الفقه الحنبلي - اللقطة - اللقيط

كالمذهبين لقول النبي صلى الله عليه وسلم في مكة " لا تحل ساقطتها الا لمنشد " متفق عليه والمنشد المعرف قاله أبو عبيد والناشد الطالب وينشد * اصاخة الناشد للمنشد * فيكون معناه لا تحل لقطة مكة الا لمن يعرفها لانها خصت بهذا من بين سائر البلدان وروى أبو داود باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج قال ابن وهب يعني يتركها حتي يجدها صاحبها، ووجه الرواية الاولى عموم الاحاديث، ولانه أحد الحرمين أشبه حرم المدينة ولانها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الا لمنشد " يحتمل أنه يريد الا لمن عرفها عاما وتخصيصها بذلك لتأكيدها لقوله عليه السلام " ضالة المؤمن حرق النار " وضالة الذمي مقيسة عليها والله أعلم (فصل) ولا يجوز له التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها، ويستحب ذلك عند وجدانها والاشهاد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد " اعرف وكاها وعفاصها " وقال في حديث أبي بن كعب " اعرف عفاصها ووكاءها وعددها ثم عرفها سنة " وفي لفظ عن أبي ابن كعب أنه قال وجدت مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال " عرفها حولا " " فعرفها حولا فلم تعرف فرجعت إليه فقال اعرف " عدتها ووعاءها ووكاءها واخلطها بمالك فان جاء
ربها فأدها إليه " ففي هذا الحديث أمره بمعرفة صفاتها بعد التعريف وفي غيره أمره بمعرفتها بعين التقاطها قبل تعريفها وهو الاولى ليحصل عنده علم ذلك فمتى جاء صاحبها فنعتها غلب على ظنه صدقه فدفعها إليه وان أخر معرفة ذلك إلى حين مجئ باغيها جاز لان المقصود يحصل حينئذ فان لم يجئ طالبها فأراد التصرف فيها بعد الحول لم يجز له حتى يعرف صفاتها لان عينها تنعدم بالتصرف فلا يبقى له سبيل إلى معرفة صفاتها إذا جاء طالبها ولذلك ان خلطها بماله على وجه لا تتميز منه فيكون أمر النبي صلى الله عليه وسلم لابي بمعرفة صفاتها عند خلطها بماله أمر ايجاب مضيق وأمره لزيد بن خالد بمعرفة ذلك حين الالتقاط أمر استحباب، قال القاضي ينبغي أن يعرف جنسها ونوعها وان كانت ثيابا عرف لفافتها وجنسها ويعرف قدرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذرع ويعرف العقد عليها هل هو عقد واحد أو أكثر؟ أنشوطة أو غيرها؟ ويعرف صمام القارورة الذي يدخل رأسها وعفاصها الذي يلبسه ويستحب
ان شهد عليها حين يجدها، قال أحمد لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها.
فظاهر هذا انه مستحب غير واجب وانه لا ضمان عليه إذا لم يشهد وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة يضمنها إذا لم يشهد عليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل " وهذا أمر يقتضي الوجوب ولانه إذا لم يشهد كان الظاهر أنه أخذها لنفسه ولنا خبر زيد بن خالد وأبي بن كعب فانه أمرهما بالتعريف دون الاشهاد ولو كان واجبا لبينه
فانه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة سيما وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم اللقطة فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها فيتعين حمل الامر في حديث عياض على الاستحباب ولانه أخذ أمانة فلم يفتقر إلى الاشهاد كالوديعة، والمعنى الذي ذكروه غير صحيح فانه إذا حفظها وعرفها لم يأخذها لنفسه وفائدة الاشهاد صيانة نفسه من الطمع فيها وحفظها من ورثته ان مات ومن غرمائه ان أفلس وإذا أشهد عليها لم يذكر للشهود صفاتها كما قلنا في التعريف لكن يذكر للشهود ما يذكره في التعريف من الجنس والنوع.
قال أحمد في رواية صالح وقد سأله إذا أشهد عليها هل يبين كم هي؟ قال لا، ولكن يقول قد أصبت لقطة، ويستحب أن يكتب صفاتها ليكون أثبت له مخافة أن ينساها ان اقتصر على حفظها بقلبه فان الانسان عرضة النسيان * (مسألة) * (فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه بنمائها المتصل وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحلول ولو أخذها بعده في أصح الوجهين) إذا جاء طالب اللقطة فوصفها وجب دفعها إليه بغير بينة سواء غلب على ظنه صدقه أو لم يغلب.
وبهذا قال مالك وأبو عبيد وداود وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والشافعي لا يجبر على ذلك الا ببينة
ويجوز له دفعها إليه إذا غلب على ظنه صدقه، وقال أصحاب الرأي ان شاء دفعها إليه وأخذ كفيلا بذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " البينة على المدعي " ولان صفة المدعي لا يستحق بها كالمغصوب ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فان جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه "
وظاهر الامر الوجوب، وفي حديث زيد " اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فان لم تعرف فاستنفقها وإن جاء طالبها يوما من الدهر فادها إليه " يعني إذا ذكر صفاتها لان ذلك هو المذكور في صدر الحديث ولم يذكر البينة ولو كانت شرطا للدفع لذكرها لانه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولان اقامة البينة على اللقطة تتعذر لانها انما تسقط حال الغفلة فتوقف دفعها على البينة منع لوصولها إلى صاحبها أبدا وهذا يفوت مقصود الالتقاط ويفضي إلى تفويت أموال الناس وما هذا سبيله يسقط اعتبار البينة فيه كالانفاق على اليتيم، والجمع بين هذا القول وبين تفصيل الالتقاط على تركه متناقض لان الالتقاط حينئذ يكون تضييعا لمال المسلم واتعابا لنفسه بالتعريف الذي لا يفيد والمخاطرة بدينه يتركه
الواجب من تعريفها وما هذا سبيله يجب أن يكون حراما فكيف يكون فاضلا، وعلى هذا نقول لو لم يجب دفعها بالصفة لم يجز التقاطها لما ذكرناه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي " يعني إذا كان ثم منكر لقوله في سياقه " واليمين على من أنكر " ولا منكر ههنا على ان البينة تختلف وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم بينة مدعي اللقطة وصفها فإذا وصفها فقد أقام بينته وقياس اللقطة على المغصوب غير صحيح فان النزاع ثم في كونه مغصوبا والاصل عدمه وقول المنكر يعارض دعواه فاحتيج إلى البينة وههنا قد ثبت كون هذا المال لقطة وإن له صاحبا غير من هو في يده ولا مدعي له إلا الواصف وقد يرجح صدقه فينبغي أن يدفع إليه.
(فصل) ويدفعها إليه بزيادتها المتصلة والمنفصلة إذا كان قبل الحول لانها ملكها فان وجدها زائدة بعد الحول أخذها بزيادتها المتصلة لانها تتبع في الرد بالعيب والاقالة فتبعت ههنا وان حدث بعد الحول لها نماء منفصل فهو للملتقط لانه نماء ملكه متميز لا يتبع في الفسوخ فكان له كنماء المبيع إذا رد بعيب
وذكر أبو الخطاب فيه وجها آخر أنه يكون لصاحب اللقطة بناء على المفلس إذا استرجعت منه العين بعد أن زادت زيادة متميزة والولد إذا استرجع أبوه ما وهبه له بعد زيادته المنفصلة والصحيح ان الزيادة للملتقط لما ذكرناه وكذلك الصحيح في الموضعين اللذين ذكرهما ان الزيادة لمن حدثت في
ملكه ثم الفرق بينهما انه في مسئلتنا يضمن النقص فتكون الزيادة له ليكون الخراج بالضمان وثم لا ضمان عليه فأمكن أن لا يكون الخراج ومتى اختلفا في القيمة أو المثل فالقول قول الملتقط مع يمينه إذا كانت اللقطة قد استهلكت في يد الملتقط لانه غارم * (مسألة) * (وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها وبعده يضمنها) لانها أمانة في يده الا أن تكون تلفت أو نقصت بتفريطه كالوديعة وان أتلفها الملتقط أو تلفت بتفريطه ضمنها بمثلها إن كانت من ذوات الامثال أو بقيمتها ان لم تكن مثلية، قال شيخنا لا أعلم فيه خلافا
وان تلفت بعد الحول ثبت في ذمته مثلها أو قيمتها بكل حال لانها دخلت في ملكه وتلفت من ماله وسواء فرط أو لم يفرط وان وجد العين ناقصة بعد الحول أخذ العين وارش النقص لان جميعها مضمون إذا تلف فكذلك ارش نقصها، وهذا قول أكثر العلماء الذين حكموا بملكه لها بمضي حول التعريف، فاما من قال لا يملكها إلا باختياره لم يضمنه اياها حتى يتملكها وحكمها قبل ذلك كحكمها قبل مضي حول التعريف، ومن قال لا يملك اللقطة بحال لم يضمنه اياها وبهذا قال الحسن والنخعي وأبو مجلز والحارث العكلي ومالك وأبو يوسف قالوا لا يضمن، وان ضاعت بعد الحول وقد ذكرنا فيما تقدم دليل دخولها في ملكه وقال داود إذا تملك العين وأتلفها لم يضمنها وحكى ابن أبي موسى عن احمد انه لوح إلى مثل هذا القول لحديث عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " فان جاء ربها والا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وقوله في حديث أبي بن كعب " فان جاء من يعرفها وإلا فهي كسبيل مالك " وفي حديث زيد " فان جاء صاحبها والا فشأنك بها " وروي " فهي لك " ولم يأمره برد بدلها.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فان لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فان جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه " قال الاثرم قال أحمد اذهب إلى حديث الضحاك بن عثمان جوده ولم يروه أحد مثل ما رواه ان جاء صاحبها بعد سنة وقد أنفقها ردها إليه ولانها عين يلزمه ردها لو كانت باقية فيلزمه ضمانها إذا أتلفها كما قبل الحول ولانه مال معصوم فلم يجز اسقاط حقه منه مطلقا
كما لو اضطر إلى مال غيره (فصل) فان وجد العين بعد خروجها من ملك الملتقط ببيع أو هبة أو نحوهما لم يكن له أخذها وله أخذ بدلها لان تصرف الملتقط وقع صحيحا لانه ملكها فان صادفها وقد عادت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غير ذلك فله أخذها لانه وجد عين ماله في يد ملتقطه فكان له أخذها كالزوج إذا طلق
قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة وسائر الرجوع ههنا كحكم رجوع الزوج على ما نذكره ان شاء الله تعالى.
* (مسألة) * (وان وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ذكره أبو الخطاب) لانهما تساويا فيما يستحق به الدفع فتساويا فيها كما لو كانت في أيديهما، والوجه الثاني أنه يقرع بينهما فمن وقعت له القرعة حلف وسلمت إليه ذكره القاضي وهكذا إن أقاما بينتين وهذا الوجه أشبه باصولنا فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما ولانهما تداعيا عينا في يد غيرهما وتساويا في البينة أو عدمها فتكون لمن وقعت له القرعة كما لو ادعيا وديعة في يد إنسان فقال هي لاحدكما لا أعرف عينه، وفارق ما إذا كانت في أيديهما لان يد كل واحد منهما على نصفه فرجح قوله فيه
* (مسألة) * (فان أقام آخر بينة أنها له قدم لان البينة أقوى من الوصف فان كان الواصف قد أخذها ردت إلى صاحب البينة لاننا تبينا أنها له، فان كانت قد هلكت فلصاحبها تضمين من شاء من الواصف والدافع وبه قال أبو حنيفة والشافعي، ويتخرج أن لا يلزم الملتقط شئ إذا قلنا بوجوب الدفع عليه لانه فعل ما أمر به ولم يفرط وهو أمين فلم يضمن كما لو دفعها بامر الحاكم ولانه إذا كان الدفع واجبا عليه يأثم بتركه فكأنه دفع بغير اختياره فلم يضمن كما لو أخذت منه كرها، ووجه الاول أنه دفع مال غيره إلى غير مستحقه اختيارا منه فضمنه كما لو دفع الوديعة الي غير مالكها إذا غلب على ظنه أنه مالكها.
* (مسألة) * (الا أن يدفعها بحكم الحاكم فلا يملك صاحبها مطالبته)
لانها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبها غاصب ومتى ضمن الواصف لم يرجع على أحد لان العدوان منه والتلف عنده وان ضمن الدافع رجع على الواصف لانه كان سبب تغريمه الا أن يكون الملتقط قد أقر للواصف
أنها له فانه لا يرجع عليه لانه أقر انه مالكها ومستحقها وان صاحب البينة ظلمه بتضمينه فلا يرجع على غير ظالمه، وان كانت اللقطة قد تلفت عند الملتقط فضمنه اياها رجع على الواصف بما غرمه وليس لمالكها تضمين الواصف لان الذي قبضه انما هو مال الملتقط لا مال صاحب اللقطة بخلاف ما إذا سلم العين فأما ان وصفها انسان فأخذها ثم جاء آخر فوصفها وادعاها لم يستحق شيئا لان الاول استحقها لوصفه اياها وعدم المنازع فيها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه فوجب ابقاؤها في يده كسائر ماله.
(فصل) ولو جاء مدعي اللقطة فلم يصفها ولا أقام بينة أنها له لم يجز دفعها إليه سواء غلب على ظنه صدقه أو كذبه لانها أمانة فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها كالوديعة، فان دفعها فجاء آخر فوصفها أو أقام بها بينة لزم الدافع غرامتها له لانه فوتها على مالكها بتفريطه وله الرجوع على مدعيها لانه أخذ مال غيره ولصاحبها تضمين آخذها فإذا ضمنه لم يرجع على أحد وان لم يأت أحد يدعيها
فللملتقط مطالبة آخذها لانه لا يأمن مجئ صاحبها فيغرمه إياها ولانها أمانة في يده فملك الاخذ من غاصبها كالوديعة.
(فصل) فان كان الملتقط قد مات واللقطة موجودة قام وارثه مقامه في تعريفها أو اتمامه ان مات قبل اتمام الحول ويملكها بعد إتمام التعريف وان مات بعد تمام الحول ورثها الوارث كسائر أموال الميت، ومتى جاء صاحبها أخذها من الوارث كما يأخذها من الموروث وان كانت معدومة العين فصاحبها غريم للميت بمثلها ان كانت من ذوات الامثال أو بقيمتها ان لم تكن كذلك فيأخذ ذلك من تركته ان اتسعت لذلك فان ضاقت التركة زاحم الغرماء ببدلها سواء تلفت بعد الحول بفعله أو بغير فعله لانها قد دخلت في ملكه بمضي الحول، وان علم أنها تلفت قبل الحول بغير تفريط فلا ضمان عليه ولا شئ
لصاحبها لانها أمانة في يده تلفت بغير تفريط فلم يضمنها كالوديعة وكذلك ان تلفت بعد الحول قبل تملكها بغير تفريط عند من يرى أنها لا تدخل في ملكه حتى يتملكها أو أنها لا تملك بحال وقد
مضى الكلام في ذلك، فأما ان لم يعلم تلفها ولا وجدت في تركته فظاهر كلام الخرقي أنه غريم بها سواء كان قبل الحول أو بعده ويحتمل أن لا يلزم الملتقط شئ ويسقط حق صاحبها لان الاصل براءة ذمة الملتقط منها لانه يحتمل أن تكون قد تلفت بغير تفريط فلا تشتغل ذمته بالشك ويحتمل أنه ان كان الموت قبل الحول فلا شئ عليه لانها كانت امانة عنده ولم تعلم خيانته فيها والاصل براءة ذمته منها وان مات بعد الحول فهي في تركته لان الاصل بقاؤها إلى ما بعد الحول ودخولها في ملكه ووجوب بدلها عليه.
فان قيل فقد قلتم ان صاحبها لو جاء بعد بيع الملتقط إياها أو هبته لم يكن له إلا بدلها فلم قلتم انها إذا انتقلت إلى الوارث يملك صاحبها أخذها؟ قلنا لان الوارث خليفة الموروث وانما ثبت له الملك فيها على الوجه الذي كان ثابتا لموروثه وملك موروثه فيها كان مراعى مشروطا بعدم مجئ صاحبها فكذلك ملك وارثه بخلاف ملك المشتري والمتهب فانهما يملكان ملكا مستقرا
* (فصل) * قال رحمه الله (ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا يأمن نفسه عليها وقيل يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها) إذا التقط الغني لقطة وعرفها حولا ملكها كالفقير روي نحو ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وعلي وابن عباس وعطاء والشعبى والنخعي وطاوس وعكرمة وبه قال الشافعي واسحاق وابن المنذر وقال أبو حنيفة ليس له أن يتملكها الا أن يكون فقيرا من غير ذوي القربى لما روى عياض بن حمار المجاشعي ان النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال " من وجد لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب فان وجد صاحبها فليردها عليه والا فهي مال الله يؤتيه من يشاء " رواه النسائي، قالوا وما يضاف إلى الله تعالى انما يتملكه من يستحق الصدقة ونقل حنبل عن أحمد مثل هذا القول وأنكره الخلال وقال ليس هذا مذهبا لاحمد ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد " فان لم تعرف فاستنفقها - وفي لفظ - فشأنك
بها - وفي لفظ - والا فهى كسبيل مالك " ولان من ملك بالقرض ملك اللقطة كالفقير ومن جاز له الالتقاط
ملك به بعد التعريف كالفقير ودعواهم في حديث عياض ان ما يضاف إلى الله تعالى لا يتملكه الا من يستحق الصدقة لا دليل عليه وبطلانها ظاهر فان الاشياء كلها تضاف إلى الله تعالى ملكا وخلقا قال الله تعالى (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) (فصل) ويملك الذمي بالالتقاط كالمسلم وقال بعض أصحاب الشافعي ليس له الالتقاط في دار الاسلام لانه ليس من أهل الامانة ولنا أنه نوع اكتساب فكان من أهله كالاحتشاش والاحتطاب وما ذكروه يبطل بالصبي والمجنون فانه يصح التقاطهما مع عدم الامانة ومتى عرف اللقطة حولا ملكها كالسلم، وان علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا يشرف عليه ويعرفها لاننا لا نأمن الكافر على تعريفها ولا نأمن أن نحل في التعريف بشئ من الواجب عليه فيه وأجر المشرف عليه فإذا تم حول التعريف ملكها الملتقط ويحتمل أن تنزع من يد الذمي وتوضع على يدي عدل لانه غير مأمون عليها
(فصل) ويصح التقاط الفاسق لانها جهة من جهات الكسب فصح التقاطه كالعدل ولانه إذا صح التقاط الكافر فالمسلم أولى الا أن الاولى له ألا يأخذها لانه يعرض نفسه للامانة وليس من أهلها وإذا التقطها فعرفها حولا ملكها كالعدل، وان علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفا يشرف عليه ويتولى تعريفها كما قلنا في الذمي وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال في الآخر ينزعها من يده ويدعها في يد عدل ولنا أن من خلي بينه وبين الوديعة لم تزل يده عن اللقطة كالعدل والحفظ يحصل بضم المشرف إليه فأما ان لم يكن المشرف حفظها منه انتزعت من يده وتركت في يد العدل فإذا عرفها ملكها الملتقط لوجود سبب الملك منه * (مسألة) * (وان وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها)
وجملة ذلك أن الصبى والسفيه والمجنون إذا التقط أحدهم لقطة ثبتت يده عليها لعموم الاخبار ولانه نوع تكسب فصح منه كالاصطياد والاحتطاب فان تلفت في يده بغير تفريط فلا ضمان عليه وان تلفت بتفريطه ضمنها في ماله وإذا علم بها وليه لزمه أخذها منه لانه ليس من أهل الحفظ والامانة فان تركها في يده ضمنها لانه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق الصبى وهذا يتلف به حقه فإذا تركها في يده كان مضيعا لها، ويعرفها الولي إذا أخذها لان واجدها ليس من اهل التعريف فإذا انقضت مدة
التعريف دخلت في ملك واجدها لان سبب التملك تم بشرطه فثبت الملك له كما لو اصطاد صيدا وهذا مذهب الشافعي الا ان أصحابه قالوا إذا انقضت مدة التعريف فكان الصبي والمجنون بحيث يستقرض لهما يملكه لهما وإلا فلا وقال بعضهم يتملكه لهم بكل حال لان الظاهر عدم ظهور صاحبه فيكون تملكه مصلحة له.
ولنا عموم الاخبار ولو جرى هذا مجرى الاقتراض لما صح التقاط صبي لا يجوز الاقتراض له لانه يكون تبرعا بحفظ مال غيره من غير فائدة (فصل) قال احمد في رواية العباس بن موسى في غلام له عشر سنين التقط لقطة ثم كبر فان وجد صاحبها دفعها إليه والا تصدق بها قد مضى اجل التعريف فيما تقدم من السنين ولم ير عليه استقبال اجل التعريف قال وقد كنت سمعته قبل هذا أو بعده يقول في انقضاء اجل التعريف إذا لم يجد صاحبها ايتصدق بمال الغير؟ وهذه المسألة قد مضى نحوها فيما إذا لم يعرف الملتقط اللقطة في حولها الاول فانه لا يملكها وإن عرفها فيما بعد ذلك لكون التعريف بعده لا يفيد ظاهرا لكون صاحبها ييأس منها ويترك طلبها، وهذه المسألة تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر فهو كتركه لغير عذر لكون الصبي من أهل العذر وقد ذكرنا فيه وجهين فيما تقدم، وقال أحمد في غلام لم يبلغ أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى
منزله فضاعت فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها تصدق بها فان لم يجد عشرة وكان يجحف به تصدق قليلا قليلا قال القاضي هذا محمول على انها تلفت بتفريط الصبي وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها
* (مسألة) * (وإن التقطها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه يتولى تعريفها ان كان عدلا فان لم يأمن العبد سيده عليها لزمه سترها عنه فان أتلفها قبل الحول فهي في رقبته وان أتلفها بعده فهي في ذمته) يصح التقاط العبد بغير اذن سيده وبه قال أبو حنيفة والشافعي في احد قوليه وقال في الآخر لا يصح التقاطه لان اللقطة في الحول الاول امانة وولاية وفي الثاني تملك والعبد ليس من اهل الولايات ولا التملك.
ولنا عموم الخبر ولان الالتقاط سبب يملك به الصبي ويصح منه فصح من العبد كالاصطياد والاحتطاب ولان من جاز له قبول الوديعة صح منه الالتقاط كالحر قولهم ان العبد ليس من أهل الولايات والامانات يبطل بالصبي والمجنون فانهما أدنى حالا منه في هذا، وقولهم ان العبد لا يملك ممنوع وان سلما فانه يتملك لسيده كما يحصل بسائر الاكتسابات ولان الالتقاط تخليص مال من الهلاك فجاز من العبد بغير اذن سيده كانقاذ المال الغريق والمغصوب.
إذا ثبت هذا فان اللقطة تكون أمانة في يد العبد ان تلفت بغير تفريط في حول التعريف لم يضمن فان عرفها صح تعريفه لان له قولا
صحيحا فصح تعريفه كالحر فإذا تم حول التعريف ملكها سيده لان الالتقاط كسب العبد وكسبه لسيده فان علم السيد بلقطة عبده كان له انتزاعها منه لانها من كسب العبد وللسيد انتزاع كسبه من يده فان انتزعها بعد أن عرفها العبد ملكها وان كان لم يعرفها عرفها سيده حولا وان كان العبد عرفها بعض الحول عرفها السيد تمامه وللسيد اقرارها في يد العبد ان كان أمينا ويكون مستعينا بعبده في حفظها كما يستعين به في حفظ ماله، فان كان العبد غير أمين كان السيد مفرطا باقرارها في يده ولزمه ضمانها كما لو أخذها من يده وردها لان يد العبد كيده وما يستحق بها لسيده وان أعتق العبد بعد الالتقاط فله انتزاع اللقطة من يده لانها من كسبه واكسابه لسيده، ومتى علم العبد أن سيده غير مأمون عليها لزمه سترها عنه ويسلمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، فان أتلفها العبد في الحول الاول فهي في رقبته كجناياته وكذلك ان تلفت بتفريطه وان أتلفها بعده فهي في ذمته ان قلنا ان العبد يملكها بعد التعريف وان قلنا لا يملكها فهو كما لو أتلفها في حول التعريف ويصح ان ينبني ذلك على
استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته؟ على روايتين وقد مر ذكره في الحجر * (مسألة) * (والمكاتب كالحر في اللقطة) لان المال له في الحال واكتسابه له دون سيده وهي من اكتسابه فان عجز عاد عبدا وصار حكمه في لقطته حكم العبد، وام الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة كالقن ومن بعضه حر إذا التقط لقطة فهي بينه وبين سيده إذا لم يكن بينهما مهايأة كالحرين إذا
التقطا لقطة وان كان بينهما مهايأة لم تدخل في المهايأة في احد الوجهين لانها كسب نادر لا يعلم وجوده ولا يظن فلم يدخل في المهايأة كالارث.
فعلى هذا يكون بينهما والثاني يدخل في المهايأة لانها من كسبه اشبهت سائر اكسابه فيكون لمن يوجد في يومه وكذلك الحكم في الهدية والوصية وسائر الاكساب النادرة فيها الوجهان، فان كان العبد بين اثنين شركة فلقطته بينهما على ما ذكرنا فيمن بعضه حر والله اعلم.
باب اللقيط وهو الطفل المنبوذ اللقيط بمعنى الملقوط كالقتيل والجريح والتقاطه واجب لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولان فيه إحياء نفسه فكان واجبا كاطعامه إذا اضطر وانجائه من الغرق، وهو من فروض الكفايات إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإن تركه الجماعة أثموا كلهم إذا تركوه مع امكان أخذه، وقد روي عن سنين أبي جميلة قال: وجدت ملقوطا فأتيت به عمر رضي الله عنه فقال عريفي يا أمير المؤمنين انه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال نعم قال: فاذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته، رواه سعيد عن سفيان عن الزهري سمع سنينا أبا جميلة بهذا وقال وعلينا رضاعه.
* (مسألة) * (وهو حر) اللقيط حر في قول عامة أهل العلم إلا النخعي قال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن اللقيط حر، روي هذا القول عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وبه قال عمر بن عبد العزيز والشعبي والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأى ومن تبعهم
وقال النخعي: ان التقطه للحسبة فهو حر وإن كان أراد أن يسترقه فذلك له، وهذا قول شذ فيه عن الخلفاء والعلماء ولا يصح في النظر فان الاصل في الآدميين الحرية فان الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارا وانما الرق لعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الاصل
* (مسألة) * (ينفق عليه من بيت المال إن لم يوجد معه ما ينفق عليه) إذا لم يوجد مع اللقيط شئ لم يلزم الملتقط الانفاق عليه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن نفقة اللقيط غير واجبة على الملنقط، كوجوب نفقة الولد، وذلك لان أسباب وجوب النفقة من القرابة والزوجية والملك والولاء منفية فالالتقاط إنما هو تخليص له من الهلاك وتبرع بحفظه فلا يوجب ذلك النفقة كما لو فعله بغير اللقيط، تجب نفقته في بيت المال لقول عمر رضي الله عنه في حديث أبي جميلة: اذهب فهو حر ولك ولاؤه، وعلينا نفقته، وفي رواية: من بيت المال ولان بيت المال وارثه وماله مصروف إليه فكانت نفقته عليه كقرابته ومولاه.
فان تعذر الانفاق عليه من بيت المال لسكونه لا مال فيه أو كان في مكان لا امام فيه أو لم يعط شيئا فعلى من علم حاله من المسلمين الانفاق عليه لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ولان في ترك الانفاق عليه هلاكه، وحفظه من ذلك واجب كانقاذه من الغرق وهو فرض كفاية، ومن أنفق عليه متبرعا فلا شئ له سواء كان الملتقط أو غيره، وإن لم يتبرع أحد بالانفاق عليه فأنفق عليه الملتقط أو غيره محتسبا بالرجوع عليه إذا ايسر وكان ذلك بأمر الحاكم لزم اللقيط ذلك إذا كانت النفقة قصدا بالمعروف وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي والشافعي، فان أنفق بغير أمر الحاكم محتسبا بالرجوع
عليه فقال احمد تؤدى النفقة من بيت المال، وقال شريح والنخعي يرجع عليه بالنفقة إذا أشهد عليه يحلف ما أنفق احتسابا فان حلف استسعي، وقال الشعبي ومالك والثوري والاوزاعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وابن المنذر لا يرجع بشئ لانه أنفق عليه من غير اذنه ولا اذن وليه ولا اذن الحاكم فلم يرجع بشئ كما لو تبرع به.
ولنا أنه أداء مال وجب على غيره فكان له الرجوع على من كان الوجوب عليه كالضامن إذا قضى عن المضمون عنه.
* (مسألة) * (ويحكم باسلامه إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا فان كان فيه مسلم فعلى وجهين).
إذا وجد اللقيط في دار الاسلام فهو محكوم باسلامه وإن كان فيها أهل الذمة تغليبا للاسلام ولظاهر الدار ولان الاسلام يعلو ولا يعلى ودار الاسلام قسمان: (أحدهما) ما اختطه المسلمون كبغداد والبصرة فلقيطها محكوم باسلامه على ما ذكرنا (الثاني) دار فتحها المسلمون كمدائن الشام فهذه ان كان فيها مسلم حكم باسلام لقيطها لانه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليبا للاسلام وان لم يكن فيها مسلم بل كان أهلها أهل ذمة حكم بكفره لان تغليب حكم الاسلام إنما يكون مع الاحتمال.
فاما بلد الكفار فضربان أحدهما بلد كان للمسلمين فغلب الكفار عليه كالساحل
فهذا كالقسم الذي قبله وان كان فيه مسلم حكم باسلام لقيطه وان لم يكن فيه مسلم فهو كافر، وقال القاضي يحكم باسلامه أيضا لانه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه بخلاف الذي قبله فانه لا حاجة به إلى كتم إيمانه في دار الاسلام (الثاني) دار لم تكن للمسلمين أصلا كبلاد الهند والروم فان لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر لان الدار لهم وأهلها منهم، وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم ففيه وجهان (أحدهما) يحكم باسلامه تغليبا للاسلام والثاني يحكم بكفره تغليببا للدار والاكثر وهذا التفصيل مذهب الشافعي وقال ابن المنذر أجمع عوام أهل العلم على أن الطفل إذا وجد في بلاد المسلمين ميتا في أي مكان وجد أنه يجب غسله ودفنه في مقابر المسلمين وقد منعوا أن يدفن اطفال المشركين في مقابر المسلمين قال وإذا وجد لقيط في قرية ليس فيها إلا مشرك فهو على ظاهر ما حكموا به أنه كافر هذا قول الشافعي وأصحاب الرأي.
* (مسألة) * (وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له، وان كان مدفونا تحته أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين)
وجملة ذلك أن ما وجد مع اللقيط فهو له ينفق عليه منه وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لان الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويوررث ويصح أن يشتري له وليه ويبيع ومن له ملك
صحيح فله يد صحيحة كالبلغ.
إذا ثبت هذا فكل ما كان متصلا به أو متعلقا بمنفعته فهو تحت يده ويثبت بذلك ملكا له في الظاهر، فمن ذلك ما كان لابسا له أو مشدودا في ملبوسه أو في يديه أو تحته أو مجعولا فيه كالسرير والسفط وما فيه من فرش أو دراهم والثياب التي تحته والتي عليه، وان كان مشدودا على دابة أو كانت مشدودة في ثيابه أو كان في خيمة أو دار فهي له وأما المنفصل عنه فان كان بعيدا منه فليس في يده، وان كان قريبا منه كثوب موضوع إلى جانبه ففيه وجهان (أحدهما) ليس له ذلك لانه منفصل عنه فهو كالبعيد (والثاني) هو له ولان الظاهر أنه ترك له فهو كالذي تحته ولان القريب من البالغ يكون في يده، ألا ترى أن الرجل يقعد في السوق ومتاعه بقربه ويحكم بانه في يده والحمال إذا جلس للاستراحة ترك حمله قريبا منه وهذا أصح، فأما المدفون تحته فقال ابن عقيل إن كان الحفر طريا فهو له وإلا فلا لان الظاهر أنه إذا كان طريا فواضع اللقيط حفره وإذا لم يكن طريا كان مدفونا قبل وضعه وقيل ليس هو له بحال لانه بموضع لا يستحقه إذا لم يكن الحفر طريا فلم يكن له إذا كان طريا كالبعيد منه، ولان الظاهر أنه لو كان له لشده واضعه في ثيابه ليعلم به ولم يتركه في مكان لا يطلع عليه وكان ما حكمنا بانه ليس له فحكمه حكم اللقطة أو الركاز * (مسألة) * (وأولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا لان عمر رضي الله عنه اقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال عريفه انه رجل صالح ولانه سبق إليه فكان أولى به لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من
سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " وهل يجب الاشهاد عليه؟ فيه وجهان (احدهما) لا يجب كما لا يجب الاشهاد في اللقطة (والثاني) يجب لان القصد بالاشهاد حفظ النسب والحرية فاختص بوجوب الشهادة كالنكاح، وفارق اللقطة فان المقصود منها حفظ المال فلم يجب الاشهاد فيها كالبيع * (مسألة) * (وله الانفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم، وعنه ما يدل على أنه لا ينفق
عليه إلا باذنه) وجملة ذلك أنه ينفق على اللقيط مما وجد معه وما حكم له به فان كان فيه كفايته لم تجب نفقته على أحد لانه ذو مال فأشبه غيره من الناس ولملتقطه الانفاق عليه منه بغير اذن الحاكم ذكره ابن حامد لانه وليه فلم يعتبر في الانفاق عليه إذن الحاكم كولي اليتيم ولان هذا من الامر بالمعروف فاستوى فيه الامام وغيره كتبديد الخمر، وروى أبو الحارث عن أحمد في رجل أودع رجلا مالا وغاب وطالت غيبته وله ولد ولا نفقة له هل ينفق عليهم هذا المستودع من مال الغائب فقال تقوم امرأته إلى الحاكم حتى يأمره بالانفاق عليهم فلم يجعل له الانفاق من غير إذن الحاكم فقال بعض أصحابنا هذا مثله والصحيح أن هذا مخالف له من وجهين (أحدهما) أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله فان له ولاية أخذه وحفظه (والثاني) أنه ينفق على اللقيط من ماله وهذا بخلافه ولان الانفاق على الصبي من مال الله مشروط بكون الصبي محتاجا إلى ذلك لعدم ماله وعدم نفقة تركها أبوه برسمه وذلك لا يقيل
فيه قول المدوع فاحتيج إلى اثبات ذلك عند الحاكم ولا كذلك في مسئلتنا فلا يلزم من وجوب استئذان الحاكم ثم وجوبه في اللقيط، ومتى لم يجد حاكما فله الانفاق بكل حال لانه حال ضرورة وقال الشافعي ليس له أن ينفق بغير إذن حاكم في موضع يجد حاكما وان أنفق ضمنه بمنزلة ما لو كان لابي الصغير وديعة عند إنسان فأنفق عليه منها وذلك لانه لا ولاية له على ماله وإنما له حق الحضانة فان لم يجد حاكما ففي جواز الانفاق وجهان ولنا ما ذكرناه ابتداء ولا نسلم أنه لا ولاية له على ماله فانا قد بينا أن له أخذه وحفظه وهو أولى الناس، به وذكرنا الفرق بين اللقيط وبين ما قاسوا عليه.
إذا ثبت هذا فالمستحب أن يستأذن الحاكم في موضع يجد حاكما لانه أبعد من التهمة وأقطع للظنة وفيه خروج من الخلاف وحفظ لماله من أن يرجع عليه بما أنفق وينبغي أن ينفق، عليه بالمعروف كما ذكرنا في ولي اليتيم فان بلغ اللقيط واختلفا في قدر ما أنفق وفي التفريط في الانفاق فالقول قول المنفق لانه أمين فكان القول قوله في ذلك كولي اليتيم.
* (مسألة) * (فان كان الملتقط فاسقا لم تقر في يده وهو قول الشافعي) لان حفظه للولاية عليه ولا ولاية لفاسق وظاهر كلام الخرقي أنه يقر في يده لقوله وان لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من السفر به لئلا يدعي رقه، فعلى قوله ينبغي أن يجب الاشهاد عليه ويضم إليه من يشرف عليه لاننا إذا
ضمنا إليه في اللقطة من يشرف عليه فههنا أولى قال القاضي والمذهب أنه ينزع من يده، ويفارق اللقطة من ثلاثة أوجه (أحدها) أن في اللقطة معنى الكسب وليس ههنا إلا الولاية (الثاني) أن اللقطة لو انزعناها منه رددناها إليه بعد الحول فلذلك احتطنا عليها مع بقائها في يده وههنا لا يرد إليه بعد الانتزاع منه بحال فكان الانتزاع أحفظ (والثالث) أن المقصود ثم حفظ المال ويمكن الاحتياط عليه بان يستظهر عليه في التعريف أو ينصب الحاكم من يعرفها وههنا المقصود حفظ الحرية والنسب ولا سبيل إلى الاستظهار عليه لانه قد يدعي رقه في بعض البلدان أو في بعض الزمان ولان اللقطة إنما يحتاج إلى حفظها والاحتياط عليها عاما واحدا وهذا يحتاج إلى الاحتياط عليه في جميع زمانه وقد ذكرنا أن ظاهر قول الخرقي أنه لا ينزع منه لانه قد ثبتت له الولاية بالتقاطه إياه وسبقه إليه وأمكن حفظه في يديه بالاشهاد عليه وضم أمين يشارفه إليه ويشيع أمره فيظهر أنه لقيط فينحفظ بذلك من غير زوال ولايته جمعا بين الحقين كاللقطة وكما لو كان الوصي خائنا، قال شيخنا وما ذكره القاضي من الترجيح للقطه يمكن معارضته بان اللقيط ظاهر مكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلاف اللقطة فانها خفية تتطرق إليها الخيانة ولا يعلم بها ويمكن أخذ بعضها وتنقيصها وابدالها بخلاف اللقيط، ولان المال محل الخيانة والنفوس إلى أخذه داعية بخلاف النفوس فعلى هذا متى أراد هذا الملتقط السفر باللقيط منع منه لانه يبعده ممن عرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه
(فصل) فان كان الملتقط مستور الحال لم تعرف منه حقيقة العدالة ولا خيانة أقر اللقيط في يديه لان حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الاحكام لان الاصل في المسلم العدالة ولذلك قال عمر رضي الله عنه المسلمون عدول بعضهم على بعض فان أراد السفر
بلقيطه ففيه وجهان (أحدهما) لا يقر في يديه وهو مذهب الشافعي لانه لم تتحقق أمانته فلا تؤمن الخيانة منه فيه (والثاني) يقر في يديه لانه يقر في يديه في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل ولان الظاهر الستر والصيانة، فأما من عرفت عدالته وظهرت أمانته فيقر اللقيط في يده حضرا وسفرا لانه مأمون إذا كان سفره لغير النقلة * (مسألة) * (فان كان الملتقط رقيقا لم يقر في يده) وجملته أنه ليس للعبد التقاط الطفل المنبوذ إذا وجد من يلتقطه سواه لان منافعه مملوكة لسيده فلا يذهبها في غير نفعه الا باذنه ولانه لا يثبت على اللقيط الا الولاية ولا ولاية لعبد فان التقطه لم يقر في يده الا باذن السيد فان أذن له أقر في يده لانه استعان به في ذلك فصار كما لو التقطه سيده وسلمه إليه، قال ابن عقيل إذا أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه السيد والحكم في الامة كالحكم في العبد، فاما ان لم يجد أحدا يلتقطه سواه وجب التقاطه لانه تخليص له
من الهلاك فهو كتخليصه من الغرق، والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالقن وكذلك المكاتب لانه ليس له التبرع بماله ولا بمنافعه الا أن يأذن له سيده في ذلك * (مسألة) * (أو كافرا واللقيط مسلم) ليس للكافر التقاط من حكم باسلامه لانه لا ولاية لكافر على مسلم ولانه لا يؤمن أن يعلمه الكفر بل الظاهر أنه يربيه على دينه وينشأ على ذلك كولده فان التقطه لم يقر في يده فان كان الطفل محكوما بكفره فله التقاطه لان الذين كفروا بعضهم أولياء بعض * (مسألة) * (أو بدويا ينتقل في المواضع ففيه وجهان) (أحدهما) أنه يقر في يده لان الظاهر أنه ابن بدوبين واقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه (والثاني) يؤخذ منه فيدفع إلى صاحب قرية لانه أرفه له وأخف عليه * (مسألة) * (وان وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده لوجهين) (أحدهما) أن مقامه في الحضر أصل له في دينه ودنياه وأرفه له (والثاني) أنه إذا وجد في الحضر
فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور اهله واعترافهم به * (مسألة) * (وان التقطه في البادية مقيم في حلة أقر في يده لانه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين
* (مسألة) * (وان التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر للاقامة فيه لم يجز في أحد الوجهين) لان بقاءه في بلده أرجى لكشف نسبه فلم يقر في يده قياسا على المنتقل به إلى البادية (والثاني) يقر في يده والبلد الثاني كالاول في الرفاهية فيقر في يده كالمنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر وفارق المنتقل به إلى البادية لانه يضر به بتفويت الرفاهية عليه * (مسألة) * (وان التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر والحاضر على المسافر فان استويا وتشاحا اقرع بينهما) إذا التقطه اثنان وتناولاه تناولا واحدا لم يخل من ثلاثة أقسام (أحدها) أن يكون أحدهما ممن يقر في يده كالمسلم العدل الحر والآخر لا يقر في يديه كالكافر إذا كان الملتقط التقطه وحده ولان الشريك لو التقطه وحده لم يسلم إليه فإذا شاركه من هو من أهل الالتقاط كان أولى باالتسليم إليه واقراره في يده (والثاني) أن يكونا جميعا ممن لا يقر في يدي واحد منهما فانه ينزع منهما ويسلم إلى غيرهما (الثالث) أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد الا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر بأن يكون أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر أحق لان ذلك أحظ للطفل وكذلك ان كان أحدهما مقيما والآخر مسافرا لانه أرفق بالطفل (فصل) وان التقط مسلم وكافر طفلا محكوما بكفره فالمسلم أحق وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي
هما سواء لان للكافر ولاية على الكافر ويقر في يده إذا انفرد بالتقاطه فساوى المسلم في ذلك ولنا أن دفعه إلى المسلم أحظ له لانه يصير مسلما فيسعد في الدنيا والآخرة وينجو من النار ويتخلص من الجزية والصغار، فالترجيح بهذا أولى من الترجيح باليسار الذي انما يتعلق به توسعة عليه في الانفاق وقد يكون الموسر بخيلا فلا تحصل التوسعة فان تعارض الترجيحان فكان المسلم فقيرا
والكافر موسرا فالمسلم أولى لان النفع الحاصل له باسلامه أعظم من النفع الحاصل له بيساره مع كفره وعندهم يقدم الكافر وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل لان حظ الطفل عنده أكثر من الجهة التي يحصل له الحظ فيها باليسار، فان تساويا وتشاحا أقرع ببنهما وإذا تساويا في الاوصاف التي تقتضي تقديم أحدهما على الآخر فرضي أحدهما بتسليمه إلى صاحبه جاز لان الحق له فلا يمنع من الايثار به وان تشاحا اقرع بينهما لقوله تعالى (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) ولانه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة وان تهايأه يوما ويوما أو أكثر أضر بالطفل لاختلاف الاغذية عليه والانس والالف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما من غير قرعة لان حقهما متساو فتقديم أحدهما بغير قرعة تحكم لا يجوز فتعين الاقراع بينهما كما يقرع بين الشركاء في تعيين السهام في القسمة وبين النساء في البداية بالقسمة وبين العبيد في الاعتاق والرجل والمرأة سواء ولا
ترجح المرأة ههنا كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه لانها رجحت ثم لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها والاب يحضنه باجنبية فكانت أمه أحظ له وأرفق به أما ههنا فهي أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه باجنبية فاستوتا، ومذهب الشافعي على ما ذكرنا فان كان أحدهما مستور الحال والآخر ظاهر العدالة احتمل ترجيح ظاهر العدالة لان المانع من الالتقاط منتف في حقه بغير شك والآخر مشكوك فيه فيكون الحظ للطفل في تسليمه إليه أتم ويحتمل أن يتساويا لان احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع فلا يؤثر في الترجيح (فصل) فان رأياه جميعا فسبق إليه أحدهما فأخذه أو وضع يده عليه فهو احق به لقوله عليه السلام " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به " فان رآه أحدهما قبل صاحبه فسبق إلى اخذه الآخر فالسابق إلى أخذه أحق لان الالتقاط هو الاخذ دون الرؤية فان قال أحدهما لصاحبه ناولنيه فأخذه الآخر نظرنا إلى نيته فان نوى أخذه لنفسه فهو أحق به كما لو لم يأمره الآخر بمناولته إياه وان نوى مناولته فهو للآخر لانه فعل ذلك بنية النيابة عنه فأشبه ما لو توكل له في تحصيل مباح * (مسألة) * (فان اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة)
لانها أقوى فان كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا لان الثاني انما أخذ ما قد ثبت الحق فيه لغيره فان استوى تاريخهما أو اطلقتا أو أرخت احداهما وأطلقت الاخرى تعارضتا وهل
يسقطان أو يستعملان؟ فيه وجهان (أحدهما) يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما (والثاني) يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه فهو اولى، ونذكر ذلك في بابه ان شاء الله تعالى فان كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته أو تقدم بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال * (مسألة) * (فان لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد فيكون القول قوله مع يمينه أنه التقطه) ذكره أبو الخطاب وهو قول الشافعي وقال القاضي قياس المذهب أنه لا يحلف كما في الطلاق والنكاح ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " رواه مسلم * (مسألة) * (فان كان في أيديهما أقرع بينهما فيسلم إلى من تقع له القرعة مع يمينه) وعلى قول القاضي لا يشرع اليمين ههنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له * (مسألة) * (فان لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم) نحو ان يقول في ظهره شامة أو بجسده علامة فيقدم بذلك ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي لا يقدم بالصفة كما لو وصف المدعي المدعى فان دعواه لا تقدم بذلك ولنا أن ه؟ ا نوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال ولان ذلك يدل على قوة يده فكان
مقدما بها، وقياس اللقيط على اللقطة أولى من قياسه على غيرها لان اللقيط لقطة، وان لم يصفه أحدهما فقال القاضي وأبو الخطاب يسلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما لانه لا حق لهما قال شيخنا والاولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما لانهما تنازعا حقا في يد غيرهما أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما * (فصل) * قال رحمه الله (وميراث اللقيط وديته ان قتل لبيت المال ان لم يخلف وارثا، ولا ولاء عليه) وانما يرثه المسلمون لانهم خولوا كل مال لا مالك له ولانهم يرثون مال من لا وارث له غير اللقيط
فكذلك اللقيط وهو قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وقال شريح واسحاق عليه الولاء لملتقطه لقول عمر رضي الله عنه لابي جميلة في لقيطه هو حر ولك ولاؤه ولما روى واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرأة تحوز ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه " أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الولاء لمن اعتق " ولانه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب ولانه لا ولاء عليه ان كان ابن حرين، وان كان ابن معتقين فلا يكون عليه ولاء لغير معتقهما وحديث واثلة لا يثبت قاله ابن المنذر وقال في خبر عمر أبو جميلة رجل مجهول لا تقوم بحديثه حجة، ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه عنى بقوله لك ولاؤه ولاية القيام به وحفظه ولذلك ذكره عقيب قول عريفه أنه رجل صالح وهذا يقتضي تفويض الولاية إليه لكونه مأمونا عليه دون الميراث
إذا ثبت هذا فحكم اللقيط في الميراث حكم من عرف نسبه وانقرض أهله يدفع إلى بيت المال إذا لم يكن له وارث فان كانت له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال كمن عرف نسبه والله أعلم فان قتل خطأ فالدية لبيت المال لان حكمها حكم الميراث وهو لبيت المال كذلك الدية * (مسألة) * (وان قتل عمدا فوليه الامام إن شاء اقتص وان شاء أخذ الدية) أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وابن المنذر الا أن أبا حنيفة يخيره بين القصاص والمصالحة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فالسلطان ولي من لا ولي له " ومتى عفا على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجناية الخطأ الموجبة للمال.
* (مسألة) * (وان قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه إلا أن يكون فقيرا مجنونا فللامام العفو على مال ينفقه عليه) إذا جني على اللقيط جناية فيما دون النفس توجب المال قبل بلوغه فلوليه أخذ الارش وان كانت موجبة للقصاص وله مال يكفيه وقف الامر على بلوغه ليقتص أو يعفو سواء كان عاقلا أو معتوها وكذلك ان لم يكن له مال وكان عاقلا وان كان معتوها فللامام العفو على مال ينفق عليه لان المعتوه
ليست له حال معلومة تنتظر لان ذلك قد يدوم به بخلاف العاقل فان له حالة تنتظر ويحبس الجاني في الحال التي ينتظر بلوغه حتى يبلغ ويستوفي لنفسه وهذا مذهب الشافعي وقد روي عن أحمد أن
للامام استيفاء القصاص له قبل بلوغه وهو مذهب أبي حنيفة لانه أحد نوعي القصاص فكان للامام استيفاؤه عن اللقيط كالنفس ولنا أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه فوقف على من هو له كما لو كان بالغا غائبا، وفارق القصاص في النفس لان القصاص ليس هو له بل هو لوارثه والامام المتولي له (فصل) إذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فهي على بيت المال لان ميراثه له ونفقته عليه وان جنى جناية لا تحملها العاقلة فحكمه فيها حكم غير اللقيط ان كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه وان كانت موجبة للمال وله مال استوفي منه والا كان في ذمته حتى يوسر وان قذف اللقيط بعد بلوغه محصنا حد ثمانين لانه حر * (مسألة) * وان ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط) إذا قذف اللقيط قاذف وهو محصن فعليه الحد فان ادعى القاذف رقه فصدقه اللقيط سقط الحد لاقرار المستحق بسقوطه وان ادعى أنه عبد فصدقه وجب على القاذف التعزير لقذفه من ليس بمحصن وان كذبه اللقيط فالقول قوله لانه محكوم بحريته فقوله موافق للظاهر ولذلك أوجبنا عليه حد الحر إذا كان قاذفا، وان ادعى الجاني رقه وكذبه اللقيط وادعى الحرية أوجبنا له القصاص وان كان الجاني
حرا لما ذكرنا، قال شيخنا ويحتمل أن يكون القول قول القاذف لانه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن أمة فيكون ذلك شبهة والحد يندرئ بالشبهات، وفارق القصاص له إذا ادعى الجاني عليه أنه عبد لان القصاص ليس بحد وانما وجب حقا لآدمي ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله بخلاف حد القذف وإن قلنا ان القذف حق لآدمي فهو كالقصاص ويخرج من هذا أن اللقيط إذا كان قاذفا فادعى أنه عبد ليجب عليه حد العبد قبل منه لذلك والاول أصح لان من كان محكوما بحريته لا يسقط الحد عن قاذفه باحتمال رقه بدليل مجهول النسب ولو سقط لهذا الاحتمال لسقط وان لم يدع القاذف رقه
لانه موجود وان لم يدعه.
* (مسألة) * (وإذا ادعى انسان أنه مملوكه لم يقبل الا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ويحتمل أن لا يعتبر قولها في ملكه) وجملة ذلك أنه إذا ادعى رق اللقيط مدع سمعت دعواه لانها ممكنة وان كانت مخالفة لظاهر الدار فان لم يكن له بينة فلا شئ له لانها دعوى تخالف الظاهر، وتفارق دعوى النسب من وجهين (أحدهما) أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر ودعوى الرق تخالفه (والثانى) أن دعوى النسب يثبت بها حقا للقيط ودعوى الرق يثبت بها حقا عليه فلم تقبل بمجردها كما لو ادعى رق غير اللقيط فان لم يكن له بينة سقطت الدعوى وان كانت له بينة فشسهدت بالملك أو باليد لم يقبل فيه الا شهادة رجلين أو رجل
وامرأتين وان شهدت بالولادة قبل فيه رجل واحد وامرأة واحدة لانه مما لا يطلع عليه الرجال ومتى شهدت البينة باليد فان كانت للملتقط لم يثبت بها ملك لاننا عرفنا سبب يده وان كانت لاجنبي حكم له باليد والقول قوله مع يمينه في الملك، وان شهدت بالملك فقالت نشهد أنه عبده أو مملوكه حكم بها وإن لم تذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار أو ثوب فان شهدت بأن أمته ولدته في ملكه حكم له به لان أمته لا تلد في ملكه الا ملكه وان شهد أنه ابن أمته أو أن أمته ولدته ولم يقل في ملكه احتمل ان يثبت له الملك بذلك كقولها في ملكه لان أمته ملكه فنماؤها ملكه كسمنها واحتمل أن لا يثبت به الملك لانه يجوز ان تلده قبل ملكه اياها فلا يكون له وهو ابن أمته (فصل) فان كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته فان انكر ولا بينة للمدعي لم تقبل دعواه وان كانت له بينة حكم بها فان كان اللقيط قد تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته لان تصرفه كان بغير اذن مالكه.
* (مسألة) * (وان أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل وعنه يقبل وقال القاضي يقبل فيما عليه رواية واحدة وهل يقبل في غيره؟ على روايتين) إذا ادعى انسان رق اللقيط بعد بلوغه فصدقه وكان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك لم يقبل
اقراره بالرق لانه اعترف بالحرية وهي حق لله تعالى فلا يقبل رجوعه في إبطالها، وان لم يكن اعترف
بالحرية احتمل وجهين (أحدهما) يقبل وهو قول أصحاب الرأي لانه مجهول الحال أقر بالرق فقبل كما لو قدم رجلان من دار الحرب فأقر أحدهما للآخر بالرق وكاقراره بالحد والقصاص في نفسه فانه يقبل وان تضمن فوات نفسه ويحتمل أن لا يقبل قال شيخنا وهو الصحيح لانه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها فلم يصح كما لو أقر بالحرية قبل ذلك ولان الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه ولا حريتها ولم يتجدد له حال يعرف به رق نفسه لانه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له رق بعد التقاطه فكان إقراره باطلا وهذا قول ابن القاسم وابن المنذر وللشافعي وجهان كما ذكرنا فان قلنا يقبل اقراره صارت أحكامه أحكام العبيد فيما عليه خاصة وهذا الذي قاله القاضي، وبه قال أبو حنيفة والمزني وهو أحد قولي الشافعي لانه أقر بما يوجب حقا عليه وحقا له فوجب ان يثبت ما عليه دون ما له كما لو قال لفلان علي الف ولي عنده رهن وفيه وجه آخر أنه يقبل اقراره في الجميع وهو القول الثاني للشافعي لانه يثبت ما عليه فيثبت ماله كالبينة ولان هذه الاحكام تبع للرق فإذا ثبت الاصل بقوله ثبت التبع كما لو شهدت امرأة بالولادة ثبتت وثبت النسب تبعا لها (فصل) فاما ان أقر بالرق ابتداء الانسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وان كذبه بطل اقراره فان أقر به بعد ذلك لرجل آخر جاز، وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع اقراره الثاني لان اقراره الاول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل اقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل اقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق
ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع اقراره ثانيا كما لو أقر له بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الاول وفارق الاقرار بالحرية فان الاقرار بها لم يبطل ولم يرد (فصل) فإذا قبلنا إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر وكان قبل الدخول فسد النكاح في حقه لانه عبد تزوج بغير اذن مواليه ولها عليه نصف المهر لانه حق عليه فلم يسقط بقوله وان كان بعد الدخول فسد نكاحه
وليه المهر كله لما ذكرنا لان الزوج يملك الطلاق فإذا أقر به قبل وولده حر تابع لامه وان كان متزوجا بأمه فولده لسيدها ويتعلق المهر برقبته لان ذلك من جناياته يفديه سيده أو يسلمه وان كان في يده كسب استوفي المهر منه لانه لم يثبت اقراره به لسيده بالنسبة إلى امرأته ولا ينقطع حقها منه باقراره، وإن قلنا يقبل قوله في جميع الاحكام فالنكاح فاسد لكونه تزوج بغير اذن سيده ويفرق بينهما ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها، وإن كان دخل بها فلها عليه المهر المسمى في احدى الروايتين والاخرى خمساه (فصل) وإن كان اللقيط أنثى وقلنا يقبل فيما عليه خاصة فالنكاح صحيح في حقه فان كان قبل الدخول فلا مهر لها لاقرارها بفساد نكاحها أو أنها أمة تزوجت بغير اذن سيدها والنكاح الفاسد لا يجب المهر فيه إلا بالدخول وإن كان دخل بها لم يسقط مهرها ولسيدها الاقل من المسمى أو مهر المثل لان المسمى إن كان أقل فالزوج ينكر وجوب الزيادة عليه وقولها غير مقبول في حقه وان كان الاقل مهر المثل فهي وسيدها يقران بفساد النكاح وان الواجب مهر المثل فلا يجب أكثر منه إلا
على الرواية التي يجب فيها المسمى في النكاح الفاسد فيجب ههنا قل أو كثر لاقرار الزوج بوجوبه، وأما الاولاد فأحرار لا تحب قيمتهم لانها لو وجبت لوجبت بقولها ولا يجب بقولها حق على غيرها ولا يثبت الرق في حق أولادها بقولها فاما إبقاء النكاح فيقال للزوج قد ثبت أنها أمة ولدها رقيق لسيدها فان اخترت المقام على ذلك فأقم وان شئت ففارقها وسواء كان ممن يجوز له نكاح الاماء أو لم يكن لاننا لو اعتبرنا ذلك وأفسدنا نكاحه لكان افسادا للعقد جميعه بقولها لان شروط نكاح الامة لا تعتبر في استدامة العقد انما تعتبر في ابتدائه فان قيل فقد قبلتم قولها في أنها أمة في المستقبل وفيه ضرر على الزوج قلنا لم يقبل قولها في ايجاب حق لم يدخل في العقد عليه فاما الحكم في المستقبل فيمكن ابقاء حقه وحق من ثبت له الرق عليها بان يطلقها فلا يلزمه ما لم يدخل عليه أو يقيم على نكاحها فلا يسقط حق سيدها فان طلقها اعتدت عدة الحرة لان عدة الطلاق حق للزوج بدليل انها لا تجب إلا بالدخول وسببها النكاح السابق فلا يقبل قولها في تنقيصها وإن مات اعتدت عدة الامة لان المغلب فيها حق الله تعالى بدليل وجوبها قبل الدخول فقبل قولها فيها وان قلنا بقبول قولها في جميع
الاحكام فهي أمة تزوجت بغير اذن سيدها فنكاحها فاسد ويفرق بينهما ولا مهر لها ان كان قبل الدخول وان كان دخل بها وجب لها مهر أمة تزوجت بغير اذن سيدها على ما ذكر في موضعه، وهل يجب مهر المثل أو المسمى؟ فيه روايتان، وتعتد حيضتين لانه وطئ في نكاح فاسد وأولاده أحرار
لاعتقاده حريتها فهو مغرور عليه قيمتهم يوم الوضع وان مات فليس عليها عدة الوفاة.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: