الفقه الحنبلي - القسمة - قبول الشهادة
(فصل) وان اقتسم الورثة تركة الميت ثم ظهر عليه دين لا وفاء له الا ما اقتسموه لم تبطل القسمة إذا قلنا هي افراز حق لان تعلق الدين
بالتركة لا يمنع تصرف الوارث فيها كما لا يمنع تصرف السيد في
العيد الجاني لكن ان امتنعوا من وفاء الدين بيعت في الدين وبطلت القسمة لان الدين يقدم على الميراث لقوله تعالى (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فان وفي أحدهما دون الآخر صح في نصيبه وبيع نصيب الآخر فان قلنا ان القسمة بيع انبنى على بيع التركة وفيه وجهان ذكرنا دليلهما في المسألة قبل هذا فان قلنا يجوز لم تبطل القسمة وان قلنا لا يجوز فالقسمة باطلة لانه بيع فان قضوا الدين أعادوها والا بيع في قضائه والخلاف في ذلك بني على الخلاف في انتقال التركة إلى الورثة إذا كان على الميت دين وفيه روايتان ذكرناهما والمختار منهما والله أعلم (فصل) قال أحمد في قوم اقتسموا دار أو حصل لبعضهم فيها زيادة اذرع ولبعضهم نقصان ثم باعوا الدار جملة قسمت الدار بينهم على قدر الاذرع يعني ان الثمن يقسم بينهم على قدر ملكهم فيها
وهذا محمول على ان زيادة أحدهما في الاذرع لزيادة ملكه فيها مثل ان يكون لاحدهما الخمسان فيحصل له أربعون ذراعا وللآخر ثلاثة أخماس فيحصل له ستون ذراعا فان الثمن يقسم بينهم اخماسا على قدر ملكهما في الدار، فأما إن كانت زيادة الاذرع لرداءة ما أخذ صاحبها كدار تكون بينهما نصفين فأخذ أحدهما بنصيبه من جيدها أربعين ذراعا واخذ الآخر من رديئها ستين فلا ينبغي ان يقسم الثمن على قدر الاذرع بل يقسم بينهما نصفين لان الستين ههنا معدولة بالاربعين فلذلك تعدل بها في الثمن، وقال أحمد رحمه الله في قوم اقتسموا دارا كانت اربعة أسطحة يجري عليها الماء من أحد الاسطحة فلما اقتسموا أراد أحدهما منع جريان لآخر عليه وقال هذا شئ قد صار لي قال ان كان بينهما شرط برد الماء فله ذلك وان لم يشترط فليس له منعه ووجه ذلك انهم اقتسموا الدار واطلقوا فاقتضى ذلك أن يملك كل واحد حصته بحقوقها كما لو اشتراها بحقوقها ومن حقها جريان مائها فيما كان يجري إليه معتادا له وهو على سطح المانع فلهذا استحقه حالة الاطلاق فان تشارطا على رده فالشرط أملك والمؤمنون على شروطهم * (مسألة) * (وان اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة) لان القسمة تقتضي التعديل.
والنصيب الذي لا طريق له لا قيمة له الا قيمة قليلة فلا يحصل التعديل، ولان من شرط الاجبار على القسمة أن يكون ما أخذه كل واحد منهما يمكن الانتفاع
فيحصل له أربعون ذراعا وللآخر ثلاثة أخماس فيحصل له ستون ذراعا فان الثمن يقسم بينهم اخماسا على قدر ملكهما في الدار، فأما إن كانت زيادة الاذرع لرداءة ما أخذ صاحبها كدار تكون بينهما نصفين فأخذ أحدهما بنصيبه من جيدها أربعين ذراعا واخذ الآخر من رديئها ستين فلا ينبغي ان يقسم الثمن على قدر الاذرع بل يقسم بينهما نصفين لان الستين ههنا معدولة بالاربعين فلذلك تعدل بها في الثمن، وقال أحمد رحمه الله في قوم اقتسموا دارا كانت اربعة أسطحة يجري عليها الماء من أحد الاسطحة فلما اقتسموا أراد أحدهما منع جريان لآخر عليه وقال هذا شئ قد صار لي قال ان كان بينهما شرط برد الماء فله ذلك وان لم يشترط فليس له منعه ووجه ذلك انهم اقتسموا الدار واطلقوا فاقتضى ذلك أن يملك كل واحد حصته بحقوقها كما لو اشتراها بحقوقها ومن حقها جريان مائها فيما كان يجري إليه معتادا له وهو على سطح المانع فلهذا استحقه حالة الاطلاق فان تشارطا على رده فالشرط أملك والمؤمنون على شروطهم * (مسألة) * (وان اقتسما فحصلت الطريق في نصيب أحدهما ولا منفذ للآخر بطلت القسمة) لان القسمة تقتضي التعديل.
والنصيب الذي لا طريق له لا قيمة له الا قيمة قليلة فلا يحصل التعديل، ولان من شرط الاجبار على القسمة أن يكون ما أخذه كل واحد منهما يمكن الانتفاع به، وهذا لا ينتفع به آخذه، فان كان قد أخذه راضيا عالما بأنه لا طريق له جاز لان قسمة التراضي بيع وشراؤه على هذا الوجه جائز.
قال شيخنا وقياس المسألة التي قبل هذا ان الطريق تبقى بحالها في نصيب الآخر ما لم يشترط صرفها عنه كجري الماء * (مسألة) * (ويجوز للاب والوصي قسم مال المولى عليه مع شريكه) لان القسمة اما افراز حق أو بيع وكلاهما جائز لهما.
ولان في القسمة مصلحة للصبي فجازت كالشراء له، ويجوز لهما قسمة التراضي من غير زيادة في العوض لان فيه دفعا لضرر الشركة فأشبه ما لو باع لضرر الحاجة إلى قضاء الدين أو النفقة والله أعلم
* (تم بحمد الله وعونه الجزء الحادي عشر من كتابي المغني والشرح الكبير) * * (ويليه بمشيئة الله وتوفيقه الجزء الثاني عشر منهما وأوله (كتاب الشهادات)) *
الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه ج 12
الشرح الكبير
عبدالرحمن بن قدامه ج 12
الشرح الكبير على متن المقنع تأليف الشيخ الامام شمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة 682 ه كلاهما على مذهب امام الائمة (أبي عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل الشيباني) مع بيان الخلاف سائر الائمة وأدلتهم رضي الله عنهم الجزء الثاني عشر (وبه تم الكتاب) دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشهادات والاصل فيها الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقول الله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء - وقال سبحانه - وأشهدوا ذوي عدل منكم - وقال عزوجل - وأشهدوا إذا تبايعتم) وأما السنة فروى وائل بن حجر رضي الله عنه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي يارسول الله ان هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي (ألك بينة؟ - فقال لا قال - فلك يمينه) قال يارسول الله الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شئ قال (ليس لك منه إلا ذلك) قال فانطلق الرجل ليحلف له فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لان حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى محمد بن عبد الله العزرمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان
النبي صلى الله عليه وسلم قال (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) قال الترمذي هذا حديث في اسناده
مقال والعزرمي يضعف في الحديث من قبل حفظه ضعفه ابن المبارك وغير الا ان أهل العلم أجمعوا على هذا قال قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ولان العبرة تقتضي مشروعية الشهادة فان الحاجة داعية إليها لحصول التجاحد بين الناس فوجب الرجوع إليها قال شريح القضاء جمر فنحه عنك بعودين يعني الشاهدين وإنما الخصم داء والشهود شفاء فافرغ الشفاء على الداء، واشتقاق الشهادة من المشاهدة لان الشاهد يخبر عما شاهده، وقيل لان الشاهد يخبره ويجعل الحاكم كالشاهد للمشهود عليه وتسمى بينة لانها تبين ما التبس وتكشف الحق في المختلف فيه (مسألة) (تحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين وان لم يقم بها أحد تعينت على من وجد لقول الله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا - وقال - ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه) وإنما خص القلب بالاثم لانه موضع العلم بها ولان الشهادة امانة فلزم اداؤها كسائر الامانات وقال اله تعالى (ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات إلى أهلها) إذا ثبت هذا فإذا دعي إلى تحمل شهادة في نكاح أو دين أو عدة لزمته الاجابة قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) فان قام بافرض في التحمل والاداء اثنان سقط عن الجميع، وان امتنع الكل اثموا، وإنما يأثم
الممتنع إذا لم عليه ضرر وكانت شهادته تنفع، فان كان عليه ضرر في التحمل أو الاداء أو كان ممن لاتقبل شهادته أو يحتاج إلى التبذل في التزكية لم تلزمه لقول الله تعالى (ولا يضار كاتب ولا شهيد) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) وإنه لا يلزمه ان يضر نفسه لنفع غيره وإذا كان ممن لا تقبل شادته لم تجب عليه لان مقصود الشهادة لا يحصل منه وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه؟ فيه وجهان (أحدهما) يأثم لانه قد تعين بدعاية ولانه منهي عن الامتناع بقوله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (والثاني) لا يأثم لان غيره يقوم مقامه فلم تتعين في حقه كما لو لم يدع إليها فاما قول الله تعالى (ولا يضار كاتب ولا شهيد) فقد قرئ بالقتح والرفع فمن رفع فهو خبر معناه النهي ويحتمل معنيين (احدهما) ان يكون الكاتب فاعلا اي لا يضر الكاتب والشهيد من
يدعوه بالا يجيب أو يكتب ما لم يستكتب أو يشهد بما لم يستشهد (والثاني) ان يكون يضار فعل ما لم يسم فاعله فيكون معناه ومعنى الفتح واحدا أي لا يضر الكاتب والشهيد بقطعهما عن شغلهما بالكتابة والشهادة ويمنعا حاجتهما (مسألة) (قال الخرقي ومن لزمته الشهادة فعليه ان يقوم بها على القريب والبعيد ولا يسعه التخلف عن اقامتها وهو قادر على ذلك) قد ذكرنا ان الشهادة من فروض الكفايات فان تعينت عليه بان لا يتحملها من يكفي فيها سواه لزمه القيام بها، وان قام بها من يكفي غيره سقط عنه اداؤها إذا قبلها الحاكم فان كان تحملها
جماعة فأداؤها واجب على الكل إذا امتنعوا أثموا كلهم كسائر فروض الكفايات ودليل وجوبها قول الله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا - وقوله تعالى - يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط - وفي آية أخرى - كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين) ولان الشهادة أمانة فلزمه اداؤها كالوديعة (مسألة) (ولا يجوز لمن تعينت عليه أخذ الاجرة عليها ولا يجوز ذلك لمن لم تتعين عليه في أصح الوجهين) من له كفاية فليس له أخذ الجعل على الشهادة لانها اداء فرض فان فرض الكفاية إذا قام به البعض وقع منهم فرضا، وان لم تكن له كفاية ولا تعينت عليه حل له أخذ الجعل لان النفقة على عياله فرض عين فلا يشتغل عنه بفرض الكفاية، فإذا أخذ الرزق جمع بين الامرين فان تعينت عليه الشهادة احتمل ذلك ايضا واحتمل ألا يجوز لئلا يأخذ العوض عن اداء فروض الاعيان وقال أصحاب الشافعي لا يجوز أخذ الاجرة لمن تعينت عليه وهل يجوز لغيره؟ على وجهين (مسألة) (ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى أبيح اقامتها ولم يستحب وللحاكم ان يعرض له بالوقوف عنها في أحد الوجهين)
يجوز للشاهد اقامة الشهادة في حدود الله تعالى من غير تقدم دعوى لان ابا بكرة واصحابه شهدوا على المغيرة وشهد الجارود وأبو هريرة على قدامة بن مظعون بشرب الخمر من غير تقدم دعوى فاجيزت شهادتهم.
ولا يستحب اداؤها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ستر عورة ستره الله في الدنيا والآخرة) وللحاكم ان يعرض للشاهد بالوقوف عن الشهادة في اظهر الروايتين لما روى صالح في مسائله عن أبي عثمان النهدي قال جاء رجل إلى عمر فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فاستنكر ذلك ثم جاء شاب يخطر بيديه فقال عمر ما عندك يا سلح العقاب؟ وصاح به عمر صيحة فقال أبو عثمان والله لقد كدت ان يغشى علي فقال يا أمير المؤمنين رأيت أمرا قبيحا فقال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان باصحاب محمد فأمر باولئك النفر فجلدوا وفي رواية أنه لما شهد عنده على المغيرة شهد ثلاثة وبقي واحد فقال عمر أرى شابا حسنا وارجو ان لا يفضح الله على لسانه رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهذا تعريض ظاهر (مسألة) (ومن كانت عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله فان لم يعلمها استحب له إعلامه بها وله اقامتها قبل ذلك) إذا كان المشهود له يعلم له شهادة عند انسان لم يقمها الشاهد حتى يسأله صاحبها لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم ينذرون ولا يوفون ويشهدون
ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون) رواه البخاري فان كان لا يعلمها استجب له إعلام صاحبها بها كالوديعة وله اداؤها قبل اعلامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الا انبئكم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل ان يسألها) رواه أبو داود فيتعين حمل الحديث على هذه الصورة جمعا بين الخبرين (مسألة) (ولا يجوز أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع) وجملة ذلك ان الشهادة لا تجوز إلا بما يعلمه بدليل قول الله تعلى (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) وقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا) وتخصيص هذه الثلاثة بالسؤال لان العلم بالفؤاد وهو يستند إلى السمع والبصر لان مدرك
الشهادة الرؤية والسماع وهما بالبصر وقد روي عن ابن عباس انه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال (هل ترى المشس؟) قال نعم قال (على مثلها فاشهد أو دع) رواه الخلال باسناده في جامعه.
إذا ثبت هذا فان مدارك العلم كالشم والذوق واللمس لا حاجة إليها في الشهادة في الاغلب (مسألة) (والرؤية تخص بالافعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة وغيرها) فهذا لا يتحمل الشهادة إلا بالرؤية لانه تمكن الشهادة عليه قطعا ومن ذلك الصفات المرئية في المبيع ونحوها فلا يرجع إلى غير ذلك
(مسألة) (والسماع على ضربين سماع من المشهود عليه نحو الاقرار والعقود والطلاق) ونحو ذلك فيحتاج أن يسمع كلام المتعاقدين يقينا ولا تعتبر رؤية المتعاقدين إذا عرفهما وتيقن انه كلامهما وبهذا قال ابن عباس والزهري وربيعة والليث وشريح وعطاء وابن أبي ليلى ومالك، وذهب ابو حنيفة والشافعي إلى أن الشهادة لا تجوز حتى يشاهد القائل المشهود عليه لان الاصوات تشتبه فلا يجوز أن يشهد عليها من غير رؤية كالخط ولنا انه عرف المشهود عليه يقينا فجازت شهادته عليه كما لو رآه وجواز اشتباه الاصوات كجواز اشتباه الصور، وانما تجوز الشهادة لمن عرف المشهود عليه يقينا، وقد يحصل العلم بالسماع يقينا وقد اعتبره الشرع بتجويزه الرواية من غير رؤية ولهذا قبلت رواية الاعمى ورواية من روى عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير محارمهن (فصل) إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه ونسبه جاز أن يشهد عليه حاضرا كان أو غائبا، وان لم يعرف ذلك لم يجز أن يشهد عليه مع غيبته وجاز أن يشهد عليه حاضرا بمعرفة عينه نص عليه احمد قال مهنا سألت احمد عن رجل يشهد لرجل بحق له على آخر وهو لا يعرف اسم هذا ولا اسم هذا الا أنه يشهد له فقال إذ قال اشهد ان لهذا على هذا وهما شاهدان جميعا فلا بأس وإذا كان غائبا فلا يشهد حتى يعرف اسمه، والمرأة كالرجل في انه إذا عرف اسمها جاز أن يشهد عليها مع غيبتها وان لم يعرفها
لم يشهد عليها إلا في حال حضورها، قال احمد في رواية الجماعة لا تشهد الا لمن تعرف وعلى من تعرف ولا يشهد إلا على امرأة قد عرفها، وإن كانت ممن عرف اسمها ودعيت وذهبت وجاءت فليشهد والا فلا يشهد، فاما ان لم يعرفها فلا يجوز أن يشهد مع غيبتها ويجوز أن يشهد على عينها إذا عرف عينها ونظر إلى وجهها.
قال احمد لا تشهد على امرأة حتى تنظر إلى وجهها وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها فاما من تيقن معرفتها ويعرف صوتها يقينا فيجوز أن يشهد عليها إذا تيقن صوتها على ما قدمناه في المسألة قبلها فان لم يعرف المشهود عليه فعرفه عنده من يعرفه فروي عن احمد انه قال لا يشهد على شهادة غيره الا بمعرفته لها، وقال لا يجوز للرجل أن يقول للرجل اشهد ان هذه فلانة ويشهد على شهادته وهذا صريح في المنع من الشهادة على من لا يعرفه بتعريف غيره وقال القاضي يجوز أن يحمل هذا على الاستحباب لتجويزه الشهادة بالاستفاضة وظاهر قوله المنع منه، وقال احمد لا تشهد على امرأة الا باذن زوجها وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها إلا باذن زوجها لما روى عمرو بن العاص قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستأذن على النساء بالاذن أزواجهن رواه احمد في مسنده فاما الشهادة عليها في غير بيتها فجائزة لان اقرارها صحيح وتصرفها إذا كانت رشيدة صحيح فجاز أن يشهد عليها به
(فصل) إذا عرف الشاهد خطه ولم يذكر الشهادة فهل يجوز ان يشهد بذلك؟ على روايتين (أحداهما) لا يجوز، قال أحمد في رواية حرب فيمن يري خطه وخاتمه ولا يذكر الشهاد: لا يشهد إلا بما يعلم، وقال في رواية يشهد إذا عرف خطه وكيف تكون الشهادة الا هكذا؟ وقال في موضع آخر إذا عرف خطه ولم يحفظ فلا يشهد إلا أن يكون منسوخا عنده موضوعا تحت ختمه وحرزه فيشهد وان لم يحفظ، وقال أيضا إذا كان ردئ الحفظ يشهد ويكتبهما عنده وهذه رواية ثالثة وهو أن يشهد إذا كانت مكتوبة عنده بخطه في حرزه ولا يشهد إذا لم تكن كذلك بمنزلة القاضي في احدى الروايتين إذا وجد حكمه بخطه تحت ختمه ولا يمضيه إذا لم كن كذلك (مسألة) (الضرب الثاني سماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب الا بذلك كالنسب
والموت والملك والنكاح والخلع والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما أشبه ذلك) قال الخرقي وما تظاهرت به الاخبار واستقرت معرفته في قلبه شهد به كالشهادة على النسب والولادة، أجمع اهل العلم على صحة الشهادة بالنسب قال ابن المنذر لا أعلم احدا من أهل العلم منع منه ولو منع ذلك لاستحالت معرفته إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه ولو اعتبرت لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحدا من أقاربه، وقد قال الله تعالى (يعرفونه كما يعرفون ابناءهم) وكذلك الولادة واختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب والولادة فقال
أصحابنا هو تسعة اشياء النكاح والملك المطلق والوقف ومصرفه والموت والعتق والولاء والولاية والعزل وبهذا قال أبو سعيد الاصطخري وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم لا تجوز في الوقف والولاء والعتق والزوجية لان الشهادة ممكنة فيه بالقطع ولانها شهادة بعقد فاشبه سائر العقود، وقال أبو حنيفة لا تقبل إلا في النكاح والموت ولا تقبل في الملك المطلق لانها شهادة بمال فشابه الدين، وقال صاحباه تقبل في الولاء مثل عكرمة مولى ابن عباس ولنا ان هذه تتعذر الشهادة عليها في الغالب بمشاهدتها أو مشاهدة اسبابها فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب قال مالك ليس عندنا من يشهد على أحباس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بالسماع وقال: السماع في الاحباس والولاء جائز وقال أحمد في رواية المروذي اشهد ان داريختان لبختان وان لم يشهدك وقيل له تشهد ان فلانة امرأة فلان ولم تشهد فقال نعم إذا كان مستفيضا فاشهد اقول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وان خديجة وعائشة زوجتاه وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة، فان قيل يمكنه العلم بذلك بمشاهدة السبب قلنا وجود السبب لا يفيد العلم بكونه سببا يقينا فانه يجوز ان يشتري ما ليس بملك البائع ويصطاد صيدا صاده غيره ثم انفلت منه وان تصور ذلك فهو نادر وقول أصحاب الشافعي تمكن الشهادة على الوقف باللفظ لا يصح لان الشهادة ليست بالعقود ههنا انما يشهد بالوقف الحاصل بالعقد فهو بمنزلة الملك وكذلك يشهد بالزوجية دون العقد وكذلك الحرية والولاء
وهذه جميعها لا يمكن القطع بها كما لا يمكن القطع بالملك لانها مرتبة عليه فوجب ان تجوز الشهادة فيها بالاستفاضة كالملك سواء (مسألة) (ولا تقبل الاستفاضة الا من عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي وقال القاضي تسمع من عدلين فصاعدا) ذكره في المحرر لان الحقوق تثبت بقول اثنين وهذا قول المتأخرين من أصحاب الشافعي والقول الاول هو الذي تقضيه لفظة الاستفاضة فانها مأخوذة من فيض الماء لكثرته ولانه لو اكتفي فيه بقول اثنتين لا يشترط فيه ما يشترط في الشهادة على الشهادة وانما اكتفي بمجرد السماع وقد ذكر شيخنا في كتاب المقنع الخلع فيما يثبت بالاستفاضة ولم يذكره في المغني ولا في الكافي ولا رأيته في كتاب غيره ولعله قاسه على النكاح والاولى أنه لا يثبت قياسا على الطلاق والنكاح بخلاف الخلع (مسألة) (وان سمع انسانا يقر بنسب أب أو ابن فصدقه المقر له جاز ان يشهد له به وان كذبه لم يشهد وان سكت جاز ان يشهد ويحتمل ألا يشهد حتى يتكرر) إذا سمع رجلا يقول للصبي هذا ابني جاز ان يشهد به لانه مقر بنسبه وان سمع الصبي يقول هذا ابي فسكت الاب جاز ايضا لان سكوت الاب اقرار له والاقرار يثبت به النسب فجازت الشهادة به وانما أقيم السكوت ههنا مقام الاقرار لان الاقرار على الانتساب الباطل غير جائز بخلاف سائر
الدعاوى ولان النسب يغلب فيه الاثبات الا ترى انه يلحق بالامكان في النكاح؟ ويحتمل ان لا يشهد حتى يتكرر ذكره أبو الخطاب لان السكوت ليس باقرار حقيقي وانما أقيم مقامه فاعتبرت تقويته بالتكرار كما اعتبرت تقوية اليد في العقار بالاستمرار (مسألة) (وان رأى شيئا في يد انسان يتصرف فيه تصرف الملاك من النقض والبناء والاجارة والاعارة ونحوها جاز ان يشهد بالملك) قال ذلك أبو عبد الله ابن حامد وهو قول أبي حنيفة والاصطخري من أصحاب الشافعي ويحتمل ان لا يشهد الا باليد ولتصرف ذكره القاضي لان اليد ليست منحصرة في الملك فانه قد يكون باجارة
وإعارة وغضب ووكالة وهو قول بعض أصحاب الشافعي.
ووجه الاول ان اليد دليل الملك واستمرارها من غير منازع يقويها فجرت مجرى الاستفاضة فجاز ان يشهد بها كما لو شاهد سبب اليد من بيع أو إرث أو هبة واحتمال كونها من غصب واجارة أو نحو ذلك يعارضه استمرار اليد من غير منازع فلا يبقى مانعا كما لو شاهد سبب اليد فان احتمال كون البائع غير المالك والوارث والواهب لا يمنع الشهادة كذا ههنا، فان قيل فإذا بقي الاحتمال لم يحصل العلم ولا تجوز الشهادة الا بما يعلم، قلنا الظن يسمى علما قال الله تعالى (فان علمتموهن مؤمنات) ولا سبيل إلى العلم اليقيني ههنا فجاز بالظن (فصل) قال الشيخ رحمه الله ومن شهد بالنكاح فلابد من ذكر شروطه وأنه تزوجها بولي
مرشد وشاهدي عدل ورضاها لان الناس يختلفون في شروطه فيجب ذكرها لئلا يكون الشاهد معتقدا صحة النكاح وهو فاسد فان شهد بعقد سواه كالبيع والاجارة فهل يشترط ذكر شروطه؟ على روايتين مبنيتين على الروايتين فيما ادعاها وقد ذكرناه (مسألة) (وان شهد بالرضاع فلابد من ذكر عدد الرضعات وانه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه) لان الناس يختلفون في الرضعات وفي الرضاع المحرم فان شهد انه ابنها من الرضاع لم يكف لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها ولابد من ذكران ذلك في الحولين (مسألة) (وان شهد بالقتل احتاج ان يقول ضربه بالسيف أو جرحه فقتله أو مات من ذلك فان قال جرحه فمات لم يحكم به) لجواز ان يكون مات بغير هذا وقد روي عن شريح انه شهد عنده رجل فقال اتكأ عليه بمرفقه فمات فقال شريح فمات منه أو فقتله؟ فأعاد القول الاول فأعاد عليه شريح سؤاله فلم يقل فقتله ولا مات منه فقال له شريح قم فلا شهادة لك رواه سعيد (مسألة) (ومن شهد بالزنا فلا بد ان يذكر بمن زنى؟ واين زنى؟ وانه رأى ذكره في فرجها)
لان اسم الزنا يطلق على ما لا يوجب الجد وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنا زنا فاعتبر ذكر صفته ليزول الاحتمال واعتبر ذكر المرأة لئلا تكون ممن تحل له أوله في وطئها شبهة وذكر المكان لئلا
تكون الشهادة منهم على فعلين ومن أصحابنا من قال لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ولا ذكر المكان لانه محل الفعل فلا يعتبر ذكره كالزمان والاول أولى والزمان ممنوع في أحد الوجهين فانه يشترط ذكره لتكون شهادتهم على فعل واحد لجواز ان يكون ما شهد به احدهما غير ما شهد به الآخر ولان الناس اختلفوا في الشهادة في الحد مع تقادم الزمان فقال ابن أبي موسى لا تقبل لان عمر قال من شهد على رجل بحد فلم يشهد حين يصيبه فانما يشهد على ضغن وقال غيره من أصحابنا تقبل لانها شهادة بحق فجازت مع تقادم الزمان كالقصاص ولانه قد يعرض له ما يمنعه الشهادة في حينها ويتمكن منها بعد ذلك (مسألة) (ومن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة السرقة) لاختلاف العلماء في ذلك (مسألة) (وان شهد بالقذف فلابد من ذكر المقذوف وصفة القذف) لذلك (مسألة) (وان شهدا ان هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم به حتى يقولا ولدته في ملكه) إذا ادعى عبدا انه له فشهد له شاهدان انه ابن أمته أو ادعى ثمرة شجرة فشهدت له البينة انها ثمرة شجرته لم يحكم له بها لجواز ان تكون ولدته قبل تملكها واثمرت الشجرة هذه الثمرة قبل ملكه إياها، وان قالت البينة ولدته في ملكه أو أثمرتها في ملكه حكم له بالولد والثمرة لانها شهدت أنها نماء ملكه ما لم يرد سبب ينقله عنه فان قيل فقد قلتم لا تقبل شهادة بالملك السابق على الصحيح وهذه شهادة بملك سابق
قلنا الفرق بينهما على تقديم التسليم ان النماء تابع للملك في الاصل فاثبات ملكه في الزمن الماضي على وجه التبع وجرى مجرى ما لو قال ملكته منذ سنة واقام البينة بذلك فان ملكه يثبت في الزمن الماضي تبعا للحال فيكون له النماء فيما مضى، ولان البينة ههنا شهدت سبب الملك وهو ولادتها أو وجودها في ملكه فقويت بذلك ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي فقالت أفرضه ألفا أو
باعه ثبت الملك وان لم يذكره فمع ذكره أولى (مسألة) (وان شهدت انه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى يقولا وهي في ملكه) لما ذكرنا في المسألة قبلها ولانه يجوز ان يبيع ويقف ويعتق ما لا يملك (مسألة) (وان شهدان هذا الغزل من قطنه والطائر من بيضته أو الدقيق من حنطته حكم له بها) لانه لا يتصور ان يكون الطير من بيضته قبل ملكه البيضة وكذلك الغزل والدقيق ولان الغزل عين القطن وانما تغيرت صفته والدقيق اجزاء الحنطة تفرقت والطير هو البيض استحال فكأن البينة قالت هذا غزله ودقيقه وطيره وليس كذلك الولد والئمرة فانهما غير الام والشجرة ولو شهد ان هذه البيضة من طيره لم يحكم له يها حتى يقول باضها في ملكه لان البيضة غير الطير وانما هي من نمائه فهي كالولد ومذهب الشافعي في هذا الفصل على ما ذكرنا (فصل) وإذا مات رجل فادعي آخر انه وارثه فشهد له شاهدان انه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره سلم المال إليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا، وان قالا لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد احتمل ان يسلم المال إليه واحتمل ان لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها)
وجملة ذلك ان من ادعى أنه وارث فلان الميت فشهد له شاهدان انه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره قبلت شهادتهما وسلم المال إليه وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والعنبري، وقال ابن أبي ليلى لا يقبل حتى يبينا أنه لا وارث له سواه ولنا أن هذا مما لا يمكن علمه فكفى فيه الظاهر من شهادة الاصل بعدم وارث آخر قال أبو الخطاب سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لم يكونا وكذلك ذكره شيخنا ويحتمل ان لا يقبل الا من أهل الخبرة الباطنة لان عدم علمهم بوارث آخر ليس بدليل على عدمه بخلاف اهل الخبرة الباطنة فان الظاهر انه لو كان له وارث آخر لم يخف عليهم وهذا قول الشافعي فاما ان قالا لا نعلم له وارثا بهذه البلدة أو بارض كذا وكذا احتمل ان يسلم المال إليه وبهذا قال أبو حنيفة كما لو قالا لا نعلم له وارثا وذكر
ذلك مذهبا لاحمد واحتمل ان هذا ليس بدليل على عدم وارث سواه لانهما قد يعلمان أنه لا وارث له في تلك الارض ويعلمان له وارثا في غيرها فلم تقبل شهادتهما كما لو قالا لا نعلم له وارثا في هذا البيت وهذا قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد وهو أولى ان شاء الله تعالى (فصل) إذا مات رجل فشهد رجلان أن هذا الغلام ابن الميت لا نعلم له وارثا سواه وشهد آخران لاخران هذا الغلام بن هذا الميت لا نعلم له وارثا سواه فلا تعارض بينهما وثبت نسب الغلامين منه ويكون الارث بينهما لانه يجوز أن تعلم كل بينة ما لم تعلمه الاخرى.
(مسألة) (وتجوز شهادة المستخفي) المستخفي هو الذي يخفي نفسه عن المشهود عليه ليسمع اقراره ولا يعلم به مثل أن بجحد الحق علانية ويقر به سرا فيختبئ شاهدان في موضع لا يعلم بهما ليسمعا اقراره به ثم يشهدا به فشهادتهما مقبولة على الرواية الصحيحة، وهو قول الشافعي وروي عن أحمد رواية أخرى لا تسمع شهادته اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وروي ذلك عن شريح والشعبي لان الله تعالى قال (ولا تجسسوا) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من حدث بحديث ثم التفت فهي أمانة) يعني انه لا يجوز لسامعه ذكره عنه لالتفاته وحذره وقال مالك ان كان المشهود عليه ضعيفا ينخدع لم يقبلا عليه وان لم يكن كذلك قبلت.
ولنا انهما شهدا بما سمعاه يقينا فقبلت شهادتهما كما لو علم بهما.
(مسألة) (ومن سمع رجلا يقر بحق أو يشهد شاهدا بحق أو سمع حاكما يحكم أو يشهد على حكمه وانفاذه جاز أن يشهد به في إحدى الروايتين ولا يجوز في الاخرى حتى يشهده على ذلك) اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله فيمن سمع رجلا يقر بحق فالمذهب انه يجوز ان يشهد عليه وان لم يقل للشاهد اشهد علي وهي التي ذكرها الخرقي وبه قال الشعبي والشافعي، وعن احمد رواية ثانية لا يشهد حتى يقول له المقر اشهد علي كما لا يجوز ان يشهد على شهادة رجل حتى يسترعيه إياها ويقول له اشهد على شهادتي وعنه رواية ثالثة إذا سمعه يقر بقرض لا يشهد وإذا سمعه يقر بدين شهد، لان المقر بالدين معترف انه عليه والمقر بالقرض لا يعترف بذلك لجواز أن يكون قد وفاه وعنه
رواية رابعة إذا سمع شيئا فدعي إلى الشهادة به فهو بالخيار ان شاء شهد وان شاء لم يشهد قال ولكن يجب عليه إذا شهد ان يشهد (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) قال إذا شهدوا وقال ابن أبي موسى إذا سمع رجلا يقر لرجل بحق ولم يقل اشهد علي بذلك وسع الشاهد أن يشهد عليه فيقول أشهد اني حضرت اقرار فلان بكذا، وان سمعه يقول اقترضت من فلان أو قبضت من فلان لم يجز ان يشهد وبه والصحيح الاول لان الشاهد يشهد بما علمه وقد حصل له العلم بسماعه فجاز ان يشهد به كما يجوز ان يشهد بما رآه من الافعال فأما الشهادة على الشهادة فهي ضعيفة فاعتبرت تقويتها بالاسترعاء وذكر القاضي ان في الافعال روايتين (احداهما) لا يشهد به حتى يقول له المشهود عليه اشهد، قال شيخنا وهذا ان اراد به العموم في جميع الافعال فلا يصح لان ذلك يؤدي إلى منع الشهادة عليه بالكلية فان الغاصب لا يقول لاحد اشهد أني غصبت ولا السارق ولا الزاني واشباه هؤلاء وقد شهد أبو بكرة وأصحابه على المغيرة بالزنا فلم يقل عمر هل اشهدكم اولا؟ ولا قاله للذين شهدوا على قدامة بشرب الخمر ولا قاله عثمان للذين شهدوا على الوليد بن عقبة بشرب الخمر ولم يقل هذا احد من الصحابة ولا غيرهم ولا بلغنا عن حاكم من حكام المسلمين في قديم الدهر وحديثه أنه رد شهادة على فعل بكون الشاهد لم يحملها فحصل ذلك اجماعا ولان الشاهد مخبر صادق وهذا يحصل من غير ان يقال له اشهد وكذلك ان سمع
الحاكم يحكم أو شهد على حكمه وانفاذه جاز ان يشهد على ذلك في اظهر الروايتين والاخرى لا يجوز حتى يشهده ووجههما ما ذكرنا والله أعلم (فصل) ولو حضر شاهدان حسابا بين رجلين شرطا عليهما ان لا يحفظا عليهما شيئا كان للشاهدين ان يشهدا بما سمعاه منهما ولم يسقط ذلك بشرطهما لان للشاهد ان يشهد بما سمعه أو علمه وقد حصل ذلك سواء اشهده أو منعه وكذلك يشهدان على العقود بحضورهما وعلى الجنايات بمشاهدتهما ولا يحتاجان إلى إشهاد وبه قال ابن سيرين ومالك والثوري والشافعي
(فصل) والحقوق على ضربين (أحدهما) حق لآدمي معين كالحقوق المالية والنكاح وغيره من العقود والعقوبات كالقصاص وحد القذف والوقف على آدمي معين فلا تسمع الشهادة فيه الا بعد الدعوى لان الشهادة فيه حق لآدمي فلا يستوفى الا بعد مطالبته واذنه ولانه حجة على الدعوى ودليل لها فلا يجوز تقديمها عليها (الضرب الثاني) اما كان حقا لآدمي غير معين كالوقوف على الفقراء والمساكين أو على مسجد أو سقاية أو مقبرة مسبلة والوصية لشئ من ذلك أو نحو هذا، وما كان حقا لله تعالى كالحدود الخالصة لله تعالى أو الزكاة الكفارة قلا تفتقر الشهادة إلى تقدم الدعوى لان ذلك ليس له مستحق معين من الادميين يدعيه ويطالب به ولذلك شهد أبو بكرة وأصحابه على المغيرة وشهد الجارود وأبو هريرة على قدامة بن مظعون بشرب الخمر من غير تقدم دعوى فاجيزت شهادتهم
ولذلك لم يعتبر في ابتداء الوقف قبول من أحد ولا رضى منه وكذلك ما لا يتعلق به حق أحد كتحريم الزوجة بالطلاق أو الظهار أو إعتاق الرقيق تجوز الحسبة به ولا تعتبر فيه الدعوى فلو شهد شاهدان بعتق عبد أو أمة ابتداء ثبت ذلك سواء صدقهما المشهود عليه أو لم يصدقهما وبهذا قال الشافعي وقال به أبو حنيفة في الامة وقال في العبد لا يثبت ما لم يصدق العبد به ويدعيه لان العتق حقه فاشبه سائر حقوق ولنا أنها شهادة بعتق فلا تفتقر إلى تقدم الدعوى كعتق الامة وتخالف سائر حقوق الآدمي لانه حق لله تعالى ولهذا لا يفتقر إلى قبول العتق ودليل ذلك الامة وبه يبطل ما ذكروه فان قال الامة يتعلق باعتاقها تحريم الوطئ قلنا هذا لا أثر له فان البيع يوجب تحريمها عليه ولا تسمع الشهادة الا بعد الدعوى (فصل) قال الشيخ رحمه الله (إذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر وشهد آخر أنه غصبه ثوبا أبيض أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم وشهد الآخر أنه غصبه أمس لم تكمل البينة وكذلك كل شهادة على الفعل إذا اختلفا في الوقت) متى كانت الشهادة على فعل فاختلف الشاهدان في زمنه أو مكانه أو صفة له تدل على تغاير الفعلين لم تكمل شهادتهما مثل ان يشهد أحدهما أنه غصبه دينارا يوم السبت بدمشق ويشهد الآخر أنه غصبه بمصر أو يشهد أحدهما أنه غصبه دينارا ويشهد الآخر انه غصبه ثوبا فلا تكمل الشهادة لان كل فعل
لم يشهد به شاهدان.
وهكذا ان اختلفا في زمن القتل ومكانه أو صفته أو في شرب الخمر أو القذف
لم تكمل الشهادة لان ما شهد به أحد الشاهدين غير الذي شهد به الآخر فلم يشهد بكل واحد من الفعلين الا شاهد واحد فلم يقبل إلا على قول أبي بكر فان هذه الشهادة تكمل ويثبت المشهود به إذا اختلفا في الزمان أو المكان، فاما ان اختلفا في صفة الفعل فشهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض وشهد الاخر أنه سرق مع الزوال كيسا أسود أو شهد احدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة وشهد الاخر أنه سرقه عشيا لم تكمل الشهادة ذكره ابن حامد وقال أبو بكر تكمل الشهادة والاول اصح لان كل فعل لم يشهده الا واحد على ما قدمنا، فان اختلفا في صفة المشهود به اختلافا يوجب تغايرهما مثل ان يشهد احدهما بثوب والآخر بدينار فلا خلاف في أن الشهادة لا تكمل لانه لا يمكن ايجابهما جميعا لانه يكون ايجاب حق عليه بشهادة واحد ولا ايجاب أحدهما بعينه لان الآخر لم يشهد به وليس أحدهما أولى من الآخر فاما ان شهد بكل فعل شاهدان واختلفا في المكان أو الزمان أو الصفة ثبتا جميعا لان كلا منهما قد شهد به بينة عادلة لو انفردت اثبتت الحق وشهادة الاخرى لا تعارضها لامكان الجمع بينهما الا ان يكون الفعل مما لا يمكن تكراره كقتل رجل بعينه فتتعارض البينتان لعلمنا أن إحداهما كاذبة ولا نعلم أيتهما هي؟ بخلاف ما يتكرر ويمكن صدق البينتين فيه فانهما يثبتان جميعا ان ادعاهما وان لم يدع إلا أحدهما ثبت له ما ادعاه دون ما لم يدعه، وان شهد اثنان انه سرق مع الزوال كيسا أسود وشهد آخران انه سرق مع الزوال كيسا أبيض أو شهد اثنان انه سرق هذا الكيس غدوة وشهد آخران أنه سرقه عشيا فقال القاضي يتعارضان وهو مذهب الشافعي كما لو كان المشهود به قتلا، قال شيخنا والصحيح أن هذا لا تعارض فيه لانه يمكن صدق البينتين بان يسرق عند الزوال كيسين أبيض
وأسود وتشهد كل بينة باحدهما ويمكن ان يسرق كيسا غدوة ثم يعود إلى صاحبه أو غيره فيسرقه عشيا ومع إمكان الجمع لا تعارض فلى هذا ان ادعاهما المشهود له ثبتا له في الصورة الاولى وأما في الصورة الثانية فيثبت له الكيس المشهود به حسب فان المشهود به وان كان فعلين لكنهما في محل
واحد فلا يجب أكثر من ضمانه، وإن لم يدع المشهود له إلا أحد الكيسين ثبت له ولم يثبت له الآخر لعدم دعواه إياه، وان شهد له شاهد بسرقة كيس في يوم وشهد آخر بسرقة كيس في يوم آخر أو شهد أحدهما بسرقته من مكان وشهد آخر بسرقته في مكان آخر أو شهد احدهما بغصب كيس أبيض وشهد آخر بغصب كيس أسود فادعاها المشهود له فله أن يحلف مع كل واحد منهما ويحكم له به لانه مال قد شهد له شاهد وان لم يدع إلا أحدهما ثبت له ما ادعاه ولم يثبت له الآخر لانه لم يدعه.
(مسألة) (وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس وشهد آخر انه اقر له بألف اليوم أو شهد أحدهما انه باعه داره أمس وشهد آخر انه باعه إياها اليوم كملت البينة وثبت البيع والاقرار وكذلك كل شهادة على القول) أما إذا شهد أحدهما انه اقر له بالف امس وشهد آخر انه أقر له بألف اليوم كملت البينة، لان الالف التي شهد بها احدهما هي الالف التي شهد بها الآخر ولان الشاهدين شهدا بالف وان شهد احدهما انه باعه أمس وشهدا آخر انه باعه اليوم أو شهد احدهما انه طلقها امس وشهد آخر انه طلقها
اليوم، فقال أصحابنا تكمل الشهادة وقال الشافعي لا تكمل لان كل واحد من البيع والطلاق لم يشهد به إلا واحد أشبه ما لو شهد بالغضب في وقتين.
ووجه قول اصحابنا أن المشهود به شئ واحد يجوز ان يعاد مرة بعد اخرى ويكون واحدا فاختلافهما في الوقت ليس باختلاف فيه فلم يؤثر كما لو شهد احدهما بالعربية والآخر بالفارسية وكذلك الحكم في كل شهادة على قول فالحكم فيه كالحكم في البيع الا النكاح فانه كالفعل إذا شهد احدهما انه تزوجها أمس وشهد الآخر انه تزوجها اليوم لم تكمل الشهادة في قولهم جميعا لان النكاح امس غير النكاح اليوم فلم يشهد بكل واحد من العقدين الا شاهد واحد فلم يثبت كما لو كانت الشهادة على فعل.
(مسألة) (وكذلك القذف إذا شهد احدهما انه قذفه غدوة وشهد الآخر انه قذفه عشية أو شهد أحدهما أنه قذفه بالعربية وشهد الآخر أنه قذفه بالعجمية أو اختلفا في المكان لم يثبت القذف) لان القذف في مكان غير القذف في المكان الآخر وكذلك الاختلاف في الزمان وقال أبو بكر يثبت
القذف لان المشهود به واحد وإن اختلفت العبارة واختلف الزمان والاول المذهب (فصل) في الشهادة على الاقرار بالفعل مثل أن يشهد أحدهما انه أقر عندي يوم الخميس بدمشق
أنه قتله أو قذفه أو غصبه كذا أو ان له في ذمته كذا ويشهد الآخر أنه أقر عندي بهذا يوم السبت بحمص كملت شهادتهما، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال زفر لا تكمل شهادتهما لان كل اقرار لم يشهد به إلا واحد فلم تكمل الشهادة كالشهادة على الفعل ولنا ان المقر به واحد وقد شهد اثنان بالاقرار به فكملت شهادتهما كما لو كان الاقرار بهما واحدا وفارق الشهادة على الفعل فان الشهادة فيها على فعلين مختلفين فنظيره من الاقرار أن يشهد أحدهما أنه أقر عندي أنه قتله يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر أنه قتله يوم الجمعة فان شهادتهما لا تقبل ههنا ويحقق ما ذكرناه أنه لا يمكن جمع الشهود لسماع الشهادة في حق كل واحد والعادة جارية بطلب الشهود في أماكنهم لا في جمعهم إلى المشهود له فيمضي إليهم في أوقات منفردة واماكن مختلفة فيشهدهم على إقراره فان كان الاقرار بفعلين مختلفين مثل أن يقول أحدهما أشهد انه أقر عندي أنه قتله يوم الخميس وقال الآخرر أشهد أنه أقر عندي انه قذفه بالعجمية لم تكمل الشهادة لان الذي يشهد به أحدهما غير الذي شهد به صاحبه فلم تكمل الشهادة كما لو شهد أحدهما أنه أقر أنه غصبه دنانير وشهد الآخر أنه غصبه دراهم لم تكمل وعلى قول أبي بكر تكمل الشهادة في القتل والقذف لان القذف بالعربية أو العجمية والقتل بالبصرة أو الكوفة ليس من المقتضي فلا تعتبر في الشهادة والاول أصح
(فصل) فان شهد أحدهما أنه غصبه هذا العبد وشهد الآخر أنه أقر بغصبه منه كملت الشهادة ويحكم بها لانه يجوز أن يكون الغصب الذي أقر به هو الذي شهد الشاهد به فلم يختلف الفعل وكملت الشهادة كما لو شهدا في وقتين على اقراره بالغصب وقال القاضي لا تكمل الشهادة ولا يحكم بها وهو قول الشافعي لانه يجوز ان يكون ما أقر به غير ما شهد به الشاهد وهذا يبطل بالشهادة على اقرارين فانه يجوز أن يكون ما أقر به عند أحد الشاهدين غير ما اقر به عند الآخر إذا كانا في وقتين مختلفين
ولانه إذا أمكن جعل الشهادة على فعل واحد لم يحمل على اثنين كالاقرارين وكما لو شهد بالغصب اثنان وشهد على الاقرار به اثنان فان شهد احدهما أنه غصب هذا العبد من زيد أو اقر بغصبه منه وشهد الآخر انه ملك زيد لم تكمل شهادتهما لانهما لم يشهدا على شئ واحد وان شهد انه اخذه من يديه ألزمه الحاكم رده إلى يديه لان اليد دليل الملك فيرده إلى يده لتكون دلالتها ثابتة له قال مهنا سألت أبا عبد الله عن رجل ادعى دارا في يد رجل وأقام شاهدين شهد احدهما قال أشهد ان هذه الدار لفلان وقال الآخر اشهد ان هذه الدار دار فلان قال شهادتهما جائزة (مسألة) (وان شهد شاهد أنه اقر له بألفين وشهد آخر انه اقر له بالف ثبت الالف ويحلف على الآخر مع شاهده ان احب) وجملة ذلك أنه إذا شهد احد الشاهدين بشئ وشهد الآخر ببعضه صحت الشهادة وثبت ما اتفقا عليه وحكم به وهذا قول شريح ومالك والشافعي وابن ابي ليلى وابي يوسف ومحمد واسحاق وابي
عبيد وحكي عن الشعبي انه شهد عنده رجلان شهد احدهما انه طلقها تطليقة وشهد آخر انه طلقها تطليقتين فقال قد اختلفتما قوما وحكي عن ابي حنيفة انه إذا شهد شاهد انه أقر بالف وشهد آخر انه اقر بألفين لم تكمل الشهادة لان الاقرار بالالف غير الاقرار بألفين ولم يشهد بكل اقرار الا واحد.
ولنا ان الشهادة قد كملت فيما اتفقا عليه فحكم به كما لو لم يرد احدهما على صاحبه وما ذكروه من ان كل إقرار إنما شهد به واحد يبطل بما إذا شهد احدهما انه اقر بالف غدوة وشهد الآخر انه اقر بألف عشيا فان الشهادة تكمل مع ان كل اقرار إنما شهد به واحد فاما ما انفرد به احدهما فان للمدعي ان يحلف معه ويستحق هذا قول من يرى الحكم بشاهد ويمين وهذا فيما إذا أطلقا الشهادة أو لم تختلف الاسباب والصفات.
(فصل) إذا شهد له شاهدان بالف وشاهدان بخمسمائة ولم تختلف الاسباب والصفات دخلت الخمسمائة في الالف ووجب له الالف بالشاهدين، وان اختلفت الاسباب والصفات وجب له الالف والخمسمائة ولم يدخل احدهما في الآخر لانهما مختلفان
(مسألة) (وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا وشهد آخران له عليه ألفين فهل تكمل البينة على ألف؟ على وجهين) (أحدهما): تكمل كالتي قبلها، (والثاني): لا تكمل لانه يحتمل أن يكون الالف المنفرد من غير الالفين.
(مسألة) (وإن شهد أحدهما أن له عليه الفا من قرض وشهد آخران أن له عليه الفا من ثمن مبيع لم تكمل البينة) أما إذا اختلفت الاسباب والصفات مثل أن يشهد شاهد بألف من قرض وآخر بألف من ثمن مبيع أو يشهد شاهد بألف بيض وآخر بألف سود أو يشهد أحدهما بالف دينار والآخر بالف درهم لم تكمل البينة وكان له أن يحلف مع كل واحد منهما ويستحقها أو يحلف مع أحدهما ويستحق ما شهد به (مسألة) (وإن شهد شاهدان أن له عليه الفا وقال أحدهما قضاه بعضه بطلت شهادته نص عليه وإن شهد انه أقرضه ألفا وقال أحدهما قضاه نصفه صحت شهادتهما) إذا شهدا ان له عليه ألفا ثم قال أحدهما قضاه نصفه بطلت شهادته وهكذا ذكره أبو الخطاب وذلك بأنه شهد بأن الالف جميعه عليه فإذا قضاه بعضه لم يكن الالف كله عليه فيكون كلامه متناقضا فتفسد شهادته وفارق هذا ما لو شهد بألف ثم قال بل بخمسمائة لان ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة واقرار بغلط نفسه وهذا لا يقول ذلك على وجه الرجوع والمنصوص عن أحمد ان شهادته تقبل بخمسمائة فانه قال إذا شهد بالف ثم قال أحدهما قبل الحكم قضاه منه خمسمائة افسد شهادته والمشهود له ما اجتمعا عليه وهو خمسمائة فصحت شهادته في نصف الالف الباقي وأبطلها في النصف الذي ذكر أنه قضاه لانه بمنزله الرجوع عن الشهادة به فأشبه ما لو قال اشهد بألف بل خمسمائة قال أحمد ولو جاء
بعد هذا المجلس فقال أشهد انه قضاه منه خمسمائة لم يقبل منه لانه قد أمضى الشهادة فهذا يحتمل أنه أراد إذا جاء بعد الحكم فشهد بالقضاء لم يقبل منه لان الالف قد وجب بشهادتهما وحكم الحاكم ولا
تقبل شهادته بانقضاء لانه لا يثبت بشاهد واحد فألما ان شهد أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما قضاه منه خمسمائة قبلت شهادته في باقي الالف وجها واحدا لانه لا تناقض في كلامه ولا اختلاف (مسألة) (وإن كانت له بينة بألف فقال أريد ان تشهدا لي بخمسمائة لم يجز) وعند أبي الخطاب يجوز قال أحمد إذ شهد على الف وكان الحاكم لا يحكم الا على مائتين فقال له صاحب الحق اريد ان تشهدا لي على مائه لم يشهد الا بألف قال القاضي وذلك ان على الشاهد نقل الشهادة على ما شهد قال الله تعالى (ذلك ادنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها ولانه لو ساغ للشاهد ان يشهد ببعض ما اشهد لساغ للقاضي ان يقضي ببعض ما شهد به الشاهد وقال أبو الخطاب عندي يجوز بذلك لان من شهد بألف فقد شهد به بمائه وإذا شهد بمائه لم يكن كاذبا في شهادته فجاز كما لو كان قد اقرضه مائة مرة وتسعمائة أخرى: قال شيخنا والاول أصح لما ذكر القاضي لان شهادته بمائة ربما اوهمت ان هذه المائة غير التي شهدت باصله فيؤدي إلى ايجابها عليه مرتين قال أحمد إذا
قال اشهد على مائة درهم ومائة درهم ومائة درهم فشهد على مائة دون مائة كره الا ان يقول اشهدوني على مائة ومائة ومائة يحكيه كله للحاكم كما كان (فصل) قال أحمد إذا شهد بالف درهم ومائة درينار فله دراهم ذلك البلد ودنانيره قال القاضي لانه لما جاز ان يحمل مطلق العقد على ذلك جاز ان تحمل الشهادة عليه (فصل) إذا شهد شاهد انه باعه هذا العبد بالف وشهد آخر انه باعه إياه بخمسمائة لم تكمل البينة لاختلافهما في صفة البيع وله ان يحلف مع أحدهما ويثبت له ما حلف عليه فان شهد بكل عقد شاهدان ثبت البيعان فان أضافا البيع إلى وقت واحد مثل ان يشهدا انه باعه هذا العبد مع الزوال بالف وشهد آخر انه باعه إياه مع الزوال بخمسمائة تعارضت البينتان وسقطتا لانه لا يمكن اجتماعهما وكل بينة تكذب الاخرى وإن شهد بكل واحد من هذين شاهد واحد كان له ان يحلف مع أحدهما ولا يتعارضان لان التعارض انما يكون مع البينتين الكاملتين
(باب شروط من تقبل شهادته) وهي ستة أحدها البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان وعنه تقبل ممن هو في حال العدالة وعنه لا تقبل إلى في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فالمشهور عنه أنها لا تقبل شهادة الصبي ما لم يبلغ روي هذا عن ابن عباس وبه قال القاسم وسالم وعطاء ومكحول وابن ابي ليلى والاوزاعي والثوري والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه وعن أحمد رواية ثانية ان شهادته تقبل إذا كان ابن عشر قال ابن حامد فعلى هذه الرواية تقبل شهادتهم في غير الحدود والقصاص كالعبيد وروي عن علي رضي الله عنه ان شهادة بعضهم تقبل على بعض، وروي ذلك عن شريح والحسن والنخعي قال ابراهيم كانوا يجيزون شهادة بعضهم على بعض فيما كان بينهم قال المغيرة وكان اصحابنا لا يجيزون شهادتهم على رجل ولا على عبد.
وروى الامام احمد باسناده عن مسروق قال كنا عند علي فجاءه خمسة غلمة فقالوا انا كنا ست غلمة تتغاط فغرق منا غلام فشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فجعل على الاثنين ثلاثة اخماس الدية وجعل على الثلاثة خمسيها وقضى بنحو هذا مسروق وعنه رواية ثالثة ان شهادتهم لا تقبل إلا في الجراح إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها فان تفرقوا لم تقبل شهادتهم وهو قول مالك لان الظاهر صدقهم وضبطهم ولا تقبل بعد الافتراق لانه يحتمل ان يلقنوا.
قال ابن الزبير ان اخذوا عند مصاب
ذلك فبالحري ان يعقلوا ويحفظوا وعن الزهري ان شهادتهم جائزة ويستحلف أولياء المشجوج وذكره عن مروان والمذهب أن شهادتهم لا تقبل في شئ لقول الله تعالى (واشهدوا ذوي عدل منكم) وقال سبحانه (ممن ترضون من الشهداء) والصبي لا يرضى وقال عزوجل (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه) فاخبر ان الشاهد الكاتم لشهادته آثم والصبي لا يأثم فيدل على انه ليس بشاهد ولان الصبي لا يخاف من مأثم الكذب فيزعه عنه ويمنعنه منه فلا تحصل الثقة بقوله ولان من لا يقبل قوله على نفسه في الاقرار لا تقبل شهادته على غيره كالمجنون يحقق هذا ان
الاقرار اوسع لانه يقبل من الكافر والفاسق والمرأة ولا تصح الشهادة منهم ولان من لا تقبل شهادته في المال لا تقبل في الجراح كالفاسق (والثاني) العقل فلا تقبل شهادة معتوه ولا مجنون الا من يخنق في الاحيان إذا شهد في حال افاقته ولا تقبل شهادة من ليس بعاقل اجماعا قال ابن المنذر وسواء ذهب عقله بجنون أو سكر أو صغر لانه ليس بمحصل ولا تحصل الثقة بقوله فاما من يخنق في الاحيان إذا شهد في حال افاقته فتقبل شهادته لانها شهادة من عاقل اشبه من يخنق
(الثالث) الكلام فلا تقبل شهادة الاخرس نص عليه أحمد قيل له وإن كتبها؟ قال لا أدري وهو قول أصحاب الرأي وقال مالك والشافعي وابن المنذر تقبل إذا فهمت اشارته لفيامها مقام نطقه في كل أحكامه من كلامه ونكاحه وغير ذلك فكذلك في شهادته واستدل ابن المنذر بان النبي صلى الله عليه وسلم أشار وهو جالس إلى الناس وهو قيام (ان اجلسوا فجلسوا) ولنا أنها شهادة بالاشارة فلم تجز كاشارة الناطق لان الشهادة يعتبر فيها اليقين ولذلك لا يكتفى بايماء الناطق ولا يحصل اليقين بالاشارة وانما اكتفي باشارته في احكامه المختصة به للضرورة ولا ضرورة ههنا وما استدل به ابن المنذر لا يصح فان النبي صلى الله عليه وسلم كان قادرا على الكلام وعمل باشارته إلى الصلاة ولو شهد الناطق بالاشارة والايماء لم تصح شهادته اجماعا فعلم ان الشهادة تفارق غيرها من الاحكام ويحتمل ان تقبل فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته لان إشارته بمنزلة نطقه كما في سائر احكامه والاول اولى لانا إنما قبلنا إشارته فيما يختص به للضرورة ولا ضرورة ههنا (الرابع) الاسلام فلا تقبل شهادة كافر إلا اهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يوجد غيرهم وحضر الموصي الموت فتقبل شهادتهم ويحلفهم الحاكم بعد العصر لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله وانها لوصية الرجل بعينه فان عثر على انهما استحقا إثما قام آخران من اولياء
الوصي فحلفا بالله لشهادتنا احق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضى لهم وعنه ان شهادة بعض اهل
الذمة تقبل على بعض والاول المذهب وجملة ذلك ان شهادة اهل الكتاب لا تقبل في شئ على مسلم ولا كافر الا في الوصية في السفر على ما نذكره ذكره الخرقي، وروى ذلك عن احمد نحو من عشرين نفسا وممن قال لا تقبل شهادتهم الحسن وابن ابي ليلى والاوزاعي ومالك وابو ثور ونقل حنبل عن احمد ان شهادة بعضهم تقبل على بعض وخطأه الخلال في نقله هذا وقال صاحبه أبو بكر هذا غلط لا شك فيه وقال ابن حامد بل المسألة على ووايتين قال أبو حفص البرمكي تقبل شهادة السبي بعضهم على بعض في النسب إذا ادعى احدهم ان الآخر اخوه والمذهب الاول والظاهر غلط من روى خلاف ذلك وذهبت طائفة من اهل العلم إلى ان شهادة بعضهم على بعض تقبل ثم اختلفوا فمنهم من قال الكفر ملة واحدة فتقبل شهادة اليهودي على النصراني والنصراني على اليهودي هذا قول حماد وسوار والثوري وابي حنيفة واصحابه وعن قتادة والحكم وابي عبيد واسحاق تقبل شهادة كل ملة بعضها على بعض ولا تقبل شهادة يهودي على نصراني ولا نصراني على يهودى ويروى عن الزهري والشعبي كقولنا وقولهم، واحتجوا بما روي عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم اجاز شهادة اهل الذمة بعضهم على بعض رواه ابن ماجه ولان بعضهم يلي على بعض فتقبل شهادة بعضهم على بعض كالمسلمين ولنا قول الله تعالى (وأشهدوا ذوي عدل منكم) وقال تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم -
إلى قوله - ممن ترضون من الشهداء) والكافر ليس بذي عدل ولا هو منا ولا من رجالنا ولا ممن نرضاه ولانه لا تقبل شهادته على غير اهل دينه فلا تقبل على اهل دينه كالحربي والخبر يرويه اهل مجلد وهو ضعيف وان ثبت فيحتمل انه اراد اليمين فانها تسمى شهادة قال الله تعالى في اللعان (فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين) واما الولاية فمتعلقها القرابة والشفقة وقرابتهم ثابتة وشفقتهم كشفقة المسلمين وجازت لموضع الحاجة فان غير اهل دينهم لا يلي عليهم والحاكم يتعذر عليه ذلك لكثرتهم بخلاف الشهادة فانها ممكنة من المسلمين، وقد روي عن معاذ رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة اهل دين الا المسلمين فانهم عدول على انفسهم وعلى غيرهم
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: