الفقه الحنبلي - الزكاة - الركاز

يعني خمسة أوسق وان عصر قوم ثمنه لان الزيت له بقاء، وهذا قول الزهري والاوزاعي ومالك والليث والثوري وأبي ثور وأصحاب الرأي واحد قولي الشافعي، وروي عن ابن عباس لقول الله تعالى.
(وأتوا حقه يوم حصاده) في سياق قوله تعالى (والزيتون والرمان) ولانه يمكن ادخار غلته أشبه التمر، وروي عنه لا زكاة فيه نقلها عنه يعقوب بن بختان وهو اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي وهذا قول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحد قولي الشافعي لانه لا يدخر يابسا فهو كالخضراوات ولانه لم يرد بها الزكاة لانها مكية، والزكاة انما فرضت بالمدينة ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه، وقال النخعي وأبو جعفر هذه الآية منسوخة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده بدليل أن الرمان مذكور بعده ولا زكاة فيه (فصل) (ونصابه خمسة أوسق) نص عليه أحمد في رواية صالح.
فاما نصاب الزعفران والقطن وما الحق بهما من الموزونات فهو الف وستمائة رطل بالعراقي لانه ليس بمكيل فيقوم وزنه مقام كيله ذكره القاضي في المجرد.
وحكي عنه إذا بلغت قيمته نصابا من أدنى ما تخرجه الارض مما فيه الزكاة ففيه الزكاة وهذا قول أبي يوسف في الزعفران لانه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالعروض تقوم بادنى النصابين من الاثمان، وقال أصحاب الشافعي في الزعفران تجب الزكاة في قليله وكثيره وحكاه القاضي في المجرد قولا في المذهب، قال شيخنا رحمه الله ولا
أعلم لهذين القولين دليلا ولا أصلا يعتمد عليه ويردهما قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ولان إيجاب الزكاة في قليله وكثيره مخالف لجميع أموال الزكاة واعتباره بغيره مخالف لجميع ما يجب فيه العشر واعتباره باقل ما تجب الزكاة فيه قيمة لا نظير له أصلا، ولا يصح قياسه على العروض لانها لا تجب الزكاة في عينها وانما تجب في قيمتها فيؤدي من القيمة التي اعتبرت بها والقيمة
ترد إليها كل الاموال المتقومات فلا يلزم من الرد إليها الرد إلى ما لم يرد إليه شئ أصلا ولا تخرج الزكاة منه ولان هذا مال تخرج الزكاة من جنسه فاعتبر بنفسه كالحبوب * (مسألة) * (وقال ابن حامد لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والابازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه لما ذكرنا) * (مسألة) * (ويعتبر لوجوبها شرطان أحدهما أن يبلغ نصابا قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق) لا تجب الزكاة في شئ من الزروع والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق، هذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وجابر وأبو أمامة بن سهل وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد ولا نعلم أحدا خالف فيه إلا مجاهدا وأبا حنيفة ومن تابعة قالوا تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره لعموم قوله عليه السلام " فيما سقت السماء العشر " ولانه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب كالركاز ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وهذا خاص يجب تقديمه على ما رووه كما خصصنا قوله " في سائمة الابل الزكاة " بقوله " ليس فيما دون خمس ذود صدقة " وقوله " في الرقة ربع العشر " بقوله " ليس فيما دون خمس اواق صدقة " ولانه مال تجب فيه الزكاة فلم تجب في يسيره كسائر الاموال الزكوية وانما لم يعتبر الحول لانه يكمل نماؤه باستحصاده لا ببقائه، واعتبر الحول في غيره لانه مظنة لكمال النماء في سائر الاموال، والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه فلهذا اعتبر فيه، يحققه أن الصدقة انما تجب على الاغنياء لما ذكرنا فيما تقدم ولا يحصل الغنى بدون النصاب
فهو كسائر الاموال الزكوية: (فصل) وتعتبر الخمسة الاوسق بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار، فلو كان له عشرة أوسق عنبا لا يجئ منها خمسة أوسق زبيبا لم يجب عليه شئ لانه حال وجوب الاخراج منه فاعتبر النصاب بحاله حينئذ.
* (مسألة) * (والوسق ستون صاعا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي، فيكون ذلك الفا وستمائة رطل).
الوسق ستون صاعا بغير خلاف حكاه ابن المنذر، وروى الاثرم باسناده عن سلمة بن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوسق ستون صاعا " وروى أبو سعيد وجابر نحوه رواه ابن ماجه، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وفيه خلاف بين العلماء، وقد ذكرنا في كتاب الطهارة ذلك وبيناه فيكون
النصاب الفا وستمائة رطل بالعراقي كما ذكر، والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، ووزنه بالمثاقيل تسعون ثم زيد في الرطل مثقال واحد وهو درهم وثلاثة أسباع، فصار إحد وتسعين مثقالا كمل وزنه بالدراهم مائة وثلاثون درهما، والاعتبار به قبل الزيادة فيكون الصاع بالرطل الدمشقي الذي وزنه ستمائة درهم رطلا وسبعا، وتكون خمسة الاوسق ثلثمائة واثنين وأربعين رطلا وستة أسباع رطل، والنصاب معتبر بالكيل لان الاوساق مكيلة، وإنما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ وتنقل لعدم امكان ضبط الكيل، ولذلك تعلق وجوب الزكاة بالمكيلات دون الموزونات، والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعدس ومنها الخفيف كالشعير والذرة ومنها المتوسط، وقد نص أحمد على أن الصاع خمسة أرطال وثلث من الحنطة، رواه عنه جماعة وقال حنبل: قال أحمد أخذت الصاع من أبي النضر وقال أبو النضر أخذته من ابن أبي ذئب وقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعرف بالمدينة، قال أبو عبد الله فاخذنا العدس فعبرنا به وهو أصلح ما يكال به لانه لا يتجافى عن مواضعه فكلنا به ثم وزناه فإذا هو خمسة أرطال وثلث، قال هذا أصلح ما وقفنا عليه وما بين لنا من صاع النبي صلى الله عليه وسلم فمتى بلغ القمح الفا وستمائة رطل أو نحوه من العدس ففيه الزكاة لانهم قدروا الصاع
بالثقيل، فاما الخفيف فتجب الزكاة فيه إذا قارب هذا وإن لم يبلغه، ومتى شك في وجوب الزكاة فيه ولم يجد مكيا لا يقدر به فالاحتياط الاخراج، فان لم يخرج فلا حرج، لان الاصل عدم وجوب الزكاة فلا تجب بالشك: (فصل) قال القاضي، النصاب معتبر تحديدا فمتى نقص شيئا لم تجب الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " إلا أن يكون نقصا يسيرا يدخل في المكاييل، كالاوقية ونحوها فلا عبرة به لان مثل ذلك يجوز أن يدخل في المكاييل، فلا ينضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين.
* (مسألة) * (قال إلا الارز والعلس - نوع من الحنطة يدخر في قشره -، فان نصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق) العلس نوع من الحنطة يدخر في قشره زعم أهله أنه يخرج على النصف، وأنه إذا أخرج من قشره لا يبقى بقاء غيره فاعتبر نصابه في قشره للضرر في اخراجه، فإذا بلغ بقشره عشرة أوسق ففيه العشر لان فيه خمسة أوسق حبا، وإن شككنا في بلوغه نصابا خير صاحبه بين إخراج عشره، وبين اخراجه من قشره كقولنا في مغشوش الذهب والفضة ولا يجوز تقدير غيره من الحنطة في قشره ولا إخراجه قبل تصفيته لان العادة لم تجربة، ولا تدع الحاجة إليه ولا نعلم قدر ما يخرج منه
(فصل) ونصاب الارز كنصاب العلس كذلك ذكره أبو الخطاب لانه يدخر مع قشره، وإذا خرج من قشره لا يبقى بقاء ما في القشر فهو كالعلس فيما ذكرنا سواء، وقال بعض أصحابنا لا يعتبر نصابه بذلك الا أن يقول ثقات من أهل الخبرة إنه يخرج على النصف فيكون كالعلس فعلى هذا متى لم يوجد ثقات يخبرون بهذا، أو شككنا في بلوغه نصابا خير ربه بين تصفيته وبين الاخراج، ليعلم قدره كمغشوش الاثمان.
* (مسألة) * (وعنه أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطبا ويؤخذ عشره يابسا) روى الاثرم عن أحمد أنه يعتبر نصاب النخل والكرم عنبا ورطبا ويؤخذ منه مثل عشر الرطب
تمرا اختاره أبو بكر، قال شيخنا وهذا محمول على أنه أراد يؤخذ عشر ما يجئ منه من التمر إذا بلغ رطبها خمسة أوسق لان إيجاب قدر عشر الرطب من التمر ايجاب لاكثر من العشر وذلك يخالف النص والاجماع فلا يجوز حمل كلام الامام عليه، وظاهر ما حكى عنه الاثرم أنه يؤخذ مقدار عشر الرطب يابسا فانه روي أنه قيل لاحمد خرص عليه مائة وسق رطبا يعطيه عشرة أوسق تمرا؟ قال نعم على ظاهر الحديث والصحيح الاول لما ذكرنا.
* (مسألة) * (وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب) تضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض سواء اتفق وقت اطلاعها وإدراكها أو اختلف فلو أن الثمرة جدت ثم أطلعت أخرى وجدت ضم احداهما إلى الاخرى، وكذلك زرع العام الواحد يضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب كما قلنا في الثمرة سواء اتفق زرعه وادراكه أو اختلف، ويضم الصيفي إلى الربيعي ولو حصدت الدخن والذرة ثم نبتت أصولها ضم أحدهما إلى الآخر لان الجميع زرع عام واحد فضم بعضه إلى بعض كما لو تقارب زرعه وادراكه.
* (مسألة) * (فان كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الاخر.
وقال القاضي لا يضم) وهو قول الشافعي لانه حمل ينفصل عن الاول فكان حكمه حكم عام آخر كحمل العامين، وان كان له نخل يحمل مرة ونخل يحمل حملين ضممنا الحمل الاول إلى الحمل المنفرد ولم يجب في الثاني شئ الا أن يبلغ بمفرده نصابا، والصحيح الاول اختاره أبو الخطاب وابن عقيل لانها ثمرة عام واحد فضم بعضها إلى بعض كزرع العام الواحد وكالذرة التي تنبت مرتين، ولان الحمل الثاني يضم إلى الحمل المنفرد لو لم يكن حمل أول فكذلك إذا كان لان وجود الحمل الاول لا يصلح أن يكون مانعا بدليل حمل الذرة الاول وبها يبطل ما ذكروه من الانفصال.
* (مسألة) * (ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب وعنه أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض وعنه تضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض)
القطنيات بكسر القاف جمع قطنية ويجمع أيضا قطاني، قال أبو عبيد هي صنوف الحبوب من العدس والحمص والارز والجلبان والجلجلان وهو السمسم، وزاد غيره الدخن واللوبيا والفول والماش وسميت قطنية فعلية من قطن يقطن في البيت أي يمكث فيه.
وجملة ذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والاثمان أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، فالماشية ثلاثة أجناس الابل والبقر والغنم لا يضم جنس إلى غيره وكذلك الثمار لا يضم جنس إلى آخر فلا يضم التمر إلى الزبيب ولا إلى غيره من الثمار ولا تضم الاثمان إلى السائمة ولا إلى الحبوب والثمار، ولا خلاف بينهم فيما ذكرنا من أن أنواع الاجناس يضم بعضها إلى بعض في الكمال النصاب ولا نعلم بينهم خلافا في أن العروض والاثمان يضم كل واحد منهما إلى الآخر إلا أن الشافعي لا يضمها الا إلى جنس ما اشتريت به لان نصابها عنده معتبر بذلك.
فاما الحبوب فاختلفوا في ضم بعضها إلى بعض، وفى ضم أحد النقدين إلى الآخر، فروي عن أحمد في الحبوب ثلاث روايات احداهن لا يضم جنس منها إلى غيره، ويعتبر النصاب في كل جنس
مفردا وهذا قول عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والاوزاعي والثوري والحين بن صالح وشريك والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وأصحاب الرأي لانها أجناس فاعتبر النصاب في كل واحد منفردا كالنصاب والمواشي والثانية: أن الحبوب كلها يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب اختارها أبو بكر وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاوس لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق " فمفهومه وجوب الزكاة فيه إذا بلغ خمسة أوسق، ولانها تتفق في النصاب وقدر المخرج فوجب ضم بعضها إلى بعض كانواع الجنس وهذا الدليل منتقض بالثمار.
والثالثة: أن الحنطة تضم إلى الشعير وتضم القطنيات بعضها إلى بعض، حكاها الخرقي ونقلها أبو الحرث عنه قال القاضي وهذا هو الصحيح وهو مذهب مالك والليث إلا أنه زاد فقال الذرة والدخن والارز والقمح والشعير صنف واحد لان هذا كله مقتات فضم بعضه إلى بعص كانواع الحنطة، وقال الحسن والزهرى تضم الحنطة إلى الشعير لانها تتفق في الاقتيات والمنبت والحصاد والمنافع فوجب
ضمها كما يضم العلس إلى الحنطة والاولى أصح ان شاء الله لانها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار ولا يصح القياس على العلس مع الحنطة لانه نوع منها، وإذا انقطع القياس لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم ولا يوصف غير معتبر ثم هو باطل باثمر فانها تتفق فيما ذكروه ولا يضم
بعضها إلى بعض ولا خلاف فيما نعلمه في ضم الحنطة إلى العلس لانه نوع منها وعلى قياسه السلت إلى الشعير (فصل) ولا تفريع على الروايتين الاوليين لوضوحهما.
فاما الثالثة وهي ضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض فان الذرة تضم إلى الدخن لتقاربهما في المقصد فانهما بتخذان خبزا وادما وقد ذكر من جملة القطنيات فيضمان إليها والبزور لا تضم إلى القطنيات ولا إلى الابازير وينبغي أن يضم بعضها إلى بعض وكل ما تقارب من الحبوب ضم بعضه إلى بعض والا فلا، وما شككنا فيه لا يضم لان الاصل عدم الوجوب فلا يجب بالشك (فصل) ومتى قلنا بالضم فان الزكاة تؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصه ولا يؤخذ من جنس عن غيره، فاننا إذا قلنا في أنواع الجنس يؤخذ من كل نوع ما يخصه ففي الاجناس مع تقارب مقاصدها أولى.
الثاني أن يكون النصاب مملوكا له وقت وجوب الزكاة فلا زكاة فيما يكتسبه اللقاط ولا فيما يأخذه أجرة بحصاده نص عليه أحمد وقال هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة فهو كما لو اتهبه وكذلك
ما ينبت من المباح الذي لا يملك الا باخذه كالبطم والعفص والزعبل وهو شعير الجبل وبزر قطونا وحب الثمام وبزر البقلة وحب الاشنان إذا أدرك حصلت فيه مزوزة وملوحة وأشباه هذا ذكروه ابن حامد لانه انما يملك بحيازته وأخذه، والزكاة انما تجب فيه إذا بدا صلاحه وفي تلك الحال لم يكن مملوكا له فلا يتعلق به الوجوب كالذي يلتقطه اللقاط وكالموهب له وقال أبو الخطاب فيه الزكاة لاجتماع الكيل والادخار فيه، والصحيح الاول لما ذكرنا، وقال القاضي فيه الزكاة إذا نبت في أرضه يعنى في المباح ولعله بنى هذا على أن ما ينبت في أرضه من الكلا يملكه، والصحيح خلافه فاما ما ينبت في أرضه مما يزرعه الآدميون كمن سقط في أرضه حب من الحنطة أو الشعير فنبتت ففيه الزكاة لانه يملكه
ولو اشترى زرعا بعد بدو الصلاح فيه أو ثمرة قد بدا صلاحها أو ملكها بجهة من جهات الملك لم تجب فيه الزكاة وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى.
(فصل) (ويجب العشر فيما سقي بغير مؤنة كالغيث والسيوح وما يشرب بعروقه.
ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح) وهذا قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " رواه البخاري، قال أبو عبيد العثري ما تسقيه السماء وتسميه العامة العدي، وقال القاضي هو الماء المستنقع في بركة أو نحوها يصب إليه ماء المطر في سواقي تشق له فإذا اجتمع سقي منه واشتقاقه من العاثور وهي الساقية التي يجري فيها الماء لانه يعثر بها من يمر بها، والنواضح الابل يستقى عليها لشرب الارض وهى السواني أيضا وعن معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقي بعلا العشر وما سقي بدالية نصف العشر قال أبو عبيد البعل ما يشرب بعروقه من غير سقي، وفي الجملة كل ما سقي بكلفة أو
مؤنة من دالية أو سانية أو دولاب أو ناعورة أو نحو ذلك ففيه نصف العشر وما سقي بغير مؤنة ففيه العشر لما ذكرنا من النص ولان للكلفة تأثيرا في اسقاط الزكاة بالكلية في المعلوفة ففي تخفيفها أولى ولا يؤثر حفر الانهار والسواقي في نقصان الزكاة لان المؤنة تقل فيه لكونها من جملة إحياء الارض ولا يتكرر كل عام وكذلك احتياجها إلى من يسقيها ويحول الماء في نواحيها ولان ذلك لا بد منه في السقي بكلفة أيضا فهو زيادة على المؤنة فجرى مجرى حرث الارض وتسحيتها ون كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الارض ويستقر في مكان قريب من وجهتها الا أنه لا يصل إليها الا بغرف أو دولاب فهو من الكلفة المسقطة لنصف العشر ولان مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر والضابط لذلك الاحتياج في ترقية الماء إلى الارض إلى آلة أو نضح أو دالية أو نحو ذلك وقد وجد.
* (مسألة) * (فان سقى نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر) وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا لان كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لا رجب مقتضاه، فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه، وان سقى باحدهما أكثر من الآخر
اعتبر أكثرهما نص عليه أحمد وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لان اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية يشق فاعتبر الاكثر كالسوم في الماشية وقال ابن حامد تؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي لان ما وجب فيه بالقسط عند التماثل وجب عند التفاضل كفطرة العبد المشترك، وان جهل المقدار وجب العشر احتياطا نص عليه أحمد في رواية عبد الله لان الاصل وجوب العشر وانما يسقط بوجود الكلفة فما لم يتحقق المسقط يبقى على الاصل ولان الاصل عدم الكلفة في الاكثر فلا يثبت وجودها مع الشك فيه، وان اختلف رب المال والساعي في أيها سقى به أكثر فالقول قول رب المال بغير يمين فان الناس لا يستحلفون على صدقاتهم (فصل) وإذا كان لرجل حائطان يسقى أحدهما بمؤنة والآخر بغيرها ضم غلة أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب وأخرج من الذي سقي بغير مؤنة عشره ومن الآخر نصف عشره، كما يضم أحد النوعين إلى الآخر ويخرج من كل منهما ما وجب فيه.
* (مسألة) * (وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمر وجبت الزكاة) لانه حينئذ يقصد للاكل والاقتيات به فاشبه الياس وقبله لا يقصد لذلك فهو كالرطبة وقال ابن أبي موسى تجب زكاة الحب يوم حصاده لقوله عزوجل (وآتوا حقه يوم حصاده) وفائدة الخلاف أنه
لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب لا شئ عليه كما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول، وان تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة كما لو فعل ذلك في السائمة، فان قطعها قبل ذلك سقطت الا أن يقطعها فرارا من الزكاة فتلزمه لانه فوت الواجب بعد انعقاد سببه، أشبه ما لو طلق امرأته في مرض موته.
* (مسألة) * (ولا يستقر الوجوب الا بجعلها في الجرين وبجعل الزرع في البيدر فان تلفت قبله بغير تعد منه سقطت الزكاة سواء كانت خرصت أو لم تخرص) إذا خرص وترك في رؤس النخل فعليهم حفظه فان أصابته جائحة فلا شئ عليه إذا كان قبل الجداد نص عليه أحمد وحكاه ابن المنذر اجماعا ولانه قبل الجداد في حكم ما لم تثبت عليه اليد بدليل
أنه لو اشترى ثمرة فتلفت بجائحة رجع بها على البائع، وإن تلف بعض الثمرة فقال القاضي إن كان الباقي نصابا ففيه الزكاة وإلا فلا وهذا القول يوافق قول من قال إنه لا تجب الزكاة فيه الا يوم حصاده لان وجود النصاب شرط في الوجوب فمتى لم يوجد وقت الوجوب لم يجب، وأما من قال إن الوجوب يثبت إذا بدا الصلاح واشتد الحب فقياس قوله إن تلف البعض ان كان قبل الوجوب فهو كما قال القاضي وان كان بعده وجب في الباقي بقدره سواء كان نصابا أو لم يكن لان المسقط اختص بالبعض فاختص السقوط به كما لو تلف بعض نصابر السائمة بعد وجوب الزكاة فيها وهذا فيما إذا تلفت بغير تفريطه ولا عدوانه، فاما إن أتلفها أو تلفت بتفريطه بعد الوجوب لم تسقط عنه الزكاة، وإن كان
قبل الوجوب سقطت الا أن يقصد بذلك الفرار من الزكاة فيضمنها ولا تسقط عنه لما ذكرنا * (مسألة) * (ومتى ادعى رب المال تلفها من غير تفريطه قبل قوله من غير يمين سواء كان ذلك قبل الخرص أو بعده ويقبل قوله أيضا في قدرها وكذلك في سائر الدعاوى قال أحمد لا يستحلف الناس على صدقاتهم وذلك لانه حق لله تعالى فلا يستحلف فيه كالصلاة والحد) (فصل) وان أحرز الثمرة في الجرين أو الحب في البيدر استقر وجوب الزكاة عليه عند من لم ير التمكين من الاداء شرطا في استقرار الوجوب فان تلف بعد ذلك لم تسقط الزكاة عنه وعليه ضمانها كما لو تلف نصاب الاثمان بعد الحول وعلى قولنا في الرواية الاخرى التمكن من الاداء معتبر لا يستقر الوجوب فيها حتى تجف الثمرة ويصفى الحب ويتمكن من الاداء فلا يؤدي وان تلف قبل ذلك فلا شئ عليه على ما ذكرنا من قبل.
(فصل) ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده بالبيع والهبة وغيرهما فان باعه أو وهبه بعد بدو صلاحه فصدقته على البائع والواهب، وبهذا قال الحسن ومالك والثوري والاوزاعي وهو قول الليث الا أن يشترطها على المبتاع لانها كانت واجبة عليه قبل البيع فبقي الوجوب على ما كان عليه وعليه اخراج الزكاة من جنس المبيع، وعنه أنه مخير بين ذلك وبين أن يخرج من الثمن بناء على جواز اخراج القيمة في الزكاة، والصحيح الاول ولان عليه القيام بالثمرة حتى يؤدي الواجب فيها
ثمرا فلا يسقط ذلك عنه ببيعها ويتخرج أن تجب الزكاة على المشتري عند من قال إن الزكاة إنما تجب
يوم الحصاد لان الوجوب إنما تعلق بها في ملكه فكانت عليه، ولو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها ثم بدا صلاحها في يده على وجه صحيح كمن اشترى شجرة مثمرة واشترط ثمرتها أو وهبت له ثمرة قبل بدو صلاحها فبدا صلاحها في يده أو وصي له بالثمرة فقبلها بعد موت الموصي ثم بدا صلاحها فالصدقة عليه في هذه الصور لان سبب الوجوب وجد في ملكه فهو كما لو ملك عبدا أو ولد له ولد آخر يوم من رمضان وجبت عليه فطرته * (فصل) * وإذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها من غير شرط القطع فالبيع باطل وزكاتها على البائع وإن شرط القطع بطل البيع أيضا ويكون كما لو لم يشترط القطع القطع وعنه أنه صحيح ويشتركان في الزيادة فعلى هذا يكون على المشتري زكاة حصته منها إن بلغت نصابا فان لم يكن المشترى من الزكاة فلا صدقة فيها فان عاد البائع فاشتراها بعد بدو الصلاح فلا زكاة فيها إلا أن يكون قصد ببيعها الفرار من الزكاة فلا تسقط * (مسألة) * (ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابسا) لانه أوان الكمال وحال الادخار.
والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الاخراج على رب المال لان الثمرة كالماشية ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها على ربها إلى حين الاخراج كذلك هذا فان أخذ الساعي الزكاة قبل التجفيف فقد أساء ويرده إن كان رطبا بحاله وان تلف رد مثله، وان جففه وكان قدر الزكاة فقد استوفى الواجب وان كان دونه أخذ الباقي وان كان زائدا رد الفضل وإن كان المخرج رب المال لم يجزه ولزمه إخراج الفرض بعد التجفيف لانه أخرج غير الفرض فلم يجزه كما لو أخرج الصغيرة من الماشية عن الكبار.
* (مسألة) * (فان احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها وبعد بدو الصلاح للخوف من العطش أو
لضعف الاصل جاز قطعها لان حق الفقراء انما يجب على طريق المواساة فلا يكلف الانسان
ما يهلك أصل ماله).
ولان حفظ الاصل أحظ للفقراء من حفظ الثمرة لان حقهم يتكرر بحفظها في كل سنة فهم شركاء رب النخل ثم ان كان يكفي تخفيف الثمرة دون قطع جميعها خففها وان لم يكف الا قطع الجميع جاز وكذلك ان قطع بعض الثمرة لتحسين الباقي وكذلك ان كان عنبا لا يجئ منه زبيب كالخمري أو رطا لا يجئ منه تمر كالبرني والهلبات فانه يخرج منه عنبا ورطبا للحاجة ولان الزكاة مواساة فلم تجب عليه من غير ما عنده كردئ الجنس، وقال القاضي يخير الساعي إذا أردا ذلك رب المال بين أن يقاسم رب المال قبل الجداد بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة يأخذ ثمرتها وبين أن يجدها ويقاسمه اياها بالكيل ويقسم الثمرة في الفقراء وبين بيعها من رب المال ومن غيره قبل الجداد وبعده ويقسم ثمنها، والمنصوص أنه لا يخرج الا يابسا وأنه لا يجوز له شراء زكاته، اختاره أبو بكر لان اليابس حال الكمال في تلك الحال والدليل على أنه لا يجوز له شراء زكاته حديث عمر حين استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في شراء الفرس الذي حمل عليه فقال " لا تشتره ولا تعد في صدقتك وان باعكه بدرهم " فان قيل فهلا قلتم لا زكاة في العنب والرطب الذي لا يجئ منه زبيب لكونه لا يدخر فهو كالخضراوات قلنا بل يدخر في الجملة وانما لم يدخر هاهنا لان أخذه رطبا أنفع فلم تسقط منه الزكاة بذلك ولا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ حدا يكون منه خمسة أوسق تمرا أو زبيبا الا على الرواية الاخرى فان أتلف رب المال هذه الثمرة، فقال القاضي عليه قيمتها كما لو أتلفها غيره وعلى قول أبي بكر يجب عليه العشر تمرا أو زبيبا كما في غير هذه الثمرة، قال فان لم يجد التمر ففيه وجهان: أحدهما تؤخذ منه قيمته والثاني يبقى في ذمته إلى أن يجده فيأتي به.
* (مسألة) * (وينبغي أن يبعث الامام ساعيا إذا بدا الصلاح في الثمر فيخرصه عليهم ليتصرفوا فيه فيعرف بذلك قدر الزكاة ويعرف المالك ذلك)
وممن كان يرى الخرص عمر بن الخطاب وسهل بن أبي حثمة ومروان والقاسم بن محمد والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي أن الخرص بدعة وقال أهل الرأي الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان تخويفا للاكرة من الخيانة
ولنا ما روى عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وفي لفظ قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا، وقالت عائشة وهي تذكر شأن خيبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه رواه أبو داود وقولهم هو ظن قلنا بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات ووقت الخرص حين يبدو الصلاح لحديث عائشة، ولان فائدة الخرص معرفة قدر الزكاة واطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها وأنما تدعو الحاجة إلى ذلك حين يبدو الصلاح (فصل) ويجزئ خارص واحد لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث ابن رواحة يخرص ولم يذكر معه غيره ولان الخارص يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده فهو كالحكم والقائف ويعتبر فيه أن يكون أمينا كالحكم * (مسألة) * (فان كان أنواعا خرص كل نوع وحده) لان الانواع تختلف فمنها ما يكثر رطبه ويقل
ثمره ومنها بالعكس وهكذا العنب ولانه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع حتى يخرج عشره * (مسألة) * (وان كان نوعا واحدا فله خرص كل شجرة وحدها) فيطيف بها وله خرص الجميع دفعة واحدة دفعا للمشقة وينظر كم يجئ منه تمرا أو زبيبا ثم يعرف المالك قدر الزكاة ويخيره بين أن يضمن قدر الزكاة ويتصرف فيها بما شاء من أكل أو غيره وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف فان حفظها وجففها فعليه زكاة الموجود لا غير سواء اختار الضمان أو الحفظ وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل، وبهذا قال الشافعي وقال مالك يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة وعن أحمد نحو ذلك فانه قال إذا خرص الخارص فإذا فيه فضل كثير مثل الضعف تصدق بالفضل لانه يخرص بالسوية لان الحكم انتقل إلى ما قال الساعي بدليل وجوب ما قال عند تلف المال ولنا أن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة، ولا نسلم أن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي وإنما يعمل بقوله إذا تصرف في الثمرة ولم يعلم قدرها لان الظاهر أصابته قال أحمد إذا تجافى السلطان
عن شئ من العشر يخرجه فيؤديه، وقال إذا حط من الخرص عن الارض يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص، وان أخذ منهم اكثر من الواجب عليهم فقال أحمد يحتسب لهم من الزكاة لسنة أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لان هذا غصب اختاره أبو بكر، قال شيخنا: ويحتمل الجمع بين الروايتين فيحتسب إذا نوى صاحبه به التعجيل ولا يحتسب إذا لم ينو (فصل) وإذا ادعى رب المال غلط الخارص وكان ما ادعاه محتملا قبل قوله بغير يمين، وان لم يكن محتملا مثل أن ادعى غلط النصف ونحوه لم يقبل لانه لا يحتمله فيعلم كذبه وان قال لم يحصل في يدي الا كذ قبل قوله لانه قد يتلف بعضه بآفة لا نعلمها (فصل) فان أتلف رب المال الثمرة أو تلفت بتفريطه بعد خرصها فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص وان أتلفها أجنبي فعليه قيمة ما أتلف والفرق بينهما أن رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الاجنبي ولهذا قلنا فيمن أتلف ضحيته المعينة فعليه أضحية مكانها وان اتلفها أجنبي فعليه قيمتها، وان تلفت بحائحة من السماء سقط عنهم الخرص نص عليه، لانها تلفت قبل استقرار زكاتها وان ادعى تلفها قبل قوله بغير يمين وقد ذكرناه * (مسألة) * (ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع)
توسعة على رب المال لانه يحتاج إلى الاكل هو وأضيافه ويطعم جيرانه وأهله ويأكل منها المارة ويكون في الثمرة الساقطة وينتابها الطير فلو استوفى الكل منهم أضربهم وبهذا قال اسحق وأبو عبيد والمرجع في تقدير المتروك إلى اجتهاد الساعي فان رأى الاكلة كثيرا ترك الثلث والا ترك الربع لما روى سهل ابن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فان لم تدعوا الثلث فدعوا الربع " رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وروي أبو عبيد باسناده عن مكحول قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال " خففوا على الناس فان في المال العرية والواطئة والاكلة " قال أبو عبيد الواطئة السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين والاكلة أرباب الثمار وأهلوهم ومن لصق بهم
ومنه حديث سهل في مال سعد بن أبي سعد حين قال لو لا أني وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته بسبعمائة وسق فكانت تلك العرش لهؤلاء الاكلة، والعرية النخلة أو النخلات يهب انسانا ثمرتها فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ليس في العرايا صدقة " والحكم في العنب كالحكم في الرطب سواء لانه في معناه * (مسألة) * (فان لم يفعل فلرب المال الاكل بقدر ذلك) ولا يحتسب عليه نص عليه أحمد لانه حق لهم فان لم يخرج الامام خارصا فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ذكره القاضي فان خرص هو وأخذ بقدر
ذلك جاز ويحتاط أن لا يأخذ اكثر مما له أخذه ثم إن بلغ الباقي نصابا زكاه والا فلا (فصل) ويخرص النخل والكرم لما ذكرنا من الاثر فيهما ولا يخرص الزرع في سنبله وبهذا قال عطاء والزهري ومالك لان الشرع لم يرد بالخرص فيه ولا هو في معنى المنصوص عليه لان ثمرة النخل والكرم تؤكل رطبا فيخرص على أهله للتوسعة عليهم ليخلي بينهم وبين الاكلة والتصرف فيه ولان ثمرة الكرم والنخل ظاهرة مجتمعة فخرصها أسهل من خرص غيرها وما عداهما لا يخرص وانما على أهله فيه الامانة إذا صار مصفى يابسا ولا بأس أن يأكلوا منه ما جرت العادة بأكله ولا يحتسب عليهم وقد سئل أحمد عما يأكله أرباب الزروع من الفريك قال لا بأس به أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه وذلك لان العادة جارية به فأشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم وإذا صفى الحب أخرج زكاة الموجود كله ولم يترك منه شئ لانه انما ترك لهم في الثمر شئ لكون النفوس تتوق إلى أكلها رطبة والعادة جارية به وفي الزرع إنما يؤكل منه شئ يسير لا وقع له ولا يخرص الزيتون ولا غير النخل والكرم لان حبه متفرق في شجره مستور بورقه، ولا حاجة باهله إلى اكله بخلاف النخل والكرم، وبهذا قال مالك وقال الزهري والاوزاعي والليث يخرص قياسا على الرطب والعنب.
ولنا ما ذكرنا من المعنى ولانه لا نص فيه ولا هو في معنى النصوص * (مسألة) * (ويخرج العشر من كل نوع على حدته فان شق ذلك أخذ من الوسط)
وجملة ذلك أنه إذا كان المال الزكوي نوعا واحدا أخذ منه جيدا كان أورديا لان حق الفقراء يجب على طريق المواساة فهم بمنزلة الشركاء ولا نعلم في هذا خلافا وان كان أنواعا أخذ من كل نوع ما يخصه وهذا قول أكثر العلماء، وقال مالك والشافعي يؤخذ من الوسط وكذلك ذكره شيخنا ههنا وأبو الخطاب إذا شق عليه إخراج زكاة كل نوع منه دفعا للحرج والمشقة وقياسا على السائمة والاول أولى لان الفقراء بمنزلة الشركاء فينبغي أن يتساووا في كل نوع ولا مشقة في ذلك بخلاف الماشية فان إخراج زكاة كل نوع منها يفضي إلى التشقيص وفيه مشقة بخلاف الثمار، ولا يجوز اخراج الردئ لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) قال أبو أمامة سهل بن حنيف في هذه الآية هو الجعرور ولون الحبيق فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة.
رواه النسائي وأبو عبيد قال وهما ضربان من
التمر أحدهما إنما يصير قشرا على نوى والآخر إذا أثمر صار حشفا.
ولا يجوز أخذ الجيد عن الردئ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياك وكرائم أموالهم ".
فاما إن تطوع رب المال باخراج الجيد عن الردئ جاز وله أجر ذلك على ما ذكرنا في الماشية (فصل) وأما الزيتون فان كان مما لا زيت فيه فانه يحرج منه عشره حبا إذا بلغ نصابا لانه حال كماله وادخاره، وإن كان له زيت أخرج منه زيتا إذا بلغ الحب نصابا، وهذا قول الزهري والاوزاعي ومالك والليث قالوا يخرص الزيتون ويؤخذ منه زيتا صافيا وقال مالك إذا بلغ خمسة أوسق أخذ العشر من زيته بعد أن يعصر، وقال الثوري وأبو حنيفة يخرج من حبه كسائر الثمار ولانه الحالة التي يعتبر فيها الاوساق فكان اخراجه فيها كسائر الثمار وهذا جائز، واخراج الزيت أولى وأفضل لانه يكفي الفقراء مؤنته ولانه حال كما له وادخاره أشبه الرطب إذا يبس والله أعلم * (مسألة) * (ويجب العشر على المستأجر دون المالك) وبهذا قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وابن المنذر، وقال أبو حنيفة هو على ملك الارض لانه من مؤنتها أشبه الخراج ولنا أنه واجب في الزرع فكان على مالكه كزكاة القيمة فيما إذا أعده للتجارة وكعشر زرعه في
ملكه ولا يصح قولهم إنه من مؤنة الارض لانه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وان لم تزرع ولوجب على الذمي كالخراج ولتقدر بقر الارض لا بقدر الزرع ولوجب صرفه إلى مصارف الفئ فان استعار أرضا فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع لانه مالكه وان غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعشر عليه لانه نبت على مالكه وان أخذه مالكها قبل اشتداد حبه فالعشر عليه، وان أخذه بعده احتمل أن يجب عليه أيضا لان أخذه اياه استند إلى أول زرعه فكأنه أخذه من تلك الحال، ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب لانه كان ملكا له حين وجوب عشره وهو حين اشتداد الحب، وان زارع رجلا مزارعة فاسدة
فالعشر على من يجب الزرع له وان كانت صحيحة فعلى كل واحد منهما عشر حصته ان بلغت نصابا أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه إليه نصابا والا فلا، وان بلغت حصة أحدهما نصابا دون الآخر فعلى من بلغت حصته العشر دون صاحبه الا إذا قلنا الخلطة تؤثر في غير السائمة فيلزمهما العشر إذا بلغ زرعهما نصابا ويخرج كل واحد منهما عشر نصيبه الا أن يكون أحدهما ممن لا عشر عليه كالمكاتب فلا يلزم شريكه شئ الا أن تبلغ حصته نصابا وكذلك الحكم في المساقاة * (مسألة) * (ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة) الارض أرضان صلح وعنوة، فاما الصلح فهو كل أرض صولح أهلها عليها لتكون ملكا لهم ويؤدون عليها خراجا فهذه الارض ملك لاربابها وهذا الخراج كالجزية متى أسلموا سقط عنهم ولهم بيعها وهبتها ورهنها وكذلك كل أرض أسلم عليها أهلها، كأرض المدينة وشبهها ليس عليها خراج ولا شئ الا الزكاة فهي واجبة على كل مسلم، ولا خلاف في وجوب العشر في الخارج من هذه الارض قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ان على كل أرض أسلم عليها أهلها قبل قهرهم عليها الزكاة فيما زرعوا فيها وأما العنوة فالمراد بها ما فتح عنوة ووقف على المسلمين وضرب عليه خراج معلوم فانه يؤدى الخراج عن رقبة الارض وعليه العشر عن غلتها إذا كانت لمسلم وكذلك الحكم في كل أرض خراجية وهذا قول عمر بن عبد العزيز والزهري ويحي الانصاري وربيعة والاوزاعي ومالك والثوري والشافعي
وابن المبارك واسحق وأبو عبيد وقال أصحاب الرأي لا عشر في الارض الخراجية لقوله عليه السلام " لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم " ولانهما حقان سبباهما متنافيان فلم يجتمعا، كزكاة السوم والتجارة وكالعشر وزكاة القيمة، وبيان تنافيهما أن الخراج وجب عقوبة لانه جزية للارض والزكاة وجبت طهورا وشكرا.
ولنا قوله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الارض) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء العشر " وغيره من عمومات الاخبار، قال ابن المبارك يقول الله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الارض) ثم قال نترك القرآن لقول أبي حنيفة ولانهما حقان يجبان لمستحقين يجوز وجوب كل واحد منهما على المسلم فجاز اجتماعهما كالكفارة والقيمة في الصيد الحرمي المملوك وحديثهم يرويه يحيى بن عنبسة وهو ضعيف عن أبي حنيفة ثم نحمله على الخراج الذي هو جزية وقولهم إن سببيها متنافيان غير صحيح فان الخراج أجرة الارض والعشر زكاة الزرع ولا يتنافيان كما لو استأجر أرضا فزرعها وقولهم الخراج عقوبة قلنا لو كان عقوبة لما وجب على مسلم كالجزية، وان كانت الارض لكافر فليس عليه فيها سوى الحرج
قال أحمد ليس في أرض اهل الذمة صدقة انما قال الله تعالى (تطهرهم وتزكيهم بها) فأي طهرة للمشركين؟ (فصل) فان كان في غلة الارض ما لا عشر فيه كالثمار التي لا زكاة فيها والخضراوات وفيها زرع فيه الزكاة جعل ما لا زكاة فيه في مقابلة الخراج وزكي ما فيه الزكاة إذا كان ما لا زكاة فيه وافيا بالخراج وان لم يكن لها غلة الا ما تجب فيه الزكاة أدى الخراج من غلتها وزكى ما بقي في أصح الروايات اختارها الخرقي، وهذا قول عمر بن عبد العزيز قال أبو عبيد عن ابراهيم بن أبي عبلة كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله على فلسطين فيمن كانت في يده أرض بجزيتها من المسلمين أن يقبض منها حزيتها ثم تؤخذ منها زكاة ما بقي بعد الجزية وذلك لان الخراج من مؤنة الارض فيمنع وجوب الزكاة في قدره لقول ابن عباس يحسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله وفيه رواية ثانية ان الدين كله يمنع وجوب الزكاة في الاموال الظاهرة فعلى هذه الرواية يحسب كل دين عليه ثم يخرج العشر مما بقي ان بلغ نصابا يروى نحو ذلك عن ابن عمر لانه دين فمنع وجوب العشر كالخراج وما
انفقه على زرعه وفيه رواية ثالثة ان الدين لا يمنع وجوب الزكاة في الاموال الظاهرة مطلقا سواء استدانه لنفقة زرعه أو لنفقة اهله فيحتمل على هذه ان يزكي الجميع وقد ذكرنا ذلك في باب الزكاة * (مسألة) * (ويجوز لاهل الذمة شراء الارض العشرية ولا عشر عليهم، وعنه عليهم عشران يسقط أحدهما بالاسلام) وجملة ذلك أنه لم يكره للمسلم بيع أرضه من الذمي واجارتها منه لافضائه إلى اسقاط عشر الخارج منها.
قال محمد بن موسى: سألت أبا عبد الله عن المسلم يؤاجر أرض الخراج من الذمي؟ قال: لا يؤاجر من الذمي انما عليه الجزية وهذا ضرر، وقال في موضع آخر لانهم لا يؤدون الزكاة فان أجرها من الذمي أو باع أرضه التي لا خراج عليها لذمي صح البيع والاجارة وهو مذهب الثوري والشافعي وأبي عبيد وليس عليهم فيها عشر ولا خراج.
قال حرب سألت احمد عن الذمي يشتري أرض العشر قال لا أعلم شيئا وأهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا، يقولون لا يترك الذمي يشتري أرض العشر، وأهل البصرة يقولون قولا عجبا يقولون يضاعف عليهم وقد روي عن احمد أنهم يمنعون من شرائها اختارها الخلال وهو قول مالك وصاحبه، فان اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس كما لو اتجروا بأموالهم إلى غير بلدهم يؤخذ منهم نصف العشر وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف ويروى ذلك عن الحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري.
وقال محمد بن الحسن: العشر بحاله، وقال أبو حنيفة: تصير أرض خراج ولنا ان هذه أرض لا خراج عليها فلا يلزم فيه الخراج ببيعها كما لو باعها مسلما ولانها مال مسلم
يجب الحق فيه للفقراء فلم يمنع من بيعه للذمي كالسائمة وإذا ملكها الذمي فلا عشر عليه فيما يخرج منها لانه زكاة فلا تجب على الذمي كزكاة السائمة وما ذكروه ينتقض بزكاة السائمة وما ذكروه من تضعيف العشر تحكم لا نص فيه ولا قياس (1) (فصل) وفي العسل العشر سواء أخذه من موات أو من ملكه ونصابه عشرة أفراق كل فرق ستون رطلا.
قال الاثرم: سئل أبو عبد الله أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال نعم أذهب إلى
أن في العسل زكاة العشر قد أخذ عمر منهم الزكاة، قلت ذلك على أنهم تطوعوا به، قال لا بل أخذ منهم.
ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري والاوزاعي واسحق.
وقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وابن المنذر لا زكاة فيه لانه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن.
قال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل حديث يثبت ولا اجماع فلا زكاة فيه.
وقال أبو حنيفة ان كان في أرض العشر ففيه الزكاة والا فلا زكاة فيه، ووجه الاول ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها رواه أبو عبيد والاثرم وابن ماجه، وعن سليمان بن موسى أن أبا سيارة المتعي قال: قلت يا رسول الله ان لي نحلا، قال " أد العشر " قال فاحم إذا جبلها فحماه له رواه أبو عبيد وابن ماجه وروى الاثرم عن ابن أبي ذبابة عن أبيه عن جده أن عمر رضي الله عنه أمره في العسل بالعشر
أما اللبن فان الزكاة وجبت في أصله وهو السائمة بخلاف العسل وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان وقد ذكرناه ونصابه عشرة أفراق وهذا قول الزهري، وقال أبو يوسف ومحمد خمسة أوساق لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " وقال أبو حنيفة تجب في قليله وكثيره بناء على أصله في الحبوب والثمار (ووجه الاول) ما روي عن عمر رضي الله عنه أن ناسا سألوه فقالوا: ان رسول صلى الله عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل وانا نجد ناسا يسرقونها، فقال عمر: ان أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم.
رواه الجوزجاني.
وهذا تقدير من عمر رضي الله عنه فيجب المصير إليه، إذا ثبت هذا فقد اختلف المذهب في قدر الفرق، فروي عن احمد ما يدل على أنه ستة عشر رطلا، فانه قال في رواية أبي داود قال الزهري في عشرة أفراق فرق والفرق ستة عشر رطلا فيكون نصابه مائة وستون رطلا بالعراقي.
وقال ابن حامد: الفرق ستون رطلا فيكون النصاب ستمائة رطل وكذلك ذكره القاضي في المجرد فانه يروى عن الخليل بن احمد قال: الفرق باسكان الراء مكيال ضخم من مكاييل أهل العراق، وحكي عن القاضي أن الفرق ستة ثلاثون رطلا، وقيل هو مائة وعشرون رطلا.
قال
شيخنا: ويحتمل أن يكون نصابه ألف رطل لحديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أنه كان يأخذ من كل عشر قرب قربة من أوسطها، والقربة مائة رطل بالعراقي بدليل قرب القلتين.
ووجه الاول قول عمر: من كل عشرة أفراق فرقا - والفرق بتحريك الراء ستة عشر رطلا.
قال أبو عبيد: لا خلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة " أطعم ستة مساكين فرقا من طعام " فقد بين أنه ثلاثة آصع.
وقالت عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء هو الفرق هذا المشهور فينصرف الاطلاق إليه والفرق الذي هو مكيال ضخم لا يصح حمله عليه لوجوه (أحدها) أنه غير مشهور في كلامهم فلا يحمل عليه المطلق من كلامهم.
قال ثعلب.
قل فرق ولا تقل فرق (الثاني) أن عمر قال: من كل عشرة أفراق فرقا - والافراق جمع فرق بفتح الراء وجمع الفرق باسكان الراء فروق لان ما كان على وزن فعل ساكن العين غير معتل فجمعه في القلة أفعل وفي الكثرة فعال أو فعول (والثالث) أن الفرق الذي هو ضخم من مكاييل أهل العراق لا يحمل عليه كلام عمر، وانما يحمل كلام عمر رضي الله عنه على مكاييل أهل الحجاز لانه بها ومن أهلها ويؤكد ذلك تفسير الزهري له في نصاب العسل بما قلنا والامام احمد ذكره في معرض الاحتجاج به فيدل على أنه ذهب إليه والله أعلم
* (فصل في المعدن) * * (مسألة) * (ومن استخرج من معدن نصابا من الاثمان أو ما قيمته نصاب من الجواهر والقار والصفر والزئبق والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدنا ففيه الزكاة في الحال ربع العشر من قيمته أو من عينها ان كانت أثمانا سواء استخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك اهمال) الكلام في هذه المسالة في فصول أربعة (احدها) في صفة المعدن الذي تتعلق به الزكاة وهو كل ما خرج من الارض مما خلق فيها من غيرها مما له قيمة كالذي ذكر ههنا ونحوه من البلور والعقيق والحديد والسبج والزاج والمغرة والكبريت ونحو ذلك، وقال الشافعي ومالك: لا تتعلق الزكاة الا بالذهب
والفضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا زكاة في حجر " ولانه مال مقوم مستفاد من الارض أشبه الطين الاحمر وقال أبو حنيفة في احدى الروايتين: تتعلق الزكاة بكل ما ينطبع كالرصاص والحديد والنحاس دون غيره ولنا عموم قوله تعالى (ومما أخرجنا لكم من الارض) ولانه معدن فتعلقت الزكاة به كالاثمان ولانه مال لو غنمه خمسه فإذا أخرجه من معدن وجبت زكاته كالذهب فأما الطين فليس بمعدن لانه تراب والمعدن ما كان في الارض من غير جنسها (الفصل الثاني) في قدر الواجب فيه وصفته، وقدر الواجب فيه ربع العشر وهو زكاة وهذا
قول عمر بن عبد العزيز ومالك.
وقال أبو حنيفة: الواجب فيه الخمس وهو فئ واختاره أبو عبيد.
وقال الشافعي هو زكاة واختلف عنه في قدره كالمذهبين واحتج من أوجب الخمس بقوله عليه الصلاة والسلام " ما لم يكن في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي والجوزجاني، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " وفي الركاز الخمس " قيل يا رسول الله ما الركاز؟ قال " الذهب والفضة المخلوقان في الارض يوم خلق الله السموات والارض " وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الركاز هو الذهب الذي ينبت مع الارض " وفي حديث علي عليه السلام أنه قال " وفي السيوب الخمس " قال والسيوب عروق الذهب والفضة التي تحت الارض ولنا ما روى أبو عبيد باسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية من ناحية الفرع قال فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الركاز إلى اليوم، وقد أسنده كثير بن عبد الله ابن عمر وبن عون المزني عن أبيه عن جده، ورواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال عن بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكاة المعادن القبلية، قال أبو عبيد القبلية بلاد معروفة بالحجاز ولانها زكاة أثمان فكانت ربع العشر كسائر الاثمان، أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة، وحديثهم الاول لا يتناول محل النزاع لان النبي صلى الله عليه وسلم انما ذكر ذلك في جواب سؤاله عن اللقطة وهذا ليس بلقطة فلا يتناوله النص، وحديث أبي هريرة يرويه عبد الله بن سعيد وهو ضعيف وسائر أحاديثهم لا نعرف صحتها ولا هي مذكورة في المسانيد
(الفصل الثالث) في نصاب المعدن وهو عشرون مثقالا من الذهب أو مائتا درهم من الفضة أو قيمة ذلك من غيرهما وهذا مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب الخمس في قليله وكثيره بناء على أنه ركاز لعموم الاحاديث التي احتجوا بها، ولانه لا يشترط له حول فلم يشترط له نصاب كلركاز ولنا قوله عليه السلام " ليس فيما دون خمس أواق صدقة " وقوله عليه السلام " ليس في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا " ولانها زكاة تتعلق بالاثمان أو بالقيمة فاعتبر لها النصاب كالاثمان والعروض وقد بينا أن هذا ليس بركاز وأنه مفارق للركاز من حيث إن الركاز مال كافر مظهور عليه في الاسلام فهو كالغنيمة وهذا وجب مواساة وشكرا لنعمة الغنى فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات، وانما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار، ولان النماء يتكامل فيه بالوجود والاخذ فهو كالزرع، إذا ثبت هذا فانه يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك اهمال، فان أخرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما، وإن بلغا بمجموعهما نصابا لفوات الشرط، وإن بلغ أحدهما نصابا دون الآخر زكى النصاب وحده، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالاثمان والخارج من الارض، فأما ترك العمل ليلا وللاستراحة أو لعذر من مرض أو لاصلاح الاداة أو اباق عبد ونحوه فلا يقطع حكم العمل، وحكمه حكم المتصل لان العادة كذلك، وكذلك إن كان مشتغلا بالعمل فخرج بين المعدنين تراب لا شئ فيه
(فصل) وإن اشتمل المعدن على أجناس كمعدن فيه الذهب والفضة فذكر القاضي انه لا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب لانها أجناس فلا يضم أحدهما إلى غيره كغير المعدن قال شيخنا والصواب إن شاء الله انه إن كان المعدن يشتمل على ذهب وفضة ففي ضم أحدهما إلى الآخر وجهان مبنيان على الروايتين في ضم أحدهما إلى الآخر في غير المعدن وإن كان فيه أجناس من الذهب والفضة ضم بعضها إلى بعض لان الواجب في قيمتها فأشبهت عروض التجارة وإن كان فيها إحدى النقدين وجنس آخر ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض إلى الاثمان وان استخرج
نصابا من معدنين وجبت الزكاة فيه كالزرع في مكانين (الفصل الرابع) في وقت الوجوب وتجب الزكاة فيه حين يتناوله ويمكل نصابه ولا يعتبر له حول وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وقال إسحق وابن المنذر يعتبر له الحول لعموم قوله عليه السلام " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول " ولنا أنه مستفاد من الارض فلا يعتبر في وجوب حقه حوله كالزرع والثمار والركاز، ولان الحول انما يعتبر في غير هذا ليكمل النماء وهذا يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلم يعتبر له حول كالزرع والخبر مخصوص بالزرع والثمر فنقيس عليه محل النزاع * (مسألة) * (ولا يجوز اخراجها إذا كانت اثمانا إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمرة فان
أخرج ربع عشر ترابه قبل تصفيته وجب رده إن كان باقيا أو قيمته ان كان تالفا) والقول في قدر المقبوض قول الآخذ لانه غارم فان صفاه الآخذ فكان قدر الزكاة أجزأ وإن زاد رد الزيادة الا أن يسمح له المخرج وان نقص فعلى المخرج، وما أنفقه الآخذ على تصفيته فهو من ماله لا يرجع به على المالك، ولا يحتسب المالك ما أنفقه على المعدن في استخراجه ولا تصفيته من المعدن لان الواجب فيه زكاة فلا يحتسب بمؤنة استخراجه وتصفيته كالحبوب فان كان ذلك دينا عليه احتسب به على الصحيح من المذهب كما يحتسب بما انفق على الزرع وقال أبو حنيفة لا تلزمه المؤنة من حقه وشبهه بالغنيمة وبناه على أصله في أنه ركاز وقد مضى الكلام في ذلك * (مسألة) * (ولا زكاة فيما يخرج من البحر واللؤلؤ والمرجان ونحوه في أحد الوجهين) وهو اختيار أبي بكر وظاهر قول الخرقي روي نحو ذلك عن ابن عباس وبه قال عمر بن عبد العزيز وعطاء ومالك والثوري وابن أبي ليلى - والحسن بن صالح والشافعي وأبو حنيفة ومحمد وأبو ثور والرواية الاخرى فيه الزكاة لانه خارج من معدن أشبه الخارج من معدن البر ويروى عن عمر بن عبد العزيز انه أخذ من العنبر الخمس وهو قول الحسن والزهري وزاد الزهري في اللؤلؤ يخرج من البحر ولنا أن ابن عباس قال ليس في العنبر شئ انما هو شئ ألقاه البحر وعن جابر نحوه رواهما أبو
عبيد ولانه قد كان يخرج على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يأت فيه سنة عنه ولا عنهم من وجه يصح
ولان الاصل عدم الوجوب فيه ولا يصح قياسه على معدن البر لان العنبر انما يلقيه البحر فيوجد على الارض فيؤخذ من غير تعب فهو كالمباحات المأخوذة من البر كالمن وغيره فأما السمك فلا شئ عليه بحال في قول أهل العلم كافة الا شئ روي عن عمر بن عبد العزيز رواه عنه أبو عبيد وقال ليس الناس على هذا ولا نعلم أحدا قال به وعن أحمد أن فيه الزكاة كالعنبر والصحيح أن هذا لا شئ فيه لانه صيد فلم تجب فيه زكاة كصيد البر ولانه لا نص فيه ولا اجماع ولا يصح قياسه على ما فيه الزكاة فلا وجه لايجابها (فصل) (وفي الركاز الخمس أي نوع كان من المال قل أو أكثر لاهل الفئ وعنه أنه زكاة وباقيه لواجده).
الواجب في الركاز الخمس لما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال " وفي الركاز الخمس " متفق عليه وقال ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث الا الحسن فانه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة (فصل) والركاز الذي فيه الخمس كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والآنية وغير ذلك وهو قول اسحق وأبى عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي والشافعي في قول واحد الروايتين عن مالك وقال الشافعي في الآخر لا يجب الا في الاثمان
ولنا عموم قوله عليه السلام " وفي الركاز الخمس " ولانه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس على اختلاف أنواعه كالغنيمة.
إذا ثبت هذا فان الخمس يجب في كثيره وقليله وهذا قول مالك وإسحق وأصحاب الرأي والشافعي في القديم وقال في الجديد يعتبر فيه النصاب لانه مستخرج من الارض يجب فيه حق أشبه المعدن والزرع ولنا الحديث المذكور ولانه مال مخموس فلا يعتبر له النصاب كالغنيمة والمعدن والزرع يحتاج إلى كلفة فاعتبر فيه النصاب تخفيفا بخلاف الركاز (فصل) وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في مصرف خمس الركاز فروي عنه أنه
لاهل الفئ نقلها عنه محمد بن الحكم وبه قال أبو حنيفة والمزني لما روي أبو عبيد باسناده عن الشعبي أن رجلا وجد ألف دينار خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ منها الخمس مائتي دينار ودفع إلى الرجل بقيتها وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة فقال أين صاحب الدنانير فقام إليه فقال عمر خذها فهي لك ولو كان زكاة لخص به أهل الزكاة ولم يرده على واجده ولانه يجب على الذمي والزكاة لا تجب عليه ولانه مال مخموس زالت عنه يد الكفار أشبه خمس الغنيمة وهذه الرواية أقيس في المذهب وروي عنه أن مصرفه مصرف الصدقات نص عليه أحمد في رواية حنبل فقال يعطي الخمس من الركاز على مكانه وإن تصدق به على المساكين أجزأه واختاره الخرقي وهذا قول الشافعي لما روى الامام أحمد باسناده عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن رجل من
قومه يقال له ابن حممة قال سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة عند جبانة بشر فيها أربعة آلاف درهم فذهبت بها إلى علي عليه السلام فقال اقسمها خمسة أخماس فقسمتها فأخذ منها علي خمسا وأعطاني أربعة أخماس فلما أدبرت دعاني فقال في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت نعم قال فخذها فاقسمها بينهم والمساكين مصرف الصدقات ولانه حق يجب في الخارج من الارض فأشبه صدقة المعدن (فصل) ويجوز لواجد الركاز أن يتولى تفرقة الخمس بنفسه وبه قال أصحاب الرأي وابن المنذر لما ذكرنا من حديث علي ولانه أدى الحق إلى مستحقه فبرئ منه كما لو فرق الزكاة ويتخرج أن لا يجوز لانه فئ فلم يملك تفرقته بنفسه كخمس الغنيمة وبهذا قال أبو ثور وان فعل ضمنه الامام.
قال القاضي ليس للامام رد خمس الركاز على واجده لانه حق مال فلم يجز رده على من وجب عليه كالزكاة وخمس الغنيمة وقال ابن عقيل يجوز لان عمر رضي الله عنه رد بعضه على واجده ولانه فئ فجاز رده أورد بعضه على واجده كخراج الارض وهذا قول أبي حنيفة (فصل) ويجب الخمس على من وجد الركاز من مسلم وذمي وحر وعبد ومكاتب وكبير وصغير وعاقل ومجنون الا أن الواجد له إذا كان عبدا فهو لسيده لانه كسب مال أشبه الاحتشاش والمكاتب يملكه وعليه خمسه لانه بمنزلة كسبه، والصبي والمجنون يملكانه ويخرج
عنهما وليهما وهذا قول أكثر أهل العلم قال ابن المنذر أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على أن على
الذمي في الركاز يجده الخمس قاله مالك وأهل المدينة والثوري والاوزاعي وأهل العراق من أصحاب الرأي وغيرهم وقال الشافعي لا يجب الخمس الا على من تجب عليه الزكاة لانه زكاة وحكي عنه في الصبي والمرأة انهما لا يملكان الركاز وقال الثوري والاوزاعي وأبو عبيد إذا وجده عبد يرضخ له منه ولا يعطاه كله ولنا عموم قوله عليه السلام " وفي الركاز الخمس " فانه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز وبمفهومه على أن باقيه لواجده كائنا من كان ولانه مال كافر مظهور عليه فكان فيه الخمس على من وجده وباقيه لواجده كالغنيمة ولانه اكتساب مال فكان لواجده ان كان حرا ولسيده إن كان عبدا كالاحتشاش والاصطياد ويتخرج لنا أن لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة بناء على انه زكاة والاول أصح (فصل) وباقي الركاز لواجده لما ذكرنا ولان عمر وعليا رضي الله عنهما دفعا باقي الركاز بعد الخمس إلى واجده ولانه مال كافر مظهور عليه فكان لواجده بعد الخمس كالغنيمة وقد ذكرنا الخلاف فيه *
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: