الفقه الحنبلي - الفرائض 7
مسألة (أو عتق عليه برحم) يعني إذا ملكه فعتق عليه بالملك كان له ولاؤه لانه يعتق من ماله بسبب فعله فكان ولاؤه له كما لو باشر عتقه وسواء ملكه بشراء أو هبة أو ارث أو غنيمة أو غيره لا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافا (أو كتابة أو تدبير) يعني
إذا كاتبه فأدى إلى مكاتبه وعتق أو عتق بالتدبير فولاؤه لسيده في قول عامة الفقهاء وبه يقول الشافعي وأهل العراق.
وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب لانه اشترى نفسه من سيده فلم يكن له عليه ولاء كما لو اشتراه أجنبي فأعتقه، وكان قتادة يقول من لم يشترط ولاء المكاتب فللمكاتب أن يوالي من يشاء وقال مكحول أما المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته فجائز ولنا أن السيد هو المعتق للمكاتب لانه يبيعه بماله وماله وكسبه لسيده فجعل ذلك له ثم باعه به حتى عتق فكان هو المعتق وهو المعتق للمدبر أيضا بلا اشكال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " ويدل على ذلك أن المكاتبين يدعون موالي مكاتبيهم فيقال أبو سعيد مولى أبي أسيد وسيرين مولى أنس
وسليمان بن يسار مولى ميمونة وكانوا مكاتبين، ويدل على ذلك حديث بريرة أنها جاءت إلى عائشة فقالت يا أم المؤمنين اني كاتبت أهلي على تسع أواق فأعينيني فقالت عائشة ان شاء واعددت لهم عدة
واحدة ويكون ولاؤك لي فعلت، فأبوا أن يبيعوها الا أن يكون الولاء لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء " وهذا يدل على أن الولاء كان لهم لو لم تشترها منهم عائشة.
(فصل) وإن اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق والولاء لسيده لانه يبيع ماله بماله فهو مثل المكاتب سواء والسيد هو المعتق لهما فكان الولاء له عليهما.
(مسألة) (أو استيلاد أو وصية بعتقه) يعني إذا عتقت أم الولد بموت سيدها فولاؤها له يرثها أقرب عصبته وهذا قول عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال عامة الفقهاء.
وقال ابن مسعود تعتق من نصيب ابنها فيكون ولاؤها له، ونحوه عن ابن عباس وعن علي لا تعتعق ما لم يعتقها وله بيعها، وبه قال جابر بن زيد وأهل الظاهر، وعن ابن عباس نحوه ولذكر الدليل على ذلك موضع يذكر إن شاء الله تعالى في بابه، ولا خلاف بين القائلين بعتقها أن ولاءها لمن عتقت عليه.
ومذهب الجمهور أنها تعتق بموت سيدها من رأس المال فيكون ولاؤها له لانها عتقت بفعلها من ماله فكان ولاؤها له كما لو عتقت بقوله ويختص ولاؤها الذكور من عصبة السيد كالمدبر والمكاتب
(فصل) ومن أوصى أن يعتق عنه بعد موته فأعتق فالولاء له وكذلك إن أوصى به ولم يقل عني فأعتق كان الولاء له لان الاعتاق عنه من ماله فان أعتق عنه ما يجب عتقه ككفارة ونحوها ففيه اختلاف نذكره إن شاء الله تعالى.
(فصل) ويثبت الولاء للمعتق على المعتق لما ذكرنا وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته لانه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه ولانهم فرع والفرع يتبع أصله بشرط أن يكونوا من زوجة معتقه أو من أمته فان كانت أمهم حرة الاصل فلا ولاء على ولدها لانهم يتبعونها في الحرية والرق فيتبعونها في عدم الولاء إذ ليس عليها ولاء وكذلك إن كان أبوهم حر الاصل إذا لم يمسسهم رق، فان كان قد ثبت ملك فأعتقوا فولاؤهم لمعتقهم للحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن أعتق " ويثبت الولاء للمعتق على معتقي معتقته، ومعتقي أولاده، ومعتقهم أبدا ما تناسلوا، لانه ولي نعمتهم وبسببه عتقوا
فأشبه ما لو باشرهم بالعتق.
(مسألة) (ويرث به عند عدم العصبة من النسب، فمتى كان للمعتق عصبة أو ذوي فروض تستحق فروضهم المال فلا شئ للمولى) لا نعلم في هذا خلافا فان لم يكن له عصبة ولا ذو فرض يرث المال كله فهو للمولى وإن كان ذو الفرض لا يرث جميع المال فالباقي للمولى لما روى الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الميراث للعصبة فان لم يكن عصبة فللمولى "، وعنه أن رجلا أعتق عبدا فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما ترى في ماله؟ قال " ان مات ولم يدع وارثا فهو لك " ولان النسب أقوى من الولاء بدليل أنه يتعلق به التحريم والنفقة وسقوط القصاص ورد الشهادة ولا يتعلق ذلك بالولاء.
(مسألة) (ثم يرث به عصباته الاقرب فالاقرب) وجملة ذلك أن العتيق إذا لم يخلف من نسبه من يرثه كان ماله لمولاه، فان كان مولاه ميتا فهو لاقرب عصبته سواء كان ولدا أو أخا أو عما أو أبا أو غيره من العصاب، وسواء كان المعتق ذكرا أو أنثى فان لم يكن له عصبة من أقاربه كان الميراث لمولاه ثم لعصباته الاقرب فالاقرب ثم لمولاه وكذلك أبدا.
روي هذا عن عمر رضي الله عنه وبه قال الشعبي والزهري وقتادة ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وصاحباه، وروي عن على رضي الله عنه ما يدل على أن مذهبه في امرأة ماتت وخلفت ابنها وأخاها أو ابن أخيها أن ميراث مواليها لاخيها وابن أخيها دون ابنها، وروي عنه الرجوع إلى مثل قول الجماعة، فوري عن ابراهيم أنه قال اختصم علي والزبير في موالي صفية بنت عبد المطلب فقال علي: أنا أحق بهم أنا أرثهم وأعقل عنهم، وقال الزبير: هم موالي أمي وأنا أرثهم، فقضى عمر للزبير بالميراث والعقل على علي رواه سعيد ورواه أبو معاوية بن عبيدة الضبي عن ابراهيم وقال ثنا هشيم حدثنا الشيباني عن الشعبي قال قضى بولاء موالي صفية للزبير دون العباس وقضى في أم هاني بنت أبي
طالب لابنها جعدة بن هبيرة دون علي: وروى الامام باسناده عن زياد بن أبي مريم أن
امرأة أعتقت عبدا لها ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفى مولاها من بعهدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال اخوها يا رسول الله لو جر جريرة كانت على ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وروى باسناده عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المولى اخ في الدين ومولى نعمة يرثه اولى الناس بالمعتق.
إذا ثبت هذا فان المعتقة لو خلفت ابنها واخاها أو ابن اخيها ثم مات مولاها فميراثه لابنها، وان مات ابنها بعدها وقبل مولاها وترك عصبة كاعمامه وبنى اعمامه ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة ابنها فميراثه لاخي مولاته لانه اقرب عصبة المعتق فان المرأة لو كانت هي الميتة لورثها اخوها وعصبتها، فان انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها يروى هذا عن علي وبه قال إبان بن عثمان وقبيصة بن عثمان وعطاء وطاوس والزهري وقتادة ومالك والشافعي وأهل العراق، وروي عن علي رواية اخرى انه لعصبة الابن وروي ذلك عن عمرو ابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال شريح، وهذا مبني على ان الولاء يورث كما يورث المال وقد روي عن احمد نحو هذا، واحتجوا بان عمرو بن شعيب روى عن ابيه عن جده ان رئاب بن حذيفة تزوج امرأة فولدت له ثلاثة غلمة فماتت امهم فورثوا عنها ولاء مواليها وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها فاخرجهم إلى الشام فماتوا فقدم عمرو بن العاص ومات مولاها وترك
مالا فخاصمه اخوتها إلى عمر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما احرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان " قال وكتب له كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت ورجل آخر فنحن فيه إلى الساعة رواه أبو داود وابن ماجه، والصحيح الاول فان الولاء لا يورث على ما نذكره ان شاء الله تعالى، وانما يورث به وهو باق للمعتق يرثه به اقرب عصباته ومن لم يكن من عصبة امه لم يرث شيئا وعصبة الابن غير عصبة امه فلا يرث الاجانب منها بولائها دون عصباتها، وحديث عمرو بن شعيب غلط قال احمد الناس يغلطون عمرو بن شعيب في هذا الحديث.
فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من اقارب معتقه الا عصباته الاقرب منهم فالاقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات، ولا يرث ذو فرض بفرضه ولا ذو رحم الا أن يكون الاب والجد مع البنين والجد مع الاخوة على ما نذكره، فان اجتمع لرجل منهم فرض
وتعصيب كالاب والجد والزوج والاخ من الام إذا كانا ابني عم ورث بما فيه من التعصيب دون الفرض فان كانا عصبات في درجة واحدة كالبنين وبنوهم والاخوة وبنيهم والاعمام وبنيهم اقتسموا الميراث بالسوية وهذا كله لا خلاف فيه سوى ما ذكرنا من الاقوال الشاذة (فصل) ويقدم المولى في الميراث على الرد وذوي الارحام في قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فإذا مات رجل فخلف بنته ومولاه فلبنته النصف والباقي لمولاه وان خلف ذا رحم
ومولاه فالمال لمولاه خاصة، وعن عمر وعلي يقدم الرد على المولى ولعلهم يحتجون بقول الله تعالى (واولوا الارحام بعضهم اولى بعض في كتاب الله) ولنا حديث عبد الله بن شداد وحديث الحسن ولانه عصبة يعقل عن مولاه فيقدم على الرد وذوي الرحم كأبن العم (مسألة) (وعنه في المكاتب إذا ادى إلى الورثة ان ولاءه لهم) لانه انتقل إليهم اشبه ما لو اشتروه وان ادى اليهما فولاؤه بينهما لانهما اشتركا في ادائه اليهما فاشتركا في استحقاق ولائه كالشريكين والرواية الاخرى ولاؤه للمكاتب لان عتقه بكتابته وهي من سيده (مسألة) (ومن كان احد ابويه الحرين حر الاصل فلا ولاء عليه) وجملته انه إذا كان احد الزوجين حر الاصل فلا ولاء على ولدهما سواء كان الآخر عربيا أو مولى لان الام ان كانت حرة الاصل فالولد يتبعها فيما إذا كان الاب رقيقا في انتفاء الرق والولاء فلان يتبعها في نفى الولاء وحده اولى وان كان الاب حر الاصل فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء بحيث يصير الولاء عليه لمولى ابيه فلان يتبعه في سقوط الولاء عنه اولى وهذا قول أكثر اهل العلم، وقال أبو حنيفة ان كان الاب اعجميا والام مولاة ثبت الولاء على ولده وليس بصحيح لانه حر الاصل فلم يثبت الولاء على ولده كما لو كان عربيا
وسواء كان مسلما أو ذميا أو حربيا مجهول النسب أو معلومه وهذا قول أبي يوسف ومالك وابن شريح وقال القاضي ان كان مجهول النسب ثبت الولاء على ولده لمولى الام ان كانت مولاة قال ابن اللبان هذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال الخبري هذا قول أبي حنيفة ومحمد واحمد لان مقتضى ثبوته لمولى
الام موجود، وانما امتنع في محل الوفاق لحرية الاب فإذا لم تكن معلومة فقد وقع الشك في المانع فيبقى على الاصل ولا يزول اليقين بالشك ولا يترك العمل بالمقتضي مع الشك في المانع ولنا ان الاب حر محكوم بحريته اشبه معروف النسب ولان الاصل في الآدميين الحرية وعدم الولاء فلا يترك هذا الاصل بالوهم في حق الولد كما لم يترك في حق الاب، وقولهم مقتضى ثبوته لمولى الام موجود ممنوع فانه انما يثبت لمولى الام بشرط رق الاب وهذا الشرط منتف حكما وظاهرا وان سلمنا وجود المقتضى فقد ثبت المانع حكما فان حرية الاب ثابتة حكما فلا تعويل على ما قالوه، فاما ان كان الاب مولى والام مجهولة النسب فلا ولاء عليه في قولنا، وقياس قول القاضي والشافعي ثبوت الولاء عليه لمولى ابيه لانا شككنا في المانع من ثبوته ولنا ما ذكرناه في التى قبلها ولان الام لا تخلوا من ان تكون حرة الاصل فلا ولاء على ولدها أو امة فيكون ولدها عبدا أو مولاة فيكون على ولدها الولاء لمولى أبيه، والاحتمال الاول راجح لوجهين احدهما انه محكوم به في الام فيجب الحكم به في ولدها الثاني انه معتضد بالاصل فان الاصل الحرية ثم لو لم يترجح هذا الاحتمال لكان
الاحتمال الذي صاروا إليه معارض باحتمالين كل واحد منهما مساو له فنرجحه عليهما بحكم لا يجوز المصير إليه بغير دليل وهذا وارد عليهم في المسألة الاولى أيضا (مسألة) (ومن اعتق سائبة في نذره أو زكاته أو كفارته ففيه روايتان (إحداهما) له عليه الولاء والثانية لا ولاء له عليه وما رجع من ميراثه رد في مثله يشتري به رقابا يعتقهم) قال احمد في رواية عبد الله الرجل يعتق عبده سائبة هو الرجل يقول لعبده قد اعتقتك سائبة كأنه يجعله لله لا يكون ولاؤه له قد جعله لله وسلمه وعن أبي عمروا الشيباني عن ابن مسعود والسائبة يضع ماله حيث شاء وقال احمد قال عمر قال الصدقة والسائبة ليومهما ومتى قال الرجل لعبده أعتقتك سائبة أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك لم يكن له عليه ولاء فان مات وخلف مالا ولم يدع ورثة اشترى بماله رقاب فأعتقوا في المنصوص عن أحمد وأعتق ابن عمر عبدا سائبة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم والراية الثانية الولاء للمعتق وهو قول الشعبي والنخعي وابن سيرين وراشد بن سعد وضمرة
ابن حبيب والشافعي وأهل العراق لقوله عليه الصلاة والسلام " الولاء لمن أعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " ولعل أحمد ذهب إلى شراء الرقاب استحبابا لفعل ابن عمرو قال عمر بن عبد العزيز والزهري وأبو العالية ومكحول ومالك يجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وعن عطاء قال إذا قال أنت حر سائبة يوالي من شاء، والقول بثبوت الولاء للمعتق أظهر للاحاديث ولان الولاء لحملة كلحمة النسب،
وكما لا يزول نسب انسان ولا ولد عن فراش بشرطه لا يزول ولاء عن معتق ولذلك لما أراد أهل بريرة اشتراط ولائها على عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن أعتق " يريد أن اشتراط تحويل الولاء عن المعتق لا يفيد شيئا ولا يزيل الولاء.
وروى مسلم باسناده عن هزيل ابن شرحبيل قال جاء رجل إلى عبد الله فقال إني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد اله إن أهل الاسلام لا يسيبون وان أهل الجاهلية كانوا يسيبون وأنت ولي نعمته فان تأثمت وتخرجت عن شئ فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وقال سعيد ثنا هشيم عن بسر عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق سوائب فماتوا فكتب إلى عمر رضي الله عنه فكتب عمر ان ادفع مال الرجل إلى مولاه فان قبله ولاء فاشتر به رقابا فأعتقهم عنه وثنا هشيم عن منصور أن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة هو للذي أعتقه قال شيخنا وهذا القول أصح في الاثر والنظر لما ذكرنا وفي المواضع التي جعل الصحابة ميراثه لبيت المال أو في مثله كان لتبرع المعتق وتورعه عن ميراثه كفعل ابن عمر في ميراث عتيقه وفعل ابن عمر وابن مسعود في الميراث الذي تورع سيده عن أخذ ماله وقد روي أن سالما مولى أبي حذيفة أعتقه لبني بنت يعار سائبة فقتل وترك ابنة فأعطاها عمر نصف ماله وجعل النصف في بيت المال وعلى القول المنصوص عن أحمد الذي ذكره الخرقي إذا خلف السائبة مالا اشتري به رقاب فأعتقوا فان رجع من ميراثه شئ اشتري به أيضا رقاب
فاعتقوا وان خلف السائبة ذا فرض لا يستغرق ماله أخد فرضه واشتري بباقيه رقاب فاعتقوا ولا يرد على أهل الفرض.
(فصل) فان اعتق من زكاته وعن كفارته أو نذره فقال أحمد في الذي يعتق من زكاته ان ورث منه شيئا جعله في مثله وقال هذا قول الحسن وبه قال اسحاق وعلى قياس ذلك العتق من الكفارة والنذر لانه واجب عليه وقد روي عن أحمد أنه قال في الذي يعتق في الزكاة ولاؤه للذي جرى عتقه على يديه وقال العنبري ومالك ولاؤه لسائر المسلمين يجعل في بيت المال وقال أبو عبيد ولاؤه لصحاحب الصدقة وهو قول الجمهور في العتق في النذر والكفارة لقول النبي صلى عليه وسلم " انما الولاء لمن أعتق " ولان عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة بشرط العتق فأعتقتها فكان ولاؤها لها وشرط العتق يوجبه ولانه معتق عن نفسه فكان الولاء له لمن شرط عليه العتق فأعتق ولنا أن الذي أعتق من الزكاة أعتق من غير ماله فلم يكن الولاء له كما لو دفعها لى الساعي فاشترى بها وأعتق وكما لو دفع إلى المكاتب مالا فاداه في كتابته وفارق الذي اشترط عليه العتق فانه انما أعتق ماله والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه فاشبه العتق من الزكاة (مسألة) (ومن أعتق عبده عن حي بلا أمره أو عن ميت فالولاء للمعتق) هذا قول الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة والشافعي وأبي يوسف وداود وروي عن ابن عباس
أن ولاءه للمعتق عنه وبه قال الحسن ومالك وأبو عبيد لانه أعتقه عن غيره فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أذن له.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الولاء لمن أعتق " ولانه أعتق عبده من غير اذن غيره له فكان الولاء له كما لو لم يقصد شيئا (مسألة) (وان أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه) وهذا قول جميع من حكينا قوله في المسألة الاولى الا أبا حنيفة ووافقه محمد بن الحسن وداود فقالوا الولاء للمعتق الا أن يعتقه عنه بعوص فيكون له الولاء ويلزمه العوض ويصير كأنه اشتراه ثم وكله في اعتاقه أما إذا كان عن غير عوض فلا يصح تقدير البيع فيكون الولاء للمعتق لما ذكرنا من الحديث وعن أحمد مثل ذلك.
ولنا أنه وكيل في الاعتاق فكان الولاء للمعتق عنه كما لو أخذ عوضا فانه كما يجوز تقدير البيع فيما إذا أخذ عوضا يجوز تقدير الهبة إذا لم يأخذ عوضا فان الهبة تجوز في العبد كما يجوز البيع والخبر مخصوص بما إذا أخذ عوضا وسائر الوكلاء فنقيس عليه محل النزاع (مسألة) (وإذا قال اعتق عبدك عني وعلي ثمنه ففعل فالثمن عليه والولاء للمعتق عنه)
قال شيخنا لا نعلم خلافا في هذه المسألة وان الولاء للمعتق عنه لكونه أعتقه عنه بعوض ويلزمه الثمن لانه أعتقه عنه بشرط العوض فنقدر ابتياعه منه ثم توكيله في عتقه ليصح عتقه عنه فيكون الثمن عليه والولاء له كما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه (مسألة) (ولو قال أعتقه والثمن علي ففعل فالثمن عليه) والولاء للمعتق انما كان الثمن عليه لانه جعل له جعلا على اعتاقه عبده فلزمه ذلك بالعمل كما لو قال من بني لي هذا الحائط فله دينار فبناه إنسان استحق الدينار وانما كان الولاء للمعتق لانه لم يأمره باعتاقه عنه ولا قصد به المعتق ذلك فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه فيبقى للمعتق عملا بقوله عليه السلام " انما الولاء لمن أعتق " (مسألة) (وان قال الكافر لرجل أعتق عبدك المسلم عني وعلي ثمنه ففعل فهل يصح على وجهين) (أحدهما) لا يصح لانه يلزم منه أن يتملك الكافر ولذلك لا يجوز لانه اضرار بالمسلم (والثاني) يصح ويعتق لانه انما يتملكه زمنا يسيرا ولا يتسلمه فيتحمل هذا الضرر اليسير لاجل تحصيل الحرية للابد (مسألة) (وان أعتق عبدا يباينه في دينه فله ولاؤه وهل يرث به؟ على روايتين) (احداهما) لا يرث لكن ان كان له عصبة على دين المعتق ورث فان أسلم الكافر منهما ورث المعتق رواية واحدة إذا اختلف دين السيد وعتيقه فالولاء ثابت لا نعلم فيه خلافا لعموم قوله عليه السلام
الولاء لمن أعتتى " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والنسب يثبت مع اختلاف الدين فكذلك الولاء ولان الولاء انما ثبت له عليه لانعامه باعتاقه وذلك ثابت مع اختلاف دينهما ويثبت الولاء للانثى
على الذكر وللذكر على الانثى وكل معتق لعموم الخبر والمعنى ولحديث عبد الله بن شداد في بنت حمزة وقد ذكرناه وهل يرث السيد مولاه مع اختلاف الدين؟ على روايتين (احداهما) يرثه يروى ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز وبه قال أهل الظاهر واحتج أحمد بقول علي الولاء شعبة من الرق وقال مالك يرث المسلم مولاه النصراني لانه يصلح له ملكه ولا يرث النصراني مولاه المسلم لانه لا يصلح له تملكه وجمهور الفقهاء على أنه لا يرثه مع اختلاف دينهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " ولانه ميراث فمنعه اختلاف الدين كميراث النسب ولان اختلاف الدين مانع من الميراث بالنسب فمنع الميراث بالولاء كالقتل والرق يحققه أن الميراث بالنسب أقوى فإذا منع الاقوى فالاضعف أولى ولان النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الولاء بالنسب بقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " فكما يمنع اختلاف الدين التوارث مع صحة النسب وثبوته فكذلك يمنع مع صحة الولاء وثبوته.
(مسألة) (فان كان السيد عصبة على دين المعتق ورثه دون سيده وقال داود لا يرث عصبته في حياته) ولنا أنه بمنزلة ما لو كان الاقرب من العصبة مخالفا لدين الميت والابعد على دينه ورث البعيد
دون القريب فان اجتمعا على الاسلام توارثا كالمتناسبين لزوال المانع (فصل) (قال الشيخ رحمه الله ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو اعتق من أعتقن وكاتبن أو كاتب من كاتبن) وعنه في بنت المعتق ترث خاصة والاول أصح معنى قوله من الولاء أي بالولاء لان الولاء لا يورث على ما نذكره ظاهر المذهب أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أوجر الولاء اليهن من أعتقن والكتابة كذلك فانها اعتاق قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد والرواية التي ذكرها الخرقي في بنت المعتق ما وجدتها منصوصة عن أحمد وقد قال في رواية بن القاسم وقد سأله هل كان لحمزة أو لابنته؟ فقال لابنته فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها لانها هي المعتقة وهذا قول الجمهور واليه ذهب مالك والشافعي وأهل العراق وداود والصحيح الاول لاجماع الصحابة ومن
بعدهم عليه ولان الولاء لحمة كلحمة النسب والمولى كالنسيب من الاخ والعم ونحوهما فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه ولا يرث منهم الا الذكور خاصة فأما الرواية المذكورة في ميراث بنت المعتق التي ذكرها الخرقي فوجهها ما روى ابراهيم النخعي أن مولى لحمزة مات وخلف بنتا فورث النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف وجعل لبنت حمزة النصف والصحيح أن المولى كان لبنت حمزة قال عبد الله بن شداد كان لبنت حمزة مولى أعتقته فمات وترك ابنته ومولاته
بنت حمزة فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى ابنه النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف قال عبد الله بن شداد أنا أعلم بها لانها أختي من أمي أمنا سلمى رواه ابن اللبان باسناده وقال هذا أصح ما روى ابراهيم ولان البنت من النساء فلا ترث بالولاء كسائر النساء فأما توريث المرأة من معتقها فليس فيه اختلاف بين أهل العلم وقد دل عليه حديث عائشة حين أرادت شراء بريرة لتعتقها ويكون ولاؤها لها فأراد أهلها اشتراط ولائها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اشتريها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن أعتق " متفق عليه وقال عليه الصلاة والسلام " تحوز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لا عنت عليه " قال الترمذي هذا حديث حسن ولان المعتقة منعمة بالاعتاق كالرجل فوجب أن تساويه في الميراث وفي حديث بنت حمزة الذي ذكرناه تنصيص على توريث المعتقة وأما معتق أبيها فهو بمنزلة عمها أو عم أبيها فلا ترثه ويرثه أخوها كالنسب ومن مسائل ذلك رجل مات وخلف ابن معتقه الميراث لابن معتقه خاصة وعلى الرواية الاخرى يكون الملك بينهما اثلاثا فان لم يخلف إلا بنت معتقه فلا شئ لها وماله لبيت المال وعلى الرواية الاخرى يكون الملك لها وإن خلف اخت معتقة فلا شئ لها رواية واحدة وكذلك إن خلف ام معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما وإن خلف أخا معتقه واخت معتقه فالميراث للاخ ولو خلف بنت معتقه وابن عم معتقه أو معتق معتقه أو ابن المعتق معتقه فالميراث له دون البنت إلا على الرواية الاخرى
فان لها النصف والباقي للعصبة وإن خلف بنته ومعتقه فلبنته النصف والباقي لمعتقه كما في قضية مولى بنت
حمزة حين مات وخلف بنته وبنت حمزة التي اعتقته فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف والباقي لبنت حمزة فان خلف ذا فرض سوى البنت كالام والجدة أو الاخت أو الاخ من الام أو الزوج أو الزوجة أو من لا يستغرق فرضه المال أو مولاه أو مولاته فلذي الفرض فرضه والباقي لمولاه أو مولاته في قول جمهور العلماء رجل وابنته اعتقو عبدا ثم مات الاب وخلف ابنيه وبنته فماله بينهما اثلاثا ثم مات العتيق فللبنت النصف لانها مولاة نصفه والباقي لابن المعتق خاصة الا على الرواية الضعيفة فان الباقي يكون بينهما اثلاثا فيصير للبنت الثلثان ولاخيها الثلث وإن ماتت البنت قبل العتيق وخلفت ابنا ثم مات العتيق فلابنها النصف والباقي لاخيها ولو لم تخلف البنت إلا بنتا كان الولاء كله لاخيها دون بنتها الا على الرواية الاخرى فان لبنتها النصف والباقي لاخيها وان مات الابن قبل العتيق وخلف بنتا ثم مات العتيق وخلف معتقة نصفه وبنت أخيها فللمعتقة نصف ماله وباقيه لبيت المال وعلى الرواية الاخرى لها لنصف باعتاقها ونصف الباقي بأنها بينت معتق النصف والباقي لعصبة أبيها ولو كانت البنت ماتت أيضا قبل العتيق وخلفت ابنها ثم مات العتيق فلابنها النصف ولا شئ لبنت أخيها، امرأة اعتقت أباها ثم اعتق أبوها عبدا ثم مات الاب ثم العبد فما لهما لها فان كان أبوها خلف بنتا اخرى معها فلهما ثلثا مال الاب بالنسب والباقي للمعتقة
بالولاء ومال العبد جميعه للمعتقة دون اختها ويتخرج على الرواية الاخرى أن يكون لهما ثلثا مال العبد أيضا وباقيه للمعتقة ولو كان الاب خلف مع المعتقة ابنا فمال الاب بينها اثلاثا بالبنوة ومال العبد كله للابن دون اخته المعتقة لانه يرث بالنسب والنسب مقدم على الولاء، ولو خلف الاب أخا أو عما أو ابن عم مع البنت فللبنت نصف ميراث أبيها وباقيه لعصبته ومال العبد لعصبته ولا شئ لبنته فيه لان العصبة من النسب مقدم على المعتق في الميراث إلا على رواية الخرقي فان ئللبنت نصف ميراث العبد لكونها بنت المعتق وباقيه لعصبته (مسألة) (ولا يرث من الولاء ذو فرض إلا الاب والجد يرثان السدس مع الابن) نص أحمد على هذا في رواية جماعة من أصحابه وكذلك قال في جد المعتق وابنه وقال ليس الجد والاخ والابن من الكبر في شئ يجر بهم على الميراث وهذا قول شريح والنخعي والاوزاعي والعنبري اسحاق
وأبي يوسف وروي عن زيد أن المال للابن وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي والحسن والحكم وقتادة وحماد والزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد والشافعي وأكثر الفقهاء لان الابن أقرب العصبة والاب والجد يرثان معه بالفرض ولا يرث بالولاء ذو فرض بحال ولنا أنه عصبة وارث فاستحق من الولاء كالاخوين ولا نسلم أن الابن أقرب من الاب بل هما في القرب سواء وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما صاحبه وإنما ينفاضلان في الميراث فكذلك في الارث بالولاء
ولذلك يقدم الاب على الابن في الولاية والصلاة على الميت وغيرهما وحكم الاب مع ابن الابن وان سفل وحكم الجد وان علا مع الابن وابنه سواء (مسألة) والجد يرث الثلث مع الاخوة إن كان أحظ له إذا خلف المعتق أخاه وجده فالولاء بينهما نصفين وبه قال عطاء والليث ويحيى الانصاري وهو قول للشافعي وقول الثوري وأبي يوسف ومحمد والذين جعلوا الجد أبا جعلوه أولى من الاخ وورثوه وجده وروي عن زيد أن المال للاخ وهو قول مالك والشافعي لان الاخ ابن الاب والجد أبوه والابن أحق من الاب ولنا أنهما عصبتان يرثان المال نصفين فكان الولاء بينهما نصفين كالآخرين وإن ترك جد مولاه وابن أخي مولاه فالمال للجد في قول الجميع إلا مالكا جعل الميراث لابن الاخ وإن سفل وقاله الشافعي أيضا لان ابن الابن يقدم على الاب وإن سفل وليس هذا صوابا فان الجد يقدم على ابن الاخ في الميراث فكيف يقدم عليه ههنا؟ ولان الجد أولى بالمعتق من ابن الاخ فيرث مولاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المولى أخ في الدين وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق " والدليل على ان الجد أولى أنه يرث ابن ابنه دون ابن اللاخ فيكون أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفروض فلاولي رجل ذكر " وفي لفظ " فلاولي عصبة ذكر " ولان الجد أب فيقدم على ابن الاخ
كالاب الحقيقي فان اجتمع اخوة وجد فميراث المولى بينهم كمال سيده إن زادوا على اثنين فللجد ثلث
ماله لانه أحظ له وإن اجتمع أخوة من أبوين واخوة من أب عاد الاخوة من الابوين الجد بالاخوة من الاب ثم يأخذ ولد الابوين ما حصل لولد الاب كالميراث وقال ابن شريح يحتمل أنه بينهم على عددهم ولا يعاد ولد الابوين الجد بولد الاب.
ولنا أنه ميراث بين الجد والاخوة أشبه الميراث بالنسب فان كان مع الاخوة اخوات لم يعتد بهن لانهن لا يرثن منفردات فلا يعتد بهن كالاخوة من الام وإن انفرد ولد الاب مع الجد فهم كولد الابوين (فصل) فان ترك جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وكذلك إن ترك جد أبي مولاه أو جد جد مولاه وعم مولاه فهو للجد وبه يقول الثوري والاوزاعي وأهل العراق وقال الشافعي هو للعم وبنيه وان سفلوا دون الاب وهو قياس قول مالك قال الشافعي ومن جعل الجد والاخ سواء فجد الاب والعم سواء وهو أولى من ابن العم ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يرثه أولى الناس بالمعتق " فالجد أولى بالمعتق بدليل أنه أولى الناس بماله وولايته ويقدم في تزويجه والصلاة عليه وغير ذلك والعجب أن الشافعي رحمه الله تعالى ترك الجد أبا في ولاية المال والاجبار على النكاح ووافق غيره في وجوب الانفاق عليه وله وعتقه على ابن ابنه وعتق ابن ابنه عليه وانتفاء القصاص عنه بقتل ابن ابنه والحد بقذفه وغير ذلك من أحكام الاب ثم جعل ابعد العصبات أولى منه بالولاء
(مسألة) (والولاء لا يورث وإنما يورث به) وهذا قول الجمهور روي نحو ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر واسامة بن زيد وأبي مسعود البدري وأبي ابن كعب وبه قال عطاء وطاوس وسالم والزهري والحسن وابن سيرين وقتادة والشعبي وابراهيم ومالك والشافعي وأهل العراق وداود وشذ شريح فجعله موروثا كالمال لانه روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال ما أحرزه الولد والوالد فهو لعصبته من كان ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " انما الولاء لمن أعتق " وقوله " الولاء لحمة كلحمة النسب " والنسب يورث به ولا يورث فكذلك الولاء ولان الولاء انما يحصل بانعام السيد على عبده بالعتق وهذا المعنى
لا ينتقل عن المعتق فكذلك الولاء ورواه حنبل ومحمد بن الحكم عن أحمد وغلطهما أبو بكر وهو كما قال فان الجماعة رووا عن أحمد مثل ما ذكرنا من قو الجمهور وقد روى سعيد باسناده عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المولى أخ في الدين ومولى نعمة " وأولى الناس بميراثه أقربهم من المعتق " ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافه ولا يصح قياسه على المال لان الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث منه ذوو الفروض بخلاف المال فعلى هذا ينظر أقرب العصبات إلى المعتق يوم موت العتيق فيكون هو الوارث للمولى دون غيره كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده
(مسألة) (ولا يباع ولا يوهب) لا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا أن يأذن لمولاه فيوالي من شاء روى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وبه قال سعيد بن المسيب وطاوس واياس بن معاوية والزهري ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وكره جابر بن عبد الله بيع الولاء وروى سعيد باسناده عن عبيدالله أنه قال إنما الولاء كالنسب فيبيع الرجل نسبه وقد روى سعيد باسناده عن سفيان عن عمرو ابن دينار ان ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا وروي أن ميمونة وهبت مواليها للعباس وولاؤهم اليوم لهم وان عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير وقال ابن جريح قلت لعطاء أذنت لمولاي أن يوالي من شاء فيجوز؟ قال نعم ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته وقال " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقال لعن الله من تولى غير مواليه ولانه معنى يورث به فلا ينتقل كالقرابة وفعل هؤلاء شاذ يخالف قول الجمهور وترده السنة فلا يعول عليه فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق لموته ولا يرثه ورثته انما يرثون المال به مع بقائه للمعتق وهذا قول الجمهور على ما ذكرنا (مسألة) (وهو للكبر فإذا مات المعتق وخلف عتيقة وابنين فمات أحد الابنين عن ابن ثم مات المولى فالميراث لابن معتقه
لان الولاء للكبر ولو مات الابنان بعده وقبل العتيق وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة كان الولاء بينهم على عددهم لكل واحد عشرة وهذا قول أكثر أهل العلم قال أحمد روي هذا عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وروي سعيد ثنا هشيم ثنا أشعث بن سوار عن الشعبي ان عمر وعليا وابن مسعود وزيدا كانوا يجعلون الولاء للكبر وروي ذلك عن ابن عمر وأبي بن كعب وأبي مسعود البدري وأسامة بن زيد وبه قال عطاء وطاوس وسالم بن عبد الله والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي والزهري وقتادة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وداود كلهم قالوا الولاء للكبر وتفسيره أنه يرث المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه وأولاهم بميراثه يوم موت العبد قال ابن سيرين إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه فيجعل ميراثه له وإذا مات السيد قبل مولاه لم ينتقل الولاء إلى عصبته لان الولاء كالنسب لا ينتقل ولا يورث وانما يورث به فهو باق للمعتق أبدا لا يزول عنه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب وانما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه لا نفس الولاء ويتضح ذلك بالمسئلتين اللتين ذكرناهما ههنا وهما إذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ثم مات المولى ورثه ابن معتقه دون ابن ابن معتقه لان ابن المعتق أقرب عصبة سيده فلو مات السيد وخلف ابنه وابن ابنه ورثه ابنه دون ابن ابنه فكذلك إذا مات المولى والمسألة الاخرى إذا مات الابنان
بعد السيد وقبل مولاه وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات المولى كان ميراثه بينهم على عددهم لان السيد لو مات كان ميراثه بينهم كذلك ولو كان الولاء موروثا لاختلف الحكم في المسئلتين وكان الميراث في المسألة الاولى بين الابن وابن الابن نصفين لان الابنين ورثوا الولاء عن أبيهما ثم ما صار إلى الابن الذي مات انتقل إلى ابنه وفى المسألة الثانية يصير لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه ذلك عن أبيه ولبني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم وذهب شريح إلى أن الولاء موروث كالمال يورث عن المعتق فمن ملك شيئا في حياته فهو لورثته وحكي ذلك عن عمر وعلي وابن عباس وابن المسيب وروي عن أحمد نحوه والمشهور عنه مثل قول الجمهور قال أبو الحارث سألت أبا عبد الله
عن الولاء للكبر قال كذى روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود وقد ذكرنا ذلك عن شريح واجبنا عنه ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وان لم يخلف عصبة من نسب مولاه فماله لمولي مولاه ثم لاقرب عصباته ثم لمولى مولى مولاه فإذا انقرض العصبات والموالي وعصباتهم فماله لبيت المال.
(مسألة) (وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما عتق عليهما بالملك ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات العتيق ثم مات مولاه ورثه الرجل دون أخته) إذا اشترى رجل وأخته أباهما وأخاهما عتقا عليهما بالملك ثم اشترى عبدا فأعتقه ثم مات الاب أو
فميراثه بينهما أثلاثا بالنسب فإذا مات العبد ورثه الرجل دون أخته لانه ابن المعتق أو أخوه فورثه بالنسب وهي مولاة المعتق، وعصبة المعتق مقدم على مولاه، وعلى الرواية التي تقول إن بنت المعتق ترث إذا اشتريا أباهما يكون ميراث العبد بينهما أثلاثا، فان اشتريا أخاهما فعتق عليها ثم اشترى عبدا فأعتقه ومات الاخ المعتق قبل موت العبد وخلف ابنه ثم مات العبد فميراثه لابن أخيها دونها لانه ابن أخي المعتق فان لم يخلف الاخ إلا بنته فنصف مال العبد للاخت لانها معتقة نصف معتقه ولا شئ لبنت الاخ رواية واحدة والباقي لبيت المال (فصل) إذا خلف الميت بنت مولاه ومولى أبيه فماله لبيت المال لانه ثبت عليه الولاء من أجل مباشرته بالعتق ولم يثبت عليه باعتاق أبيه، وإذا لم يكن لمولاه إلا بنت لم ترث لانها ليست عصبة وانما يرث عصبات المولى فإذا لم يكن له عصبة لم يرجع إلى معتق أبيه وكذلك ان كان له معتق أب ومعتق جد ولم يكن هو معتقا فميراثه لمعتق أبيه إن كان ابن معتقه ثم لعصبة معتق أبيه ثم لمعتق معتق أبيه فان لم يكن له أحد منهم فالبيت المال ولا يرجع إلى معتق جده، وان كانت أمه حرة الاصل فلا ولاء عليه وليس لمعتق أبيه شئ (فصل) امرأة حرة لا ولاء عليها وأبواها رقيقان أعتق إنسان أباها ويتصور هذا في موضعين أحدهما أن يكونوا كفارا فتسلم هي ويسبي أبواها فيسترقا والثاني أن يكون أبوها عبدا تزوج أمة على
أنها حرة فولدتها ثم ماتت وخلفت معتق أبيها لم يرثها لانه إنما يرث بالولاء وهذه لا ولاء عليها وهكذا الحكم فيما إذا تزوج عبد حرة الاصل فأولدها ولدا ثم أعتق العبد ومات ثم مات الولد فلا ميراث لمعتق أبيه لانه لا ولاء عليه، ولو كان ابنتان على هذه الصفة اشترت إحداهما أباها فعتق عليها فلها ولاؤه وليس لها ولاء على أختها فإذا مات أبوها فلهما الثلثان بالنسب ولها الباقي بالولاء فإذا ماتت أختها فلها نصف ميراثها بالنسب وباقيه لعصبتها فان لم يكن لها عصبة فالباقي لاختها بالرد ولا ميراث لها منها بالولاء لانها لا ولاء عليها (فصل) في جر الولاء: قال الشيخ رضي الله عنه (كل من باشر العتق أو عتق عليه لا ينتقل عنه الولاء بحال لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " فأما ان تزوج العبد معتقة فأولدها فولدها منه احرار وعليهم الولاء لمولى أمهم يعقل عنهم ويرثهم إذا ماتوا لكونه سبب الانعام عليهم بعتق أمهم فصاروا لذلك أحرارا فان أعتق العبد سيده ثبت له عليه الولاء وجر إليه ولاء أولاده عن مولى أمهم لان الاب لو كان مملوكا لم يكن يصلح وارثا ولا وليا في نكاح فكان ابنه كولد الملاعنة ينقطع نسبه عن أبيه فيثبت الولاء لمولى أمه وانتسب إليها فإذا أعتق العبد صلح للانتساب إليه وعاد وارثا عاقلا وليا فعادت النسبة إليه والى مواليه بمنزلة ما لو استحق الملاعن ولده هذا قول جمهور الصحابة والعلماء يروى هذا عن عمر وعثمان وعلي والزبير وعبد الله وزيدبن ثابت ومروان وسعيد بن المسيب
والحسن وابن سيرين وعمر ابن عبد العزيز والنخعي وبه قال مالك والثوري والاوزاعي والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي واسحاق وأبو ثور ويروى عن رافع بن خديج أن الولاء لا ينجر من موالي الام وبه قال مالك بن أوس بن الحدثان والزهري وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن وداود لان الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يزول عمن ثبت له فكذلك الولاء وقد روي عن عثمان وزيد نحو هذا وأنكرهما ابن اللبان وقال مشهور عن عثمان أنه قضى بجر الولاء للزبير عن رافع بن خديج.
ولنا أن الانتساب إلى الاب فكذلك الولاء ولذلك لو كانا حرين كان ولاء ولدهما لمولى أبيه
فلما كان مملوكا كان الولاء لمولى الام ضرورة فإذا أعتق الاب زالت الضرورة فعادت النسبة إليه والولاء إلى مواليه وروى عبد الرحمن عن الزبير أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا فأعجبه ظرفهم وجمالهم فسأل عنهم فقيل موالي رافع بن خديج وأبوهم مملوك لآل الحرقة فاشترى الزبير أباهم فاعتقه وقال لاولاده انتسبوا إلي فان ولاءكم لي فقال رافع بن خديج الولاء لي فانهم عتقوا بعتقي أمهم فاحتكموا إلى عثمان فقضى بالولاء للزبير فاجتمعت الصحابة عليه، اللعس سواد في الشفتين تستحسنه العرب ومثله اللمى قال ذو الرمة لمياء في شفتيها حوة لعس * * * * وفي اللثات وفي أنيابها شنب
(فصل) وحكم المكاتب يتزوج في كتابته ثم يعتق حكم العبد القن في جر الولاء وكذلك المدبر والمعلق عتقه بصفة لانهم عبيد فان المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (فصل) وإذا انجر الولاء إلى موالي الاب ثم انقرضوا عاد الولاء إلى بيت المال ولم يعد إلى موالي الام بحال في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن عباس أنه يعود إلى موالي الام والاول أصح لابن الولاء جرى مجرى الانتساب ولو انقرض الاب وآباؤه لم تعد النسبة إلى الام كذلك الولاء إذا ثبت هذا فولدت بعد عتق الاب كان ولاء ولدها لموالي أبيه بلا خلاف فان نفاه باللعان عاد ولاؤه إلى موالي الام لانا تبينا أنه لم يكن له أب ينتسب إليه فان عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالى الاب.
(فصل) ولا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة.
(أحدها) أن يكون الاب عبدا حين الولادة فان كان حرا وزوجته مولاة لم يخل إما أن يكون حر الاصل فلا ولاء على ولده بحال وإن كان مولى ثبت الولاء على ولده لمواليه أبدا ولا جر فيه (الثاني) أن تكون الام مولاة فان لم تكن كذلك لم يخل إما أن يكون حر الاصل فلا ولاء على ولدها بحال وهم أحرار بحريتها أو تكون أمة فولدها رقيق لسيدها فان أعتقهم فولاؤهم له لا ينجر عنه بحال سواء أعتقهم بعد ولادتهم أو أعتق أمهم حاملا بهم فعتقوا بعتقها لان الولاء ثبت بالعتق مباشرة فلا ينجر عن المعتق لقوله عليه الصلاة والسلام " إنما الولاء لمن أعتق " وإن أعتقها المولى
فأتت بولد لدون ستة أشهر فقد مسه الرق وعتق بالمباشرة فلا ينجر ولاؤه وإن أتت به لاكثر من ستة أشهر مع بقاء الزوجية لم يحكم بمس الرق له وانجر ولاؤه لانه يحتمل أن يكون حادثا بعد العتق فلم يمسه الرق ولم يحكم برقه بالشك وإن كانت المرأة بائنا وأتت بولد لاربع سنين من حين الفرقة لم يلحق بالاب كان من نكاح أو سفاح عربيا كان الزوج أو أعجميا وهذا قول عامة الفقهاء.
وعن عمر إن كان زوجها عربيا فولده حر وعليه قيمته ولا ولاء عليه.
وعن احمد مثله وبه قال ابن المسيب والثوري والاوزاعي وأبو ثور والشافعي في القديم ثم رجع عنه والاول أولى لان أمهم أمة فكانوا عبيدا كما لو كان أبوهم أعجميا.
(الثالث) أن يعتق العبد سيده فان مات على الرق لم ينجر الولاء بحال وهذا لا خلاف فيه فان اختلف سيد العبد ومولى الام في العبد بعد موته فقال سيده مات حرا بعد جر الولاء وأنكر ذلك مولى الام فالقول قول مولى الام ذكره أبو بكر لان الاصل بقاء الرق وهذا مذهب الشافعي.
(مسألة) (وإن أعتق الجد لم يجر ولاءهم في أصح الروايتين وعنه يجره) قال احمد رحمه الله الجد لا يجر الولاء ليس هو كالاب وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وعن أحمد أنه يجره وبهذا قال شريح والشعبي والنخعي وأهل المدينة وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المبارك وأبو ثور وضرار بن صرد والشافعي في أحد قوليه فان أعتق الاب بعد ذلك جره عن
موالي الجد إليه لان الجد يقوم مقام الاب في التعصيب وأحكام النسب كذلك في جر الولاء وقال زفر إن كان الاب حيا لم يجر الجد الولاء وإن كان ميتا جره وهو القول الثاني للشافعي ولنا أن الاصل بقاء الولاء لمستحقه وإنما خولف هذا الاصل للاتفاق على أنه ينجر بعتق الاب والجد لا يساويه بدليل أنه لو عتق الاب بعد الجد جره عن مولى الجد إليه ولانه لو اسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ولان الجد يدلي بغيره ولا يستقر الولاء عليه فلم يجر الولاء كالاخ وكونه يقوم مقام الاب لا يلزم أن ينجر إليه الولاء كالاخ، وإن قلنا انه ينجر فلا فرق بين القريب والبعيد لان البعيد
يقوم مقام القريب ويقتضي هذا أنه متى عتق البعيد فجر الولاء ثم عتق من هو أقرب منه جر الولاء إليه ثم إن عتق الاب جر الولاء لان كل واحد يحجب من فوقه ويسقط تعصيبه وارثه وولايته، ولو لم يعتق الجد لكن كان حرا وولده مملوك فتزوج مولاة قوم فأولدها أولادا فولاؤهم لمولى أمهم وعند من يقول بجر الجد الولاء يكون لمولى الجد فان لم يكن الجد مولى بل كان حرا الاصل فلا ولاء على ولد ابنه فان أعتق أبوه بعد ذلك لم يعد على ولده ولاء لان الحرية ثبتت له من غير ولاء فلم يتجدد عليه ولاء كالحر الاصلى (فصل) إذا تزوج معتق بمعتقة فأولدها ولدين فولاؤهما لمولى أبيهما فان نفاهما باللعان عاد ولاؤهما إلى مولى أمهما فان مات أحدهما فميراثه لامه ومواليها فان أكذب أبوهما نفسه لحقه نسبهما واسترجع الميراث من مولى الام، ولو كان أبوهما عبدا أو لم ينفهما وورث موالي الام الميت منهما ثم أعتق الاب
لم يجر الولاء إلى موالى الاب ولم يكن لهم ولا للاب استرجاع الميراث لان الولاء إنما ثبت لهم عند إعتاق الاب ويفارق الاب إذا أكذب نفسه لان النسب يثبت من حين خلف الولد.
(مسألة) (وإن اشترى الابن أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء اخوته ويبقى ولاؤه لمولى أمه لانه لا يجر ولاء نفسه) وهذا قول جمهور الفقهاء مالك في أهل المدينة، وابو حنيفة في أهل العراق والشافعي وشذ عمرو ابن دينار المدني فقال يجر ولاء نفسه فيصير حرا لا ولاء عليه، قال ابن شريح ويحتمله قول الشافعي ولا تعويل على هذا القول لشذوذه ولانه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتا على أبويه دونه مع كونه مولودا لهما في حال رقهما أو في حال ثبوت الولاء عليهما وليس لنا مثل هذا في الاصول ولا يمكن أن يكون مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها (مسألة) (وإن اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العبد أبا معتقه فأعتقه فانه يجر ولاء سيده) فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء باعتاقه إياه وللعتيق ولاء معتقه بولائه على أبيه فصار كل واحد منهما مولى الآخر، مثل ذلك لو اعتق الحربي عبدا فأسلم ثم أسر سيده فأعتقه صار كل واحد منهما مولى الآخر من فوق ومن أسفل ويرث كل واحد منهما الآخر بالولاء فانه كما جاز أن يشتركا في
النسب فيرث كل واحد منهما صاحبه كذلك الولاء (فصل) وان تزوج ولد المعتقة معتقة وأولدها ولدا فاشترى جده عتق عليه وله ولاؤه ويجر إليه
ولاء أبيه وسائر أولاد جده وهم عمومته وعماته وولاء جميع معتقهم ويبقى ولاء المشتري لمولى أم أبيه وعلى قول عمرو بن دينار يبقى حرا لا ولاء عليه (فصل) وان تزوج عبد بمعتقة فأولدها ولدا فتزوج الولد بمعتقة رجل فأولدها ولدا فولاء هذا الولد الآخر لمولى أم أبيه في أحد الوجهين لان له الولاء على أبيه فكان له عليه كما لو كان مولى جده، ولان الولاء الثابت على الاب يمنع ثبوت الولاء لمولى الام (والوجه الثاني) ولاؤه لمولى أمه لان الولاء الثابت على أبيه من جهة أمه ومثل ذلك ثابت في حق نفسه وما ثبت في حقه أولى مما ثبت في حق أبيه ألا ترى أنه لو كان له مولى ولابيه مولى كان مولاه أحق به من موالي ابيه فان كان له مولى أم ومولى أم اب ومولى أم جد وجد أبيه مملوك فعلى الوجه الاول يكون لمولى ام الجد وعلى الثاني يكون لمولى الام.
(فصل) ولو تزوج معتق بمعتقة فأولدها بنتا وتزوج عبد بمعتقة فأولدها ابنا فتزوج هذا الابن بنت المعتقين فأولدها ولدا فولاء هذا الولد لمولى أم أبيه لان له الولاء على أبيه وان تزوجت بنت المعتقين بمملوك فولاء ولدها لمولى أبيها لان ولاءها له، فان كان أبوها ابن مملوك ومعتقة فالولاء لمولى أم أبي الام على الوجه الاول لان مولى أم ابي الام يثبت له الولاء على أبي الام فكان مقدما على امها وثبت له الولاء عليها
(مسألة) (وإذا ماتت امرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها فولاؤها لابنها وعقله على عصبتها لما روى ابراهيم قال اختصم علي والزبير في مولى صفية فقال علي مولى عمتي وأنا اعتقل عنه وقال الزبير مولى أمي وأنا أرثه فقضى عمر للزبير بالميراث وقضى على علي بالعقل ذكره الامام أحمد ورواه سعيد في سننه وهي قصة مشهورة وعن الشعبي قال قضى بولاء صفية للزبير دون العباس وقضى بولاء أم هانئ
لجعدة بن هبيرة دون علي، ولا يمتنع كون العقل على العصبة والميراث لغيرهم كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم في ميراث التي قتلت هي وجنينها لابنها وعقلها على العصبة وقد روى زياد بن أبى مريم ان امرأة اعتقت عبدا ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها ثم توفي مولاها من بعدها فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ميراثه فقال عليه السلام " ميراثه لابن المرأة " فقال أخوها لو جر جريرة كانت علي ويكون ميراثه لهذا؟ قال " نعم " وإنما ذكرنا هذا الحكم فيما إذا كانت المعتقة امرأة لان المرأة لا تعقل وابنها ليس من عشيرتها فلا يعقل عن معتقها ويعقل عنها عصباتها من عشيرتها ولان الاخبار التي رويناها انما وردت في المرأة.
أما الرجل المعتق فانه يعقل عنه معتقه لانه عصبة من أهل العقل ويعقل ابنه وأبوه لانهما من عصباته فلا يلحق ابنه في نفي العقل عنه بابن المرأة (فصل) فان كان المولى حيا وهو رجل عاقل موسر فعليه من العقل وله الميراث لانه عصبة معتقه
وإن كان صبيا أو معتوها فالعقل على عصباته والميراث له لانه ليس من أهل العقل فأشبه ما لو جنوا جناية خطأ كان العقل على عصباتهم ولو جنبي عليهم كان الارش لهم (فصل) ولا يرث المولى من أسفل معتقه في قول عامة أهل العلم وحكي عن شريح وطاوس أنهما ورثاه لما روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس أن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس له وارث الا غلام له هو أعتقه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه رواه الترمذي وقال حديث حسن وروي عن عمر مثل هذا ووجه الاول قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن أعتق " ولانه لم ينعم عليه فلم يرثه كالاجنبي واعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له ميراثه قضية في عين تحتمل أنه كان وارثا بغير جهة الاعتاق، ويكون فائدة الحديث أن اعتاقه إياه لم يمنعه ميراثه ويحتمل أنه أعطاه صلة وتفضلا وإذا ثبت أنه لا يرثه فلا يعقل عنه وقال الشافعي في القديم يعقل عنه لان سيده أنعم عليه فجاز أن يغرم عنه ولنا أن العقل على العصبات وليس هو منهم وما ذكروه لا أصل له وينعكس بسائر العاقلة فانه لم ينعم عليهم ويعقلون عنه وينتقض بما إذا قضى انسان دين آخر فقد غرم عنه وأنعم عليه ولا يعقل عنه
(فصل في دور الولاء) قال الشيخ رضي الله عنه (إذا اشترى ابن وبنت أباهما عتق عليهما وصار ولاؤه بينهما نصفين وجر كل واحد نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لمولى أمه) فان مات الاب ورثاه أثلاثا فان ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب ثم إذا مات أخوها فميراثه لمواليه وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالى الاخت وهم أخوها وموالي أمها فلموالي الام نصف ذلك وهو الربع ويبقى الربع وهو الجزء الدائر لانه خرج من الاخ وعاد إليه ففيه وجهان (أحدهما) أنه لموالي الام لان مقتضى كونه دائرا أن يدور أبدا وفي كل دورة يصير لمولى الام نصفه، ولا يزال كذلك حتى ينفد وهو قول الجمهور (والثانى) يجعل في بيت المال قال القاضي لانه مال لا مستحق له نعلمه وهذا قول محمد بن الحسن وقياس قول مالك والشافعي والاول أولى إن شاء الله تعالى.
(فصل) فان كانت المسألة بحالها الا ان مكاتب الابن بنت فاشترت أباها عتق عليها وجر إليها ولاء أختها فإذا مات الاب فلابنتيه الثلثان بالنسب والباقي لمعتقه بالولاء فان ماتت التي لم تشتره بعد ذلك فمالها لاختها نصفه بالنسب ونصفه بأنها مولاة أبيها، ولو ماتت التي اشترته فلاختها النصف والباقي لموالي أمها فان اشترت البنتان أباهما نصفين عتق عليهما وجر إلى كل واحدة نصف ولاء أختها فإذا مات الاب فماله بين بنتيه بالنسب والولاء فان ماتت احداهما بعد ذلك فلاختها النصف بالنسب ونصف الباقي بما جر الاب إليها من ولاء نصفها فصار لها ثلاثة ارباع مالها والربع الباقي لمولى أمها، فان كانت احداهما
ماتت قبل أبيها فمالها له ثم إذا مات الاب فللباقية نصف ميراث أبيها لكونها بنته ونصف الباقي وهو الربع لكونها مولاة نصفه يبقى الربع لموالي البنت التي ماتت قبله فنصفه لهذه البنت لانها مولاة نصف أختها صار لها سبعة أثمان ميراثه ولمولى الام الميتة الثمن فان ماتت البنت الباقية بعد هما فمالها لمواليها نصفه لموالي أمها ونصفه لموالي أختها الميتة وهم أختها ومولى أمها فنصفه لمولى أمها وهو الربع والربع الباقي
يرجع إلى هذه الميتة فهذا الجزء دائر لانه خرج من هذه الميتة ثم دار إليها ففيه الوجهان اللذان ذكرناهما وهاتان المسئلتان أصل في دور الولاء وفيها أقوال شاذة سواهما وهذا أصح ما قيل فيها ان شاء الله تعالى
فان اشترت الابنتان أباهما ثم اشترى أبوهما هو والكبرى جدهما ثم مات الاب فماله بينهم أثلاثا ثم إذا مات الجد وخلف ابنتي ابنه فلهما الثلثان وللكبرى نصف الباقي لكونها مولاة نصفه يبقى السدس لموالي الاب لانه مولى نصف الجد وهما ابنتاه فيحصل للكبرى ثلث المال وربعه وللصغرى ربعه وسدسه فان كانت بحالها فاشترت الكبرى وأبوها أخاهما لابيهما فالجواب فيها كالتي قبلها (فصل) فان اشترى ثلاث بنات أمهاتهن معتقات أباهن أثلاثا عتق عليهن وجر إلى كل واحدة ثلث ولاء أختها فان مات الاب كان ماله بينهن أثلاثا بالنسب والولاء، فان ماتت احداهن بعده كان لاختيها الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء والباقي لموالي أمها وتصح من تسعة، ولو ماتت احداهن ثم مات
الاب قسم ماله على سبعة وعشرين لهما الثلثان بالنسب وثلثا ما بقي بالولاء ويبقى التسع وهو حصة الميتة فلهما ثلثاه لان لهما ثلثي ولائها ولموالي أمها السدس والسدس الباقي للميتة قبلها لان لها ثلث ولائها أيضا فيكون هذا السدس بين مولى أم الميتة الاولى والاختين على ثلاثة فاضرب ستة في ثلاثة تكن ثمانية عشر لموالي أم الميتة الاولى ثلاثة سهم للحية وسهم لموالي أمها وسهم يعود إلى الميتة الثانية لان لها ثلث ولائها فهذا هو السهم الدائر لانه خرج من الثانية إلى الاولى ثم رجع إليها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: