الفقه الحنبلي - الغصب -

أيضا فيدخل في عموم قوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) وهذا لا خلاف فيه بحمدالله ويلزم المشتري المهر لانه وطئ جارية غيره بغير نكاح وعليه أرش البكارة ونقص الولادة كالغاصب ويلزم ذلك مع الجهل لان الاتلاف لا يعذر فيه بالجهل والنسيان (مسألة) (وإن ولدت منه فالولد حر) لانه اعتقد أنه يطأ مملوكته فمنع ذلك انخلاق الولد رقيقا ويلحقه النسب وعليه فداؤهم لانه فوت رقهم على السيد باعتقاده حل الوطئ هذا الصحيح من المذهب وعليه الاصحاب، وقد نقل ابن منصور عن أحمد أن المشتري لا يلزمه فداء أولاده وليس للسيد بدلهم لانهم
كانوا في حال العلوق أحرارا ولم تكن لهم قيمة حينئذ قال الخلال أحسبه قولا لابي عبد الله أول والذي أذهب إليه أنه يفديهم وقد نقله ابن منصور أيضا وجعفر به محمد وهو قول أبى حنيفة والشافعي ويفديهم ببدلهم يوم الوضع وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يجب يوم المطالبة لان ولد المغصوب لا يضمنه عنده إلا بالمنع وقيل المطالبة لم يحصل منع فلم تجب وقد ذكرنا فيما مضى أنه يحدث مضمونا عليه وقوم يوم وضعه لانه أول حال أمكن تقويمه (مسألة) (ويفديه بمثله في صفاته تقريبا) هذا ظاهر قول الخرقي لانهم أحرار والحر لا يضمن بقيمته وقال أبو بكر يفديهم بثهلهم في القيمة وعن أحمد رواية ثالثة أنه يفديهم بقيمتهم حكاها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهي أصح ان شاء الله تعالى لان الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر
المتقومات ولانه لو أتلفه ضمنه بقيمته كذلك هذا (مسألة) (ويرجع بذلك على الغاصب) يعنى بالمهر وما فدى به الاولاد لان المشتري دخل على أن يسلم له الاولاد وان يتمكن من الوطئ بغير عوض فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره البائع فيرجع به عليه وان كانت الجارية باقية ردها إلى سيدها ولا يرجع بيدلها لانها ملك المغصوب منه رجعت عليه لكنه يرجع على الغاصب بالثمن الذي أخذه منه لقوله عليه السلام (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (مسألة) (وان تلفت فعليه قيمتها لمالكها كما يلزمه نقصها ولا يرجع بها على الغاصب إن كان مشتريا) لان المشتري دخل مع الغاصب على ان يكون ضامنا لذلك بالثمن فإذا ضمنه القيمة لم يرجع بها لكنه يرجع بالثمن لان البيع باطل فلم يدخل الثمن في ملك الغاصب كما لو وجد العين باقية فاخذها المالك فانه يرجع بالثمن، فأما المتهب فيرجع بالقيمة على الغاصب لانه دخل مع الغاصب على ان يسلم له العين فينبغي ان يرجع بما غرم من قيمتها على الغاصب كقيمة الاولاد (مسألة) (وعنه أن ما حصلت له منفعة كالاجرة والمهر وأرش البكارة لا يرجع به) وجملة ذلك ان المالك إذا رجع على المشتري فاراد المشتري الرجوع على الغاصب فهو على ثلاثة اضرب: ضرب لا يرجع به وهو قيمتها ان تلفت في يده وارش بكارتها، وفيه رواية اخرى انه يرجع به كالمهر وبدل جزء من
اجزائها لانه دخل مع الغاصب على ان يكون ضامنا لذلك بالثمن فإذا ضمنه لم يرجع به، وضرب يرجع
به وهو بدل الولد إذا ولدت منه لانه دخل معه في العقد على أن لا يكون الولد مضمونا ولم يحصل من جهته اتلاف وانما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه وكذلك نقص الولادة، وضرب اختلف فيه وهو مهر مثلها واجر نفعها وفيه روايتان (احداهما) يرجع به وهو قول الخرقي لانه دخل العقد على ان يتلفه بغير عوض فإذا غرمه رجع به كبدل الولد ونقص الولادة (والثانية) لا يرجع به وهو اختيار ابي بكر وقول ابي حنيفة لانه غرم ما استوفى بدله فلا يرجع كقيمة الجارية وبدل اجزائها وللشافعي قولان كالروايتين (مسألة) (فان ضمن الغاصب رجع على المشتري بما لا يرجع به عليه كما لو رجع به على المشتري لا يرجع به المشتري على الغاصب) إذا رجع به المالك على الغاصب رجع الغاصب به على المشتري وكل مالو رجع به على المشتري رجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على المشتري لانه الضمان استقر على الغاصب فان ردها حاملا فماتت من الوضع فهي مضمونة على الواطئ لان التلف بسبب من جهته (مسألة) (فان ولدت من زوج فمات الولد ضمنه بقيمته) إذا اشترى الجارية المغصوبة من لا يعلم بذلك فزوجها لغير عالم بالغصب فولدت من الزوج فهو مملوك لانه من زوائدها ونمائها فيكون مضمونا على من هو في يده بقيمته إذا تلف لانه مال وليس بمثلي، وهل يرجع يها على الغاصب؟ على روايتين على ما ذكرنا فيما إذا ضمن المشتري ما حصل به نفع ووجه الروايتين ما سبق (فصل) إذا وهب المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه ولا يرجع به على احد لانه غاصب
ولم يغره احد وان لم يعلم فلصاحبه تضمين ايهما شاء ويرجع المتهب على الواهب بقيمة العين والاجر لانه غيره وقال أبو حنيفة ايهما ضمن لم يرجع على الآخر ولنا ان المتهب دخل على ان يسلم له العين فيجب ان يرجع بما غرم من قيمتها كقيمة الاولاد فانه وافقنا على الرجوع بها فأما الاجر والمهر وارش البكارة ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في المشتري (مسألة) (وإن اعارها فتلفت عند المستعير استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الاجر على الغاصب)
فان ضمن المستعير مع علمه بالغصب لم يرجع على احد وان ضمن الغاصب رجع على المستعير وان لم يكن علم بالغصب فضمنه لم يرجع بقيمة العين لانه قبضها على انها مضمونة عليه، وفي الرجوع بالاجر وجهان (أحدهما) يرجع لانه دخل على أن المنافع غير مضمونة عليه (والثاني) لا يرجع به لانه انتفع بها فقد استوفى بدل ما غرم وكذلك الحكم فيما تلف من الاجزاء بالاستعمال إذا كانت العين وقت القبض أكثر قيمة من يوم التلف فضمن الاكثر فينبغي أن يرجع بما بين القيمتين لانه دخل على أنه لم يضمنه ولم يستوف بدله فان ردها المستعير على الغاصب لم يسقط عنه الضمان لانه فوت الملك على مالكه بتسليمه إلى غير مستحقه ويستقر الضمان على الغاصب ان حصل التلف في يده وكذلك الحكم في المودع (مسألة) (وان اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها فخرجت مستحقة وقلع غرسه وبناءه رجع المشتري على البائع بما غرمه) ذكره القاضي في القسمة لانه ببيعه إياها غره وأوهمه أنها ملكه وكان ذلك سبيا
في بنائه و غرسه فرجع عليه بما غرمه عليها كرجوعه بما أعطاه من ثمنها (مسألة) (وان أطعم المغصوب لعالم بالغصب استقر الضمان عليه) لكونه أتلف مال غيره بغير اذنه عالما من غير تعرير وللمالك تضمين الغاصب لانه حال بينه وبين ماله والاكل لانه أتلف مال غيره بغير إذنه وقبضه من يد ضامنه بغير إذن مالكه فان ضمن الغاصب رجع على الآكل وان ضمن الآكل لم يرجع على أحد (مسألة) (وإن لم يعلم وقال له الغاصب كله فانه طعامي استقر الضمان على الغاصب) لاعتراف، بان الضمان باق عليه وان لم يلزم الآكل شئ ولانه غر الآكل (مسألة) (وإن لم يقل ففي أيهما يستقر عليه الضمان؟ وجهان) أحدهما يستقر الضمان على الآكل وهو قول أبي حنيفة والشافعي في الجديد لانه ضمن فلم يرجع به على أحد والثاني يستقر على الغاصب لانه غر الآكل وأطعمه على أنه لا يضمنه وهذا ظاهر كلام الخرقي وأيهما استقر عليه الضمان فغرم لم يرجع على أحد وإن غرم صاحبه رجع عليه (مسألة) (إن أطعمه لمالكه ولم يعلم لم يبرأ نص عليه) إذا أطعم المغصوب لمالكه فأكله عالما أنه
طعامه برئ الغاصب وإن لم يعلم وقال له كله فانه طعامي استقر الضمان على الغاصب لما ذكرنا وإن كانت له بينة بانه طعام المغصوب منه، وإن لم يقبل ذلك بل قدمه إليه وقال كله فظاهر كلام أحمد أنه لا يبرأ
لانه قال في رواية الاثرم في رجل له قبل رجل تبعة فأوصلها إليه على سبيل صدقة أو هدية فلم يعلم فقال كيف هذا؟ هذا يرى أنه هدية يقول له هذا لك عندي، وهذا يدل على أنه لا يبرأ ههنا فيأكل المالك طعامه بطريق الاولى لانه ثم رد إليه يده وسلطانه وههنا بالتقديم إليه لم يعد إليه اليد والسلطان فانه لا يتمكن من التصرف فيه بكل ما يريد من أخذه وبيعه والصدقة به فلم يبرأ به الغاصب كما لو علفه لدوابه ويتخرج أن يبرأ بناء على ما إذا أطعمه لاجنبي فانه يستقر الضمان على الاكل في إحدى الروايتين فكذلك ههنا وهذا مذب أبي حنيفة (فصل) وإن وهب المغصوب لمالكه أو أهداء إليه برئ في الصحيح لانه سلمه إليه تسليما تاما وزالت يد الغاصب وكلام أحمد في رواية الاثرم محمول على ما إذا أعطاه عوض حقه على سبيل الهبة فاخذه المالك على هذا الوجه لا على سبيل العوض فلم تثبت المعاوضة ومسئلتنا فيما إذا رد عليه عين ماله وأعاد يده التي أزالها وان باعه إياه وسلمه إليه برئ من الضمان لانه قبضه بالابتياع وهو موجب للضمان وكذلك إن أقرضه إياه لما ذكرنا (مسألة) (وان رهنه عند مالكه أو أودعه إياه أو أجره أو استأجره على قصارته أو خياطته ولم يعلم لم يبرأ من الضمان) لانه لم يعد إليه سلطانه إنما قبضه على أنه أمانة، وقال بعض أصححابنا يبرأ رده إلى يده
وسلطانه وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي والاول أولى فانه لو أباحه أكله فأكله لم يبرأ فههنا أولى.
(مسألة) (وان أعاره إياه برئ علم أو لم يعلم) لان العارية توجب الضمان على المستعير فلو وجب الضمان على الغاصب رجع به على المستعير ولا فائدة
في وجوب شئ عليه يرجع به على من وجب له (مسألة) (وان اشترى عبدا فأعتقه فادعى رجل ان البائع غصبه فصدقه أحدهما لم يقبل على الاخر وان صدقاه مع العبد لم يبطل العتق ويستقر الضمان على المشتري ويحتمل أن يبطل العتق إذا صدقوه كلهم) إذا أقام المدعي بينه بما أدعاه بطل البيع والعتق ويرجع المشتري على البائع بالثمن وان صدقه البائع أو المشتري لم يقبل قول أحدهما على الآخر لانه لا يقبل اقراره في حق غيره وان صدقاه جميعا لم يبطل العتق وكان العبد حرا لانه قد تعلق به حق لغيرهما فان وافقهما العبد فقال القاضي لا يقبل أيضا لان الحرية حق يتعلق بها حق لله تعالى ولهذا لو شهد شاهدان بالعتق مع اتفاق السيد والعبد علياالرق قبلت شهادتهما، ولو قال رجل أنا حرثم أقر بالرق لم يقبل اقراره وهذا مذهب الشافعي ويحتمل أن يبطل العتق إذا اتفق عليه كلهم ويعود العبد إلى المدعي لانه مجهول النسب أقر بالرق لمن
يدعيه فصح كما لو لم يعتقه المشتري، ومتى حكمنا بالحرية فللمالك تضمين أيهما شاء قيمته يوم عتقه فان ضمن البائع رجع على المشتري لانه أتلفه وان ضمن المشتري لم يرجع على البائع الا بالثمن لان التلف حصل منه فاستقر الضمان عليه وان مات العبد فخالف مالا فهو للمدعي لاتفاقهم على أنه له وانما لم يرد العبد إليه لتعلق حق الحرية به الا أن يخلف وارثا فيأخذه وليس عليه ولاء لان أحدا لا يدعيه وان صدق المشتري البائع وحده رجع عليه بقيمته ولم يرجع المشتري بالثمن وبقية الاقسام على ما نذكر في الفصل بعده (فصل) وان كان المشتري لم يعتقه وأقام المدعي بينة بما ادعاه انتقض البيع ورجع المشتري على البائع بالثمن وكذلك إذا أقرا بذلك وان أقر أحدهما لم يقبل على الآخر فان كان المقر البائع لزمته القيمة للمدعي لانه حال بينه وبين ملكه ويقر العبد في يد المشتري لانه ملكه في الظاهر وللبائع احلافه ان كان البائع لم يقبض الثمن فليس له مطالبة المشتري لانه لا يدعيه ويحتمل أن يملك مطالبته بأقل الامرين من الثمن أو قيمة العبد لانه يدعي القيمة على المشتري والمشتري يقر له بالثمن فقد اتفقا على
استحقاق أقل الامرين فوجب ولا يضر اختلافهما في السبب بعد اتفاقهما على حكمه كما لو قال لي عليك الف من ثمن مبيع فقال بل الف من قرض وان كان قد قبض الثمن فليس للمشتري استرجاعه لانه لا يدعيه ومتى عاد العبد إلى البائع بفسخ أو غيره لزمه رده إلى مدعيه وله استرجاع ما أخذ منه
وان كان اقرار البائع في مدة الخيار انفسخ البيع لانه يملك فسخه فقبل اقراره بما يفسخه وان كان المقر المشتري وحده لزمه رد العيب ولم يقبل اقراره على البائع ولا يملك الرجوع عليه بالثمن ان كان قبضه وعليه دفعه إليه ان لم يكن قبضه فان أقام المشتري بينة بما أقر به قبلت وله الرجوع بالثمن وان كان البائع المقر فأقام بينة فان كان في حال البيع قال بعتك عبدي هذا أو ملكي لم تقبل بينته لانه تكذبها وان لم يكن قال ذلك قبلت لانه يبيع ملكه وغيره، وان أقام المدعي البينة سمعت ولا تقبل شهادة البائع له لانه يجربها إلى نفسه نفعا وان أنكراه جميعا فله احلافهما قال احمد في رجل يجد سرقته عند إنسان بعينها قال هو ملكه يأخذه اذهب إلى حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من وجد متاعه عند رجل فهو أحق به ويتبع المتباع من باعه) رواه هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة وموسى بن السائب ثقة (فصل) قال رضي الله عنه (وان أتلف المغصوب ضمنه بمثله ان كان مكيلا أو موزونا) متى تلف المغصوب في يد الغاصب لزمه رد بدله لقوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولانه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها فان كان المتلف مثليا كالمكيل والموزون مكيلا أو موزونا وجب المثل قال ابن عبد البركل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته ولان المثل أقرب إليه من القيمة فهو ممائل له من طريق الصورة والمشاهدة
كالنص والمعنى والقيمة مماثلة من طريق الظن والاجتهاد فقدم ما طريقه المشاهدة كالنص لما كان طريقه الادراك بالسماع كان أولى من القياس لان طريقه الظن والاجتهاد (مسألة) (وان أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه)
وقال القاضي تجب قيمته يوم قبض البدل لانه الواجب المثل إلى حين قبض البدل بدليل أنه لو وجد المثل بعد إعوازه لكان الواجب هو دون القيمة، وقال أبو حنيفة ومالك وأكثر أصحاب الشافعي تجب قيمته يوم المحاكمة لان القيمة لم تنتقل إلى ذمته الاحين حكم بها الحاكم ولنا ان القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل فاعتبرت القيمة حنيئذ لتلف المتقوم ودليل وجوبها حينئذ أنه يستحق طلبها واستيفاء ها ويجب على الغاصب أداؤها ولا ينفى وجوب المثل لانه معجوز عنه والتكليف يستدعي الوسع ولانه لا يستحق طلب المثل ولا استيفاء ولا يجب على الآخر أداؤه فلم يكن واجبا كحالة المحاكمة، وأما إذا قدر على المثل بعد فقده فانه يعود وجوبه لانه الاصل قدر عليه قبل أداء البدل فأشبه القدرة على الماء بعد التيمم ولهذا لو قدر عليه بعد المحاكمة وقبل الاستيفاء استحق المالك طلبه وأخذه وعنه تلزمه قيمته يوم تلفه لان القيمة نما ثبتت في الذمة حين التلف لانه قبل التلف يجب رده فإذا تلف وجبت قيمته يوم تلفه كغير المثلي (مسألة) (وان لم يكن مثليا ضمنه قول باقي الجماعة)
وحكي عن العنبري أنه يجب في كل شئ مثله لما روت جسرة بنت دجاجة عز عائشة رضي الله عنها قالت ما رأيت صانعا مثل حفصة صنعت طعاما فبعثت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذني الافكل فكسرت الاناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت فقال (إنا مثل الاناء وطعام مثل الطعام) رواه أبو داود وعن أنس ان احد نساء النبي صلى الله عليه وسلم كسرت قصعة الاخرى فدفع النبي صلى الله عليه وسلم قصعة الكاسرة إلى رسول صاحبة المكسورة وحبس المكسورة في بيته رواه الترمذي بنحوه وقال حسن صحيح ولنا ما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أعتق شركاله في عبد قوم عليه قيمة العدل) متفق عليه فأمر بالتقويم في حصة الشريك لانها متلفة بالعتق ولم يأمر بالمثل والحديث محمول على أنه جوز ذلك بالتراضي وعلم أنها ترضى به ولان هذه الاشياء لا تتساوى أجزاؤها وتخلف صفلتها فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها فكانت أولى ويكون ذلك يوم تلفه لما ذكرنا ويكون في بلده من نقده لانه موضع الضمان يعني يضمنه في البلد الذي غصبه فيه من نقده، ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه وهو
قول أبي حنيفة ومالك وروي عن أحمد لانه قوته عليه بغصبه فكان عليه قيمة ما فوت عليه حين فوته وقد روي عن أحمد في رجل أخذ من رجل أرطالا من كذا وكذا أعطاه على السعريوم أخذه لا يوم محاسبته ولذلك روي عنه في حوائج البقال عليه القيمة يوم الاخذ وهذا يدل على ان القيمة تعتبر يوم الغصب والاولى أولى.
قال شيخنا ويمكن التفريق بين هذا وبين الغصب من قبل أن ما أخذه ههنا باذن مالكه
ملكه وحل له التصرف فيه فثبتت قيمته يوم ملكه ولم يعتبر ما ثبت في ذمته بتغير قيمة ما أخذه لانه ملكه والمغصوب ملك المغصوب منه والواجب رده لا قيمته، وإنما تثبت قيمته في الذمة يوم تلفه أو انقطاع مثله فاعتبرت القيمة حينئذ وتغيرت بتغيره قبل ذلك، فأما ان كان المغصوب باقيا وتعذر رده فأوجبنا رد قيمته فانه يطالبه بها يوم قبضها لان القيمة لم تثبت في الذمة قبل ذلك ولهذا يتخير بين أخذها والمطالبة بها وبين الصبر إلى وقت إمكان الرد ومطالبة الغاصب بالسعي في رده وإنما يأخذ القيمة لاجل الحيلولة بينه وبينه فيعتبر ما يقوم مقامه لان ملكه لم يزل عنه بخلاف غيره (فصل) وقد قال الخرقي فيمن غصب جارية حاملا فولدت في يديه ثم مات الولد أخذها سيدها وقيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته، فحمل القاضي قول الخرقي على ما إذا اختلفت القيمة لتغير الاسعار وهو مذهب الشافعي، فعلى هذا إذا تلف المغصوب لزم الغاصب قيمته أكثر ما كانت من يوم الغصب إلى يوم التلف لان أكثر القيمتين فيه للمغصوب منه فإذا تعذر ردها ضمنه كقيمته يوم التلف، إنما سقطت القيمة مع رد العين، والمذهب أن زيادة القيمة بتغير الاسعار غير مضمونة على الغاصب وقد ذكرنا ذلك، وعلى هذا فكلام الخرقي محمول علي ما إذا اختلف القيمة لمعنى في المغصوب من كبر وصغر وسمن وهزال ونسيان ونحو ذلك فالواجب القيمة أكثر ما كانت لانهما مغصوبة في الحال التي زادت فيها والزيادة لما لكها مضمونة على الغاصب على ما قدرناه بدليل أنه لورد العين ناقصة لزمه أرش نقصها
وهو بدل الزيادة فإذا ضمن الزيادة مع بقائها ضمنها عند تلفها بخلاف زيادة القيمة لتغير الاسعار فانها لا تضمن مع ردها فكذلك مع تلفها، وقولهم انها انما سقطت مع رد العين لا يصح لانها لو وجبت ما سقطت
بالرد كزيادة السمن قال القاضي ولم أجد عن أحمد رواية بانها تضمن باكثر القيمتين لتغير الاسعار فعلى هذا تضمن بقيمتها يوم التلف وقد روي عن أحمد أنها تضمن بقيمتها يوم الغصب إلا أن الخلال قال جبن أحمد عنه كأنه رجع إلى القول الاول وقد ذكرناه (مسألة) (فان كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه) متى كان المصاغ تزيد قيمته على وزنه أو تنقص والصناعة مباحة كحلي السناء وجب ضمانه بقيمته لكن يقومه بغير جنسه فيقوم الذهب بالفضة والفضة بالذهب لئلا يفضي ذلك إلى الربا، وقال القاضي يجوز تقويمه بجنسه لان ذلك قيمته والصنعة لها قيمة بدليل أنه لو استأجره لعملها جاز، ولو كسر الحلي وجب عليه أرش ذلك ويخالف البيع لان الصنعة لا يقابلها العوض في العقود ويقابلها في الاتلاف ألا ترى أنها لا تنفرد بالعقد وتنفرد بضمانها في الاتلاف؟ قال بعض أصحاب الشافعي هذا مذهب الشافعي وذكر بعضهم مثل القول الاول وهو الذي ذكره أبو الخطاب لان القيمة مأخوذة على سبيل العوض فالزيادة ربا كالبيع وكالنقص، وقد قال أحمد في روااية ابن منصور إذا كسر الحلي يصلحه أحب إلي قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لا على طريق الوجوب، فان كانت الصناعة محرمة كالاواني وحلي الرجال المحرم
لم يجز ضمانه بأكثر من وزنه وجهاد واحدا لان الصناعة لا قيمة لها شرعا (مسألة) (فان كان محلى بالنقدين معاقومه بما شاء منهما) للحاجة وأعطاه بقيمته عوضا لئلا يفضي إلى الربا ولا يمكن تقويمه إلا بأحدهما لانهما قيم الاموال فدعت الحاجه إلى تقويمهما بأحدهما وليس أحدهما باولى من الآخر فكانت الخيرة إليه في تقويمه بما شاه منهما، والدليل على أنه لا يمكن تقويمه إلا بأحد النقدين انه لا يمكن تقويمه بكل واحد منهما منفردا لعدم معرفة ما فيه منه ولان قيمة الحلية قد تنقص بالتحلية بها وقد تزيد ولا يمكن افرادها بالبيع ولا بغيره من التصرفات وإنما يقوم المحلى كالسيف بان يقال كم قيمة هذا؟ ولو بيع ماكان الثمن الا عوضا له لان الحلية صارت فصة له وزينة فيه فكانت القيمة فيه موصوفا بهذا الصفة كقيمته في بيعه والله أعلم.
(فصل) وقد ذكرنا ان ما تتماثل أجزاؤه وتنقارب كالاثمان والحبوب والادهان يضمن بمثله وهذا لا خلاف فيه، فأما سائر المكيل والموزون فظاهر كلام أحمد أنه يضمنه بمثله أيضا فانه قال في رواية حرب ما كان من الدراهم والدنانير وما يكال ويوزن فظاهره وجوب المثل في كل مكيل وموزون إلا أن يكون مما فيه صناعة مباحة كمعمول الحديد والنحاس والرصاص والصوف والشعر العزول فانه يضمن بقيمته لان الصناعة تؤثر في قيمته وهي مختلفة فالقيمة فيه أحصر فأشبه غير المكيل والموزون
وذكر القاضي ان النقرة والسبيكة من الاثمان والعنب والرطب والكمثرى انما يضمن بقيمته، وظاهر كلام أحمد يدل على ما قلنا وإنما خرج منه ما فيه الصناعة لما ذكرنا ويحتمل ان تضمن النقرة بقيمتها لتعذر وجود مثله إلا بكسر النقود المضروبة وسبكها وفيه اتلاف (مسألة) (وان تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقية كزوجي خف تلف أحدهما فعليه رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص وقيل لا يلزم أرش النقص) إذا غصب شيئين ينقصهما التفريق كزوجي خف أو مصراعي باب فتلف أحدهما رد الباقي وقيمة التلف وأرش نقصهما فإذا كانت قيمتهما ستة دراهم، فصارت قيمة الباقي بعد التلف درهمين رده وأربعة دراهم وفيه وجه آخر أنه لا يلزمه الا قيمة التالف مع رد الباقي وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لانه لم يتلف غيره ولان نقص الباقي نقص قيمة فلا يضمنه كالنقص لتغير الاسعار.
ولنا أنه نقص حصل بجنايته فلزمه ضمانه كما لو غصب ثوبا فشقه ثم تلف أحد الشقين فانه يلزمه رد الباقي وقيمة التالف وأرش النقص ان نقص بخلاف نقص السعر فانه لم يذهب من المغصوب عين ولا معنى وههنا فوت معنى وهو امكان الانتفاع به وهذا هو الموجب لنقص قيمته وهو حاصل من جهة الغاصب فينبغي أن يضمنه كما لو فوت بصره أو سمعه أو علقه أو فك تركيب باب ونحوه
(فصل) وإن غصب ثوبا فلبسه فأبلاه فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت قيمته كما كانت مثل ان غصب ثوبا قيمته عشرة فنقصه لبسه حتى صارت قيمته خمسة ثم زادت قيمته فصارت عشرة رده
وأرش نقصه لان ما تلف قبل غلاء الثوب ثبتت قيمته، في الذمة فلا يتغير ذلك بغلاء الثوب ولا رخصه وكذلك لو رخصت الثياب فارت قيمته ثلاثة لم يلزم الغاصب إلا خمسة مع رد الثوب ولو تلف الثوب كله وقيمته عشرة ثم غلت الثياب فصارت قيمته عشرين لم يضمن إلا عشرة لانها تثبت في الذمة عشرة فلا تزاد بغلاء الثياب ولا تنقص برخصها (فصل) فان غصب ثوبا أو زليا فذهب بعض أجزائه كخمل المنشفة فعليه أرش نقصه، وان أقام عنده مدة لمثلها أجرة لزمته أجرته سواء استمعله أو تركه، ولو اجتمعا مثل ان اقام عنده مدة وذهب بعض أجزائه فعليه ضمانهما معا الاجرة وأرش النقص سواء كان ذهاب الاجزاء بالاستعمال كثوب ينقصه النسر نقص بنشره وبقي عنده مدة ضمن الاجر والنقص، وان كان النقص بالاستمال كثوب لبسه فأبلاه فكذلك يضمنهما معا في أحد الوجهين والثاني يجب أكثر الامرين من الاجر أو أرش النقص لان ما نقص من الاجزاء في مقابلة الاجر ولذلك لا يضمن المستأجر تلك الاجزاء ويتخرج لنا مثل ذلك.
ولنا أن كل واحد منهما ينفرد بالايجاب عن صاحبه فإذا اجتمعا وجبا كما لو أقام في يده مدة ثم
تف والاجرة تجب في مقابلة من المنافع لا في مقابلة الاجزاء ولذلك يجب الاجر وان لم تفقت الاجزاء، وان لم يكن للمغصوب أجرة كثوب غير مخيط فليس على الغاصب الاضمان نقصه (فصل) وإن نقص المغصوب عندا لغاصب ثم باعه فتلف عند المشتري فله تضمين من شاء منهما إذا لم يكن النقص لتغير الاسعار وقد ذكرناه، فان ضمن الغاصب ضمنه فيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف لانه في ضمانه من حين غصبه إلى يوم تلفه وان ضمن المشتري ضمنه قيمته اكثر ما كانت من حين قبضه إلى يوم تلفه لان ما قبل القبض لم يدخل في ضمانه، وان كانت له أجرة فله الرجوع على الغاصب بجمعيها وعلى المشتري بأجر مقامه في يده وبالباقي على الغاصب وقد مر الكلام في رجوع كل واحد منهما على صاحبه (مسألة) (وان غصب عبدا فابق أو فرسا فشرد أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته فان قدر
عليه بعد رده وأخذ القيمة) وجملته أن من غصب شيئا فعجز عن رده مع بقائه كعبد آبق فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا أخذه ملكه ولم يلمك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليه لزمه رده ويسترد بدلها الذي أداه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يتخير المالك بين الصبر إلى امكان ردها فيستردها وبين تضمينه إياها فيزول ملكه عنها وتصير ملكا للغاصب لا يلزمه ردها إلا أن يكون دفع دون قيمتها فهو له مع
يمينه لان المالك ملك البدل فلا يبقى ملكه على المبدل كالبيع ولانه تضمين فيما ينقل الملك فيه ففقله كما لو خلط زيته بزيته.
ولنا ان المغصوب لا يصح ملكه بالبيع ههنا فلا يصح بالتضمين كالتالف ولانه ضمن ما تعذر عليه رده بخر وجه عن يده فلا يملكه بذلك كما لو كان المغصوب مدبرا وليس هذا جميعا بين البدل والمبدل لانه ملك القيمة لاجل الحيلولة لا على سبيل العوض ولهذا إذا رد المغصوب إليه رد القيمة عليه ولا يثبه الزيت لانه يجوز بيعه ولان حق صاحبه انقطع عنه لتعذر رده.
إذا ثبت ذلك فانه إذا قدر على المغصوب رده ونماءه المنفصل والمتصل وأجر مثله إلى حين دفع بدله، ويجب على المالك ردما أخذه بدلا عنه إلى الغاصب لانه أخذه بالحيلولة وقد زالت فيجب رد ما أخذ من أجلها ان كان باقيا بعينه ورد زيادته المتصلة لانها تتبع في الفسوخ وهذا فسخ ولا يلزم منه رد زيادته المنفصلة لانها وجدت في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فأشبهت زيادة المبيع المردود بعيب، وان كان البدل تالفا فعليه مثله أو قيمته ان لم يكن من ذوات الامثال.
(مسألة) (وان غصب عصيرا فتخمر فعليه مثله) لانه تلف في يده فان صار خلا وجب رده وما نقص من قيمة العصير ويسترجع ما أداه من بدله وقال بعض أصحاب الشافعي يرد الخل ولا يسترجع البدل لان العصير تلف بتخمره فوجب ضمانه فان
عاد خلا كان كما لو هزلت الجارية السمينة ثم عاد سنمها فانه يردها وأرش نقصها
ولنا ان الخل عن العصير تغير صفته وقد رده فكان له استرجاع ما أداه بدلا عنه كما لو غصبه فغصبه منه غاصب ثم رده عليه وكما لو غصب حملا فصار كبشا، وأما السمن الاول فلنا فيه منع وان سلمنا فالثاني غير الاول بخلاف مسئلتنا (فصل) إذا غصب أثمانا فطالبه مالكها بها في بلد آخر وجب ردها إليه لان الاثمان قيم الاموال فلا يضر اختلاف قيمتها، وان كان المغصوب من المتقومات لزم دفع قيمته في بلد الغصب وان كان من المثليات وقيمته في البلدين واحدة أو هي أقل في البلد الذي لقيه فيه فله مطالبته بمثله لانه لا ضرر على الغاصب فيه، وان كانت أكثر فليس له المثل لانا لا نكلفه النقل إلى غير البلد الذي غصب فيه وله المطالبة بقيمته في بلد الغصب، وفي جميع ذلك متى قدر على المغصوب أو المثل في بلد الغصب رده وأخذ القيمة كما لو غصب عبدا فأبق.
(فصل) قال رضي الله عنه (فان كانت للمغصوب أجرة فعلى الغاصب أجرة مثله مدة مقامه في يده سواء استوفى المنافع أو تركها تذهب) هذا المعروف في المذهب نص عليه أحمد في رواية الاثرم وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يضمن المنافع وهو الذي نصره أصحاب مالك وقد روى محمد بن الحكم عن أحمد فيمن غصب دارا فسكنها عشرين سنة لا أجترئ أن أقول عليه سكنى ما سكن وهذا يدل على
توقفه عن إيجاب الاجر الا أن أبا بكر قال هذا قول قديم لان محمد بن الحكم مات قبل أبي عبد الله بعشرين سنة.
واحتج من لم يوجب الاجر بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) وضمانها على الغاصب ولانه استوفى منفعته بغير عقد ولا شبهة ملك أشبه مالو زنا بامرأة مطاوعة ولنا ان كل ما ضمنه بالاتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرد الاتلاف كالاعيان ولانه أتلف متقوما فوجب ضمانه كالاعيان أو نقول مال متقوم مغصوب فوجب ضمانه كالعين وأما الخبر فوارد في البيع ولا يدخل فيه الغاصب لانه لا يجوز له الانتفاع بالمغصوب بالاجماع ولا يشبه الزنا لانها رضيت باتلاف منافعها بغير عوض ولا عقد يقتضي العوض فكان بمنزلة من أعاره دارا، ولو أكرهها عليه لزمه مهرها، والخلاف فيما له منافع تستباح بعقد الاجارة كالعقار والثياب والدواب ونحوها فاما الغنم والشجر
والطير ونوحها فلا شئ فيها لانها لا منافع لها يستحق بها عوض، ولو غصب جارية ولم يطأها ومضى عليها زمن يمكن الوطئ فيه لم يضمن مهرها لان منافع البضع لا تتلف إلا بالاستيفاء بخلاف غيرها ولانها لا تقدر بزمن فيتلفها مضي الزمن بخلاف المنفعة، ولو أطرق الفحل لم يضمن منفعته لانه لاعوض له لكن عليه ضمان نقصه (مسألة) (وان تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه) لانه بعد التلف لم تبقن له منفعة لم يجب ضمانها كما لو أتلفه من غير غصب
(مسألة) (وان غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة) لان منافعه إلى وقت أداء القيمة ممولكة لصاحبه فلزمه ضمانها وهل يلزم أجره من حين دفع بدله إلى رده؟ فيه وجهان أصحهما لا يلزمه لان استحق الانتفاع ببدله انلذي أقيم مقامه فلم يستحق الانتفاع به وبما قام مقامه والثاني له الاجر لان العين باقية على ملكه والمنفعة له (فصل) وتصرفات الغاصب الحكمية كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها باطلة في احدى الروايتين والاخرى صحيحة) تصرفات الغاصب كتصرف الفضولي وفيه روايتان أظهرهما بطلانها والثانية صحتها ووقوفها على إجازة المالك وذكر شيخنا في الكتاب المشروح رواية أنها تقع صحيحة وذكره أبو الخطاب وسواء في ذلك العبادات كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والعقود كالبيع والاجارة والنكاح وهذا ينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المال، فاما ما اختار المالك ابطاله وأخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا وأما ما لم يدركه المالك فوجه التصحيح فيه ان الغاصب تطول مدته وتكثر تصرفاته ففي القضاء ببطلانها ضرر كثير وربما عاد الضرر على المالك فان الحكم بصحتها يقتضي كون الربح للمالك والعوض نمائه وزيادته له الحكم ببطلانها يمنع ذلك (مسألة) (وان اتجر بالدراهم فالربح لمالكها) إذا غصب أثمانا فاتجر بها أو عروضا فباعها واتجر بثمنها فقال أصحابنا الربح للمالك والسلع
المشتراة له وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب ان كان الشراء بعين المال فالربح للمالك لانه نماء ملكه قال الشريف وعن أحمد أنه يتصدق وبه لو قوع الخلاف فيه (مسألة) (وان اشترى في ذمته ثم تقدها احتمل ان يكون الربح للغاصب) وكذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لانه اشتري لنفسه في ذمته فكان الشراء له والربح له، وعليه بدل المغصوب وهذا قياس قول الخرقي وذكر ذلك عن أحمد واحتمل أن يكون للمالك لانه نماء ملكه أشبه مالو اشترى بعين المال وهذا المشهور في المذهب وقال صاحب المحرر إذا اشترى في ذمته بنية نقدها لئلا بتخذ ذلك طريقا إلى غصب مال الغير والتجارة به وان خسر فهو على الغاصب لانه نقص حصل في المغصوب، وادفع المال إلى من يضارب به فالحكم في الربح على ما ذكرنا وليس على المالك من أجر العامل شئ لانه لم يأذن له في العمل في ماله وان كان المضارب عالما بالغاصب فلا أجر له لانه متعد بالعمل ولم يغره أحد وان لم يعلم فعلى الغاصب أجر مثله لانه استعمله عملا بعوض لم يحصل له فلزمه أجره كالعقد الفاسد (فصل) وان أجر الغاصب المغصوب فالاجارة باطلة في احدى الروايات كالبيع وللمالك تضمين أيهما شاء أجر المثل فان ضمن المستأجر لم يرجع بذلك لانه دخل في العقد على أنه يضمن المنفعة
ويسقط عنه في العقد وان كان دفعه إلى الغاصب رجع به وان تلفت العين في يد المستأجر فلمالكها تضمين من شاء منهما قيمتها فان ضمن المستأجر رجع بذلك على الغارم لانه دخل معه على أنه لا يضمن العين ولم يحصل بدل في مقابلة ما غرم، وان كان عالما بالغصب لم يرجع على الغاصب لانه دخل على بصيرة وحصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه فان ضمن الغاصب الاجر والقيمة رجع بالاجر على المستأجر علم أو لم يعلم ويرجع بالقيمة ان كان المستأجر علم بالغصب وهذا قول الشافعي ومحمد بن الحسن في هذا الفصل وحكي عن أبي حنيفة أن الاجر اللغاصب دون صاحب الدار وهو فاسد لان الاجر عوض المنافع المملوكة لرب الدار فلم يملكها الغاصب كعوض الاجزاء (مسألة) (وان اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه فالقول قول الغاصب)
إذا اختلف المالك والغاصب في قيمة المغصوب ولا بينة فالقول قول الغاصب لان الاصل براءة ذمته فلا يلزمه ما لم يقم عليه حجة كما لو ادعى عليه دينا فأقر ببعضه وكذلك ان اختلفا في قدره فقال غصبتني مائة قال بل خمسين لما ذكرنا وكذلك ان قال المالك كان كاتبا أو له صناعة فأنكر الغاصب فالقول قوله لذلك فان شهدت البينه بالصفة ثبتت (مسألة) (وان اختلفا في رده أو عيب فيه فالقول قول المالك) لان الاصل عدم الرد وبقاؤه في يد الغاصب وان قال الغاصب كانت فيه سلعة أو أصبغ زائدة أو عيب
وأنكر المالك فالقول قوله لان الاصل عدم ذلك، وان اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقت الزيادة فقال المالك زادت قبل تلفه وقال الغاصب بعد تلفه فالقول قول الغاصب لان الاصل براءة ذمته وان شاهدنا العبد معيبا فقال الغاصب كان معيبا قبل غصبه وقال المالك تعيب عندك فالقول قول الغاصب لانه غارم ولان الظاهر أن صفة العبد لم تتغير، ويتخرج أن القول قول المالك كما إذا اختلف البائع والمشتري في العيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري؟ فان فيه رواية أن القول قول البائع كذلك هذا، وان غصبه خمرا فقال المالك تخلل عندك وأنكر الغاصب فالقول قوله لان الاصل عدم تغيره وبراءة ذمة الغاصب، وان اختلفا في تلفه فالقول قول الغاصب إذا ادعى التلف لانه أعلم بذلك ويتعذر اقامة البينة عليه فإذا حلف فللمالك المطالبة ببدله لانه تعذر رد العين فلزم بدلها كما لو غصب عبدا فابق وقيل ليس له المطالبة بالبدل لانه لا يدعيه، وان قال غصبت مني حديثا قال بل عتيقا فالقول قول الغاصب لان الاصل عدم وجوب الحديث وللمالك المطالبة بالعتيق لانه دون حقه، وان اختلفا في الثياب التي على العبد فهي للغاصب لانها في يده فكان القول قوله فيها ولم يثبت أنها كانت لمالك العبد (مسألة) (وان بقيت في يده غصوب لا يعلم أربابها تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة) لانه عاجز عن ردها على أصحابها فإذا تصدق بها عنهم كان ثوباها لا ربابها فيسقط ذلك اثم غصبها ولان قضاء الحقوق في الآخرة بالحسنات وحمل السيئات فإذا طلب منه عوض الغصب احالهم بثواب الصدقة
وعنه في اللقطة لا تجوز الصدقة بها فيخرج هنا له دفعه فلى هذا له دفعه إلى نائب الامام كالضوال (فصل) قال رضي الله عنه (ومن أتلف مالا محترما لغيره ضمنه إذا كان بغير اذنه لا نعلم في ذلك خلافا) لانه فوته عليه فوجب عليه ضمانه كما لو غصبه فتلف عنده (مسألة) (وان فتح قفصا عطائر فطار أو حل قيد عبده أو رباط فرسه فذهبت ضمنه) وبه قال ملك وقال أبو حنيفة والشافعي لا ضمان عليه الا أن يكون اهاجهما حتى ذهبا وقال أصحاب الشافعي ان وقفا عبد الحل والفتح ثم ذهبا لم يضمنهما وان ذهبا عقيب ذلك ففيه قولان واحتجابان لهما اختبارا وقد وجدت منهما المباشرة ومن الفاتح سبب غير ملجئ فإذا اجتمعا لم يتعلق الضمان بالسبب كما لو حفر بئرا فجاء عبد لانسان فرمى نفسه فيها ولنا أنه ذهب بسبب فعله فلزمه الضمان كما لو نفره أو ذهب عقيب فتحه وحله والمباشرة انما حصلت ممن لا يمكن احالة الحكم عليه فيسقط كما لو نفر الطائر وأهاج الدابة واشلى كلبا على صبي فقتله أو أطلق نارا في متاع انسان فان للنار فعلا لكن لما لم يكن احالة الحكم عليها كان وجوده كعدمه ولان الطائر وسائر الصيد من طبعه النفور وانما يبقى بالمانع فإذا أزيل المانع ذهب بطبعه فكان ضمانه على من أزال المانع كمن قطع علاقة قنديل فوقع فانكسر وهكذا لو حل قيد عبد فذهب أو أسير فأفلس لانه تلف بسبب فلعه فأما ان فتح القفص وحل الفرس فبقيا واقفين فجاء انسان فنفرهما فذهبا
فالضمان على منفرهما لان سببه أخص فاختص الضمان به كالدافع مع الحافر، وان وقع طائر انسان على جدارفنفره انسان فطار لم يضمنه لان تنفيره لم يكن سبب فواته فانه كان ممتنعا قبل ذلك، وان رماه فقلته ضمنه وان كان في داره لانه كان يمكنه تنفيره بغيره قتله وكذلك لو مر طائر في هواء داره فرماه فقتله مضنه لانه لا يملك منع الطائر من هواء الدار فهو كما لو رماه في هواء دار غيره (مسألة) (وان حل وكاء زق مائع أو جامد فاذابته الشمس أو بقي بعد حله فألقته الربح فاندفق ضمنه) إذا حل وكاء زق مائع فاندفق أو كان جامدا فذاب بشمس أو سقط بريح أو زلزلة ضمنه سواء خرج في الحال أو قليلة أو خرج منه شئ بل أسلفه فسقط أو ثقل أحد جانبيه فلم يزل يميل قليلا
قليلا حتى سقط لانه تلف بسبب فعله وقال القاضي لا يضمن إذا سقط بريح أو زلزلة ويضمن فيها سوى ذلك وبه قال أصحاب الشافعي، ولهم فيما إذا ذاب بالتسس وجهان قالوا لان فعله غير ملجئ والمعنى الحادث مباشره فلم يتعلق الضمان بفعله كما لو دفعه انسان ولنا ان فعله سبب تلفه ولم يتخلل بينهما ما يمكن احالة الحكم عليه فوجب عليه الضمان كما لو خرج عقيب فعله أو مال قليلا قليلا وكما لو جرح انسانا فأصابه الحر أو البرد فسرت الجناية فانه يضمن واما إذا دفعه إنسان فان المتخلل بينهما مباشرة من يمكن الاحالة عليه بخلاف مسئلتنا (مسألة) (وان ربط دابة في طريق فأتلفت أو اقتنى كلبا عقوررا فعقر أو خرق ثوبا ضمن) إذا أوقف الدابة في طريق ضيق ضمن ما جنت بيد أو رجل أو فم لانه متعد بوففها فيه وإن كان الطريق واسعا ضمن في أحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي لان انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة ولذلك لو ترك في الطريق طينا فرلق به إنسان ضمنه والثانية لا يضمن لانه غير متعد بوقفها في الطريق
الواسع فلم يضمن كما لو وقفها في موات وفارق الطين فانه متعد بتركه في الطريق وأما الكلب فيلزمه ضمان ما أتلف لانه تعدى بذلك فلزمه الضمان كما لو بنى في الطريق دكانا (مسألة) (الا أن يكون دخل منزله بغير إذنه لانه متعد بالدخول فقد تسبب إلى اتلاف نفسه بجنايته، وان دخل باذن المالك فعليه ضمانه لانه تسبب إلى اتلافه فان أتلف الكلب بغير العقر مثل ان ولغ في إناء إنسان أو بال لم يضمنه لان هذا لا يختص الكلب العقور قال القاضي وان اقتنى سنورا يأكل أفراخ الناس ضمن ما أتلفه كالكلب العقور، ولافرق بين الليل والنهار فان لم تكن له عادة بذلك لم يضمن صاحبه جنايته كالكلب الذي ليس بعقورولو ان الكلب العقور أو السنور حصل عند إنسان من غير اقتنائه ولا اختياره فأفسد لم يضمنه لانه لم يحصل الاتلاف بتسببه فان اقتنى حماما أو غيره من الطير فأرسله نهارا فلقط حبا لم يضمنه لان العادة ارساله (مسألة) (وقيل في الكلب روايتان في الجملة (احداهما) يضمن سواء كان في منزل صاحبه أو خارجا وسواء دخل باذن صاحب المنزل أو بغير إذنه لان اقتناءه الكلب العقور سبب للعقر وأذى
الناس فضمن صاحبه كمن ربط دابة في طريق ضيق (والثانية) لا يضمن لقوله عليه الصلاة والسلام (جرح العجماء جبار) ولانه أتلف من غير أن تكون يد صاحبه عليه أشبه سائر البهائم (مسألة) (وان أجج نارا في ملكه أو سقى أرضه فتعدى إلى ملك غيره فاتلفه ضمن إذا كان قد أسرف فيه أو فرط والا فلا) وجملته أنه إذا فعل ذلك لم يضمن إذا كان ما جرت به العادة من غير تفريط لان غير متعد ولانها سراية فعل مباح فلا يضمن كسراية القود، وفارق من حل وكاء زق فاندفق لانه متعد بحله ولان الغالب خروج المائع من الزق المفتوح بخلاف هذا، فان كان بتفريط منه أو اسراف بان أجج نارا تسري
في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها أو فتح ماء كثيرا يتعدى أو فتح الماء في أرض غيره أو أوقد في دار غيره ضمن ما تلف به وان سرى إلى غير الدار التي أوقد فيها والارض التي فتح الماء فيها لانها سراية عدوان أشبهت سراية الجرح الذي تعدى به ولذلك إن يبست النار أغصان شجرة غيره يضمن لان ذلك لا يكون الا من نار كثيرة الا أن تكون الاغصان في هوائه فلا يضمن لان دخولها إليه غير مستحق فلا يمنع من التصرف في داره لحرمتها ومذهب الشافعي كما ذكرنا في هذا الفصل.
(فصل) وان ألقت الريح إلى داره ثوب غيره لزمه حفظه لانه أمانة حصلت تحت يده أشبهت اللقطة فان لم يعرف صاحبه فهو لقطة يثبت فيها أحكامها وان عرف صاحبه لزمه إعلامه فان لم يفعل ضمنه لانه أمسك مال غيره بغير إذنه من غيرت عريف فهو كالغاصب، وان سقط طائر في داره لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لانه محفوظ بنفسه إلا أن يكون غير ممتنع فهو كالثوب وان دخل برجه فأغلق عليه الباب ناويا إمساكه لنفسه ضمنه لانه أمسك مال غيره لنفسه فهو كالغاصب وإلا فلا ضمان عليه لانه يتصرف في برجه كيف شاء فلا يضمن مال غيره بتلفه ضمنا لتصرفه الذي لم يتعد فيه (مسألة) (وان حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف به، والفناما كان خارج الدار قريبا منها) إذا حفر في الطريق بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها سواء حفرها باذن الامام أو بغير إذنه وسواء
كان فيها ضرر أولا وقال أصحاب الشافعي ان حفرها باذن الامام لم يضمن لان للامام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه بدليل أنه يجوز ان يأذن في العقود فيه ويقطعه لمن يبيع فيه ولنا أنه تلف بحفر حفره في مكان مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم فضمن كما لو لم يأذن فيه الامام ولا نسلم أن للامام الاذن في هذا وانما جاز الاذن في العقود لانه لا يدوم ويمكن إزالته في الحال اشبه العقود في المسجد ولان العقود حائز من غير اذن الامام بخلاف الحفر
(مسألة) (وان حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن في أصح الروايتين) مثل أن يحفرها لينزل فيها ماء المطر أو ليشرب منه المارة ونحو هذا فلا يضمن لانه محسن بفعله غير متعد أشبه باسط الحصير في المسجد، وقال بعض أصحابنا لا يضمن إذا كان باذن الامام وان كان بغير اذنه لم يضمن في احدى الروايتين فان أحمد قال في رواية اسحاق بن ابراهيم إذا أحدث بئرا لماء المطر فيه نفع للمسلمين أرجو أن لا يضمن والثانية يضمن أوما إليه أحمد لانه اقتات على الامام ولم يذكر القاضي سوى هذه الرواية، والصحيح الاول لان هذا مما تدعو الحاجة إليه ويشق استئذان الامام فيه وتعم البلوى به ففي وجوب الاستئذان فيه تفويت لهذه المصلحة العامة لانه لا يكاد يوجد من يتحمل كلفة الاستئذان والحفر معا فتضيع هذه المصلحة فوجب سقوط الاستئذان كما في سائر المصالح العامة من بسط حصير في المسجد أو وضع سراج أو رم شعث واشباه ذلك وحكم البناء في الطريق حكم الحفر فيها على ما ذكرنا من التفصبل والخلاف وهو أنه متى بنى بناء يضر لكونه في طريق ضيق أو واسع إلا أنه يضر بالمارة أو بناه لنفسه ضمن ما تلف به وساء في ذلك كله اذن الامام وعدم الاذن قال شيخنا ويحتمل ان يعتبر اذن الامام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لان الحفر تدعو الحاجة إليه لنفع الطريق واصلاحها وإزالة الطين والماء منها بخلاف البناء فجرى حفرها مجرى تبقيتها وحفر هدفة منها وقلع حجر يضر بالمارة ووضع الحصى في حفرة فيها ليسهلها، ويملكها بازالة الطين ونحوه منها تسقيف ساقية فيها ووضع حجر في طين فيها ليطأ الناس عليها فهذا كله مباح لا يضمن ما تلف به لا نعلم فيه خلافا وكذلك ينبغي أن يكون في بناء القناطر ويحتمل أن يعتبر إذن الامام فيها لان مصلحته لاتعم
بخلاف غيره قال بعض أصحابنا في حفر البئر ينبغي أن يتقيد سقوط الضمان إذا حفرها في مكان مائل عن القارعة وجعل عليه حاجزاء يعلم به ليتوقى (فصل) وان حفر العبد بسرا في ملك إنسان بغير إذنه أو في طريق يتضرر به ثم أعتق ثم تلف بها شئ ضمنه العبد وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة الضمان على السيد لان الجناية بالحفر
في حال رقه فكان ضمان جنايته حيئنذ على سيده ولا يزال ذلك بعتقه كما لو جرح في حال رقه ثم سرى جرحه بعد عتقه ولنا ان التلف الموجب للضمان وجد بعد العتق فكان الضمان عليه كما لو اشترى سيفا في حال رقه ثم قتل به بعد عتقه وفارق ما قاسوا عليه لان الاتلاف الموجب للضمان وجد حال رقه وههنا حصل بعد عتقه وكذلك القول في نصيب حجر أو غيره من الاسباب التي يجب بها الضمان (مسألة) (وان بسط في مسجد حصيرا أو علق فيه قنديلا أو سقفه أو نصب عليه بابا أو جعل فيه رقا لينتفع به الناس فتلف به شئ فلا ضمان عليه) وقال أصحاب الشافعي ان فعل شيئا من ذلك بغير اذن الامام ضمن في أحد الوجهين وقال أبو حنيفة يضمن اذالم يأذن فيه الجيران ولنا أن هذا فعل أحسن به ولم يتعد فيه فلم يضمن ما تلف به كما لو أذن فيه الامام والجيران ولانه فعل ما يتنفع به المسلمون غالبا فلم يضمن كمن مهد الطريق ولان هذا مأذون فيه عرفا لان العادة جارية بالتبرع به من غير استئذان فلم يضمن فاعله كالمأذون فيه نطلقا (مسألة) (وان جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في أحد الوجهين) لانه جلس في مكان له الجلوس فيه من غير تعد على أحد، وفي الآخر يضمن لان الطريق انما جعلت للمرور فيها لا الجلوس، والمسجد للصلاة وذكر الله تعالى والاول أولى لانه فعل فلا مباحا، وقولهم ان الطريق انما جعلت للمرور ممنوع فان الطريق الواسع يجلس فيه عادة وكذلك المسجد جعل للصلاة وانتظارها والاعتكاف فيه في جميع الاوقات وبعضها لا تباح الصلاة فيه ولان انتظار الصلاة والاعتكاف قربة فلم يتعلق به الضمان كالصلاة والله أعلم
(مسألة) (وان أخرج جناحا أو ميزابا إلى الطريق فسقط على شئ فأتلفه ضمن) وجملة ذلك أنه إذا أخرج إلى الطريق النافذ جناحا أو ساباطا فسقط أو شئ منه على شئ فأتلفه ضمنه المخرج وقال
أصحاب الشافعي ان وقعت خشبة ليست مركبة على حائط وجب نصف الضمان لانه تلف بما وضعه على ملكه وملك غيره فيقسم الضمان عليهما.
ولنا أنه تلف بما أخرجه إلى هوا الطريق فكما لو بنى حائطه مائلا إلى الطريق أو كما لو لم تكن الخشبة الساقطة موضوعة على الحائط ولانه اخراج يضمن به البعض فضمن به الكل كالذي ذكرنا ولانه تلف بعدوانه فضمنه كما لو وضع البناء على أرض الطريق والدليل على عدوانه وجوب ضمان البعض لانه لو كان مباحا لم يضمن به كسائر المباحات، ولان هذه خشبة لو سقط الخارج مها حسب فأتلف شيئا ضمنه فيجب أن يضمن ما أتلف جميعها كسائر المواضع التي يجب الضمان فيها ولا ننا لم نعلم موضعا يجب الضمان كله ببعض الخشبة ونصفه بجميعها، وان كان اخراج الجناح إلى درب غير نافذ بغير اذن أهله ضمن ما تلف به وان كان باذنهم فلا ضمان عليه لانه غير متعد فيه (فصل) وان أخرج ميزابا إلى الطريق النافذ فسقط على انسان أو شئ فأتلفه ضمن وبهذا قال أبو حنيفة وحكي عن مالك أنه لا يضمن ما أتلفه لانه غير متعد باخراجه فلم يضمن ما تلف به كما لو أخرجه إلى ملكه وقال الشافعي ان سقط كله فلعيه نصف الضمان لانه تلف بماوضعه على ملكه وملك غيره وان انقصف الميزاب فسقط منه الخارج حسب ضمن الجميع لانه كله في غير ملكه ولنا ما سبق في الجناح ولا نسلم أن اخراجه مباح بل هو محرم لانه أخرج إلى هواء ملك غيره شيئا يضربه أشبه ما أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير اذنه، فأما ان أخرجه إلى ملك آدمي معين بغير اذنه فهو متعد ويضمن ما تلف به لا نعلم في ذلك خلافا (مسألة) (وان مال حائطه فلم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه نص عليه وأومأ في موضع انه ان تقدم إليه لنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن) إذا كان في ملكه حائط متسو أو مائل إلى ملكه أو بناء كذلك فسقط من غير استهدام ولا ميل فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به لانه لم يتعد ببنائه ولا حصل منه تفريط بابقائه وان مال قبل وقوعه إلى
ملكه ولم يتجاوزه فلا ضمان عليه أيضا لانه بمنزلة بناءئه مائلا في ملكه وإن مال قبل وقوعه إلى هواء الطريق أو الى ملك انسان أو ملك مشترك بينه وبين غيره وكان بحيث لا يمكنه نقضه فلا ضمان عليه لانه لم يتعد ببنائه ولا فرط في ترك نقضه لعجزه عنه أشبه مالو سقط من غير ميل، فان أمكنه نقضه ولم
ينقضه ولم يطالب بذلك لم يضمن في المنصوص عن أحمد وهو الظاهر عن الشافعي ونحوه قول الحسن والنخعي والثوري وأصحاب الررأي لانه بناه في ملكه والميل حادث بغير فعله أشبه مالو وقع ميله، وذكر بعض أصحابنا فيه وجها آخر ان عليه الضمان وهو قول ابن أبي ليلى وأبي ثور وإسحاق لانه متعد بتركه مائلا فضمن ما تلف به كما لو بناه مائلا إلى ذلك ابتداء ولانه لو طولب بنقضه فلم يفعل ضمن ما تلف به ولو لم يكن موجبا للضمان لم يضمن بالمطالبة كما لو لم يكن مائلا أو كان مائلا إلى ملكه، وأما ان طولب بنقضه فلم يفعل فقد توقف أحمد عن الجواب فيها وقال أصحابنا يضمن وقد أومأ إليه أحمد وهو مذهب مالك ونحو قال الحسن والنخعي والثوري، وقال أبو حنيفة الاستحسان ان يضمن لان حق الجواز للمسلمين وميل الحائط يمنعهم ذلك فكان لهم المطالبة بازالته فإذا لم يزله ضمن كما لو وضع شيئا على حائط نفسه فسقط في ملك غيره فطولب برفعه فلم يفعل حتى عثر به انسان، وفيه وجه آخر لا ضمان عليه قال أبو حنيفة وهو القياس لانه بناه في ملكه ولم يسقط بفعله فأشبه مالو لم يطالب بنقضه أو سقط قبل ميله أولم يمكنه نقضه، ولانه لو وجب الضمان به لم تشترط المطالبة به كما لو بناه مائلا إلى غير ملكه فان قلنا عليه الضمان إذا طولب فان المطالبة من كل مسلم أو ذمي توجب المضان إذا كان ميله إلى الطريق لان لكل واحد منهم حق المرور فكانت له المطالبة كما لو مال الحائط إلى ملك جماعة فان لكل واحد منهم المطالبة وإذا طالب واحد فاستأجله صاحب الحائط أو أجله الامام لم يسقط عنه الضمان لان الحق لجميع المسلمين فلا يملك الواحد منهم اسقاطه وان كانت المطالبة لمستأجر الدار ومرتهنيها ومستعيرها ومستودعها فلا ضمان عليهم لانهم لا يملكون القبض و ليس الحائط ملكها لهم وان طولب المالك في هذه الحال فلم يمكنه استرجاع الدار ونقض الحائط فلا ضمان عليه لعدم تفريطه وان أمكنه استرجاعها كالمعير و المودع والراهن إذا أمكنه فكاك الرهن فم يفعل ضمن لانه أمكنه النقض، وان كان
المالك محجورا عليه لسفه أو صغر أو جنون فطولب هو لم يلزمه الضمان لانه ليس أهلا للمطالبة وان طولب وليه أو وصيه فلم ينقضه فالضمان على المالك لان سبب الضمان ماله فكان الضمان عليه دون التصرف كالوكيل مع الموكل وان كان الملك مشتركا بين جماعة فولب احدهم بنقضه احتمل وجهين احدهما لا يلزمه شئ لانه لا يمكنه نقضه بدون إذنهم فهو كالعاجز والثانى يلزمه بحصته لانه يتمكن من النقض بمطالبته شركاءه والزامهم النقض فصار بذلك مفرطا فان كان ميل الحائط إلى ملك آدمي معين اما واحد أو جماعة فالحكم على ما ذكرنا إلا ان المطالبة تكون للمالك أو ساكن الملك الذي مال إليه دون غيره، وان كان لجماعة فأيهم طالب وجب النقض بمطالبته كما لو طالب واحد بنقض المائل إلى الطريق إلا أنه متى طولب إلا أنه متى طولب ثم اجله صاحب الملك أو ابرأة منه أو فعل ذلك ساكن الدار التي مال إليها جاز لان الحق له وهو يملك اسقاطه، وان مال إلى درب غير نافذ فالحق لاهل الدرب والمطالبة لهم لان الملك لهم يلزم النقض بمطالبة احدهم ولا يبرأ بابرائه وتأجيله الا ان يرضى بذلك جميعهم لان الحق للجميع.
(فصل) وان لم يمل الحائط لكن تشقق فان لم يخش سقوطه لكون سقوطه بالطول لم يجب نقضه وحكمه حكم الصحيح قياسا عليه وان خيف وقوعه لكونه مشقوقا بالعرض فحكمه حكم المائل لانه يخاف منه التلف اشبه المائل (فصل) ولو بنى في ملكه حائط مائلا إلى الطريق أو إلى ملك غيره فتلف به شئ أو سقط على شئ أتلفه ضمن لتعديه فانه ليس له النباء في هواء ملك غيره أو هواء مشترك ولانه يعرضه للوقوع على غيره في غير ملكه أشبه مالو نصب فيه منجلا يصيد به وهذا مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا (فصل) إذا تقدم إلى صاحب الحائط المائل بنقضه فباعه مائلا فسقط على شئ فتلف به فلا
ضمان على بائعه لانه ليس بملكه ولا على المشتري لانه لم يطالب بنقضه وكذلك ان وهبه واقبضه وان قلنا بلزوم الهبة زال الضمان عنه بمجرد العقد، وإذا وجب الضمان عنه وكان التلف به آدميا فالدية على عاقلته
فان أنكرت العاقلة كون الحائط لصاحبهم لم يلزمهم إلا أن يثبت ذلك ببينة لان الاصل عدم الوجوب عليهم فلا يجب بالشك وان اعترف صاحب الحائط فالضمان عليه دونهم لان العاقلة لاتحمل الاعتراف وكذلك ان انكروا مطالبته بنقضه فالحكم على ما ذكرنا وان كان الحائط في يد صاحبهم وهو ساكن في الدارلم يثبت بذلك الوجوب عليهم لان دلالة ذلك على الملك من جهة الظاهر والظاهر لا تثبت به الحقوق وإنما ترجح به الدعوى (مسألة) (وما أتلفت البهية فلا ضمان على صاحبها الا أن تكون في يد إنسان كالراكب والسائق والقائد قد يضمن ما جنت يدها أو فمها دون ما جنت رجلها) إذا أتلف البهيمة شيئا فلا ضمان على صاحبها إذا لم تكن يد أحد عليه القول النبي صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) يعني هدرا فاما ان كانت يد صاحبها عليها كالراكب والسائق القائد فانه يضمن وهذا قول شريح وأبي حنيفة والشافعي وقال مالك لا ضمان عليه لما ذكرنا من الحديث ولانه جناية بهبمة فلم يضمنها كما لو لم تكن ييده عليها ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (والرجل جبار) رواه سعيد باسناده عن الهزبل بن شرحبيل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخصيص الرجل بكونه جبارا دليل على وجوب الضمان في جناية غيرها ولانه يمكنه حفظها من الجناية إذا كان راكبها أو يده عليها بخلاف من لا يدله عليه وحديثه محمول على من لا يدله عليها (فصل) ولا يضمن ما جنت برجلها وبه قال أبو حنيفة وعن أحمد رواية أخرى أنه يضمنها وهو قول شريح والشافعي لانه من جناية بهيمة يده عليها فضمنه كجناية يدها
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل جبار) ولانه لا يملك حفظ رجلها عن الجناية فلم يضمنها كما لو لم يكن يده، عليها فاما ان كانت جنايتها بفعله مثل أن كبحها أو ضربها في وجهها ونحو ذلك فانه يضمن جناية رجلها لانه السبب في جنايتها فكان عليه ضمانها ولو كان السبب غيره مثل أن نخسها أو نفرها فالضمان على من فعل ذلك دون راكبها وسائقها وقائدها لانه السبب في جنايتها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: