الفقه الحنبلي - الوصية -

بارفاق العبد بايصاله إلى من هو معروف بحسن الملك واعتاق الرقاب ويحتمل أن يريد ارفاق المشتري لمعنى يحصل له من العبد فان تعذر بيعه لذلك الرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته ان لم يعين الثمن بطلت الوصية * (مسألة) * (وان وصى في أبواب البر فقال شيخنا يصرف في القرب كلها) لان اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولا يجوز تخصيص العموم بغير دليل، وقيل عن أحمد تصرف في أربع جهات في الاقارب والمساكين والحج والجهاد، وعنه فداء الاسرى مكان الحج لان الصدقة على الاقارب صدقة وصلة والمساكين مصارف الصدقات والزكاة والحج والجهاد من أكبر
شعائر الاسلام وفداء الاسرى من أعظم القربات، وقد نقل المروذي عن أحمد فيمن أوصى بثلثه في أبواب البر يجزأ ثلاثة أجزاء جزءا في الجهاد وجزءا يتصدق به في أقاربه وجزءا في الحج وقال في رواية أبي داود الغزو يبدأ به وحكي عنه أنه جعل جزءا في فداء الاسرى، قال شيخنا وهذا والله أعلم ليس على سبيل اللزوم والتحديد بل يجوز صرفه في جهات البر كلها لان اللفظ للعموم فيجب حمله على عمومه ولانه ربما كان غير هذه الجهات أحوج من بعضها وأحق فقد تدعو الحاجة إلى تكفين ميت واصلاح طريق واعتاق رقبة وقضاء دين واغاثة ملهوف أكثر من دعائها إلى حج من لا يجب عليه الحج فيكلف وجوب ما لم يكن عليه واجبا وتعبا كأن الله تعالى قد أراحه منه من غير مصلحة تعود على أحد من خلق الله تعالى فتقديم هذا على ما مصلحته ظاهرة والحاجة إليه داعية بغير دليل تحكم لا معنى له (فصل) وان قال ضع ثلثي حيث اراك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب رأى وضعه فيها عملا بمقتضى وصيته وذكر القاضي أنه يجب صرفه إلى الفقراء والمساكين، والافضل صرفه إلى فقراء أقاربه فان لم يجد فالى محارمه من الرضاع فان لم يكن فالى جيرانه وقال أصحاب الشافعي يجب ذلك لانه رده إلى اجتهاده فيما فيه الحظ وهذا أحظ ولنا أنه قد يرى غير هذا أهم منه وأصلح فلا يجوز تقييده بالتحكم ونقل أبو داود عن أحمد
أنه سئل عن رجل أوصى بثلثه في المساكين وله أقارب محاويج فلم يوص لهم بشئ ولم يرثوا فانه يبدأ بهم فانهم أحق قال وسئل عن النصراني يوصي بثلثه للفقراء من المسلمين ايعطى اخوته وهم فقراء؟ قال نعم هم أحق يعطون خمسين درهما لا يزادون على ذلك يعني لا يزاد كل واحد منهم على ذلك لانه القدر الذي يحصل به الغنى * (مسألة) * (وان وصى أن يحج عنه بألف صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ) إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث لانه وصى به في جهة قربة فوجب صرفه فيها كما لو وصى في سبيل الله تعالى وليس للوصي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل لانه أطلق له التصرف في المعاوضة فاقتضى عوض المثل كالتوكيل في البيع ثم لا يخلو اما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة فيصرف فيها أو ناقصا فيحج به من حيث يبلغ في ظاهر نصوص أحمد فانه قال في رواية حنبل في رجل أوصى أن يحج ولا تبلغ النفقة فقال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته وهذا قول العنبري وقال القاضي يعان به في الحج وهو قول سوار القاضي حكاه عنه العنبري وعن أحمد أنه مخير في ذلك فانه قال في
رواية أبي داود في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها: أرى أن يؤخذ ثلث مالها فيعان به في الحج أو يحج به من حيث يبلغ فان كان يفضل عن الحجة دفع في حجة ثانية وثالثة إلى أن ينفذ أو يبقى مالا يبلغ حجة فيحج به من حيث يبلغ أو يعان به في الحج على ما ذكرنا من الخلاف فيه ولا يستنيب في الحج مع الامكان الا من بلد المحجوج عنه لانه نائب عن الميت وقائم مقامه فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج منه فان كان الموصى به لا يحمله الثلث لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو تطوعا فان كان فرضا أخذ أكثر الامرين من الثلث أو القدر الكافي الحج الفرض ان كان قد أوصى بالثلث فان كان الثلث أكثر أخذ ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ثم يحج بالباقي تطوعا حتى ينفذ كما ذكرنا من قبل، وان كان الثلث أقل تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال وبهذا قال عطاء وطاوس والحسن وسعيد بن المسيب والزهري والشافعي واسحاق قال سعيد بن المسيب والحسن كل واجب
من رأس المال، وقال ابن سيرين والنخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان والثوري وأبو حنيفة وداود ابن أبي هند ان وصى بالحج من ثلثه والا فليس على ورثته شئ فعلى قولهم ان لم يف الثلث بالموصى به والا لم يزد على الثلث لان الحج عبادة فلا يلزم الوارث كالصلاة
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فدين الله أحق أن يقضى " والدين من رأس المال فما هو أحق منه أولى ولانه واجب فكان من رأس المال كدين الآدمي وان كان تطوعا اخذ الثلث لا غير إذا لم يجز الورثة ويحج به على ما ذكرنا * (مسألة) * (وان وصى ان يحج عنه حجة بألف دفع الكل إلى من يحج) إذا وصى ان يحج عنه حجة واحدة بقدر من المال وكان فيه فضل عما يحج به فهو لمن يحج لانه قصد ارفاقه بذلك فكأنه صرح فقال حجوا عني حجة واحدة بألف وما فضل منها فهو لمن يحج * (مسألة) * (فان عينه في الوصية فقال يحج عني فلان بألف صرف ذلك إليه وان لم يعين فللموصى إليه صرفه إلى من شاء) لانه فوض إليه الاجتهاد الا انه لا يملك صرفها إلى وارث إذا كان فيها فضل الا باذن الورثة وان لم يكن فيها فضل جاز لانه لا محاباة فيها ثم ينظر فان كان الحج الموصى به تطوعا اعتبر من الثلث وان كان واجبا فالزائد عن نفقة المثل معتبر من الثلث وان لم يف الموصى به بالحج اتم من رأس المال وفيه من الخلاف ما ذكرنا
* (مسألة) * (فان أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه) إذا قال المعين ذلك بطل التعيين ويحج عنه بأقل ما يمكن انسان ثقة سواه ويصرف الباقي اللى الورثة ويحتمل أن تبطل الوصية ان كان الحج تطوعا لانه عين لها جهة فإذا لم يقللها بطلت كما لو قال بيعوا عبدي لفلان بمائة فأبى شراءه والظاهر انها لا تبطل لانه قصد القربة والتعيين فإذا بطل التعيين لم تبطل القربة كما لو قال بيعوا عبدي لفلان وتصدقوا بثمنه فلم يقبل فلان فانه يباع من غيره ويتصدق
بثمنه فان قال المعين اصرفوا لي الفضل عن نفقة الحج لانه موصى لي به لم يصرف إليه شئ لانه إنما أوصي له بالزيادة بشرط ان يحج فإذا لم يوجد الشرط لم يستحق شيئا (فصل) فإذا قال حجوا عني حجة ولم يذكر قدرا من المال فانه لا يدفع إلى من يحج الا قدر نفقة المثل لما ذكرنا والباقي للورثة وهذا ينبني على أنه يجوز الاستئجار عليه إنما ينوب عنه نائب فما ينفق عليه فيما يحتاج إليه فهو من مال الموصي وما بقي للورثة فان تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي وليس على النائب اتمام الحج وإن قلنا يجوز الاستئجار على الحج فلا يستأجر الا ثقة بأقل ما
يمكن وما فضل فهو للاجير لانه ملك ما أعطي بعقد الاجارة وان تلف المال في الطريق بعد قبض الاجير له فهو من ماله ويلزمه اتمام الحج، وإن قال حجوا عني ولم يقل حجة واحدة لم يحج عنه إلا حجة ولانه أقل ما يقع عليه الاسم فان عين مع هذا فقال يحج عني فلان دفع إليه بقدر نفقته من بلده إذا خرج من الثلث فان أبى الحج إلا بزيادة تصرف إليه فينبغي أن يصرف إليه اقل قدر يمكن ان يحج به غيره فان ابى الحج وكان واجبا استنيب غيره بأقل ما يمكن استنابته والله اعلم (فصل) وان وصى ان يحج عنه زيد بمائة ولعمرو بتمام الثلث ولسعد بثلث ما له فأجاز الورثة امضيت على ما قال الموصي فان لم يفضل عن المائة شئ فلا شئ لعمرو لانه إنما وصى له بالفضل ولا فضل وان رد الورثة قسم الثلث بينهم نصفين لسعد السدس ولزيد مائة وما فضل من الثلث فلعمرو فان لم يفضل منه شئ فلا شئ لعمر ولانه إنما وصى له بالزيادة ولا زيادة ولا تمتنع المزاحمة به ولا يعطى شيئا كولد الاب مع ولد الابوين في مزاحمة الجد ويحتمل انه متى كان في الثلث فضل عن المائة ان يرد كل واحد إلى نصف وصيته لان زيدا إنما استحق المائة بالاجازة فمع الرد يدخل عليه من النقص بقدر وصيته كسائر الوصايا
(فصل) وان وصى لزيد بعبد بعينه ولعمرو ببقية الثلث قوم العبد يوم موت الموصي لانه حال نفوذ الوصية ودفع إلى زيد ودفع إلى بقية الثلث إلى عمرو فان لم يبق من الثلث شئ بطلت وصية عمرو، وان مات
العبد بعد موت الموصي قومنا التركة حال موت الموصي بدون العبد ثم نقوم العبد لو كان حيا فان بقي من الثلث بعد قيمته شئ فهو لعمرو وإلا بطلت وصيته، لو قال لاحد عبديه أنت مدبر ثم قال لآخر انت مدبر في زيادة الثلث عن قيمة الاول ثم بطل تدبير الاول بموته فهي كالتي قبلها على ما ذكرنا أو رجوعه فيه أو خروجه مستحقا أو غير ذلك * (مسألة) * (وان وصى لاهل سكته فهو لاهل دربه) لان السكة الطريق والدرب مضاف إليه * (مسألة) * (وان وصى لجيرانه تناول أربعين دارا من كل جانب) نص عليه احمد وبه وقال الاوزاعي والشافعي وقال أبو حنيفة الجار الملاصق لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الجار احق بصقبه " يعني الشفعة وإنما يثبت للملاصق ولان الجار مشتق من المجاورة وقال قتادة الجار الدار والداران وروي عن علي عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد قال من سمع النداء وقال سعيد بن عمرو بن جعدة من سمع الاقامة وقال أبو يوسف الجيران اهل المحلة ان جمعهم مسجد فان تفرق أهل المحلة في مسجدين صغيرين متقاربين فالجميع جيران وان كانا عظيمين فكل اهل مسجد جيران واما الامصار التي فيها القبائل فالجوار على الافخاذ
ولنا ما روى ابو هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الجار اربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا " وهذا نص لا يجوز العدول عنه ان صح وان لم يثبت الخبر فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك إلى العرف وقال أبو بكر مستدار اربعين دارا من كل جانب والحديث يحتمله * (مسألة) * (وان وصى لاقرب قرابته أو لاقرب الناس إليه أو اقربهم به رحما لم يدفع بنفسه من غير واسطة والاخ والجد سواء) لان كل واحد يدلي إلى الابعد مع وجود الاقرب فان كان له اب وابن فهما سواء، لان كل واحد منهما يدلي بالاب من غير واسطة ويحتمل تقديم الابن على الاب لانه يسقط تعصيبه والاولى أولى لان إسقاط تعصيبه لا يمنع مساواته في القرب ولا كونه أقرب مه بدليل أن ابن الابن يسقط تعصيبه مع بعده
ويحتمل تقديم الاخ على الجد لان الاخ يدلي ببنوة الاب والجد يدلي بالابوة فهما كالاب والابن والاول اولى ولا يصح قياس الاخ على الابن لانه لا يسقط تعصيب الجد بخلاف الابن ويقدم الابن على الجد والاب على ابن الابن وقال اصحاب الشافعي يقدم ابن الابن على الاب في وجه لانه يسقط تعصيبه ولنا ان الاب يدلي بنفسه ويلي ابنه من غير حاجز ولا يسقط ميراثه بحال بخلاف ابن الابن والاب والام سواء وكذلك الابن والبنت والجد ابو الاب وابو الام وام الاب وام الام كلهم سواء
هكذا ذكره شيخنا ويحتمل تقديم ابي الاب على اب الام لانه يسقطه ثم بعد الاولاد اولاد البنين وان سفلوا الاقرب فالاقرب الذكور والاناث وفي اولاد البنات وجهان بناء على دخولهم في الوقف ثم من بعد الولد الاجداد الاقرب منهم فالاقرب لانهم العمود الثاني ثم الاخوة والاخوات ثم ولدهم وان سفلوا ولا شئ لولد الاخوات إذا قلنا لا يدخل ولد البنات * (مسألة) * (والاخ من الاب والاخ من الام سواء والاخ من الابوين أحق منهما) الاخ من الاب والاخ من الام سواء لانهما على درجة واحدة وكذلك ولداهما والاخ من الابوين أحق منهما لان له قرابتين فهو أقرب ممن له قرابة واحدة (فصل) والاخ للاب أولى من ابن الاخ من الابوين كما في الميراث ثم بعدهم الاعمام ثم بنوهم وان سفلوا ويستوي العم من الاب والعم من الام وعلى الاحتمال الذي ذكرناه في تقديم أبي الاب على أبي الام تقديم العم من الاب على العم من الام وكذلك أبناؤهما وعلى هذا الترتيب ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي إلا أنه يرى دخول ولد البنات والاخوات والاخوال والخالات وهذا القول يخرج
على مذهب أحمد على الرواية التي تجعل القرابة فيها كل من يقع عليه اسم القرابة فاما على الرواية التي تقول ان اسم القرابة يختص من كان من أولاد الآباء وهي التي اختارها الخرقي فلا تدخل فيه الام ولا أقاربها لان من لم يكن من القرابة لم يكن من أقرب القرابة فعلى هذا تتناول الوصية من كان أقرب من أولاد الموصي وأولاد آبائه إلى أربعة آباء ولا تعدوهم فان وصى لجماعة من أقرب الناس إليه
أعطي ثلاثة من أقرب الناس إليه فان وجد أكثر من ثلاثة في درجة واحدة كاخوة فالوصية لجميعهم لان بعضهم ليس بأولى من بعض والاسم يشملهم وان لم يوجد ثلاثة في درجة واحدة كملت من الثانية فان كان في الدرجة الثانية جماعة سوي بينهم لما ذكرنا في الدرجة الاولى، وان لم يكمل من الثانية فمن الثالثة فإذا وجد ابن واخ وعم فالوصية بينهم أثلاثا وكذلك إن كان ابن واخوان وان كان ابن وثلاثة أخوة دخل جميعهم في الوصية وينبغي أن يكون للابن ثلث الوصية ولهم ثلثاها فان كان الابن وارثا سقط حقه من الوصية ان لم يجز له والباقي للاخوة وإن وصى لعصبته فهو لمن يرثه بالتعصيب في الجملة سواء كان من يرث في الحال أو يكن ويسوي بين قريبهم وبعيدهم لشمول اللفظ لهم ولا خلاف في أنهم لا يكونون من جهة الام بحال * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولا تصح الوصية لكنيسة ولا بيت نار ولا لعمارتهما والانفاق
عليهما وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وسواء كان الموصي مسلما أو ذميا وقال أصحاب الرأي تصح وأجاز أبو حنيفة الوصية بأرضه تبنى كنيسة وخالفه صاحباه وأجاز أصحاب الرأي أن يوصي بشراء خمر أو خنازير ويتصدق بها على أهل الذمة ولنا أن هذه الافعال محرمة وفعلها معصية فلم تصح الوصية بها كما لو وصى بعبده أو مته للفجور ولانها لا تجوز في الحياة فلا يجوز في الممات * (مسألة) * (وان وصى لكتب التوراة والانجيل لم تصح) لانها كتب منسوخة وفيها تبدليل والاشتغال بها غير جائز وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين راى مع عمر شيئا مكتوبا من التوراة وذكر القاضي أنه لو اوصى لحصر البيع وقناديلها وما شاكل ذلك ولم يقصد اعظامها بذلك صحت الوصية لان الوصية لاهل الذمة فان النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة والصحيح أن الوصية لا تصح بهذا لان ذلك انما هو اعانة لهم على معصيتهم وتعظيم لكنائسهم ونقل عن أحمد ما يدل على صحة الوصية من الذمي بخدمة الكنيسة والاول أولى وأصح وان وصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من اهل الذمة واهل الحرب صح لان بناء مساكنهم ليس بمعصية
(فصل) ولا تصح الوصية لكافر بمصحف ولا عبد مسلم لانه لا يجوز هبتهما له ولا بيعهما منه وان وصى له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصى بطلت الوصية وان أسلم بعد الموت وقبل القبول وقلنا إن الملك انما ثبت حين القبول بطلت لانه لا يجوز ان يبتدئ الملك على مسلم وان قلنا يثبت الملك بالموت قبل القبول فالوصية صحيحة لانا نتبين انه أسلم بعد ان ملكه ويحتمل ان لا يصح أيضا لانه يأتي بسبب لولاه لم يثبت الملك فمنع منه كابتداء الملك * (مسألة) * (ولا تصح لملك ولا لبهيمة ولا لجني) لانه تمليك فلم يصح لهم كالهبة ولا تصح لميت لذلك وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك ان علم انه ميت صحت الوصية وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لان الغرض نفعه بها فأشبه ما لو كان حيا.
ولنا انه اوصى لمن لا تصح الوصية له لو لم يعلم حاله فلا تصح إذا علم حاله كالبهيمة وفارق الحي فان الوصية تصح له في الحالين ولانه عقد يفتقر إلى القبول فلم يصح للميت كالهبة * (مسألة) * (وان وصى لحي وميت يعلم موته فالكل للحي ويحتمل أن لا يكون له إلا النصف وإن لم يعلم فللحي نصف الموصى به
إذا وصى بثلثه أو بمائة لحي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موته أو لم يعلم، وهذا قول أبي حنيفة واسحق والبصريين وقال الثوري وأبو يوسف ومحمد إذا قال هذه المائة لفلان وفلان الميت فهي للحي منهما، وان قال بين فلان وفلان فوافقنا الثوري على أن نصفها للحي وعن الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب عندي إذا علمه ميتا فالكل للحي وان لم يعلمه ميتا فللحي النصف وقد نقل عن احمد ما يدل على هذا القول فانه قال في رواية ابن القاسم إذا وصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتا فللحي خمسون، فقيل له أليس إذا قال ثلثي لفلان وللحائط أليس كله لفلان؟ قال وأي شئ يشبه هذا الحائط له ملك؟ فعلى هذا متى شرك بين من تصح الوصية له وبين من لا تصح
مثل أن يوصي لفلان وللملك أو الحائط أو لفلان وللميت فالموصى به كله لمن تصح الوصية له إذا كان عالما بالحال لانه إذا اشرك بينهما في هذه الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وان لم يعلم بالحال فلمن تصح الوصية له نصفها لانه قصد ايصال نصفها إليه والى الآخر النصف ظنا منه ان الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق
الصفقة ووجه القول الاول انه جعل الوصية لاثنين فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال، فاما ان وصى لاثنين حيين فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا ومثله لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حيا أو ميتا لانه عين وصيته في النصف فلم يكن له حق فيما سواه.
* (مسألة) * (فان وصى لوارثه واجنبي بثلثه فأجاز سائر الورثة وصية الواراث فالثلث بينهما نصفين) وان وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتهما الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان
لهما وان ردوا بطلت وصية الوارث في المسئلتين وللاجنبي السدس في الاولى والمعين الموصى له به في الثانية وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وغيرهم * (مسألة) * (وان وصى لهما بثلثي ماله وأجاز الورثة لهما جازت وان عينوا نصيب الوارث بالرد وحده فللاجنبي الثلث كاملا) لانهم خصوا الوارث بالابطال فالثلث كله للاجنبي وسقطت وصية الوراث فصار كأنه لم يوص له وان أبطلوا الزائد عن الثلث من غير تعيين نصيب أحدهما فالثلث الباقي بين الوصيين لكل واحد منهما السدس وهذا الذي ذكره القاضي هو قول مالك والشافعي لان الوارث يزاحم الاجنبي إذا أجاز الورثة الوصيتين فيكون لكل واحد منهما الثلث فإذا أبطلوا نصفهما بالرد كان البطلان راجعا اليهما وما
بقي منهما بينهما كما لو تلف ذلك بغير الرد، اختار أبو الخطاب أن الثلث جميعه للاجنبي وحكي نحوه عن أبي حنيفة لانهم لا يقدرون على إبطال الثلث فما دون إذا كان لاجنبي ولو جعلنا الوصية بينهما لملكوا ابطال ما زاد على السدس فان صرح الورثة بذلك فقالوا أجزنا الثلث لكما ورددنا ما زاد عليه من وصيتكما أو قالوا رددنا من وصية كل واحد منكما نصفها وبقينا له نصفها كان ذلك آكد
في جعل السدس لكل واحد منهما لتصريحهم به وان قالوا أجزنا وصية الوارث كلها ورددنا وصية الاجنبي فهو على ما قالوا لان لهم أن يجيزوا لهما وان يردوا عليهما فكان لهم أن يجيزوا لاحدهما ويردوا على الآخر، وان أجازوا للاجنبي جميع وصيته وردوا على الوارث نصف وصيته جاز كما قلنا وان أرادوا أن ينقصوا الاجنبي عن نصف وصيته لم يملكوا ذلك سواء أجازوا للوارث أو ردوا عليه فان ردوا جميع وصية الوارث ونصف وصية الاجنبي فعلى قول القاضي لهم ذلك لان لهم أن يجيزوا الثلث لهما فيشتركان فيه ويكون لكل واحد منهما نصفه ثم إذا رجعوا فيما للوارث لم يزد الاجنبي على ما كان له في حالة الاجازة للوارث وعلى قول أبي الخطاب يتوفر الثلث كله للاجنبي لانه إنما ينقص منه بمزاحمة الوارث فإذا زالت المزاحمة وجب توفير الثلث عليه لانه قد أوصى له به * (مسألة) * (ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي فردوا وصية الوارث فهو على ما قال وان أجازوا للوارث فالثلث بينهما) لان الوصية تتعلق بالشرط ولو قال أوصيت لفلان بثلثي فان مات قبلي فهو لفلان صح فان وصى لوارثه فأجاز بعض باقي الوثة الوصية دون البعض نفذ في نصيب من أجاز وحده وان أجازوا بعض الوصية دون بعض نفذت فيما أجازوا دون ما لم يجيزوا وان أجاز بعضهم بعض الوصية وأجاز بعضهم جميعها أو ردوها فهو على ما فعلوا من ذلك فلو خلف ثلاثة بنين وعبدا لا يملك غيره فوصى به لاحدهم أو وهبه اياه في مرض موته فأجاز له أخواه فهو له وان أجاز أحدهما وحده فله ثلثاه وان أجاز له نصف العبد فله نصفه ولهما نصفه وان أجاز أحدهما له نصف نصيبه ورد الاخر فله النصف الثلث بنصيبه والسدس من نصيب المجيز، وان أجاز كل واحد منهما له نصف نصيبه كمل له الثلثان وان أجاز له
أحدهما نصف نصيبه والآخر ثلثه أو باع نصيبه كمل له ثلاثة أرباع العبد وان وصى بالعبد لاثنين منهما فللثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما أو يجيز لهما بعض وصيتهما ان شاء متساويا وان شاء متفاضلا أو يرد على أحدهما ويجيز للآخر وصيته كلها أو بعضها أو يجيز لاحدهما جميع وصيته وللآخر بعضها فكل ذلك جائز لان الحق له فكيفما شاء فعل فيه * (مسألة) * (وان وصى لزيد والفقراء والمساكين بثلثه فلزيد التسع) وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد، وعن محمد لزيد الخمس وللفقراء الخمسان وللمساكين الخمسان لان أقل الجمع اثنان ولاصحاب الشافعي وجهان (أحدهما) كقولنا (والثاني) له السبع لان أقل الجمع ثلاثة فإذا انضم إليهم صاروا سبعة ولنا أنه وصى لثلاث جهات فوجب أن يقسم بينهم بالسوية كما لو وصى لزيد وعمرو وخالد وان كان زيد مسكينا لم يدفع إليه من سهم المساكين شئ وبه قال الحسن واسحاق لان عطفهم عليه يدل على المغايرة بينهم إذ الظاهر بين المعطوف والمعطوف عليه المغايرة ولان تجويز ذلك يفضي إلى تجويز دفع نصيب المساكين كله إليه ولفظه يقتضي خلاف ذلك فأما ان كانت الوصية لقوم يمكن استيعابهم وحصرهم مثل أن يقول هذا لزيد واخوته فهي كالتي قبلها ويحتمل أن يكون كأحدهم لانه شرك بينه وبينهم على وجه لا يجوز الاخلال ببعضهم فتتساووا فيه كما لو قال هذا لكم
باب الموصى به تصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والحمل في البطن واللبن في الضرع لان الوصية إذا صحت بالمعدوم فبغيره أولى ولانها أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فيوصى به فان قدر عليه أخذه وسلمه إذا خرج من الثلث وللوصي السعي في تحصيله فان قدر عليه أخذه إذا خرج من الثلث.
(فصل) وتصح بالحمل إذا كان مملوكا بان يكون رقيقا أو حمل بهيمة مملوكة لان الغرر والخطر لا يمنع صحة الوصية فجرى مجرى اعتاق الحمل فان انفصل ميتا بطلت الوصية وان خرج حيا وعلمنا وجوده
حال الوصية أو حكمنا بوجوده صحت الوصية وان لم يكن كذلك لم يصح لجواز حدوثه * (مسألة) * (وتصح بالمعدوم) فلو قال أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه أو ناقتي هذا أو نخلتي هذه صح لما ذكرنا من صحتها مع الغرر سواء وصى بما تحمله أبدا أو مدة بيعها لان المعدوم يجوز أن يملك بالسلم والمساقاة فجاز أن يملك بالوصية فان حصل منه شئ والا بطلت وصيته لان الموصى به عدم فبطلت الوصية به كالموهوب إذا عدم لان الوصية كالهبة وان وصى له بمائة لا يملكها صح فان قدر عليه عند الموت أو على شئ منها والا بطلت لما ذكرنا في المسألة قبلها * (مسألة) * (وتصح بما فيه نفع مباح من غير المال كالكلب والزيت النجس
تصح الوصية بالكلب المباح اقتناؤه ككلب الصيد والماشية والحرب لان فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه والوصية تبرع فصحت في المال وفي غير المال كالهبة، وإن كان مما لا يباح اقتناؤه لم تصح الوصية به سواء قال كلبا من كلابي أو من مالي لانه لا يصح شراء الكلب لانه لا قيمة له بخلاف ما إذا أوصى له بشاة ولا شاة له فانه يمكن تحصيلها بالشراء فان كان له كلب ولا مال له سواه فله ثلثه وإن كان له مال سواه فقد قيل للموصى له جميع الكلب وإن قل المال لان قليل المال خير من الكلب لكونه لا قيمة له وقيل للموصى له به ثلثه وان كثر المال لان موضوع الوصية على أن يسلم ثلثا التركة للورثة وليس في التركة شئ من جنس الموصى به (فصل) وان وصى لرجل بكلابه ولآخر بثلث ماله فلموصى له بالثلث الثلث وللموصى له بالكلاب ثلثها وجها واجها واحدا لان ما حصل الورثة من ثلثي المال قد جازت الوصية فيما يقابله من حق الموصي له وهو الثلث فلا يحسب عليهم في حق الكلاب ولو وصى بثلث ماله ولم يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم يحتسب بالكلاب على الورثة لانها ليست بمال وإذا قسمت الكلاب بين الوارث والموصى له أو بين اثنين موصى لهما بها قسمت على عددها لانها لا قيمة لها فان تشاحوا في بعضها فينبغي ان يقرع بينهم وان وصى له بكلاب وله كلاب يباح اتخاذها ككلاب الصيد والماشية والحرث فله واحد منها بالقرعة أو ما احب الورثة على الرواية الاخرى وان كان له كلب يباح اتخاذه وكلب هراس فله الكلب المباح ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا إلا انه يجعل للموصى له بكلب
ما احب الورثة دفعه إليه ولا تصح الوصية بالجر والصغير في احد الوجهين وتصح في الآخر بناء على جواز اقتنائه وتربيته للصيد وقد سبق ذلك في كتاب البيع
(فصل) فاما الزيت النجس فان قلنا بجواز الاستصباح به فهو كالكلب الذي يباح اتخاذه وان قلنا لا يجوز لم تصح الوصية لانه ليس فيه نفع مباح أشبه الخنزير (فصل) ولا تصح الوصية بالخنزير ولا بشئ من السباع التي لا تصلح للصيد كالاسد والذئب لانها لا منفعة فيها ولا تصح بشئ ليس فيه منفعة مباحة من غيرها كالخمر والميتة ونحوهما لان الوصية تمليك فلا تصح بذلك كالهبة ولان ذلك محرم فلا تصح الوصية به كالخنرير * (مسألة) * (وتصح الوصية بالمجهول كعبد وشاة لان الوصية تصح بالمعدوم فالمجهول بطريق الاولى ولان المجهول ينتقل إلى الوراث فصحت الوصية به كالمعلوم ويعطيه الورثة ما شاءوا مما يقع عليه الاسم لانه اليقين كما لو أقر له بعبد فان لم يكن له عبيد اشترى له ما سمي عبدا وان كان له عبيد اعطاه الورثة ما شاءوا لما ذكرنا وقال القاضي يعطيه الورثة ما شاءوا من ذكر أو أنثى قال شيخنا والصحيح عندي أنه لا يستحق إلا ذكرا فان الله تعالى قرق بين العبيد والاماء بقوله سبحانه (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) والمعطوف يغاير المعطوف عليه ظاهرا ولانه في العرف كذلك فانه لا يفهم من اطلاق اسم العبد إلا الذكر فانه لو وكله في شراء عبد لم يكن له شراء أمة وان وصى له بأمة لم يكن له أن يعطيه إلا أنثى وليس له أن يعطيه خنثى مشكلا لانه لا يعلم كونه
ذكرا ولا أنثى وإن وصى له بواحد من رقيقه أو برأس مما ملكت يمينه دخل في وصيته الذكر والانثى والخنثى.
* (مسألة) * (فان اختلف الاسم بالحقيقة والعرف كالشاة في العرف اسم للانثى والبعير والثور اسم المذكر غلب العرف) في اختيار شيخنا لان الظاهر أن المتكلم إنما يتكلم بعرفه ولا يريد إلا ما يفهمه أهل بلده
وقال أصحابنا تغلب الحقيقة ولهذا يحمل عليه كلام الله تعالى وكلام رسوله.
فعلى هذا إذا أوصى له بشاة يتناول الضأن والمعز قال أصحابنا ويتناول الصغيرة والكبيرة والانثى لان اسم الشاة يتناول جميع ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " في أربعين شاة شاة " يريد الذكور والاناث والصغار والكبار وقال شيخنا لا يتناول إلا أنثى كبيرة إلا أن يكون في عرفهم في بلد يتناول ذلك، فاما من لا يتناول عرفهم إلا الاناث فان وصيته لا نتناول إلا ما يسمى في عرفهم لما ذكرنا، والكبش الذكر الكبير من الضأن والتيس لا يقع إلا على الذكر الكبير من المعز فان وصى بعشرة من الغنم تناول عشرة من الذكور والاناث والصغار والكبار (فصل) وان وصى بجمل فهو الذكر وان وصى بناقة فهي الانثى وان قال عشرة من إبلي وقع على الذكر والانثى جميعا ويحتمل أنه إن قال عشرة بالهاء فهي للذكور وان قال عشر فهو للاناث وكذلك الغنم لان العدد في العشرة من الثلاثة إلى العشرة للذكور بالها وللمؤنث بغيرها قال الله تعالى (سخرها
عليهم سبع ليال وثمانية أيام) وان وصى ببعير ففيه وجهان (أحدهما) هو للذكر وحده لانه في العرف اسم له (والثاني) هو للذكر والانثي لانه يتناولهما جميعا في لسان العرب فيقول حلبت البعير يريد الناقة، والجمل في لسانهم كالرجل من بني آدم والناقة كالمرأة والبكرة كالفتاة وكذلك القلوص والبعير كالانسان وان وصى له بثور فهو ذكر وان وصى ببقرة فهي أنثى * (مسألة) * (والدابة اسم للذكر والانثى من الخيل والبغال والحمير) لان الاسم في العرف يقع على جميع ذلك فان قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصر ف إلى الخيل وان قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال وخرج منه الذكر وان وصى له بحمار فهو ذكر والاتان انثى وان وصى بحصان فهو ذكر والفرس يتناول الذكر والانثى * (مسألة) * (وان وصى له بغير معين كعبد من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاءوا) الوصية بغير معين كعبد من عبيده وشاة من غنمه صحيحة وقد ذكرنا صحة الوصية بالمجهول فيما مضى وبه يقول مالك والشافعي واسحاق، واختلفت الرواية فيما يستحقه الموصى له فروي أنه يستحق أحدهم بالقرعة
اختارها الخرقي ونقل ابن منصور أنه يعطى أخسهم يعني يعطيه الورثة ما أحبوا وهو قول الشافعي وقال مالك قولا يقتضي أنه إذا وصى بعبد وله ثلاثة أعبد فله ثلثهم وان كانوا أربعة فله ربعهم فانه قال إذا وصى بعشر من ابله وهي مائة يعطى عشرها والنخل والرقيق والدواب على ذلك والصحيح ان
شاء الله تعالى أنه يعطى عشرة بالعدد لانه الذي تناوله لفظه ولفظه هو المقتضى فلا يعدل عنه لكن يعطى واحدا بالقرعة لانه يستحق واحدا غير معين وليس واحد بأولى من واحد فوجب المصير إلى القرعة كما لو أعتق واحدا منهم وعلى ما نقله ابن منصور يعطيه الورثة ما شاءوا من صحيح أو معيب جيد أو ردئ لانه يتناوله اسم العبد فاجزأ كما لو وصى له بعبد ولم يضفه إلى عبيده * (مسألة) * (وان لم يكن له عبيد لم تصح الوصية في أحد الوجهين) لانه أوصى له بلا شئ فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسى ولا شئ فيه أو بداري ولا دار له وهذا أحد الوجهين، فان اشترى قبل موته عبيدا احتمل أن لا تصح الوصية لانها وقعت باطلة فهو كما لو قال أوصيت لك بما في كيسي ولا شئ فيه ثم جعل في كيسه شيئا، ولان الوصية تقتضي عبدا من الموجودين حال الوصية، وقد روى ابن منصور عن أحمد فيمن قال في مرضه أعطوا فلانا من كيسي مائة درهم فلم يوجد في كيسه شئ يعطى مائة درهم فلم يبطل الوصية لانه قصد اعطاء مائة درهم وظنها في الكيس فإذا لم يكن له في الكيس أعطي من غيره فكذلك يخرج في الوصية بعبد من عبيده إذا لم يكن له عبيد يشترى له عبد ويعطاه وهذا الوجه الثاني ووجهه أنه لما تعذرت الصفة بقي أصل الوصية فأشبه ما لو وصى له بألف لا يملكه ثم ملكه * (مسألة) * (فان كان عبيد فماتوا إلا واحدا تعينت الوصية فيه وكذلك لان لم يكن له إلا عبد واحد لتعذر تسليم الباقي، وان تلف رقيقه جميعهم قبل موت الموصي بطلت الوصية لانها إنما تلزم بالموت ولا عبيد له حينئذ، وان تلفوا بعد موته بغير تفريط من الورثة بطلت أيضا لان التركة عند الورثة غير مضمونة لانها حصلت في أيديهم بغير فعلهم، وان قتلهم قاتل فللموصى له قيمة أحدهم مبنيا على
الروايتين فيمن يستحقه منهم في الحياة إما قيمة أحدهم بالقرعة أو قيمة من يختاره الورثة لانه
بدل عما وجب له.
* (مسألة) * (وان وصى له بقوس وله أقواس للرمي والبندق والندف فله قوس النشاب لانه أظهرها إلا أن يقترن به قرينة تصرفه إلى غيره وعند أبي الخطاب له أحدهم بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده) إذا وصى له بقوس صحت الوصية لان فيه منفعة مباحة سواء كان قوس نشاب وهو الفارسي أو نبل وهو العربي أو قوس يمجرى أو قوس جرح أو ندف أو بندق فان لم يكن له إلا قوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه وان كانت له جميعها وكان في لفظه أو حاله قرينة تصرفه إلى أحدهما انصرف إليه مثل أن يقول قوس يندف به أو يتعيش به أو نحو ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وان قال قوس يغزو به خرج منه قوس الندف والبندق، وان كان الموصى له ندافا لا عادة له بالرمي أو بندقانيا لا عادة له بالرمي بشئ سواه أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذى يستعمله عادة لان ظاهر حال الموصي أنه قصد نفعه بما جرت عادته بالانتفاع به فان انتفت القرائن فاختار أبو الخطاب أنه يأخذ أحدها بالقرعة كالوصية بعبد من عبيده أو يعطيه الورثة ما يختارونه لان اللفظ يتناول جميعها قال شيخنا والصحيح أن وصيته لا تتناول قوس الندف، ولا البندق ولا العربية في بلد لا عادة لهم بالرمي بها، وهذا مذهب الشافعي، إلا أنه لم يذكر العربية،
ويكون له واحد مما عدا هذه لان هذه لا يطلق عليها اسم القوس في العادة من غير أهلها حتى يضيفها فيقول قوس القطن أو الندف أو البندق، وأما لعربية فلا يتعارفها غير طائفة من العرب فلا يخطر ببال الموصي غالبا ويعطى القوس معموله لانها لا تسمى قوسا إلا كذلك، ولا يستحق وترها لان الاسم يقع عليها دونه، وفيه وجه آخر أنه يعطاها بوترها لانها لا ينتفع بها إلا به فكان كجزء من أجزائها.
* (مسألة) * (وإن وصى له بطبل حرب صحت الوصية به لان فيه منفعة مباحة، وإن كان بطبل لهو لا يصلح إلا للهو لم تصح لعدم المنفعة المباحة، فان كان إذا فصل صلح للحرب لم تصح الوصية به أيضا لان منفعة في الحال معدومة، فان كان يصلح لهما صحت الوصية به لان المنفعة به قائمة، وان وصى له بطبل واطلق وله طبلان تصح الوصية بأحدهما دون الآخر انصرفت الوصية إلى الطبل المباح فان كان
له طبول تصح الوصية بجميعها فله أحدها بالقرعة أو ما شاء الورثة على اختلاف الروايتين.
وان وصى بدف صحت الوصية به لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف " ولا تصح الوصية بمزمار ولا طنبور ولا عود لهو لانها محرمة وسواء كانت فيها الاوتار أو لم تكن لانها مهيأة لفعل المعصية فأشبه ما لو كانت فيه الاوتار.
* (مسألة) * (وتنفذ الوصية فيما علم من ماله أو لم يعلم) وقال مالك لا تنفذ الا فيما علم، وحكي ذلك عن ابان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك
إلا في المدبر فانه يدخل في كل شئ.
ولنا أنه من ماله فدخل في وصيته كالمعلوم ولان الوصية بجزء من ماله لفظ عام فيدخل فيه ما لم يعلم به من ماله كما لو نذر الصدقة بثلثه * (مسألة) * (وإن وصى بثلثه فاستحدث مالا دخل ثلثه في الوصية) في قول أكثر أهل العلم ولا فرق عندهم بين التلاد والمستفاد في أنه يعتبر ثلث الجميع وممن قال ذلك النخعي والاوزاعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لانه من ماله يرثه ورثته وتقضى منه ديونه أشبه ما ملكه قبل الوصية ولما ذكرنا في التي قبلها.
* (مسألة) * (وإن قتل وأخذت ديته فهل تدخل الدية في الوصية ? على روايتين) (احداهما) تدخل قال مهنا روي عن أحمد فيمن أوصى بثلث ماله أو جزء مشاع فقتل الموصي وأخذت ديته فقال يستحق منها، وروي عن على رضي الله عنه في دية الخطأ مثل ذلك، وهو قول الحسن ومالك (والثانية) لا تدخل في وصيته نقلها ابن منصور وروي ذلك عن مكحول وشريك وأبي ثور وداود وهو قول اسحاق، وقال مالك في دية العمد لان الدية انما تجب للورثة بعد موت الموصي لان سببها الموت فلا يجوز وجوبها قبله لان الحكم لا يتقدم سببه ولا يجوز أن يجب للميت بعد موته لانه بالموت تزول أملاكه الثابتة له فيكف يتجدد له ملك فلا تدخل في الوصية لان الميت إنما
يوصى بجزء من ماله لا بمال ورثته، ووجه الرواية الاولى أن الدية تجب للميت لانها بدل نفسه ونفسه له فكذلك بدلها، ولان بدل أطرافه في حياته له فكذلك بدل نفسه بعد موته، ولذلك تقضى منها ديونه ويجهز منها إن كان قبل تجهيزه، وإنما يجوز ورثته من أملاكه ما استغنى عنه فاما ما تعلقت به حاجته فلا ولانه يجوز أن يتجدد له ملك بعد الموت كمن نصب شبكة فسقط فيها شئ بعد موته فانه يملكه بحيث تقضى منه ديونه ويجهز فكذلك ديته لان تنفيذ وصيته من حاجته فأشبه قضاء دينه.
* (مسألة) * (فان وصى بمعين بقدر نصف الدية فهل الدية على الورثة من الثلثين؟ على وجهين) بناء على الروايتين فعلى الرواية الاولى تحسب الدية من ماله فان كانت وصيته بقدر نصف الدية أو أقل منه نفذت الوصية والا أخرج منه قدر ثلثها.
وعلى الرواية الثانية لا تحسب الدية وتخرج الوصية من تلاد ماله دون ديته بناء على أن الدية ليست من ماله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وتصح الوصية بالمنفعة المفردة وتصح بخدمة عبد ومنفعة أمة وغلة دار وبثمرة بستان أو شجرة سواء وصى بذلك مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله وهذا قول الجمهور منهم مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى لا تصح الوصية بالمنفعة المفردة لانها معدومة.
ولنا أنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فتصح الوصية بها كالاعيان ويعتبر خروج ذلك من ثلث المال
نص عليه أحمد في سكنى الدار وهو قول من قال بصحة الوصية بها، وان لم تخرج من الثلث أجيز منها بقدر الثلث، وقال مالك إذا وصى بخدمه عبده سنة فلم تخرج من الثلث فالورثة بالخيار بين تسليم خدمته سنة وبين المال، وقال أصحاب الرأي وأبو ثور إذا وصى بخدمة عبده سنة فان العبد يخدم الموصى له يوما والورثة يومين حتى يستكمل الموصى له سنة فان أراد الورثة بيع العبد بيع على هذا ولنا أنها وصية صحيحة فوجب تنفيذها على صفتها إذا اخرجت من الثلث أو بقدر ما خرج من الثلث منها كسائر الوصايا أو كالاعيان إذا ثبت هذا وأريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة
ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها (فصل) فان أراد الموصى له بمنفعة العبد أو الدار اجارة العبد أو الدار في المدة التي أوصى له بنفعها فله ذلك، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا تجوز اجارة المنفعة المستحقة بالوصية لانه أوصى له باستيفائه.
ولنا أنها منفعة يملكها ملكا تاما فملك أخذ العوض عنها بالاعيان كما لو ملكها بالاجارة وإن أراد الموصى له اخراج العبد عن البلد فله ذلك وبه قال أبو ثور، وقال أصحاب الرأي لا يخرجه إلا أن يسكون أهله في غير البلد فيخرجه إلى أهله.
ولنا أنه مالك لنفعه فملك إخراجه كالمستأجر.
* (مسألة) * (إذا أوصى بمنافع عبده أو أمته أبدا أو مدة بعينها فللورثة عتقها لانها مملوكة لهم ومنفعتها باقية للموصى له ولا يرجع على المعتق بشئ وان أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق لان العتق للرقبة وهو لا يملكها فان وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه فللورثة الانتفاع به لان ما يوهب للعبد يكون لسيده.
(فصل) ولهم بيعها وتباع مسلوبة المنفعة ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه وقيل لا يجوز بيعها لان ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات والميتات وقيل يجوز بيعها لمالك منفعتها دون غيره لان مالك منفعتها يجتمع له الرقبة والمنفعة فينتفع بذلك بخلاف غيره ولذلك جاز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لصاحب الشجرة دون غيره وكذلك بيع الزرع لصاحب الارض، ووجه الاول انها أمة مملوكة تصح الوصية بها فصح بيعها لغيره ولانه يمكنه اعتاقها وتحصيل ولائها وثواب عتقها بخلاف الحشرات.
* (مسألة) * (ولهم ولاية تزويجها لانهم يملكون رقبتها) وليس لهم ذلك إلا باذن صاحب المنفعة وليس لواحد منهما تزويجها منفردا لان مالك المنفعة لا يملك رقبتها وصاحب المنفعة يتضرر به فان انفقا على ذلك جاز لان الحق لهما وكذلك لو طت
التزويج وجب ترويجها عند طلبها لانه لحقها وحقها في ذلك مقدم عليهما لانها لو طلبته من سيدها الذي يملك رقبتها ومنفعتها لزمه ذلك وقدم حقها على حقه ووليها في الموضعين مالك الرقبة لانه مالكها.
* (مسألة) * (ومهرها ههنا وفي كل موضع واجب للورثة) في اختار شيخنا لان منافع البضع لا تصح الوصية بها مفردة ولا مع غيرها، ولا يجوز نقلها مفردة عن الرقبة بعد التزويج وإنما هي تابعة للرقبة فتكون لصاحبها وعند أصحابنا المهر للموصى له بالمنفعة لانه من منافعها.
* (مسألة) * (وان وطئت بشبهة فالولد حر لان وطئ الشبهة يكون الولد حرا لاعتقاد الواطئ انه يطأ في ملك فهو كوطئ المغرور بأمة وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب الرقبة في أحد الوجهين وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ويجب على الواطئ لانه الذي فوت رقه وانما اعتبرت قيمته يوم الوضع لان مقتضى الدليل أن تجب قيمته حين العلوق لانه وقت نفويت الحرية فلما يكن ذلك قومناه في أول حال الامكان وذلك حالة وضعه وهي للورثة ولا شئ للوصي فيها لانه انما وصى له بنفع الام وليس الولد من المنافع ولا وصى له بمنفعته فلا يستحقه.
* (مسألة) * وان قتلت فللورثة قيمتها في أحد الوجهين) لانهم مالكوها لان القيمة بدل الرقبة فتكون لصاحبها وتبطل الوصية بالمنفعة كما تبطل الاجارة وفي الوجه الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها لان كل حق تعلق بالعين تعلق ببدلها إذا لم يبطل استحاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة لان الاستحقاق يبطل بتلفهما
* (مسألة) * (وللوصي استخدامها واجارتها واعارتها) لان الوصية له بنفعها وهذا منه * (مسألة) * (وليس لواحد منهما وطؤها) لان صاحب المنفعة لا يملك رقبتها ولا هو زوجها ولا يباح وطئ بغيرهما لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) وصاحب الرقبة لا يملكها ملكا تاما ولا يأمن أن تحمل منه فربما أفضى إلى هلاكها وايهما وطئها فلا حد عليه لانه وطئ بشبهة لوجود الملك لكل واحد منهما وولده حر لانه من وطئ شبهة فان كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له لانه لا يملكها وعليه قيمة ولدها يوم
وضعه وحكمها على ما ذكرنا فيما إذا وطئها اجنبي بشبهة وان كان الواطئ مالك الرقبة صارت ام ولدله لانها علقت منه بحر في ملكه وفي وجوب قيمته عليه الوجهان، وأما المهر فان كان الواطئ ملك الرقبة فلا مهر عليه في اختيار شيخنا وله المهر على صاحب المنفعة ان كان هو الواطئ وعند أصحابنا وأصحاب الشافعي ينعكس الحال وقد تقدم تعليل ذلك ويحتمل ان يجب الحد على صاحب المنفعة إذا وطئ لانه لا يملك الا المنفعة فوجب عليه الحد كالمستأجر وعلى هذا يكون ولده مملوكا * (مسألة) * (وان ولدت من زوج أو زنا فحكمه حكمها) لان الولد يتبع الام في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ويحتمل ان يكون لمالك الرقبة لان ذلك ليس من النفع الموصى به ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها
* (مسألة) * (وفي نفقتها ثلاثة أوجه) (أحدها) تجب على مالك الرقبة وهو الذي ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا لاحمد وبه قال أبو ثور وهو ظاهر مذهب الشافعي لان النفقة على الرقبة فكانت على صاحبها كنفقة العبد المستأجر وكما لو لم يكن له منفعة قال الشريف ولان الفطرة تلزمه والفطرة تتبع النفقة ووجوب التابع على انسان دليل على وجوب المتبوع عليه (والثاني) تجب على صاحب المنفعة وهو قول الاصطخري وأصحاب الرأي وهو أصح ان شاء الله تعالى لانه يملك نفعها على التأبيد فكانت النفقة عليه كالزوج ولان نفعه له فكان عليه ضرره وكالمالك لهما جميعا يحققه أن إيجاب النفقة على من لا نفع له ضرر مجرد فيصير معنى الوصية أوصيت لك بنفع أمتي وابقيت على ورثتي ضررها والشرع ينفي هذا بقوله " لا ضرر ولا اضرار " ولذلك جعل الخراج بالضمان ليكون ضرره على من له نفعه وفارق المستأجر فان نفعه في الحقيقة للمؤجر لانه يأخذ الاجر عوضا عن المنافع (والثالث) أنها تجب في كسبه وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة لان كسبه من منافعه فإذا صرفت في نفقته فقد صرفت المنفعة الموصى بها بها إلى النفقة فصار كما لو صرف إليه شيئا من ماله سواء فان لم يكن لها كسب فقيل تجب نفقتها في بيت المال لان مالك الرقبة لا ينتفع بها وصاحب المنفعة لا يملك الرقبة فلا يلزمه اجبارها وكذلك سائر الحيوانات الموصى
بمنفعتها قياسا على الامة.
* (مسألة) * (وفي اعتبارها من الثلث وجهان) (أحدهما) يعتبر جميعها من الثلث يعني تقوم بمنفعتها ويعتبر خروج ثمنها من الثلث لان أمة لا منفعة فيها لا قيمة لها غالبا (والثاني) تقوم بمنفعتها ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما فإذا كان قيمتها بمنفعتها مائة وقيمتها مسلوبة المنفعة عشر علمنا ان قيمة المنفعة تسعون.
* (مسألة) * (وان وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح) وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا (فصل) وإذا وصى بثمرة شجرة مدة أو بماء تثمر أبدا صح ولا يملك واحد من الموصى له والوارث اجبار الآخر على سقيها لانه لا يجبر على سقي ملكه ولا سقي ملك غيره فان أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه فان يبست الشجرة فحطبها للوارث وان وصى له بثمرتها مدة بعينها فلم تحمل في تلك المدة فلا شئ للموصى له وان قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها في ذلك العام وكذلك إذا وصى له بما تحمل أمته أو شاته وان وصى لرجل بشجرة ولآخر بثمرتها صح وقام صاحب الرقبة مقام الوراث فيما له وان وصى له بلبن شاته وصوفها صح كما تصح الوصية بثمرة الشجرة وان أوصى بلبنها أو صوفها صح ويقوم الموصى به دون العين (فصل) وإذا وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما لان كل واحد منهما تعلق حقه بالزرع فان امتنع أحدهما من الانفاق فهما بمنزلة الشريكين أصل الزرع إذا امتنع أحدهما من
سقيه والانفاق عليه فيخرج في ذلك وجهان (أحدهما) يجبر على الانفاق عليه هذا قول أبي بكر لان في ترك الانفاق ضررا عليهما واضاعه للمال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا إضرار " ونهى عن اضاعة المال (والثاني) لا يجبر على الانفاق على ما نصيبه ولا على مال غيره إذا كان كل واحد منهما منفردا فكذلك إذا اجتمعها واصل الوجهين إذا استهدم الحائط المشترك فدعا أحد الشريكين الآخر إلى مباناته فامتنع وينبغي أن تكون النفقة عليهما على قدر قيمة كل واحد منهما
كما لو كانا مشتركين في أصل الزرع (فصل) وان أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا باذن الآخر وايهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وان انفقا على بيعه واصطلحا على لبسه جاز لان الحق لهما (فصل) فان وصى لرجل بدينار من غلة داره وغلتها ديناران صح فان أراد الورثة بيع نصفها وترك النصف الذي أجره دينار فله منعهم منه لا يجوز أن ينقص أجره عن الدنيا وان كانت الدار لا يخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه خاصة وترك الباقي فان كان عليه دينار أو أقل فهو للموصى له وان زادت فله دينار والباقي للورثة.
* (مسألة) * تصح الوصية بالمكاتب إذا قلنا يصح بيعه)
لانه مملوك يصح بيعه فصحت الوصية به كالقن ويقوم من انتقل إليه مقام السيد في الاداء إليه وان عجز عاد رقيقا له وان عتق فالولاء له كالمشتري فان عجز في حياة الموصي لم تبطل الوصية لان رقه لا ينافيها وان أدى بطلت فان قال ان عجز ورق فهو لك بعد موتي فعجز في حياة الموصي صحت الوصية وان عجز بعد موته بطلت كما لو قال لعبده ان دخلت الدار فانت حر بعد موتي فلم يدخلها حتى مات سيده وان قال ان عجز بعد موتي فهو لك ففيه وجهان نذكرهما في العتق فيما إذا قال ان دخلت الدار بعد موتى فأنت حر * (مسألة) * وان وصى له بمال الكتابة أو ينجم منها صح لانها تصح بما ليس بمستقر كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية وللموصى له أن يستوفي المال عند حلوله وله ان يبرئ منه ويعتق بأحدهما والولاء لسيده لانه المنعم عليه فان عجز وأراد الوارث تعجيزه وأراد الوصي انظاره فالقول قول الوارث لان حق الوصي في المال إذا كان العقد قائما وحق الوارث متعلق به إذا عجز يوده في الرق وليس للوصي ابطال حق الوارث من تعجيزه وكذلك إن أراد الوارث انظاره واراد الوصي تعجيزه فالحكم للوارث ولا حق للوصي في ذلك ولا نفع
له لان حقه يسقط به ومتى عجز عاد عبدا للوارث وان وصى بما يعجله المكاتب صح فان عجل شيئا فهو للوصي وان لم يعجل شيئا حتى حلت نجومه بطلت الوصية
* (مسألة) * (وان وصى لرجل برقبته ولآخر بما عليه صح فان أدى إلى صاحب المال أو ابرأه منه عتق وبطلت وصيته صاحب الرقبة) قاله أصحابنا ويحتمل أن لا تبطل ويكون الولاء له لانه أقامه مقام نفسه ولو لم يوص بها كان الولاء له فإذا أوصى بها كان الولاء للموصى له وكما لو وصى له بالمكاتب مطلقا لان الولاء يستفاد من الوصية بالرقبة دون الوصية بالمال وان عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقا له وبطلت وصية صاحب المال وان كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئا فهو له فان اختلفا في فسخ الكتابة بعد العجز قد قول صاحب الرقبة لانه يقوم مقام الورثة على ما ذكرنا (فصل) فان كانت الكتابة فاسدة فوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح لانه لا شئ في ذمته فان قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح لان الكتابة الفاسدة يؤدى منها المال كما يؤدى في الصحيحة وان وصى برقبة المكاتب فيها صح لانها تصح في المكاتبة الصحيحة ففي الفاسدة أولى والله أعلم (فصل) وإذا قال اشتروا بثلثي رقابا فاعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين لانه أوصى بالشراء لا بالدفع إليهم فان اتسع الثلث لم يجز أن يشتري أقل منها لانها أقل الجمع فان قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة بثمن ثلاثة غالية كان أولى وأفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق امرأ مسلما أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار " ولانه يفرج عن نفس زائدة فكان أفضل من عدم ذلك وان أمكن
شراء ثلاثة رخيصة وحصة من الرابعة بثمن ثلاثة غالية فالثلاثة أفضل لان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الرقاب قال " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " والقصد من العتق تكميل الاحكام من الولاية والجمعة والحج والجهاد وسائر الاحكام التي تختلف بالرق والحرية ولا يحصل ذلك الا باعتاق جميعه، وهذا التفصيل والله أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم انما يكون مع التساوي في المصلحة، فأما ان ترجح بعضهم بدين
وعفة وصلاح ومصلحة له في العتق بأن يكون مضرورا بالرق وله صلاح في العتق وغيره له مصلحة في الرق ولا مصلحة في العتق بل ربما تضرر به من فوات نفقته وكفايته ومصالحه وعجزه بعد العتق عن عن الكسب وخروجه عن الصيانة والحفظ فان اعتاق من كثرت المصحلة في اعتاقه أفضل وأولى وان قلت قيمته ولا يسوغ اعتاق من في اعتاقه مفسدة لان مقصود الموصي تحصيل الثواب والاجر ولا أجر في اعتاق هذا، ولا يجوز أن يعتق الا رقبة مسلمة فان الله تعالى لما قال (فتحرير رقبة) فلم يتناول الا المسلمة ومطلق كلام الآدمي محمول على مطلق كلام الله تعالى ولا يجوز اعتاق معيبة عيبا يمنع من الاجزاء في الكفارة والله أعلم * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومن اوصي له بشئ بعينه فتلف قبل موت الموصي أو بعده بطلت الوصية) كذلك حكاه ابن المنذر فقال أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا اوصي له بشئ فهلك الشئ ان لا شئ له في سائر مال الميت وذلك لان الموصى له انما يستحق بالوصية لا غير وقد تعلقت بمعين فإذا ذهب ذهب حقه كما لو تلف في يده والتركة في يد الورثة غير مضمونة عليهم لانها حصلت في أيديهم بغير فعلهم ولا تفريطهم فلا يضمنوا شيئا * (مسألة) * (ولو تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصى له)
لان حقوق الورثة لم تتعلق به لتعينه للموصى له ولذلك يملك أخذه بغير رضاهم واذنهم فكان حقه فيه دون سائر المال فحقوقهم في سائر المال دونه فأيهما تلف حقه لم يشارك الآخر في حقه كما لو كان التلف بعد ان اخذه الموصي له وكالورثة إذا اقتسموا ثم تلف نصيب احدهم قال احمد فيمن خلف مائتي دينار وعبدا قيمته مائة ووصى لرجل بالعبد فسرقت الدنانير بعد الموت فالعبد للموصى له به * (مسألة) * (وان لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الاخذ) وذلك لان الاعتبار في قيمة الوصية وخروجها من الثلث وعدم خروجها بحالة الموت لانها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها وهذا قول الشافعي واصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا فينظر كم كان الموصى به وقت الموت فان كان ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله فان زادت
قيمته حتى صار معادلا لسائر الاموال أو اكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصى له ولا شئ للورثة فيه فان كان حين الموت زائدا عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال فان كان نصف المال فللموصى له ثلثاه وان كان ثلثيه فللموصى له نصفه وان كان نصف المال وثلثه فللموصى له خمساه فان نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان حين الموت فلو وصى بعبد قيمته مائة وله مائتان فزادت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائتين فهو للموصى له كله وان كانت قيمته حين الموت مائتين فللموصى له ثلثاه لانهما ثلث المال فان نقصت قيمته بعد الموت حتى صار يساوي مائة لم يزد حق الموصى له عن ثلثيه شيئا الا ان يجيز الورثة وان كانت قيمته اربعمائه فللموصى له نصفه لا يزداد حقه عن ذلك سواء نقص العبد أو زاد * (مسألة) * (فان لم يكن له سوى المعين الا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصى له ثلث الموصى به وكلما اقتضى من الدين شئ أو حضر من الغائب ملك من الموصى به قدر ثلثه حتى يكمله كله)
وجملة ذلك ان من اوصى بمعين حاضر وسائر ماله دين أو غائب فليس للوصي اخذ المعين قبل قدوم الغائب وقبض الدين لانه ربما تلف فلا تنفذ الوصية في المعين كله ويأخذ الوصي من المعين ثلثه وهو ظاهر كلام الخرقي ذكره في المدبر وقيل لا يدفع إليه شئ لان الورثة شركاؤه في التركة فلا يحصل له شئ ما لم يحصل الورثة مثلاه ولم يحصل لهم شئ وهذا وجه لاصحاب الشافعي، والصحيح الاول لان حقه في الثلث مستقر فوجب تسليمه إليه لعدم الفائدة في وقفه كما لو لم يخلف غير المعين ولانه لو تلف سائر المال لوجب تسليم ثلث المعين إلى الوصي وليس تلف المال سببا لاستحقاق الوصية وتسليمها ولا يمتنع نفوذ الوصية في الثلث المستقر وان لم ينتفع الورثة بشئ كما لو ابرأ معسرا من دين عليه وقال مالك يخير الورثة بين دفع العين الموصى بها وبين جعل وصيته ثلث المال لان الموصي كان له ان يوصي بثلث ماله فعدل إلى المعين وليس له ذلك لانه بؤدي إلى ان يأخذ الموصى له المعين فينفرد بالتركة على تقدير تلف الباقي قبل وصوله إلى الورثة فيقال للورثة ان رضيتم بذلك والا فعودوا إلى
ما كان له ان يوصي به وهو الثلث ولنا أنه اوصى بما لا يزيد على الثلث لاجنبي فوقع لازما كما لو وصى له بمشاع وما قاله لا يصح لان جعل حقه في قدر الثلث اشاعة وابطال لما عينه فلا يجوز اسقاط ما عينه الموصي للموصى له ونقل حقه إلى ما لم يوص به كما لو وصى له بمشاع لم يجز نقله إلى معين، وكما لو كان المال كله
حاضرا أو غائبا.
إذا ثبت هذا فان للموصى له ثلث العين الحاضرة وكلما اقتضي من دينه شئ أو حضر من الغائب شئ فللموصى له بقدر ثلثه من الموصى به كذلك حتى يكمل للموصى له الثلث أو يأخذ المعين كله، فلو خلف تسعة عينا وعشرين دينارا وابنا ووصى بالتسعة لرجل فللوصي ثلثها ثلاثة وكلما اقتضي من الدين شئ فللوصي ثلثه فإذا اقتضى ثلثه فله من التسعة واحد حتى يقتضي ثمنانية عشر فتكمل له التسعة فان جحد الغريم أو مات أو يئس من استيفاء الدين أخذ الورثة الستة الباقية من العين ولو كان الدين تسعة فان الابن يأخذ ثلث العين ويأخذ الوصي ثلثها ويبقى ثلثها موقوفا كلما استوفي من الدين شئ فللوصي من العين قدر ثلثه فإذا استوفى الدين كله كمل للموصى له ستة وهي ثلث الجميع، وإن كانت الوصية بنصف العين أخذ الوصي ثلثها، واخذ الابن نصفها وبقي سدسها موقوفا، فمتى اقتضي من الدين مثليه كملت وصيته.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: