الفقه الحنبلي - الركاز - زكاة الفطر

مالكا كالارض التى يوجد فيها آثار الملك من الابنية القديمة والتلول وجدران الجاهلية وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف فيه الا ما ذكرنا ولو وجده في هذه الارض على وجهها أو في طريق غير مسلوك أو قرية خراب فهو كذلك في الحكم لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال " ما كان في طريق مأني أو في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي (القسم الثاني) أن يجده في ملكه المنتقل إليه فهو له في إحدى الروايتين لانه مال كافر مظهور
عليه في الاسلام فكان لمن ظهر عليه كالغنائم ولان الركاز لا يملك بملك الارض لانه مودع فيها وإنما يملك بالظهور عليه وهذا قد ظهر عليه فوجب أن يملكه والرواية الثانية هو للمالك قبله ان اعترف به وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك إلى أول مالك وهذا مذهب الشافعي لانه كانت يده على الدار فكانت على ما فيها وان انتقلت الدار بالميراث حكم بأنه ميراث فان اتفق الورثة على انه لم يكن لمورثهم فهو لاول مالك فان لم يعرف أول مالك فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك والاول أصح إن شاء الله لان الركاز لا يملك بملك الدار لانه ليس من اجزائها وانما هو مودع فيها فهو كالمباحات من الحطب والحشيش والصيد يجده في أرض غيره فيأخذه لكن ان ادعى المالك الذي
انتقل عنه المالك انه له فالقول قوله لان يده كانت عليه بكونه على محله وان لم يدعه فهو لواجده وان اختلف الورثة فادعى بعضهم أنه لمورثهم وأنكر البعض فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذي لم يعترف به وحكم المدعين حكم المالك المعترف (القسم الثالث) أن يجده في ملك آدمي معصوم مسلم أو ذمي فعن احمد ما يدل على أنه لصاحب الدار فانه قال فيمن استأجر حفارا ليحفر له في داره فأصاب كنزا عاديا فهو لصاحب الدار وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن، ونقل عن احمد ما يدل على أنه لواجده لانه قال في مسألة من اسأجر أجيرا ليحفر له في داره فأصاب في الدار كنزا فهو للاجير، نقل عنه ذلك محمد بن يحيى الكحال.
قال القاضي هو الصحيح، وهذا يدل أن الركاز لواجده وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف، وذلك لان الكنز لا يملك بملك الدار على ما ذكرنا في القسم الذي قبله، لكن إن ادعاه المالك فالقول قوله لان يده عليه بكونها على محله وإن لم يدعه فهو لواجده.
وقال الشافعي: هو لمالك الدار إن اعترف به وإلا فهو لاول مالك، ويخرج لنا مثل ذلك على ذكرنا في القسم الثاني، وإن استأجر حفارا ليحفر له طلبا لكنز يجده فوجده فهو للمستأجر لانه استأجره لذلك أشبه ما لو استأجره ليحتش له أو ليصطاد، فان الحاصل من ذك للمستأجر دون الاجير، وإن استأجره لامر غير طلب الركار فالواجد له هو الاجير وهكذا قال الاوزاعي
(فصل) وإن اكترى دارا فوجد فيها ركازا فهو لواجده في أحد الوجهين، وفي الآخر هو للمالك بناء على الروايتين فيمن وجد ركازا في ملك انتقل إليه، وإن اختلفا فقال كل واحد منهما هذا كان لي فعلى وجهين أيضا (أحدهما) القول قول المالك لان الدفن تابع للارض (والثاني) القول قول المكتري لان هذا مودع في الارض وليس منها فكان القول قول من يده عليه كالقماش (القسم الرابع) أن يجده في أرض الحرب، فان لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لهم وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده حكمه حكم ما لو وجده في موات من أرض المسلمين.
وقال أبو حنيفة والشافعي: إن عرف مالك الارض وكان حربيا فهو غنيمة أيضا لانه في حرز مالك معين أشبه ما لو أخذه من بيت أو خزانة
ولنا أنه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه ويخرج لنا مثل قولهم بناء على قولنا أن الركاز في دار الاسلام يكون لمالك الارض * (مسألة) * (والركاز ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم، فان كان عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة فهو لقطة) الدفن بكسر الدال المدفون والركاز هو المدفون في الارض واشتقاقه من ركز يركز إذا أخفى
يقال ركز الرمح إذا غرز أسفله في الارض ومنه الركز وهو الصوت الخفي، قال الله تعالى (أو تسمع لهم ركزا) والركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، هذا قول الحسن والشعبي ومالك والشافعي وأبي ثور، ويعتبر ذلك بأن يرى عليه علامتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك لان الظاهر أنه لهم، فان كان عليه علامة الاسلام أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو
أحد من خلفاء المسلمين أو ولاتهم أو آية من القرآن ونحو ذلك فهو لقطة لانه ملك مسلم لم يعلم زواله
عنه، وإن كان على بعضه علامة الاسلام وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك نص عليه احمد في رواية ابن منصور لان الظاهر أنه صار إلى مسلم ولم يعلم زواله عن ملكه فأشبه ما على جميعه علامة المسلمين وكذلك إن لم يكن عليه علامة فهو لقطة تغليبا لحكم الاسلام إلا أن يجده في ملك انتقل إليه فيدعيه
المالك قبله بلا بينة ولا صفة فهل يدفع إليه؟ فيه روايتان ذكرهما ابن تيمية في كتاب المحرر (احداهما) لا يدفع إليه كاللقطة (والثانية) يدفع إليه لانه تبع للملك، فان كان على بعضه علامة الكفار وليس على بعضه علامة فينبغي أن يكون ركازا لان الظاهر أنه ملك الكفار
* (باب زكاة الاثمان) * وهي الذهب والفضة، والاصل في وجوبها الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وأما السنة فما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب ذهب ولا فضه لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد " أخرجه مسلم إلى غير ذلك من الاحاديث، وأجمع المسلمون على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه إلا ما اختلف فيه عن الحسن * (مسألة) * (ولا شئ في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا فيجب فيه نصف مثقال)
لا يجب في الذهب زكاة إلا أن يبلغ عشرين مثقالا، إلا أن يتم بعرض تجارة أو ورق على ما فيه من الخلاف.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم ان الزكاة تجب فيها إلا ما حكي عن الحسن أنه قال.
لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، وأجمعوا على أنه إذا كان أقل من عشرين مثقالا ولا يبلغ قيمة مائتي درهم فلا زكاة فيه.
وقال عامة الفقهاء: نصاب
الذهب عشرون مثقالا من غير اعتبار قيمتها، وحكي عن عطاء وطاوس والزهري وسليمان بن حرب وأيوب السختياني أنهم قالوا.
هو معتبر بالفضة فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة وإلا فلا لانه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير في نصابه فثبت أنه حمله على الفضة ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " قال ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة " رواه أبو عبيد
وروى ابن ماجه عن عمر وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار، ومن الاربعين دينارا وروى سعيد والاثرم عن علي: على كل أربعين دينارا دينار وفي كل عشرين دينارا نصف دينار ورواه غيرهما مرفوعا، ولانه مال تجب الزكاة في عينه فلم يعتبر بغيره كسائر الاموال الزكوية * (مسألة) * قال (ولا في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم فيجب فيها خمسة دراهم) لا يجب فيما دون المائتي درهم من الفضة صدقة، لا نعلم فيه خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " متفق عليه.
والاوقية أربعون درهما، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم لا خلاف بين العلماء في ذلك، والواجب فيه ربع العشر بغير خلاف، وقد روى البخاري باسناده في كتاب أنس " وفي الرقة ربع العشر، فان لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شئ إلا أن
يشاء ربها " الرقة الدراهم المضروبة والدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، وكل درهم نصف مثقال وخمسه وهي الدراهم الاسلامية التي يقدر بها نصب الزكاة ومقدار الجزية والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك، وكانت الدراهم في صدر الاسلام صنفين سودا وطبرية، وكانت السود ثمانية دوانيق، والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الاسلام وجعلا درهمين متساويبن كل درهم ستة دوانيق فعل دلك بنو أمية ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب، ومتى نقص النصاب فلا زكاة فيه.
هذا ظاهر كلام الخرقي لظاهر الحديث.
قال أصحابنا إلا أن يكون نقصا يسيرا وقد ذكرنا الخلاف فيما مضى
* (مسألة) * (ولا زكاة في مغشوشهما حتى يبلغ قدر ما فيه نصابا) من ملك ذهبا أو فضه معشوشا أو مختلطا بغيره فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا لما ذكرنا من الاحاديث
* (مسألة) * (فان شك فيه خير بين سبكه وبين الاخراج) إذا شك في بلوغ قدر ما في المغشوش من الذهب والفضة نصابا خير بين سبكهما ليعلم قدر ما فيهما وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين، فان أحب أن يخرج استظهارا فأراد اخراج الزكاة من المغشوشة وكان الغش لا يختلف مثل أن يكون الغش في كل دينار سدسه، وعلم ذك جاز أن يخرج منها لانه يكون مخرجا لربع العشر، وإن اختلف قدر ما فيها أو لم يعلم لم يجزه الاخراج منها إلا أن يستظهر باخراج ما يتيقن أن فيما أخرجه من العين قدر لزكاة، فان أخرج عنها ذهبا أو فضة لا غش فيه فهو أفضل، وإن أراد اسقاط الغش واخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهب والفضة كمن معه أربعة وعشرون دينارا سدسها غش فأسقط السدس أربعة وأخرج نصف دينار عن عشرين جاز لانه لو سبكبا لم يلزمه إلا ذلك، ولان غشها لا زكاة فيه إلا أن يكون غش الذهب فضة وعنده من الفضة ما يتم به النصاب وله نصاب سواه فيكون عليه زكاة الغش حينئذ، وكذلك إن قلنا بضم الذهب إلى الفضة، وإن ادعى رب المال أنه علم الغش أو أنه استظهر وأخرج الفرض فيلزمه بغير يمين، وإن زادت قيمة المغشوش بالغش فصارت قيمة العشرين تساوي اثنين وعشرين فعليه اخراج ربع عشرها مما قيمته كقيمتها لان عليه اخراج زكاة المال الجيد من جنسه بحيث لا ينقص عن قيمته والله أعلم * (مسألة) * (ويخرج عن الجيد الصحيح من جنسه) ويخرج عن كل نوع من جنسه لان الفقراء شركاؤه وهذه وظيفة الشركة فان كان أنواعا متساوية القيم جاز إخراج الزكاة من أحدهما كما يخرج من أحد نوعي الغنم، وإن كانت مختلفة القيم أخذ من
من كل نوع ما يخصه وإن أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب جاز وله ثواب الزيادة لانه زاد خيرا
وإن أخرجه بالقيمة مثل أن يخرج عن نصف دينار ردئ ثلث دينار جيد لم يجز لان النبي صلى الله عليه وسلم نص على نصف دينار فلم يجز النقص منه، وان أخرج من الادنى من غير زياة لم يجزئ لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وإن زاد في المخرج ما يفي بقيمة الواجب كمن أخرج عن دينار دينارا ونصفا يفى بقيمته جاز، لان الربا لا يجري بين العبد وسيده، وقال أبو حنيفة يجوز إخراج الرديئة عن الجيدة من غير جبران لان الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها ولنا أن الجودة متقومة في الاتلاف ولانه إذا لم يجبره بما يتم به قيمة الواجب دخل في قوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث) الآية ولانه أخرج رديئا عن جيد بقدره فلم يجزئ كالماشية.
وأما الربا فلا يجرى ها هنا لانه لا ربا بين العبد وسيده فان قيل فلو أخرج في الماشية عن الجيدة رديئين لم يجزئ أو اخرج عن القفيز الجيد قفيزين رديئين لم يجزئ فلم أجزتم ها هنا؟ قلنا الفرق بينهما أن القصد في الاثمان القيمة لا غير فإذا تساوى الواجب والمخرج في القيمة والوزن جاز وسائر الاموال يقصد الانتفاع بعينها فلا يلزم من التساوي في الامرين الجواز لفوات بعض المقصود * (مسألة) * (فان أخرج مكسرا أو بهرجا وزاد قدر ما بينهما من الفضل جاز نص عليه) إذا أخرج عن الصحاح مكسرة وزاد بقدر ما بينهما من الفضل جاز لانه أدى الواجب عليه قيمة
وقدرا وإن أخرج بهرجا عن الجيد وزاد بقدر ما يساوي قيمة الجيد جاز لذلك وهكذا ذكر أبو الخطاب وقال القاضي يلزمه اخراج جيد ولا يرجع فيما أخرجه من المعيب لانه أخرج معيبا في حق الله فاشبه ما لو أخرج مريضة عن صحاح وبهذا قال الشافعي الا أن أصحابه قالوا له الرجوع فيما أخرج من المعيب في احد الوجهين.
* (مسألة) * (وهل يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب أو يخرج أحدهما عن الآخر؟ على روايتين) إذا كان له من كل واحد من الذهب والفضة مالا يبلغ نصابا بمفرده فقد نقل عن أحمد أنه توقف في ضم أحدهما إلى الآخر في رواية الاثرم وجماعة وقطع في رواية حنبل أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابا وقد نقل الخرقي فيها روايتين ونقلهما غيره من الاصحاب احداهما لا يضم وهو قول
ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وشريك والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور واختيار أبي بكر عبد العزيز لقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس اواق صدقة " متفق عليه ولانهما مالان يختلف نصابهما فلم يضم أحدهما إلى الآخر كاجناس الماشية، والثانية يضم وهو قول الحسن وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي وأصحاب الرأي لان أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر فيضم إلى الآخر كأنواع الجنس ولانهما نفعهما واحد والمقصود منهما متحد فانهما قيم المتلفات وأروش الجنايات وثمن البياعات وحلي لمن يريدهما فاشبها النوعين والحديث مخصوص بعرض التجارة فنقيس عليه (فصل) وهل يخرج أحدهما عن الآخر في الزكاة فيه روايتان نص عليهما أحمد أحدهما لا يجوز اختاره أبو بكر لانهما جنسان فلم يجز إخراج أحدهما عن الآخر كسائر الاجناس، ولان أنواع الجنس
إذا لم يخرج أحدهما عن الآخر إذا كان أقل في المقدار فمع اختلاف الجنس أولى، والثانية يجوز لان المقصود من احدهما يحصل باخراج الآخر فيجزي كأنواع الجنس وذلك لان المقصود منهما جمعيا التنمية والتوسل بهما إلى المقاصد وهما يشتركان فيه على السواء فاشبه اخراج المكسرة عن الصحاح بخلاف سائر الاجناس والانواع مما تجب فيه الزكاة فان لكل جنس مقصودا مختصا به لا يحصل من الجنس الآخر، وكذلك أنواعها فلا يحصل من اخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل من إخراج الواجب وها هنا المقصود حاصل فوجب إجزاؤه إذ لا فائدة في اختصاص الاجزاء بعين مساواة غيرها لها في الحكمة ولان ذلك أوفق بالمعطي والآخذ وأرفق بهما فانه لو تعين اخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أربعين دينارا إخراج جزء من دينار ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله أو بيع أحدهما نصيبه، ولانه إذا دفع إلى الفقير قطعة من الذهب في موضع لا يتعامل بها فيه أو قطعة في مكان لا يتعاملون به فيه لا يقدر على قضاء حاجته بها، وان أراد بيعها احتاج إلى كلفة البيع والظاهر أنها تنقص عوضها عن قيمتها فقد دار بين ضررين، وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر دفع لهذا الضرر وتحصيل لحكمة الزكاة على الكمال فلا وجه لمنعه وان توهمت ههنا منفعة تفوت بذلك فهي يسيرة مغمورة فيما يحصل من النفع الظاهر ويندفع من الضرر والمشقة من الجانبين فلا يعتبر وهذا
اختيار شيخنا وعلى هذا لا يجوز الا بدال في موضع يلحق الفقير ضرر مثل أن يدفع إليه مالا ينفق عوضا
عما ينفق لانه إذا لم يجز إخراج أحد النوعين عن الآخر مع الضرر فمع غيره أولى، وإن اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الاخذ من غيره لضرر يلحقه في أخذ الجنس لم يلزم المالك اجابته لانه أدى ما فرض الله عليه فلم يكلف سواه والله أعلم.
* (مسألة) * (ويكون الضم بالاجزاء وقيل بالقيمة فيما فيه الحظ للمساكين) إذا قلنا يضم أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب فانما يضم بالاجزاء فيحسب كل واحد منهما من نصابه فإذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ونصف نصاب أو أكثر من الآخر أو ثلث من أحدهما وثلثان من الاخر وهو أن يملك مائة درهم وعشرة دنانير أو خمسة عشر دينارا وخمسين درهما أو بالعكس فيجب عليه فيه الزكاة فان نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيها، سئل أحمد عن رجل يملك مائة درهم وثمانية دنانير فقال: انما قال من قال فيها الزكاة إذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم وهذا قول مالك وأبي يوسف ومحمد والاوزاعي لان كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب الزكاة إذا كان منفردا فلا يعتبر إذا كان مضموما كالحبوب وأنواع الاجناس كلها وقد قيل يضم بالقيمة إذا كان أحظ للمساكين، قال أبو الخطاب ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي أنها تضم بالاحوط من الاجزاء والقيمة، ومعناه أنه يقوم الغالي منها بقيمة الرخيص فإذا بلغت قيمتها بالرخيص نصابا وجبت الزكاة فيهما، كمن ملك مائة درهم وتسعة
دنانير قيمتها مائة درهم أو عشرة دنانير وتسعين درهما قيمتها عشرة دنانير فتجب عليه الزكاة وهذا قول أبي حنيفة في تقويم الدنانير بالفضة لان كل نصاب وجب فيه ضم الذهب إلى الفضة ضم بالقيمة كنصاب القطع في السرقة، ولان أصل الضم يحظ الفقراء فكذلك صفته والاول أصح لان الزكاة تجب في عين الاثمان فلم تعتبر قيمتها كما لو انفردت وتخالف نصاب القطع فان النصاب فيه الورق خاصة في احدى الروايتين وفي الاخرى أنه لا يجب في الذهب حتي يبلغ ربع دينار
* (مسألة) * (وتضم قيمة العروض إلى كل واحد منهما) يعني إذا كان في ملكه ذهب أو فضة وعروض للتجارة فان قيمة العروض تضم إلى كل واحد منهما ويكمل به نصابه، قال شيخنا: لا أعلم فيه خلافا، وقال الخطابي لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه وذلك لان الزكاة انما تجب في قيمة العروض وهو يقوم بكل واحد منهما فيضم إلى كل واحد منهما فلو كان ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تحميل النصاب لان العرض مضموم إلى كل واحد منهما فيجب ضمهما إليه.
(فصل) قال (ولا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال في ظاهر المذهب) روي ذلك عن ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء أختها رضي الله عنهم، وبه قال القاسم والشعبي وقتادة ومحمد بن علي ومالك والشافعي في أحد قوليه وأبو عبيد واسحق وأبو ثور وذكر ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى
أن فيه الزكاة، روي ذلك عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب وابن جبير وعطاء ومجاهد والزهري والثوري وأصحاب الرأي وغيرهم لعموم قوله عليه السلام " في الرقة ربع العشر وليس فيما دون خمس اواق صدقه " مفهومه أن فيها صدقة إذا بلغت خمس اواق وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة من أهل اليمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها في يدها مسكتان من ذهب فقال " هل تعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا.
قال " أيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار " رواه أبو داود ولانه من جنس الاثمان أشبه التبر، وقال الحسن وعبيد الله بن عتبة زكاته عاريته قال أحمد خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ليس في الحلي زكاة، زكاته عاريته ووجه الاولى ما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في الحلي زكاة " ولانه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من البقر وثياب القنية، والاحاديث الصحيحة التي احتجوا بها لا تتناول محل النزاع لان الرقة هي الدراهم المضروبة، قال أبو عبيد لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب الا على الدراهم المضروبة ذات السكة السائرة في الناس وكذلك الاواقي ليس معناها الا الدراهم كل أوقية أربعون درهما، وأما حديث المسكتين فقال أبو عبيد لا نعلمه الا من وجه قد تكلم
الناس فيه قديما وحديثا وقال الترمذي ليس يصح في هذا الباب شئ ويحتمل أنه أراد بالزكاة العارية كما قد ذهب إليه جماعة من الصحابة وغيرهم، والتبر غير معد للاستعمال بخلاف الحلي ولا فرق بين الحلي
المباح أن يكون مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره أو لرجل يحلي به أهله أو يعيره أو يعده لذلك لانه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح أشبه حلي المرأة فان اتخذ حليا فرارا من الزكاة لم تسقط عنه الزكاة لانها انما سقطت عن عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيما عداه يبقى على الاصل (فصل) فان انكسر الحلي كسرا لا يمنع اللبس قهو كالصحيح الا أن ينوي ترك لبسه، وان كان كسرا يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لانه صار كالبقرة وان نوى يحل اللبس التجارة والكري انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى لان الوجوب الاصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية (فصل) وكذلك ما يباح للرجال من الحلي كخاتم الفضة وقبيعة السيف وحلية المنطقة على الصحيح من المذهب والجوشن والخوذة وما في معناه وأنف الذهب وكل ما أبيح للرجل حكمه حكم حلي المرأة في عدم وجوب الزكاة لانه مصروف عن جهة النماء أشبه حلي المرأة
* (مسألة) * (فاما الحلي المحرم والآنية وما أعد للكرى والنفقة ففيه الزكاة إذا بلغ نصابا) كل ما أعد للكرى والنفقة إذا احتاج إليه ففيه الزكاة لانها إنما سقطت عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيما عداه يبقى على الاصل، ولاصحاب الشافعي وجه فيما أعد للكرى لا زكاة فيه وكل ما كان اتخاذه محرما من الاثمان ففيه الزكاة لان الاصل وجوب الزكاة فيها لكونها مخلوقة للتجارة والتوسل بها إلى غيرها ولم يوجد ما يسقط الزكاة فيا فبقيت على الاصل، قال أحمد ما كان على سرج أو لجام ففيه الزكاة ونص على حلية الثفر والركاب واللجام أنه محرم، وقال في رواية الاثرم أكره رأس المكحلة فضة ثم قال هذا شئ تأولته وعلى قياس ما ذكره حلية الدواة والمقلمة والسرج ونحوه مما على الدابة ولو موه سقفه بذهب أو فضة فهو محرم وفيه الزكاة، وقال أصحاب الرأي يباح لانه تابع للمباح فتبعه في الاباحة
ولنا أنه سرف ويفضي إلى الخيلاء وكسر قلوب الفقراء فحرم كاتخاذ الآنية وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التختم بخاتم الذهب للرجل فتمويه السقف أولى فان صار التمويه الذي في السقف مستهلكا لا يجتمع منه شئ لم تحرم استدامته لانه لا فائدة في إتلافه وإزالته ولا زكاة فيه لان ما ليته ذهبت وان لم تذهب ماليته ولم يكن مستهلكا حرمت استدامته، وقد بلغنا أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي أراد جمع ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهب فقيل له إنه لا يجتمع منه شئ فتركه، ولا يجوز تحلية المصاحف ولا المحاريب ولا اتخاذ قناديل من الذهب والفضة لانها بمنزلة الآنية، وان وقفها على مسجد أو نحوه لم يصح لانه ليس ببر ولا معروف ويكون ذلك بمنزلة الصدقة فتكسر وتصرف في مصلحة المسجد
وعمارته، وكذلك ان حبس الرجل فرسا له لجام مفضض، وقد قال أحمد في الرجل يقف فرسا في سبيل الله ومعه لجام مفضض فهو على ما وقفه وإن بيعت الفضة من السرج واللجام وجعلت في وقف مثله فهو احب الي لان الفضة لا ينتفع بها ولعله يشتري بذلك سرجا ولجاما فيكون أنفع للمسلمين قيل فتباع الفضة وتنفق على الفرس؟ قال نعم وهذا يدل على اباحة حلية السرج واللجام بالفضة لو لا ذلك لما قال هو على ما وقفه وهذا لان العادة جارية به فاشبه حلية المنطقة، وإذا قلنا بتحريمه فصار بحيث لا يجتمع منه شئ لم تحرم استدامته كقولنا في تمويه السقف، وقال القاضي، تباح علاقة المصحف ذهبا
وفضة للنساء خاصة وليس بجيد لان حلية المرأة ما لبسته وتحلت به في بدنها أو ثيابها وما عداه فحكمه حكم الاواني يستوي فيه الرجال والنساء ولو أبيح لها ذلك لابيح علاقة الاواني ونحوه ذكره ابن عقيل، ويحرم على الرجل خاتم الذهب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه وكذلك طوق الفضة لانه غير معتاد في حقه فهذا وكل ما يحرم اتخاذه إذا بلغ نصابا ففيه الزكاة أو بلغ نصابا بضمه إلى ما عنده لما ذكرنا (فصل) واتخاذ الاواني محرم على الرجال والنساء وكذلك استعمالها، وقال الشافعي في أحد قوليه لا يحرم اتخاذها وقد ذكرنا ذلك في باب الآنية ففيها الزكاة بغير خلاف نعلمه بين أهل العلم، ولا زكاة فيه حتى يبلغ نصابا أو يكون عنده ما يبلغ بضمه إليه نصابا فان لم يبلغ نصابا فلا زكاة فيه لمعوم
الاخبار لقوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس اواق صدقة " وغير ذلك
* (مسألة) * (والاعتبار بوزنه إلا ما كان مباح الصناعة فان الاعتبار في النصاب بوزنه وفي الاخراج بقيمته) اعتبار النصاب في الذهب المحلى والآنية وغيره مما تجب فيه الزكاة بالوزن للخبر، فان كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بها لانها لا قيمة لها في الشرع وله أن يخرج عنها قدر ربع عشرها بقيمته غير مصوغ وله كسرها واخراج ربع عشرها مكسورا وان أخرج ربع عشرها مصوغا جاز لان الصناعة لم تنقصها عن قيمه المكسور وذكر أبو الخطاب وجها في اعتبار قيمتها إذا كانت صناعتها مباحة كمن عنده حلي للكراء وزنه مائة وخمسون درهما وقيمته مائتان تجب فيه الزكاة والاول أصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " (فصل) وما كان مباح الصناعة كحلي التجارة فالاعتبار في النصاب بوزنه لما ذكرنا وفي الاخراج
بقيمته فإذا كان وزنه مائتين وقيمته ثلاثمائة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لان زيادة القيمة ههنا بغير محرم أشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فان أخرج ربع عشره مشاعا جاز وان دفع قدر ربع عشره وزاد في الوزن بحيث يستويان في القيمة بان أخرج سبعة دراهم ونصف جاز وكذلك إن أخرج حليا وزنه خمسة دراهم وقيمته سبعة ونصف لان الربا لا يجري ههنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسورا لم يجز لان كسره ينقص قيمته، وحكي القاضي في المجرد إذا نوى بالحلي القنية أن الاعتبار في الاخراج بوزنه أيضا فان كان للتجارة اعتبر بقيمته قال وعندي في الحلي المعد للقنية أنه تعتبر قيمته أيضا، فان كان في الحلي جواهر ولآلئ وكان للتجارة قوم جميعه، وان كان لغيرها فلا زكاة فيها لانها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها.
* (مسألة) * (ويباح للرجال من الفضة الخاتم وقبيعة السيف، وفي حلية المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل)
يباح للرجال خاتم الفضة لان النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق متفق عليه، ويباح حلية السيف من القبيعة وتحليتها لان أنسا قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فضة، وقال هشام بن عروة كان سيف الزبير محلى بالفضة رواهما الاثرم، والمنطقة يباح تحليتها بالفضة في أظهر الروايتين لانها حلية معتادة للرجل فهي كالخاتم وعنه كراهة ذلك لما فيه من الفخر والخيلاء أشبه الطوق والاول أولى
لان الطوق ليس بمعتاد في حق الرجل وعلى قياس المنطقة الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل وكذلك الضبة في الاناء وما أشبهها للحاجة، وقد ذكرنا ذلك في باب الآنية، وقال القاضي يباح اليسير وان لم يكن لحاجة وإنما كره أحمد الحلقة لانها تستعمل * (مسألة) * (ومن الذهب قبيعة السيف وما دعت إليه الضرورة كالانف وما ربط به أسنانه وقال أبو بكر يباح يسير الذهب) يباح من الذهب للرجل ما دعت الضرورة إليه كالانف لمن قطع أنفه لما روي أن عرفجة بن أسعد
قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من ورق فانتن على فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب رواه أبو داود، وقال الامام أحمد يجوز ربط الاسنان بالذهب أن خشي عليها أن تسقط قد فعله الناس ولا بأس به عند الضرورة وروى الاثرم عن أبي جمرة الضبعي وموسى بن طلحة وأبي رافع وثابت البناني واسماعيل بن زيد بن ثابت والمغيرة بن عبد الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب وما عدا ذلك من الذهب فقد روي عن أحمد الرخصة فيه في السيف، قال أحمد قد روي أنه كان في سيف عثمان بن حنيف مسمار من ذهب وقال إنه كان لعمر سيف فيه سبائك من ذهب من حديث اسماعيل بن أمية عن نافع
وروى الترمذي باسناده عن مزيدة العصري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى سيفه ذهب وفضة وروي عن احمد رواية أخرى تدل على تحريم ذلك قال الاثرم قلت لابي عبد الله يخاف على أن يسقط يجعل فيه مسمارا من ذهب؟ قال انما رخص في الاسنان وذلك انما هو على وجه الضرورة.
فأما المسمار فقد
روي من تحلى بخريصيصة قلت أي شئ خريصيصة قال شئ صغير مثل الشعيرة، وروى الاثرم باسناده عن عبد الرحمن بن غنم " من تحلى بخريصيصه كوي بها يوم القيامة مغفورا له أو معذبا " وحكي عن أبي بكر من أصحابنا أنه أباح يسير الذهب ولعله يحتج بما روينا من الاخبار ولانه أحد الثلاثة المحرمة
على الذكور دون الاناث فلم يحرم يسيره كسائرها وكل ما أبيح من الحلي فلا زكاة فيه إذا أعد للاستعمال * (مسألة) * (ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر وقال ابن حامد إن بلغ الف مثقال حرم وفيه الزكاة) ويباح للنساء من حلي الذهب والفضة والجواهر كل ما جرت عادتهن بلبسه كالسوار والخلخال والقرط والخاتم وما يلبسنه على وجوههن وفي أعناقهن وأيديهن وأرجلهن وآذانهن وغيره فأما ما لم تجر عادتهن بلبسه كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرم وعليها زكاته، كما لو اتخذ الرجل لنفسه حلى المرأة، وقليل الحلي وكثيره سواء في الاباحة والزكاة وقال ابن حامد يباح ما لم يبلغ الف مثقال فان
بلغها حرم وفيه الزكاة لما روى أبو عبيد والاثرم عن عمرو بن دينار قال: سئل جابر عن الحلي هل فيه زكاة؟ قال لا؟ فقيل الف دينار قال إن ذلك لكثير ولانه يخرج إلى السرف والخيلاء ولا يحتاج إليه في الاستعمال، والاول أصح لان الشرع أباح التحلي مطلقا من غير تقييد، فلا يجوز تقييده بالرأي والتحكم، وحديث جابر ليس بصريح في نفي الوجوب بل يدل على التوقف وقد روي عنه خلافه فروى الجوزجاني باسناده عن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله عن الحلي فيه زكاة قال لا؟
قلت إن الحلي يكون فيه الف دينار.
قال وان كان فيه يعار ويلبس، ثم إن قول جابر قول صحابي وقد
خالفه غيره من الصحابة ممن يرى التحلي مطلقا فلا يبقى قوله حجة والتقييد بمجرد الرأي والتحكم غير جائز والله أعلم.
* (باب زكاة العروض) * (تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابا) العروض جمع عرض وهو غير الاثمان من المال على اختلاف أنواعه من الحيوان والعقار والثياب وسائر المال والزكاة واجبة فيها في قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول روي ذلك عن عمر وابنه وابن عباس وبه قال الفقهاء السبعة والحسن وجابر بن زيد وميمون بن مهران والنخعي والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي واسحق وحكي عن مالك وداود أنه لا زكاة فيها، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق " ولنا ما روى أبو داود باسناده عن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع، وروى الدارقطني عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " في الابل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته " قاله بالزاي ولا خلاف بين أهل العلم أن الزكاة لا تجب في عينها وثبت أنها تجب في قيمتها وعن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال: أمرني عمر فقال أد زكاة مالك فقلت مالي مال الا جعاب وأدم، فقال قومها ثم أد زكاتها رواه الامام أحمد وأبو عبيد وهذه قضية يشتهر مثلها
ولم تنكر فتكون إجماعا ولانه مال تام فوجبت فيه الزكاة كالسائمة وخبرهم المراد به زكاة العين لا زكاة القيمة بدليل ما ذكرنا على أن خبرهم عام وحديثنا خاص فيجب تقديمه (فصل) ويعتبر أن تبلغ قيمته نصابا لانه مال تام يعتبر له الحول فاعتبر له النصاب كالماشية يعتبر له الحول لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول على الحول " ولا نعلم فيه خلافا فعلى هذا من ملك عرضا للتجارة فحال عليه الحول وهو نصاب قومه في آخر الحول فما بلغ أخرج زكاته ولا تجب فيه الزكاة إلا إذا بلغت قيمته نصابا وحال عليه الحول وهو نصاب، فلو ملك سلعة قيمتها دون النصاب فمضى نصف حول وهي كذلك ثم زادت قيمتها فبلغت نصابا أو باعها بنصاب أو ملك في أثناء الحول
عرضا أخرا وأثمانا ثم بها النصاب ابتداء الحول من حينئذ ولا يحتسب عليه بما مضى وهذا قول الثوري وأهل العراق والشافعي وإسحق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر، ولو ملك للتجارة نصابا فنقص عن النصاب في أثناء الحول ثم زاد حتى بلغ نصابا استأنف الحول عليه لكونه انقطع بنقصه في أثناء الحول
وقال مالك ينعقد الحول على ما دون النصاب فإذا كان في آخره نصابا زكاه وقال أبو حنيفة يعتبر كونه نصابا في طرفي الحول دون وسطه لان التقويم يشق في جميع الحول فعفى عنه إلا في آخره فصار الاعتبار به ولانه يحتاج إلى تعرف قيمته في كل وقت ليعلم أن قيمته تبلغ نصابا وذلك يشق ولنا أنه مال يعتبر له الحول والنصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الاموال التي يعتبر لها ذلك وقولهم يشق التقويم لا يصح لان غير المقارب للنصاب لا يحتاج إلى تقويم لظهور معرفته، والمقارب للنصاب إن سهل عليه التقويم والا فله الاداء والاخذ بالاحتياط كالمستفاد في أثناء الحول إن سهل على ضبط حوله وإلا فله تعجيل زكاته مع الاصل (فصل) (والواجب فيه ربع عشر قيمته لانها زكاة تتعلق بالقيمة فاشبهت زكاة الاثمان ويجب فيما زاد بحسابه كالاثمان) إذا ثبت هذا فانه تجب فيه الزكاة في كل حول وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحق وأبو عبيد وأصحاب الرأي، وقال مالك لا يزكيه إلا لحول واحد إلا أن يكون مدبرا لان الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه فلم تجب فيه الزكاة كالحول الاول إذا لم يكن في أوله عينا
ولنا أنه مال تجب فيه الزكاة في الحول الاول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدل صفته فوجبت زكاته في الحول الثاني كما لو نض (1) في أوله ولا نسلم أنه إذا لم يكن في أوله عينا لا تجب الزكاة فيه، وإذا اشترى عرضا للتجارة بعرض للقنية جرى في حول الزكاة من حين الشراء * (مسألة) * (ويؤخذ منها لا من العروض) تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها لان نصابها يعتبر بالقيمة لا بالعين فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الاموال وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر هو مخير بين الاخراج من قيمتها
ومن عينها وهو قول أبي حنيفة لانه مال تجب فيه الزكاة فجاز اخراجها منه كسائر الاموال ولنا ما ذكرنا من المعنى ولا نسلم أن الزكاة وجبت في المال انما وجبت في قيمته (فصل) وإذا ملك نصبا للتجارة في أوقات متفرقة لم يضم بعضها إلى بعض لما ذكرنا في المستفاد وإن كان العرض الاول ليس بنصاب فكمل بالثاني نصابا فحولهما من حين ملك الثاني ونماؤهما تابع لهما ولا يضم الثالث اليهما بل ابتداء الحول فيه من حين ملكه، وتجب زكاته إذا حال عليه الحول وإن كان دون النصاب لان في ملكه نصابا قبله ونماؤه تابع له * (مسألة) * (ولا تصير للتجارة إلا أن يملكها بفعله بنية التجارة بها) لا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين أحدهما أن يملكه بفعله كالبيع والكاح والخلع وقبول الهبة والوصية والغنيمة واكتساب المباحات لان ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كالسوم، ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض وهكذا ذكره أو الخطاب وابن عقيل لانه ملكه بفعله أشبه ما لو ملكه بعوض، وذكر القاضي أنه لا يصير للتجارة الا أن يملكه بعوض وهو قول الشافعي فان ملكه بغير عوض كالهبة والغنيمة ونحوهما لم يصر للتجارة لانه لم يملكه بعوض أشبه الموروث، الثاني أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة، فان لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة لقوله في الحديث " مما نعده للبيع " ولانها مخلوقة في الاصل للاستعمال فلا تصير للتجارة الا بنيتها كما أن ما خلق للتجارة لا يصير للقنية إلا بنيتها
__________
" 1 " في القاموس: نض الدرهم أو الدينار إذا تحول عينا بعد ان كان متاعا
* (مسألة) * (فان ملكها بارث أو ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نوي التجارة بها لم تصر للتجارة) إذا ملك العرض بالارث لم يصر للتجارة وإن نواها لانه ملكه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة فلم يبق الا مجرد النية ومجرد النية لا يصير بها العرض للتجارة لما ذكرنا وكذلك إن ملكها بفعله بغير نية التجارة ثم نواها بعد ذلك لم يصر للتجارة لان الاصل في العروض القنية فإذا صارت للقنية لم تنتقل عنه بمجرد النية كما لو نوى الحاضر السفر وعكسه ما لو نوى المسافر الاقامة يكنفي فيه مجرد النية
* (مسألة) * (وان كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة، وعنه أن العروض تصير للتجارة بمجرد النية) ولا يختلف المذهب أنه إذا نوى بعرض التجارة القنية أنه يصير للقنية وتسقط الزكاة منه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال مالك في احدى الروايتين لا يسقط حكم التجارة بمجرد النية كما لو نوى بالسائمة العلف.
ولنا أن القنية الاصل والرد إلى الاصل يكفي فيه مجرد النية كما لو نوى بالحلي التجارة أو نوى المسافر الاقامة، ولان نية التجارة شرط لوجوب الزكاة في العروض فإذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوب، وفارق السائمة إذا نوى علفها لان الشرط فيها الاسامة دون نيتها فلا ينتفى الوجوب الا بانتفاء السوم وإذا صار العرض للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة لما ذكرنا.
وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والثوري وذهب أبو بكر وابن عقيل إلى أنها تصير للتجارة بمجرد النية وحكوه رواية عن أحمد قال بعض أصحابنا هذا على أصح الروايتين لقول سمرة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع وهذا داخل في عمومه، ولان نية القنية كافية بمجردها فكذلك نية التجارة بل هذا أولى لان الايجاب يغلب على الاسقاط احتياطا، ولانه نوى به التجارة أشبه ما لو نوى حال الشراء، ووجه الاولى أن كل ما لا يثبت له الحكم بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كما لو نوى بالمعلوفة السوم، ولان القنية الاصل والتجارة فرع عليها فلا ينصرف إلى الفرع بمجرد النية كالمقيم ينوي السفر، ويعتبر وجود النية في جميع الحول لانها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول، فاعتبر فيه كالنصاب.
(فصل) وإذا كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الاسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا كذلك قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي لان حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السوم لا يبنى على حول التجارة.
قال شيخنا والاشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة
من أول الحول وجبت الزكاة فيها عند تمامه، يروى نحو هذا عن إسحق لان السوم سبب لوجوب
الزكاة وجد في جميع الحول خاليا عن معارض فوجبت به الزكاة، كما لو لم ينو التجارة أو كما لو كانت السائمة لا تبلغ نصاب القيمة.
* (مسألة) * (وتقوم العروض عند الحول بما هو أحظ للمساكين من عين أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به) إذا حال الحول على عروض التجارة وقيمتها بالفضة نصاب ولا تبلغ نصابا بالذهب قومناها بالفضة وان كانت قيمتها بالذهب تبلغ نصابا ولا تبلغ نصابا بالفضة قومناها بالذهب لتجب الزكاة فيها ويحصل الحظ للفقراء سواء اشتراها بذهب أو عروض وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي تقوم بما اشتراه من ذهب أو فضة، لان نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فوجبت الزكاة فيه واعتبرت به، كما لو لم يشتر به شيئا.
ولنا أن قيمته بلغت نصابا فوجبت الزكاة فيه كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصابا ولان تقويمه يحظ المساكين فيعتبر مالهم فيه الحظ كالاصل، وأما إذا لم يشتر بالنقد شيئا فان الزكاة في عينه لا في قيمته بخلاف العرض فان كان النقد معدا للتجارة فينبغي أن تجب الزكاة فيه إذا بلغت قيمته بالنقد الآخر نصابا وان لم يبلغ بعينه نصابا كالسائمة التي للتجارة فان بلغت قيمة العروض نصابا بكل واحد من النقدين قومه بما شاء منهما وأخرج ربع عشر قيمته
من أي النقدين شاء، لكن الاولى أن يخرج من النقد المستعمل في البلد لانه أحظ للمساكين فان كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال لذلك فان تساويا أخرج من أيهما شاء، وان باع العروض بنقد وحال الحول عليه قوم النقد دون العروض لانه انما يقوم ما حال عليه الحول دون غيره * (مسألة) * (وان اشترى عرضا بنصاب من الاثمان أو من العروض بنى على حوله) لان مال التجارة انما تتعلق الزكاة بقيمته، وقيمته هي الاثمان، انما كانت ظاهرة فخفيت فأشبه ما لو كان له نصاب فأقرضه لم ينقطع حوله بذلك، وهكذا الحكم إذا باع العرض بنصاب أو بعرض قيمته نصاب لان القيمة كانت خفية فظهرت أو بقيت على خفائها فأشبه ما لو كان له قرض فاستوفاه أو أقرضه انسانا آخر، ولان النماء في الغالب في التجارة انما يحصل بالتقليب ولو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب
الذي وجبت فيه الزكاة لاجله يمنعها لان الزكاة لا تجب الا في زمان تام، وان قصد بالاثمان غير التجارة لم ينقطع الحول، وقال الشافعي: ينقطع لانه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع كالسائمة ولنا انه من جنس القيمة التي تتعلق الزكاة بها فلم ينقطع الحول ببيعها به كما لو قصد به التجارة وفارق السائمة فانها من غير جنس القيمة
* (مسألة) * (وان اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله) إذا أبدل عرض التجارة بنصاب من السائمة ولم ينو به التجارة أو اشترى بنصاب من السائمة عرضا للتجارة لم يبن حول أحدهما على الاخر لانهما مختلفان، وان أبدل عرض التجارة بعرض القنية بطل الحول، وان اشترى عرض التجارة بعرض القنية انعقد عليه الحول من حين ملكه ان كان نصابا لانه اشتراه بما لا زكاة فيه فلم يمكن بناء الحول عليه وان اشتراه بما دون النصاب من الاثمان أو من عروض التجارة انعقد عليه الحول من حين تصير قيمته نصابا لان مضي الحول على نصاب كامل شرط لوجوب الزكاة وقد ذكرناه.
(مسألة) (وان ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة دون السوم فان لم تبلغ قيمته نصاب التجارة فعليه زكاة السوم) إذا اشترى للتجارة نصابا من السائمة فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان زكاه زكاة التجارة.
وبهذا قال أبو حنيفة والثوري، وقال مالك والشافعي في الجديد: يزكيها زكاة السوم لانها أقوى لانعقاد الاجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى ولنا ان زكاة التجارة أحظ للمساكين لانها تجب فيما زاد على النصاب بالحساب، ولان الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فوجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصابا، وان سبق وقت وجوب زكاة السوم وقت وجوب زكاة التجارة مثل أن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم، ثم صارت فيمتها في أثناء الحول مائتي درهم فقال القاضي: يتأخر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة
لانه أنفع للفقراء ولا يفضي إلى سقوطها لان الزكاة تجب فيها إذا تم حول التجارة، ويحتمل أن تجب زكاة العين عند تمام حولها لوجود مقتضيها من غير معارض، فإذا تم حول التجارة وجبت زكاة الزائد عن النصاب لوجود مقتضيها لانه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب، ولا يمكن ايجاب الزكاتين بكمالهما لانه يفضي إلى إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد، فلم يجز ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تثني في الصدقة " وفارق هذا زكاة التجارة وزكاة القطر في العبد الذي للتجارة لانهما يجتمعان لكونهما بسببين فان زكاة الفطر تجب عن بدن المسلم طهرة له، وزكاة التجارة تجب عن قيمته شكرا لنعمة الغني مواساة للفقراء، فأما ان وجد نصاب السوم دون التجارة كمن ملك نصابا من السائمة للتجارة لا تبلغ قيمتها مائتي درهم وحال الحول عليها كذلك فان زكاة العين لا تجب فيها بغير خلاف لانه لم يوجد لها معارض أشبه إذا لم تكن للتجارة، وكذلك ان ملك أربعا من الابل قيمتها مائتا درهم تجب فيها زكاة التجارة بغير خلاف لما ذكرنا * (مسألة) * (وان اشتري أرضا أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل أو زرعت الارض فعليه فيهما العشر ويزكي الاصل للتجارة)
زكاة التجارة فيها أنفع للفقراء.
فأما ان سبق وجوب العشر حول التجارة وجب عليه العشر لوجود سببه من غير معارض وهو أحظ للفقراء كما بينا إذا اشترى أرضا أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل، أو زرعت الارض واتفق حولاهما بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحول وكانت قيمة الاصل تبلغ نصابا للتجارة فانه يزكي الحب والثمرة زكاة العشر إذا بلغ نصابا، ويزكي الاصل زكاة القيمة.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي ثور وقال القاضي وأصحابه: يزكي الجميع زكاة القيمة، وذكر ان أحمد أومأ إليه لانه مال تجارة فوجبت فيه زكاة التجارة كالسائمة ولنا ان زكاة العشر أحظ للفقراء فان العشر أحظ من ربع العشر فيجب تقديم ما فيه الحظ، ولان الزيادة على ربع العشر قد وجد سبب وجوبها فتجب، وفارق زكاة السوم المعدة للتجارة لان
(فصل) وإذا حال الحول أدى زكاة الاصل والنماء لانه تابع له في الملك فتبعه في الحول كالسخال والنتاج، وبهذا قال مالك واسحق وأبو يوسف، وأما أبو حنيفة فانه يبني حول كل مستفاد على حول جنسه النماء وغيره.
وقال الشافعي: ان نضت الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب، ويستأنف لها حولها لقوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولانها فائدة تامة لم تتولد مما عنده أشبه المستفاد من غير الربح.
وان اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فانه يضم الفائدة ويزكي عن الجميع بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول ولنا أنه نماء جار في حول تابع لاصله في الملك فضم إليه في الحول كالنتاج وكما لو لم ينض ولانه ثمن عرض تجب زكاة بعضه يضم إليه الباقي قبل البيع فضم إليه بعده كبعض النصاب ولانه لو بقي عرضا زكي جميع القيمة، فإذا نض كان أولى لانه يصير متحققا والحديث فيه مقال وهو مخصوص
بالنتاج وبما لم ينض فنقيس عليه.
(فصل) وإذا اشترى للتجارة شقصا مشفوعا بالف فحال الحول وهو يساوي الفين فعليه زكاة الفين فان جا الشفيع أخذه بالف لان الشفيع إنما يأخذ بالثمن لا بالقيمة، والزكاة على المشتري لانها وحبت في ملكه ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد المشتري به عيبا فرده فانما يأخذ من البائع الفا، ولو اشتراه بالفين وحال الحول وقيمته الف فعليه زكاة الف ويأخذه الشفيع ان أخذه ويرده بالعيب بالفين لانهما الثمن الذي وقع به البيع.
(فصل) وإذا دفع إلى رجل الفا مضاربة على أن الربح بينهما فحال الحول وهو ثلاثة آلاف فعلى رب المال زكاة الفين لان ربح التجارة حوله حول أصله على ما بينا، وقال الشافعي في أحد قوليه عليه زكاة الجميع لان الاصل له والربح نماء ماله ولا يصح ذلك لان حصة المضارب له وليست ملكا لرب المال بدليل أن للمضارب المطالبة بها ولو أراد رب المال دفع حصته إليه من غير هذا المال لم يلزمه
قبوله، ولا يجب على الانسان زكاة ملك غيره ولان رب المال يقول حصتك أيها العامل مترددة بين أن تسلم فتكون لك أو تتلف فلا تكون لي ولا لك فكيف يجب علي زكاة ما ليس لي بوجه ما؟ وقوله إنها نماء ماله فلنا الا أنه لغيره فلم تجب عليه زكاته كما لو وهب نتاج سائمته لغيره إذا ثبت هذا فانه يخرج الزكاة من المال لانه من مؤنته فكان منه كمؤنة حمله، ويحتسب من الربح لانه وقاية لرأس المال كذلك ذكره شيخنا في كتاب المغني، وقال في كتاب تحتسب الزكاة من حصة رب المال لانها واجبة عليه فحسبت من نصيبه كدينه، فاما حصة المضارب فمن أوجبها لم يجوز اخراجها من المال لان الربح وقاية لرأس المال، ويحتمل أن يجوز لانهما دخلا على حكم الاسلام
ومن حكمه وجوب الزكاة واخراجها من المال ولاصحاب الشافعي في هذه المسألة نحو مما ذكرنا * (مسألة) * (وإذا اذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في اخراج زكاته أو أذن رجلان غير
الشريكين كل واحد منهما للآخر في إخراج زكاته فأخرج كل واحد منهما زكاته وزكاة صاحبه
معا في حال واحدة ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لان كل واحد منهما انعزل من طريق الحكم
عن الوكالة لاخراج الموكل زكاته بنفسه)
ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم باخراج صاحبه إذا قلنا إن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بعزل الموكل
أو بموته ويحتمل أن لا يصمن وإن قلنا إنه ينعزل لانه غره بتسليطه على الاخراج وأمره به ولم يعلمه
باخراجه فكان خطر التغرير عليه كما لو غره بحرية أمة، قال شيخنا وهذا أحسن ان شاء الله تعالى.
وعلى
هذا إن علم أحدهما دون الآخر فعلى العالم الضمان دون الآخر
* (مسألة) * (فان أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الاول علم أو لم يعلم) لما ذكر
وهذا على الوجه الاول وعلى الوجه الثاني لا ضمان عليه إذا لم يعلم لما ذكرنا والله أعلم
باب زكاة الفطر قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض.
قال إسحق هو كالاجماع من أهل العلم وحكى ابن عبد البر أن بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداود يقولون هي سنة مؤكدة وسائر العلماء على أنها واجبة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين.
متفق عليه، وللبخاري والصغير والكبير من المسلمين وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، وعن أبي سعيد قال كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب.
متفق عليهما.
وقال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى (قد أفلح من تزكى) هو زكاة الفطر واضيفت هذه الزكاة إلى الفطر لانها تجب بالفطر من رمضان قال ابن قتيبة وقبل لها فطرة لان الفطرة الخلقة قال الله تعالى (فطرة الله التي فطر الناس عليها) وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس، قال بعض أصحابنا وهل تسمى فرضا مع القول بوجوبها على
روايتين والصحيح أنها فرض لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ولان الفرض إن كان الواجب فهي واجبة وإن كان الواجب المتأكد فهى متأكدة مجمع عليها على ما حكاه ابن المنذر * (مسألة) * (وهي واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله
يوم العيد وليلته صاع وان كان مكاتبا) وجملة ذلك أن زكاة الفطر تجب على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه صغيرا كان أو كبيرا حرا أو عبدا ذكرا أو أنثى لما ذكرنا من حديث ابن عمر وهذا قول عامة أهل العلم وتجب على اليتيم ويخرج عنه وليه من ماله لا نعلم أحدا خالف فيه إلا محمد بن الحسن قال ليس في مال الصغير صدقة، وقال الحسن صدقة الفطر على من صام من الاحرار وعلى الرقبق، وعموم حديث ابن عمر يقتضي وجوبها على اليتيم والصغير مطلقا ولانه مسلم فوجبت فطرته كما لو كان له أب (فصل) ولا تجب صدقة الفطر على أهل البادية في قول اكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن الزبير، وهو قول الحسن ومالك والشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي، وقال عطاء والزهري وربيعة لا صدقة عليهم: ولنا عموم الحديث، ولانها زكاة فوجبت عليهم كزكاة المال ولانهم مسلمون أشبهوا أهل الامصار (فصل) ولا تجب على كافر أصلي حرا كان أو عبدا، أما المرتد ففى وجوبها عليه اختلاف ذكرناه فيما مضى، قال شيخنا ولا نعلم خلافا بينهم في الحر البالغ الكافر أنها لا تجب عليه وقال امامنا ومالك والشافعي وأبو ثور لا تجب على العبد أيضا ولا على الصغير ويروى عن عمر بن عبد العزيز وعطاء
ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والثوري وإسحق وأصحاب الرأي أن على السيد المسلم اخراج الفطرة عن عبده الذمي، وقال أبو حنيفة يخرج عن ابنه الصغير إذا ارتد، ورووا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير يهودي أو نصراني أو مجوسي نصف صاع من بر " ولان كل زكاة وجبت بسبب عبده المسلم وجبت عبده الكافر كزكاة التجارة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر من المسلمين، وروى أبو داود عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقه من الصدقات، وحديثهم لم نعرفه ولم يذكره صحاب السنن، وزكاة التجارة تجب عن القيمة ولذلك تجب في سائر الحيوانات وسائر الاموال وهذه طهرة
للبدن ولهذا اختص بها الآدميون بخلاف زكاة التجارة (فصل) فان كان لكافر عبد مسلم وهل هلال شوال وهو ملكه، فحكي عن أحمد أن على الكافر إخراج صدقة الفطر عنه، واختاره القاضي وقال ابن عقيل يحتمل أن لا يجب، قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لقوله عليه السلام " من المسلمين " ولانه كافر فلم تجب عليه الفطرة كسائر الكفار، ولانها زكاة فلم تجب على الكفرة كزكاة المال ووجه
الاولى أن العبد من أهل الطهرة فوجب أن تؤدي عنه الفطرة كما لو كان سيده مسلما وقوله من المسلمين يحتمل أنه أراد به المؤدى عنه بدليل أنه لو كان للمسلم عبد كافر لم تجب فطرته ولانه ذكر في الحديث كل عبد وصغير وهذا يدل على أنه أراد المؤدى عنه لا المؤدي ولاصحاب الشافعي في هذا وجهان كالمذهبين (فصل) وهي واجبة على من قدر عليها ولا يعتبر في وجوبها النصاب، وبهذا قال أبو هريرة وأبو العالية والشعبي وعطاء وابن سيرين والزهري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب الرأي، لا تجب إلا على من يملك مائتي درهم أو ما قيمته نصاب فاضلا عن مسكنه لقوله عليه السلام " لا صدقة الا عن ظهر غنى، والفقر لا غنى له فلا تجب عليه ولانه تحل له الصدق فلا تجب عليه كالعاجز عنها ولنا ما روى ثعلبه بس ابي صغير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح " أو قال " بر عن كل إنسان صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه اكثر مما أعطى " وفي رواية أبي داود صاع من بر أو قمح عن كل اثنين ولانه حق مال لا يزيد يزيادة المال فلم يعتبر وجود النصاب له لكفارة ولا يمتنع أن يؤخذ منه ويعطى كمن وجب عليه العشر والقياس على العاجر لا يصح وحديثهم محمول على زكاة المال
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: