الفقه الحنبلي - الديات
(مسألة) (وان اختلفا في حياته ولا بينة لهما ففي أيهما يقدم قوله؟ وجهان) (أحدهما) يقدم قول الولي لان الاصل حياته فان الجنين إذا بلغ أربعة اشهر نفخ فيه الروح (والثاني) قول الجاني لان الاصل
براءة ذمته من الدية الكاملة (فصل) إذا دعت المرأة على رجل أنه ضربها فأسقط جنينها فأنكر الضرب فالقول قوله مع يمينه لان الاصل عدم الضرب، وإن أقر بالضرب أو قامت به بينة وأنكر أن تكون اسقطت فالقول قوله أيضا مع يمينه لانه لا يعلم أنها أسقطت، ولا يلزمه اليمين على البت لانها يمين على نفي فعل الغير والاصل عدمه، وإن ثبت الاسقاط والضرب ببينة أو اقرار فادعى أنها أسقطته من غير ضربه فان كانت أسقطته عقيب ضربه فالقول قولها لان الظاهر أنه منه لوجوده عقيب شئ يصلح أن يكون سببا له، وإن ادعى أنها ضربت نفسها أو شربت دواء أو فعل ذلك غيرها فحصل الاسقاط فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لان الاصل عدم ذلك، وإن أسقطت بعد الضرب بأيام وكانت متألمة إلى حين الاسقاط فالقول قولها، وإن لم تكن متألمة فالقول قوله مع يمينه كما لو ضرب انسانا فلم يبق متألما ولا ضمنا ومات بعد أيام، وإن اختلفا في وجود التألم فالقول قوله لان الاصل عدمه، وإن كانت متألمة في بعض المدة فدعى أنها برأت وزال ألمها وأنكرت ذلك فالقول قولها لان الاصل بقاؤه، وإن ثبت اسقاطها من الضربة
فادعت سقوطه حيا وأنكرها فالقول قوله مع يمينه الا أن تقوم لها بينة باستهلاله لان الاصل عدم ذلك وإن ثبتت حياته فادعت أنه لوقت يعيش مثله فأنكرها فالقول قولها مع يمينها لان ذلك لا يعلم الا من جهتها ولا يمكن اقامة البينة عليه فقيل قولها فيه كانقضاء عدتها ووجود حيضها وطهرها، وإن أقامت بينة باستهلاله وأقام الجاني بينة بخلافها قدمت بينتها لانها مثبتة فقدمت على النافية لان المثبتة معها زيادة اعلم، وإن ادعت أنه مات عقيب اسقاطه وادعى أنه عاش مدة فالقول قولها لان الاصل عدم حياته، وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه قدمت بينة الجاني لان معها زيادة علم، وإن ثبت أنه عاش مدة فما دعت أنه بقي متألما حتى مات أنكر فالقول قوله لان الاصل عدم التألم، فان أقاما بينتين قدمت بينتها الان معها زيادة علم، ويقبل في استهلال الجنين وسقوطه وبقائه متألما وبقاء أمه متألمة قول امرأة واحدة لانه مما لا يطلع عليه الرجال غالبا لان الغالب أنه لا يشهد الولادة الا النساء والاستهلال يتصل بها، وهن يشهدن حال المرأة وولادتها وحال الطفل ويعرفن علله وأمراضه وقوته وضعفه دون الرجال، وإن اعترف الجاني باستهلاله أو ما يوجب فيه دية كاملة فالدية في مال الجاني لا تحمله العاقلة لانها لا تحمل اعترافا، وأن كانت مما تحمل العاقلة فيه الغرة فهي على العاقلة وباقي الدية في مال القاتل (فصل) وإن انفصل منها جنينان ذكر وأنثى فاستهل أحدهما واتفقوا على ذلك واختلفوا في المستهل فقال الجاني هو الانثى وقال وارث الجنين هو الذكر فالقول قول الجاني مع يمينه لان اصل براءة
ذمته من الزائد على دية الانثى، فان كان لاحدهما بينة قدم بها وإن كان لهما بينتان وجبت دية الذكر لان البينة قد قامت باستهلاله والبينة المعارضة لها نافية له والاثبات مقدم على النفي، فان قيل فينبغي أن تجب ديتهما، قلنا لا تجب دية الانثى لان المستحق لها لم يدعها وهو مكذب للبينة الشاهدة بها فان ادعى الاستهلال منها ثبت ذلك بالبينتين، وإن لم تكن بينة فاعترف الجاني باستهلال الذكر فأنكرت العاقلة فالقول قولهم مع أيمانهم فإذا حلفوا كان عليهم دية الانثى وغرة ان كانت تحمل الغرة، وعلى الضارب تمام دية الذكر وهو نصف الدية لا تحمله العاقلة لانه ثبت باعترافه، وإن اتفقوا على أن أحدهما استهل
ولم يعرف بعينه لزم العاقلة دية أنثى لانها متيقنة وتمام دية الذكر مشكوك فيه والاصل براءة الذمة منه فلم يجب بالشك وتجب الغرة في الذي لم يستهل (فصل) إذا ضربها فألقت يدا ثم ألقت جنينا فان كان القاؤهما متقاربا أو بقيت المرأة متألمة إلى أن ألقته دخلت اليد في ضمان الجنين لان الظاهر أن الضرب قطع يده وسرى إلى نفسه فأشبه ما لو قطع يد رجل فسرى القطع إلى نفسه، ثم إن كان الجنين سقط ميتا أو حيا لوقت لا يعيش مثله ففيه غرة، وان ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ففيه دية كاملة، وإن بقي حيا فلم يمت فعلى الضارب ضمان اليد بديتها بمنزلة من قطع يد رجل فاندملت، وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي يسئل القوابل فان قلن انها يد من لم تخلق فيه الحياة ففيها نصف الغرة وإن قلن يد من خلقت فيه الحياة ففيها نصف الدية
ولنا أن الجنين انما يتصور بقاء الحياة فيه إذا كان حيا قبل ولادته بمدة طويلة أقلها شهران على ما دل عليه حديث الصادق الصدوق في أنه ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر وأقل ما يبقي بعد ذلك شهران لانه لا يحي إذا وضعته لاقل من ستة أشهر، والكلام فيما إذا لم يتخلل بين الضربة والاسقاط مدة طويلة تزيل ظن سقوطه بها فيعلم حنيئذ أنها كانت بعد وجود الحياة فيه، وأما ان ألقت اليد وزال الالم ثم ألقت الجنين ضمن اليد وحدها بمنزلة من قطع يدا فاندملت ثم مات صاحبها ثم ينظر فان ألقته ميتا أو لوقت لا يعيش لمثله ففي اليد نصف غرة لان في جميعه غرة ففي يده نصف ديته، وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات أو عاش وكان بين القاء اليد وبين القائه مدة يحتمل أن تكون الحياة لم تخلق فيه قبلها أري القوابل ههنا، فان قلن انها يد من لم تخلق فيه الحياة وجب نصف غرة وإن قلن انها يد من خلقت فيه الحياة ولم يمض له ستة أشهر وجب فيه نصف الغرة لانها يد من لا يجب فيه أكثر من غرة فأشبهت يد من لم تنفخ فيه الروح، وإن أشكل الامر عليهن وجب نصف الغرة لانه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا يجب بالشك (فصل) وإذا شربت الحامل دواه فألقت جنينا فعليها غره لا ترث منها شيئا لا نعلم بين أهل العلم خلافا في ذلك لانها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها فلزمها ضمانه بالغرة كما لو جني عليه غيرها ولا ترث
من الغرة شيئا لان القاتل لا يرث من دية المقتول ويرثها سائر ورثته، فان كان الجاني المسقط للجنين أباه أو غيره فعليه غرة لا يرث منها شيئا لما ذكرنا (فصل) وأن جني على بهيمة فألقت جنينها ففيه ما نقصها في قول عامة أهل العلم، وحكي عن أبى بكر أن فيه عشر قيمة أمه لانها جناية على حيوان يملك بيعه اسقطت جنينه أشبه جنين الامة وهذا لا يصح لان الجناية على الامة تقدر من قيمتها في ظاهر المذهب ففي يدها نصف قيمتها وفي موضحتها نصف عشر قيمتها وقد وافق أبو بكر على ذلك فقدر جنينها من قيمتها كبعض أعضائها.
والبهيمة انما يجب بالجناية عليها قدر نقصها فكذلك في جنينها ولان الامة آدمية ألحقت بالاحرار في تقدير أعضائها من قيمتها بخلاف البهيمة (فصل) ودية الاعضاء كدية النفس فان كان الواجب من الذهب والورق لم تختلف بعمد ولا خطأ، وأن كان من الابل وجبت في العمد أرباعا على احدى الروايتين، وفي الاخرى يجب خمس وعشرون حقه وخمس وعشرون جذعة وخمساها خلفات وفي الخطأ تجب أخماسا فان لم تمكن قيمته مثل أن يوضحه عمدا فانه يجب أربعة أرباعا والخامس من أحد الاجناس الاربعة قيمته ربع قيمة الاربع، وإن قلنا بالرواية الاخرى وجب خلفتان وحقه وجذعة ويعتبر قيمته نصف قيمة حقة ونصف قيمة جذعة، وإن كانت خطأ وجب الخمس من الاجناس الخمسة من كل جنس بعير، وإن كان
الواجب دية أنملة وقلنا تجب من ثلاثة أجناس وجب بعير وثلث من الخلفات وحقة وجذعة وإن قلنا أرباعا وجب ثلاثة وثلث قيمتها نصف قيمة الاربعة وثلثها، وإن كان خطأ فقيمتها ثلثا قيمة الخمس وعند أصحابنا أن قيمة كل بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة دنانير فلا فائدة في تعيين أسنانها، وإن اختلفت قيمة الدنانير والدراهم مثل أن كانت العشرة الدنانير تساوي مائة درهم فقياس قولهم إذا جاء بما قيمته عشرة دنانير لزم المجني عليه قبوله لانه لو جاءه بالدنانير لزمه قبولها فلزمه قبول ما يساويها (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وذكر أصحابنا ان القتل تغلظ ديته بالحرم والاحرام والاشهر
الحرم الرحم المحرم فيزاد لكل واحد ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الاربع وجب ديتان وثلث) وجملة ذلك ان الدية تغلظ بثلاثة أشياء: إذا قتل في الحرم والاشهر الحرم وإذا قتل محرما، ونص احمد على التغليظ فيما إذا قتل محرما في الحرم وفي الشهر الحرام، فأما إن قتل ذا رحم محرم فقال ابو بكر تغلظ ديته، وقال القاضي ظاهر كلام احمد انها لا تغلظ، وقال أصحاب الشافعي تغلظ بالحرم والاشهر الحرم وذي الرحم، وفي التغليظ بالاحرام وجهان، وممن روي عنه التغليظ عثمان وابن عباس والسعيدان وعطاء وطاوس ومجاهد وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وقتادة والاوزاعي ومالك والشافعي وإسحاق واختلف القائلون بالتغليظ في صفته فقال أصحابنا يغلظ لكل واحد من الحرمات ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الاربع وجبت ديتان وثلث
قال احمد في رواية ابن منصور فيمن قتل محرما في الحرم في الشهر الحرام فعليه أربعة وعشرون ألفا وهذا قول التابعين القائلين بالتغليظ.
وقال أصحاب الشافعي صفة التغليظ أيجاب دية العمد في الخطأ ولا يتصور التغليظ في غير الخطأ ولا يجمع بين تغليظين وهذا قول مالك إلا أنه يغلظ في العمد فإذا قتل ذا رحم محرم عمدا فعليه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وتغليظها في الذهب الفضة أن ينظركم قيمة أسنان الابل غير مغلظة وقيمتها مغلظة؟ ثم يحكم بزيادة ما بينهما كانت قيمتها مخففة ستمائة وفي العمد ثمانمائة وذلك ثلث الدية المخففة، وعند مالك تغلظ في الاب والام والجد دون غيرهم واحتجا على صفة التغليظ بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه حين حذفه بالسيف ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ولم يزد عليه في العدد شيئا وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر فكانت اجماعا، ولان ما أوجب التغليظ أوجبه في الاسنان دون القدر كالضمان ولا يجمع بين تغليظين لان ما أوجب التغليظ بالضمان إذا اجتمع سببان تداخلا كالحرام والاحرام في قتل الصيد وعلى أنه لا يغلظ بالاحرام لان الشرع لم يرد بتغليظه.
واحتج أصحابنا بما روي ابن ابي نجيح أن امرأة وطئت في الطواف فقضي عثمان رضي الله عنه فيها آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر انه قال: من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث
وعن ابن عباس أن رجلا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهذا مما يظهر وينتشر ولم ينكر فثبت اجماعا وهذا فيه الجمع بين تغليظات ثلاث ولانه قول التابعين والقائلين بالتغليظ واحتجوا على التغليظ في العمد أنه إذا غلظ الخطأ مع العذر فيه ففي العمد مع عدم العذر أولى وكل من غلظ الدية أوجب التغليظ في بدل الطرف بهذه الاسباب لان ما أوجب تغليظ دية النفس أوجب تغليظ دية الطرف (مسألة) (وظاهر كلام الخرقي أن الدية لا تغلظ لشئ من ذلك وهو قول الحسن والشعبي والنخعي وابي حنيفة وابن المنذر) وروي ذلك عن الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " في النفس المؤمنة مائة من الابل " لم يزد على ذلك، وعلى أهل الذهب ألف مثقال.
وفي حديث ابن شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وأنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلة فمن قتل له قتيل بعد ذلك فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وهذا القتيل كان بمكة في حرم الله تعالى ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على الدية ولم يفرق بين الحرم وغيره.
وقال الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة ألى أهله) وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وكل حال ولان عمر أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه لم يزد على مائة
وروى الجوزجاني باسناده عن ابي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيا من تلك السنن بقول فقهاء المدينة السبعة ونظرائهم ان تاسا كانوا يقولون إن الدية تغلظ في الشهر الحرام أربعة آلاف فتكون ستة عشر ألفا فألغى عمر ذلك بقول الفقهاء وأثبتها اثني عشر ألف درهم في الشهر الحرام والبلد الحرام وغيرهم.
قال ابن المنذر وليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح ففعل عمر في حديث قتادة أولى وهو مخالف لغيره فيقدم على قول من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس
(فصل) ولا تغلظ الدية بموضع غير حرم مكة وقال أصحاب الشافعي تغلظ الدية بالقتل في المدينة على قوله القديم لانها مكان يحرم صيده فأشبهت حرم مكة ولا يصح القياس لانها ليست محلا للمناسك فأشبهت سائر البلدان.
ولا يصح قياسها على الحرام لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " أي بلد هذا؟ أليست البلدة - قال - فان دماءكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " وهذا يدل على انه أعظم البلاد حرمة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ان أعتى الناس على الله رجل قتل في الحرم، ورجل قتل غير قاتله ورجل قتل بدخل في الجاهلية " وتحريم الصيد ليس هو العلة في التغليظ وإن كان من جملة المؤثر فقد خالف تحريمه تحريم الحرم فانه لا يجب الجزاء على من قتل فيه صيدا ولا يحرم الرعي فيه ولا الاحتشاش منه ولا ما يحتاج إليه من الرحل والعارضة والقائمة وشبهه
(مسألة) (وإن قتل مسلم كافرا عمدا ضعفت الدية على قاتله لازالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه) روى احمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابيه أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ عليه ألف دينار فذهب إليه احمد رحمه الله وله نظائر في مذهبه فانه أوجب على الاعور إذا قلع عين صحيح مماثلة لعينه دية كاملة لما درأ عنه القصاص وأوجب على سارق التمر المعلق مثلي قيمته لما درأ عنه القطع.
وذهب جمهور العلماء إلى ان دية الذمي في العمد والخطأ واحد لعموم الاخبار فيها وكما لو قتل حرا عبدا عمدا فانه لا تضعف القيمة عليه ولانه بدل متلف فلم يتضاعف بالعمد كسائر الابدال (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالاقل من قيمته أو ارش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية) وجملة ذلك ان جناية إذا كانت موجبة للمال أو كانت موجبة للقصاص فعفا عنها إلى المال تتعلق برقبته لانه لا يخلو من ان تتعلق برقبته أو ذمة سيده أو لا يجب شئ ولا يمكن إلغاؤها لانها جنايتها آدمي فوجب اعتبارها كجناية الحر، ولان جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره
وعدم تكليفه فالعبد اولى ولا يمكن تعليقها بذمته لانه يفضي إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه
إلى غير غاية ولا بذمة السيد لانه لمم يجن فتعين تعليقها برقبة العبد ولان الضمان موجب جنايته فتعلق برقبتة كالقصاص ثم لا يخلو ارش الجناية من ان يكون بقدر قيمته أو أقل أو أكثر فان كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين ان يفديه بارش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن واسحاق، وروي ذلك عن الشعبي وعطاء ومجاهد وعروة والحسن والزهري وحماد لانه إن دفع ارش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد ادى المحل الذي تعلق الحق به ولان حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها وإن طالب المجني عليه السيد بتسليمه إليه لم يجبر عليه السيد لما ذكرنا (مسألة) (وان كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان) (إحداهما) هي كالتي قبلها يخير بين تسليمه أو أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته لانه إذا أدى قيمته فقد أدى قدر الواجب عليه فلم يلزمه أكثر من ذلك كما لو كانت الجناية بقدر قيمته والرواية الثانية يلزمه تسليمه أو أن يفديه بأرش الجناية بالغة ما بلغت وهذا قول مالك لانه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه وللشافعي قولان كالروايتين ووجه الرواية الاولى أن الشرع قد جعل له فداءه فكان الواجب قدر قيمته كسائر المتلفات
(مسألة) (وان سلمه إليه السيد فأبى ولي الجناية الجناية قبوله وقال بعه أنت وادفع ثمنه إلي فهل يلزم السيد ذلك؟ على روايتين) (احداهما) لا يلزمه لانه إذا سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به، ولان حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة، وقد أدها.
(والثانية) يلزمه لان الجناية تقتضي وجوب أرشها وأرشها هو قيمة العبد (مسألة) (وان جنى عمدا فعفا الولي على القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضا السيد؟ على روايتين)
(احداهما) لا يملكه لانه إذا لم يملكه بالجناية فلان لا يملكه بالعفو أولى، ولانه أحد من عليه قصاص فلا يملك بالعفو كالحر ولانه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجاني جناية موجبة للمال (والثانية) إنه يملكه لانه مملوك استحق اتلافه فاستحق ابقاء على ملكه كعبده الجاني عليه (فصل) قال ابو طالب سمعت أبا عبد الله يقول إذا أمر غلامه فجنى فعليه ما جنى، وان كان أكثر من ثمنه، وان قطع يد حر فعليه يد الحر، وان كان ثمنه أقل وان أمره سيده أن يجرح رجلا فما جنى فعليه قيمة جناية، وان كان أكثر من ثمنه، وان قطع يد حر لانه بأمره وكان علي وابو هريرة يقولان إذا أمر عبده أن يقتل فانما هو سوطه يقتل الولي ويحبس العبد، وقال احمد بن بهز ثنا حماد بن سلمة ثنا قتادة عن حلاس ان عليا قال: إذا أمر الرجل عبده فقل انما هو
كسوطه أو كسيفه يقتل المولي، والعبد يستودع السجن ولانه فوت شيئا بأمره فكان على السيد ضماه كما لو استدان بأمره (مسألة) (وان جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص وان كان بعضها بعد بعض) وبهذا قال الحسن وحماد ربيعة وأصحاب الرأي والشافعي، وعن شريح أنه قال يقضى لآخرهم وبه قال الشعبي وقتادة لانها جناية وردت على محل مستحق فقدم صاحبها على المستحق قبله كجناية المملوك الذي لم يجز، وقال شريح في عبد شج رجلا ثم آخر ثم آخر فقال شريح يدفع إلى الاول إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع إلى الثاني ثم يدفع إلى الثالث ولنا انهم تساووا في سبب تعلق الحق فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الاول أولى لان حقه أسبق (مسألة) (وان عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه؟ على وجهين) (أحدهما) يستحق جميع العبد لان سبب استحقاقه موجود وانما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر له وقد زال المزاحم فثبت له الحق جميعه لوجود المقتضي وزوال المانع فهو كما لو جنى عليه انسان ففداه سيده ثم جنى
على آخر (والثاني) لا يستحق الا حصته لانه لم يثبت له قبل العفو الا حصته فكذلك بعده لان العفو عما يلزم السيد عفو عنه لا عن غيره (فصل) فان أعتق السيد عبده الجاني عتق وضمن ما تعلق به من الارش لانه أتلف محل الجناية على من تعلق حقه به فلزمه غرامته كما لو قتله وينبني قدر الضمان على الروايتين فيما إذا اختار امساكه بعد الجناية لانه منع من تسليمه باعتاقه فهو بمنزلة امتناعه من تسليمه باختيار فدائه، ونقل ابن منصور عن احمد انه أعتقه عالما بجنايته فعليه دية المقتول، وان لم يكن عالما بها فعليه قيمة العبد لانه إذا أعتقه مع العلم كان مختارا لفدائه بخلاف ما إذا لم يعلم فانه لم يختر الفداء لعدم علمه به فلم يلزمه أكثر من قيمة ما فوته (فصل) وان باعه أو وهبه صح لما ذكرنا في البيع ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته فان كان المشتري عالما بحاله فلا خيار له لانه دخل على بصيرة وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه إليه كالسيد الاول وان لم يعلم فله الخيار بين امساكه ورده كسائر المعيبات (مسألة) (وان جرح العبد حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر دية الحر واختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته صح العفو في ثلثه) لانه ثلث ما مات عنه ويبقي الثلثان للورثة، وان قلنا يفديه بديته صح العفو في خمسة أسداسه
وللورثة سدسه لان العفو صح في شئ من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة الف الا عشرة أشياء تعدل شيئين اجبر وقابل يصر ألف يعدل اثنى عشر شيئا فالشئ إذا يعدل نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس والله أعلم.
(فصل في الجناية على العبد) إذا قتل عبد مثله عمدا فسيد المقتول مخير بين القصاص والعفو فان عفا إلى مال تعلق المال برقبة القاتل لانه وجب بجنايته وسيده مخير بين فدائه وتسليمه فان اختار فداه بأقل الامرين من قيمته أو قيمة المقتول لانه ان كان الاقل قيمته لم يلزمه أكثر منها لانها
بدل عنه وان كان الاقل قيمة المقتول فليس لسيده أكثر منها لانها بدل عبده وعنه رواية أخرى أن سيده ان اختار فداءه بأرش الجناية بالغا ما بلغ وقد ذكرناه (فصل) فان قتل عشرة اعبد عبدا عمدا فعليهم القصاص فان اختار السيد قتلهم فله ذلك وان عفا إلى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم على كل واحد منهم عشرها يباع منه بقدرها أو يفديه سيده وان اختار قتل بعضهم والعفو عن البعض فله ذلك لان له قتل الجميع والعفو عنهم، وان قتل عبد عبدين لرجل واحد فله قتله والعفو عنه فان قتله سقط حقه وان عفا إلى مال تعلقت قيمة العبدين برقبته فان كانا لرجلين فكذلك إلا ان القاتل يقتل بالاول منهما لان حقه اسبق فان عفا عنه الاول قتل بالثاني وان
قتلهما دفعة واحدة اقرع بين السيدين فمن وقعت له القرعة اقتص وسقط حق الآخر وان عفا عن القصاص أو عفا سيد القتيل الاول إلى مال تعلق برقبة العبد وللثاني ان يقتص لان تعلق المال بالرقبة لا يسقط حق القصاص كما لو جنى العبد المرهون فان قتله الآخر سقط حق الاول من القيمة لانه لم يبق محل يتعلق به وان عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضا ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين ولم يقدم الاول بالقيمة كما قدمناه بالقصاص لان القصاص لان يتبعض بينهما والقيمة يمكن تبعيضها، فان قيل فحق الاول اسبق قلنا لا يراعى السبق كما لو اتلف اموالا لجماعة واحدا بعد واحد (فصل) فان قتل العبد عبدا بين شريكين كان لهما القصاص والعفو فان عفا أحدهما سقط القصاص وينتقل حقهما إلى القيمة لان القصاص لا يتبعض فان قتل عبدين لرجل واحد فله ان يقتص منه لاحدهما أيهما كان وسقط حقه من الاخر وله ان يعفو عنه إلى مال وتتعلق قيمتهما جميعا برقبته
(باب ديات الاعضاء ومنافعها) وهي نوعان (أحدهما) الشجاج وهي ما كان في الرأس والوجه وسنذكرها في بابها (الثاني) ما كان في سائر البدن وينقسم قسمين (احدهما) قطع عضو (والثاني) قطع لحم والمضمون في الآدمي ضربان (احدهما) ما ذكرنا (والثاني) تفويت منفعة كاذهاب السمع والبصر والشم والذوق والعقل ونحو ذلك
(من تلف ما في الانسان منه شئ واحد ففيه الدية، وهو الذكر والانف واللسان الناطق ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء) وجملة ذلك ان كل عضو لم يخلق الله سبحانه منه إلا واحدا كالانف واللسان فيه دية كاملة لان في اتلافه اذهاب منفعة الجنس واذهابها كالنفس (مسألة) (وما فيه منه شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفهما كالعينين والاذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وتندوتي الرجل واليدين والرجلين والخصيتين والاليتين) لان في اتلافهما اذهاب منفعة الجنس فكان فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وهذه الجملة مذهب الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا وقد روى الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له وكان في كتابه " وفي الانف إذا أوعب جذعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل
الواحدة نصف الدية " رواه النسائي ورواه ابن عبد البر وقال كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء وما فيه متفق عليه الا قليلا، وعن أحمد في الشفة السفلى ثلثا الدية وفي العليا ثلثها يروى هذا عن زيد بن ثابت لان النفع بالسفلى أعظم لانها تدور لانها تدور وتتحرك وتحفظ الريق والطعام، والاولى أصح لقول أبي بكر الصديق وعلي رضي الله عنهما ولان كل شيئين وجبت الدية فيهما وجب نصفها في أحدهما كاليدين ولا عبرة بزيادة النفع كاليمني مع اليسري (مسألة) (وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز ثلثها وعنه في المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة) وجملة ذلك أن ما في البدن منه ثلاثة ففيها الدية وفي كل واحد ثلثها وذلك المنخران والحاجز بينهما وبهذا قال إسحاق وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي لان المارن يشتمل على ثلاثة أشياء من جنس فتوزعت الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من الاصابع والاجفان، وعنه المنخرين الدية وفي الحاجز حكومة حكاها أبو الخطاب قال أحمد في كل زوجين من الانسان الدية وهو الوجه الثاني لاصحاب الشافعي لان المنخرين ليس في البدن لهما ثالث فأشبها اليدين ولانه بقطع المنخرين اذهب
الجمال كله والمنفعة فأشبه قطع اليدين، فعلى هذا الوجه في قطع أحد المنخرين نصف الدية وإن قطع معه الحاجز ففيه حكومة، وإن قطع نصف الحاجز أو أقل أو أكثر لم يزد على حكومة، وعلى الاول في قطع أحد المنخرين ونصف الحاجز نصف الدية وفي قطع جميعه مع المنخر ثلثا الدية وفي قطع
جزء من الحاجز أو أحد المنخرين بقدره من ثلث الدية يقدر بالمساحة، وان اشق الحاجز ففيه حكومة وان بقي منفرجا فالحكومة فيه أكثر والاول أظهر لان ما كان فيه ثلاثة أشياء ينبغي أن يوزع على جميعها كما وزعت الدية أرباعا على ما هو أربعة أشياء كأجفان العينين وانصافا على ما هو اثنان كاليدين (مسألة) (وفي الاجفان الاربعة الدية وفي كل واحد ربعها) كما ذكرنا فيما فيه منه اثنان (مسألة) وفي أصابع اليدين الدية وكذلك أصابع الرجلين وفي كل أصبع عشرها) لانها عشر الدية على عددها كما قسمت على عدد الاجفان ولما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الابل لكل أصبع " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي لفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه وهذه سواء " يعني الابهام والخنصر أخرجه البخاري (مسألة) (وفي كل أنملة ثلث عقلها) لان في كل أصبع ثلاث أنامل فتقسم دية الاصبع عليها كما قسمت دية اليد على الاصابع بالسوية الا الابهام فانها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها وهو خمس من الابل (مسألة) (وفي الظفر خمس دية الاصبع وهكذا ذكره أبو الخطاب) يعني إذا قلعه ولم يعد والتقديرات يرجع فيها إلى التوقيف فان لم يكن فيها توقيف فالقياس أن فيه حكومة كسائر الجراح التي ليس فيها مقدر
(مسألة) وفي كل سن خمس من الابل إذا قلعت ممن قد أثغر يعني ألقى أسنانه ثم عادت والاضراس والانياب كالاسنان ويحتمل أن يجب فيها دية واحدة)
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الاسنان خمس خمس في كل سن، وقد روي ذلك عن عمرو بن الخطاب وابن عباس ومعاوية وسعيد بن المسيب وعروة وعطاء وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم " في السن خمس من الابل " رواه النسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم قال " في الاسنان خمس خمس " رواه أبو داود، فأما الاضراس فأكثر أهل العلم على أنها مثل الاسنان منهم عروة وطاوس وقتادة والزهري ومالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو حنيفة ومحمد ابن الحسن، وروي ذلك عن ابن عباس ومعاوية، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى في الاضراس ببعير بعير، وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لو كنت أنا لجعلت في الاضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء رواه مالك في موطئه وعن عطاء نحوه، وحكي عن أحمد أن فيها دية واحدة فيتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد للاجماع على أن في كل سن خمسا من الابل وورود الحديث به فيكون في الاسنان والانياب ستون بعيرا لان فيه أربع ثانيا وأربع رباعيات وأربعة أنياب فيها خمس خمس وفيه عشرون ضرسا في كل جانب عشرة خمسة من فوق وخمسة من أسفل فيكون فيها أربعون بعيرا
في كل ضراس بعيران فتكمل الدية وحجة من قال هذا أنه ذو عدد تجب فيه الدية فلم تزد ديته على دية الانسان كالاصابع والاجفان وسائر مال في البدن ولانها تشتمل على منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس ولان الاضراس تختص بالمنفعة دون الجمال والاسنان فيها منفعة وجمال فاختلفا في الارش ولنا ما روى أبو داود باسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الاصابع سواء الثنية والضرس سواء والاسنان سواء هذه وهذه سواء " وهذا نص وقوله في الاحاديث المتقدمة " في الاسنان خمس خمس " ولم يفصل يدخل في عمومها الاضراس لانها أسنان ولان كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالاصابع والاجفان، وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال لا أعتبرها بالاصابع، فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه فمن ذهب إلى قولنا خالف المعنى الذي ذكروه ومن ذهب إلى قولهم خالف التسوية الثانية بقياس سائر الاعضاء من جنس واحد فكان ما
ذكرناه مع موافقة الاخبار وقول أكثر أهل العلم أولى، وأما على قول عمر ان في كل ضرس بعيرا فيخالف القياس والاخبار جميعا فانه لا يوجب الدية كاملة وانما يوجب ثمانين بعيرا ويخالف بين الاعضاء المتجانسة والله أعلم (مسألة) قال (إذا قلعت ممن قد ثغر وهو الذي ابدل أسنانه وبلغ حدا إذا قلعت سنه لم يعد بدلها) يقال ثغر واثغر إذا كان كذلك فأما سن الصبي الذي لم يثغر فلا يجب بقلعها في الحال شئ
هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفا وذلك لان العادة عود سنه فلم يجب فيها في الحال شئ كنتف شعره لكن ينظر عودها فان مضت مدة يئس من عودها وجبت ديتها قال أحمد يتوقف سنة لانها الغالب في نباتها وقال القاضي إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي أخذت الدية، وإن نبت مكانها أخرى لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله لكن ان عادت قصيرة أو مشوهة ففيها حكومة لان الظاهر أن ذلك بسبب الجناية عليها فان أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ففيها ديتها بقدر ما نقص وكذلك إن كانت فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيه بقدر ما ذهب منها كما لو كسر من سنة ذلك القدر، وإن نبتت أطول من أخواتها ففيها حكومة لان ذلك عيب وقيل لا شئ فيها لان هذا زيادة والصحيح الاول لان ذلك شين حصل بسبب الجناية فأشبه نقصها، وإن نبتت مائلة عن صف الاسنان حيث لا ينتفع بها ففيها ديتها لان ذلك كذهابها، وإن كانت ينتفع بها ففيها حكومة للشين الحاصل بها ونقص نفعها وإن نبتت صفراء أو حمراء أو متغيرة ففيها حكومة لنقص جمالها، وإن نبتت سوداء، أو خضراء ففيها روايتان حكاهما القاضي (احداهما) فيها دية (والثانية) حكومة كما لو سودها من غير قلعها وإن مات الصبي قبل اليأس من عودها فعلى وجهين (أحدهما) لا شئ له لان الظاهر أنه لو عاش عادت فلم يجب فيها شئ كما لو نتف شعره (والثاني) فيه الدية لانه قلع سنا يئس من عودها فوجبت ديتها كما لو مضى زمن تعود في مثله فلم تعد، وإن قلع سن من قد ثغر وجبت ديتها في الحال لان الظاهر
أنها لا تعود فان عادت لم تجب الدية وان كان قد أخذها ردها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك
لا يرد شيئا لان العادة أنها لا تعود فمتى هبة من الله مجددة فلا يسقط بذلك ما وجب له بقلع سنه وعن الشافعي كالمذهبين ولنا انه عادله في مكانها مثل التي قلعت فلم يجب له شئ كالذي لم يثغر وان عادت ناقصة أو مشوهة فحكمها حكم سن الصغير إذا عادت على ما ذكرنا ولو قلع سن من لم يثغر فمضت مدة يئس من عودها وحكم بوجوب الدية فعادت بعد ذلك فهي كسن الكبير إذا عادت (فصل) وان قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض فكانت منافعها باقية من المضع وحفظ الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك ان ذهب بعض منافعها وبقي بعضها لان جمالها وبعض منافعها باق فكملت ديتها كاليد المريضة ويد الكبير وان ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء على ما نذكره ان شاء الله تعالى، وان قلع سنا فيها داء آكلة فان لم يذهب شئ من اجزائها ففيها دية السن الصحيحة لانها كاليد المريضة، وان سقط من اجزائها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقي وان كانت أحد ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها كما لو نقصت بكسرها (فصل) وان جنى على سنه جان فاضطربت وطالت عن الاسنان وقيل انها تعود إلى مدة إلى
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: