الفقه الحنبلي - الشهادة - موانع الشهادة
(فصل) فاما شهادة اهل الكتاب بوصية المسافر الذي مات في سفره إذا شهد بها شاهدان من اهل الذمة قبلت شهادتهم إذا لم يوجد غيرهما من المسلمين ويستحلفان بعد العصر على ما ذكرنا في صدر المسألة قال
ابن المنذر وبهذا قال أكابر الماضين يعني الآية التي في سورة المائدة ومن قاله شريح والنخعي والاوزاعي ويحيى بن حمزه وقضي بذلك عبد الله بن مسعود وابو موسى رضي الله عنهما وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي لا تقبل لان من لا تقبل شهادته في غير الوصية لا تقبل في الوصية كالفاسق ولان الفاسق لا تقبل شهادته فالكافر اولى واختلفوا في تأويل الآية فمنهم من حملها على التحمل دون الاداء ومنهم قال المراد بقوله من غيركم أي من عشيرتكم ومنهم من قال المراد بالشهادة اليمين
ولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منك أو آخران من غيركم ان انتم ضربتم في الارض فأصابتكم مصيبة الموت) الآية وهذا نص الكتاب وقد قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى ابن عباس قال خرج رجل من بني تميم الداري وعدي بن زيد فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقد واجام فضة مخوصا بالذهب فاحلفهما رسلو الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة فقالوا اشتريناه من تيمم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وان الجام لصاحبهم فنزلت فيهم (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) الآية وعن الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فاشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الاشعري فاخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال الاشعري هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وأنها لوصية الرجل وتركته فامضى شهادتهما رواه أبو داود وروى الخلاف حديث أبي موسى باسناده وحمل الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح لان الآية نزلت في قصة عدي وتميم بلا خلاف بين المفسرين وقد فسره بما قلنا سعيد بن المسيب والحسن
وابن سيرين وعبيدة وسعيد بن جبير وسليمان التيمي وغيرهم ودلت عليه الاحاديث التي رويناها ولانه لو صح ما ذكروه لم تجب الايمان لان الشاهدين من المسلمين لاقسامة عليهم وحملها على التحمل لا يصح لانه أمر باحلافهم ولا أيمان في التحمل وحملها على اليمين لا يصح لقوله (فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله) ولانه عطفها على ذوي العدل من المؤمنين وهما شاهدان وروى أبو عبيد في الناسخ المنسوخ أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان قال احمد اهل المدينة ليس عندهم حديث ابي موسى من أين يعرفونه؟ فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الصحابة وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة فتعين المصير إليه والعمل به سواء وافق القياس أو خالفه (الخامس) ان يكون ممن يحفظ فلا تقبل شهادة مغفل ولا معروف بكثرة الغلط والنسيان لان الثقة لا تحصل بقوله لاحتمال ان يكون من غلطه وتقبل شهادة من يقل ذلك منه لان احدا لا يسلم من الغلط.
(فصل) قال رحمه الله (السادس) (العدالة وهي استواء احواله في دينه واعتدال اقواله وافعاله وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة ويعتبر له شيئان الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم وهو ان لا يرتكب كبيرة ولا يد من على صغيرة) فان الله تعالى نهى ان تقبل شهادة القاذف
فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة ولا يخرجه عن العدالة فعل صغيرة لقول الله تعالى (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) قيل اللمم صغار الذنوب ولان التحرز منها غير ممكن وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (ان تغفر اللهم تغفر جما واي عبد لك لا ألما) اي لم يلم فان لامع الماضي بمنزلة لم مع المستقبل وقيل اللمم ان يلم بالذنب ولا يعود فيه والكبائر كل ذنب فيه حد والاشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين، وقد روى أبو بكرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الا انبئكم بأكبر الكبائر الاشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وعقوق الوالدين - وكان متكئا فجلس فقال - الا وقول الزور وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت متفق عليه قال احمد لا تجوز شهادة
آكل الربا والعاق وقاطع الرحم ولا من لا يؤدي زكاة ماله، وإذا اخرج في طريق المسلمين الاسطوانة والكنيف لا يكون عدلا ولا يكون ابنه عدلا إذا ورث أباه حتى يرد ما أخذ من طريق المسلمين ولا يكون عدلا إذا كذب الكذب الشديد لان النبي صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة.
وقال عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود في حد ولا ذي غمر على أخيه في عداوة ولا القاطع لاهل البيت ولا مجرب عليه شهادة زور ولا ضنين في قرابة ولا ولاء) وقد رواه أبو داود (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولان ذي غمر على أخيه) فاما الصغائر فان كان مصرا عليها ردت شهادته وان كان الغالب من امره الطاعات لم ترد لما ذكرنا من عدم إمكان التحرز منه.
(مسألة) (ولا تقبل شهادة فاسق لقوله سبحانه وتعالى (واشهدوا ذوي عدل منكم)
وقال سبحانه (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الآية والشهادة نبأ فيجب التوقف عنه وقد روي في الحديث (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الاسلام ولا ذي غمر على أخيه) رواه أبو عبيد وكان أبو عبيد لا يرى الخائن والخائنة مختصا بامانات الناس بل جميع ما فرض الله تعالى على العباد القيام به واجتنابه من كبير ذلك وصغيره قال الله تعالى (انا عرضنا على السموات والارض والجبال) الآية وروي عن عمر أنه قال لا يؤسر رجل بغير العدول ولان دين الفاسق لا يزعه عن ارتكاب محظورات الدين فلا يؤمن ان لا يزعه عن الكذب فلا تحصل الثقة بخبره إذا تقرر هذا فالفسق نوعان: (أحدهما) من جهة الافعال فلا خلاف في رد شهادته (الثاني) من جهة الاعتقاد وهو اعتقاد البدعة فيوجب رد الشهادة أيضا.
وبه قال مالك وشريك واسحاق وأبو عبيد وابو ثور قال شريك اربعة لا تجوز شهادتهم رافضي يزعم أنه له اماما مفترضة طاعته وخارجي يزعم ان الدنيا دار حرب وقد يزعم ان المشيثة إليه ومرجئ، ورد شهادة يعقوب وقال الا ارد شهادة قوم يزعمون ان الصلاة ليست من الايمان؟ وقال أبو حامد من اصحاب الشافعي المختلفون على ثلاثه اضرب (ضرب) اختلفوا في الفروع
فهؤلاء لا يفسقون ولا ترد شهادتهم وقد اختلفت الصحابة في الفروع ومن بعدهم من التابعين
(الثاني) من نفسقه ولا نكفره وهو من سب القرابة كالخوارج أو من سب الصحابة كالروافض فلا تقبل لهم شهادة لذلك (الثالث) من نكفره وهو من قال بخلق القرآن ونفى الرؤية واضاف المشيئة إلى نفسه فلا تقبل له شهادة وذكر القاضي أبو يعلى مثل هذا سواء قال: وقال احمد ما تعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية المعلنة وظاهر قول الشافعي وابن أبي ليلي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه قبول شهادة أهل الاهواء وأجاز سوار شهادة ناس من بني العنبر ممن يرى الاعتزال قال الشافعي الا أن يكون ممن يرى الشهادة بالكذب كالخطابية وهم أصحاب أبي الخطاب يشهد بعضهم لبعض بتصديقه ووجه قول من أجاز شهادتهم أنه اختلاف لم يخرجهم عن الاسلام أشبه الاختلاف في الفروع ولان فسقهم لا يدل على كذبهم لكونهم ذهبوا إلى ذلك تدينا واعتقادا أنه الحق ولم يرتكبوه عالمين بتحريمه بخلاف فسق الافعال.
(مسألة) (ويتخرج قبول شهادة أهل الذمة على قبول شهادة الفاسق من جبة الاعتقاد المتدين به إذا لم يتدين بالشهادة لموافقيه على مخالفيه كالخطابية.
وكذلك قال أبو الخطاب.
وروي عن أحمد جواز الرواية عن القدري إذا لم يكن داعية فكذلك الشهادة.
ولنا أنه أحد نوعي الفسق فترد به الشهادة كالنوع الآخر ولانه فاسق فترد شهادته للآية (مسألة) (فاما من فعل شيئا من الفروع المختلف فيها فتزوج بغير ولي أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو اخر الحج مع امكانه ونحوه متأولا فلا ترد شهادته) وإن فعله معتقدا تحريمه ردت شهادته.
ويحتمل أن لا ترد بنص عليه أحمد في شارب النبيذ يحد ولا ترد شهادته.
وبهذا قال لشافعي وقال مالك ترد شهادته لانه فعل ما يعتقد الحاكم تحريمه
فاشبه المتفق على تحريمه ولنا ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع فلم يكن بعضهم يعيب من خالفه ولا يفسقه ولانه فرع مختلف فيه فلم ترد شهادة فاعله كالذي يوافقه عليه الحاكم، فاما ان فعله معتقدا تحريمه ردت شهادته إذا تكرر ويحتمل أن لا ترد وبه قال أصحاب الشافعي لانه فعل لا يرد شهادة بعض الناس فلا يرد شهادة البعض الآخر كالمتفق على حله ووجه الاول انه فعل محرم على فاعله ويأثم به فاشبه المتفق على تحريمه، وبهذا فارق معتقد حله وقد روي عن أحمد فيمن يجب عليه الحج فلا يحج ترد شهادته وهذا يحمل على من اعتقد وجوبه على الفور فاما من يعتقد أنه على التراخي وبتركه بنية فعله فلا ترد شهادته كسائر ما ذكرنا وقيل ترد لانه
روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لقد هممت أن انظر في الناس فمن وجدته يقدر على الحج ولا يحج ضربت عليه الجزية ثم قال ما هم بمسلمين وما هم بمسلمين (مسألة) الثاني (استعمال المروءة وهو فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه فلا تقبل شهادة المصانع، والمتمسخر، والمغني، والرقاص، واللاعب بالشطرنج، والنرد، والحمام والذي يتغدى في السوق ويمد رجليه في مجمع الناس ويحدث بمباضعته أهله وأمته ويدخل الحمام بغير مئزر ونحو ذلك) المروءات اجتناب الامور الدنيئة المزرية به وذلك نوعان (أحدهما) في الافعال كالاكل في السوق وهو الذي ينصب مائدة في السوق ويأكل والناس ينظرون إليه ولا يعني أكل شئ يسير كالكسرة ونحوها، وإن كان يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه أو يمد رجليه في مجمع الناس أو يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته أو أمته أو غيرهما بحضرة الناس الخطاب الفاحش أو يحدث الناس بمباضعته أهله أو نحو هذا من الافعال الدنيئة فلا تقبل شهادته لان هذا سخف ودناءة فمن
رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة ولا تحصل الثقة بقوله قال احمد في رجل شتم بهيمة
قال الصالحون لا تقبل شهادته حتى يتوب، وقد روى ابن مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الاولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) يعني من لم يستح صنع ما شاء ولان المروءة تمتنع الكذب وتزجر عنه ولهذا يمتنع منه دو المروة وإن لم يكن ذا دين فقد روي عن ابي سفيان أنه حين سأله قيصر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته قال والله لولا أني كرهت أن يؤثر عني الكذب لكذبته ولم يكن يومئذ ذا دين ولان الكذب دناءة والمروءة تمنع من الدناءة وإذا كانت المروءة مانعة من الكذب اعتبرت في العدالة كالدين ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته لان مروءته لا تسقط به وكذلك إن فعله مرة أو شيئا قليلا لم ترد شهادته لان صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل فهذا اولى ولان المروءة لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادة
(فصل في اللعب) كل لعب فيه قمار فهو محرم أي لعب كان وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته وما خلا القمار وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من احدهما فمنه ما هو محرم ومنه ما هو مباح فالمحرم اللعب بالنرد وهذا قول أبي حنيفة واكثر اصحاب الشافعي وقال بعضهم هو مكروه غير محرم.
ولنا ما روى أبو موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من لعب بالنرد شير فقد عصي الله ورسوله).
وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه)) رواه أبو داود وكان سعيد بن جبير إذا مر على أصحاب النردشير لم يسلم عليهم.
إذا ثبت هذا فمن تكرر منه اللعب به لم تقبل شهادته سواء لعب به قمارا أو غير قمار وهو قول أبي حنيفة ومالك وظاهر مذهب الشافعي.
وقال مالك: من لعب بالشطرنج والنرد فلا أرى شهادته إلا باطلة لان الله تعالى قال (فماذا بعد الحق إلا الضلال) وهذا ليس من الحق فيكون من الضلال (فصل) والشطرنج كالنرد في التحريم إلا أن تحريم النرد آكد لورود النص في تحريمه وهذا
في معناه فيثبت فيه حكمه قياسا عليه، وذكر القاضي أبو الحسين ممن ذهب إلى تحريمه علي بن أبي طالب
وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب والقاسم وسالما وعروة ومحمد بن علي بن الحسين ومطر الوراق ومالكا وأبا حنيفة وذهب الشافعي إلى إباحته وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير واحتجوا بأن الاصل الاباحة ولم يرد بتحريمه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على الاباحة ويفارق الشطرنج النرد من وجهين (أحدهما) ان في الشطرنج تدبير الحرب فأشبه اللعب بالحراب والرمي بالنشاب والمسابقة بالخيل (والثاني) ان المعول في النرد على ما يخرجه الكعبتان فأشبه الازلام والمعول في الشطرنج على حذقه وتدبيره فأشبه المسابقة بالسهام ولنا قول الله سبحانه وتعالى (إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) قال علي رضي الله عنه الشطرنج من الميسر ومر رضي الله عنه على قوم فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ قال أحمد أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه وروى واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان لله عزوجل في كل يوم ستمائة وستين نظرة ليس لصاحب الشاه فيها نصيب (ولانه لعب يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة فأشبه اللعب بالنرد وقولهم لا نص فيها وقد ذكرنا فيها نصا وهو في معنى المنصوص على تحريمه وقولهم ان فيها تدبير الحرب قلنا لا يقصد هذا
منها وأكثر اللاعبين بها انما يقصدون منها اللعب والقمار وقولهم ان المعول فيها على تدبيره فهو أبلغ في اشغاله بها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة.
إذا ثبت هذا فقال أحمد النرد أشد من الشطرنج انما قال ذلك لورود النص في النرد بخلاف الشطرنج.
إذ ثبت هذا فقال القاضي: هو كالنرد في رد الشهادة وهو قول أبي حنيفة ومالك لاشتراكهما في التحريم وقال أبو بكر ان فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد في حقه وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته الا ان يشغله عن الصلاة في أوقاتها أو يخرجه إلى الحلف الكاذب أو نحوه من المحرمات أو يلعب بها على الطريق أو يفعل في لعبه ما يستخف
به من أجله ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة، وهذا مذهب الشافعي وذلك لانه مختلف فيه أشبه سائر المختلف فيه (فصل) فأما اللاعب بالحمام يطيرها فلا شهادة له وهذا قول أصحاب الرأي وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمام ولا حمام ولانه سفه ودناءة وقلة مروءة ويتضمن اذي الجيران واشرافه على دورهم ورميه اياها بالحجارة، وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا يتبع حماما فقال (شيطان يتبع شيطانة) فان اتخذ الحمام لطلب فراخها أو لحمل الكتب أو للانس بها من غير اذى يتعدى إلى الناس فلا بأس، وقد روى عبادة بن الصامت أن رجلا اتي النبي صلى الله عليه وسلم (فشكا إليه الوحشة فقال (اتخذ زوجا من الحمام)
(فصل) فأما المسابقة المشروعة بالخيل وغيرها من الحيوانات أو على الاقدام فمباحة ولا دناءة فيها ولا ترد بها الشهادة وقد ذكرنا مشروعية ذلك في باب المسابقة وكذلك ما في معناها من الثقاف واللعب بالحراب وقد لعب الحبشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالحراب وقامت عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم وتستتر به حتى ملت وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضرارا ولا شغلا عن فرض فالاصل اباحته فما كان فيه دناءة ينرفع عنه ذووا المروءات منع الشهادة إذا فعله ظاهرا وتكرر منه ومالا دناءة فيه لم ترد الشهادة به بحال (مسألة) (فأما الشين في الصناعة كالحجام والحائك والنخال والنفاط والقمام والزبال والمشعوذ والدباغ والحارس والكناس فهل تقبل شهادتهم إذا حسنت طرائقهم؟ على وجهين) الصناعات الدنيئة كالكساح والكباش لا تقبل شهادتهما لما روى سعيد في سننه أن رجلا أتي ابن عمر فقال له اني رجل كناس فقال له أي شئ تكنس؟ الزبل قال لا قال فالعذرة؟ قال نعم قال الاجر خبيث وما تزوجت فخبيث حتى تخرج منه كما دخلت فيه وعن ابن عباس مثله في الكساح ولان هذا دناءة يجتنبه اهل المروءات فاشبه الذي قبله فاما الزبال ونحوهم ففيه وجهان (أحدهما) لا تقبل شهادتهم لانها دناءة تجتنبها أهل المروءات فهو كالذي قبله (والثاني) يقبل لان بالناس إليه
حاجة فعلى هذا الوجه انما تقبل شهادته إذا كان يتنظف للصلاة في وقتها ويصليها فان صلى بالنجاسة لم تقبل شهادته وجها واحدا، وأما الحائك والحارس والدباغ فهو أعلى من هذه الصنائع فلا ترد به
الشهادة وذكر شيخنا فيها وجهين وكذلك ذكرها أبو الخطاب والاولى قبول شهادة الحائك والحارس والدباغ لانه قد تولاها كثير من الصالحين وأهل المروءات وأما سائر الصنائع التي لا دناءة فيها فلا ترد الشهادة بها إلا من كان منهم يحلف كاذبا أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه فان شهادته ترد وكذلك من كان منهم يؤخر الصلاة عن أوقاتها ولا يتنزه عن النجاسات فلا شهادة له ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتق ذلك ردت شهادته (فصل في الملاهي) وهي على ثلاثة أضرب: محرم وهو ضرب الاوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها فمن أدام استماعها ردت شهادته لانه بروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ظهر في أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء) ذكر منها إظهار المعارف والملاهي وقال سعيد ثنا فرج بن فضالة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبي امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله بعثني رحمة للعالمين وأمرني بمحق المعازف والمزامير لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن وثمنهن حرام) يعني الضاربات وروى نافع قال سمع ابن عمر مزمارا فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال فقلت لا قال فرفع أصبعيه من أذنيه وقال
كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا رواه الخلال في جامعه من طريقين ورواه أبو داود في سننه وقال حديث منكر وقد احتج قوم بهذا الخبر على إباحة المزمار وقالوا لو كان حراما لمنع النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر من سماعه ومنع ابن عمر نافعا من استماعه ولانكر على الزامر بها قلنا الاول لا يصح لان المحرم استماعها دون سماعها والاستماع غير السماع ولهذا فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع والمستمع ولم يوجبوا على من سمع شيئا محرما سد أذنيه قال الله تعالى (وإذا
سمعوا اللغو أعرضوا عنه) ولم يقل سدوا آذانهم والمستمع هو الذي يقصد السماع ولم يوجد هذا من ابن عمر وإنما وجد السماع ولان بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معرفة انقطاع سماع الصوت عنه لانه عدل عن الطريق وسد أذنيه فلم يكن ليرجع إلى الطريق ولا يرفع أصبعيه من أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه فابيح للحاجة وأما الانكار لعله كان في أول الهجرة حينما لم يكن الانكار واجبا أو قبل امكان الانكار لكثرة الكفار وقلة أهل الاسلام فان قيل فهذا الخبر ضعيف فان أبا داود رواه وقال هو حديث منكر قلنا قد رواه الخلال من طريقين فلعل أبا داود ضعفه لانه لم يقع له إلا من إحدى الطريقين (وضرب مباح) وهو الدف فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) أخرجه مسلم وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعي انه مكروه في غير النكاح لانه يروى عن عمر انه كان إذا سمع صوت الدف بعث فنظر فان كان في وليمة سكت وان كان في غيرها عمد الدرة
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ان امرأة جاءته فقالت إني نذرت إن رجعت من سفرك سالما أن أضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أوف بنذرك) رواه أبو داود ولو كان مكروها لم يأمرها به وإن كان منذورا، وروت الربيع بنت معوذ قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بني بي فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ويندبن من قتل من أبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال دعي هذا وقولي الذي كنت تقولين) متفق عليه فاما الضرب به للرجال فهو مكروه على كل حال لانه إنما يضرب به النساء والمخنثون، والمشبهون بهن ففي ضرب الرجال به تشبه بالنساء.
فاما الضرب بالقضيب فيكره إذا انضم إليه مكروه أو محرم كالتصفيق والغناء والرقص وإن خلا عن ذلك كله لم يكره لانه ليس بآلة لهو ولا بطرب ولا يسمع منفردا بخلاف الملاهي، ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا (فصل) واختلف اصحابنا في الغناء فذهب الخلال وصاحبه أبو بكر عبد العزيز إلى إباحته قال ابو بكر عبد العزيز الغناء والنوح معنى واحد مباح ما لم يكن معه منكر ولا فيه طعن فان الخلال يحمل الكراهة من احمد على الافعال المذمومة لا على القول بعينه، وروي عن احمد انه سمع من عند ابنه صالح قوالا فلم ينكر عليه، وقال له صالح يا أبه أليس كنت تكرههم؟ فقال قيل لي انهم يستعملون
المنكر، وممن ذهب إلى إباحة الغناء من غير كراهة ابراهيم بن سعد وكثير من أهل المدينة والعنبري لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت عندي جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر فقال مزمور
الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (دعها فانها أيام عيد) متفق عليه، وعن عمر رضي الله عنه انه قال الغناء زاد الراكب واختار القاضى انه مكروه غير محرم وهو قول الشافعي وقال من اللهو المكروه، وقال احمد الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني، وذهب آخرون من أصحابنا إلى تحريمه قال احمد فيمن مات وخلف ولدا يتيما وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها تباع ساذجة قيل له انها تساوي مغنية ثلاثين الفا وتساوي ساذجة عشرين دينارا فقال لا تباع إلا على انها ساذجة واحتجوا على تحريمه بما روي عن ابن الحنيفة في قوله تعالى (واجتنبوا قول الزور) قال الغناء وقال ابن عباس وابن مسعود في قول الله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال هو الغناء وعن ابي امامة ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء المغنيات وبيعهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن حرام أخرجه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث علي بن يزيد وقد تكلم أهل العلم فيه وروى ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (الغناء ينبت النفاق في القلب) والصحيح انه قول ابن مسعود، وعلى كل حال من اتخذ الغناء صناعة يؤتى إليه ويأتي له أو اتخذ غلامه أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لان هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسقه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترثم لنفسه ولا يغني للناس أو كان غلامه وجاريته انما يغنيان له انبنى هذا على الخلاف فيه فمن أباحه أو كرهه لم ترد شهادته، ومن حرمه قال ان دام عليه ردت شهادته كسائر الصغائر
وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته، وان فعله من يعتقد حله فقياس المذهب أن لا ترد شهادته بمالا لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع، ومن كان يغشى بيوت المغني أو يغشاه المغنون للسماع متظاهرا بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعا لانه سفه ودناءة، وان كان مستترا به فهو
كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل فيه (فصل) فاما الحداء وهو الانشاد التي تساق به الابل فمباح لا بأس به في فعله واستماعه لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان عبد الله بن رواحة جيد الحداء وكان مع الرجال وكان انجشة مع التساء فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن رواحة (حرك بالقوم) فاندفع ينشد فتبعه انجشة فأعنقت الابل فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا نجشة رويدك رفقا بالقوارير) يعني النساء وكذلك نشيد الاعراب وهو النصب لا بأس به وسائر أنواع الانشاد ما لم يخرج إلى حد الغناء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع انشاد الشعر فلا ينكره والغناء من الصوت ممدود مكسور والغنى من المال مقصور والحداء ممدود مضموم كالدعاء ويجوز الكسر كالنداء (فصل) والشعر كالكلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (إن من الشعر لحكما) وكان يضع لحسان منبرا يقوم عليه فيهجو من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وأنشده كعب بن زهير قصيدته * بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * في المسجد وقال له عمه العباس يارسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال قل لا يفضض الله فاك فأنشده
من قبلها طبت في الظلال * وفي مستودع حيث يخصف الورق وقال عمر بن الشريد أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أمعك من شعر أمية؟) قلت نعم فأنشدته بيتا فقال (هيه) حتى أنشدته مائة قافية وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب وقد اختلف في هذا فقيل ليس بشعر وإنما هو كلام موزون، وقيل بل هو شعر ولكنه بيت واحد قصير فهو كالنثر، ويروى ان أبا الدرداء قيل له ما من أهل بيت في الانصار إلا وقد قال الشعر قال وأنا قد قلت يريد العبد أن يعطى مناه * ويأبى الله إلا ما أرادا يقول العبد فائدتي ومالي * وتقوى الله أفضل ما استفادا
وليس في إباحة الشعر اختلاف وقد قاله الصحابة والعلماء والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة والعربية وللاستشهاد به في التفسير وتعرف معنى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويستدل به أيضا على النسب والتاريخ وأيام العرب ويقال الشعر ديوان العرب فان قيل فقد قال الله تعالى (والشعراء يتبهم الغاوون) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لان يمتلئ أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا) رواه أبو داود وابو عبيد وقال معنى يريه ياكل جوفه يقال ورواه يريه قال الشاعر:
وراهن ربي مثل ما قد ورينني * وأحمى على اكبادهن المكاويا قلنا أما الآية فالمراد بها من اسرف وكذب بدليل وصفه لهم بقوله (ألم ترانهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون؟) ثم استثنى المؤمنين بقوله (الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) ولان الغالب على الشعراء قلة الدين والكذب وقذف المحصنات وهجاء الابرياء لا سيما من كان في ابتداء الاسلام ممن يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويهجو المسلمين ويعيب الاسلام ويمدح الكفار فوقع الذم على الاغلب واستثنى منهم من لا يفعل الخصال المذمومة فالآية دليل على إباحته ومدح أهله المتصفين بالصفات الجميلة، واما الخبر فقال أبو عبيد معناه أن يغلب عليه الشعر حتى يشغله عن القرآن والفقه وقيل المراد به ما كان هجاء وفحشا فما كان من الشعر يتضمن هجاء المسلمين والقدح في اعراضهم أو التشبب بامرأة بعينها بالافراط في وصفها فذكر أصحابنا أنه محرم وهذا ان اريد به أنه محرم على قائله فهو صحيح، وأما على راويه فلا يصح فان المغازي يروى فيها قصائد الذين هاجوا بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك أحد، وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يوم بدر وأحد وغيرهما الا قصيدة أمية بن ابي الصلت الحائية وكذلك يروى شعر قيس بن الحطيم في التشبب بعمرة بنت رواحة اخت عبد الله بن رواحة ام النعمان ابن بشير وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير وفيها التشبب بسعاد ولم يزل الناس يروون أمثال هذا ولا ينكر وروينا ان النعمان بن بشير دخل مجلسا فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الحطيم فلما دخل النعمان سكتوه من قبل ان فيها ذكر امه فقال النعمان فلم يقل بأسا انما قال
وعمرة من سروات النساء * تنفح بالمسك اردانها وكان عمر بن طلحة بمجلس فغناهم رجل بشعر فيه ذكر امه فسكتوه فقال دعوه فان قائل هذا الشعر كان زوجها فأما لشاعر فمتى كان يهجو المسلمين ويمدح بالكذب أو يقذف مسلما أو مسلمة فان شهادته ترد وسواء قذف المسلمة بنفسه أو بغيره وقد قيل أعظم الناس ذنبا رجل يهاجي رجلا فيهجو القبيلة باسرها وقد روينا ان أباد لامة؟ شهد عند قاض فخاف ان ترد شهادته فقال ان الناس غطوني تغطيت عنهم * وان بحثوا عني ففيهم مباحث فقال القاضي ومن يبحثك يا ابا دلامة؟ وغرم المال من عنده ولم يظهر انه رد شهادته (فصل في قراءة القرآن بالالحان) اما قراءته من غير تلحين فلا بأس بها وان حسن صوته به فهو أفضل فان النبي صلى الله عليه وسلم قال (زينوا أصواتكم بالقرآن) وروي (زينوا القرآن باصواتكم) وقال (لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود) فقال أبو موسى لو أعلم انك تستمع لحبرته لك تحبيرا وروي ان عائشة أبطأت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال أين كنت يا عائشة فقالت يارسول الله كنت أسمع قراءة رجل في المسجد لم أسمع أحدا يقرأ أحسن من قراءته فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع قراءته ثم قال (هذا سالم مولى ابي حذيفة الحمد لله الذي جعل في امتي مثل هذا) قال صالح قلت (لابي زينوا القرآن باصواتكم) ما معناه قال ان تحسنه وقيل له ما معنى (من لم يتغن بالقرآن) قال يرفع صوته به، وهكذا قال الشافعي وقال الليث يتحزن به ويتخشع به ويتباكى به.
وقال ابن غيينة وعمر وبن الحارث ووكيع يستغني به فاما القرآن بالتلحين فينظر فيه فان لم يفرط في التمطيط والمد واشباع الحركات فلا بأس به فان النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ ورجع ورفع صوته
وقال الراوي لولا ان تجتمع الناس إلى لحكيت لكم قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وقال (ما أذن الله لشئ كاذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن) أي يجهر به ومعنى اذن استمع قال القاضي هو مكروه على كل حال ونحوه قول أبي عبيد وقال معنى قوله (من لم يتغن بالقرآن) أي يستغني به قال الشاعر: وكنت أمرأ زمنا بالعراق * عفيف النياح كثير التغني
قال ولو كان الغناء بالصوت لكان من لم يغن بالقرآن وروي نحو هذا التفسير عن ابن عيينة وقال القاضي أحمد بن محمد البرني: هذا قول من أدركنا من اهل العلم وقال الوليد بن مسلم يتغنى بالقرآن يجهر به وقيل يحسن صوته به.
قال شيخنا والصحيح أن هذا القدر من التلحين لا بأس به ولانه لو كان مكروها لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح حمله على التغني في حديث (ما أذن الله لشئ كاذنه لنبي يتغنى بالقرآن) على الاستغناء لان معنى اذن استمع وإنما تسمع القراءة ثم قال يجهر والجهر صفة القراءة لا صفة الاستغناء فاما إذا أسرف في المد والتمطيط واشباع الحركات بحيث يجعل الضمة واوا والفتحة ألفا والكسرة ياء كره ذلك ومن أصحابنا من قال يحرم لانه يغير القرآن ويخرج الكلمات عن وضعها ويجعل الحركات حروفا، وقد روينا عن أبي عبد الله أن رجلا سأله عن ذلك فقال له ما اسمك؟ قال محمد قال أيسرك أن يقال لك يا موحامد؟ قال لا قال ولا يعجبني أن يتعلم الرجل الالحان إلا ان يكون حرمه مثل حرم أبي موسى قال له رجل فيكلمون قال لا كل ذا
واتفق اهل العلم على انه تستحب قراءة القرآن بالتحزين والترتيل والتحسين وروى بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرءو القرآن بالحزن فانه نزل بالحزن) وقال المروذي سمعت ابا عبد الله قال لرجل لو قرأت وجعل أبو عبد الله ربما تغرغرت عينه وقال زهير بن حرب كنا عند يحيى القطان فجاء محمد بن سعيد فقال له يحيى اقرأ فقرأ فغشي على يحيى حتى حمل وادخل وقال محمد بن صالح العدوي قرأت عند يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه حتى فانه خمس صلوات (فصل) ولا تقبل شهادة الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوة، وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا وذلك لانه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (من اتى طعاما لم يدع إليه دخل سارقا وخرج معيرا) ولانه يأكل محرما ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة فان لم يتكرر هذا منه لم ترد شهادته لانه من الصغائر ومن سأل من غير ان تحل له المسألة فاكثر ردت شهادته لانه فعل محرما واكل سحتا واتى دناءة، وقد روى قبيصة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة رجل اصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما
من عيش - أو قال - سدادا من عيش، ورجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك) فاما السائل ممن تباح له المسألة فلا ترد شهادته بذلك الا أن يكون اكثر عمره سائلا فينبغي ان ترد شهادته لان ذلك دناءة وسقوط مرؤة، فان اخذ من الصدقة من يجوز له الاخذ من غير
مسألة لم ترد شهادته لانه فعل جائز لا دناءة فيه وان اخذ منها ما لا يجوز له وتكرر ذلك منه ردت شهادته لانمه مصر على الحرام.
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل المجنون واسلم الكافر وتاب الفاسق قبلت شهادتهم بمجرد ذلك) لان المقتضي لقبول الشهادة موجود وإنما ردت لوجود المانع فإذا زال المانع عمل المقتضي عمله كما لو لم يوجد المانع وتقبل توبة الفاسق لقول الله سبحانه وتعالى (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) وقوله سبحانه (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وقال عمر رضي الله عنه: بقية عمر المرء لا قيمة له يدرك فيه ما ما فات ويحيى فيه ما امات ويبدل الله سيأته حسنات والتوبة على ضربين باطنة وحكمية فالباطنة يما بينه وبين الله تعالى فان كانت المعصية لا توجب حقا عليه في الحكم كقبلة الاجنبية والخلوة بها وشرب المسكر والكذب فالتوبة منها الندم والعزم على ان لا يعود فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (التوبة النصوح تجمع أربعة أشياء الندم بالقلب والاستغفار باللسان واضمار أن لا يعود) وبمجانبة خلطاء السوء وإن كانت توجب حقا عليه لله تعالى أو لآدمي كمنع الزكاة والغصب فالتوبة منها بما ذكرنا وترك المظلمة حسب إمكانه بان يؤدي الزكاة ويرد المغصوب أو بدله وان عجز عن ذلك نوى رده متى قدر
عليه فان كان عليه فيها حق في البدن وكان حقا لآدمي كالقصاص وحد القذف فالمشترط في التوبة التمكين من نفسه ببذلها للمستحق وان كان حقا لله تعالى كحد الزنا وشرب الخمر فتوبته بالدم والعزم على ترك العود ولا يشترط الاقرار به فان كان ذلك لا يشتهر عنه فالاولى له ستر نفسه والتوبة فيما
بينه وبين الله تعالى لان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فان من ابدى لنا صفحته اقمنا عليه الحد) فان الغامدية حين أقرت بالزنا لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وان كانت معصينه مشهورة فذكر القاضي أن الاولى به الاقرار ليقام عليه الحد لانه إذا كان مشهورا فلا فائدة في ترك إفامة الحد عليه.
قال شيخنا والصحيح ان ترك الاقرار أولى لان النبي صلى الله عليه وسلم عرض للمقر عنده بالرجوع عن الاقرار فعرض لما عز وللمقر عنده بالسرقة بالرجوع مع اشتهاره عنه باقراره وكره الاقرار حتى قيل إنه لما قطع السارق كانما أسف وجهه رمادا ولم يرد الامر وبالاقرار ولا الحث عليه في كتاب ولا سنة ولا يصح له قياس انما ورد الشرع بالستر والاستتار والتعريض للمقر بالرجوع عن الاقرار وقال لهزال وهو الذي امر ما عزابا بالاقرار (ياهزال لو سترت بثوبك لكان خيرا لك) وقال أصحاب الشافعي توبة هذا اقراره ليقام عليه الحد وليس بصحيح لما ذكرنا ولان التوبة توجد حقيقتها بدون الاقرار وهي تجب ما قبلها كما ورد في الاخبار مع ما دلت عليه الايات في مغفرة الذنوب بالاستغفار وترك الاسرار وأما البدعة فالتوبه منها بالاعتراف بها واعتقاد ضد ما كان يعتقد منها
(مسألة) (ولا يعتبر اصلاح العمل وعنه يعتبر في التائب اصلاح العمل سنة) ظاهر كلام احمد والخرقي انه لا يعتبر في ثبوت أحكام التوبة من قبول الشهادة وصحة الولاية في النكاح إصلاح العمل وهو أحد القولين لشافعي وفي القول الاخر يعتبر اصلاح العمل الا أن يكون ذنبه شهادة بالزنا فلم يكمل عدد اشهود فانه يكفي مجرد لتوبة من غير اعتبار اصلاح وما عداه فلا تكفي التوبة حتى تمضي عليه سنة تظهر فيها توبته ويبين فيها صلاحه وهذا رواية عن أحمد حكاها أبو الخطاب لان الله تعالى قال (الا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) وهذا نص فانه نهى عن قبول شهادتهم ثم استثنى التائب المصلح ولان عمر رضي الله عنه لما ضرب صبيغا أمر بهجرانه حتى بلغته توبته فامر ان لا يكلم الا بعد سنة ولنا قوله عليه السلام (التوبة تجب ما قبلها) وقوله (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ولان المغفرة تحصل بمجرد التوبة فكذلك الاحكام ولان التوبة من الشرك بالاسلام ولا يحتاج إلى اعتبار ما بعده
وهو أعظم الدنوب فما دونه أولى وأما الاية فيحتمل ان يكون الاصلاح من التوبة وعطفه عليها لاختلاف اللفظين ودليل ذلك قول عمر لابي بكرة تب أقبل شهادتك ولم يعتبر أمر آخر ولان من كان غاصبا فرد ما في يديه أو مانعا للذكاة فأداها وتاب إلى الله عزوجل قد حصل منه الاصلاح وعلم نزوله عن معصيته نادما عليه فانه لو لم ترد التوبة لما أدى ما في يديه ولان تقديره بسنة تحكم لم يرد به الشرع والتقدير انما يثبت بالتوقيف وما رود من عمر في حق صبيغ انما كان لانه تائب من بدعة وكانت توتبه بسبب الضرب والهجران فيحتمل انه اظهر التوبة تسترا بخلاف مسئلتنا وقد ذكر القاضي ان التائب من البدعة يعتبر له سنة لحديث صبيغ رواه احمد في الورع قال ومن علامة
توبته ان يجتنب من كان يواليه من اهل البدع ويوالي من كان يعاديه من اهل النسة والصحيح ان التوبة من البدعة كغيرها الا ان تكون التوبة تفعل بسبب الاكراه كتوبة صبيغ فيعتبر له مدة يظهر ان توبته عن اخلاص لا عن اكراه وللحاكم ان يقول للمتظاهر بالمعصية تب اقبل شهادتك وقال مالك لا اعرف هذا قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة وقاله عمر لابي بكرة؟ (مسألة) (ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب) وجملة ذلك ان القاذف إذا كان زوجا فحقق قذفه ببينة أو لعان أو كان اجنبيا فحققه بالبينة أو بأقرار المقذوف لم يتعلق بقذفه فسق ولا حد ولا رد شهادة وان لم يحقق قذفه بشئ من ذلك تعلق به وجوب الحد عليه والحكم بفسقه ورد شهادته لقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون) فان تاب لم يسقط عنه الحد وزل الفسق بلا خلاف وتقبل شهادته عندنا روي ذلك عن عمر وابي لدرداء وابن عباس وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري وعبد الله بن عتبة وجعفر به ابي ثابت وابى الزناد ومالك والشافعي والبتي واسحاق وابو عبيد وابن المنذر وذكره ابن عبد البر عن يحيى بن سعيد وربيعة وقال شريح والحسن والنخعي وسعيد بن جبير والثوري واصحاب الرأي لا تقبل شهادته إذا جلد وإن تاب، وعند أبي حنيفة لا ترد شهادته قبل الجلد وإن لم يتب والخلاف معه في فصلين:
(أحدهما) انه عندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه وعند أبي حنيفة ومالك لا تسقط الا بالجلد (والثاني) انه ان تاب قبلت شهادته وإن جلد وعند ابي حنيفة لا تقبل وتعلق لقول الله تعالى (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) وبما روى ابن ماجة باسناده عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا محدود في الاسلام واحتج في الفصل الآخر بان القذف قبل حصول الجلد يجوز ان تقوم به البينة فلا يجب به التفسيق ولنا في الفصل الثاني إجماع الصحابة رضي الله عنهم فانه روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لابي بكرة حين شهد على لمغيرة بن شعبة تب أقبل شهادتك ولم ينكر ذلك منكر فكان إجماعا قال سعيد بن المسيب شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة رجال أبو بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث ونكل زياد فجلد عمر الثلاثة وقال لهم عمر توبوا تقبل شهادتكم فتاب رجلان وقبل عمر شهادتهما وأبى أبو بكرة فلم يقبل شهادته وكان قد عاد مثل النصل من العبادة ولانه تاب من ذنبه فقبلت شهادته كالتائب من الزنا يحققه ان الزنا أعظم من القذف به وكذلك قتل النفس التي حرم الله وسائر الذنوب إذا تاب فاعلها قبلت شهادته فهذا أولى.
وأما الآية فهي حجة لنا لانه استثنى التائبين بقوله تعالى (إلا الذين تابوا) والاستثناء من النفي إثبات فيكون تقديره إلا الذين تابوا فقبلوا شهادتهم وليسوا بفاسقين فان قالوا انما يعود الاستثناء إلى الجملة التي تليه بدليل انه لا يعود إلى الجلد قلنا بل يعود إليه ايضا لان هذه الجمل معطوف بعضها على بعض بالواو وهي للجمع تجعل الجمل كلها كالجملة الواحدة
فيعود الاستثناء إلى جميعها الا ما منع.
ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ولا يجلس على تكرمته الا باذنه) عاد الاستثناء إلى الجملتين جميعا ولان الاستثناء يغاير ما قبله فعاد الجمل المعطوف بعضها على بعض بالواو كالشرط فانه لو قال امرأته طالق وعبده حر ان لم يقم عاد الشرط اليهما كذا الاستثناء بل عود الاستثناء إلى الشهادة أولى لان رد الشهادة هو المأمور به فيكون الحكم والتفسيق خرج مخرج الخبر والتعليل لرد الشهادة فعود الاستثناء إلى الحكم المقصود إلى
من رده إلى التعليل وحديثهم ضعيف يرويه الحجاج بن أرطاه وهو ضعيف قال ابن عبد البر لم يرفعه في روايته حجة، وقد روي من غير طريقه ولم يذكر فيه هذه الزيادة فدل ذلك على انها من غلطه ويدل على خطئه قبول شهادة كل محدود في غير المقذوف بعد ثبوته ثم لو قدر صحته فالمراد به من لم يتب بدليل كل محدود تاب سوى هذا.
وأما الفصل الاول فدليلنا فيه الآية فانه رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء إيجاب الجلد ورد الشهادة والفسق فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لم يمكنه تحقيقه كالجلد ولان الرمي هو المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة وتثبت به المعصية الموجبة رد الشهادة، والحد كفارة تطهير فلا يجوز تعليق رد الشهادة به، وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف فيثبتان جميعا به وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر، وقولهم إنما يتحقق بالجلد لا يصح لان الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه فلا يستوفى قبل تحقق القذف، وكيف يجوز أن يستوفى حد قبل تحقق سببه ويصير متحققا بعده هذا باطل
(فصل) والقاذف في الشتم ترد شهادته وروايته حتي يتوب والشاهد بالزنا إذا لم تكمل بالبينة تقبل روايته دون شهادته وحكي عن الشافعي ان شهادته لا ترد ولنا ان عمر لم يقبل شهادة ابي بكرة وقال له تب اقبل شهادتك وروايته مقبولة ولا نعلم خلافا في قبول رواية أبي بكرة مع رد عمر شهادته (مسألة) (وتوبته أن يكذب نفسه وقيل ان علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه) ظاهر كلام احمد والخرقي أن توبة القاذف اكذابه نفسه فيقول كذبت فيما قلت وهذا منصوص الشافعي واختيار الاصطخري من أصحابه قال ابن عبد البر وممن قال هذا سعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والشعبي وإسحاق وابو ثور وابو عبيدة لما روي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في قول الله تعالى (إلا الذين تابوا من بعد ذلك واصلحوا فان الله غفور رحيم)
قال ثوبته إكذاب نفسه ولان عرض المقذوف يلوث بقذفه فاكذابه نفسه يزيل ذلك التلويث فتكون التوية، وذكر القاضي ان القذف ان كان سبا فالتوبة منه إكذاب نفسه وإن كان شهادة فالتوبة منه ان يقول القذف حرام باطل ولن أعود إلى ما قلت وهذا قول بعض أصحاب الشافعي قال وهو المذهب لانه قد يكون صادقا فلا يؤمر بالكذب والخبر محمول على الاقرار بالبطلان لانه نوع إكذاب.
قال شيخنا والاولى انه متى علم من نفسه الصدق فيما قذف به فتوبته الاستغفار والاقرار ببطلان ما قاله وتحريمه فانه لا يعود إلي مثله وان لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه
سواء كان القذف بشهادة أو سب لانه قد يكون كاذبا في الشهادة صادقا في السب، ووجه الاول ان الله تعالى سمى القاذف كاذبا على الاطلاق بقوله سبحانه (فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى انه كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان في نفس الامر صادقا (فصل) ولا يشترط في الشهادة الحرية بل تجوز شهادة العبد في كل شي إلا في الحدود والقصاص على احدى الروايتين وتجوز شهادة الامة فيما تجوز فيه شهادة النساء الكلام في هذه المسألة في ثلاثة فصول (احدها) في قبول شهادة العبد فيما عدا الحدود والقصاص والمذهب انها مقبولة.
روي ذلك عن علي وأنس رضي الله عنهما قال أنس ما علمت ان أحدا رد شهادة العبد وبه قال عروة وشريح وإياس وابن سيرين والبتي وابو ثور وداود وابن المنذر، وقال مجاهد والحسن وعطاء ومالك والاوزاعي والثوري وابو حنيفة والشافعي وابو عبيد لا تقبل شهادته لانه غير ذي مروءة ولانها مبنية على الكمال لا تتبعض فلم يدخل فيها العبد كالميراث، وقال الشافعي والنخعي والحكم تقبل في الشئ اليسير ولنا عموم آيات الشهادة وهو داخل فيها فانه من رجالنا وهو عدل تقبل روايته وفتياه وأخباره الدينية، وروى عقبة بن الحارث قال: تزوجت ام يحيى بنت أبي اهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (وكيف وقد زعمت ذلك) متفق عليه
وفي رواية ابي داود فقلت يارسول الله انها لكاذبة فقال (وما يدريك وقد قالت ما قالت؟ دعها عنك) ولانه عدل غير متهم فتقبل شهادته كالحر وقولهم ليس له مروءة ممنوع بل هو كالحر ينقسم إلى من له مروءة، ومن لا مروءة له، وقد يكون منهم العلماء والامراء والصالحون والاتقياء سئل اياس ابن معاوية عن شهادة العبد فقال أنا ارد شهادة عبد العزيز بن صهيب، وكان منهم زياد بن أبي عياش من العلماء والزهاد وكان عمر بن عبد العزيز يرفع قدره ويكرمه ومنهم عكرمة مولى ابن عباس من العلماء الثقات وكثير من الموالي كانوا عبيدا وأبناء عبيد لم يحدث فيهم بالاعتاق الا الحرية وهي لا تغير طبعا ولا تحدث علما ولا دينا ولا مروءة ولا يقبل منهم الا من كان ذا مروءة ولا يصح قياس الشهادة على الميراث فان الميراث خلافة للموروث في ماله وحقوقه والعبد لا يمكنه الخلافة لان ما يصير إليه يملكه سيده فلا يمكن أن يخلف فيه ولان الميراث يقتضي التمليك والعبد لا يملك ومبنى الشهادة على العدالة التي هي مظنة الصدق وحصول الثقة من القول والعبد أهل لذلك فوجب أن تقبل شهادته (الفصل الثاني) ان شهادته لا تقبل في الحدود وفي القصاص احتمالان (أحدهما) تقبل شهادته فيه لانه حق آدمي، ولا يصح الرجوع عن الاقرار به أشبه الاموال (والثاني) لا تقبل لانه عقوبة بدنية تدرأ بالشبهات فأشبه الحد وقد ذكرنا في هذا الكتاب في الحد والقصاص روايتين وكذلك ذكره الشريف وابو الخطاب فانهما ذكرا في العقوبات كلها روايتين (احداهما) تقبل لما ذكرنا ولانه رجل عدل فتقبل شهادته فيها كالحر والثانية لا تقبل وهي
ظاهر المذهب لان الاختلاف في قبول شهادته في الاموال نقص وشبهة فلم تقبل شهادته فيما يندرئ بالشبهات ولانه ناقص الحال فلم تقبل شهادته في الحد والقصاص كالمرأة (الفصل الثالث) ان شهادة الامة تقبل فيما تقبل فيه شهادة النساء قياسا عليهن فان النساء لا تقبل شهادتهن في الحدود والقصاص وانما تقبل في المال أو شبهه والامة كالحرة فيما عداهما وقد دل عليه حديث عقبة بن الحارث، وحكم المكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه حكم القن فيما ذكرنا لان الرق فيهم وقد روي
عن عمر رضي الله عنه أنه لا تجوز شهادة المكاتب وبه قال عطاء والشعبي والنخعي ولنا ما ذكرناه في العبد ولانه إذا ثبت الحكم في القن ففي هؤلاء أولى (فصل) وتجوز شهادة الاصم في المرئيات وعلى المسموعات قبل صممه اما شهادته على المرئيات فهو فيها كالذي يسمع فتقبل شهادته فيها وتجوز شهادته في المسموعات التي كانت قبل صممه كما تجوز شهادة الاعمى على الافعال التى رآها قبل العمى إذا عرف المشهود عليه باسمه ونسبه (مسألة) (وتجوز شهادة الاعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت وبالاستفاضة) روي هذا عن علي وابن عباس وبه قال ابن سيرين وعطاء والشعبي والزهري ومالك وابن أبي ليلى وإسحاق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة والشافعي لا تقبل شهادته، وروي ذلك عن النخعي وابي هاشم واحتلف فيه عن الحسن واياس وابن أبي ليلى وأجاز الشافعي شهادته بالاستفاضة والترجمة إذا أقر عند أذنه ويد الاعمى على رأسه ثم ضبطه حتى حضر عند الحاكم فشهد عليه ولم يجزها في غير ذلك لان من لا تجوز شهادته على الافعال لا تجوز على الاقوال كالصبي ولان الاصوات تشتبه فلا يحصل اليقين فلم يجز أن يشهد بها كالخط
ولنا قول الله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) ولانه رجل عدل مقبول الرواية فقبلت شهادته كالبصير وفارق الصبي فانه ليس برجل ولا عدل ولا مقبول الرواية ولان السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين وقد يكون المشهود عليه ممن ألفه الاعمى وكثرت صحبته له وعرف صوته يقينا فلا يشك فيه فوجب أن تقبل شهادته فيما تيقنه كالبصير ولهذا أجاز الشافعي وأصحابه شهادته بالاستفاضة ولا تثبت عندهم حتى يسمعها من عدلين ولا بد ان يعرفهما حتي يعرف عدالتهما فإذا صح ان يعرف الشاهدين صح ان يعرف المقر ولا خلاف في قبول روايته وجواز استماعه من زوجته إذا عرف صوتها وصحة قبول النكاح، وجواز اشتباه الاصوات كجواز اشتباه الصفة وفارق الافعال فان مدركها الرؤية وهي غير ممكنة من الاعمى والاقوال مدركها السمع هو يشارك البصير فيه وربما زاد عليه ويفارق الخط فانه لو تيقن من كتب الخط أو رآه يكتبه لم يجز ان يشهد بما كتب فيه
إذا ثبت هذا فانه لا يجوز ان يشهد الا إذا تيقن الصوت وعلم المشهود عليه يقينا فان جوز ان يكون صوت غيره لم يجز ان يشهد به كما لو اشتبه على البصير المشهود عليه فلم يعرفه (مسألة) (وتجوز في المرئيات التي تحملها قبل العمى إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه وما يتميز به) وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا تجوز شهادته أصلا لانه لا يجوز ان يكون حاكما ولنا ما تقدم في المسألة قبلها ولان العمي فقد حاسة لا يخل بالتكليف فلم يمنع قبول الشهادة
كالصمم وفارق الحكم فانه يعتبر له من شروط الكمال ما لا يعتبر للشهادة ولذلك يعتبر له المسع والاجتهاد وغيرهما.
(مسألة) (فان لم يعرف المشهود عليه باسمه ونسبه ولم يعرفه الا بعينه قبلت شهادته أيضا لما ذكرنا في المسألة الاولى) وهذا قول القاضي ويصفه للحاكم بما يتميز به قال شيخنا ويحتمل ان لا تقبل لان هذا مما لا ينضبط غالبا (مسألة) (وان شهد عند الحاكم ثم عمي قبلت شهادته وجاز الحكم بها) وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة لا يجوز الحكم لانه معنى يمنع قبول الشهادة مع صحة النطق فمنع الحكم بها كالفسق ولنا أنه معنى طرأ بعد اداء لا يورث تهمة في حال الشهادة فلم يمنع قبولها كالموت وفارق الفسق فانه يورث تهمة حال الشهادة (مسألة) (وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا وغيره) هذا قول اكثر اهل العلم منهم عضاء والحسن والشعبي والزهري والشافعي واسحاق وابو عبيد وابو حنيفة واصحابه وقال مالك والليث لا تجوز شهادته في الزنا وحده لانه متهم فان العادة فيمن فعل قبيحا انه يحب ان يكون له نظراء وحكي عن عثمان انه قال ودت الزانية ان النساء كلهن زنين ولنا عموم الآيات فانه عدل مقبول الشهادة في غير الزنا فيقبل في الزنا كغيره ولان من قبلت شهادته في القتل قبلت في الزنا كولد الرشدة قال ابن المنذر وما احتجوا به غلط من وجوه (أحدها)
ان ولد الزنا لم يفعل قبيحا يحب ان يكون له نظراء فيه (والثاني) لا أعلم ما ذكر عن عثمان ثابتا عنه وأشبه ذلك ان لا يكون ثابتا وغير جائز ان يثبت عن عثمان كلام بالظن عن ضمير امرأة لم يسمعها تذكره (الثالت ان الزاني لو تاب لقبلت شهادته وهو الذي فعل الفعل القبيح فإذا قبلت شهادته مع ما ذكروه فغيره أولى فانه لا يجوز ان يلزم ولده من وزره اكثر مما لزمه ولا يتعدى الحكم إلى غيره من غير ان يثبت فيه مع ان ولده لا يلزمه شئ من ضرره لقول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر اخرى) وولد الزنا لم يفعل شيئا يستوجب به حكما (مسألة) (وتقبل شهادة الانسان على فعل نفسه كالمرضعة بالرضاع والقاسم على القسمة والحاكم على حكمه بعد العزل) تجوز شهادة المرضعة على الرضاع لما ذكرنا من حديث عقبة بن الحارث وكذلك شهادة القاسم على القسمة لانه يشهد لغيره فصح على فعل نفسه كما لو شهد على فعل غيره وكذلك تقبل شهادة الحاكم على حكمه بعد العزل لذلك وفي ذلك كله اختلاف لما ذكرنا فيما مضى (مسألة) (وتقبل شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي إذا اجتمعت الشروط) وهو ظاهر كلام الخرقي وهو قول ابن سيرين وابي حنيفة والشافعي وابي ثور وأجازه أبو الخطاب وعن أحمد في شهادة البدوي على القروي اخشى ان لا تقبل فيحتمل وجهين (أحدهما) لا تقبل وهو قول جماعة من اصحابنا ومذهب ابي عبيد وقال مالك كقول أصحابنا فيما عدا الجراح وكقول الباقين احتياطا للدماء واحتج اصحابنا بما روى أبو داود في سننه عن ابي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لا تجوز شهادة بدوي على صحاب قرية) ولانه متهم حيث عدل إذا أشهد قرويا واشهد بدويا قال أبو عبيد ولا أرى شهادتهم ردت الا لما فيهم من الجفاء بحقوق الله والجفاء في الدين (والثاني) تقبل لان من قبلت شهادته على أهل البلد وقبلت شهادته على البدو قبلت شهادته على اهل القرى ويحمل الحديث على من لم تعرف عدالته من اهل البدو ونخصه بهذا لان الغالب ان
لا يكون له من يسأله الحاكم فيتعرف عدالته (باب موانع الشهادة) ويمنع قبول الشهادة ستة أشياء (أحدها) قرابه الولادة فلا تقبل شهادة والد لولده وان سفل ولا ولد لوالده وان علا.
ظاهر المذهب أن شهادة الوالد لولده لا تقبل ولا لولد ولده وان سفل وسواء في ذلك ولد البنين وولد البنات ولا تقبل شهادة الولد لوالده ولا والدته ولا جده ولا جدته من قبل أبيه وأمه وان علوا وسواء في ذلك الآباء والامهات وآباؤهما وأمهاتهما وبه قال شريح والحسن والشعبي والنخعي ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي وروي عن أحمد رواية ثانية تقبل شهادة الابن لابنه ولا تقبل شهادة الاب لابنه لان مال الابن في حكم مال الاب له أن يتملكه له إذا شاء فشهادته له شهادة لنفسه أو يجربها لنفسه نفعا قال النبي صلى الله عليه وسلم (انت ومالك لابيك) وقال (ان أطيب
ما أكل الرجل من كسبه وان أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم) ولا يوجد هذا في شهادة الابن لابيه وعنه رواية ثالثة تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا تهمة فيه كالنكاح والطلاق والقصاص والمال إذا كان مستغنى عنه لان كل واحد منهما لا ينتفع بما يثبت للآخر من ذلك فلا تهمة في حقه وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن شهادة كل واحد منهما للآخر مقبولة وروي ذلك عن شريح وبه قال عمر بن عبد العزيز وابو ثور والمزني وداود وإسحاق وابن المنذر لعموم الآيات ولانه عدل تقبل شهادته في غير هذا الموضع فتقبل شهادته فيه كالاجنبي ولنا ما روى الزهري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا ظنين في قرابة ولا ولاء) والظنين المتهم والاب متهم لولده لان ماله كما له بما ذكرنا ولان بينهما بعضية فكأنه يشهد لنفسه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها) ولانه متهم في الشهادة على عدوه والخبر أخص من الآيات فتختص به (مسألة) (وتقبل شهادة بعضهم على بعض في أصح الروايتين)
أما شهادة أحدهما على صاحبه فتقبل، نص عليه أحمد وهذا قول عامة اهل العلم، قال شيخنا ولم اجد عن احمد في الجامع فيه اختلافا وذلك لقوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين والاقربين) فأمر بالشهادة عليهم ولو لم تقبل لما امر بها ولانها
إنما ردت شهادته له للتهمة في ايصال النفع ولا تهمة في شهادته عليه فوجب ان تقبل كشهادة الاجنبي بل اولى فان شهادته لنفسه لما ردت للتهمة في ايصال النفع إلى نفسه كان اقراره عليها مقبولا وفيه رواية أخرى أن شهادة احدهما لا تقبل على صاحبه حكاها القاضي في المجرد لان شهادته غير مقبولة فلا تقبل عليه كالفاسق وقال بعض الشافعية لا تقبل شهادة الابن على ابيه في قصاص ولا حد قذف لانه لا يقتل بقتله ولا يحد بقذفه فلا يلزمه ذلك والمذهب الاول لما ذكرنا ولانه يتهم له ولا يتهم عليه فشهادته عليه ابلغ في الصدق كشهادته على نفسه (فصل) فان شهد اثنان بطلاق ضرة أمها أو قذف زوجها لها قبلت شهادتهما لان حق امهما لا يزداد به وسواء كان المشهود عليه اباهما أو اجنبيا وتوفر الميراث لا يمنع قبول الشهادة بدليل قبول شهادة الوارث لموروثه (فصل) وتجوز شهادة الرجل لابنه من الرضاعة وابيه وسائر أقاربه منها لانه لا نسب بينهما يوجب الانفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه وتبسطه في ماله بخلاف قرابة النسب (مسألة) ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه في احدى الروايتين) هذا الذي ذكره الخرقي وبه قال الشعبي والنخعي ومالك واسحاق وأبو حنيفة والرواية الاخرى يجوز هذا وقول شريح والحسن والشافعي وأبي ثور لانه عقد على منفعة فلا يمنع قبول الشهادة كالاجارة
وقال الثوري وابن أبي ليلى تقبل شهادة الرجل لامرأته لانه لا تهمة في حقه ولا تقبل شهادتهما له لان يساره وزيادة حقها من النفقة يحصل بشهادتها له بالمال فهي متهمة لذلك ولنا أن كل واحد من الزوجين يرث الآخر من غير حجب ويتبسط في ماله عادة فلم تقبل
شهادته له كالابن مع أبيه ولان يسار الرجل يزيد نفقة امرأته ويسار المرأة يزيد في قيمة بضعها المملوك لزوجها فكان كل واحد منهما يضاف إلى الآخر قال الله تعالى (وقرن في بيوتكن) وقال (لا تدخلوا بيوت النبي) فاضاف البيوت اليهن تارة وإلى النبي صلى الله عليه وسلم اخرى وقال تعالى (لا تخرجوهن من بيوتهن) وقال عمر للذي قال له إن غلامي سرق مرآة امرأتي: لا قطع عليه عبدكم سرق مالكم ويفارق عقد الاجارة من هذه الوجوه كلها (مسألة) (ولا تقبل شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده) أما شهادة السيد لعبده فغير مقبولة لان مال العبد لسيده فشهادته له شهادة لنفسه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا أن يشترطه المبتاع) ولا نعلم في هذا خلافا ولا تقبل شهادته له أيضا بنكاح ولا لامته بطلاق لان في طلاق امته تخليصا له وإباحة بضعها في نكاح العبد نفع له ونفع مال الانسان نفع له ولا تقبل شهادة العبد لسيده لانه يتبسط في ماله وينتفع به ويتصرف فيه وتجب نفقته منه ولا يقطع بسرقته فلا تقبل شهادته له كالابن مع أبيه (مسألة) (وتقبل شهادة الاخ لاخيه وسائر الاقارب والصديق لصديقه والمولى لعتيقه)
قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على أن شهادة الاخ لاخيه جائزة وروي ذلك عن ابن الزبير وبه قال شريح وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي والثوري ومالك والشافعي وأبو عبيد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه لا تقبل شهادة كل ذي رحم محرم وعن مالك أنه لا تقبل شهادته لاخيه إذا كان منقطعا إليه في صلته وبره لانه متهم في حقه وقال ابن المنذر قال مالك لا تجوز شهادة الاخ لاخيه في النسب وتجوز في الحقوق ولنا عموم الايات ولانه عدل غير متهم فتقبل شهادته له كالاجنبي ولا يصح القياس على الوالد والولد لان بينهما بعضية وقرابة بخلاف الاخ (فصل) وشهادة العم وابنه والخال وابنه وسائر الاقارب اولى بالجواز فان شهادة الاخ إذا اجيزت مع قربه كان تنبيها على قبول شهادة من هو أبعد منه بطريق الاولى وتقبل شهادة أحد الصديقين
للاخر في قول عامة العلماء إلا مالكا قال لا تقبل شهادة الصديق الملاطف لانه يجر إلى نفسه نفعا بها فهو متهم فلم تقبل شهادته كشهادة العدو على عدوه ولنا عموم ادلة الشهادة وما قاله يبطل بشهادة الغريم للمدين قبل الحجر وان كان ربما قضاه دينه منه فجر إلى نفسه نفعا أعظم مما يرجى ههنا من الصديقين وأما العداوة فسببها محصور وفي الشهادة عليه شفاء غيظه منه فخالف الصداقة وتجوز شهادة المولى المعتق لعتيقه لانه لا تهمة فيه أشبه الاجنبي ولانه بمنزلة الاخ وشهادة الاخ لاخيه مقبولة كما ذكرنا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: