الفقه الحنبلي - القسمة
في ضمانه وضمان نقصه ومنفعته فلزمه أجره إن كان له أجر من يوم أخذه إلى أن يصل إلى صاحبه لانه أخذه من صاحبه قهرا بغير حق (فصل) وان تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو
موت لم يقدح في كتابه، وان تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به، وبطل فيما ثبت عنده ليحكم به، وان تغيرت حال المكتوب إليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وجملة ذلك انه لا يخلو من ان تتغير حال القاضي الكاتب أو المكتوب إليه أو حالهما معا فان تغيرت حال الكاتب بموت أو عزل بعد ان كتب الكتاب واشهد على نفسه لم يقدح في كتابه وكان على من وصله الكتاب قبوله والعمل به سواء تغيرت حاله قبل خروج الكتاب من بلده أو بعده وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يعمل به في الحالين.
وقال أبو يوسف إن مات قبل خروجه من يده لم يعمل به، وان مات بعد خروجه من يده عمل به لان كتاب الحاكم بمنزلة الشهادة على الشهادة لانه ينقل شهادة شاهدي الاصل فإذا مات قبل وصول الكتاب صار بمنزلة موت شاهدي الفرع قبلي آداء شهادتهما ولنا ان المعول في الكتاب على الشاهدين اللذين يشهدان على الحاكم وهما حيان فيجب ان ينقل
كتابه كما لو لم يمت ولان كتابه ان كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بموته وعزله وان كان فيما ثبت عنده بشهادة فهو اصل واللذان شهدا عليه فرع ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهدي الاصل وما ذكروه
حجة عليهم لان الحاكم قد اشهد على نفسه وانما يشهد عند المكتوب إليه شاهدان عليه وهما حيان وهما شاهدا الفرع وليس موته مانعا من شهادتهما فلا يمنع قبولها كموت شاهدي الاصل وان تغيرت بفسق قبل الحكم بكتابه لم يحكم به لان حكمه لا يصح فكذلك لا يجوز الحكم بكتابه ولان بقاء عدالة شاهدي الاصل شرط في الحكم بشاهدي الفرع فكذلك بقاء عدالة الحاكم لانه بمنزلة شاهدي الاصل وإن فسق بعد الحكم بكتابه لم يتغير كما لو حكم بشئ ثم بان فسقه فانه لا ينقض ما مضى من أحكامه كذا ههنا وأما ان تغيرت حال المكتوب إليه بأي حال كان من موت أو عزل أو فسق فلمن وصل إليه الكتاب ممن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وبه قال الحسن حكي عنه أن قاضي الكوفة كتب إلى إياس ابن معاوية قاضي البصرة كتابا فوصل وقد عزل وولي الحسن فعمل به وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا يعمل به لان كتاب القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة عند المكتوب إليه وإذا شهد شاهدان عند قاض لم يحكم بشهادتهما غيره.
ولنا ان المعول على شهادة الشاهدين بحكم الاصل أو ثبوت الشهادة عنده وقد شهدا عند الثاني فوجب أن يقبل كالاول وقولهم إنها شهادة عند الذي مات ليس بصحيح فان الحاكم الكاتب ليس
بفرع وقد أديا الشهادة عند المحدود ولو ضاع الكتاب فشهدا بذلك عند الحاكم المكتوب إليه قبل فدل ذلك على ان الاعتبار بشهادتهما دون الكتاب، وقياس ما ذكرناه ان الشاهدين إذا حملا الكتاب إلى غير المكتوب إليه في حال حياته وشهدا عنده عمل به لما بيناه فان كان المكتوب إليه خليفة المكاتب فمات الكالب أو عزل انعزل المكتوب إليه لانه نائب عنه فينعزل بعزله وموته كوكلائه، وقال بعض أصحاب الشافعي لا ينعزل خليفته كما لا ينعزل القاض الاصلي بموت الامام ولا عزله.
ولنا ما ذكرناه ويفارق الامام فان الامام يعقد القضاء والامارة للمسلمين فلم يبطل ما عقده لغيره كولاية النكاح فإذا مات الولي لم يبطل النكاح بخلاف نائب الحكم فانه تنعقد ولايته لنفسه نائبا عنه فيملك عزله ولان القاضي لو انعزل بموت الامام لدخل الضرر على المسلمين لانه يفضي إلى عزل القضاة في جميع بلاد الاسلام وتتعطل الاحكام، وإذا ثبت انه ينعزل فليس له قبول الكتاب لانه حنيئذ ليس بقاض.
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا حكم عليه فقال اكتب لي إلى الحاكم الكاتب انك حكمت علي حتى لا يحكم علي ثانيا لم يلزمه ذلك ولكنه يكتب له محضرا بالقضية
لان المحكوم عليه إذا استوفى الحق منه فقال للحاكم اكتب لي محضرا بما جرى لئلا يلقاني خصمي في موضع آخر فيطالبني ثانيا ففيه وجهان.
(أحدهما) تلزمه اجابه ليتخلص من المحذور الذي يخافه (والثاني) لا تلزمه لان الحاكم إنما يكتب بما ثبت عنده أو حكم به فاما استئناف ابتداء فيكفي فيه الاشهاد فيطالبه أن يشهد على نفسه بقبض الحق لان الحق ثبت عليه بالبينة.
* (مسألة) * (وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل ان أنكر وحلفه الحاكم أن يكتب له محضرا بما جرى ليثبت حقه أو براءته لزمته إجابته) أما إذا ثبت له حق باقرار فسأله المقر له أن يشهد على نفسه شاهدين لزمه ذلك لان الحاكم لا يحكم بعلمه فربما جحد المقر لا يمكنه الحكم عليه ولو قلنا يحكم بعلمه احتمل أن ينسى فان الانسان عرضة النسيان فلا يمكنه الحكم باقراره وان ثبت عليه حق بنكول المدعى عليه أو بيمين المدعي بعد النكول فسأله المدعي ان يشهد على نفسه لزمه ذلك لانه لا حجة للمدعي سواء الاشهاد فاما إن ثبت عنده ببينة فلا يجب جعل بينة أخرى (والثاني) يجب لان في الاشهاد فائدة جديدة وهي اثبات تعديل بينته والزام خصمه وان حلف المنكر وسأل الحاكم الاشهاد على براءته لزمه ليكون حجة له
في سقوط المطالبة مرة أخرى وفي جميع ذلك إذا سأله أن يكتب له محضرا بما جرى ففيه وجهان (أحدهما) يلزمه ذلك لانه وثيقة له فهو كالاشهاد لان الشاهدين ربما نسيا الشهادة أو نسيا الخصمين فلا يذكرهما إلا رؤية خطهما (والثاني) لا يلزمه لان الاشهاد يكفيه والاول اصح لان الشهود تكثر عليهم الشهادات ويطول عليهم الامد فالظاهر انهما لا يتحققان الشهادة تحققا يحصل به اداؤها فلا يفيد إلا بالكتاب.
* (مسألة) * (وان سال من ثبت محضره عند الحاكم ان يسجل به فعل ذلك وجعله نسختين نسخة يدفعها إليه ونسخة يحبسها عنده والورق من بيت المال فان لم يكن فمن مال المكتوب له).
ينبغي أن يجعل من بيت المال شئ برسم الكاغد الذي يكتب فيه المحاضر والسجلات لانه من المصالح فانه يحفظ به الوثائق ويذكر الحاكم حكمه والشاهد شهادته ويرجع بالدرك على من يرجع عليه فان أعوز ذلك لم يلزم الحاكم ذلك ويقول لصاحب الحق ان شئت جئت بكاغد أكتب لك فيه فانه حجة لك ولست اكرهك عليه فان اختار ان يكتب له محضرا فصفته: بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان بن فلان قاضي عبد الله الامام فلان على كذا وكذا وإن كان خليفة القاضي قال خليفة القاضي فلان بن فلان الفلاني قاضي الامام بمجلس حكمه وقضائه بكذا فان كان يعرف المدعي والمدعى عليه باسمائهما وانسابهما قال فلان بن فن؟ الوللافلاني حضر معه فلان بن فلان الفلاني ويرفع في نسبهما
ويذكر حليتهما لان الاعتماد عليها فربما استعار النسب فادعى عليه كذا وكذا فاقر له ولا يحتاج أن يقول بمجلس حكمه لان الاقرار يصح في غير مجلس الحكم وان كتب انه يشهد على اقراره شاهدان كان آكد ويكتب الحاكم على رأس المحضر: الحمد لله رب العالمين أو ما أحب فأما ان أنكر المدعى عليه وشهدت عليه بينة قال: فادعى عليه كذا وكذا فأنكر فسأل الحاكم المدعي ألك بينة؟ فاحضرها وسأل الحاكم سماعها ففعل وسأله ان يكتب له محضرا بما جرى فأجابه إليه وذلك في وقت كذا ويحتاج ههنا ان يذكر مجلس حكمه وقضائه بخلاف الاقرار لان البينة لا تسمع إلى في مجلس الحكم والاقرار بخلافه، ويكتب الحاكم في آخر المحضر شهدا عندي بذلك ويكتب علامته في رأس
المحضر وإن اقتصر على ذلك دون المحضر جاز لئلا يحلف ثانيا وكتب له مثل ما تقدم إلا انه يقول فأنكر فسأل الحاكم المدعي ألك بينة؟ قال لا قال فلك يمينه وسأل احلافه فاحلفه في مجلس حكمه وقضائه في وقت كذا وكذا ولابد من ذكر تحليفه لان الاستحلاف لا يكون إلا بمجلس الحكم ويعلم في أوله خاصة ويعلم في الاقرار والاحلاف على رأس المحضر جرى الامر على ذلك فان نكل المدعى عليه عن اليمين قال فعرض اليمين على المدعى عليه فنكل عنها فسأل خصمه الحاكم ان يقضي عليه بالحق في وقت كذا وان رد اليمين على المدعي فحلف وحكم له بذلك ذكره، ويعلم في آخره ويذكر ان ذلك في مجلس حكمه وقضائه وهذه صفة المحضر وأما السجل.
فهو لا نفاذ ما ثبت عنده والحكم به وصفته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أشهد
عليه القاضي فلان بن فلان ويذكر ما تقدم في اول المحضر ومن حضره من الشهود اشهدهم انه ثبت عنده بشهاة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين ويذكرهما ان كانا معروفين والا قال مدع ومدعى عليه عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر معرفة فلان بن فلان ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وجواز أمر الجميع ما سمى ووصف به في كتاب نسخته وينسح الكتاب المثبت ألو المحضر جميعه حرفا بحرف فإذا فرغ منه قال وان القاضي امضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد ان سأله ذلك والاشهاد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر بحجة وجعل كل ذي حجة حجته على واشهد القاضي فلان على أنفاسه وحكمه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر يكتب هذا السجل نسختين متساويتين تخلد نسخة منهما في ديوان الحكم والاخرى تدفع إلى من كتبها له ولك واحد منهما حجة وثيقة فيما أنفذه منهما وهذا يذكر ليخرج من الخلاف ولو
قال إنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان ما في كتاب نسخته كذا ولم يذكر الاعاء عليه جاز وساغ لجواز القضاء على الغائب وما يجتمع عنده من المحاضر والسجلات في كل أسبوع أو شهر بضم بعضها إلى بعض ويكتب عليه محاضر وقت كذا في سنة كذا.
* (فصل في صفة الكتاب لى القاضي) * بسم الله الرحمن الرحيم سبب هذه المكاتبة أطال الله بقاء من يصل إليه من قضاء المسلمين وحكامهم انه ثبت عندي في مجلس حكمي وقضائي الذي اتولاه بمكان كذا وان كان نائبا قال
الذي انوب فيه عن القاضي فلان بمحضر من خصمين مدع ومدعى عليه جاز سماع الدعوى بينهما وقبول البينة من احدهما على الآخر بشهادة فلان وفلان وهما من الشهود المعدلين عندي عرفتهما وقبلت شهادتهما بما رأيت معه قبولها معرفة فلان بن فلان الفلاني بعينه واسمه ونسبه فان كان في إثبات أسر أسير قال وان الفرنج خذلهم الله أسروه من مكان كذا في وقت كذا وحملوه إلى مكان كذا وهو مقيم تحت حوطتهم أبادهم الله وإنه فقير من فقراء المسلمين ليس له شئ من الدنيا لا يقدر على فكاك نفسه ولا شئ منه وانه مستحق للصدقة على ما يقتضيه كتاب المحضر المشار إليه المتصل أوله بآخر كتابي المؤرخ بكذا وإن كان في إثبات دين قال وانه يستحق في ذمة فلان بن فلان الفلاني ويرفع
في نسبه ويصفه بما يتميز به من الدين كذا وكذا دينا عليه حالا وحقا واجبا لازما وإنه يستحق مطالبته واستيفاءه منه وإن كان في إثبات عين كتب: وانه مالك لما في أيدي فلان من الشئ الفلاني ويصفه صفة يتميز بها، مستحق لاخذه وتسلمه على ما يقتضيه كتاب المحضر المتصل بآخر كتابي المؤرخ بتاريخ كذا وقال الشاهدان المذكوران انهما بما شهدا به عالمان وله محققان وانهما لا يعلمان خلاف ما شهدا به إلى حين أقاما الشهادة عندي فأمضيت ما ثبت عندي من ذلك وحكمت بموجبه بسؤال من جازت مسألته وسألني من جاز سؤاله وسوغت الشريعة المطهرة اجابته المكاتبة إلى القضاة والحكام فأجبته إلى ملتمسه لجوازه شرعا وتقدمت بهذا فكتب وبالصاق المحضر المشار إليه فالصق فمن وقف عليه منهم وتأمل ما ذكرته وتصفح ما سطرته واعتمد في انفاذه والعمل بموجبه ما وجبه الشرع المطهر أحرز من الاجر أجز له وكتب في مجلس الحكم المحروس من مكان كذا في وقت كذا ولا يشترط ان يذكر القاضي اسمه في العنوان ولا ذكر المكتوب إليه في باطنه وبهذا قال
الشافعي وقال أبو حنيفة إذا لم يذكر اسمه فلا يقبله لان الكتاب ليس إليه ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه لان ذلك لم يقع على وجه المخاطبة ولنا ان المعول فيه على شهادة الشاهدين على الحاكم الكاتب بالحكم ولا يقدح ولو ضاع الكتاب وامتحى سمعت شهادتهما وحكم بها
* (باب القسمة) * قسمة الاملاك جائزة والاصل في القسمة قول الله تعالى (ونيتهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) وقوله تعالى (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " وقسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وكان يقسم الغنائم وأجمعت الامة على جواز القسمة ولان بالناس؟ حاجة إلى القسمة ليتمكن كل واحد من الشركاء من التصرف على ايثاره ويتخلص من سوء المشاركة وكثرة الايدي * (مسألة) * (وهو نوعان قسمة تراض وهي ما فيها ضرر ورد عوض من أحدهما كالدور الصغار والحمام والعضائد المتلاصعة اللاتي لا يمكن قسمة كل عين منفردة والارض التي في بعضها بئر أو بناء ونحوه لا يمكن قسمته بلاجزا والتعديل إذا رضوا بقسمتها أعيانا بالقيمة جاز لان الحق لهم لا يخرج عنهم وقد رضوا بقسمته وهذا جارية مجرى البيع لا يجبر عليها الممتنع لا يجوز فيها الا ما يجوز في البيع) وجملة ذلك ان الشريكين والشركاء في شئ ربعا كان أو غيره والربع هو العقار من الدور ونحوها إذا طلبها من الحاكم ان يقسمه بينهما اجابهما إليه وان لم يثبت عنده ملكهما وبهذا قال أبو
يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة ان كان عقارا نسبوه إلى ميراث لم يقسمه حتى يثبت الموت والورثة لان الميراث باق على حكم ملك الميت فلا يقسمه احتياطا للميت وما عدا العقار يقسمه وان كان ميراثا لانه يثوى ويهلك وقسمته تحفظه وكذلك العقار الذي لا ينسب إلى الميراث وظاهر قول الشافعي
انه لا يقسم عقارا كان أو غيره ما لم يثبت ملكهما لان قسمه بقولهم لو دفع بعد ذلك إلى حاكم آخر سهل ان يجعله حكما لهم ولعله ان يكون لغيرهم ولنا ان اليد تدل على الملك ولا منازع لهم فيثبت لهم من طريق الظاهر ولهذا يجوز لهم التصرف فيه ويجوز شراؤه منهم واتهابه واستئجاره وما ذكره الشافعي يندفع إذا ثبت في القصة إني قسمته بينهم باقرارهم لا عن بينة شهدت لهم انه ملكهم وكل ذي حجة على حجته وما ذكره أبو حنيفة لا يصح لان الظاهر تملكهم ولا حق للميت فيه الا ان يكون عليه دين وما ظهر والاصل عدمه ولهذا اكتفينا به في غير العقار وفيما لم ينسبوه إلى الميراث * (مسألة) * (وهذه القسمة جارية مجرى البيع لما فيها من الرد وبهذا يصير بيعا) لان صاحب الرد بذل المال عوضا عما حصل له من حق شريكه وهذا هو البيع ولا يجبر عليها الممتنع منها لما روى مالك في موطئه عن عمر بن يحيى المازني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال
" لا ضرر ولا ضرار " ولانه لا يجير على بيع ملكه فلا يجبر على قسمته لانها بيع ولا يجوز فيها الا ما يجوز في البيع كذلك (فصل) وهل تلزم قسمة التراضي بالقرعة إذا قسمها الحاكم أو رضوا بقاسم يقسم بينهم؟ فيه وجهان (احدهما) تلزم كقسمة الاجبار لان القاسم كالحاكم وقرعته كحكمه (والثاني) لا تلزم الا في البيع والبيع لا يلزم الا بالتراضي لا بالقرعة وانما القرعة فيه لتعريف البائع من المشتري، فأما ان تراضيا على ان يأخذ كل واحد منهما من السهمين بغير قرعة فانه يجوز لان الحق لهما لا يخرج عنهما وكذلك لو خير احدهما صاحبه فاختار ويلزم ههنا بالتراضي والتفرق كما يلزم البيع.
* (مسألة) * (والضرر المانع من القسمة هو نقص القيمة بالقسم في ظاهر كلام احمد ولا ينتفعان به مقسوما في ظاهر كلام الخرقي) اختلفت الرواية في الضرر المانع من القسمة ففي قول الخرقي هو ما لا يمكن أحدهما معه
الانتفاع بنصيبه مفردا فيما كان ينتفع به مع الشركة مثل أن تكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد منهما موضعا ضيقا لا ينتفع به ولو أمكن ان ينتفع به في شئ غير الدار لم يجبر على القسمة أيضا لانه ضرر يجري مجرى الاتلاف
(والرواية الاخرى) ان المانع من القسمة هو ان ينقص قيمة نصيب أحدهما بالقسمة عن حال الشركة سواء انتفعوا به مقسوما أو لم ينتفعوا.
قال القاضي هذا ظاهر كلام أحمد لانه قال في رواية الميموني إذا قال بعضهم يقسم وبعضهم لا يقسم فان كان فيه نقصان من ثمنه بيع وأعطي الثمن فاعتبر نقصان الثمن وهذا الظاهر من كلام الشافعي لان نقص قيمته ضرر والضرر منفي شرعا وقال مالك يجبر الممتنع وان استضر قياسا على ما لا ضرر فيه ولا يصح لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " من المسند ولان في قسمته ضررا فلم يجبر عليه كقسمة الجوهرة بكسرها ولان في قسمته اضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولا يصح القياس على ما لا ضرر فيه لما بينهما من الفرق * (مسألة) * (وان كان الضرر على أحدهما دون الآخر كرجلين لاحدهما الثلثان وللآخر الثلث ينتفع صاحب الثلثين بقسمها ويتضرر الاخر فطلب من لا يتضرر القسم لم يجبر الآخر عليه وان طلبه الآخر اجبر الاول وقال القاضي ان طلبه الاول اجبر الاخر وان طلبه المضرور لم يجبر الآخر) أما إذا طلب القسمة من لا يتضرر لم يجبر الاخر ذكره أبو الخطاب وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل قال كل قسمة فيها ضرر لا أرى قسمها وهذا قول ابن أبي ليلى وابي ثور وقال القاضى يجبر
الآخر عليها وهو قول الشافعي وأهل العراق لانه طلب إفراد نصيبه الذي لا يستضر بتميزه فوجبت اجابته إليه كما لو كانا لا يستضران بالقسمة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " ولانها قسمة يضر بها صاحبه فلم يجبره عليها كما لو استضرا معا ولان فيه اضاعة المال وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اضاعته وإذا حرم عليه اضاعة ماله فاضاعة مال غيره أولى وقد روى عمرو بن جميع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تعصبة على أهل الميراث
الا ما حصل القسم " قال أبو عبيدة هو ان يخلف شيئا إذا قسم كان فيه ضرر على بعضهم أو على جميعهم ولاننا اتفقنا على ان الضرر مانع من القسمة وان الضرر في حق أحدهما مانع ولا يجوز ان يكون المانع هو ضرر الطالب لانه مرضي به من جهته فلا يجوز كونه مانعا كما لو تراضيا عليها مع ضررهما أو ضرر أحدهما فتعين الضرر من المانع في جهة المطلوب ولانه ضرر غير مرضي به من جهة صاحبه فمنع القسمة كما لو استضرا معا، فاما إذا طلب القسمة المستضر بها كصاحب الثلث في المسألة المفروضة اجبر الاخر عليها هذا مذهب أبي حنيفة ومالك لانه طلب دفع ضرر الشركة عنه بامر لا ضرر على صاحبه فيه فاجبر عليه كما لا ضرر فيه يحققه ان ضرر الطالب مرضي به من جهته فسقط حكمه والاخر لا ضرر عليه فصارت كما لا ضرر فيه، وذكر أصحابنا ان المذهب أنه لا يجبر الممتنع عن القسمة لنهي
النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولان طلب القسمة من المستضر سفه فلا تجب اجابته إلى السفه قال الشريف متى كان أحدهما يستضر لم تجب القسمة، وقال أبو حنيفة متى كان أحدهما ينتفع بها وجبت وان استضر بها الغالب فعل وجهين وقال مالك تجب على كل حال (فصل) ولو كانت دار بين ثلاثة لاحدهم نصفها وللاخرين نصفها لكل واحد منهما ربعها فإذا قسمت استضر كل واحد منهما ولا يستضر صاحب النصف فطلب صاحب النصف القسمة وجبت اجابته لانه يمكن قسمتها نصفين من غير ضرر فيصير حقهما لهما دارا وله النصف فلا يستضر واحد منهما ويحتمل الا تجب عليهما الاجابة لان كل واحد منهما يستضر بافراد نصيبه وان طلبا المقاسمة فامتنع صاحب النصف أجبر لانه لا ضرر على واحد منهم، وان طلبا افراد نصيب كل واحد منهما أو طلب أحدهما أفراد نصيبه لم تجب القسمة على قياس المذهب لانه إضرار بالطالب وسفه وعلى الوجه الذي ذكرناه تجب القسمة لان المطلوب منه لا ضرر عليه * (مسألة) * (وان كان بينهما عبيد أو بهائم أو ثياب ونحوها فطلب أحدهما قسمها اعيانا بالقيمة لم يجبر الاخر عليه وقال القاضي يجبر) أما إذا اتفقا على القسمة جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم يوم بدر ويوم خيبر ويوم حنين وهي
تشتمل على أجناس المال وسواء اتفقا على قسمة كل جنس بينهما أو اتفقا على قسمتها اعيانا بالقيمة وان
طلب أحدهما قسمة كل نوع على حدته ان أمكن وان طلب أحدهما القسمة وأبى الاخر وكان مما لا تمكن قسمته الا بأخذ عوض من غير جنسه أو قطع ثوب في قطعه نقص أو كسر اناء أو رد عوض لم يجبر الممتنع وان أمكن قسمة كل نوع على حدته من غير ضرر ولا رد عوض فقال القاضي يجبر الممتنع وهو ظاهر مذهب الشافعي وقال أبو الخطاب لا أعرف في هذا عن امامنا رحمه الله رواية ويحتمل ان لا يجبر الممتنع عليه وهو قول بن خيران من أصحاب الشافعي لان هذا إنما يقسم اعيانا بالقيمة فلم يجبر الممتنع عليه كما لا يجبر على قسمة الدور بان يأخذ هذا دارا وهذا دارا كالجنسين المختلفين ووجه الاول ان الجنس الواحد كالدار الواحدة وليس اختلاف الجنس أو احد في القيمة باكثر من اختلاف قيمة الدار الكبيرة والقرية العظيمة فان أرض القرية تختلف لا سيما إذا كانت ذات أشجار مختلفة وأرض متنوعة والدار ذات بيوت واسعة وضيقة وحديثة وقديمة ثم هذا الاختلاف لا يمنع الاجبار على القسمة كذلك الجنس الواحد وفارق الدور فانه أمكن قسمة كل دار على حدتها وههنا لا يمكن قسمة كل ثوب منها اثوابا على حدته فان كانت الثياب انواعا كالحرير والقطن والكتان فهي كالاجناس فكذلك سائر المال والحيوان كغيره من الاموال ويقسم النوع الواحد
منه وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يقسم الرقيق قسم اجبار لان منافعه تختلف ويقصد منه العقل والدين والفطنة وذلك لا يقع فيه التعديل ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم جزأ العبيد الذين اعتقهم الانصاري في مرضه ثلاثة اجزاء ولانه نوع حيوان يدخله التقويم فجازت قسمته كسائر الحيوان وما ذكروه غير صحيح لان القيمة تجمع ذلك وتعدله كسائر الاشياء المختلفة * (مسألة) * (وان كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمته وان استهدم لم يجبر على قسم عرصته وقال أصحابنا ان طلب قسمته طولا بحيث يكون له نصف الطول في كمال العرض اجبر الممتنع
وان طلب قسمه عرضا وكانت تسع حائطين اجبر الا فلا) وجملة ذلك ان الشريكين إذا كان بينهما حائط لم يجبر الممتنع من قسمه لان قسمه إفراد حق أحد الشريكين من حق الآخر على وجه يمكن كل واحد منهما الانتفاع بحقه مفردا ولا يمكن ذلك في الحائط لانه ان طلب قسمته طولا في كمال العرض فقطع الحائط ففيه اتلاف فان لم يقطعه افضى إلى الضرر لان في ذلك تحميل احدهما ثقلا على نصيب صاحبه وان طلب قسمته عرضا في كمال الطول لم يجبر الممتنع لان فيه افسادا وفيه وجه آخر انه يجبر لانه لا ضرر في قسمته وان اسهدم لم يجبر على قسم عرصته وقال اصحابنا ان طلب قسمه عرضا ليحصل لكل واحد منهما نصف الطول في كمال
العرض اجبر الممتنع لانه لا ضرر ويحتمل ان لا يجبر لانه يفضي إلى الا يبقى ملكه الذي يلي نصيب صاحبه بغير حائط وان طلب قسمه عرضا ليحصل لكل واحد نصف العرض في كمال الطول وكان يحصل لكل واحد منهما ما لا يمكن ان يبني فيه حائطا لم يجبر الممتنع لانه يتضرر بذلك وان حصل له ما يمكن بناء حائط فيه اجبر الممتنع لانه ملك مشترك يمكن كل واحد منهما الانتفاع به مقسوما ويحتمل ألا يجبر لانه لا تدخله القرعة خوفا من ان يحصل لكل واحد منهما ما يلي ملك الاخر * (مسألة) * (وان كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لاحدهما العلو وللآخر السفل أو كان بينهما منافع لم يجبر الممتنع من قسمها وان تراضيا على قسمها كذلك وعلى قسم المنافع بالمهايأة جاز) إذا كانت دار بين اثنين سفلها وعلوها فطلبا قسمها نظرت فان طلب احدهما قسمة السفل والعلو بينهما ولا ضرر في ذلك اجبر الآخر عليه لان البناء في الارض يجري مجرى الغرس يتبعها في البيع والشفعة ولو طلب قسمة أرض فيها غراس اجبر شريكه عليه كذلك البناء وان طلب احدهما جعل السفل لاحدهما والعلو للآخر ويقرع بينهما لم يجبر عليه الآخر لثلاثة معان (احدهما) ان العلو تبع السفل ولهذا إذا بيعا ثبتت الشفعة فيهما وإذا افرد العلو بالبيع لم تثبت الشفعة فيه وإذا كان تبعا له لم يجعل المتبوع بينهما والتبع بينهما فيصير التبع اصلا (الثاني) ان السفل والعلو يجريان مجرى
الدارين المتلاصقتين لان كل واحد منهما يسكن منفردا ولو كان بينهما دارن لم يكن لاحدهما المطالبة يجعل كل دار نصيبا كذلك ههنا (الثالث) ان صاحب القرار يملك قرارها وهواءها فإذا جعل السفل نصيبا للفرد صاحبه بالهواء وليست هذه قسمة عادلة وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يقسم الحاكم فيجعل ذراعا من السفل بذراعين من العلو وقال أبو يوسف ذراع بذراع.
وقال محمد يقسمها بالقيمة واحتجوا بانها دار واحدة فإذا قسمها على ما يراه جاز كالتي لا علو لها ولنا ما ذكرناه من المعاني الثلاثة وفيها رد ما ذكروه وما يذكرونه من كيفية القسمة تحكم وبعضه يرد بعضا، وإن طلب أحدهما قسمة العلو وحده أو السفل وحده لم يجب إليه لان القسمة تراد للتمييز ومع بقاء الاشاعة لا يحصل التمييز، وإن طلب أحدهما قسمة العلو منفردا والسفل منفردا لم يجب إليه لانه قد يحصل لكل واحد منهما علو سفل الآخر فيستضر كل واحد منهما ولا يتميز الحقان (فصل) وان كان بينهما منافع فطلب أحدهما قسمها بالمهايأة لم يجبر الآخر لان قسمة المنافع إنما تكون بقسمة الزمان والزمان انما يقسم بأن يأخذ أحدهما قبل الآخر وهذا لا تسوية فيه فان الآخر يتأخر حقه فلا يجبر على ذلك فاما ان تراضيا على قسمة العلو لاحدهما والسفل للآخر أو تراضيا على
قسمه المنافع بالمهايأة جاز لان الحق لا يخرج عنهما فيجوز تراضيهما، وذكر ابن البناء في كتاب الخصال أن الشركاء إذا اختلفوا في منافع دار بينهما ان الحاكم يجبرهم على قسمها بالمهايأة أو يؤجرها عليهم * (مسألة) * (وان كان بينهما أرض ذات زرع فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع قسمت لانه لا ضرر في قسمها ويجبر الممتنع) لان الزرع في الارض كالقماش في الدار فلم يمنع القسمة وسواء خرج الزرع أو كان بذرا لم يخرج فإذا قسماها بقي الزرع بينهما مشتركا كما لو باعا الارض لغيرهما، وان طلب أحدهما قسمة الزرع منفردا لم يجبر الآخر عليه لان القسمة لا بد فيها من تعديل المقسوم وتعديل الزرع بالسهام لا يمكن لانه يشترط بقاؤه في الارض المشتركة * (مسألة) * (وان طلب قسمتها مع الزرع لم يجبر الآخر)
هكذا ذكره في الكتاب المشروح وهو قول الشافعي، وذكر في كتابه المغني والكافي انه يجبر إذا كان الزرع قد خرج لان الزرع كالشجر في الارض والقسمة افراز حق وليست بيعا وان قلنا هي بيع لم يجز إذا اشتد الحب لانه يتضمن بيع السنبل بعضه ببعض، ويحتمل الجواز لان السنبل ههنا داخل تبعا للارض، وليس بمقصود فأشبه بيع النخلة المثمرة بمثلها، وقال الشافعي لا يجبر الممتنع من قسمها مع الزرع لان الزرع مودع في الارض للنقل عنها فلم تجب قسمته معها كالقماش فيها
ولنا انه ثابت فيها للنماء والنفع فأشبه الغراس وفارق القماش فانه غير متصل بالدار ولا ضرر في نقله * (مسألة) * (وان تراضوا عليه والزرع قصيل أو قطن جاز) لان الحق لهم لا يخرج عنهم، وان كان بذرا أو سنابل قد اشتد حبها ففيه وجهان (أحدهما) لا يجوز في البذر لجهالته وكونه لا يمكن افرازه وهذا مذهب الشافعي (والثاني) يجوز لانه يدخل تبعا للارض فأشبه أساسات الحيطان وكذلك القول فيما إذا اشتد حبه فيه الوجهان (أحدهما) لا يجوز لافضائه إلى بيع السنبل بعضه ببعض (والثاني) يجوز لانه يدخل تبعا وقال القاضي يجوز في السنابل ولا يجوز في البذر لجهالته ووجه الجواز انه يدخل تبعا فلا يكون مانعا من الصحة كما لو اشترى أرضا فيها زرع واشترطه فانه يملكه بالشرط، وان كان بذرا مجهولا * (مسألة) * (وان كان بينهما نهر أو قناة أو عين ينبع ماؤها فالماء بينهما على ما اشترطا عند استخراج ذلك) لقول النبي صلى الله عليه وسلم " المؤمنون على شروطهم) فان اتفقا على قسمه بالمهايأة جاز لان الحق لهما لا يخرج عنهما، ولان المنافع ملكهما فجاز قسمها كالاعيان والمهايأة أن يكون في يد كل واحد منهما مدة معلومة على قدر حقه من ذلك)
* (مسألة) * (وان أراد قسم ذلك بنصب خشبة أو حجر في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حق كل واحد منهما جاز ويسمى المرار) لان ذلك طريق إلى التسوية بينهما فجاز كقسم الارض بالتعديل، وان أراد أحدهما أن يسقي
بنصيبه أرضا ليس لها رسم شرب من هذا النهر جاز لانه من نصيبه فجاز التصرف فيه كيف شاء كسائر ماله وكما لو لم يكن له شريك، ويحتمل أن لا يجوز لانه إذا جعل لهذه الارض حقا في الشرب من هذا النهر المشترك فربما أفضي إلى أن يجعل لها حقا في نصيب شريكه لانه إذا طال الزمان يظن ان لهذه الارض حقا من السقي من النهر المشترك فيأخذ لذلك أكثر من حقه ويجئ على أصلنا ان الماء لا يملك وينتفع بها كل واحد منهما على قدر حاجته * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (النوع الثاني قسمة الاجبار وهي ما لا ضرر فيها ولا رد عوض كالارض الواسعة والقرى والبساتين والدور الكبار والدكاكين الواسعة والمكيلات والموزونات من جنس واحد سواء كان مما مسته النار كالدبس وخل التمر أو لم تمسه كخل العنب والالبان والادهان فإذا طلب أحدهما قسمها وابى الآخر أجبر عليه) أما المكيلات والموزونات من المطعومات وغيرها فيجوز قسمها لان جواز قسم الارض مع اختلافها يدل على جواز ما لا يختلف بطريق التنبيه وسواء في ذلك الحبوب والثمار والنورة والاشنان
والحديد والرصاص ونحوها من الجامدات والعصير والخل واللبن والعسل والسمن والدبس والزيت والرب ونحوها من المائعات وسواء قلنا ان القسمة بيع أو افراز حق لان بيعه جائز وافرازه جائز فان كان فيها أنواع كحنطة وشعير وتمر وزبيب فطلب أحدهما قسمها كل نوع على حدته أجبر الممتنع وان طلب قسمها أعيانا لم يجبر الممتنع لان هذا بيع نوع بنوع آخر، وليس بقسمة فلم يجبر عليه كغير الشريك فان تراضيا عليه جاز وكان بيعا يعتبر له التقابض قبل التفرق فيما يعتبر التقابض فيه، وسائر شروط البيع (فصل) إذا طلب أحد الشركاء القسمة وامتنع بعض الشركاء في الارض والدور ونحوهما مما ذكرنا أجبر الممتنع على القسمة بثلاثة شروط (أحدها) أن يثبت عند الحاكم ملكهم ببينة لان في الاجبار عليها حكما على الممتنع منها فلا يثبت الا بما يثبت به الملك لخصمه بخلاف حالة الرضاء فانه لا يحكم على أحدهما انما يقسم بقولهما ورضاهما
(الشرط الثاني) ألا يكون فيها ضرر فان كان فيها ضرر لم يجبر الممتنع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجة، وفي لفظ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ألا ضرر ولا ضرار (الشرط الثالث) أن يمكن تعديل السهام من غير شئ يجعل معها فان لم يكن ذلك لم يجبر الممتنع لانها تصير بيعا والبيع لا يجبر عليه أحد المتبايعين، ومثال ذلك أرض قيمتها مائة فيها شجرة
وبئر يساوي مائتين فإذا جعلت الارض سهما كانت الثلث فيحتاج أن يجعل معها خمسون يردها عليه من لم تخرج له البئر أو الشجرة ليكونا نصفين متساويين فهذه فيها بيع.
ألا ترى ان آخذ الارض قد باع نصيبه من الشجرة والبئر بالثمن الذي أخذه.
والبيع لا يجبر عليه لقول الله تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة أجبر الممتنع من القسمة عليها لانها تتضمن إزالة ضرر الشركة عنهما وحصول النفع لهما لان نصيب كل واحد منهما إذا تميز كان له أن يتصرف فيه بحسب اختياره ويتمكن من إحداث الغراس والبناء فيه والاجارة والعارية، ولا يمكنه ذلك مع الاشتراك فوجب أن لا يجبر الآخر عليه لقوله عليه السلام " لا ضرر ولا ضرار " وقد اختلف في الضرر المانع من القسمة وقد ذكرناه * (مسألة) * (وهذه القسمة افراز حق (أحدهما) من الآخر وليست بيعا) وهذا أحد قولي الشافعي وفى الآخر هي بيع وحكي ذلك عن أبي عبد الله بن بطة لانه يبدل نصيبه من أحد السهمين بنصيب صاحبه من السهم الآخر وهذا حقيقة البيع ولنا أنها لا تفتقر إلى لفظ التمليك ولا يجب فيها شفعة ويلزم باخراج القرعة ويتقدر أحد النصيبين بقدر الآخر والبيع لا يجوز فيه شئ من ذلك ولانها تنفرد عن البيع باسمها وأحكامه فلم تكن بيعا كسائر العقود وفائدة الخلاف أنها إذا لم تكن بيعا جازت قسمة الثمار خرصا والمكيل وزنا
والموزون كيلا والتفرق قبل القبض فيما يشترط فيه القبض في البيع إذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث وإذا كان العقار أو بعضه وقفا جازت قسمته وان قلنا هي بيع انعكست هذه الاحكام، هذا إذا خلت
من الرد فان كان فيها رد عوض فهي بيع لان صاحب الرد يبدل المال عوضا عما حصل له من مال شريكه وهذا هو البيع فان فعلا ذلك في وقف لم يجز لان بيعه غير جائز وان كان بعضه طلقا وبعضه وقفا والرد من صاحب الطلق لم يجز لانه يشتري بعض الوقف، وان كان من أهل الوقف جاز لانهم يشترون بعض الطلق وذلك جائز * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويجوز للشركاء ان ينصبوا قاسما يقسم بينهم وان يسألوا الحاكم نصب قاسم فان نصب الحاكم قاسما فمن شرطه ان يكون عدلا عالما بالحساب ليوصل إلى ذي حق حقه كما يلزم ان يكون الحاكم عالما بالحكم ليحكم بالحق) وهذا قول الشافعي الا أنه يشترط ان يكون حرا وان نصبوا قاسما بينهم فكان على صفة قاسم الحاكم في العدالة والمعرفة فهو كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة وان كان كافرا أو فاسقا أو جاهلا بالقسمة لم تلزم قسمته الا بتراضيهم بها ويكون وجوده فيما يرجع إلى لزوم القسمة كعدمه * (مسألة) * (فمتى عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة) لانها كالحكم من الحاكم ويحتمل ان لا تلزم فيما فيه رد بخروج القرعة حتى يرضيا بذلك لان
ما فيه رد بيع حقيقة لان صاحب الرد يبدل عوضا لما حصل له من حق شريكه وهذا هو البيع والبيع لا يلزم بالقرعة * (مسألة) * (وإذا كان في القسمة تقويم لم يجز أقل من قاسمين لانها شهادة بالقيمة فلم يقبل فيها أقل من اثنين كسائر الشهادات وان لم يكن فيها تقويم اجزأ قاسم واحد) لان القاسم يجتهد في التقويم وهو يعمل باجتهاده؟ أشبه الحاكم ومتى اقتسما بانفسهما واقترعا لم تلزم القسمة الا بتراضيهما * (مسألة) * (وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم قسمه وذكر في كتاب القسمة أنه قسمة بمجرد دعواهم لا عن بينة شهدت لهم بملكهم) لان اليد دليل الملك وقال الشافعي لا يقسمه حتى يثبت عنده ملكهم وفي ذلك اختلاف ذكرناه في أول باب القسمة ولا يجب عليه ان يقسم بينهم في هذه الحال بل يجوز له ذلك وقد ذكرناه
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ويعدل القاسم السهام بالاجزاء ان كانت متساوية وبالقيمة ان كانت مختلفة وبالرد ان كانت تقتضيه) القسمة على ضربين قسمة إجبار وقسمة تراض وقسمة الاجبار ما أمكن التعديل فيها من غير رد
ولا تخلو من أربعة أقسام: (أحدهما) ان تكون السهام متساوية وقيمة الاجزاء متساوية (الثاني) ان تكون السهام متساوية وقيمة الاجزاء مختلفة (الثالث) ان تكون السهام مختلفة وقيمة الاجزاء مستاوية (الرابع) ان تكون السهام مختلفة والقيمة مختلفة فاما الاول فمثل ارض بين ستة لكل واحد منهم سدسها وقيمة اجزاء الارض متساوية فهذه تعدلها بالمساحة ستة أجزاء متساوية لانه يلزم من تعديلها بالمساحة تعديلها بالقيمة لتساوي اجزائها في القيمة ثم يقرع بينهم وكيفما أقرع بينهم جاز في ظاهر كلام احمد فانه قال في رواية أبي داود ان شاء رقاعا وان شاء خواتيم يطرح ذلك في حجر من لم يحضر ويكون لكل واحد خاتم معين ثم يقال أخرج خاتما على هذا السهم فمن خرج خاتمه فهو له وعلى هذا لو اقرع بالحصى أو غيرها جاز واختار أصحابنا في القرعة ان يكتب رقاعا متساوية بعدد السهام وهو ههنا مخير بين ان يخرج السهام على الاسماء أو يخرج الاسماء على السهام فان اخرج الاسماء على السهام كتب في كل رقعة اسم واحد من الشركاء وتترك في بنادق شمع أو طين متساوية القدر والوزن وتترك في حجر رجل لم يحضر القسمة ويقال له أخرج بندقة على هذا السهم فإذا أخرجها كان ذلك السهم لمن خرج اسمه في البندقة ثم يخرج على سهم آخر كذلك حتى يبقى الاخير فيتعين لمن بقي وان اختار إخراج السهام على الاسماء في الرقاع اسماء السهام فيكتب في رقعة الاول مما يلي جهة كذا وفى الآخر الثاني حتى يكتب الستة ثم يخرج القرعة على واحد بعينه فيكون له السهم الذي في الرقعة ويفعل ذلك حتى يبقي الاخير فيتعين لمن بقي وذكر
أبو بكر ان البنادق تجعل طينا وتطرح في ماء ويعين واحدا فأي البنادق انحل الطين عنها وخرجت رقعتها على الماء فهي له وكذلك الثاني والثالث وما بعده فان خرج اثنان معا اعيد الاقراع والاول
أولى وأسهل (القسم الثاني) ان تكون السهام متفقة والقيمة مختلفة فان الارض تعدل بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة ويفعل في إخراج السهام مثل الذي قبله سواء لا فرق بينهما الا ان التعديل ثم بالسهام وههنا بالقيمة (القسم الثالث) ان تكون القيمة متساوية والسهام مختلفة كارض بين ثلاثة لاحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس واجزاؤها متساوية القيم فانها تجعل سهاما بقدر أقلها وهو السدس فيجعل ستة أسهم ويعدل بالاجزاء ويكتب ثلاث رقاع باسمائهم وبخرج رقعة على السهم الاول فان خرجت لصاحب السدس أخذه ثم يخرج أخرى على الثاني فان خرجت لصاحب الثلث أخذ الثاني والثالث وكانت الثلاثة الباقية لصاحب النصف بغير قرعة وان خرجت القرعة الثانية لصاحب النصف أخذ الثاني والثالث والرابع وكان الخامس والسادس لصاحب الثلث وان خرجت القرعة الاولى لصاحب النصف أخذ الثلاثة الاول وتخرج الثانية على الرابع فان خرجت لصحاب الثلث أخذه والذي يليه وكان السادس لصاحب السدس وان خرجت الثانية لصاحالب السدس أخذه وأخذ الآخر الخامس والسادس وان خرجت الاولى لصاحب الثلث أخذ الاول والثاني ثم تخرج الثانية على الثالث فان خرجت لصاحب النصف أخذ الثالث والرابع والخامس وأخذ الآخر السادس فان
خرجت الثانية لصاحب السدس اخذه واخذ صاحب النصف ما بقي وقيل يكيب ست رقاع باسم صاحب النصف ثلاث وباسم صاحب الثلث اثنان وباسم صاحب السدس واحدة وهذا لا فائدة فيه فان المقصود خروج اسم صاحب النصف وإذا كتب ثلاث رقاع حصل المقصود فاغنى ولا يصح ان كتب رقاعا باسماء السهام ويخرجها على اسماء الملاك لانه إذا اخرج واحدة فيها السهم الثاني لصاحب افيسدس ثم اخرج اخرى لصاحب النصف والثلث فيها السهم الاول احتاج ان يأخذ نصيبه متفرقا الستضر بذلك (القسم الرابع) إذا اختلفت السهام والقيمة فان القاسم يعدل السهام بالقيمة ويجعلها ستة اسهم متساوية القيم ثم يخرج الرقاع فيها الاسماء على السهام كما ذكرنا في القسم الثالث سواء لا فضل بينهما الا ان التعديل ههنا بالقيم وفي التي قبلها بالمساحة (فصل) إذا كان بينهما دار أو خان كبير فطلب احدهما قسمة ذلك ولا ضرر في قسمته اجبر
الممتنع على القسمة وتفرد بعض المساكن عن بعض وان كثرت المساكن وان كان بينهما داران أو خانان أو أكثر فطلب احدهما ان يجمع نصيبه في احدى الدارين ويجعل الباقي نصيبا للآخر لم يجبر الممتنع وبهذا قال الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يجبر إذا رأى الحاكم ذلك فله فعله سواء تقاربتا أو تفرقتا لانه انفع واعدل وقال مالك وان كانت متجاورتين اجبر الممتنع من ذلك عليه لان
المتجاورتين تتفاوت منفعتهما بخلاف المتباعدتين وقال أبو حنيفة ان كانت احداهما احجزة الاخرى اجبر وإلا فلا لانهما يجريان مجرى الدار الواحدة ولنا انه نقل حقه من عين إلى عين اخرى فلم يجبر عليه كالمتفرقتين عند مالك وكما لو لم تكن حجزتها عند ابي حنيفة وكما لو كانتا دارا أو دكانا مع ابي يوسف ومحمد الحكم في الدكاكين كالحكم في الدور ولو كانت لهما عضائد صغار لا يمكن قسمة كل واحدة منهما منفردة لم يجبر الممتنع من قسمتها عليها (فصل) وإن كان أرض واحدة تمكن قسمتها ويؤخذ فيها الشروط التي ذكرناها أجبر الممتنع على قسمتها سواء كانت فارغة أو ذات شجر وبناء فان كان فيها نخل وكرم وشجر مختلف وبناء فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدتها وطلب الآخر قسمة الجميع بالتعديل بالقيمة فقال أبو الخطاب تقسم كل عين على حدتها وهو ظاهر كلام شيخنا في الكتاب المشروح وكذلك كل مقسوم إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه كان أولى ونحو هذا قال أصحاب الشافعي فمنهم قالوا إذا أمكنت التسوية بين الشريكين في جيده ورديئه بان يكون الجيد في مقدمها والردئ في مؤخرها فإذا قسمناها صار لكل واحد من الجيد والردئ مثل ما للآخر وجبت القسمة واجبر الممتنع عليها وان لم تمكن القسمة بأن تكون العمارة والشجر والجيد لا يمكن قسمته وحده وأمكن التعديل بالقيمة
عدلت بالقيمة واجبر الممتنع من القسمة عليها وقال الشافعي في أحد القولين لا الممتنع من القسم عليها وقالوا إذا كانت الارض ثلاثين جزءا قيمة عشرة منها كقيمة عشرين لم تجبر الممتنع من القسمة عليها لتعذر التساوي في الذرع ولانه لو كان حقلان متجاوران لم يجبر الممتنع من القسمة إلا بان يجعل
كل واحد منهما سهما كذا ههنا.
ولنا انه مكان واحد أمكنت قسمته وتعديله من غير ضرر ولا دعوض فوجبت قسمته كالدور ولان ما ذكروه يفضي إلى منع وجوب القسمة في البساتين كلها والدور فانه لا يمكن تساوي الشجر وبناء الدور ومساكنها إلا بالقيمة ولانه مكان لو بيع بعضه وجبت فيه الشفعة لشريك البائع فوجبت قسمته كما لو أمكنت التسوية فاما ان كان بستانان لكل واحد منهما طريق أو حقلان أو داران أو دكانان متجاوران أو متباعدان فطلب أحد الشريكين قسمته بجعل كل واحد منهما سهما لم يجبر الآخر على هذا سواء كانا متساويين أو مختلفين وهذا ظاهر مذهب الشافعي لانهما شيئان متميزان لو بيع أحدهما لم تجب الشفعة فيه لمالك الآخر بخلاف البستان الواحد والارض الواحدة وان عظمت فانها إذا بيع بعضها وجبت الشفعة لمالك البعض الباقي والشفعة كالقسمة لان كل واحد منهما يراد لازالة ضرر الشركة ونقصان التصرف فما لا تجب قسمته لا تجب الشفعة فيه فكذلك ما لا شفعة فيه لا تجب
قسمته وعكس هذا ما تجب قسمته يجب فيه الشفعة وما تجب الشفعة فيه تجب قسمته ولانه لو بدا الصلاح في بعض البستان كان صلاحا لباقيه ان كان كثيرا ولم يكن صلاحا لما جاوزه وان كان صغيرا.
(فصل) إذا كان بينهما أرض قيمتها مائة في أحد جانبيها بئر قيمتها مائة وفى الآخر شجرة قيمتها مائة عدلت بالقيمة وجعلت البئر مع نصف الارض نصيبا والشجرة مع النصف نصيبا، فان كانت بين ثلاثة أو أكثر نظرت في الارض، فان كانت قيمتها مائة أو أقل لم تجب القسمة لانها إذا كانت أقل لم يمكن التعديل الا بقسمة البئر أو الشجرة وذلك مما لا تجب قسمته وان كانت قيمتها مائة فجعلناها سهما والشجرة سهما لم يحصل مع البئر والشجرة شئ من الارض فتصير هذه كقسمة الشجر وحده وقسمة ذلك وحده ليست قسمة اجبار، وان كانت الارض كثيرة القيمة بحيث يأخذ بعض الشركاء سهامهم منها ويبقي منها شئ مع البئر والشجرة وجبت القسمة ومثاله أن تكون قيمة الارض مائتين وخمسين فتجعل مائة وخمسين سهما ويصير إلى البئر ما قيمته خمسون وإلى الشجرة مثل ذلك فتصير ثلاثة سهام متساوية وفي كل سهم جزء من أجزاء الارض فتجب القسمة حينئذ، وكذلك لو كانوا
أربعة وقيمة الارض أربعمائة وجبت القسمة لاننا نجعل ثلثمائة منها سهمين ومائة مع البئر والشجرة سهمين فتعدلت السهام ولو كانت الارض لاثنين فأرادا قسمة البئر والشجر دون الارض لم تكن قسمة اجبار ولو قسماها بشجرها كانت قسمة اجبار لان الشجر يدخل تبعا للارض فيصير الجميع كالشئ الواحد ولهذا تجب فيه الشفعة إذا بيع شئ من الارض بشجره وإذا قسم ذلك
دون الارض صار أصلا في القسمة ليس بتابع لشئ واحد فيصير كأعيان مفردة من الدور والدكاكين المفرقة ولهذا لا تجب فيه الشفعة.
(فصل) وعلى الامام ان يرزق القاسم من بيت المال لان هذا من المصالح، وقد روي أن عليا رضي الله عنه اتخذ قاسما وجعل له رزقا من بيت المال، فان لم يرزقه الامام قال الحاكم للمتقاسمين ادفعا إلى قاسم أجرة ليقسم بينكما، فان استأجره كل منهما بأجر معلوم ليقسم نصيبه جاز، وان استأجروه جميعا أجارة واحدة ليقسم بينهم بأجر واحد معلوم لزم كل واحد منهم من الاجر بقدر نصيبه من المقسوم وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يكون عليهم على عدد رؤوسهم لان عمله في نصيب أحدهما مثل عمله في نصيب الآخر، وسواء تساوت سهامهم أو اختلفت فكان الاجر بينهم سواء.
ولنا أن أجر القسمة يتعلق بالملك فكان بينهم على قدر الاملاك كنفقة العبد، وما ذكروه لا يصح لان العمل في أكبر النصيبين أكثر ألا ترى أن المقسم إذا كان مكيلا أو موزونا كان كيل الكثير أكثر عملا من كيل القليل وكذلك الوزن والذرع، وعلى انه يبطل بالحافظ فان حفظ القليل والكثير سواء ويختلف أجره باختلاف المال.
(فصل) وأجرة القسمة بينهما وان كان احدهما الطالب لها، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة هي على الطالب للقسمة لانها حق له ولنا أن الاجرة تجب بافراز الانصباء وهم سواء فيها فكانت الاجرة عليهما كما لو تراضوا عليها * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (إذا ادعى بعضهم غلطا فيما تقاسموه بانفسهم وأشهدوا على
يراضيهم به لم يلتفت إليه، وان كان فيما قسمه قاسم الحاكم فعلى المدعي البينة والا فالقول قول المنكر
مع يمينه وان كان فيما قسمه حاكمهم الذي نصبوه وكان فيما اعتبرنا فيه الرضى بعد القرعة لم تسمع دعواه والا فهو كقاسم الحاكم.
وجملة ذلك انه إذا ادعى بعض المتقاسمين غلطا في القسمة وانه أعطي دون حقه وكانت قسمة تلزم بالقرعة من غير تراض منهم فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ولا يقبل قول المدعي إلا ببينة، فان أقام شاهدين عدليل نقضت القسمة وأعيدت، وان لم تقم بينة عادلة وطلب يمين شريكه انه لا فضل معه أحلف له، وإنما قدمنا قول المدعى عليه لان الظاهر صحة القسمة وأداء الامانة فيها، وإن كان مما لا يلزم إلا بالتراضي كالذي قسماها بانفسهما ونحوه لم تسمع دعوى ادعاء الغلط وهو الذي ذكره الاصحاب وهو مذهب الشافعي لانه قد رضي بذلك ورضاؤه بالزيادة في نصيب شريكه يلزمه، قال شيخنا والصحيح عندي أن هذه كالتي قبلها وانه متى أقام البينة بالغلط نقضت القسمة لان ما ادعاه محتمل ثبت ببينة عادلة فأشبه ما لو أشهد على نفسه بقبض الثمن أو المسلم فيه ثم ادعى غلطا في كيله، وقولهم ان حقه في الزيادة سقط برضائه ممنوع فانه إنما يسقط إذا علمه، اما إذا ظن اعطي حقه فرضي بناء على هذا ثم بان له الغلط فلا يسقط به حق كالثمن والمسلم فيه فانه لو قبض المسلم فيه بناء على انه عشرة أقفزة راضيا بذلك ثم تعين له ثمانية وادعى المسلم إليه انه غلط فأعطاه اثني عشر وثبت ذلك ببينة لم يسقط حق واحد منهما بالرضا به ولا يمتنع سماع دعواه وبينته ولان المدعى عليه في مسئلتنا لو فرط بالغلط لنقضت القسمة ولو سقط حق المدعي بالرضا لما نقضت القسمة باقراره كما لو وهبه الزائد وقد ذكر أصحابنا وغيرهم فيمن باع دارا على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة أو أحد عشر ان البيع باطل في احد الوجهين، وفى الآخر تكون الزيادة للبائع والنقص عليه والبيع انما يلزم بالتراضي فلو كان التراضي يسقط حقه من الزيادة لسقط حق البائع من الزيادة وحق المشتري من النقص، ولان من رضي بشئ بناء على ظن تبين خلافه لم يسقط به حقه كما لو اقتسما شيئا وتراضيا به ثم بان نصيب احدهما مستحقا
فان قيل فلم لم يعط المظلوم حقه في هاتين المسئلتين ولا تنقض القسمة كما لو تبين الغلط في الثمن أو المسلم؟ قلنا لان الغلط ههنا في نفس القسمة بتفويت شرط من شروطها وهو تعديل السهام فتبطل لفوات شرطها وفي المسلم والثمن الغلط في القبض دون العقد فان العقد قديم بشروطه فلا يؤثر الغلط في قبض عوضه في صحته بخلاف مسئلتنا.
* (مسألة) * (وان تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهم شئ معين بطلت القسمة وان كان شائعا فيهما فعلى وجهين) إذا اقتسم الشريكان شيئا فبان بعضه مستحقا وكان معينا في نصيب أحدهما بطلت القسمة، وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تبطل بل يخير من ظهر المستحق في نصيبه بين الفسخ والرجوع بما بقي من حقه كما لو وجد عيبا فيما أخذه ولنا انها قسمة لم تعدل فيها السهام فكانت باطلة كما لو فعلا ذلك مع علمهما بالحال، وأما إذا بان عيب نصيب أحدهما فيحتمل ان تمنع المسألة ونقول بطلان القسمة لعدم التعديل بالقيمة ويحتمل ان ان يفرق بينهما فان العيب لا يمكن التحرز منه فلم يؤثر في البطلان كالبيع وان كان المستحق في نصيبهما على السواء لم تبطل القسمة لان ما يبقى لكل واحد منهما بعد المستحق قدر حقه ولان القسمة إفراز حق أحدهما من الآخر وقد أفرز كل واحد منهما حقه الا ان يكون ضرر المستحق في نصيب أحدهما أكثر مثل ان يسد طريقه أو مجرى مائه أو ضوئه ونحو هذا فتبطل القسمة لان هذا
يمنع التعديل فان كان المستحق في نصيب أحدهما أكثر من الآخر بطلت القسمة لما ذكرناه، وان كان مشاعا فيهما بطلت لان الثالث شريكهما ولم يحضر ولا اذن فاشبه ما لو كان لهما شريك يعلمانه فاقتسما دونه، وفيه وجه آخر انها لا تبطل لانه يأخذ من كل واحد منهما مثل ما يأخذ من الآخر ويصير مع كل واحد قدر حقه فأشبه ما لو كان المستحق معينا في نصيبهما على السواء * (مسألة) * (وان اقتسما دارين قسمة تراض فبنى أحدهما في نصيبه ثم خرجت الدار مستحقة فقلع بناؤه رجع بنصف قيمته على شريكه)
هكذا ذكره الشريف أبو جعفر وحكاه أبو الخطاب عن القاضي وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن ليس له الرجوع عليه بشئ لانه غرس وبنى باختياره فلم يرجع بنقص ذلك على غيره كما لو بنى في ملك نفسه ولنا ان هذه القسمة بمنزلة البيع فان الدارين لا تقتسمان قسمة اجبار على ان يكون كل واحد منهما نصيبا وانما يقتسمان كذلك بالتراضي فتكون جارية مجرى البيع ولو باعه الدار جميعها ثم انت مستحقة رجع عليه بالبناء كله وان باعه نصفها رجع عليه بنصفه وكذلك يخرج في كل قسمة جارية مجرى البيع وهي قسمة التراضي كالذي فيه رد عوض وما لا يجبر على قسمته لضرر فيه ونحو ذلك فأما قسمة الاجبار إذا ظهر نصيب احدهما مستحقا بعد البناء والغرس فيه فينقض البناء ويقلع الغرس فان قلنا القسمة بيع فكذلك وان قلنا ليست بيعا لم يرجع لان شريكه لم يضره ولم ينتقل إليه من جهته بيع وانما فرز حقه من حقه فلم يضمن له ما غرم فيه هذا الذي يقتضيه قول الاصحاب * (مسألة) * (وان خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة إذا لم يعلمه أو الرجوع بارش العيب) لانه نقص في نصيبه فملك ذلك كالمشتري ويحتمل أن تبطل القسمة لان التعديل فيها شرط ولم يوجد بخلاف البيع
* (مسألة) * (وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر على الميت دين فان قلنا هو إفراز حق لم تبطل القسمة، وان قلنا هي بيع انبنى على بيع التركة قبل قضاء الدين هل يجوز؟ على وجهين) وجملة ذلك ان تركة الميت يثبت فيها الملك لورثته سواء كان عليه دين أو لم يكن نص عليه أحمد فيمن أفلس ثم مات فقال قد انتقل المبيع إلى الورثة وحصل ملكا لهم وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ان كان الدين يستغرق التركة منع نقلها إلى الورثة وان كان لا يستغرقها لم يمنع انتقال شئ منها، وقال أبو سعيد الاصطخري يمنع بقدره وقد أوما إليه أحمد فانه قال في أربعة بنين ترك أبوهم دارا وعليه دين فقال أحد البنين انا أعطي ودعوا لي الربع فقال أحمد هذه الدار للغرماء لا يرثوا شيئا حتى يؤدوا الدين وهذا يدل على أنها لم تنقل إليهم عنده لانه منع الوارث من إمساك بدفع قيمته
لان الدين لم يثبت في ذمة الورثة فيجب ان يتعلق بالتركة والمذهب الاول ولهذا قلنا ان الغريم لا يحلف على دين الميت لان الدين محله الذمة وانما يتعلق بالتركة فيتخير الورثة بين قضاء الدين منها أو من غيرها كالرهن والجاني ولهذا لا يلزم الغرماء نفقة العبد ولا يكون نماء التركة لهم ولانه لا ينتقل إلى الورثة أو إلى الغرماء أو يبقى للميت أو لا يكون لاحد، لا يجوز ان ينتقل إلى الغرماء لانها لو انتقلت إليهم لزمهم نفقة الحيوانات وكان نماؤها لهم غير محسوب من دينهم، ولا يجوز ان يبقى للميت لانه لم يبق أهلا للملك، ولا يجوز ان يكون لاحد لانها مال مملوك فلا بد من مالك، ولانها لو بقيت بغير مالك لابيحت لان يتملكها كسائر المباحات فثبت انها انتقلت إلى الورثة فعلى هذا إذا تمت التركة ثم إن غلبت الدار أو أثمرت النخيل أو نتجت الماشية فهو للوارث ينفرد به لا يتعلق به حق الغرماء لانه نماء ملكه اشبه كسب الجاني ويحتمل ان يتعلق به حق الغرماء كنماء الرهن ومن اختار الاول قال تعلق حق الغرماء بالرهن آكد لا يثبت باختيار المالك ورضاه ولهذا منع المتصرف فيه وهذا يثبت بغير رضاء المالك فلم يمنع التصرف لانه اشبه الجاني وعلى الرواية الاخرى يكون حكمه حكم
التركة وما يحتاج إليه من المؤنة منها فعلى هذا ان تصرف الورثة في التركة ثم ان غلت الدار أو اثمرت النخيل أو نتجت الماشية فهو للوارث ينفرد به لا يتعلق به حق الغرماء لانه نماء ملكه اشبه كسب الجاني ويحتمل ان يتعلق به حق الغرماء كنماء الرهن ومن اختار الاول قال تعلق حق الغرباء بالرهن آكد لا يثبت باختيار المالك ورضاه ولهذا منع التصرف فيه وهذا يثبت بغير رضاء المالك فلم يمنع التصرف لانه أشبه الجاني وعلاى لرواية الاخرى يكون حكمه حكم التركة وما يحتاج إليه من المؤنة منها فعلى هذا ان تصرف الورثة في التركة ببيع أو هبة فعلى الرواية الاولى تصرفهم صحيح فان قضوا الدين والا نقضت تصرفاتهم كما إذا تصرف السيد في العبد الجاني ولم يود الجناية وعلى الروية الاخرى تصرفاتهم فاسدة لانهم تصرفوا فيما لم يملكوه والاول أولى ان شاء الله تعالى
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: