذلك وحكى ابن عقيل رواية أنه يجزئ (الثالث) ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والريح إذا بلغ نصابا فانه يتبع أصله في الحول
فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده كالذي قبله (الرابع) ما يتبع في الحول والوجوب وهو الربح والنتاج إذا لم يبلغ نصابا فهذا يحتمل وجهين: (أحدهما) لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده كالذي قبله (والثاني) يجزئ لانه تابع في الوجوب والحول أشبه الموجود * (مسألة) * (وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزه) لانه تقديم لها قبل وجود سببها فاما تعجيلها بعد وجود الطلع والحصرم وتعجيل عشر الزرع بعد نباته فظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز لانه قال: كل ما تتعلق الزكاة فيه بشيئين حول ونصاب جاز تعجيل زكاته فمفهومه أنه لا يجوز تعجيل زكاة غيره لان الزكاة معلقة بسبب واحد وهو ادراك الزرع والثمرة، فإذا قدمها كان قبل وجود سببها، لكن إن أداها بعد الادراك وقبل اليبس والتصفية جاز.
وقال أبو الخطاب: يجوز بعد ظهور الطلع والحصرم ونبات الزرع، ولا يجوز قبل ذلك لان وجود الزرع
واطلاع النخل بمنزلة ملك النصاب والادراك بمنزلة حولان الحول فجاز تقديمها عليه، وتعلق الزكاة بالادراك لا يمنع جواز التعجيل بدليل أن زكاة الفطر يتعلق وجوبها بهلال شوال وهو زمن الوجوب ويجوز تعجيلها قبله * (مسألة) * (وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز) لان حكم ما عجله حكم الموجود في ملكه يتم النصاب به، فإذا زاد ماله حتى بلغ النصاب أو زاد عليه وحال الحول اجزأ المعجل عن زكاته لما ذكرنا، فان نقص أكثر مما عجله فقد نقص بذلك عن كونه سببا للزكاة مثل من له أربعون شاة فعجل شاة، ثم تلفت أخرى فقد خرج عن كونه سببا للزكاة فان زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول كمل النصاب ولم يجز ما عجله كما ذكرنا من قبل * (مسألة) * (وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة) وبما ذكرنا قال الشافعي في المسألتين.
وقال أبو حنيفة: ما عجله في حكم التالف فقال في المسألة
الاولى لا تجب الزكاة ولا يكون المخرج زكاة.
وقال في هذه المسألة: لا يجب عليه زيادة لان ما عجله زال ملكه عنه فلم يحسب من ماله كما لو تصدق به تطوعا ولنا أن هذا نصاب تجب الزكاة فيه بحلول الحول فجاز تعجيلها منه كما لو كان أكثر من أربعين ولان ما عجله بمنزلة الموجود في إجزائه عن ماله فكان بمنزلة الموجود في تعلق الزكاة به، ولانها لو لم تعجل كان عليه شاتان، فكذلك إذا عجلت لان التعجيل انما كان رفقا بالمساكين فلا يصير سببا لنقص حقوقهم والتبرع يخرج ما تبرع به عن حكم الموجود في ماله، وهذا في حكم الموجود في الاجزاء عن الزكاة (فصل) وكل موضع قلنا لا يجزئه ما عجله عن الزكاة فان كان دفعها إلى الفقراء مطلقا فليس له
الرجوع فيها، وإن كان دفعها بشرط أنها زكاة معجلة فهل له الرجوع؟ على وجهين يأتي توجيههما إن شاء الله تعالى (فصل) وإن عجل زكاة ماله ثم مات فأراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز، وذكر القاضي وجها في جوازه بناء على ما لو عجل زكاة عامين ولا يصح لانه تعجيل للزكاة قبل وجود سببها أشبه ما لو عجل زكاة نصاب لغيره ثم اشتراه وذلك لان سبب الزكاة ملك النصاب وملك الوارث حادث ولا يبني الوارث على حول الموروث، ولانه لم يخرج الزكاة وانما أخرجها غيره عن نفسه، واخراج الغير عنه من غير ولاية ولا نيابة لا يجزئ ولو نوى فكيف إذا لم ينو؟ وقد قال أصحابنا: لو أخرج زكاته وقال: إن كان موروثي قد مات فهذه زكاة ماله فبان أنه قد مات لم يقع الموقع وهذا أبلغ ولا يشبه هذا تعجيل الزكاة لعامين لانه ثم عجل بعد وجود السبب وأخرجها بنفسه بخلاف هذا فان قيل فانه لو مات الموروث قبل الحول كان للوارث ارتجاعها فإذا لم يرتجعها احتسب بها كالدين قلنا فلو أراد أن يحسب الدين عن زكاته لم يصح، ولو كان له عند رجل شاة من غصب أو قرض فأراد أن يحسبها عن زكاته لم يجزئه " مسألة " (وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى اجزأت عنه)
إذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها لم يخل من أربعة أقسام (أحدها) أن لا يتغير الحال ففي هذا القسم يقع المدفوع موقعه ويجزئ عن المزكي ولا يلزمه بدله ولا له استرجاعه كما لو دفعها بعد وجوبها (الثاني) أن يتغير حال الاخذ بأن يموت قبل الحول أو يستغنى أو يرتد فهذا في حكم القسم الذي قبله وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يجزئ لان ما كان شرطا للزكاة إذا عدم قبل الحول لم يجزء كما لو تلف المال أو مات ربه ولنا أنه أدى الزكاة إلى مستحقها فلم يمنع الاجزاء تغير حاله كما لو استغني بها، ولانه حق أداه إلى مستحقه فبرئ منه كالدين يعجله قبل أجله وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها والحكم
في الاصل ممنوع ثم الفرق بينهما ظاهر، فان المال إذا تلف تبين عدم الوجوب فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه فتبين أنها ليست عليه، وكما لو أدى الضامن الدين فبان أن المضمون عنه قضاه وفي مسألتنا الحق واجب وقد أخذه مستحقه (القسم الثالث) أن يتغير حال رب المال وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى (القسم الرابع) أن يتغير حالهما فهو كالقسم الثالث " مسألة " (وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزه) لانه لم يدفعها إلى مستحقها أشبه ما لو لم يفتقر " مسألة " (وإن عجلها ثم تلف المال لم يرجع على الآخذ.
وقال ابن حامد: إن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه) وجملة ذلك أن من عجل زكاة ماله فدفعها إلى مستحقها ثم تلف المال أو بعضه فنقص عن النصاب قبل الحول أو تغير حال رب المال بموت أو ردة أو باع النصاب فقال أبو بكر: لا يرجع بها على الفقير سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه.
قال القاضي: وهو المذهب عندي لانها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها كما لو لم يعلمه، ولانها زكاة دفعت إلى مستحقها فلم يجز ارتجاعها كما لو تغير حال الآخذ وحده، وقال أبو عبد الله بن حامد: إن كان الدافع لها الساعي استرجعها بكل حال، وإن كان رب المال وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع بها، وإن أطلق لم يرجع وهذا مذهب الشافعي لانه مال دفعه عما يستحقه
القابض في الثاني، فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالاجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى، أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة فلم يقبل قوله في الرجوع، فعلى قول ابن حامد إن كانت العين لم تتغير أخذها وان زادت زيادة متصلة بزيادتها لانها تتبع في الفسوخ، وإن كانت منفصلة أخذها دون زيادتها لانها حدثت في ملك الفقير، وإن كانت ناقصة رجع على الفقير بالنقص لان الفقير قد ملكها بالقبض فكان نقصها عليه كالمبيع إذا نقص في يد المشتري ثم علم عيبه، وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض لان ما زاد بعد ذلك أو نقص فانما هو في ملك الفقير فلم يضمنه كالصداق يتلف في يد المرأة فان تغير حالهما فهو كما لو تغير حال رب المال سواء
(فصل) إذا قال رب المال قد أعلمته أنها زكاة معجلة فلي الرجوع وأنكر الاخذ فالقول قوله لانه منكر والاصل عدم الاعلام وعليه اليمين، وإن مات الآخذ واختلف وارثه والمخرج فالقول قول الوارث ويحلف أنه لا يعلم أن موروثه أعلم بذلك (فصل) إذا تسلف الامام الزكاة فهلكت في يده فلا ضمان عليه وكانت من ضمان الفقراء ولا فرق بين أن يسأله ذلك رب المال أو الفقراء أو لم يسأله أحد لان يده كيد الفقراء.
وقال الشافعي إن تسلفها من غير سؤال ضمنها لان الفقراء رشد لا يولى عليهم، فإذا قبض بغير اذنهم ضمن كالاب إذا قبض لابنه الكبير، وإن كان بسؤالهم كان من ضمانهم لانه وكيلهم، وإن كان بسؤال أرباب الاموال لم يجزهم الدفع وكان من ضمانهم لانه وكيلهم، وإن كان بسؤالهما ففيه وجهان أصحهما أنه في ضمان الفقراء ولنا أن للامام ولاية على الفقراء بدليل جواز قبض الصدقة لهم بغير اذنهم سلفا وغيره، فإذا تلفت في يده من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم إذا قبض له، وما ذكروه يبطل بالقبض بعد الوجوب وفارق الاب فانه لا يجوز له القبض لولده الكبير لعدم ولايته عليه ولهذا يضمن ما قبضه له بعد وجوبه * (باب ذكر أهل الزكاة) * وهم ثمانية أصناف سماهم الله تعالى فقال (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله، والله عليم حكيم) وروي أن رجلا قال: يا رسول الله أعطني من هذه الصدقات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانيه أجزاء، فان كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك " ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الاصناف إلا ما روي عن أنس والحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة قاضية.
والصحيح الاول لان الله تعالى قال (انما الصدقات) وانما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه لانها مركبة من حرفي نفي واثبات وذلك كقوله تعالى (انما الله إله واحد) أي لا إله الا الله وكقول النبي صلى الله عليه وسلم " انما الولاء لمن أعتق "
* (مسألة) * (الفقراء وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم (الثاني) المساكين وهم الذين يجدون معظم كفايتهم) الفقراء والمساكين صنفان في الزكاة وصنف واحد في سائر الاحكام لان كل واحد من الاسمين ينطلق عليهما، فأما إذا جمع بين الاسمين وميز المسميين تميزا وكلاهما يشعر بالحاجة والفاقة وعدم الغنى إلا أن الفقير أشد حاجة من المسكين لان الله تعالى بدأ به وانما يبدأ بالاهم فالاهم، وبهذا قال الشافعي والاصمعي، وذهب أبو حنيفة إلى أن المسكين أشد حاجة، وبه قال الفراء وثعلب وابن قتيبة لقول الله تعالى (أو مسكينا ذا متربة) وهو المطروح على التراب لشدة حاجته وأنشد أما الفقير الذي كانت حلوبته * وفق العيان فلم يترك له سبد فأخبر أن الفقير حلوبته وفق عياله ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء فيدل على أنهم أهم، وقال تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين " (1) وكان يستعيذ من الفقر، ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها، ولان الفقير مشتق من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول
أي مفقور وهو الذي نزعت فقره ظهره فانقطع صلبه قال الشاعر: لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الاعزل أي لم يطق الطيران كالذي انقطع صلبه والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن، فأما الآية فهي حجة لنا لان نعت الله سبحانه المسكين بكونه ذا متربة يدل على أن هذا النعت لا يستحقه باطلاق اسم المسكنة كما يقال ثوب ذو علم ويجوز التعبير عن الفقير بالمسكين بقرينة وبغير قرينة والشعر أيضا حجة لنا، فانه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال لم يترك له سبد فصار فقيرا لا شئ له إذا تقرر ذلك فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعا من كفايته ولا له من الاجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعا من كفايته ولا له خمسون درهما ولا قيمتها من الذهب مثل الزمنى والمكافيف
__________
" 1 " رواه الحاكم من حديث أبي سعيد وصححه
وهم العميان لان هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم، وربما لا يقدرون على شئ أصلا، قال الله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) فمعنى قوله يقع موقعا من كفايته أنه يحصل به معظم الكفاية أو نصفها مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مسكنه أو غيره خمسة فما زاد، والذي لا يجد إلا ما لا يقع موقعا من كفايته كالذي لا يحصل إلا ثلاثة أو دونها فهذا هو الفقير والاول هو المسكين، فأما الذي يسأل فيحصل الكفاية أو معظمها من مسئلته فهو من المساكين لكنه يعطى جميع كفايته ليغتني عن السؤال، فان قيل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه " (1) قلنا هذا تجوز وانما نفي المسكنة عنه مع وجودها حقيقة فيه مبالغة في اثباتها في الذي لا يسأل الناس كما قال عليه السلام " ليس الشديد بالصرعة، وانما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " وأشباه ذلك كقوله " ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: الذي لا يعيش له ولد، قال: لا ولكن الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا "
* (مسألة) * (ومن ملك من في الاثمان مالا يقوم بكفايته فليس يغني وإن كثرت قيمته) وجملة ذلك أنه إذا ملك مالا تتم به كفايته من غير الاثمان، فان كان مما لا تجب فيه الزكاة كالعقار ونحوه لم يكن ذلك مانعا من أخذها نص عليه احمد فقال في رواية محمد ابن الحكم: إذا كان له عقار يستغله أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الثوري والنخعي والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه خلافا لانه فقير محتاج فيدخل في عموم الآية، فاما إن ملك نصابا زكويا لا تتم به الكفاية كالمواشي والحبوب فله الاخذ من الزكاة.
قال الميموني ذاكرت احمد فقلت: قد يكون للرجل الابل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير ويكون له أربعون شاة ويكون له الضيعة لا تكفيه يعطى من الصدقة؟ قال نعم، وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم من الابل كذا وكذا، قلت فلهذا قدر من العدد أو الوقت؟ قال لم أسمعه.
وهذا قول الشافعي.
وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها لانه تجب عليه الزكاة فلم تجب له لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ
__________
" 1 " هذا الحديث وما بعده متفق عليهما من حديث أبي هريرة
" أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة وإذا كان غنيا لم يكن له الاخذ من الزكاة للخبر ولنا أنه لا يملك ما يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الاخذ من الزكاة كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة، ولانه فقير فجاز له الاخذ لان الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) وقال الشاعر: * واني إلى معروفها لفقير * أي محتاج وهذا محتاج فقيرا غير غني، ولانه لو كان ما يملكه لا زكاة فيه لكان فقيرا ولا فرق في دفع الحاجة بين المالين، فأما الخبر فيجوز أن يكون الغنى الموجب للزكاة غير الغنى المانع منها لما ذكرنا من المعنى فيكون المانع منها وجود الكفاية والموجب لها ملك النصاب جمعا بين الادلة (فصل) فان ملك غير الاثمان ما يقوم بكفايته كمن له مكسب يكفيه أو أجرة عقار أو غيره فليس له الاخذ من الزكاة وهذا قول الشافعي واسحاق وأبي عبيد وابن المنذر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه
إن كان المال مما لا تجب فيه الزكاة جاز الدفع إليه إلا أن أبا يوسف قال: إن دفع إليه الزكاة فهو قبيح وأرجو أن يجزئه لانه ليس بغني لما ذكرنا لهم في المسألة قبلها ولنا ما روى الامام احمد ثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عدي بن الخيار عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه الصدقة فصعد فيهما النظر فرأهما جلدين فقال " إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " قال احمد: ما أجوده من حيث.
وقال هو أحسنها اسنادا، ولان له ما يغنيه عن الزكاة فلم يجز الدفع إليه كما لك النصاب * (مسألة) * (وإن كان من الاثمان فكذلك في إحدى الروايتين والاخرى إن ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني) لا يجوز دفع الصدقة إلى غني لاجل الفقر والمسكنة بغير خلاف لان الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين والغني غير داخل فيهم ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب "
واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذ الزكاة فنقل عن احمد فيها روايتان (احداهما) أنه ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب، أو وجود ما تحصل به الكفاية على الدوام من مكسب أو تجارة أو أجر أو عقار أو نحو ذلك، ولو ملك من الحبوب أو العروض أو العقار أو السائمة مالا تحصل به الكفاية لم يكن غنيا اختاره الخرقي وهذا قول الثوري والنخعي وابن المبارك واسحاق وروي عن علي وابن مسعود انهما قالا لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو قيمتها أو عدلها من الذهب لما روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسئلته يوم القيمة خموشا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه) فقيل يا رسول الله ما الغنى؟ قال " خمسون درهما أو قيمتها من الذهب " رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن فان قيل هذا يرويه حكيم ابن جبير وكان شعبة لا يروي عنه وليس بقوي في الحديث قلنا قد قال عبد الله بن عثمان لسفيان حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن وقد قال علي
وعبد الله مثل ذلك (الثانية) أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئا وإن كان محتاجا حلت له المسألة وان ملك نصابا والاثمان وغيرهما في هذا سواء وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري وقول مالك والشافعي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن المخارق " لا تحل المسألة الا لاحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه قد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش " رواه مسلم فمد إباحة المسألة إلى وجود اصابة القوام أو السداد ولان الحاجة هي الفقر والغني ضدها فمن كان محتاجا فهو فقير فيدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة، والحديث الاول فيه ضعف ثم يجوز أن تحرم المسألة ولا يحرم أخذ الصدقة إذا جاءته من غير مسألة فان المذكور فيه تحريم المسألة فيقتصر عليه وقال الحسن وأبو عبيد الغنى ملك اوقية وهي أربعون درهما لما روى أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سأل وله قيمة اوقيه فقد ألحف " وكانت الاوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما رواه أبو داود.
وقال أصحاب الرأي: الغنى المانع من أخذ الزكاة هو الموجب لها وهو ملك نصاب تجب فيه الزكاة من الاثمان أو العروض المعدة للتجارة أو السائمة أو غيرها لقول النبي
صلى الله عليه وسلم لمعاذ " أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " فجعل الاغنياء من تجب عليهم الزكاة فدل ذلك على أن من تجب عليه غني ومن لا تجب عليه ليس بغني فيكون فقيرا فتدفع الزكاة إليه لقوله " فترد في فقرائهم " ولان الموجب للزكاة غنى والاصل عدم الاشتراك، ولان من لا نصاب له لا تجب عليه الزكاة فلا يمنع منها كمن له دون الخمسين ووجه الرواية الاولى أنه يجوز أن يكون الغنى المانع من أحذ الزكاة غير الموجب لها بدليل حديث ابن مسعود وهو أخص من حديثهم فيجب تقديمه، ولان فيما ذكرنا جمعا بين الحديثين وهو أولى من التعارض، ولان حديث معاذ انما يدل على أن من تجب عليه الزكاة غني، أما أنه يدل على أن من لا تجب عليه الزكاة فقير فلا، وعلى هذا فلا يلزم من عدم الغنى وجود الفقر فلا يدل
على جواز الدفع إلى غير الغني إذا لم يثبت فقره، وقولهم الاصل عدم الاشتراك قلنا قد قام دليله بما ذكرنا فيجب الاخذ به والله أعلم (فصل) فمن قال الغنى هو الكفاية سوى بين الاثمان وغيرها وجوز الاخذ لكل من لا كفاية له وإن ملك نصبا من جميع الاموال، ومن قال بالرواية الاخرى فرق بين الاثمان وغيرها لحديث ابن مسعود، ولان الاثمان آلة الانفاق المعدة له دون غيرها فجوز الاخذ لكل من لا يملك خمسين درهما ولا قيمتها من الذهب ولا ما تحصل بها الكفاية من مكسب أو أجرة عقار أو غيره، فان كان له مال معد للانفاق من غير الاثمان فينبغي أن تعتبر الكفاية في حول كامل لان الحول يتكرر وجوب الزكاة بتكرره فيأخذ منها كل حول ما يكفيه إلى مثله والله أعلم * (مسألة) * (الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها) العاملون على الزكاة هم الصنف الثالث من اصناف الزكاة وهم السعادة الذين يبعثهم الامام لاخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها يعطى أجرته منها لان ذلك من مؤنتها فهو كعلفها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم فبعث عمر وأبا موسى وابن اللتبية وغيرهم وليس فيه اختلاف مع ما ورد من نص الكتاب ما يغني عن التطويل * (مسألة) * (ويشترط أن يكون العامل مسلما أمينا من غير ذوي القربى ولا يشترط حريته ولا فقره.
وقال القاضي: لا يشترط اسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى)
وجملة ذلك أن من شرط العامل أن يكون بالغا عاقلا أمينا لان ذلك ضرب من الولاية والولاية يشترط ذلك فيها، ولان الصبي والمجنون لا قبض لهما والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه ويشترط اسلامه، اختاره شيخنا وأبو الخطاب، وذكر الخرقي والقاضي أنه لا يشترط اسلامه لانه اجارة على عمل فجاز أن يتولاه الكافر كجباية الخراج وقيل عن احمد في ذلك روايتان ولنا أنه يشترط له الامانة فاشترط له الاسلام كالشهادة، ولانه ولاية على المسلمين فاشترط لها
الاسلام كسائر الولايات، ولان الكافر ليس بأمين، ولهذا قال عمر: لا تأمنوهم وقد خونهم الله.
وأنكر على أبي موسى تولية الكتابة نصرانيا.
فالزكاة التي هي ركن الاسلام أولى، ويشترط كونه من غير ذوي القربى إلا أن تدفع إليه أجرته من غير الزكاة.
وقال أصحابنا: لا يشترط لانها أجرة على عمل تجوز للغني فجازت لذوي القربى كأجرة النقال وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي ولنا أن الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة بن الحارث سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثهما على الصدقة فأبى أن يبعثهما وقال " انما هذه الصدقة أوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " وهذا ظاهر في تحريم أخذهم لها عمالة فلا تجوز مخالفته ويفارق النقال والحمال فانه يأخذ أجرة لحمله لا لعمالته، ولا يشترط حريته لان العبد يحصل منه المقصود فأشبه الحر، ولا كونه فقيها إذا كتب له ما يأخذه وحد له كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم لعماله فرائض الصدقة وكذلك كتب أبو بكر لعماله أو بعث معه من يعرفه ذلك ولا يشترط كونه فقيرا لان الله تعالى جعل العامل صنفا غير الفقراء والمساكين فلا يشترط وجود معناهما فيه كما لا يشترط معناه فيهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " لا تحل الصدقة لغني الا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له رجل مسكين فتصدق على المسكين فاهدى المسكين إلى الغني " رواه أبو داود وذكر أصحاب الشافعي انه يشترط الحرية لانه ولاية فنافاها الرق كالقضاء ويشترط الفقه ليعلم قدر الواجب وصفته ولنا ما ذكرنا ولا نسلم منافاة الرق للولايات الدينية فانه يجوز أن يكون اماما في الصلاة ومفتيا وراويا للحديث وشاهدا وهذه منه الولايات الدينية وأما الفقه فانما يحتاج إليه في معرفة ما يأخذه ويتركه ويحصل ذلك بالكتابة له كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه (فصل) ذكر أبو بكر في التنبيه في قدر ما يعطى العامل روايتين احداهما يعطى الثمن مما يجبيه والثانية يعطى بقدر عمله، فعلى هذه الرواية يخير الامام بين أن يستأجر العامل اجارة صحيحة بأجر
معلوم اما على عمل معلوم أو مدة معلومة بين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فإذا فعله استحق الجعل وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه فان عمر رضي الله عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة
فلما رجعت عملني فقلت أعطه من هو أحوج إليه مني وذكر الحديث (فصل) ويعطى منها أجرة الحاسب والكاتب والحاشر والخازن والحافظ والراعي ونحوهم لانهم من العاملين ويدفع إليهم من حصة العاملين فأما الكيال والوزن ليقبض العامل الزكاة فعلى رب المال لانه من مؤنة دفع الزكاة * (مسألة) * (فان تلفت الصدقة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال) إذا تلفت الزكاة في يد الساعي من غير تفريط فلا ضمان عليه لانه أمين ويعطى أجرته من بيت المال لانه لمصالح المسلمين وهذا من مصالحهم وان لم تتلف أعطى أجر عمله منها وكان أكثر من ثمنها لان ذلك من مؤنتها فجرى مجرى علفها ومداواتها وان رأى الامام أعطاه أجره من بيت المال أو يجعل له رزقا في بيت المال ولا يعطيه منها شيئا فعل وان تولى الامام أو الوالي من قبله أخذ الصدقة وقسمها لم يستحق منها شيئا لانه يأخذ رزقه من بيت المال (فصل) ويجوز للامام أن يولي الساعي جبايتها وتفريقها وأن يوليه أحدهما فان النبي صلى الله عليه وسلم ولى ابن اللتبية فقدم بصدقته على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي " وقال لقبيصة " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " وأمر معاذا أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها في فقرائهم ويروى أن زيادا ولى عمران بن حصين الصدقة فلما جاء قيل له أين المال؟ قال أو للمال بعثتني.
أخذناها كما كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود.
وعن أبي جحيفة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فوضعها في فقرائنا وكنت غلاما يتيما فأعطاني منها قلوصا.
أخرجه الترمذي * (مسألة) * (الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة ايمانه أو اسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين وعنه ان حكمهم انقطع)
المؤلفة قلوبهم قسمان: كفار ومسلمون، وهم جميعا السادة المطاعون في عشائرهم كما ذكرنا.
فالكفار ضربان (أحدهما) من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الاسلام وتميل نفسه إليه فيسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الامان واستصبره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين، فلما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان: مالي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد فيه إبل محملة فقال " هذا لك " فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر (والضرب الثاني) من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه.
فروى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فان أعطاهم مدحوا الاسلام وقالوا هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا.
وقال أبو حنيفة: انقطع سهم هؤلاء، وهو أحد أقوال الشافعي لما روي أن مشركا جاء يلتمس من عمر مالا فلم يعطه وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولانه لم ينقل عن عثمان ولا علي أنهم أعطوهم شيئا من ذلك، ولان الله تعالى أظهر الاسلام وقمع المشركين فلا حاجة بنا إلى التأليف عليه ولنا قول الله تعالى (والمؤلفة قلوبهم) وهذه الآية في سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين وأعطى أبو بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم حين قدم عليه من الصدقة بثلثمائة حمل ثلاثين بعيرا، ومخالفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله واطزاحها بلا حجة لا يجوز، ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان وعلي أعطاءهم، ولعلهم لم يحتاجوا لهم فتركوا ذلك لعدم الحاجة إلى اعطائهم لا لسقوط سهمهم ومثل هذا لا يثبت به النسخ والله أعلم وأما المسلمون فأربعة أضرب: (قوم) من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، أو من المسلمين الذين لهم نية حسنة في الاسلام، فإذا أعطوا رجي اسلام نظرائهم وحسن نياتهم فيجوز اعطاؤهم لان أبا بكر رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن نياتهما واسلامهما (الضرب الثاني) سادات مطاعون في قومهم يرجى بعطيتهم قوة ايمانهم ومناصحتهم في الجهاد فيعطون لان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن والاقرع بن حابس وعلقمة بن علاثة والطلقاء من أهل مكة وقال للانصار: " يا معشر الانصار على ما تأسون؟ على لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما لا إيمان لهم وكلتكم إلى إيمانكم " وروى البخاري عن عمرو بن تغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ناسا وترك ناسا، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " اني أعطي ناسا لما في قلوبهم من الجزع
والهلع، وأكل ناسا إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب " وعن أنس قال: حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش مائة من الابل، فقال ناس من الانصار: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويمنعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اني اعطي رجالا حديث عهد بكفر أتألفهم " متفق عليه (الضرب الثالث) قوم في طرف بلاد الاسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين (الضرب الرابع) قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لانهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية، وحكى حنبل عن احمد أنه قال: المؤلفة قد انقطع حكمهم اليوم والمذهب الاول لما ذكرنا، ولعل معنى قول احمد انقطع حكمهم أنه لا يحتاج إليهم في الغالب، أو أن الائمة لا يعطونهم اليوم شيئا لعدم الحاجة إليهم، فانهم انما يجوز اعطاؤهم عند الحاجة إليهم والله سبحانه أعلم (فصل) الخامس الرقاب وهم المكاتبون لا نعلم خلافا بين أهل العلم في ثبوت سهم الرقاب، ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة إليهم وهو قول الجمهور.
وقال مالك: انما يصرف سهم الرقاب في اعتاق العبيد ولا يعجبنى أن يعان منها مكاتب، وقوله مخالف لظاهر الآية لان المكاتب من الرقاب لانه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه.
إذا ثبت ذلك فانه انما يدفع إليه إذا لم يكن معه ما يقضي به كتابته ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شئ لانه مستغن عنه في وفاء الكتابة، فان كان معه بعض الكتابة تمم له وفاء كتابته لان حاجته لا تندفع إلا بذلك، وإن لم يكن معه شئ أعطي جميع ما يحتاج إليه لوفاء الكتابة لما ذكرنا، ولا يعطى بحكم الفقر شيئا لانه عبد ويجوز اعطاؤه قبل حلول كتابته لئلا يحل النجم ولا شئ معه فتفسخ الكتابة ولا يدفع إلى مكاتب كافر شئ لانه ليس من مصارف الزكاة * (مسألة) * (ويجوز أن يشتري بها أسيرا مسلما نص عليه) لانه فك رقبة من الاسر فهو كفك رقبة العبد من الرق، ولان فيه اعزازا للدين فهو كصرفه إلى
المؤلفة قلوبهم، ولانه يدفعه إلى الاسير في فك رقبته أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين * (مسألة) * (وهل يجوز أن يشتري بها رقبة يعتقها؟ على روايتين)
اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في جواز الاعتاق من الزكاة فروي عنه جواز ذلك وهو قول ابن عباس والحسن والزهري ومالك واسحق وأبي عبيد والعنبري وأبي ثور لعموم قوله تعالى (وفي الرقاب) وهو متناول للقن، بل هو ظاهر فيه فان الرقبة تنصرف إليه إذا أطلقت كقوله تعالى (فتحرير رقبة) وتقدير الآية وفي اعتاق الرقاب، ولانه اعتاق للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في الكتابة (والثانية) لا يجوز وهو قول ابراهيم والشافعي لان الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب كقوله (في سبيل الله) يرد الدفع إلى المجاهدين كذلك ههنا، والعبد القن لا يدفع إليه شئ.
قال احمد في رواية أبي طالب قد كنت أقول: يعتق من زكاته ولكن أهابه اليوم لانه يجر الولاء، وفي موضع آخر قبل له فما يعجبك من ذلك؟ قال يعين في ثمنها فهو أسلم، وقد روي نحو هذا عن النخعي وسعيد بن جبير فانهما قالا: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة لكن يعطي منها في رقبة ويعين مكاتبا، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه: لانه إذا أعتق من زكاته انتفع بالولاء من أعتقه فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية أن احمد رجع عن القول بالاعتاق من الزكاة، وهذا والله أعلم انما كان على سبيل الورع من احمد فلا يقتضي رجوعا لان العلة التي علل بها جر الولاء ومذهبه في احدى الروايتين عنه انما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع إذا باعتاقه من الزكاة (فصل) ولا يجوز أن يشتري من زكاته من يعتق عليه بالرحم، فان فعل عتق عليه ولم تسقط عنه الزكاة.
وقال الحسن.
لا بأس أن يعتق أباه من الزكاة لان دفع الزكاة لم يكن إلى أبيه، وانما دفع الثمن إلى البائع ولنا أن نفع زكاته عاد إلى أبيه فلم يجز كما لو دفعها إليه، ولان عتقه حصل بنفس الشراء مجازاة وصلة للرحم فلم يجز أن يحسب له من الزكاة كنفقة أقاربه، ولو أعتق عبده المملوك له عن زكاته لم يجزئه لان اداء الزكاة عن كل مال من جنسه والعبد ليس من جنس ما تجب الزكاة فيه، وكذلك لو أعتق عبدا من عبيد التجارة لم يجز لان الزكاة تجب في قيمتهم لا في عينهم
* (مسألة) * (السادس الغارمون وهم المدينون وهم ضربان: (ضرب) غرم لاصلاح ذات البين، (وضرب) غرم لاصلاح نفسه في مباح) الغارمون ضربان (أحدهما) الغارمون لاصلاح نفوسهم ولا خلاف في استحقاقهم وثبوت سهمهم في الزكاة، وأن المدينين العاجزين عن وفاء ديونهم منهم، لكن من غرم في معصية مثل أن يشتري خمرا، أو يصرفه في زنا، أو قمار، أو غناء، أو نحوه لم يدفع إليه قبل التوبة شئ لانه اعانة له على
المعصية وسنذكر ذلك، ولا يدفع إلى غارم كافر لانه ليس من أهل الزكاة، ولذلك لم يدفع إلى فقيرهم ومكاتبهم.
وإن كان من ذوي القربى فقال أصحابنا: يجوز الدفع إليه لان علة منعه من الاخذ منها لفقره صيانته عن أكلها لكونها أوساخ الناس، وإذا أخذها للغرم صرفه إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها.
قال شيخنا: ويحتمل أن لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم، ولان دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أو لم يأكلها، ولا يدفع إلى غارم له ما يقضي به دينه لان الدفع إليه لحاجته وهو مستغن عنها (الضرب الثاني) من غرم لاصلاح ذات البين وهو أن يقع بين الحيين أو أهل القريتين عداوة وضغائن يتلف بها نفس أو مال ويتوقف صلحهم عمن يتحمل ذلك فيسعى انسان في الاصلاح بينهم ويتحمل الدماء التي بينهم والاموال فيسمى ذلك حمالة بفتح الحاء وكانت العرب تعرف ذلك فكان الرجل منهم يتحمل الحمالة ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع باباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيبا من الصدقة، فروى مسلم باسناده عن قبيصة ابن المخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وسألته فيها فقال " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ثم قال " يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش، أو قواما من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الجحى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما من عيش وما سوى ذلك فهو سحت يأكلها صاحبها سحتا يوم القيامة " وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة " ذكر منهم الغارم
* (مسألة) * (السابع في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم) هذا الصنف السابع من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة لان سبيل الله عند الاطلاق هو الغزو (1) وقال الله تعال (وقاتلوا في سبيل الله) وقال (ويجاهدون
__________
" 1 " هذا غير صحيح بل سبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته وجنته وهو الاسلام في جملته وآيات الانفاق في سبيل الله تشمل جميع أنواع النفقة المشروعة.
وماذا يقول في آيات الصد والاضلال عن سبيل الله والهجرة في سبيل الله بل لا يصح أن يفسر سبيل الله في آيات القتال نفسها بالغزو لان القتال هو الغزو وانما يكون في سبيل الله إذا أريد به أن يكون كلمة الله هي العليا ودينه هو المتبع، فسبيل الله في الآية يعم الغزو الشرعي وغيره من مصالح الاسلام بحسب لفظه العربي ويحتاج التخصيص إلى دليل صحيح.
وكتبه محمد رشيد رضا
في سبيله) (1) وقال (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) ذكر ذلك في غير موضع من كتابه العزيز (فصل) وانما يستحق هذا السهم الغزاة الذين لا ديوان لهم وانما يتطوعون بالغزو إذا نشطوا.
قال احمد: يعطي ثمن الفرس ولا يتولى مخرج الزكاة شراء الفرس بنفسه لان الواجب إيتاء الزكاة، فان اشتراها بنفسه فما أعطى إلا فرسا، وكذلك الحكم في شراء السلاح والمؤنة.
وقال في موضع آخر إن دفع ثمن الفرس وثمن السيف فهو أعجب إلي، وإن اشتراه هو رجوت أن يجزئه.
وقال أيضا: يشتري الرجل من زكاته الفرس ويحمل عليه والقناة ويجهز الرجل، وذلك لانه قد صرف الزكاة في سبيل الله فجاز كما لو دفعها إلى الغازي فاشترى بها وقال: ولا يشتري من الزكاة فرسا يصير حبيسا في سبيل الله ولا دارا ولا ضيعة يصيرها للرباط ولا يقفها على المجاهدين لانه لم يؤت الزكاة لاحد وهو مأمور بايتائها.
قال: ولا يغزو الرجل على الفرس الذي أخرجه من زكاة ماله لانه لا يجوز أن يجعل نفسه مصرفا لزكاته كما لا يجوز أن يقضي بها دينه، ومتى أخذ الفرس الذي اشتريت بماله صار هو مصرفا لزكاته * (مسألة) * (ولا يعطى منها في الحج وعنه يعطي الفقير قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه)
اختلف الرواية عن احمد رحمه الله في ذلك، فروي عنه أنه لا يصرف منها في الحج، وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وهي أصح لان سبيل الله عند الاطلاق انما ينصرف إلى الجهاد، فان كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله انما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في آية الزكاة على ذلك لان الظاهر ارادته به، ولان الزكاة انما تصرف إلى أحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لاصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضا لان الفقير لا فرض عليه فيسقطه، ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفهه الله منها وخفف عنه إيحابها، وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الاصناف، أو دفعه في مصالح المسلمين أولى
__________
" 1 " هذا اللفظ لا يوجد في القرآن وانما يوجد فيه (يجاهدون في سبيل الله) وهو في سورة المائدة الآية 57 وفيها أيضا " وجاهدوا في سبيله " وهي الآية 38
وروي عنه أن الفقير يعطى قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه، يروى اعطاء الزكاة في الحج عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج من سبيل الله وهو قول اسحاق لما روي ان رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " اركبيها فان الحج من سبيل الله " (1) رواه أبو داود بمعناه والاول أولى، وأما الخبر فلا يمتنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا (فصل) فإذا قلنا يدفع في الحج منها فلا يعطى إلا بشرطين أحدهما أن يكون ممن ليس له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " وقال " لا تحل الصدقة إلا لخمسة " ولم يذكر الحاج فيهم ولانه يأخذ لحاجته لا لحاجة المسلمين إليه فاعتبرت فيه الحاجة كمن يأخذ لفقره.
الثاني أن يأخذ لحجة الفرض وكذلك ذكره أبو الخطاب لانه يحتاج إلى اسقاط فرضه وابراء ذمته، أما التطوع فله عنه مندوحة.
وقال القاضي ظاهر كلام أحمد جوازه في الفرض والنفل معا وهو ظاهر قول الخرقي لان الكل من سبيل الله ولان الفقير لا فرض عليه فالفرض منه كالتطوع
فعلى هذا يجوز أن يدفع ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه، ولا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها * (مسألة) * (الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده) ابن السبيل هو الصنف الثامن من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقه وبقاء سهمه وهو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده وإن كان يسار في بلده فيعطى ما يرجع به إلى بلده، وهذا قول قتادة ونحوه قول مالك وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي هو المجتاز، ومن يريد انشاء السفر إلى بلد أيضا فيدفع اليهما ما يحتاجان إليه لذهابهما وعودهما لانه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز ولنا ان السبيل هو الطريق وابن السبيل الملازم للطريق الكائن فيها كما يقال ولد الليل للذي يكثر الخروج فيه والقاطن في بلده ليس في طريق ولا يثبت له حكم الكائن فيها ولهذا لا يثبت له حكم السفر بعزمه عليه دون فعله ولانه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله وإن انتهت به الحاجة منتهاها فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره وانما يعطى وله اليسار في بلده لانه عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في حقه، فان كان ابن السبيل فقيرا في بلده أعطي لفقره، وكونه ابن سبيل لوجود الامرين فيه، ويعطى لكونه ابن سبيل قدر ما يوصله إلى بلده لان الدفع إليه للحاجة إلى ذلك فيقدر بقدرها (فصل) وان كان ابن السبيل مجتازا يريد بلدا غير بلده فقال أصحابنا يدفع إليه ما يكفيه في مضيه إلى مقصده ورجوعه إلى بلده لان فيه اعانة على السفر المباح وبلوغ الغرض الصحيح، لكن
__________
" 1 " الحج من سبيل الله قطعا ولكن المتبادر من جعل قسم من الزكاة في سبيل الله انه ما يكون في مصالح الاسلام العامة كتأمين طريق الحج وتسهيله مثلا وليس منه اعطاء الفقير ما يحج به فان الفقير انما يعطى لفقره ما يدفع به حاجته وحاجة من يمونه وهو لا يدخل في عموم كلمة سبيل الله.
وكتبه محمد رشيد رضا
يشترط كون السفر مباحا إما قربة كالحج والجهاد وزيارة الوالدين أو مباحا كطلب المعاش وطلب التجارات، وأما المعصية فلا يجوز الدفع إليه فيها لانه اعانة عليها فهو كفعلها فان وسيلة الشئ جارية مجراه، وان كان السفر للنزهة ففيه وجهان: أحدهما يدفع إليه لانه غير معصية.
والثاني لا يدفع إليه
لانه لا حاجة به إلى هذا السفر.
قال شيخنا ويقوى عندي انه لا يجوز الدفع للسفر إلى غير بلده لانه لو جاز ذلك لجاز للمنشئ للسفر من بلده ولان هذا السفر إن كان لجهاد فهو يأخذ له من سهم سبيل الله وان كان حجا فغيره أهم منه، وإذا لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى، وانما ورد الشرع بالدفع إليه لرجوعه إلى بلده لانه أمر تدعو حاجته إليه ولا غناء به عنه فلا يجوز إلحاق غيره به لانه ليس في معناه فلا يصح قياسه عليه ولانه لا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: