الفقه الحنبلي - موانع الشهادة - اقسام المشهود به
(فصل) الثاني ان يجر إلى نفسه نفعا بشهادته كشهادة السيد لمكاتبه والوارث لموروثه والعبد المأذون له في التجارة وكذلك لا تقبل شهادة
الوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال لانه قد يسري الجرح إلى نفسه فتجب الدية لهم ولا تقبل شهادة الشفيع ببيع الشقص الذي له فيه الشفعة لانه يجر إلى نفسه نفعا ولا تقبل شهادة الغرماء بدين المفلس أو بعين ولا شهادتهم للميت بدين أو مال فانه لو ثبت للمفلس أو للميت دين أو مال تعلقت حقوقهم به ويفارق ما لو شهد الغرماء لحي لا حجر عليه بمال فان شهادتهم تقبل لان حقهم لا يتعلق بماله وانما يتعلق بذمته فان قيل إذا كان معسرا سقطت عنه المطالبة فإذا شهدا له بمال ملك مطالبته فجروا إلى أنفسهم نفعا قلنا لم تثبت المطالبة بشهادتهم انما ثبتت بيساره واقراره لدعوى الحق الذي شهدوا به قال القاضي ولا تقبل شهادة الاجير لمن استأجره نص عليه أحمد فان قيل فلم قبلتم شهادة الوارث لموروثه مع أنه إذا مات ورثه فقد جر إلى نفسه نفعا بشهادته قلنا لاحق له في ماله حين الشهادة وإنما يحتمل ان يتجدد له حق وهذا لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهد لامرأة يحتمل ان يتزوجها أو لغريم بمال له يحتمل ان يوفيه أو يفلس فيتعلق حقه به وانما المانع ما يحصل به نفع حال الشهادة فان قيل فقد منعتم قبول شهادته لموروثه بالجرح قبل الاندمال لجواز ان يتجدد له حق وان لم يكن له حق في الحال فان قلتم قد انعقد سبب حقه قلنا يبطل بالشاهد لموووثه المريض فان شهادته تقبل مع انعقاد سبب استحقاقه بدليل ان عطيته له لا تنفذ وعطيته لغيره نقف على الخروج من الثلث
قلنا انما منعنا الشهادة لموروثه بالجرح لانه ربما افضى إلى الموت به فتجب الدية للوارث الشاهد به ابتداء فيكون شاهدا لنفسه موجبا له بها حقا ابتداء بخلاف الشاهد للمريض والمجروح بمال فانه انما يجب للمشهود له ثم يجوز أن ينتقل ويجوز أن لا ينتقل فلم يمنع الشهادة له كالشهادة لغريمه فان قيل فقد اجزتم شهادة الغريم لغريمه بالجرح قبل الاندمال كما أجزتم شهادته له بماله لنا إنما أجزناها لان الدية لا تجب للشاهد ابتداء انما تجب للقتيل أو لورثته ثم يستوفي الغريم منها فاشبهت الشهادة بالمال.
(مسألة) (ولا تقبل شهادة الموصى له للميت والوكيل لموكله بما هو وكيل فيه والشريك لشريكه والغرماء للمفلس بالمال واحد الشفيعين بعفو الاخر عن شفعته وكذلك المضارب بمال المضاربة) لانه متهم ولان الشفعة إذا بطلت للمشهود عليه توفرت على الشاهد فيكون شاهدا لنفسه وممن رد شهادة الشريك لشريكه شريح والنخعي والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا فاما ان شهد الشريك لشريكه في غير ما هو شريك فيه أو الوكيل لموكله في غير ما هو وكيل فيه أو العدو لعدوه أو الوارث لموروثه بمال أو بالجرح بعد الاندمال أو شهد احد الشفيعين بعد ان اسقط شفعته على الاخر باسقاط شفعته أو احد الوصيين بعد سقوط وصيته على الاخر بما يسقط وصيته أو كان احد الوصيتين لا يزاحم بها الاخرى ونحو ذلك مما لا تهمة فيه قبلت لان المقتضي لقبول الشهادة متحقق والمانع منتف فوجب قبولها عملا بالمقتضي (فصل) ولا تقبل شهادة الوصي للموصى عليهم ان كانوا في حجره وهذا قول اكثر اهل العلم منهم الشعبي والثوري ومالك والشافعي والاوزاعي وابو حنيفة وأجاز شريح وابو ثور شهادته لهم إذا كان الخصم غيره لانه اجنبي متهم فقبلت شهادته لهم كما بعد زوال الوصية
ولنا أنه شهد بشئ هو خصم فيه فانه الذي يطالب بحقوقهم ويخاصم فيها ويتصرف فيها فلم تقبل شهادته به كما لو شهد بمال نفسه ولانه يأكل من أموالهم عند الحاجة فيكون متهما بالشهادة به وقولهم في حجره احتراز، أما لو شهد لهم بعد زوال ولايته عنهم فانها تقبل والحكم في أمين الحاكم يشهد للايتام الذين هم تحت ولايته كالحكم في الوصي سواء قياسا عليه فاما شهادته عليهم فمقبولة لا نعلم فيه
خلافا فانه لا يتهم عليهم ولا يجر بشهادته عليهم نفعا ولا يدفع بها عنهم ضررا فهو كالاجنبي (فصل) الثالث أن يدفع عن نفسه ضررا كشهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين والوصي بجرح الشاهد على الايتام والشريك بجرح الشاهد على شريكه وسائر من لا تقبل شهادته لانسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه.
إنما لم تقبل شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ لما فيه من دفع الدية عن انفسهم فان كان الشاهد ان بالجرح فقيرين احتمل قبول شهادتهما لانهما لا يحملان شيئا من الدية واحتمل ان لا تقبل لجواز أن يوسرا قبل الحول فيحملان وكذلك الخلاف في البعيد الذي لا يحمل لبعده لجواز أن يموت من هو أقرب منه قبل الحول فيحمل ولا تقبل شهادة الضامن للمضمون عنه بقضاء الحق أو الابراء منه ولا شهادة أحد الشفيعين على الآخر باسقاط شفعته ولا شهادة بعض غرماء المفلس على بعض باسقاط دينه أو استيفائه أو بعض من أوصي له بمال على آخر بما يبطل وصيته إذا كانت
وصيته تحصل بها مزاحمته إما لضيق الثلث عنهما أو لكون الوصيتين بمعين فهذا وأشباهه لا تقبل الشهادة فيه لان الشاهد به متهم لما يحصل بشهادته من دفع الضرر عن نفسه ونفعها فيكون شاهدا لنفسه، وقد قال الزهري مضت السنة في الاسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم، وروى طلحة بن عبد الله بن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن لا شهادة لخصم ولا ظنين) (فصل) الرابع العداوة كشهادة المقذوف على قاذفه والمقطوع عليه الطريق على قاطعه والزوج بالزنا على امرأته.
وجملة ذلك ان شهادة العدو لا تقبل على عدوه في قول أكثر أهل العلم منهم ربيعة والثوري واسحاق ومالك والشافعي والمراد بالعداوة ههنا العداوة الدنيوية مثل شهادة المقذوف على القاذف والمقطوع عليه الطريق على القاطع والمقتول وليه على القاتل والمجروح على الجارح والزوج يشهد بالزنا على امرأته فلا تقبل شهادته لانه يقر على نفسه بعداوته لها بافسادها فراشه، وأما العداوة في الدين
كالمسلم يشهد على الكافر أو المحق من اهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لان العداوة في الدين والدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه، وقال أبو حنيفة لا تمنع العداوة الشهادة لانها لا تخل بالعدالة فلا تمنع الشهادة كالصداقة لا تمنع الشهادة له
ولنا ما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه) رواه أبو داود والغمر الحقد ولان العداوة تورث التهمة فتمنع الشهادة كالقرابة القريبة وتخالف الصداقة فان شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرة نفسه وبيع آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوه فافترقا، فان قيل فلم قبلتم شهادة المسلمين على الكفار مع العداوة؟ قلنا العدواوة ههنا دينية والدين لا يقتضي شهادة الزور ولا ان يترك دينه بموجب دينه (فصل) فان شهد على رجل بحق فقذفه المشهود عليه لم ترد شهادته بذلك لانا لو أبطلنا شهادته بهذا لتمكن كل مشهود عليه بابطال شهادة الشهاد بقذفه ويفارق ما لو طرأ الفسق بعد اداء الشهادة وقبل الحكم فان رد الشهادة فيه لا يفضي إلى ذلك بل إلى عكسه لان طريان الفسق يورث تهمة في حال اداء الشهادة لان العادة اسراره فظهوره بعد اداء الشهادة يدل على أنه كان يسره حال أدائها وههنا حصلت العداوة بأمر لا تهمة على الشاهد فيه، فأما المحاكمة في الاموال فليست عداوة تمنع الشهادة في غير ما حكم فيه (فصل) قال رحمه الله (الشرط الخامس ان يشهد الفاسق بشهادة فترد ثم يتوب فيعيدها فانها لا تقبل للتهمة) وبهذا قال الشافعي واصحاب الرأي وقال أبو ثور والمزني وداود تقبل قال
ابن المنذر والنظر يدل على هذا لانها شهادة تقبل في غير هذه الشهادة فقبلت فيها قياسا على غيرها وكما لو شهد وهو كافر فردت شهادته ثم شهد بها بعد اسلامه ولنا أنه متهم في أدائها لانه يعير بردها وتلحقه غضاضة لكونها ردت بسبب نقص يتغير به
وصلاح حاله بعد ذلك من فعله يزول به العار فتلحقه التهمة في أنه قصد اظهار العدالة واعادة الشهادة لتقبل فيزول ما حصل بردها ولان الفسق يخفى فيحتاج في معرفته إلى بحث واجتهاد فعند ذلك نقول شهادته مردودة بالاجتهاد فلا تقبل بالاجتهاد لان ذلك يؤدي إلى نقض الاجتهاد بالاجتهاد وفارق ما لو إذا رد شهادة كافر لكفره أو صبي لصغره أو عبد لرقه ثم أسلم الكافر وبلغ الصبي وعتق العبد واعادوا تلك الشهادة فانها لا ترد لانها لم ترد أولا بالاجتهاد وانما ردت باليقين ولان البلوغ والحرية ليسا من فعل الشاهد فيتهم انه فعلهما لتقبل شهادته والكافر لا يرى كفره عارا ولا يترك دينه من أجل شهادة ردت (مسألة) ولو لم يشهد بها عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت) وذلك لان التحمل لا تعتبر فيه العدالة ولا البلوغ ولا الاسلام لانه لا تهمة في ذلك وانما يعتبر ذلك للاداء فإذا رأى الفاسق شيئا أو سمعه ثم عدل وشهد به قبلت شهادته بغير خلاف نعلمه وهكذا
الصبي والكافر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يروون عنه بعد ان كبروا كالحسن والحسين وابن عباس وابن الزبير وابن جعفر والنعمان بن بشير، والرواية في معنى الشهادة تشترط لها العدالة وغيرها من الشروط المعتبرة للشهادة (مسألة) (ولو شهد وهو كافر أو صبي أو عبد فردت شهادتهم ثم أعادوها بعد زوال الكفر والصبا والرق قبلت) ولما ذكرنا في الفصل الذي قبلها وقد روي عن النخعي والزهري وقتادة وأبي الزناد ومالك انها ترد أيضا في حق من أسلم وبلغ وعن احمد رواية كذلك لانها شهادة مردودة فلم تقبل كشهادة من كان فاسقا وقد ذكرنا ما يقتضي فرقا بينهما فيفترقان، وروي عن أحمد في العبد إذا ردت شهادته لرقه ثم عتق واعاد تلك الشهادة روايتان وقد ذكرنا الاولى ان شهادته تقبل لان العتق من غير فعله وهو أمر يظهر بخلاف الفسق (مسألة) (وان شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه فردت ثم أعادها بعد عتق المكاتب وبرء الجرح ففي ردهما وجهان)
(أحدهما) تقبل لان زوال المانع ليس من فعلهم فأشبه زوال الصبا والبلوغ ولان ردها بسبب لا عار فيه فلا يتهم في قصد نفي العار باعادتها بخلاف الفسق (والثاني) لا تقبل لان ردها باجتهاده فلا ينقضها باجتهاده والاول أصح فان الاصل قبول
شهادة العدل لم يمنع منه مانع ولا يصح القياس على الشهادة المردودة بالفسق لما ذكرنا بينهما من الفرق ويخرج على هذا كل شهادة مردودة إما للتهمة أو لعدم الاهلية إذا أعادوها بعد زوال التهمة ووجود الاهلية هل تقبل؟ على وجهين (مسألة) (وان شهد الشريك بعفو شريكه عن الشفعة ثم عفا الشاهد عن شفعته واعاد تلك الشهادة لم تقبل ذكره القاضي) لانه متهم فاشبه لفاسق والاولى أنها تخرج على الوجهين لانها إنما ردت لكونها يجر بها إلى نفسه نفعا وقد زال بعفوه والله أعلم.
(باب أقسام المشهود به) والمشهود به ينقسم خمسة اقسام: (أحدها) الزنا وما يوجب حده فلا يقبل فيه إلا أربعة رجال أحرار.
أجمع المسلمون على أنه لا يقبل في الزنا أقل من أربعة شهود وقد نص الله تعالى عليه بقوله (سبحانه لولا جاءوا عليه باربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون) وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أربعة وإلا حد في ظهرك) في أخبار سوى هذا وأجمعوا على أنه يشترط كونهم عدولا ظاهرا
وباطنا مسلمين سواء كان المشهود عليه مسلما أو ذميا وجمهور العلماء على أنه يشترط أن يكونوا رجالا أحرارا فلا تقبل فيه شهادة النساء ولا العبيد وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وشذ أبو ثور فقال تقبل شهادة العبيد وحكاه أبو الخطاب والشريف رواية في المذهب، وحكي عن حماد وعطاء أنهما قالا تجوز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين لانه نقص واحد من عدد الرجال فقام مقامه امرأتان كالاموال ولنا ظاهر الآية وان العبد مختلف في شهادته فكان ذلك شبهة في الحد لانه يندرئ بالشبهات
ولا يصح قياس هذا على الاموال لخفة حكمها وشدة الحاجة إلى إتيانها لكثرة وقوعها والاحتياط في حفظها ولهذا زيد في عدد شهود الزنا على شهود المال (مسألة) (وهل يثبت الاقرار بالزنا بشاهدين أو لا يثبت الا باربعة؟ على روايتين) وللشافعي قولان (أحدهما) يثبت بشاهدين قياس على سائر الاقاربر (والثاني) لا يثبت الا بأربعة لانه موجب لحد الزنا فاشبه فعله (فصل) (الثاني القصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إلا رجلان حران) الا ما روي عن عطاء وحماد انهما قالا يقبل فيه رجل وامرأتان قياسا على الشهادة في الاموال ولنا ان هذا مما يحتاط لدرئه واسقا له ولهذا يندرئ بالشبهات ولا تدعو الحاجة إلى اثباته وفي شهادة النساء شسبهة بدليل قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى) وان شهادتهن
لا تقبل وان كثرت ما لم يكن معهن رجل فوجب ان لا تقبل شهادتهن فيه ولا ويصح قياس هذا على المال لما ذكرنا من الفرق وبهذا الذي ذكرناه قال سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وحماد والزهري وربيعة ومالك والشافعي وأبو عبيد وابو ثور وأصحاب الرأي واتفق هؤلاء كلهم على أنه يثبت بشهادة رجلين ما خلا الزنا إلا الحسن فانه قال الشهادة على القتل كالشهادة على الزنا لا يقبل فيها إلا أربعة، وروي ذلك عن أبي عبد الله لانها شهادة يثبت بها القتل فلم تثبت الا باربعة كالشهادة على زنا المحصن.
ولنا أنه احد نوعي القصاص فيقبل فيه اثنان كقطع الطرف وفارق الزنا فانه مختص بهذا وليست العلة كونه قتلا بدليل وجوب الاربعة في زنا البكر ولا قتل فيه ولانه انفرد بايجابه الحد على لرامي به والشهود إذا لم تكمل شهادتهم فلم يجز ان يلحق به ما ليس مثله (فصل) ولا تقبل الشهادة على القتل الا مع زوال الشبهة في لفظ الشاهد نحو ان يقول ضربه فقتله وقد ذكرنا ذلك فان كانت الشهادة بالجرح فقالا ضربه فاوضحه أو فاتضح منه أو فوجدناه موضحا من الضربة قبلت شهادتهما فان قالا ضربه فاتضح رأسه أو فوجدناه موضحا أو فاسال دمه أو وجدنا
في رأسه موضحة لم يثبت الايضاح لجواز أن يتضح عقيب ضربه بسبب آخر ولا بد من تعبير الموضحة في إيجاب القصاص لانه إن كان في رأسه موضحتان فيحتاجان إلى بيان ما شهدا به منهما وإن كانت
واحدة فيحتمل ان يكون قد أوسعها غير المشهود عليه فيجب ان يعينها الشاهدان فيقولان هذه فان قالا أوضحه في موضع كذا من رأسه موضحة قدر مساحتها كذا وكذا قبلت شهادتهما وإن قالا لا نعلم قدرها أو مرضعها لم يحكم بالقصاص لانه يتعذر مع الجهالة وتجب دية الموضحة لانها لا تختلف باختلافها وان قالا ضرب رأسه فأسال دمه في بازلة وان قالا فسال دمه لم يثبت شئ لجواز أن يسيل دمه بسبب آخر وان قالا نشهد أنه ضربه فقطع يده ولم يكن أقطع اليدين قبلت شهادتهما ويثبت القصاص لعدم الاشتباه وان كان أقطع اليدين ولم يعينا المقطوعة لم يجب قصاص لانهما لم يعينا اليد التي يجب فيها القصاص منهما وتجب دية اليد لانها تختلف باختلاف الايدي (فصل) فان شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا والآخر أنه اقر بقتله ولم يقل عمدا ولا خطأ ثبت القتل لان البينة قد كملت عليه ولم تثبت صفته فنسأل المشهود عليه عن صفته فان أنكر أصل القتل لم يقبل انكاره لقيام البينة به وان أقر بقتل العمد ثبت باقراره وان أقر بالخطأ فانكر الولي فالقول قول القاتل وهل يستحلف على ذلك؟ يخرج فيه وجهان فان صدقه الولي على الخطأ ثبت عليه وان أقر بقتل العمد وكذبه الولي وقال بل كان خطأ لم يجب القود لان الولي لا يدعيه وتجب دية الخطأ ولا تحملها العاقلة في هذه المواضع كلها ولا شيئا منها وتكون في ماله لانها لم تثبت ببينة وفي بعضها القاتل مقر بانها في ماله دون مال عاقلته وان شهد أحدهما أنه قتله عمدا وشهد الآخر أنه قتله خطأ ثبت القتل
دون صفته ويطالب ببيان صفته على ما ذكرنا لان الفعل قد يعتقده أحدهما خطأ والآخر عمدا ويكون الحكم كما لو شهد احدهما أنه أقر بقتله خطأ.
أن المشهود عليه يسأل على ما ذكرنا في أول الفصل فان شهد أحدهما أنه قتله غدوة والآخر انه قتله عشية أو شهد احدهما أنه قتله بسيف وقال الآخر بعصا لم تتم الشهادة ذكره القاضي لان كل واحد منهما يخالف صاحبه ويكذبه، وهو مذهب الشافعي
وقال أبو بكر يثبت القتل لاتفاقهما عليه واختلافهما في الصفة فيثبت القتل كما لو شهد أحدهما بقتل العمد والآخر بقتل الخطأ والاول أصح لان القتل غدوة غير السيف عشية ولا يتصور أن يقتل غدوة ثم يقتل عشاء ولا ان يقتل بسيف ثم يقتل بعصا بخلاف الخطأ والعمد فان الفعل واحد والخلاف في نيته وقصده وقد يخفى ذلك على أحدهما دون الآخر فان شهد أحدهما أنه قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله ثبت القتل نص عليه أحمد واختاره أبو بكر واختار القاضي أنه لا يثبت وهو مذهب الشافعي لان أحدهما شهد بغير ما شهد به الآخر فلم تتفق شهادتهما على فعل واحد ولنا أن الذي أقر به هو القتل الذي شهد به الشاهد فلا تنافي بينهما فيثبت بشهادتهما كما لو شهد احدهما بالقتل عمدا وشهد الآخر بالقتل خطأ أو كما لو شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد الآخر أنه أقر له بألف.
(فصل) إذا قتل رجل عمدا قتلا يوجب القصاص فشهد أحد الورثة على واحد منهم أنه عفى
عن القصاص سقط القود سواء كان الشاهد عدلا أو فاسقا لان شهادته تضمنت سقوط حقه من القصاص وقوله مقبول في ذلك فان أحد الوليين إذا عفا عن حقه سقط القصاص كله ويشبه هذا ما لو كان عبد بين شريكين فشهد أحدهما ان شريكه أعنق نصيبه وهو موسر عتق نصيب الشاهد.
وإن انكره الآخر فان كان الشاهد شهد بالعفو عن القصاص والمال لم يسقط المال لان الشاهد اعترف ان نصيبه سقط بغير اختياره فأما نصيب المشهود عليه فان كان الشاهد ممن لا تقبل شهادته فالقول قول المشهود عليه مع يمينه إذا حلف ثبتت حصته من الدية وان كان مقبول القول حلف الجاني معه وسقط حق المشهود عليه ويحلف الجاني انه عفا عن الدية ولا يحتاج إلى ذكر العفو عن القصاص لانه قد سقط بشهادة الشاهد فلا يحتاج إلى ذكره في اليمين لانه انما حلف على ما يدعى عليه ولا يدعى عليه غير الدية (فصل) إذا جرح رجل فشهد له رجلان من ورثته غير الوالدين والمولودين وكانت الجراج مندملة قبلت شهادتهما لانها.
يجران إلى أنفسهما نفعا وان كانت غير مندملة لم يحكم بشهادتهما
وقد ذكرناه وان شهد وارث المريض له بمال ففي قبول شهاداتهم وجهان (أظهرهما) قبولها كما لو شهدا له وهو صحيح (والثاني) لا تقبل لانه متى ثبت المال للمريض تعلق حق ورثته به ولهذا لا ينفذ تبرعه فيه فيما
زاد على الثلث وان شهد لمجروح بالجرح من لا يرثه لكونه محجوبا كالاخوين يشهد ان لاخيهما وله ابن سمعت شهادتهما فان مات ابنه نظرت فان كان الحاكم حكم بشهادتهما لم ينقض حكمه لان ما يطرأ بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها كالفسق، وان كان ذلك قبل الحكم بالشهادة لم يحكم بها لانهما صارا مستحقين فلا يحكم بشهادتهما كما لو فسق الشاهدان قبل الحكم بشهادتهما، وان شهد على رجل بالجرح الموجب للدية على العاقلة فشهد بعض عاقلة المشهود عليه بجرح الشهود لم تقبل شهادته وان كان فقيرا لانه قد يكون ذا مال وقت العقل فيكون دافعا عن نفسه ويحتمل ان تقبل لانهما لا يحملان شيئا من الدية وان كان الجرح مما لا تحمله العاقلة كجراحة العمد سمعت شهادتهما لانهما لا يدفعان عن أنفسهما ضررا، وان كان الشاهدان شهدا على اقراره بالجرح قبلت لان العاقلة لا تحمل الاعتراف وان كانت شهادتهما بجرح عقله دون ثلث الدية خطأ وكانت شهادتهما بالجرح قبل الاندمال لم تقبل لانها ربما صارت نفسا فتحملها وان كان بعده قبلت لانها لا تحمل ما دون ذلك (فصل) وإذا شهد رجلان على رجلين انهما قتلا رجلا ثم شهد المشهود عليهما على الاولين انهما اللذان قتلاه فصدق الولي الاولين وكذب الآخرين وجب القتل عليهما لان الولي يكذبهما وهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما ضررا وان صدق الجميع بطلت شهادتهم أيضا لانه بتصديق
الاولين مكذب للاخرين وتصديقه الاخرين تكذيب للاولين وهما متهمان لما ذكرناه فان قيل فكيف تتصور هذه المسألة والشهاة انما تكون بعد الدعوى فكيف يتصور فرض تصديقهم وتكذيبهم؟ قلنا يتصور ان يشهدا قبل الدعوى إذا لم يعلم الولي من قتله ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (خير الشهداء الذي ياتي بشهادته قبل ان يسألها) وهذا معني ذلك
(فصل) الثالث ما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال في غالب الاحوال غير الحدود والقصاص كالنكاح والطلاق والرجعة والنسب والعتق والولاء والوكالة في غير المال والوصية إليه وما أشبه ذلك فلا يقبل فيه الا رجلان وعنه في الرجعة والنكاح والعتق انه يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وعنه في العتق انه يقبل فيه شاهد ويمين المدعي وقال القاضي النكاح وحقوقه من الطلاق والخلع والرجعة لا يثبت إلا بشاهدين رواية واحدة والوكالة والوصية والكتابة ونحوها تخرج على روايتين) وجملة ذلك ان ما ليس بعقوبة ولا يقصد به المال كالنكاح والرجعة والطلاق والعتاق والايلاء والظهار والنسب والتوكيل والوصية إليه والولاء والكتابة وأشباه هذا فقال القاضي المعول عليه في المذهب ان هذا لا يثبت الا بشاهدين ذكرين ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال وقد نص أحمد في رواية الجماعة على انه لا تجوز شهادة النساء في النكاح والطلاق وقد نقل عن أحمد في الوكالة ان كانت بمطالبة دين يعني يقبل فيها شهادة رجل وامرأتين فأما غير ذلك فلا ووجه ذلك ان الوكالة
في اقتضاء الدين يقصد منها المال فيقبل فيها شهادة رجل وامرأتين كالحوالة قال القاضي فيخرج من هذا ان النكاح وحقوقه من الرجعة وشبهها لا تقبل فيها شهادة النساء رواية واحدة وما عداه يخرج على روايتين وقال أبو الخطاب في النكاح والعتاق أيضا روايتان (أحدهما) لا يقبل فيه الا شهادة رجلين وهو قول النخعي والزهري ومالك وأهل المدينة والشافعي وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وربيعة في الطلاق (والثانية) تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين روي ذلك عن جابر بن زيد وإياس بن معاوية والشعبي والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وروي ذلك في النكاح عن عطاء واحتجوا بانه لا يسقط بالشبهة فيثبت يرجل وامرأتين كالمال ولنا انه ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال فلم يكن للنساء في شهادته مدخل كالحدود والقصاص وما ذكروه لا يصح فان الشبهة لا مدخل لها في النكاح وان تصور بان تكون المرأة مرتابة بالحمل لم يصح النكاح
(فصل) وقد نقل عن أحمد في الاعسار ما يدل على انه لا يثبت الا بثلاثة لحديث قبيصة بن مخارق وفيه (حتي يشهد ثلاثة من ذوي الحجي من قومه لقد اصابت فلانا فاقة) قال أحمد هكذا جاء الحديث
فظاهر هذا انه أخذ به وروي عنه لا يقبل انه وصى حتى يشهد له رجلان أو رجل عدل فظاهر هذا انه اثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد إذا لم يحضره الرجال قال القاضي المذهب في هذا كله لا يثبت الا بشاهدين وحديث قبيصة في حل المسألة لا في الاعسار (فصل) ولا يثبت شئ مما ذكرنا بشاهد ويمين المدعي لانه إذا لم يثبت بشهادة رجل وامرأتين فلان لا يثبت بشاهد واحد ويمين أولى قال أحمد ومالك في الشاهد واليمين انما يكون ذلك في الاموال خاصة لا يقع في حد ولا نكاح ولا طلاق ولا عتاقة ولا سرقة ولا قتل وعن أحمد في العتق انه يثبت بشاهد ويمين العبد ذكره الخرقي فقال إذا ادعى العبد ان سيده اعتقه وأتى بشاهد حلف مع شاهده وصار حرا ونص عليه أحمد وقال في الشريكين في عبد ادعى كل واحد منهما ان شريكه أعتق حقه منه وكانا معسرين عدلين فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير حرا أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرا فيخرج مثل هذا في الكتاب والولاء والوصية والوديعة والوكالة فيكون في الجميع روايتان ما خلا العقوبات البدنية والنكاح وحقوقه فانه لا يثبت بشاهد ويمين قولا واحدا قال القاضي: المعمول عليه في جميع ما ذكرناه أنه لا يثبت الا بشاهدين وهو قول الشافعي وقد روى الدارقطني باسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (استشرت جبريل في القضاء باليمين مع الشاهد فأشار علي في الاموال لا تعدو ذلك) وقال عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نه قضى بالشاهد واليمين، قال نعم في الاموال، وتفسير الراوي أولى من تفسير غيره ورواه الامام أحمد باسناده وغيره
(فصل) الرابع المال وما يقصد به المال كالبيع والرهن والقرض والوصية له وجناية الخطأ يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين المدعي وهل يقبل في جناية العمد الموجبة للمال دون القصاص كالهاشمة والمنقلة شهادة رجل وامرأتين؟ على روايتين)
وجملة ذلك أن المال كالقرض والرهون والديون كلها وما يقصد به المال كالبيع والوقف والاجارة والهبة والصلح والمساقاة والمصاربة والشركة والوصية له والجناية الموجبة للمال كالخطأ وعمد الخطأ والعمد الموجب للمال دون القصاص كالجائفة وما دون الموضحة من الشجاج يثبت بشهادة رجل وامرأتين، وقال أبو بكر لا تثبت الجناية في البدن بشهادة رجل وامرأتين لانها جناية فأشبهت ما يوجب القصاص والاول أصح لان موجبها المال فأشبهت البيع وفارق ما يوجب القصاص، لان القصاص لا تقبل فيه شهادة النساء كذلك ما يوجبه والمال يثبت بشهادة النساء فكذلك ما يوجبه ولا خلاف في أن المال يثبت بشهادة النساء مع الرجال، وقد نص الله تعالى على ذلك في كتابه العزيز بقوله سبحانه (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) وأجمع أهل العلم على القول به.
(فصل) وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين، روي ذلك عن أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وبه قال الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز وشريح والحسن وإياس
وعبد الله بن عتبة وأبو سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن يعمر وربيعة ومالك وابن أبي ليلى وأبو الزناد والشافعي وقال الشعبي والنخعي وأصحاب الرأي والاوزاعي لا يقضى بشاهد ويمين وقال محمد بن الحسن من قضى بالشاهد واليمين نقضت حكمه لان الله تعالى قال (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فمن زاد في ذلك فقد زاد في النص والزيادة في النص نسخ، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) فحصر اليمين في جانب المدعى عليه كما حصر البينة في جانب المدعي.
ولنا ما روي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد الواحد، رواه سعيد بن منصور في سننه والائمة من أهل السنن والمسانيد، قال الترمذي هذا حديث غريب وفي الباب عن علي وابن عباس وجابر وقال النسائي إسناد ابن عباس في اليمين مع الشاهد اسناد جيد ولان اليمين تشرع فيمن ظهر صدقه وقوى جانبه ولذلك شرعت في حق
صاحب اليد لقوة جنبته بها وفي حق المنكر لقوة جنبته فان الاصل براءة ذمته والمدعي ههنا قد ظهر صدقه فوجب أن تشرع) اليمين في حقه ولا حجة لهم في الآية لانها دلت على مشروعية الشاهد والمرأتين ولا نزاع في هذا وقولهم إن الزيادة في النص نسخ غير صحيح لان النسخ الرفع والازالة والزيادة في الشئ تقرير له لا رفع والحكم بالشاهد واليمين لا يمنع الحكم بالشاهدين ولا يرفعه
ولان الزيادة لو كانت متصلة بالمزيد عليه لم ترفعه ولم تكن نسخا فكذلك إذا انفصلت عنه ولان الآية واردة في التحمل دون الآداء ولهذا قال (ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى) والنزاع في الآداء وحديثهم ضعيف وليس هو للحصر بدليل أن اليمين تشرع في حق المودع إذا ادعى رد الوديعة وتلفها في حق الامناء لظهور جانبهم وفي حق الاعن وفي القسامة وتشرع في حق البائع والمشتري إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة وقول محمد في نقض قضاء من قضى بالشاهد واليمين يتضمن القول بنقض قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الذين قضوا به وقد قال الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) والقضاء بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله أولى من قضاء محمد بن الحسن المخالف له.
(فصل) قال القاضي يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه مثل ان يجد بخطه دينا له على إنسان وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقا ولم يذكره أو يجد رزمانج أبيه بخطه دينا له على إنسان ويعرف من أبيه الامانة وانه لا يكتب إلا حقا فله أن يحلف عليه ولا يجوز أن يشهد به ولو أخبره بحق أبيه ثقة فسكن إليه جاز أن يحلف عليه ولم يجز أن يشهد به، وبهذا قال الشافعي والفرق بين اليمين والشهادة من وجهين.
(أحدهما) أن الشهادة لغيره فيحتمل أن من له الشهادة قد زور على خطه ولا يحتمل هذا فيما حلف عليه لان الحق إنما هو للحالف فلا يزور أحد عليه.
(الثاني) أن ما يكتبه الانسان من حقوقه يكثر فينسى بعضه بخلاف الشهادة والاولى التورع
عن ذلك ان شاء الله تعالى.
(فصل) وكل موضع قبل فيه الشاهد واليمين فلا فرق بين كون المدعي مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا رجلا أو امرأة، نص عليه احمد لان من شرعت في حقه اليمين لا يختلف حكمه باختلاف هذه الاوصاف كالمنكر إذا لم تكن بينة.
(فصل) قال احمد مضت السنة أن يقضى باليمين مع الشاهد الواحد فان أبي أن يحلف استحلف المطلوب، وهذا قول مالك والشافعي وروي عن أحمد: فان أبى المطلوب أن يحلف ثبت الحق عليه.
(فصل) ولا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي وبه قال الشافعي، وقال مالك يقبل ذلك في الاموال لانهما في الاموال أقيمتا مقام الرجل فيحلف معهما كما يحلف مع الرجل ويحتمل لنا مثل ذلك.
ولنا أن البينة على المال إذا خلت من رجل لم تقبل كما لو شهد أربعة نسوة وما ذكروه يبطل بهذه الصورة فانهما لو أقيمتا مقام رجل من كل وجه لكفى أربع نسوة مقام رجلين ولقبل في غير الاموال شهادة رجل وامرأتين، لان شهادة المرأتين ضعيفة تقوت بالرجل واليمين ضعيفة فيضم ضعيف إلى ضعيف فلا يقبل.
(فصل) ولا يشترط أن يقول في يمينه وان شاهدي صادق في شهادته وقيل يشترط وهل تقبل شهادة رجل وامرأتين وشاهد ويمين في دعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه ودعوى الاسير إسلاما سابقا لمنع رقه؟ على روايتين من المحرر (الخامس) مالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والرضاع والاستهلال والبكارة والثيوبة والحيض ونحوه فيقبل فيها شهادة امرأة واحدة وعنه لا يقبل فيها أقل من امرأتين وان شهد به لرجل كان أولى بثبوته ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في قبول شهادة النساء المنفردات في الجملة، قال القاضي والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء الولادة والاستهلال والرضاع والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة والثيابة والبرص وانقضاء العدة وعن أبي حنيفة لا تقبل شهادتهن منفردات على الرضاع لانه يجوز ان يطلع عليه محارم المرأة من الرجال فلم يثبت بالنساء منفردات كالنكاح.
ولنا ما روي عقبة بن الحارث قال تزوجت ام يحيى بنت أبي اهاب فأتت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض عني ثم أتيته فقلت يارسول الله انها كاذبة فقال (وكيف وقد زعمت ذلك؟) ولانها شهادة على عورة للنساء فيها مدخل فقبل فيها شهادة النساء كالولادة ويخالف عقد النكاح فانه ليس بعورة وحكي عن أبي حنيفة أيضا أن شهادة النساء المنفردات لا تقبل في الاستهلال لانها تكون بعد الولادة وخالفه صاحباه وأكثر أهل العلم لانها تكون حال الولادة
فيتعذر حضور الرجال فأشبهت الولادة نفسها وقد روي عن علي انه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال رواه الامام أحمد وسعيد بن منصور من حديث جابر الجعفي وأجازه شريح والحسن والحارث العكلي وحماد فإذا ثبت هذا فكل موضع قلنا تقبل فيه شهادة النساء المنفردات فانه يقبل فيه شهادة المرأة الواحدة، وقال طاوس تجوز شهادة المرأة في الرضاع وإن كانت سوداء، وعن احمد رواية أخرى لا يقبل فيه إلا امرأتان وهو قول الحكم وابن أبي ليلى وابن شبرمة واليه ذهب مالك والثوري لان كل جنس يثبت به الحق يكفي فيه اثنان كالرجال ولان الرجال أكمل منهن ولا يقبل منهن إلا اثنان وقال عثمان يكفي ثلاث لان كل موضع قبل فيه النساء كان العدد ثلاثة كما لو كان معهن رجل وقال أبو حنيفة تقبل شهادة المرأة الواحدة في ولادة الزوجات دون ولادة المطلقة، وقال عطاء الشعبي وقتادة لا يقبل فيها إلا أربع لانها شهادة من شرطها الحرية فلم تقبل فيها الواحدة كسائر الشهادات، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (شهادة امرأتين بشهادة رجل) ولنا حديث عقبة بن الحارث الذي ذكرناه وروى حذيفة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجزي في الرضاع شهادة امرأة واحدة) ولانه معنى يثبت بقول النساء المنفردات فلا يشترط فيه العدد كالرواية واخبار الديانات، وما ذكره الشافعي من اشتراط الحرية غير مسلم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (شهادة امرأتين بشهادة رجل) في الموضع الذي تشهد فيه مع الرجل فان شهد الرجل بذلك قبل وحده وهو قول
ابي الخطاب لانه أكمل من المرأة فإذا اكتفى بها وحدها فلان يكتفى به أولى ولان ما قبل فيه قول
المرأة الواحدة قبل فيه قول الرجل كالرواية (فصل) قال رحمه الله (وإذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لم يثبت قصاص ولا دية، وان شهدوا بالسرقة ثبت المال دون القطع) لان السرقة توجب القطع والمال فإذا قصرت عن أحدهما أثبتت الآخر.
والقتل يوجب القصاص والمال بدل منه فإذا لم يثبت الاصل لم يجب بدله، وإن قلنا موجبه أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها اوجبنا معينا، وقال ابن أبي موسي لا يجب المال فيما إذا شهدوا بالسرقة ولانها شهادة لا توجب الحد وهو أحد موجبها فإذا بطلت في أحدهما بطلت في الآخر (مسألة) (وإذا ادعى رجل الخلع قبل فيه رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي) لانه يدعي المال الذي خالعت به وان ادعته المرأة لم يقبل فيه إلا رجلان لانها لا تقصد منه إلا الفسخ وخلاصها من الزوج ولا يثبت ذلك بهذه البينة فاما ان اختلفا في عوض الخلع خاصة ثبت برجل وامرأتين وكذلك ان اختلفا في الصداق لانه مال (فصل) وان ادعى رجل انه ضرب أخاه بسهم عمدا فقتله ونفذ إلى أخيه الآخر فقتله خطأ وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أو شاهدا وحلف معه ثبت قتل الثاني لانه خطأ موجبه المال ولم يثبت
قتل الاول لانه عمد موجبه القصاص فهما كالجنايتين المفترقتين وعلى قول أبي بكر لا يثبت منهما شئ لان الجناية عنده لا تثبت إلا بشاهدين سواء كان موجبها المال أو غيره، ولو ادعى رجل على آخر انه سرق منه وغصبه مالا فحلف بالطلاق والعتاق ما سرق منه ولا غصبه، وأقام المدعي شاهدا أو امرأتين شهدا بالسرقة والغصب، أو شاهدا وحلف معه استحق المسروق والغصوب لانه أتى ببينة يثبت ذلك بمثلها ولم يثبت طلاق ولا عتق لان هذه البينة جحد في المال دون الطلاق والعتاق وظاهر مذهب الشافعي (مسألة) (وإذا شهد رجل وامرأتان لرجل بجارية انها أم ولده ولدها منه قضي له بالجارية ام الولد وهل تثبت حرية الولد ونسبه من مدعيه؟ على روايتين)
أما الجارية فنحكم له بها لان ام الولد مملوكة له ولهذا يملك وطأها واجارتها واعارتها وتزويجها ويثبت لها حكم الاستيلاد باقراره لان إقراره ينفذ في ملكه ولذلك يثبت بالشاهد والمرأتين والشاهد واليمين.
ولا نحكم له بالولد لانه يدعي نسبه والنسب لا يثبت بذلك ويدعي حريته أيضا فعلى هذا نقول الولد في يد المنكر مملوكا له وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر يأخذها وولدها ويكون ابنه لان من يثبت له العين ثبتت له نماؤها والولد نماؤها وذكر فيها أبو الخطاب عن احمد روايتين كقول الشافعي
ولنا انه لم يدع الولد ملكا وإنما يدعي حريته ونسبه، وهذان لا يثبتان بهذه البينة فيبقيان على ما كانا عليه (فصل) فان ادعى انها كانت ملكه فأعتقها لم يثبت ذلك بشاهد وامرأتين لان البينة شهدت بملك قديم فلم يثبت والحرية لا تثبت إلا برجل وامرأتين ويحتمل أن تثبت كالتي قبلها (باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة) (تقبل الشهادة على الشهادة فيما يقبل فيه كتاب القاضي وترد فيما يرد فيه) الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة (أحدها) جوازها (والثاني) في موضعها (والثالث) في شرطها.
أما الاول فان الشهادة على الشهادة جائزة باجماع العلماء وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
قال أبو عبيد اجتمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على امضاء الشهادة على الشهادة في الاموال، ولان الحاجة داعية إليها فانها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الموقوف وما يتأخر اثباته عند الحاكم ثم يموت شهوده، وفي ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة فوجب أن تقبل كشهادة الاصل
(الفصل الثاني) انها تقبل في المال وما يقصد به المال كما ذكر أبو عبيد ولا تقبل في حد وهذا قول الشعبي والنخعي وابي حنيفة وقال مالك والشافعي في قول وابو ثور تقبل في الحدود وفي كل حق لان ذلك يثبت بشهادة الاصل فيثبت بالشهادة على الشهادة كالمال
ولنا ان الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات والاسقاط بالرجوع عن الاقرار والشهادة على الشهادة فيها شبهة فانها يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع مع احتمال ذلك في شهود الاصل وهذا احتمال زائد لا يوجد في شهود الاصل وهو معتبر بدليل انها لا تقبل مع القدرة على شهود الاصل فوجب أن لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات ولانها إنما تقبل للحاجة ولا حاجة إليها في الحد لان ستر صاحبه اولى من الشهادة عليه ولانه لا نص فيها ولا يصح قياسها على شهادة الاصل لما ذكرنا فيبطل اثباتها، وظاهر كلام احمد انها لا تقبل في القصاص أيضا ولا حد القذف لانه قال انما يجوز في الحقوق.
اما الدماء والحد فلا وهذا قول ابي حنيفة وقال مالك والشافعي يقبل وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله في كل شئ إلا في الحدود ولانه حق آدمي لا يسقط بالرجوع عن الاقرار به ولا يستحب ستره فأشبه الاموال وذكر أصحابنا هذا رواية في الطلاق وليس هذا برواية فان الطلاق لا يشبه القصاص والمذهب انها لا تقبل فيه لانه عقوبة فيه تدرأ بالشبهات وتبني على الاسقاط فأشبهت الحدود فاما ما عدا الحدود والقصاص والاموال كالنكاح والطلاق وسائر ما لا يثبت إلا
بشاهدين فنص أحمد على قبولها في الطلاق والحقوق فدل على قبولها في جميع هذه الحقوق وهذا قول الخرقي، وقال ابن حامد لا تقبل في النكاح ونحوه قول أبي بكر فعلى قولهما لا تقبل الا في المال وما يقصد به المال وهو قول أبي عبيد لانه حق لا يثبت الا بشاهدين فاشبه حد القذف ووجه الاول أنه حق لا يدرأ بالشبهات فيثبت بالشهادة على الشهادة كالمال وبهذا فارق الحدود (الفصل الثالث) في شروطها وهي ثلاثة (أحدها) أن تتعذر شهادة شهود الاصل بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة القصر وعنه لا تقبل إلا أن يموت شاهد الاصل هذا أحد الشروط وهو تعذر شهادة الاصل لموت أو غيبة أو مرض أو حبس أو خوف من سلطان أو غيره، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وحكي عن أبي يوسف ومحمد جوازها مع القدرة على شهادة الاصل قياسا على الرواية وأخبار الديانات وروي عن الشعبي أنها لا تقبل إلا ان يموت شاهد الاصل لانهما إذا كانا حيين رجي حضورهما فكانا كالحاضرين وعن احمد مثل ذلك الا ان القاضي تأوله
على الموت وما في معناه من الغيبة البعيدة ونحوها ويمكن تأويل قول الشعبي على هذا فيزول هذا الخلاف ولنا على اشتراط تعذر شاهد الاصل انه إذا أمكن الحاكم أن يسمع شهادة شاهدي الاصل يستغني عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع وكان احوط للشهادة فان سماعه منهما معلوم وصدق شاهدى الفرع عليهما مظنون والعمل باليمين مع امكانه أولى من اتباع الظن ولان شهادة الاصل
تثبت نفس الحق وهذا إنما تثبت الشهادة عليه ولان في شهادة الفرع ضعفا لانه يتطرق إليها احتمالان احتمال غلط شاهدي الفرع فيكون ذلك وهنا فيها ولذلك لم ينتهض لاثبات الحدود والقصاص فينبغي أن لا يثبت الا عند عدم شهادة الاصل كسائر الابدال ولا يصح قياسها على أخبار الديانات لانه خفف فيها وكذلك لا يعتير فيها العدد ولا الذكورية ولا الحرية ولا اللفظ والحاجة داعية إليها في حق عموم الناس بخلاف مسئلتنا.
ولنا على قبولها عند تعذرها بغير الموت أنه قد تعذرت شهادة الاصل فتقبل شهادة الفرع كما لو مات شاهد الاصل ويخالف الحاضرين فان سماع شهادتهما ممكن فلم يجز غير ذلك.
إذا ثبت هذا فذكر القاضي ان الغيبة المشروطة لسماع شهاد الفرع أن يكون شاهد الاصل بموضع لا يمكن أن يشهد ثم يرجع من يومه وهذا قاله أبو يوسف وأبو حامد من أصحاب الشافعي لان الشاهد تشق عليه المطالبة بمثل هذا السفر.
وقد قال تعالى (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وإذا لم يكلف الحضور تعذر سماع شهادته فاحتيج إلى سماع شهادة الفرع وقال أبو الخطاب تعتبر مسافة القصر.
وهو قول أبي حنيفة وأبي الطيب الطبري مع اختلافهم في مسافة القصر كل على أصله لان ما دون ذلك في حكم الحاضر في الترخص وغيره بخلاف مسافة القصر ويعتبر دوام هذا الشرط إلى الحكم وسنذكره ان شاء الله تعالى
(مسألة) (ولا يجوز لشاهد الفرع ان يشهد حتى يسترعيه شاهد الاصل فيقول اشهد على شهادتي اني أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه أقر عندي أو أشهدني على نفسه
طوعا بكذا أو شهدت عليه أو أقر عندي بكذا، وان سمعه يقول أشهد على فلان بكذا لم يجز أن يشهد إلا أن يسمعه يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزيه إلى سبب من بيع أو اجارة أو قرض فهل يشهد؟ به على وجهين) يشترط لجواز شهادة الفرع أن يسترعيه على ما ذكرنا فان سمع شاهدا يسترعي آخر شهادة يشهد عليها جاز لهذا السامع ان يشهد بها لحصول الاسترعاء ويحتمل أن لا يجوز له ان يشهد إلا ان يسترعيه بعينه وهو قول أبي حنيفة قال أحمد لا تكون شهادة الا ان يكون يشهدك فاما ان سمعه يتحدث فانما ذلك حديث وبما ذكرناه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأبو عبيد فاما ان سمع شاهدا يشهد عند الحاكم بحق أو سمعه يشهد بحق يعزيه إلى سبب نحو ان يقول أشهد ان لفلان على فلان الفا من ثمن سبيع فهل يشهد به؟ فيه روايتان ذكرهما أبو الخطاب، وذكر القاضي أن له الشهادة وهو مذهب الشافعي لانه بالشهادة عند الحاكم ونسبة الحق إلى سببه يزول الاحتمال ويرتفع الاشكال فتجوز له الشهادة على شهادته كما
لو استرعاه والرواية الاخرى لا يجوز له ان يشهد على شهادته وهو قول أبي حنيفة وأبي عبيد لان الشهادة فيها معنى النيابة فلا ينوب عنه الا باذنه ومن نصر الاول قال هذا ينقل شهادته ولا ينوب عنه لانه لا يشهد مثل شهادته إنما شهد على شهادته، فاما ان قال اشهد اني أشهد على فلان بكذا فالاشبه أنه يجوز ان يشهد على شهادته وهو قول أبي يوسف لان معنى ذلك اشهد على شهادتي اني أشهد لانه إذا قال اشهد فقد امره بالشهادة ولم يسترعه وما عدا هذه المواضع لا يجوز ان يشهد فيها على الشهادة فإذا سمعه يقول أشهد ان لفلان على فلان ألف درهم لم يجز ان يشهد على شهادته لانه لم يسترعه الشهادة فيحتمل ان يكون وعده بها وقد يوصف الوعد بالوجوب مجازا فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (العدة دين) ويحتمل أن يريد بالشهادة العلم فلم يجز لسامعه الشهادة به، فان قيل فلو سمع رجلا يقول لفلان على فلان الف درهم جاز ان يشهد بذلك فكذا هذا قلنا الفرق بينهما من وجهين: (أحدهما) ان الشهادة تحتمل العلم ولا يحتمل الاقرار ذلك (الثاني) أن الاقرار أوسع في لزومه من الشهادة بدليل صحته في المجهول وانه لا يراعى فيه العدد بخلاف الشهادة ولان الاقرار قول
الانسان على نفسه وهو غير متهم عليها فيكون أقوى منها ولهذا لا تسمع الشهادة في حق المقر ولا يحكم بها ولو قال شاهد الاصل انا اشهد أن لفلان على فلان ألفا فاشهد به انت عليه لم يجز ان يشهد على
شهادته لانه ما استرعاه شهادته فيشهد عليها ولا هو شاهد بالحق لانه ما سمع الاعتراف به ممن هو عليه ولا شاهد سببه.
(فصل) فأما كيفية الاداء إذا كان قد استرعاه الشهادة فانه يقول أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه وعدالته أشهدني أنه يشهد ان لفلان بن فلان كذا أو ان فلانا اقر عندي بكذا وان لم يعرف عدالته لم يذكرها وان سمعه يشهد غيره قال اشهد ان فلان بن فلان اشهد على شهادته ان لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا، وان كان سمعه يشهد عند الحاكم قال اشهد ان فلان بن فلان شهد على فلان بن فلان عند الحاكم بكذا، وان كان نسب الحق إلى سببه قال اشهد ان فلان بن فلان قال اشهد ان لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا وكذا من جهة كذا وكذا وإذا اراد الحاكم ان يكتب ذلك كتبه على ما ذكرناه (فصل) ويشترط ان يعينا شاهدي الاصل على ما ذكرنا ويسمياهما.
وقال ابن جرير إذا قالا ذكرين حرين عدلين جازوان لم يسميا لان الغرض معرفة الصفات دون العين وليس بصحيح لجواز ان يكونا عدلين عندهما وهما مجروحان عند غيرهما ولان المشهود عليه ربما امكنه جرح الشهود فإذا لم يعرف أعيانهما تعذر عليه ذلك.
(مسألة) (وتثبت شهادة شاهدي الاصل بشهادة شاهدين يشهدان عليهما سواء شهدوا على كل واحد منهما أو شهد على كل واحد منهما شاهد من شهود الفرع وقال أبو عبد الله بن بطة لا يثبت حتى يشهد اربعة على كل شاهد أصل شاهدا فرع).
وجملة ذلك انه يجوز أن يشهد على كل واحد من شاهدي الاصل شاهد فرع فيشهد شاهدا فرع على شاهدي اصل، قال القاضي لا يختلف كلام احمد في هذا.
وهو قول شريح والشعبي والحسن وابن
شبرمة وابن ابي ليلى والثوري واسحاق والبتي والعنبري وقال اسحاق لم يزل اهل العلم على هذا حتى جاء هؤلاء.
قال احمد وشاهد على شاهد يجوز لم يزل الناس على ذا شريح فمن دونه إلا أن أبا حنيفة أنكره، وذهب أبو عبد الله بن بطة إلى أنه لا يقبل على كل شاهد أصل الا شاهدا فرع وهذا قول ابي حنيفة ومالك والشافعي لان شاهدي الفرع يثبتان شهادة شاهدي الاصل فلا تثبت شهادة كل واحد منهما بأقل من شاهدين كما لا يثبت إقرار مقرين بشهادة اثنين يشهد على كل واحد منها واحد ولنا ان هذا يثبت بشاهدين وقد شهد اثنان بما يثبته فيثبت كما لو شهدا بنفس الحق ولان شاهدي الفرع بدل من شاهدي الاصل فيكفي في عددها ما يكفي في شهادة الاصل ولان هذا اجماع
على ما ذكره احمد وإسحاق ولان شاهدي الفرع لا ينقلان عن شاهدي الاصل حقا عليهما فوجب أن يقبل فيه قول واحد كاخبار الديانات فانهما لا ينقلان الشهادة وليسقت حقا عليهما ولهذا لو انكراهما لم يعد الحاكم عليهما ولم يبطلها منهما وهذا الجواب عما ذكروه.
إذا ثبت هذا فمن اعتبر لكل شاهد أصل شاهدي فرع أجاز ان يشهد شاهدان على كل واحد من شاهدي الاصل وبه قال مالك وأصحاب الرأي قال الشافعي رأيت كثيرا من الحكام والمفتين يجيزه وخرجه على قولين (أحدهما) جوازه (والآخر) لا يجوز حتى يكون شهود الفرع أربعة على كل شاهد اصل شاهدا فرع، واختاره المزني لان من يثبت به أحد طرفي الشهادة لا يثبت به الطرف لآخر كما لو شهد أصلا ثم يشهد مع آخر على شهادة شاهد الاصل الآخر ولنا انهما شهدا على قولين فوجب أن يقبل كما لو شهدا باقرار اثنين أو باقرارين بحقين وانما لم يجز أن يشهد شاهد الاصل فرعا لانه يؤدي إلى أن يكون بدلا أصلا بشهادة بحق وذلك لا يجوز ولانهم يثبتون بشهادتهم شهادة الاصل وليست شهادة أحدهما ظرفا لشهادة الآخر فعلى قول الشافعي إن يثبت الحق بشهادة رجل وامرأتين وجب أن يكون شهود الفرع ستة وإن كان ثبت بأربع نسوة وجب أن يكون شهود الفرع ثمانية وإن كان المشهود به زنا خرج فيه خمسة أقوال (أحدها) لا مدخل لشهادة
الفرع في اثباته (والثاني) يجوز ويجب أن يكون شهود الفرع ستة عشر فيشهد على كل واحد من شهود الاصل أربعه (الثالث) يكفي ثمانية (والرابع) يكون أربعة يشهدون على كل واحد (والخامس) يكفي شاهدان يشهدان على كل واحد من شهود الاصل وهذا اثبات لحد الزنا بشاهدين وهو بعيد
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: