الفقه الحنبلي - الوصية

لان الحق لهم وان ردوها بطلت بغير خلاف لان الحق لهم فجاز باجازتهم وبطل بردهم واجازتهم تنفيد في الصحيح من المذاهب لان ظاهر المذهب أن الوصية للوارث وللاجنبي بالزيادة على الثلث صحيحة موقوفة على اجازة الورثة فعلى هذا تكون اجازته تنفيذا واجازة محضة يكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو نفذت فإذا قال ذلك لزمت الوصية ولا خلاف في تسميتها اجازة فعلى هذا لا تفتقر إلى شروط الهبة ولا تثبت فيها احكام الهبة لانها ليست هبة وقال بعض اصحابنا الوصية باطلة فعلى هذا تكون هبة تفتقر إلى شروط الهبة وتثبت فيها أحكامها فلو كان المجيز أبا للمجاز له لم يكن له الرجوع
فيه إذا قلنا إنها إجازة مجردة وان قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع ولو أعتق عبدا لا مال له سواه في مرضه أو وصى بعتقه فأعتقوه بوصيته نفذ العتق في ثلثه ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة فان أجازوه عتق جميعه واختص عصبات الميت بولائه كله على قولنا بصحة اعتاقه ووصيته وكذلك لو تبرع بثلث ماله في مرضه ثم أعتق أو وصى بالاعتاق فالحكم فيه على ما ذكرنا وان قلنا الوصية باطلة والاجازة عطية مبتدأة اختص عصبات الميت بثلث ولائه وكان ثلثاه لجميع الورثة بينهم على قدر ميراثهم لانهم باشروه بالاعتاق ولو تزوج رجل ابنة عمه فاوصت له بوصية أو أعطته في مرض موتها ثم ماتت وخلفته وأباه فأجاز أبوه وصيته وعطيته ثم أراد الرجوع فليس له ذلك ان قلنا هي تنفيذ وله الرجوع ان قلنا هي هبة مبتدأة ولو وقف في مرضه على ورثته فأجازوا الوقف صح ان قلنا اجازتهم تنفيذ وان قلنا هي عطية مبتدأة انبنى على صحة وقف الانسان على نفسه على ما ذكر من الخلاف فيه (فصل) ولا فرق في الوصية بين المرض والصحة وقد روى حنبل عن أحمد أنه قال ان وصى في المرض فهو من الثلث وان كان صحيحا فله أن يوصي بما شاء قال القاضي يريد بذلك العطية أما الوصية فهي عطية بعد الموت فلا يجوز منها الا الثلث على كل حال
* (مسألة) * (ومن أوصى له وهو في الظاهر وارث فصار عند الموت غير وارث صحت الوصية، وان أوصى له وهو غير وارث فصار عند الموت وارثا بطلت لان اعتبار الوصية بالموت)
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أن اعتبار الوصية بالموت، فلو وصى لثلاثة اخوة له مفترقين ولا ولد له ومات ولم يولد لم تصح الوصية لغير الاخ من الاب الا باجازة الورثة، وان ولد له ابن صحت الوصية للجميع من غير اجازة إذا لم تتجاوز الثلث، وان ولد له بنت جازت الوصية لغير الاخ من الابوين فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما، ولا يجوز للاخ من الابوين لانه وارث، وبهذا يقول الشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي، ولا نعلم عن غيرهم خلاف ذلك ولو وصى لهم وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لاخيه من أبويه ولا لاخيه من أمه وجازت لاخيه من أبيه، وان مات الاخ من الابوين قبل موته لم تجز الوصية للاخ من الاب أيضا لانه صار وارثا (فصل) ولو وصى لامرأة أجنبية وأوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتها الا باجازة الورثة وان أوصى أحدهما للآخر ثم طلقها جازت الوصية لانه صار غير وارث الا أنه ان طلقها في مرض موته
فقياس المذهب أنها لا تعطى أكثر من ميراثها لانه يتهم أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك كما لو طلقها في مرض موته وأوصى لها بأكثر من ميراثها * (مسألة) * (ولا تصح اجازتهم وردهم الا بعد موت الموصي وما قبل ذلك لا عبرة به) فلو أجازوا قبل ذلك ثم ردوا أو اذنوا لموروثهم بالوصية في حياته بجميع المال أو بالوصية لبعض الورثة ثم بدا لهم فردوا بعد وفاته فلهم الرد سواء كانت الاجازة في صحة الموصي أو مرضه نص عليه احمد في رواية ابي طالب وروي ذلك عن ابن مسعود وهو قول شريح وطاوس والحكم والثوري والحسن ابن صالح والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأبي حنيفة واصحابه وقال الحسن وعطاء وحماد بن ابي سليمان وعبد الملك بن يعلى والزهري وربيعة والاوزاعي وابن ابي ليلى ذلك جائز عليهم لان الحق للورثة فإذا رضوا بتركه سقط حقهم كما لو رضي المشتري بالعيب وقال مالك ان اذنوا له في صحته فلهم ان يرجعوا وان كان ذلك في مرضه وحين يحجب عن ماله فكذلك جائز عليهم ولنا انهم اسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم كالمراة إذا اصدقت صداقها قبل النكاح أو أسقط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع ولانها حالة لا يصح فيها ردهم للوصية فلم تصح فيها اجازتهم
كما قبل الوصية.
* (مسألة) * (ومن اجاز الوصية ثم قال انما اجزت لاني ظننت المال قليلا فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ما ظنه في اظهر الوجهين الا ان تقوم به بينة) وجملة ذلك انه إذا وصى بزيادة على الثلث فأجاز الوارث الوصية ثم قال إنما اجزتها ظنا ان المال قليل فبان كثيرا فان كانت للموصى له بينة تشهد باعترافه بقدر المال أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليه لم يقبل قوله إذا قلنا الاجازة تنفيذ فان قلنا هي هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وان لم تشهد بينة باعترافه ولم يكن المال ظاهرا فالقول قوله مع يمينه لان الاجازة تنزلت منزلة الابراء فلا تصح في المجهول فالقول قوله في الجهل به مع يمينه لان الاصل عدم العلم فإذا وصى بنصف ماله فأجازه الوارث وكان المال ستة آلاف فقال ظننته ثلاثة آلاف فله الرجوع بخمسائة لانه رضي باجازة الوصية على أن الزائد على الثلث خمسمائة فكانت الفا فيرجع بخمسائة فيحصل للموصى له الفان وخمسمائة
وفيه وجه آخر أنه لا يقبل قوله لانه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو اجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار أو أقر بدين ثم قال غلطت * (مسألة) * (وان كان المجاز عينا أو فرسا يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها ثم قال ظننت باقي المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم اعلمه تبطلل الوصية) لان العبد معلوم لا جهالة فيه، وفيه وجه آخر انه يملك الفسخ لانه قد يسمح بذلك ظنا منه ان يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الاجازة فملك الرجوع كالمسألة التي قبلها (فصل) ولا تصح الاجازة إلا من جائز التصرف ولا تصح من الصبي والمجنون والمحجور عليه للسفه لانها تبرع بالمال فلم تصح منهم كالهبة، فأما المحجور عليه لفلس فتصح منه ان قلنا هي تنفيذ وإن قلنا هي هبة لم تصح منه لانه ليس له هبة ماله * (مسألة) * (ولا يثبت الملك للموصى له إلا بالقبول بعد الموت فأما رده وقبوله قبل ذلك فلا عبرة به)
يشترط لثبوت الملك للموصى له شرطان (احدهما) القبول إذا كانت لمعين يمكن القبول منه في قول جمهور الفقهاء لانها تمليك مال لمن هو من اهل الملك متعين فاعتبر قبوله كالهبة والبيع قال احمد الهبة
والوصية واحد فان كانت لغير معنى كالفقراء والمساكين أو لمن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول ولزمت بمجرد الموت لان اعتبار القول من جميعهم متعذر فسقط اعتباره كالوقف عليهم ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله ولذلك لو كان منهم ذو رحم من الموصى به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه ولان الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة وإنما يثبت لك واحد منهم بالقبض فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك فعيتبر قبوله لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يحصل بما قام مقامه من الاخذ والفعل الدال على الرضى كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخى (الثاني) أن يقبل بعد موت الموصي لانه قبل ذلك لم يثبت له حق ولذلك لم يصح رده * (مسألة) * (وان مات الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية) هذا قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال الحسن تكون لولد الموصى له وقال عطاء إذا علم المريض بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئا فهو لوارث الموصى له لانه مات بعد عقد الوصية فيقوم الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول
ولنا أنها عطية صادقت المعطى ميتا فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لان الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا وان سلمنا صحتها فان العطية صادفت حيا بخلاف مسئلتنا.
* (مسألة) * (وان ردها بعد موته بطلت أيضا) لا يخلو رد الوصية من أربعة أحوال (احدها) أن يردها قبل موت الموصي فلا يصح الرد لان الوصية لم تقع بعد أشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولانه ليس بمحل للقبول فلا
يكون محلا للرد كما قبل الوصية (الثاني) أن يردها بعد الموت وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لانه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع (الثالث) أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لان ملكه قد استقر عليه فاشبه رده لسائر ملكه الا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة (الرابع) أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر فان كان الموصى به مكيلا أو موزونا صح الرد لانه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه فأشبه رده قبل القبول وان كان غير ذلك لم يصح لان ملكه قد استقر عليه فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه، ولاصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان
(أحدهما) يصح الرد في الجميع فلا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهو المنصوص عن الشافعي لانهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولان ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض فصح رده كما قبل القبول (والثاني) لا يصح الرد لان الملك يحصل بالقول من غير قبض (فصل) وكل موضع صح الرد فيه فان الوصية تبطل بالرد ويرجع الموصى به إلى التركة فيكون الجميع للوارث لان الاصل ثبوت الحق لهم وإنما خرج بالوصية فإذا بطلت رجع إلى ما كأن عليه كان الوصية لم توجد ولو عين بالرد واحدا فقصد تخصيصه بالمردود لم يكن له ذلك وكان لجميعهم لان رده امتناع من تملكه فبقي على ما كان عليه ولانه لا يملك دفعه إلى أجنبي فلم يملك دفعه إلى وار ث يخصه به.
وكل موضع امتنع الرد لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به بعض الورثة لانه ابتداء هبة ولانه يملك دفعه إلى أجنبي فملك دفعه إلى الوراث فلو قال رددت هذه الوصية لفلان قيل له ما أرددت بقولك لفلان؟ فان قال أردت تمليكه إياها وتخصيصه بها فقبلها اختص بها وان قال أردت ردها إلى جميعهم ليرضى فلان عادت إلى الجميع إنما قبلوها فان قبلها بعضهم دون بعض فمن قبل حصته منها (فصل) ويحصل الرد بقوله رددت الوصية وقوله ما أقبلها وما أدى هذا المعنى قال أحمد إذا
وصى لرجل بألف فقال لا أقبلها فهي لورثة الموصى له
* (مسألة) * (وان مات بعده وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه ذكره الخرقي وقال القاضي يبطل على قياس قوله) إذا مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه في القبول والرد كذلك ذكره الخرقي لانه حق يثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه الصلاة والسلام " من ترك حقا فلورثته " وكخيار الرد بالعيب وقال أبو عبد الله بن حامد تبطل الوصية لانه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبل القبول بطل العقد كالهبة قال القاضي هو قياس المذهب لانه خيار لا يعتاض عنه فبطل كخيار المجلس والشرط وخيار الاخذ بالشفعة، وقال أصحاب الرأي تلزم الوصية في حق الوارث وتدخل في ملكه حكما بغير قبول لان الوصية قد لزمت من جهة الموصي وانما الخيار للموصى له فإذا مات بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له فمات بعد انقضائه ولنا على ان الوصية لا تبطل بموت الوصي أنها عقد لازم من أحد الطرفين فلم يبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لاحدهما ولانه عقد لا يبطل بموت الموجب له فلا يبطل
يموت الآخر كالذي ذكرنا، ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين الذين ذكرناهما وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لان ثم يبطل الخيار ويلزم العقد فنظيره في مسئلتنا قول أصحاب الرأي ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول التملك فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فان الوراث يقوم مقام الموصي له في الرد والقبول لان كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت قام الوارث فيه مقامه فان رد الوارث الوصية بطلت وان قبلها صحت وان كان الوراث جماعة اعتبر القبول والرد من جميعهم فان رد بعضهم وقبل بعض ثبت الملك لمن قبل في حصته وبطلت الوصية في حق من رد فان كان منهم من ليس له التصرف قام وليه مقامه في ذلك وليس له أن يفعل إلا ما للمولي عليه فيه الحظ فان فعل غيره لم يصح، فإذا كان الحظ في قبولها لم يصح الرد وكان له قبولها بعد ذلك وان كان الحظ في ردها لم يصح قبوله لها لان الولي لا يملك التصرف في حق المولي عليه بغير ماله
الحظ فيه فلو وصى لصبي بذي رحم يعتق بمكله له وكان على الصبي ضرر في ذلك بان تلزمه نفقة الموصي به لكونه فقيرا لا كسب له والمولي عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وان لم يكن عليه ضرر لكون
الموصى به ذا كسب أو لكون المولي عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين القبول لان في ذلك نفعا للمولي عليه لعتق قرابته من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم * (مسألة) * (وان قبلها بعد الموت ثبت الملك حين القبول في الصحيح من المذهب) وهو قول مالك وأهل العراق وروي عن الشافعي وفيه وجه آخر ذكره أبو الخطاب أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لان ما وجب انتقاله بالقبول وجب انتقاله من جهة الموجب عند الايجاب كالهبة والبيع ولانه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث لان الله تعالى قال (من بعد وصية يوصي بها أو دين) والارث بعد الوصية ولا يبقى للميت لانه صار جمادا لا يملك شيئا وللشافعي قول ثالث غير مشهور ان الوصية تملك بالموت ويحكم بذلك قبل القبول لما ذكرنا ولنا أنه تمليك عين لمعين يفتقر إلى القبول فلم يسبق الملك القبول كسائر العقود ولان القبول من تمام السبب والحكم لا يتقدم سببه ولان القبول لا يخلو من أن يكون شرطا أو جزءا من السبب والحكم لا يتقدم سببه ولا شرطه ولان الملك في الماضي لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل، فان قيل فلو قال لامرأته انت طالق قبل موتي بشهر ثم مات تبينا وقوع الطلاق قبل موته بشهر، قلنا ليس هذا شرطا في وقوع الطلاق وانما نتبين الوقت الذي يقع فيه الطلاق ولو قال إذا مت فأنت طالق قبله
بشهر لم يصح، وأما انتقاله من جهة الموجب في سائر العقود فانه لا ينتقل الا بعد القبول فهو كمسئلتنا غير ان ما بين الايجاب والقبول ثم يسير لا يظهر له أثر بخلاف مسئلتنا، قولهم ان الملك لا يثبت للوارث ممنوع فان الملك ينتقل إلى الوراث بحكم الاصل الا أن يمنع منه مانع فأما قول الله تعالى (من بعد وصية يوصي بها أو دين) قلنا المراد به الوصية المقبولة بدليل أنه لو لم يقبل لكان ملكا للوارث وقبل قبولها فليست مقبولة ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فلكم الربع من بعد وصية يوصى بها) أي لكم ذلك مستقر
ولا يمنع هذا ثبوت الملك غير مستقر ولهذا لا يمنع الدين ثبوت الملك في التركة وهو آكد من الوصية وان سلمنا أن الملك لا يبقى للوارث فانه يبقى ملكا للميت كما إذا كان عليه دين، وقولهم لا يبقى له ملك ممنوع فانه يبقى ملكه فيما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه وقضاء ديونه ويجوز أن يتجدد له ملك في ديته إذا قتل وفيما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته بحيث تقضى ديونه وننفذ وصاياه ويجهز ان كان قبل تجهيزه فهذا يبقى على ملكه لتعذر انتقاله إلى الوارث من أجل الوصية وامتناع انتقاله إلى الوصي قبل تمام السبب فان رد الموصي له أو قبل انتقل حينئذ فان قلنا بالاول وانه ينتقل إلى الوارث فانه يثبت له الملك على وجه لا يفيد اباحة التصرف كثبوته في العين المرهونة
فلو باع الموصى به أو رهنه أو أعتقه أو تصرف بغير ذلك لم ينفذ شئ من تصرفاته ولو كان الوارث ابنا للموصي به مثل أن تملك امرأة زوجها الذي لها منه ابن فتوصي به لاجنبي فإذا ماتت انتقل الملك فيه إلى ابنه حين القبول ولا يعتق عليه * (مسألة) * (فما حصل من كسب أو نماء منفصل في الموصى به بعد موت الموصي وقبل القبول كالولد والثمرة والكسب فهو للورثة على الوجه الاول) لانه ملكهم فان كان متصلا تبعها لانه يتبع في العقود والفسوخ * (مسألة) * (وان كانت الوصية بأمة فوطئها الوراث قبل القبول فأولدها صارت أم ولد له وولدها حر لانه وطئها في ملكه) وعليه قيمتها للوصي إذا قبلها لانه فوتها عليه ولا مهر عليه ولا تلزمه قيمة الولد لذلك، فان قيل فكيف قضيتم بعتقها ههنا وهي لا تعتق باعتاقه؟ قلنا الاستيلاد أقوى ولذلك يصح من المجنون والراهن والاب والشريك المعسر وان لم ينفذ اعتاقهم، وعلى الوجه الآخر يكون ولده رقيقا والامة باقية على الرق فان وطئها الموصى له قبل ذلك كان قبولا لها ويثبت الملك له به لانه لا يجوز الا في الملك
فاقدامه عليه دليل على اختياره الملك فأشبه ما لو وطئ من له الرجعة زوجته الرجعية أو وطئ من له
الخيار في البيع الامة المبيعة أو وطئ من له خيار فسخ النكاح امرأته * (مسألة) * (وان وصى له بزوجته فأولدها بعد موت الموصي وقبل القبول فولده رقيق للوارث) وعلى الوجه الاخر يكون حر الاصل ولا ولاء عليه وأمه أم ولد لانها علقت منه بحر في ملكه * (مسألة) * (وان وصى له بأبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه عتق الموصى به ولم يرث شيئا) وجملة ذلك أنه إذا وصى له بأبيه فمات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول فلوارثه قبولها على قول الخرقي وهو الصحيح ان شاء الله تعالى فان قبلها ابنه صح وعتق عليه الجد ولم يرث من ابنه شيئا لان حريته إنما حدثت حين القبول بعد ان صار الميراث لغيره وعلى الوجه الآخر نثبت حريته من حين موت الموصي ويرث من ابنه السدس وقال بعض أصحاب الشافعي لا يرث ايضا لانه لو ورث لاعتبر قبوله ولا يجوز اعتبار قبوله قبل الحكم بحريته وإذا لم يجز اعتباره لم يعتق فيؤدي توريثه إلى ابطال توريثه وهذا فاسد فانه لو أقر جميع الورثة بمشارك لهم في الميراث ثبت نسبه وورث مع أنه يخرج المقرون به عن كونهم جميع الورثة ومن
فروع ذلك أنه لو مات الموصى له فقبل وارثه لثبت الملك للوارث القابل ابتداء من جهة الموصي لا من جهة موروثه ولم يثبت للموصى له شئ فحينئذ لا تقضى ديونه ولا ننفذ وصاياه ولا يعتق من يعتق عليه فان كان منهم من يعتق على الوراث عتق عليه وكان ولاؤه له دون الموصى له وعلى الوجه الاخر نتبين أن الملك كان ثابتا للموصى له وان انتقل منه إلى وارثه فتنعكس هذه الاحكام فتقضى ديونه وننفذ وصاياه ويعتق من يعتق عليه وله ولاؤه يختص به الذكور من ورثته ويحتمل أن يثبت الملك من حين الموت فتنعكس هذه الاحكام وقد ذكرناه (فصل) وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول ان مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة أن يقول ان مت في مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا فثلثي للمساكين فان برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية المقيدة دون المطلقة قال أحمد فيمن وصى وصية ان مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك
فليس له وصية وبهذا قال الحسن والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك ان قال قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك وان كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب فالوصية بحالها ما لم ينقضها.
ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها فبطلت كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله ولانه قيد وصيته بقيد فلا تتعداه كما ذكرناه وان قال لاحد عبديه أنت حر بعد موتي وقال للآخر أنت حر ان مت من مرضي هذا فمات من مرضه فالعبدان سواء في التدبير وان برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله، ولو وصى لرجل بثلثه وقال ان مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه وكذلك سائر الشروط فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون على شروطهم " (فصل) قال رضي الله عنه (ويجوز الرجوع في الوصية) اتفق أهل العلم على أن للموصي أن يرجع في كل ما وصى به وفي بعضه الا الوصية بالاعتاق فقد اختلف فيها فالاكثرن على جواز الرجوع فيها ايضا روي ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه قال يغير الرجل ما شاء من وصيته وبه قال عطاء وجابر بن زيد والزهري وقنادة ومالك والشافعي وأحمد واسحاق وأبو ثور وقال الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي يغير ما شاء منها الا العتق لانه اعتاق بعد الموت فلم يملك تغييره كالتدبير
ولنا أنها وصية فملك الرجوع عنها ولانها عطية تنجز بالموت فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه، وأما التدبير فلنا فيه منع وان سلم فان الوصية تفارق التدبير فانه تعليق على شرط فلم يملك تغييره كتعليته على صفة في الحياة * (مسألة) * (فإذا قال قدر رجعت في وصيتى أو أبطلتها أو نحو ذلك كقوله غيرتها بطلت) لانه صريح في الرجوع وان قال في الموصى به هو لورثتي أو في ميراثي فهو رجوع لان ذلك ينافي كونه وصية
* (مسألة) * (وان قال ما أوصيت به لفلان فهو لفلان كان رجوعا) وبه قال الشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا لانه صرح بالرجوع عن الاول بذكره أن ما أوصى به مردود إلى الثاني أشبه ما لو قال رجعت عن وصيتي لفلان وأوصيت بها لفلان * (مسألة) * (وان وصى به لاخر ولم يقل ذلك فهو بينهما) إذا وصى لانسان بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى لرجل بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى بجميع ماله لرجل ثم وصى به لآخر فهو بينهما وليس ذلك رجوعا
في الوصية الاولى وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي وقال جابر بن زيد والحسن وعطاء وطاوس وداود وصيته للاخير منهما لانه وصى للثاني بما وصى به للاول فكان رجوعا كما لو قال ما وصيت به لفلان فهو لفلان ولان الثانية تنافي الاولى فإذا أتى بها كان رجوعا كما لو قال هذا لورثتي ولنا انه وصى بها لهما فاستويا فيها كما لو قال وصيت لكما بهذه العين وما قاسوا عليه صرح فيه بالرجوع عن وصيته للاول وفي مسئلتنا يحتمل انه قصد التشريك فلم تبطل وصية الآخر بالشك (فصل) إذا وصى بعبد لرجل ثم وصى لآخر بثلثه فهو بينهما أرباعا وعلى قول الآخرين ينبغي ان يكون للثاني ثلثه كاملا وان وصى بعبده لاثنين فرد احدهما وصيته فللآخر نصفه وان وصى لاثنين بثلثي ماله فرد الورثة ذلك ورد احد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملا لانه وصى له به منفردا وزالت المزاحمة فكمل له كما لو انفرد به (فصل) إذا أقر الوارث أن اباه وصى بالثلث لرجل وأقام آخر شاهدين أنه أوصى له بالثلث، فرد الوارث الوصيين وكان الوارث رجلا عدلا وشهد بالوصية حلف معه الموصى له واشتركا في
الثلث، وبهذا قال أبو ثور، وهو قياس قول الشافعي، وقال أصحاب الرأي لا يشاركه المقر له بناء منهم على أن الشاهد واليمين ليس بحجة شرعية، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين رواه مسلم، وان كان المقر ليس بعدل أو كان امرأة فالثلث لمن شهدت له البينة، لان
وصيته ثابتة ولم تثبت وصية الآخر وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوراث أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد، أو أقر لآخر به بكلام متصل فالمقر به بينهما، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفا وإن أقر به لواحد ثم أقر به لآخر في مجلس آخر لم يقبل إقراره لانه ثبت للاول باقراره فلا يقبل قوله فيما ينقص به حق الاول إلا أن يكون عدلا فيشهد بذلك ويحلف معه المقر له فيشاركه كما لو ثبت للاول ببينة، وان أقر للثاني في المجلس بكلام منفصل ففيه وجهان (أحدهما) لا يقبل لان حق الاول ثبت في الجميع فأشبه ما لو أقر له في مجلس آخر (والثاني) يقبل لان المجلس الواحد كالحال الواحدة.
* (مسألة) * (وإن باعه أو وهبه أو رهنه كان رجوعا) إذا وهب الموصى به أو تصدق به أو أكله أو أطعمه أو أتلفه أو كان ثوبا ففصله ولبسه
أو جارية فأحبلها أو ما أشبه ذلك فهو رجوع.
قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنه إذا أوصى لرجل بطعام فأكله أو بشئ فأتلفه أو وهبه أو تصدق به أو بجارية فأحبلها أو أولدها فانه يكون رجوعا، وكذلك ان باعها، وحكي عن أصحاب الرأي أن بيعه ليس برجوع لانه أخذ بدله بخلاف الهبة.
ولنا أنه أزال ملكه عنه، فكان رجوعا كما لو وهبه وان عرضه على البيع أو وصى ببيعه أو أوجب الهبة فلم يقبلها الموهوب له كان رجوعا لانه يدل على اختياره للرجوع ووصيته ببيعه أو اعتاقه رجوع لكونه وصي بما ينافي الوصية الاولى وان رهنه كان رجوعا لانه علق به حقا يجوز بيعه، فكان أعظم من عرضه على البيع، وفيه وجه آخر أنه ليس برجوع، وهو وجه لاصحاب الشافعي لانه لا يزيل الملك أشبه اجارته * (مسألة) * (وان كاتبه أو دبره أو جحد الوصيه فعلى وجهين) (أحدهما) يكون رجوعا لان الكتابة بيع والتدبير اقوى من الوصية لانه ينتجز بالموت فسبق أخذ الموصى له وجحد الوصية رجوع لانه لا يدل على الرجوع ولان جحده يدل على أنه لا يريد
ايصاله إلى الموصى له.
و (الثاني) لا يكون رجوعا لآل الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ولان الوصية عقد فلا تبطل بالجحود كسائر العقود وهو رواية عن أبي حنيفة.
* (مسألة) * (وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه كان رجوعا) لانه يتعذر تسليمه فيدل على رجوعه، وان خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا، لانه لا يمنع التسليم وان أزال اسمه فطحن الحنطة أو عجن الدقيق أو خبز الحنطة أو جعل الخبز فتيتا فهو رجوع لانه أزال اسمه وذكره القاضي لانه أزال اسمه وعرضه للاستعمال، وذلك دليل على رجوعه وبهذا قال الشافعي، وعلى قياس ذلك إذا نجر الخشبة بابا ونحوه لانه أزال اسمه فهو في معناه، وان كان قطنا أو كتانا فغزله، أو غزلا فنسجه، أو ثوبا فقطعه، أو بقرة فضربها، أو شاة فذبحها كان رجوعا، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي في ظاهر مذهبه، واختار أبو الخطاب أنه ليس برجوع وهو قول أبو ثور لانه لا يزيل اسمه ولنا أنه عرضه للاستعمال فكان رجوعا لان فعله يدل على الرجوع، وقولهم انه لا يزيل اسمه لا يصح فان الثوب لا يسمى غزلا، والغزل لا يسمى كتانا.
(فصل) وان حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من فعل الموصي مثل ان سقط الحب في الارض
فصار زرعا أو انهدمت الدار فصارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية بها لان الباقي لا يتناوله الاسم وهو اختيار القاضي وذكر أبو الخطاب في الدار إذا انهدمت وزال اسمها وجها أنه لا يكون رجوعا لان الموصي لم يقصد ذلك والاول أولى وان كان انهدام الدار لا يزيل اسمها سلمت إليه.
* (مسألة) * (وان زاد في الدار عمارة أو انهدام بعضها فهل يستحقه الموصى له؟ على وجهين: (أحدهما): لا يستحقه لان الزيادة لم تتناولها الوصية والانقاض لا تدخل في مسمى الدار وانما يتبع الدار في الوصية وما يتبعها في البيع.
و (الوجه الآخر): يدخلان في الوصية لان الزيادة تابعة للموصى به فأشبه سمن العبد وتعليمه والمنهدم قد دخل في الوصية فتبقى الوصية ببقائه.
* (مسألة) * (وان وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا سواء خلطها بمثلها أو خير منها أو دونها لانه كان مشاعا وبقي مشاعا وقيل ان خلطه بخير منه كان رجوعا لانه لا يمكنه تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه ولا يجب على الوارث تسليم خير منه فصار متعذر التسليم بخلاف ما إذا خلطه بمثله أو دونه.
(فصل) نقل الحسن بن ثواب عن احمد في رجل قال هذا ثلثي لفلان ويعطي فلان منه مائة
في كل شهر إلى ان يموت فهو للاخر منهما ويعطى هذا مائة في كل شهر فان مات وفضل شئ رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وانفاذها على ما امر به الموصى.
* (مسألة) * (وان وصى لرجل بشئ ثم قال ان قدم فلان فهو له، فقدم في حياة الموصي فهو له لانه جعله له بشرط قدومه وقد وجد الشرط، وان قدم بعد موت الموصي فهو للاول في احد الوجهين، لانه لما مات قبل قدومه انتقل إلي الاول لعدم الشرط في الثاني وقدم وقدم الثاني بعد ملك الاول له وانقطاع حق الموصي منه فيبقى للاول، ذكره القاضي، وفي الوجه الثاني هو للقادم لانه مشروط له بقدومه فأشبه ما لو قال ان حملت نخلتي بعد موتي فهو لفلان، فحملت بعد موته فانه يستحق حملها، بعد ملك الورثة لاصلها.
(فصل) إذا اوصى بأمة لزوجها الحر فقبلها انفسخ النكاح، لان النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب ان الموصى له انما ملك الموصى به بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح، وفيه وجه آخر انه إذا قبل تبينا ان الملك كان ثابتا من حين موت الموصي فتبين ان النكاح انفسخ من حين موت الموصي فان اتت بولد لم يخل من ثلاثة احوال.
(احدها) ان تكون حاملا حين الوصية ويعمل ذلك بأن تأتي به لاقل من ستة اشهر منذ اوصى فالصحيح انه يكون موصى به معها لان للحمل حكما ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به منفردا صحت به مع امه فيصير كما لو كان منفصلا فأوصى بهما جميعا وفيه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل
في الوصية وانما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا ان انفصل في حياة الموصي فهو كسائر كسبها، وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة على ظاهر المذهب وان انفصل بعده فهو للموصي.
(الحال الثاني) ان تحمل به بعد الوصية ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة اشهر من حين اوصى لانها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل انها حملته بعدها فلم تتناوله والاصل عدم الحمل حال الوصية فلا نثبته بالشك فيكون مملوكا للموصي ان ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا للحمل حكم فكذلك وان قلنا لا حكم له فهو للورثة ان ولدته قبل القبول ولابيه ان ولدته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فانه يعتق عليه بأنه ابنه وعليه ولاء لابيه لانه عتق عليه بالقرابة وامه امة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير ام ولد لانها لم تعلق منه بحر في ملكه
(الحال الثالث) ان تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول ويعلم ذلك بأن تضعه لاكثر من ستة اشهر من حين الموت فان وضعته قبل القبول فهو للوارث في ظاهر المذهب لان الملك انما يثبت للموصى له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له، وان وضعته بعد القبول فكذلك لان الظاهر ان للحمل حكما فيكون حادثا على ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له فعلى هذا يكون حرا لا ولاء عليه لانها ام ولد لكونها علقت منه بحر في ملكه فهو كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه، وقال أبو حنيفة إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لانها تستقر بالموت وتلزم فوجب ان تسرى إلى الولد كالاستيلاد ولنا انها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية فلا تدخل فيها كالكسب وكما لو وصى بعتق جارية فولدت ويفارق الاستيلاد لان له تغليبا وسراية وهذا التفريع فيما إذا خرجت من الثلث وان لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لان ملك بعضها يفسخ النكاح كملك جميعها وكل موضع يكون الولد لابيه فان يكون له منه ههنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسرا وان كان معسرا فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا تكون أم ولد فانها تصير أم ولد ههنا
سواء كان موسرا أو معسرا على قول الخرقي كما إذا استولد الامة المشتركة وقال القاضي يصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي والله أعلم (فصل) قال رضي الله عنه (وتخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص كقضاء الدين والحج والزكاة) لان حق الورثة بعد أداء الدين لقوله سبحانه (من بعد وصيه يوصي بها أو دين) وقال علي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين قبل الوصية رواه الترمذي والواجب لحق الله سبحانه بمنزلة الدين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " دين الله أحق أن يقضى " فان وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي فيخرج الواجب أولا من رأس المال ثم يخرج ثلث الباقي كمن تكون تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا وتدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة وهي ثلث الباقي بعد الدين * (مسألة) * (وان قال اخرجوا الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال على ما قال الموصي كأنه قصد إرفاق ورثته بذلك فان كان معها وصية بتبرع فقال القاضي يبدأ بالواجب فان فضل عنه من الثلث شئ فهو لصاحب التبرع وإن لم يفضل منه شئ سقط وذلك لان الدين تجب
البداءة به قبل الميراث والتبرع فإذا عينه في الثلث وجب البداية به وما فضل للتبرع فان لم يفضل شئ سقط لانه لم يوص له بشئ إلا أن يجيز الورثة فيعطى ما أوصي له به وقال أبو الخطاب يزاحم به أصحاب الوصايا فيحتمل ما قاله القاضي ويحتمل أن يقسم الثلث بين الواجب والتبرع بالحصة فما بقي من الواجب تمم من الثلثين فيدخله الدور ويحتاج إلى العمل بطريق الخبر فلو كان المال ثلاثين فالواجب عشرة والوصية عشرة فاجعل تتمة الواجب شيئا يبقى ثلاثون إلا شيئا فثلثه عشرة إلا ثلث شئ اقسمها بين الواجب والتبرع يحصل للواجب خمسة إلا سدس شئ فإذا أضفت إليها الشئ الذي هو تتمة الواجب كان عشرة فاجبر الخمسة من الشئ بسدسه يبقى خمسة أسداس شئ تعدل خمسة فتبين ان الشئ ستة وللوصي الآجر وهو صاحب التبرع أربعة
(فصل) فان كان عليه دين خمسة أيضا عزلت تتمة الواجب شئ وتتمة الدين نصف شئ بقي ثلث المال عشرة الا نصف شئ فاقسمه بين الوصايا فيحصل للواجب أربعة الا خمس شئ اضمم إليها تتمته يصير شيئا وأربعة الا خمس شئ تصير عشرة وبعد الجبر تصير أربعة أخماس تعدل ستة فرد على الستة ربعها تكن سبعة ونصفها تعدل شيئا فالشئ سبعة ونصف ونصف الشئ ثلاثة ونصف وربع
وبقية المال ثمانية عشر وثلاثة أرباع ثلثها ستة وربع للدين خمسها أحد وربع إذا ضمت إليه تتمته كمل خمسة وللواجب اثنان ونصف يكمل بتتمته وللصدقة اثنان ونصف، وفي عملها طريق آخر وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة وصاحب التبرع بالقسط ففي المسألة الاولى يحصل للواجب خمسة يبقى له خمسة يأخذ من صاحب التبرع دينارا ومن الورثة أربعة وفي المسألة الثانية حصل للواجب أربعة وبقي له ستة وحصل للدين دينار وبقي له ثلاثة فيأخذان ما بقي لهما وذلك تسعة من الورثة نصفها وثلثها وذلك سبعة ونصف ومن صاحب التبرع سدسها دينار ونصفها للواجب منها ثلثاها وللدين ثلثها فان اوصى بالواجب واطلق فهو من راس المال فيبدا باخراجه قبل التبرعات والميراث فان كانت وصية ثم بتبرع فلصاحبها ثلث الباقي وهذا قول اكثر اصحاب الشافعي وذهب بعضهم إلى ان الواجب من الثلث كالقسم الذي قبله لانه إنما يملك الوصية بالثلث.
ولنا ان الواجب من راس المال وليس في وصيته ما يقتضي تغييره فيبقى على ما كان عليه كما لو لم يوص به وقولهم لا يملك الوصية إلا بالثلث قلنا في التبرع واما في الواجبات فلا ينحصر في الئلث
ولا يتقيد به فان اوصى بالواجب وقرن به الوصية بتبرع مثل ان يقول حجوا عني وأدوا ديني وتصدقوا عني ففيه وجهان (اصحهما) ان الواجب من راس المال لان الاقتران في اللفظ لا يدل على الاقتران في الحكم ولا في كيفيته ولذلك قال الله تعالى (كلوا من ثمره إذا اثمر وآتو حقه يوم حصاده) والاكل لا يجب والايتاء يجب ولانه ههنا قد عطف غير الواجب عليه فكما لم يستويا في الوجوب
لا يلزم استواءهما في محل الاخراج (والثاني) انه من الثلث لانه قرن به ما مخرجه من الثلث والله سبحانه وتعالى اعلم.
(باب الموصى له) تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي وحربي ومرتد، أما صحة الوصية للمسلم والذمي فلا نعلم فيه خلافا وبه قال شريح والشعبي والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي قال محمد بن الحنفية في قوله تعالى (إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) هو وصية المسلم لليهودي والنصراني ولان الهبة تصح له فصحت الوصية كالمسلم وتصح وصية الذمي للمسلم لانه إذا صحت وصية المسلم للذمي
فوصية الذمي للمسلم أولى وحكم وصية الذمي حكم وصية المسلم فيما ذكرنا، وتصح الوصية للحربي وان كان في دار الحرب نص عليه أحمد وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا تصح وهو قول أبي حنيفة لان الله تعالى قال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم) الآية إلى قوله (انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم) الآية فدل على أن من قاتلنا لا يحل بره ولنا انه تصح هبة فصحت الوصية له كالذمي وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى عمر حلة من حرير فقال يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت فقال " اني لم اعطكها لتلبسها " فكساها عمر خاله مشركا بمكة وعن اسماء بنت ابي بكر قالت أتتني أمي وهي راغبة تعني عن الاسلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله اتتنى امي وهي راغبة افاصلها؟ قال " نعم " وهذان فيهما صلة اهل الحرب وبرهم والآية حجة لنا فيمن لم يقاتل فأما المقاتل فانما نهى عن توليه لا عن بره ولا الوصية له وان احتج بالمفهوم فهو لا يراه حجة ثم قد حصل الاجماع على صحة الهبة للحربي والوصية في معناها.
* (مسألة) * (وتصح للمرتد كما تصح الهبة له)
ذكره أبو الخطاب وقال ابن ابي موسى لا تصح لان ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث فهو كالميت ولان ملكه يزول عن ماله بردته في قول ابي بكر وجماعة فلا يثبت له الملك بالوصية * (مسألة) * (وتصح لمكاتبه ومدبره وام ولده) تصح الوصية للمكاتب سواء كان مكاتبه أو مكاتب وارثه أو مكاتب اجنبي سواء وصي له يجزء شائع أو معين لان ورثته لا يستحقون المكاتب ولا يملكون ماله ولانه يملك المال بالعقود فصحت الوصية له كالحر، فان قال ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤا وان قال ضعوا عنه نجما من نجومه فلهم ان يضعو اي نجم شاؤا وسواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة لتناول اللفظ له فان قال ضعوا عنه أي نجم شاء رجع إلى مشيئته لان سيده جعل المشيئة إليه وان قال ضعوا عنه أكثر نجومه وضعوا عنه اكثرها مالا لانه اكبرها قدرا، وان قال ضعوا عنه اكثر نجومه وضعوا عنه اكثر من نصفها لان اكثر الشئ يزيد على نصفه فان كانت نجومه خمسة وضعوا ثلاثة وان كانت ستة وضعوا اربعة ويحتمل ان يصرف إلى واحد منها اكثرها مالا فان كانت نجومه سواء تعين القول الاول فان قال ضعوا عنه اوسط نجومه ولم يكن فيها الا وسط واحد تعين مثل ان تكون نجومه متساوية القدر والاجل وعددها مفرد فيتعين الاوسط في العدد فان كانت خمسة تعين الثالث، وان كانت
سبعة فالرابع فان كان عددها مزدوجا وهي مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة فأوسطها المائتان فيتعين وان كانت متساوية القدر مختلفة الاجل مثل أن يكون اثنان إلى شهر شهر وواحد إلى شهرين وواحد إلى ثلاثة أشهر تعنيت الوصية في الذي إلى شهرين، وإن اتفقت هذه المعاني في واحد تعين، وان كان لها أوسط في القدر وأوسط في الاجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضا رجع إلى قول الورثة، وان اختلفت الورثة والمكاتب في ارادة الموصي منها فالقول قول الورثة مع أيمانهم أنهم لا يعلمون ما أراد، ومتى كان العدد وترا فأوسطه واحد وان كانت شفعا كأربعة فأوسطه اثنان وهكذا القول فيما إذا أوصي بأوسط نجومه، وان قال ضعوا عنه ما يخف أو ما يثقل أو ما يكثر رجع إلى تقدير الورثة لان كل شئ يخف إلى حيث ما هو أثقل منه، ويثقل إلى حيث ما هو أخف منه،
كما قال أصحابنا فيما إذا أقر بمال عظيم أو كثير أو ثقيل أو خفيف، وان قال ضعوا عنه أكثر ما عليه وضع عنه النصف وأدنى زيادة وان قال ضعوا عنه أكثر ما عليه ومثل نصفه فذلك ثلاثة أرباع وأدنى زيادة وان قال ضعوا أكثر ما عليه ومثله فذلك الكتابة كلها وزيادة عليها فيصح في الكتابة ويبطل في الزيادة لعدم محلها وان قال ضعوا عنه ما شاء فشاء وضع كل ما عليه وضع لتناوله اللفظ فان قال ضعوا عنه ما شاء من مال الكتابة لم يضعوا عنه الكل، لان من للتبعيض ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا في هذا الفصل.
* (مسألة) * (وتصح الوصية لمدبره) لانه يصير حرا حين لزوم الوصية فصحت الوصية له كأم الولد فان لم يخرج من الثلث هو والوصية جميعا قدم عتقه على الوصية لانه أنفع له، وقال القاضي يعتق بعضه ويملك من الوصية بقدر ما عتق منه.
ولنا أنه وصى لعبده وصية صحيحة فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال كما لو وصى لعبده القن بمشاع من ماله.
* (مسألة) * (وتصح الوصية لام ولده لانها حرة حين لزوم الوصية) وقد روي ذلك عن عمر رضي الله عنه انه أوصى لامهات أولاده بأربعة آلاف أربعة آلاف، رواه سعيد وروي ذلك عن عمران بن حصين، وبه قال ميمون بن مهران، والزهري، ويحيى الانصاري، ومالك، والشافعي، واسحق.
* (مسألة) * (وتصح لعبد غيره) وتكون الوصية لسيده والقبول من العبد لان العقد مضاف إليه أشبه ما لو وهبه شيئا فإذا قبل نثبت لسيده لانه من كسب عبده وكسب العبد للسيد ولا يفتقر في القبول إلى اذن السيد لانه كسب من غير اذن سيده كالاحتطاب وهذا قول أهل العراق والشافعي ولاصحابه وجه آخر أنه يفتقر إلى اذن السيد لانه تصرف العبد فهو كبيعه وشرائه
ولنا أنه تحصيل مال بغير عوض فلم يفتقر إلى اذنه كقبول الهبة وتحصيل المباح (فصل) وان وصى لعبد وارثه فهي كالوصية لوارثه تقف على اجازة الورثة وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك ان كان يسيرا جاز لان العبد يملك وانما لسيده أخذه من يده فأذا أوصى له بشئ يسير علم انه قصد بذلك العبد دون سيده.
ولنا أنها وصية لعبد وارثه أشبه الوصية بالكثير وما ذكره من ملك العبد ممنوع لا اعتبار به فانه مع هذا القصد يستحق سيده أخذه فهو كالكثير.
(فصل) وإذا وصى بعتق أمته على أن لا تتزوج ثم مات فقالت لا أتزوج عتقت فان تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها وهذا مذهب الاوزاعي والليث وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي لان العتق إذا وقع لم يمكن رفعه فان وصى لام ولده بألف على أن لا تتزوج أو على أن تبيت مع ولده ففعلت وأخذت الالف ثم تزوجت أو تركت ولده ففيها وجهان (أحدهما) تبطل وصيتها لانه فات الشرط ففاتت الوصية، وفارق العتق فانه لا يمكن رفعه (والثاني) لا تبطل وصيتها وهو قول أصحاب الرأي لان وصيتها صحت فلم تبطل بمخالفة ما شرط عليها كالاولى * (مسألة) * (وتصح لعبده بمشاع كثلثه فان خرج العبد من الوصية عتق واستحق باقيه وان لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث) وبهذا قال الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة إلا أنهم قالوا إن لم يخرج من الثلث سعى في قيمة باقيه
وقال الشافعي الوصية باطلة إلا أن يوصي بعتقه لانه أوصى لمال يصير للورثة فلم يصح كما لو وصى له بمعين.
ولنا ان الجزء الشائع يتناول نفسه أو بعضها لانه من جملة الثلث الشائع والوصية له بنفسه تصح ويعتق وما فضل استحقه لانه يصير حرا فملك الوصية فيصير كأنه قال أعتقوا عبدي من ثلثي واعطوه ما فضل منه، وفارق ما إذا وصى له بمعين لانه لا يتناول شيئا منه على أن لنا في الاصل
المقيس عليه منعا.
* (مسألة) * (وان وصى له بمعين كثوب أو دار أو مائة لم تصح الوصية في قول الاكثرين منهم الثوري وأصحاب الرأي والشافعي واسحاق وذكر ابن أبي موسى رواية عن أحمد أنها تصح وهو قول مالك وأبي ثور وقال الحسن وابن سيرين ان شاء الورثة أجازوا وان شاءوا ردوا ولنا أن العبد يصير ملكا للورثة فما وصى به له فهو لهم فكأنه أوصى لورثته بما يرثونه فلا فائدة فيه، وفارق ما إذا وصى له بمشاع لما ذكرناه.
* (مسألة) * (وتصح الوصية للحمل إذا علم أنه كان موجودا حين الوصية بان تضعه لاقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها أو لاقل من أربع سنين ان لم يكن كذلك في أحد الوجهين) وفي الآخر لاقل من سنتين لا نعلم في صحة الوصية للحمل خلافا وبه قال الثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي
وذلك لان الوصية جرت مجرى الميراث من حيث كونها انتقال المال من الانسان بعد موته إلى الموصى له بغير عوض كانتقاله إلى وارثه، وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله سبحانه (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاثنين) وقال سبحانه (فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله) والحمل يرث فتصح الوصية له ولان الوصية أوسع من الميراث لانها تصح للمخالف في الدين والعبد بخلاف الميراث فإذا ورث الحمل فالوصية له أولى ولان الوصية تتعلق بخطر وغرر فصحت للحمل كالعتق فان انفصل الحمل ميتا بطلت الوصية لانه لا يرث ولانه يحتمل أن لا يكون حيا حين الوصية فلا تثبت له الوصية والميراث بالشك، وسواء مات لعارض من ضرب البطن أو شرب دواء أو غيره لما بينا من أنه لا يرث وان وضعته حيا صحت الوصية له إذا حكمنا بوجوده حال الوصية بأن تأتي به لاقل من ستة أشهر ان كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد يطؤها فانا نعلم وجوده حين الوصية فان أتت به لاكثر منها لم تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعد الوصية، وان كانت بائنا فأتت به لاكثر من أربع سنين من حين الفرقة وأكثر من ستة أشهر من حين الوصية لم تصح الوصية له وان أتت به لاقل من ذلك صحت الوصية
لان الولد يعلم وجوده إذا كان لستة أشهر ويحكم بوجوده إذا أتت به لاقل من أربع سنين من حين
الفرقة وهذا مذهب الشافعي، وان وصى لحمل امرأه من زوجها أو سيدها صحت الوصية له مع اشتراط الحاقه به، فان كان منفيا باللعان أو دعوى الاستبراء لم تصح الوصية له لعدم نسبه المشترط في الوصية فان كانت المرأة فراشا لزوج أو سيد الا أنه لا يطؤها لكونه غائبا في بلد بعيد أو مريضا مرضا يمنع الوطئ أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك فان أصحابنا لم يفرقوا بين هذه الصور وبين ما إذا كان يطؤها لانهما لم يفترقا في لحوق النسب بالزوج والسيد فكانت في حكم من يطؤها، قال شيخنا ويحتمل أنها متى أتت به في هذه الحال أو لوقت يغلب على الظن أنه كان موجودا حال الوصية مثل أن تضعه لاقل من غالب مدة الحمل أو تكون أمارات الحمل ظاهرة أو أتت به على وجه يغلب على الظن أنه كان موجودا بامارات الحمل بحيث يحكم لها بكونه حاملا صحت الوصية له لانه يثبت له أحكام الحمل في غير هذا الحكم وقد انتفت أسباب حدوثه ظاهرا فنبغى أن تثبت له الوصية، والحكم بالحاقه بالزوج والسيد في تلك الصور انما كان احتياطا للنسب فانه يلحق بمجرد الاحتمال وان كان بعيدا، ولا يلزم من اثبات النسب بمطلق الاحتمال نفي استحقاق الوصية فانه لا يحتاط لابطال الوصية كما يحتاط لاثبات النسب فلا يلزم الحاق ما لا يحتاط له بما يحتاط له مع ظهور ما يثبته
ويصححه، وفيه وجه آخر أنه إذا أتت به لاكثر من سنتين إذا كانت بائنا لا تثبت له الوصية بناء على ان اكثر مدة الحمل سنتان * (مسألة) * (وان وصى لما تحمل هذه المرأه لم يصح) وقال بعض أصحاب الشافعي تصح كما تصح الوصية بما تحمل هذه الجارية ولنا أن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم بخلاف الموصى به فانه يملك فلم يعتبر وجوده ولان الوصية جرت مجرى الميراث ولو مات انسان لم يرثه من الحمل إلا من كان موجودا كذلك الوصية، ولو تجدد للميت مال بعد موته بأن يسقط في شبكته صيد لورثه ورثته ولذلك قضينا بثبوت الارث في ديته وهي
تتجدد بعد موته فجاز ان تملك بالوصية.
فان قيل فلو وقف على من يحدث من ولده أو ولد فلان صح فالوصية أولى لانها تصح بالمعدوم والمجهول بخلاف الوقف، قلنا الوصية أجريت مجرى الميراث ولا يحصل الميراث إلا لموجود فكذلك الوصية، والوقف يراد للدوام فمن ضرورته اثباته للمعدوم.
(فصل) وإذا وصى لحمل امرأة فولدت ذكرا وأنثى فالوصية لهما بالسوية لان ذلك عطية وهبة فأشبه ما لو وهبهما شيئا بعد ولادتهما، وان فاضل بينهما فهو على ما قال كالوقف وإن قال إن كان في
بطنها غلام فله ديناران وإن كانت فيه جارية فلها دينار فولدت غلاما وجارية فلكل منهما ما وصي له به لان الشرط وجد فيه، وإن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته، ولو قال إن كان حملها أو إن كان ما في بطنها غلاما فله ديناران وان كانت جارية فلها دينار فولدت أحدهما منفردا فله وصيته، وان ولدت غلاما وجارية فلا شئ لهما لان أحدهما ليس هو جميع الحمل ولا كل ما في البطن، وبه قال أصحاب الرأي والشافعي وأبو ثور.
* (مسألة) * (وان قتل الوصي الموصي بطلت الوصية وان جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل في ظاهر كلامه وقال أصحابنا في الوصية للقاتل روايتان) اختلف أصحابنا في الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه، فقال ابن حامد تجوز الوصية له واحتج بقول أحمد فيمن جرح رجلا خطأ فعفا المجروح فقال احمد تعتبر من الثلث قال وهذه وصية لقاتل وهو قول مالك وأبي ثور وابن المنذر واظهر قولي الشافعي لان الهبة له تصح فصحت الوصية له كالذمي وقال أبو بكر لا تصح الوصية له فان أحمد قد نص على أن المدبر إذا قتل سيده بطل تدبيره والتدبير وصية وهذا قول الثوري وأصحاب الرأي لان القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية، فالوصية
أولى، ولان الوصية أجريت مجرى الميراث فمنعها ما يمنعه وقال أبو الخطاب ان وصى له بعد جرحه صح وإن وصى له قبل ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها جمعها بين نصي احمد في الموضعين، وهو قول الحسن بن صالح وهذا قول حسن، لان الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها لم يطرأ عليه
ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت فان القتل طرأ عليها فأبطلها فانه يبطل ما هو آكد منها، يحققه ان القتل إنما يمنع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث الذي انعقد سببه فعورض بنقيض قصده وهو منع الميراث دفعا لمفسدة قتل الموروثين ولذلك بطل التدبير بالقتل قبل الطارئ عليه أيضا وهذا المعنى متتحقق في القتل الطارئ على الوصية فانه ربما استعجلها بقتله وفارق القتل قبل الوصية لانه لم يقصد به استعجال مال لعدم انعقاد سببه والموصي راض بالوصية له بعد ما صدر منه في حقه وعلى هذا لا فرق بين الخطأ والعمد كما لا تفترق الحال بذلك في الميراث.
* (مسألة) * (وإن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الاصناف صح) لانهم من أبواب البر فصحت لهم كغيرهم ويعطى كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة قياسا عليها، لان المطلق من كلام الآدمي يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ولما أطلق الله تعالى أعطاهم من الزكاة حمل على ذلك كذلك هذا
قال شيخنا وإذا وصى لاصناف الزكاة المذكورين في القرآن فهم الذين يستحقون الزكاة وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية، كما لو وصى لثمان قبائل، والفرق بين هذا وبين الزكاة حيث يجوز الاقتصار على صنف واحد أن آية الزكاة أريد بها بيان من يجوز الدفع إليه والوصية اريد بها بيان من يجب الدفع إليه، ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد في ظاهر المذهب لانه لا يمكن استيعابهم وحكي هذا عن أصحاب الرأي وعن محمد بن الحسن انه قال لا يجوز الدفع إلى أقل من اثنين، وعن أحمد رواية ثانية أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة من كل صنف حكاها أبو الخطاب وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا ذلك وأدلته في الزكاة ولا يجوز الصرف الا إلى المستحق من أهل بلده كما ذكرنا في الزكاة (فصل) وإذا اوصى للفقراء وحدهم دخل فيه المساكين وكذلك إن أوصى للمساكين دخل فيهم الفقراء لانهم صنف واحد في غير الزكاة الا أن يذكر الصنفين جميعا فيدل ذلك على أنه أراد المغايرة بينهما، ويستحب تعميم من أمكن منهم والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة بأقارب الموصي كما ذكرنا في الزكاة.
* (مسألة) * (وإن وصى لكتب القرآن أو العلم أو لمسجد أو لفرس حبيس ينفق عليه صح لان ذلك قربة يصح بذل المال فيه، فصحت الوصية له كالوصية للفقراء فان مات الفرس رد الموصى به
أو باقيه إلى الورثة لانه عين للوصية جهة فإذا فاتت عادت إلى الورثة كما لو وصى أن يشترى عبد زيد فيعتق فمات العبد أو لم يبعه سيده أو تعذر شراؤه، وان أنفق بعض الدراهم ثم مات الفرس بطلت الوصية في الباقي كما لو وصى بشراء عبدين معينين فاشترى أحدهما ومات الآخر قبل شرائه قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل أوصى بألف درهم في السبيل أيجعل في الحج منها؟ قال لا، انما يعرف الناس السبيل الغزو.
(فصل) إذا قال يخدم عبدي فلان سنة ثم هو حر صحت الوصية فان قال الموصى له بالخدمة لا أقبل الوصية أو قال قد وهبت الخدمة لم يعتق في الحال وبهذا قال الشافعي، وقال مالك ان وهب الخدمة للعبد عتق في الحال.
ولنا أنه أوقع العتق بعد مضي السنة فلم يقع قبله كما لو رد الوصية (فصل) وان وصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده فالخمسائة للورثة وكذلك ان امتنع عن بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالثمن للورثة لان الوصية بطلت
لتعذر العمل بها فأشبه ما لو وصى لرجل فمات قبل موت الموصي أو بعده ولم يدع وارثا ولا يلزم الورثة شراء عبد آخر لان الوصية لمعين فلا تصرف إلى غيره فان اشتروه بأقل من ذلك فالباقي للورثة وقال الثوري يدفع جميع الثمن إلى سيد العبد لانه قصد ارفاقه بالثمن ومحاباته فأشبه ما لو قال بيعوه عبدي بخمسمائة وقيمته أكثر منها وكما لو وصى أن يحج عنه فلان بخمسمائة وهي أكثر من أجر المثل وقال اسحاق يجعل بقية الثمن في العتق كما لو وصى أن يحج عنه بخمسمائة رد ما فضل في الحج ولنا أنه أمر بشرائه بخمسمائة فكان ما فضل من الثمن راجعا إليه كما لو وكل في شرائه في حياته وفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه رجل بخمسمائة لان القصد ثم ارفاق الذي يحج بالفضلة، وفي مسئلتنا المقصود العتق، ويفارق ما إذا أوصى أن يحج عنه بخمسمائة لغير معين لان الوصية ثم للحج مطلقا فتصرف
جميعها فيه وههنا لمعين فلا تتعداه، وقوله انه قصد ارفاق زيد ومحاباته به قلنا ان كان ثم قرينة تدل على ذلك اما لكون البائع صديقه أو ذا حاجة أو من أهل الفضل الذين يقصدون بهذا أو كان يعلم حصول العبد بدون الخمسمائة لقلة قيمته فنه يدفع جميع الثمن إلى زيد كما لو صرح بذلك فقال ادفعوا إليه جميعها
وإن بذله بدونها وإن عدمت هذه القرائن فالظاهر أنه انما قصد العتق وقد حصل فكان الثمن عائدا إلى الورثة كما لو أمره بالشراء في حياته قال شيخنا وهذا الصحيح ان شاء الله تعالى (فصل) ولو وصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه فلم يخرح من ثلثه اشتري عبد بالثلث وبه قال الشافعي، وقال أبوحينفة تبطل الوصية لانه أمر بشراء عبد بألف فلا يجوز للمأمور الشراء بدونه كالوكيل.
ولنا أنها وصية يجب تنفيذها إذا احتملها الثلث فإذا لم يحملها وجب تنفيذها فيما حمله كما لو وصى بعتق عبد فلم يحمله الثلث، وفارق الوكالة فانه لو وكله في اعتاق عبد لم يملك اعتاق بعضه، ولو وصى إليه باعتاق عبد أعتق منه ما يحتمله الثلث فان حمله الثلث فاشتراه وأعتقه ثم ظهر على الميت دين يستغرق المال فالوصية باطلة ويرد العبد إلى الرق ان كان اشتراه بعين المال لاننا تبينا أن الشراء باطل لكونه اشترى بمال مستحق للغرماء بغير اذنهم وان كان اشتراه في الذمة صح الشراء ونفذ العتق وعلى المشتري غرامة ثمنه لا يرجع به على أحد لان البائع ما غره انما غره الموصي ولا تركة له فيرجع عليها وهذا ظاهر مذهب الشافعي ويحتمل أن يشارك الغرماء في التركة ويضر ب معهم بقدر دينه لان الدين غرمه بتغرير الموصي فيرجع به عليه فإذا كان ميتا لزمه في تركته كارش جنايته
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: