الفقه الحنبلي - الحج -

والا لزمه وان كان له بكتاب نسختان يستغنى باحدهما باع الاخرى وان كان له دين على ملئ
باذل له يكفيه في الحج لزمه لانه قادر وان كان على معسر أو تعذر استيفاؤه لم يلزمه (فصل) فان تكلف الحج من لا يلزمه وأمكنه ذلك من غير ضرر يلحق بغيره مثل من يكتسب بصناعة كالخرز أو معاونة من ينفق عليه أو يكتري لزاده ولا يسأل الناس استحب له الحج لقول الله تعالى (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) فقدم ذكر الرجال ولان فيه مبالغة في طاعة الله وخروجا من الخلاف وان كان يسأل الناس كره الحج له لانه يضيق على الناس ويحصل كلا عليهم في التزام مالا يلزمه وسئل الامام احمد عمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة فقال لا أحب له ذلك هذا يتوكل على ازواد الناس.
(مسألة) (ولا يصير مستطيعا ببذل غيره بحال) لا يلزمه الحج ببذل غيره له ولا يصير مستطيعا بذلك سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا، وسواء
بذل له الركوب والزاد أو بذل له مالا وهو قول الاكثرين، وعن الشافعي انه إذا بذل له ولده ما يتمكن به من الحج لزمه لانه أمكنه الحج من غير منة تلزمه ولا ضرر يلحقه فلزمه الحج كما لو ملك الزاد والراحلة ولنا ان قول النبي صلى الله عليه وسلم " يوجب الحج الزاد والراحلة " يتعين فيه تقدير ملك ذلك أو ملك ما يحصل به بدليل مالو كان الباذل أجنبيا، ولانه ليس بمالك للزاد والراحلة ولا ثمنهما فلم يلزمه الحج كما لو بذل له والده، ولا نسلم انه لا يلزمه منة، ولو سلمناه فيبطل ببذل الوالد وبذل من للمبذول عليه أياد كثيرة ونعم (مسألة) (فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور) من كملت فيه هذه الشروط وجب عليه الحج لما ذكرنا من الادلة ويجب عليه على الفور إذا أمكنه فعله ولم يجز له تأخيره وبه قال مالك، وقال الشافعي يجب الحج وجوبا موسعا وله تأخيره، وحكى ابن أبي موسى وجها مثله قوله، وحكاه ابن حامد عن الامام أحمد لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر
رضي الله عنه على الحج وتخلف بالمدينة غير محارب ولا مشغول بشئ وتخلف أكثر المسلمين قادرين على الحج، ولانه إذا أخره ثم فعله في السنة الاخرى لم يكن قاضيا دل على ان وجوبه على التراخي
ولنا قول الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقوله (وأتموا الحج والعمرة لله) والامر على الفور، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " من أراد الحج فليعجل " رواه الامام أحمد وأبو داود وابن ماجة وفي رواية أحمد وابن ماجة " فانه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة " قال أحمد ورواه الثوري ووكيع عن أبي إسرائيل عن فضيل بن عمرو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس عن أخيه الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا " قال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال، وروى سعيد بن منصور باسناده عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه مرض
حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا " وعن عمر نحوه من قوله، وكذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولانه أحد أركان الاسلام فكان واجبا على الفور كالصيام، ولان وجوبه بصفة التوسع بخروجه عن رتبة الواجبات لانه يؤخر إلى غير غاية ولا يأثم بالموت قبل فعله لكونه فعل ما يجوز له فعله وليس على الموت أمارة يقدر بعدها على فعله، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فانما فتح مكة سنة ثمان وإنما أخره سنة تسع فيحتمل انه كان له عذر من عدم الاستطاعة أو كره رؤية المشركين عراة حول البيت فأخر الحج حتى بعث أبا بكر ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويحتمل أنه اخره بامر الله تعالى لتكون حجته حجة الوداع في السنة التي استدار فيها الزمان كهيئته يوم خلق الله السموات والارض ويصادف وقفة الجمعة ويكمل الله دينه ويقال انه اجتمع يومئذ اعياد أهل كل دين ولم يجتمع قبله ولا بعده فاما تسمية فعل الحج قضاء فانه يسمى بذلك قال الله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم) وعلى أنه لا يلزم من الوجوب على الفور
تسمية الفعل إذا أخره قضاء بدليل الزكاة فانها تجب على الفور ولو أخرها لا تسمى قضاء والقضاء الواجب على الفور إذا أخره لا يقال قضاء القضاء ولو غلب على ظنه في الحج أنه لا يعيش إلى سنة
أخرى لم يجز له تأخيره وإذا أخره لا يسمى قضاء (مسألة) (فان عجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من بلده وقد أجزأ عنه وان عوفي) وجملة ذلك أن من وجدت فيه شرائط وجوب الحج وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله كزمانة أو مرض لا يرجى زواله أو كان نضو الخلق لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة والشيخ الفاني ونحوهم متى وجد من ينوب عنه في الحج وما يستنيبه به لزمه ذلك وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك لا حج عليه الا أن يستطيع بنفسه ولا أرى له ذلك لان الله تعالى قال (من استطاع إليه سبيلا) وهو غير مستطيع ولانها عبادة لا تدخلها النيابة مع القدرة فلا تدخلها مع العجز كالصوم والصلاة ولنا حديث أبي رزين حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحج عن أبيه ويعتمر وروي ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت: يارسول الله ان فريضة الله على عباده في الحج ادركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال " نعم " وذلك في حجة الوداع متفق عليه وفي لفظ لمسلم قالت: يارسول الله أن أبي شيخ عليه فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع ان يستوي على ظهر
بعيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم " فحجي عنه " وسئل علي رضي الله عنه عن شيخ يجد الاستطاعة قال يجهز عنه ولان هذه عبادة تجب بافسادها الكفارة فجاز أن يقوم غير فعله فيها مقام فعله كالصوم إذا عجز عنه افتدى بخلاف الصلاة ويلزمه أن يستنيب على الفور إذا امكنه كما يلزمه ذلك بنفسه (فصل) ويستناب عنه من يحج عنه من حيث وجب عليه اما من بلده أو من الموضع الذي يسر فيه كالاستنابة عن الميت وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى (فصل) فان لم يجد مالا يستنيب به فلا حج عليه بغير خلاف لان الصحيح العادم ما يحج به لا يلزمه الحج فالمريض أولى وان وجد مالا ولم يجد نائبا فقياس المذهب ان ينبني على الروايتين في امكان السير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط وجوب السعي فان قلنا من شرائط لزوم
السعي ثبت الحج في ذمته يحج عنه بعد موته وان قلنا من شرائط الوجوب لم يجب شئ (فصل) وإذا استناب من حج عنه ثم عوفي لم يجب عليه حج آخر وهذا قول اسحاق وقال الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر يلزمه لان هذا بدل اياس فإذا برأ تبينا أنه لم يكن مأيوسا منه فلزمه الاصل كالآيسة تعتد بالشهور ثم تحيض يلزمها العدة بالحيض ولنا أنه أتى بما أمر به فخرج عن العهدة كما لو يبرأ أو نقول أدى حجة الاسلام بامر الشرع فلم يلزمه حج ثان كما لو حج عن نفسه ولان هذا يفضي إلى أيجاب حجتين عليه ولم يوجب الله عليه الا حجة واحدة وقولهم لم يكن مأيوسا من برئه قلنا لو لم يكن مأيوسا من برئه لما أبيح له أن
يستنيب فانه شرط لجواز الاستنابة فاما الآيسة إذا اعتدت بالشهور فلا يتصور عود حيضها فان رأت دما فليس بحيض ولا يبطل به اعتدادها لكن من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه إذا اعتدت سنة ثم عاد حيضها لم يبطل اعتدادها (فصل) فان عوفي قبل فراغ النائب من الحج فينبغي أن لا يجزئه الحج لانه قدر على الاصل قبل تمام البدل فلزمه كالصغيرة ومن ارتفع حيضها قبل اتمام عدتها بالشهور وكالمتيمم إذا رأى الماء في صلاته ويحتمل أن يجزئه كالمتمتع إذا شرع في الصوم ثم قدر على الهدي والمكفر إذا قدر على الاصل بعد الشروع في البدل وان برأ قبل احرام النائب لم يجزئه بحال (فصل) فاما من يرجى زوال مرضه والمحبوس ونحوه فليس له ان يستنيب فان فعل لم يجزئه وان لم يبرأ وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة له الاستنابة ويكون ذلك مراعي فان قدر على الحج بنفسه لزمه والا اجزأه ذلك كالمأيوس من برئه ولنا أنه يرجو القدرة على الحج بنفسه فلم يكن له الاستنابة ولا تجزئه ان فعل كالفقير وفارق المأيوس من برئه لانه عاجز على الاطلاق آيس من القدرة على الاصل فأشبه الميت ولان النص انما ورد في الحج عن الشيخ الكبير وهو ممن لا يرجى منه الحج بنفسه فلا يصح قياس غيره عليه إلا إذا كان مثله
(فصل) فاما القادر على الحج بنفسه فلا يجوز أن يستنيب في الحج الواجب اجماعا قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على أن من عليه حجة الاسلام وهو قادر على الحج لا يجزئ عنه أن يحج غيره عنه والحج المنذور كحجة الاسلام في اباحة الاستنابة عند العجز والمنع منها مع القدرة لانها حجة واجبة فهي كحجة الاسلام (فصل) وهل يصح الاستئجار على الحج فيه روايتان (اشهرهما) لا يجوز وهو مذهب أبي حنيفة واسحاق (والثانية) يجوز وهو مذهب مالك والشافعي وابن المنذر لانه يجوز أخذ النفقة عليه
فجاز الاستئجار عليه كبناء المساجد والقناطر ولما انها عبادة يختص فاعلها أن يكون مسلما فلم يجز أخذ الاجرة عليها كالصلاة، فاما بناء المساجد فيجوز أن يقع قربة وغير قربة فإذا وقع باجرة لم يكن عبادة ولا قربة وهذا لا يصح أن يقع الا عبادة ولا يجوز الاشتراك في العبادة فمتى فعله من أجل الاجرة خرج عن كونه عبادة فلم يصح ولا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الاجرة بدليل الامامة والقضاء يجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال وهو نفقة في المعنى بخلاف الاجرة وفائدة الخلاف أنه متى لم يجز أخذ الاجرة عليها فلا يكون الا نائبا محضا وما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقه فلو مات واحصر أو مرض أو ضل الطريق لم يلزمه الضمان لما أنفق نص عليه أحمد لانه انفاق باذن صاحب المال فاشبه ما لو أذن له في سد بثق فانبثق ولم ينسد فإذا ناب عنه آخر فانه يحج عنه من حيث بلغ النائب الاول من الطريق لحصول قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه فلم يحتج إلى الانفاق دفعة اخرى كما لو حج بنفسه فمات في الطريق فانه يحج عنه من حيث انتهى وما فضل معه من المال رده إلا أن يؤذن له في أخذه وينفق عليه بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تقتير وليس له التبرع بشئ منه الا أن
يؤذن له في ذلك قال احمد في الذي يأخذ دراهم للحج لا يمشي ولا يقتر في النفقة ولا يسرف وقال في
رجل أخذ حجة عن ميت ففضلت معه فضلة يردها ولا يناهد أحدا إلا بقدر مالا يكون سرفا ولا يدعو إلى طعامه ولا يتفضل ثم قال أما إذا اعطي الف درهم أو كذا وكذا فقيل له حج بهذه فله أن يتوسع فيها وان فضل شئ فهو له وإذا قال الميت حجوا عني حجة بالف فدفعوها إلى رجل فله أن يتوسع فيها وما فضل فهو له وان قلنا بجواز الاستئجار على الحج جاز أن يستنيب من غير استئجار فيكون الحكم على ما ذكرنا وان يستأجر فان استأجر من يحج عنه أو عن ميت اعتبر فيه شروط الاجارة وما يأخذه اجرة يملكه ويباح له التصرف فيه والتوسع في النفقة وغيرها وما فضل فهو له وان أحصر أو ضل عن الطريق أو ضاعت النفقة منه فهو من ضمانه وعليه الحج وان مات انفسخت الاجارة لتلف المعقود عليه كما لو ماتت البهيمة المستأجرة ويكون للحج أيضا من الموضع الذي بلغ إليه وما لزمه من الدماء فعليه لان الحج عليه (فصل) والنائب غير المستأجر فما لزمه من الدماء بفعل محظور فعليه في ماله لانه لم يؤذن له في الجناية فكان موجبها عليه كما لو لم يكن نائبا ودم المتعة والقران إن لم يؤذن له فيهما عليه لانه كجنايته وإن أذن له فيهما فالدم على المستنيب لانه أذن في سببهما ودم الاحصار على المستنيب لانه للتخلص من مشقة السفر فهو كنفقة الرجوع فان أفسد حجه فالقضاء عليه ويرد ما أخذ لان الحجة لم تجز عن
المستنيب لتفريطه وجنايته، وكذلك إن فاته الحج بتفريطه وإن فات بغير تفريط احتسب له بالنفقة لانه لم يفت فلم يكن مخالفا كما لو مات، وإن قلنا بوجوب القضاء فهو عليه في ماله كما لو دخل في حج ظن أنه عليه فلم يكن عليه وفاته (فصل) وإذا سلك النائب طريقا يمكنه سلوك أقرب منه بغير ضرر ففاضل النفقة في ماله، وإن تعجل عجلة يمكنه تركها فكذلك، وإن أقام بمكة أكثر من مدة القصر بعد امكان السفر للرجوع أنفق من ماله لانه غير مأذون له فيه فان لم يمكنه الخروج قبل ذلك فله النفقة لانه مأذون فيه وله نفقة الرجوع وإن طالت إقامته بمكة ما لم يتخذها دارا فان اتخذها دارا ولو ساعة لم يكن له نفقة لرجوعه لانه صار بنية الاقامة مكيا فسقطت نفقته فلم تعد، وإن مرض في الطريق فعاد فله نفقة رجوعه لانه لابد له منه وقد حصل بغير تفريطه فأشبه مالو قطع عليه الطريق أو أحصر، وإن قال خفت المرض
فرجعت فعليه الضمان لانه متوهم، وعن الامام أحمد رحمه الله فيمن مرض في الكوفة فرجع: يرد جميع ما أخذ، وفي جميع ذلك إذا أذن له في النفقة فله ذلك لان المال للمستنيب فجاز ما أذن فيه، وإن شرط أحدهما أن الدماء الواجبة عليه على غيره لم يصح الشرط لان ذلك من موجبات فعله أو الحج الواجب عليه فلم يصح شرطه على غيره كما لو شرط على أجنبي (فصل) يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن المرأة والرجل في الحج في قول عوام
أهل العلم لا نعلم فيه مخالفا إلا الحسن بن صالح فانه كره حج المرأة عن الرجل.
قال ابن المنذر: هذه غفلة عن ظاهر السنة فان النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة الخثعمية أن تحج عن أبيها، وعليه يعتمد من أجاز حج المرء عن غيره وفي الباب حديث أبي رزين وأحاديث سواه (فصل) ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا باذنه فرضا كان أو تطوعا لانها عبادة تدخلها النيابة فلم تجز عن البالغ العاقل بغير اذنه كالزكاة، فأما الميت فيجوز عنه بغير اذن واجبا كان أو تطوعا لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت وقد علم أنه لااذن له، وما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة فعلى هذا كلما يفعله النائب عن المستنيب مما لم يؤمر به مثل أن يؤمر بحج فيعتمر، أو بعمرة فيحج يقع عن الميت لانه يصح عنه من غير اذنه، ولا يقع عن الحي لعدم اذنه فيه، ويقع عمن فعله لانه لما تعذر وقوعه عن المنوي عنه وقع عن نفسه كما لو استنابه رجلان فأحرم عنهما جميعا وعليه رد النفقة لانه لم يفعل ما أمر به فأشبه ما لو لم يفعل شيئا (فصول في مخالفة النائب) إذا أمره بحج فتمتع أو اعتمر لنفسه من الميقات ثم حج نظرت فان خرج إلى الميقات فاحرم منه بالحج جاز ولا شئ عليه نص عليه احمد وهو مذهب الشافعي وان أحرم من مكة فعليه دم لترك
ميقاته ويرد من النفقة بقدر ما ترك من احرام الحج فيما بين الميقات ومكة وقال القاضي لا يقع فعله عن الآمر ويرد جميع النفقة لانه أتى بغير ما أمر به وهو مذهب أبي حنيفة
ولنا أنه احرم بالحج من الميقات فقد أتى بالحج صحيحا من ميقاته اشبه مالو لم يحرم بالعمرة وان أحرم به من مكة فما أخل الا بما يجبره الدم فلم تسقط نفقته كما لو تجاوز الميقات غير محرم فاحرم دونه فان أمره بالافراد فقرن لم يضمن شيئا وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة يضمن لانه مخالف ولنا أنه أتى بما أمر به وزيادة فصح كما لو امره بشراء شاة بدينار فاشترى به شاتين تساوي إحداهما دينارا ثم ان كان أمره بالعمرة بعد الحج ففعلها فلا شئ عليه وان لم يفعل رد من النفقة بقدرها (فصل) فان أمره بالتمتع فقرن وقع عن الآمر لانه أمر بهما وانما خالف في أنه امره بالاحرام بالحج من مكة فأحرم به من الميقات وظاهر كلام احمد أنه لايرد شيئا من النفقة وهو مذهب الشافعي وقال القاضي يرد نصف النفقة لان غرضه في عمرة مفردة وتحصيل فضيلة التمتع وقد خالفه في ذلك وفوته عليه وقع عن المستنيب أيضا ويرد نصف النفقة لانه أخل بالاحرام بالعمرة من الميقات وقد أمر به واحرامه بالحج من الميقات زيادة لا يستحق به شيئا (فصل) فان أمره بالقران فأفرد أو تمتع صح ووقع النسكان عن الآمر ويرد من النفقة بقدر ما
ترك من احرام النسك الذي تركه من الميقات وفي جميع ذلك إذا أمره بالنسكين ففعل أحدهما دون الآخر رد من النفقة بقدر ما ترك ووقع المفعول عن الآمر وللنائب من النفقة بقدره (فصل) وان استنابه رجل في الحج وآخر في العمرة واذنا له في القران ففعل جاز لانه نسك مشروع وان قرن من غير اذنهما صح ووقع عنهما ويرد من نفقة كل واحد منهما نصفهما لانه جعل السفر عنهما بغير اذنهما وان أذن احدهما دون الآخر رد على غير الآمر نصف نفقته وحده، وقال القاضي إذا لم يأذنا له ضمن الجميع لانه أمر بنسك مفرد ولم يأت به فكان مخالفا كما لو أمر بحج فاعتمر ولنا أنه أتى بما أمر به وانما خالف في صفته لافي أصله أشبه من أمر بالتمتع ولو أمر بأحد النسكين فقرن بينه وبين النسك الآخر لنفسه فالحكم فيه كذلك ودم القران على النائب إذا لم يؤذن له فيه لعدم الاذن في سببه وان أذن أحدهما دون الآخر فعلى الآذن نصف الدم ونصفه على النائب
(فصل) وان أمر بالحج فحج ثم اعتمر لنفسه أو أمر بالعمرة فاعتمر ثم حج عن نفسه صح ولم يرد شيئا من النفقة لانه أتى بما أمر به على وجهه وان امره بالاحرام من ميقات فأحرم من غيره جاز لانها سواء في الاجزاء وان أمره بالاحرام من الميقات جاز لانه الافضل وان أمره بالاحرام من بلده فأحرم من الميقات جاز لانه الافضل، وان أمره بالاحرام من الميقات فأحرم من بلده جاز لانه زيادة لا تضر، وان أمره بالحج في السنة أو الاعتمار في شهر ففعله في غيره جاز لانه مأذون فيه في الجملة
(مسألة) (ومن قدر على السعي لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا لا خفارة فيه يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد، وعنه أن امكان المسير وتخلية الطريق من شرائط الوجوب.
وقال ابن حامد إن كانت الخفارة لا تجحف بماله لزمه بذلها) متى كملت الشروط المذكورة وجب على الحج على الفور لما ذكرناه ولزمه السعي إليه لان مالا يتم الواجب إلا به واجب، ولانه سعي إلى فريضة فكان واجبا كالسعي إلى الجمعة، وانما يجب عليه السعي إذا كان في وقت المسير وهو كون الوقت متسعا يمكنه الخروج فيه إليه وأمكنه المسير إليه بما جرت به العادة فلو أمكنه بأن يسير سيرا يجاوز العادة لم يلزمه السعي، ويشترط أن يجد طريقا مسلوكة لامانع فيها بعيدة كانت أو قريبة، برا كان أو بحرا إذا كان الغالب فيها السلامة، فان لم يكن الغالب منه السلامة لم يلزمه سلوكه، فان كان في الطريق عدو يطلب خفارة لم يلزمه سلوكه ويسقط عنه السعي بسيره كانت أو كثيرة، ذكره القاضى لانها رشوة فلم يلزمه بذلها في العبادة كالكثيرة وقال ابن حامد: إن كان ذلك مما لا يجحف بماله لزمه الحج لانها غرامة يقف امكان الحج على بذلها فلم يمنع الوجوب مع امكان بذلها كثمن الماء وعلف البهائم، ويشترط أن يكون الطريق آمنا، فان كان مخوفا لم يلزمه سلوكه لان فيه تغريرا بنفسه وماله، ويشترط أن يوجد فيه الماء والعلف كما جرت به العادة بحيث يوجد الماء وعلف البهائم في المنازل التى ينزلها على حسب العادة ولا يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كاطراف الشام ونحوها لان هذا يشق ولم تجر العادة به، ولا يتمكن من حمل الماء والعلف لبهائمه في جميع الطريق بخلاف زاد نفسه فانه يمكنه حمله
(فصل) واختلفت الرواية في امكان المسير وتخلية الطريق فروي أنهما من شرائط الوجوب لا يجب الحج بدونهما لان الله سبحانه وتعالى انما فرض الحج على المستطيع وهذا غير مستطيع، ولان هذا يتعذر معه فعل الحج فكان شرطا كالزاد والراحلة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وروي أنهما من شرائط لزوم الاداء فلو كملت الشروط الخمسة ثم مات قبل وجود هذين الشرطين حج عنه بعد موته، وإن اعسر بعد وجودهما بقي في ذمته وهو ظاهر كلام الخرقي، وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل ما يوجب الحج؟ قال " الزاد والراحلة " حديث حسن، ولانه عذر يمنع نفس الاداء فلم يمنع الوجوب كالعضب، ولان امكان الاداء ليس بشرط في وجوب العبادات بدليل مالو طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن اداؤها فيه، والاستطاعة مفسرة بالزاد والراحلة في الحديث فيجب المصير إليه، والفرق بين هذين وبين الزاد والراحلة أنه يتعذر مع فقدهما الاداء دون القضاء وفقد الزاد والراحلة يتعذر مع الجميع
(مسألة) (ومن وجب عليه الحج فتوفى قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة) وجملة ذلك أن من وجب عليه الحج ولم يحج وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر سواء فاته بتفريطه أو بغير تفريطه وبهذا قال الحسن وطاوس والشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يسقط بالموت فان وصى بها فهي من الثلث لانه عبادة بدنية فسقط بالموت كالصلاة ولنا ماروى ابن عباس ان امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج قال " حجي عن ابيك " وعنه أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك فقال " أرأيت لو كان على اختك دين أكنت قاضيه؟ " قال نعم قال " فاقضوا الله فهو أحق بالقضاء " رواهما النسائي ولانه حق استقر عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين وبهذا فارق الصلاة فانها لا تدخلها النيابة والعمرة كالحج فميا ذكرنا إذا قلنا بوجوبها ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله لانه دين مستقر فكان من جميع المال كالدين الآدمي (فصل) ويستناب من يحج عنه من حيث وجب عليه اما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه
وبهذا قال الحسن ومالك واسحاق في النذر وقال عطاء في الناذر ان لم يكن نوى مكانا فمن ميقاته واختاره ابن المنذر وقال الشافعي فيمن عليه حجة الاسلام يستأجر من يحج عنه من الميقات لان الاحرام لا يجب من دونه ولنا أن الحج وجب عليه من بلده فوجب أن ينوب عنه منه لان القضاء يكون على صفة الاداء كقضاء الصلاة والصوم كذلك الحكم في حج النذر والقضاء فياسا عليه فان كان له وطنان استنيب من أقربهما فان وجب عليه الحج بخراسان فمات ببغداد وبالعكس فقال احمد يحج عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته ويحتمل أن يحج عنه من أقرب المكانين لانه لو كان حيا في أقرب المكانين لم يجب عليه الحج من أبعد منه فكذلك نائبه فان حج عنه من دون ذلك فقال القاضي ان كان دون مسافة القصر اجزأه لانه في حكم القريب والا لم يجزئه لانه لم يؤد الواجب بكماله ويحتمل أن يحزئه ويكون مسيئا كمن وجب عليه الاحرام من الميقات فاحرم من دونه والله أعلم (فصل) فان خرج للحج فمات في الطريق حج عنه من حيث مات لانه اسقط بعض ما وجب عليه فلم يجب ثانيا وكذلك ان مات نائبه فاستنيب من حيث مات كذلك ولو أحرم بالحج ثم مات صحت النيابة عنه فما بقي من النسك سواء كان احرامه لنفسه أو غيره نص عليه لانها عبادة تدخلها النيابة فإذا مات بعد فعل بعضها قضى عنه باقيها كالزكاة (مسألة) (فان ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دين أخذ للحج بحصته وحج به من حيث يبلغ)
إذا لم يخلف الميت ما يكفى للحج من بلده حج عنه من حيث يبلغ، وإن كان عليه دين لآدمي تحاصا ويؤخذ للحج بحصته فيحج بها من حيث يبلغ) قال الامام أحمد في رجل أوصى أن يحج عنه ولا يبلغ النفقة قال يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من غير مدينته وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتموا منه ما استطعتم " ولانه قدر على اداء بعض الواجب فلزمه كالزكاة، وعن أحمد ما يدل على أن الحج يسقط لانه قال في رجل أوصى بحجة واجبة ولم يخلف ما يتم به حجة هل يحج عنه من المدينة أو من حيث تتم الحجة فقال: ما يكون
الحج عندي إلا من حيث وجب عليه وهذا تنبيه على سقوطه عمن عليه دين لا تفي تركته به وبالحج فانه إذا أسقطه مع عدم المعارض فمع المعارضة بحق الآدمي المؤكد أولى، ويحتمل أن يسقط عمن عليه دين وجها واحدا لان حق الآدمي المعين أولى بالتقديم لتأكده وخفة حق الله تعالى مع عدم امكانه على الوجه الواجب (مسألة) (فان وصى بحج تطوع ولم يف ثلثه بالحج من بلده حج به من حيث يبلغ، أو يعان به في الحج نص عليه) وقال التطوع ما يبالي من حيث كان ويستناب عن الميت ثقة بأقل ما يوجد إلا أن يرضى الورثة بزيادة أو يكون قد أوصى بشئ فيجوز ما أوصى به ما لم يزد على الثلث (فصل) ويستحب أن يحج الانسان عن أبويه إذا كانا ميتين أو عاجزين لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين فقال " حج عن أبيك واعتمر " وسألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج قال " حجي عن أبيك " ويستحب البداءة بالحج عن الام إن كان تطوعا أو واجبا عليهما.
نص عليه أحمد في التطوع لان الام مقدمة في البر لما روى أبو هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أمك " قال ثم من؟ قال " أبوك " متفق عليه وإن كان الحج واجبا على الاب دونها بدأ به لانه واجب فكان أولى من التطوع، وقد روى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا حج الرجل عن والديه تقبل منه ومنهما، واستبشرت أرواحهما في السماء، وكتب عند الله برا " وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الابرار " وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حج عن أبيه أو أمه فقد قضى عنه حجته وكان له فضل عشر حجج " رواهن الدارقطني
(فصل) قال الشيخ رحمه الله: ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح إذا كان بالغا عاقلا، وعن أن المحرم من شرائط لزوم الاداء
اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في وجود المحرم في حق المرأة فروي عنه أن الحج لا يجب على المرأة إذا لم تجد محرما وهذا ظاهر كلام الخرقي وقال أبو داود قلت لاحمد امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل وجب عليها الحج؟ قال لا وقال المحرم من السبيل.
وهذا قول الحسن والنخعي واسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر وروي عنه أنه من شرائط لزوم السعي دون الوجوب فعلى هذه الرواية متى كملت لها الشرائط الخمس وفاتها الحج بموت أو مرض لا يرجى برؤه أخرج عنها حجة لان شروط الحج المختصة بها قد كملت وانما المحرم لحفظها فهو كتخلية الطريق وامكان المسير وعنه رواية ثالثة ان المحرم ليس بشرط في الحج الواجب قال الاثرم سمعت احمد يسئل هل يكون الرجل محرما لام أمرأته يخرجها إلى الحج فقال أما في حجة الفريضة فارجو لانها تخرج إليها مع نساء ومع كل من أمنته وأما في غيرها فلا، والمذهب الاول وقال ابن سيرين ومالك والاوزاعي والشافعي ليس المحرم شرطا في حجها بحال قال ابن سيرين تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به، وقال مالك تخرج مع جماعة النساء، وقال الشافعي تخرج مع حرة مسلمة ثقة، وقال الاوزاعي تخرج مع قوم عدول تتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل الا أن يأخذ برأس البعير وتضع رجله على ذراعه قال ابن
المنذر تركوا القول بظاهر الحديث واشترط كل واحد منهم شرطا لا حجة معه عليه واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة، وقال لعدي بن حاتم يوشك أن تخرج الظعينة تؤم البيت لاجوار معها لا تخاف الا الله ولانه سفر واجب فلم يشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار.
ولنا ما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم الا ومعها ذو محرم " وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يخلون رجل بامرأة الا ومعها ذو محرم " فقام رجل فقال يارسول الله إني كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انطلق فاحجج مع امرأتك " متفق عليهما وروى ابن عمر وأبو سعيد رضي الله عنه نحوا من حديث أبي هريرة قال أبو عبد الله أما أبو هريرة فيقول يوم وليلة ويروى عن أبي هريرة
لا تسافر سفرا أيضا، وأما حديث أبي سعيد فيقول ثلاثة أيام قلت ما تقول أنت؟ قال لا تسافر سفرا قليلا ولا كثيرا الا مع ذي محرم.
وروى الدارقطني باسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لاتحجن امرأة الا ومعها ذو محرم " وهذا نص صريح في الحكم ولانها أنشأت سفرا في دار الاسلام فلم يجز بغير محرم كحج التطوع وحديثهم محمول على الرجل بدليل أنهم شرطوا خروج غيرها معها فجعل ذلك الغير المحرم الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا أولى مما اشترطوه بالتحكم من غير دليل ويحتمل
انه أراد ان الزاد والراحلة توجب الحج مع كمال بقية الشروط ولذلك اشترطوا تخلية الطريق وامكان المسير وقضاء الدين ونفقة العيال واشترط مالك امكان الثبوت على الراحلة وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم شرطا في محل النزاع من عند نفسه لامن كتاب ولا سنة فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط ولو قدر التعارض فحديثنا أصح وأخص واولى بالتقديم وحديث عدي يدل على وجود السفر لا على جوازه ولذلك لم يجزه في غير الحج المفروض ولم يذكر فيه خروج غيرها معها، وأما الاسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار فان سفرها سفر ضرورة لا يقاس عليه حالة الاختيار ولذلك تخرج فيه وحدها ولانها تدفع ضررا متيقنا بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلا.
(فصل) والمحرم زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كابنها وأبيها وأخيها من نسب أو رضاع وربيبها ورابها لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا الا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها " رواه مسلم وكذلك من تحرم عليه بالمصاهرة بسبب مباح لانها محرمة عليه على التأبيد أشبه التحريم بالنسب قال احمد ويكون زوج أم المرأة محرما لها يحج بها ويسافر الرجل مع أم ولد جده وإذا كان أخوها من الرضاعة خرجت معه وقال في أم امرأته يكون محرما لها في الفرض دون غيره.
قال الاثرم كأنه ذهب إلى أنها لم تذكر في قوله تعالى (ولا يبدين زينتهم) الآية فأما من تحل
له في حال كزوج أختها فليس بمحرم لها نص عليه لانه ليس بحرام عليها على التأبيد ولا يباح له النظر إليها وليس العبد محرما لسيدته نص عليه احمد، وقال الشافعي هو محرم لها وحكاه بعض أصحابنا عن أحمد لانه يباح له النظر إليها فكان محرما لها كذي رحمها ولنا ما روى سعيد في سننه باسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " سفر المرأة مع عبدها ضيعة " ولانه غير مأمون عليها ولا تحرم عليه على التأبيد أشبه الاجنبي وقياسه على ذي الرحم لا يصح لانه مأمون عليها بخلاف العبد ولا يلزم من اباحة النظر إليها أن يكون محرما فانه يجوز النظر إلى القواعد من النساء ويجوز لغير أولى الاربة النظر إلى الاجنبية وليس محرما لها.
(فصل) وأما الموطوءة بشبهة والمزني بها وابنتها فليس بمحرم لهما وعنه أنه محرم والاول أولى لان تحريمها بسبب غير مباح فلم يثبت به حكم المحرمية كالتحريم الثابت باللعان وليس له الخلوة بهما والنظر اليهما لذلك، والكافر ليس بمحرم للمسلمة وإن كانت ابنته.
قال الامام أحمد في يهودي أو نصراني أسلمت أبنته لا يزوجها ولا يسافر بها ليس هو لها بمحرم، وقال أبو حنيفة والشافعي هو محرم لها لانها محرمة عليه على التأبيد ولنا أن أثبات المحرمية يقتضي الخلوة بها فوجب أن لا يثبت لكافر على مسلمة كالحضانة للطفل ولانه لا يؤمن عليها أن يفتنها عن دينها كالطفل وما ذكروه يبطل بالمحرمة باللعان وبالمجوسي مع ابنته، ولا ينبغي أن يكون في المجوسي خلاف لانه لا يؤمن عليها ويعتقد حلها، نص عليه أحمد في المحرم،
ويشترط في المحرم أن يكون بالغا عاقلا قيل لاحمد فيكون الصبي محرما؟ قال لا حتى يحتلم لانه لا يقوم بنفسه فكيف تخرج معه امرأة وذلك لان المقصود بالمحرم حفظ المرأة ولا يحصل ذلك من غير البالغ لانه يحتاج إلى حفظ فلا يقدر على حفظ غيره (فصل) ونفقة المحرم في الحج عليها نص عليه أحمد لانه من سبيلها فكان عليها نفقته كالراحلة فعلى هذا يعتبر في استطاعتها أن تملك زادا وراحلة لها ولمحرمها، فان امتنع محرمها من الحج معها
مع بذلها له نفقته فهي كمن لا محرم لها، وهل يلزمه اجابتها إلى ذلك على روايتين، والصحيح أنه لا يلزمه لان في الحج مشقة شديدة وكلفة عظيمة فلا يلزم أحدا لاجل غيره كما لم يلزمه أن يحج عنها إذا كانت مريضة (مسألة) (فان مات المحرم في الطريق مضت في حجها ولم تصر محصرة)
إذا مات محرم المرأة في الطريق فقال الامام أحمد رحمه الله إذا تباعدت مضت فقضت الحج
خاصة فهو آكد ثم قال بدلها من أن ترجع وهذا لابد لها من السفر بغير محرم فمضيها إلى قضاء حجتها
أولى، لكن إن كان حجها تطوعا وأمكنها الاقامة ببلد فهو أولى من السفر بغير محرم، وإن مات وهي قريبة رجعت لتقضي العدة في منزلها لانها في حكم المقيم
(مسألة) (ولا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره ولا نذره ولا نافلة فان فعل انصرف إلى حجة الاسلام، وعنه يقع ما نواه) وجملة ذلك أنه ليس لمن لم يحج حجة الاسلام أن يحج عن غيره، فان فعل وقع احرامه عن حجة الاسلام، وبهذا قال الاوزاعي والشافعي واسحاق، وقال أبو بكر عبد العزيز يقع الحج باطلا ولا يصح عنه ولا عن غيره وروي ذلك عن ابن عباس، لانه لما كان من شرط طواف الزيارة تعيين النية فمتى نواه لغيره لم يقع عن نفسه، ولهذا لو طاف حاملا لغيره ولم ينوه لنفسه لم يقع عن نفسه، وقال الحسن وابراهيم وأيوب السختياني وجعفر بن محمد ومالك وأبو حنيفة يجوز أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه، وعن أحمد مثل ذلك، وقال الثوري إن كان يقدر على الحج عن نفسه حج عن نفسه، وإن لم يقدر حج عن غيره، واحتجوا بأن الحج مما تدخله النيابة فجاز أن يؤديه عن غيره من لم يؤد فرضه عن نفسه كالزكاة
ولنا ماروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شبرمة؟ " قال قريب لي، قال " هل حججت قط؟ " قال لا، قال " فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " وراه الامام أحمد وأبو داود وابن ماجة وهذا لفظه، ولانه حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه فلم يقع عن الغير كما لو كان صبيا، ويفارق الزكاة فانه يجوز أن ينوب عن الغير وقد بقى عليه بعضها وههنا لا يجوز أن ينوب عن الغير من شرع في الحج قبل اتمامه ولا يطوف عن نفسه
(فصل) فان أحرم بالمنذورة من عليه حجة الاسلام وقع عن حجة الاسلام لانها آكد وعنه يقع عن المنذورة لقوله صلى الله عليه وسلم " وانما لكل امرئ ما نوى " فإذا قلنا يقع عن حجة الاسلام بقيت المنذورة في ذمته ولم تسقط عنه نص عليه أحمد وهذا قول ابن عمر وأنس وعطاء لانها حجة واحدة فلم تجزئ عن حجتين كما لو نذر حجتين فحج واحدة، وقد نقل أبو الخطاب عن أحمد فيمن نذر أن يحج وعليه حجة مفروضة فأحرم عن النذر وقعت عن المفروضة ولا يجب عليه شئ آخر وصار كمن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم في يوم من رمضان فنواه عن فرضه ونذره فانه يجزئه في رواية ذكره الخرقي
وهذا قول ابن عباس وعكرمة رواه سعيد بن منصور عنهما، وروي أن عكرمة سئل عن ذلك فقال: تقضي حجته عن نذره وعن حجة الاسلام أرأيتم لو أن رجلا نذر أن يصلي أربع ركعات فصلى العصر أليس ذلك يجزئه منهما؟ قال وذكرت ذلك لابن عباس فقال أصبت أو أحسنت (فصل) فان أحرم يتطوع، أو نذر من عليه حجة الاسلام وقع عن حجة الاسلام، وبه قال ابن عمر وأنس والشافعي، وقال مالك والثوري وأبو حنيفة واسحاق وابن المنذر يقع مانواه وهي رواية عن أحمد وقول أبي بكر لما تقدم
ولنا أنه أحرم بالحج وعليه فريضة فوقع عن فرضه كالمطلق، ولو أحرم بتطوع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة لانها واجبة أشبهت حجة الاسلام والعمرة كالحج فيما ذكرنا لانها أحد النسكين
أشبهت الآخر والنائب كالمنوب عنه في هذا، فمتى أحرم النائب بتطوع أو نذر عمن لم يحج حجة الاسلام وقع عن حجة الاسلام سواء حج عن ميت أو حي لان النائب يجري مجرى المنوب عنه، وإن استناب رجلين في حجة الاسلام ومنذور أو تطوع فأيهما سبق بالاحرام وقعت حجته عن حجة الاسلام ممن هي فكذلك من نائبه
(فصل) وإذا كان الرجل قد أسقط فرض أحد النسكين عنه جاز أن ينوب عن غيره فيه دون الآخر، وليس للصبي والعبد أن ينوبا في الحج عن غيرهما لانهما لم يسقطا عن أنفسهما فهما كالحر البالغ في ذلك، ويحتمل أن لهما النيابة في حج التطوع دون الفرض لانهما من أهل التطوع دون الفرض ولا يمكن أن تقع الحجة التي نابا فيها عن فرضهما لكونهما ليسا من أهله فبقيت لمن فعلت عنه (مسألة) (وهل يجوز لمن يقدر على الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع على روايتين الاستنابة في حج التطوع تنقسم إلى ثلاثة أقسام
(أحدها) أن يكون ممن لم يؤد حجة الاسلام فلا يصح أن يستنيب في حج التطوع لانه لا يصح ان يفعله بنفسه فبنائبه أولى (الثاني) أن يكون ممن قد أدى حجة الاسلام وهو عاجز عن الحج بنفسه فيجوز أن يستنيب في التطوع، فان ما جازت الاستنابة في فرضه جازت في نفله كالصدقة
(الثالث) أن يكون قادرا على الحج وقد أسقط فرضه ففيه روايتان (احداهما) يجوز وهو قول أبي حنيفة لانها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب (والثانية) لا يجوز وهو مذهب الشافعي لانه قادر على الحج بنفسه فلم يجز أن يستنيب فيه كالفرض
(فصل) فان عجز عنه عجزا مرجو الزوال كالمريض الذي يرجى برؤه والمحبوس جاز أن
يستنيب فيه لانه حج لا يلزمه عجز عن فعله بنفسه فجاز أن يستنيب فيه كالشيخ الكبير والفرق بينه وبين
الفرض أن الفرض عبادة العمر فلا يفوت بتأخيره عن هذا العام والتطوع مشروع في كل عام فيفوت حج هذا العام بتأخيره، ولان حج الفرض إذا مات قبل فعله فعل عنه بعد موته بخلاف التطوع (باب المواقيت) (مسألة) (ميقات أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة وأهل اليمن يلملم وأهل نجد قرن وأهل المشرق ذات عرق)
للحج ميقاتان ميقات زمان وميقات مكان فأما مواقيت المكان فهي الخمسة المذكورة، وقد أجمع أهل العلم على أربعة منها وهي ذوالحليفة والجحفة وقرن ويلملم واتفق أئمة النقل على صحة الحديث عن النبي (ص) فيها، فروى ابن عباس رضي الله عنه قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة ذا الحليفة، ولاهل الشام الحجفة، ولاهل نجد قرن، ولاهل اليمن يلملم قال " فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة " فمن كان دونهن مهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها، وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن " قال ابن عمر وذكر لي ولم أسمعه أنه قال وأهل اليمن من يلملم، متفق عليهما، وذات عرق ميقات أهل المشرق في قول أكثر أهل العلم منهم مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي، قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن احرام العراقي من ذات عرق احرام من الميقات، وقد روي عن أنس رض الله عنه أنه كان يحرم من العقيق واستحسنه الشافعي وابن المنذر وابن عبد البر، وكان الحسن بن صالح يحرم من الربذة، وروي ذلك عن حصين والقاسم بن عبد الرحمن وروى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المشرق العقيق.
قال الترمذي هو حديث حسن.
قال ابن عبد البر: هو أولى وأحوط من ذات عرق وذات عرق ميقاتهم باجماع، واختلف أهل العلم فيمن وقت ذات عرق، فروى أبو داود والنسائي وغيرهما باسنادهم عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لاهل العراق ذات عرق وعن أبي الزبير أنه سمع جابرا سئل عن المهل فقال سمعته احسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الاخرى من الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن " رواه مسلم وقال قوم آخرون انما وقتها عمر رضي الله عنه فروى البخاري باسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما فتح هذان المصران أتو عمر رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لاهل نجد قرنا وهو جور عن طريقنا وانا ان أردنا قرنا شق علينا قال انظروا حذوها من طريقكم، فحدلهم ذات عرق، ويجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا توقيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات عرق فقال ذلك برأيه فاصاب ماوقته النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان موفقا للصواب رضي الله عنه وإذا ثبت توقيتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر فالاحرام منه أولى (فصل) وإذا كان الميقات قرية فانتقلت إلى مكان آخر فموضع الاحرام من الاولى وان انتقل الاسم إلى الثانية لان الحكم تعلق بذلك الموضع فلا يزول بخرابه، وقد رأى سعيد بن جبير رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فاخذه حتى خرج من البيوت وقطع الوادي فأتى به المقابر فقال هذه ذات عرق الاولى فهذه المواقيت لاهلها ولمن مر عليها من غيرهم وجملة ذلك أن من سلك طريقا فيها ميقات فهو ميقاته ان أراد الحج أو العمرة فإذا حج الشامي من المدينة فمر بذي الحليفة فهي ميقاته وان حج من اليمن فميقاته يلملم وان حج من العراق فميقاته ذات عرق، وهكذا كل من مر على ميقات غير ميقات بلده صار ميقاتا له، سئل الامام أحمد رحمه الله تعالى عن الشامي يمر بالمدينة يريد الحج من أين يهل قال من ذي الحليفة قيل فان بعض الناس يقولون يهل
من ميقاته من الجحفة فقال سبحان الله اليس يروي ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " وهذا قول الشافعي واسحاق وقال أبو ثور في الشامي يحرم بالمدينة له أن يحرم من الجحفة وهو قول اصحاب الرأي وكانت عائشة رضي الله عنها إذا أرادت الحج
أحرمت من ذي الحليفة وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة ولعلهم يحتجون بان النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل الشام الجحفة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن " ولانه ميقات فلم يجز تجاوزه بغير احرام لمن يريد النسك كسائر المواقيت وخبرهم أريد به من لم يمر على ميقات آخر بدليل مالو مر بميقات غير ذي الحليفة لم يجز تجاوزه بغير احرام بغير خلاف، وقد روى سعيد بن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لمن ساحل من أهل الشام الجحفة والحج والعمرة سواء في هذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد حجا أو عمرة " (فصل) فان مر من غير طريق ذي الحليفة فميقاته الجحفة سواء كان شاميا أو مدنيا لما روى أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال سمعته أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة " رواه مسلم، ولانه مر على أحد المواقيت دون غيره فلم يلزمه الاحرام قبله كسائر المواقيت ولعل أبا قتادة حين أحرم أصحابه دونه في قصة صيد الحمار الوحشي انما ترك الاحرام لانه لم يمر على ذي الحليفة فأخر احرامه إلى الجحفة ويمكن حمل حديث عائشة في تأخيرها احرام العمرة إلى الجحفة على هذا، وأنها لا تمر في طريقها على ذي الحليفة لئلا يكون فعلها مخالفا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسألة) (ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه يعني إذا كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات كان ميقاته سكنه) هذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وعن مجاهد قال يهل من مكة والصحيح الاول، فان النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عباس " فمن كان دونهن مهله من أهله " وهذا صريح فالعمل به أولى (فصل) إذا كان مسكنه قرية فالافضل أن يحرم من أبعد جانبيها، وإن أحرم من أقرب جانبيها جاز، وهكذا القول في المواقيت التى وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت قريبة والحلة كالقرية فيما ذكرنا وإن كان مسكنه منفردا فميقاته مسكنه أو حذوه وكل ميقات فحذوه بمنزلته، ثم إن كان مسكنه في الحل فاحرامه منه للحج والعمرة معا، وإن كان في الحرم فاحرامه للعمرة من الحل ليجع في النسك
بين الحل والحرم كالمكي، وأما الحج فينبغي أن يجوز له الاحرام من أي الحرم شاء كالمكي
(مسألة) (وأهل مكة إذا ارادوا العمرة فمن الحل، وإن أرادوا الحج فمن مكة) أهل مكة من كان بها سواء كان مقيما بها أو غير مقيم لان كل من أتى على ميقات كان ميقاتا له لما ذكرنا فكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج، وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافا ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن يعمر عائشة رضي الله عنها من التنعيم وكانت بمكة يومئذ وهذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم " حتى أهل مكة يهلون منها " يعني للحج، وقال أيضا " ومن كان أهله دون الميقات فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك على أهل مكة " وهذا في الحج فأما في العمرة فميقتاتها في حقهم الحل من أي جوانب الحرم شاء لحديث عائشة رضي الله عنها حين أعمرها من التنعيم وهو أدنى الحل.
قال ابن سيرين: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لاهل مكة التنعيم، وقال ابن عباس: يا أهل مكة من أتى منكم العمرة فليجعل بينه وبينها بطن محسر، يعني إذا أحرم بها من ناحية المزدلفة، وانما لزم الاحرام من الحل ليجمع في النسك بين الحل والحرم فانه لو أحرم من الحرم لما جمع بينهما فيه لان أفعال العمرة كلها في الحرم بخلاف الحج فانه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة ليجمع له الحل والحرم ومن أي الحل أحرم جاز، وانما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها من التنعيم لانه أقرب الحل إلى مكة وقد روي عن الامام أحمد رحمه الله تعالى في المكي كلما تباعد في العمرة فهو أعظم للاجر على قدر تعبها، وأما إذا أراد المكي الاحرام بالحج فمن مكة للخبر المذكور،
ولان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فسخوا الحج أمرهم فأحرموا من مكة، قال جابر رضي الله عنه أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحرم إذا توجهنا من الابطح، رواه مسلم، وهذا يدل على أنه لا فرق بين قاطني مكة وغيرهم ممن هو بها كالمتمتع إذا حل ومن فسخ حجه بها ونقل عن الامام أحمد رحمه الله تعالى فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنه يهل بالحج من الميقات، فان لم يفعل فعليه دم والصحيح ما ذكرنا أولا، وقد دلت عليه الاحاديث الصحيحة،
ويحتمل أن أحمد أنما أراد أن الدم يسقط عنه إذا خرج إلى الميقات فأحرم ولا يسقط إذا أحرم من مكة وهذا في غير المكي، أما المكي فلا يجب عليه دم متعة بحال لقوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وذكر القاضي فيمن دخل مكة يحج عن غيره ثم أراد أن يعتمر بعده لنفسه أو بالعكس، أو دخل بعمرة لنفسه ثم أراد أن يحج أو يعتمر لغيره، أو دخل بعمرة لغيره ثم أراد أن يحج أو يعتمر لنفسه، أنه في جميع ذلك يخرج إلى الميقات فيحرم منه، فان لم يفعل فعليه دم قال: وقد قال الامام أحمد في رواية عبد الله: إذا اعتمر عن غيره ثم أراد الحج لنفسه يخرج إلى الميقات أو اعتمر عن نفسه يخرج إلى الميقات، فان دخل مكة بغير احرام ثم أراد الحج يخرج إلى الميقات، واحتج له القاضي بأنه جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم لنفسه فلزمه دم إذا أحرم دونه كمن جاوز
الميقات غير محرم، وعلى هذا لو حج عن شخص واعتمر عن آخر أو اعتمر عن انسان ثم حج أو اعتمر عن آخر فكذلك والذي ذكره شيخنا رحمه الله تعالى أنه لا يلزمه الخروج إلى الميقات في هذا كله وهو ظاهر كلام الخرقي رحمه الله تعالى لما ذكرنا لان كل من كان بمكة كالقاطن بها وهذا قد حصل بمكة حلالا على وجه مباح فأشبه المكي وما ذكره القاضي تحكم بغير دليل، والمعنى الذي ذكره لا يصح لوجوه (أحدها) انه لا يلزم أن يكون مريدا للنسك لنفسه حال مجاوزته الميقات لانه قد يبدو له بعد ذلك (الثاني) أن هذا لا يتناول من أحرم عن غيره (الثالث) لو وجب بهذا الخروج إلى الميقات لزم المتمتع والمفرد لانهما جاوزا الميقات غير مريدين للنسك الذي أحرما به (الرابع) ان المعنى في الذي تجاوز الميقات غير محرم أنه فعل مالا يحل له فعله وترك الاحرام الواجب عليه في موضعه فأحرم من دونه (فصل) ومن أي الحرم أحرم بالحج جاز لان المقصود من الاحرام به الجمع في النسك بين الحل والحرم وهو حاصل بالاحرام من أي موضع كان من الحرم فجاز كما يجوز الاحرام بالعمرة من
أي موضع كان من الحل، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه في حجة الوداع " إذا أردتم ان تنطلقوا إلى منى فأهلوا من البطحاء، ولان ما اعتبر فيه الحرم استوت البلدة وغيرها فيه كالنحر
(فصل) وان أحرم بالحج من الحل الذي يلي الموقف فعليه دم لانه أحرم من دون الميقات وان أحرم من الجانب الآخر ثم سلك الحرم فلا شئ عليه نص عليه احمد فيمن أحرم بالحج من التنعيم فقال ليس عليه شئ لانه أحرم قبل ميقاته فكان كالمحرم قبل بقية المواقيت وان لم يسلك الحرم فعليه دم لكونه لم يجمع في النسك بين الحل والحرم
(مسألة) (ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم) ومن سلك طريقا بين ميقاتين اجتهد حتى يكون احرامه بحذو الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه لان أهل العراق قالوا لعمر رضي الله عنه إن قرنا جور على طريقنا قال انظروا حذوها من طريقكم، فوقت لهم ذات عرق ولان هذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير فان اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة وإن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط فاحرم من بعد بحيث يتيقن انه لم يجاوز الميقات الا محرما لان الاحرام قبل الميقات جائز وتأخيره عنه غير جائز فالاحتياط فعل ما ذكرنا ولا يلزمه
الاحرام حتى يعلم أنه قد حاذاه لان الاصل عدم وجوبه فلا يجب بالنسك فان أحرم ثم علم بعد أنه
قد جاوز ما يحاذي الميقات غير محرم فعليه دم وان شك في أقرب الميقاتين إليه فالحكم فيه كالحكم
في المسألة قبلها فان كانا متساويين في القرب إليه أحرم من حذو أبعدهما (مسألة) (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير احرام الا لقتال مباح أو حاجة متكررة كالحطاب ونحوه ثم إن بدا له النسك أحرم من موضعه)
من تجاوز الميقات ممن لا يريد النسك ينقسم قسمين (أحدهما) من لا يريد دخول الحرم فهذا لا يلزمه الاحرام بغير خلاف ولا شئ عليه في تركه فان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أتوا بدرا مرتين وكانوا يسافرون للجهاد وغيره فيمرون بذي الحليفة غير محرمين ولا يرون بذلك بأسا فان بدا لهذا الاحرام أحرم من موضعه ولا شئ عليه، وهذا ظاهر
كلام الخرقي وبه يقول مالك والثوري والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وحكى ابن المنذر عن الامام أحمد رحمه الله تعالى في الرجل يخرج لحاجة وهو لا يريد الحج فجاوز ذا الحليفة ثم أراد الحج يرجع إلى ذي الحليفة فيحرم وبه قال اسحاق لانه احرم من دون الميقات فلزمه الدم كالذي يريد دخول الحرم والاول أصح وكلام احمد يحمل على من يجاوز الميقات ممن يجب عليه الاحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج أو العمرة " ولانه حصل دون الميقات على وجه مباح فكان له الاحرام منه كاهل ذلك المكان ولان هذا القول يفضي إلى من كان منزله دون الميقات إذا خرج إلى الميقات ثم عاد إلى منزله وأراد الاحرام لزمه الخروج إلى الميقات ولا قائل به ولانه مخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومن كان منزله دون الميقات فمهله من أهله " (القسم الثاني) من يريد دخول الحرم إلى مكة أو غيرها وهم على ثلاثة اضرب (أحدها) من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة كالحطاب والحشاش وناقل الميرة والفيح ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها فلا احرام عليهم لان النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه المغفر وكذلك أصحابه ولم يعلم أن احدا منهم أحرم ولانا لو اوجبنا الاحرام على من يتكرر دخوله أفضى إلى ان يكون في جميع زمنه محرما فسقط للحرج، وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز لاحد دخول الحرم بغير احرام الا من كان دون الميقات لانه يجاوز الميقات مريدا للحرم فلم يجز بغير احرام
ولنا ما ذكرنا من النص والمعنى، وقد روى الترمذي باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء، وقال حديث حسن صحيح ومتى أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات
أحرم من موضعه كالقسم الذي قبله وفيه من الخلاف ما فيه (الضرب الثاني) من لا يجب عليه الحج كالعبد والصبي والكافر إذا أسلم بعد تجاوز الميقات أو عتق العبد أو بلغ الصبي وأرادوا الاحرام فانهم يحرمون من موضعهم ولا دم عليهم وبه قال عطاء ومالك والثوري والاوزاعي واسحاق وبه قال أصحاب الرأي في الكافر يسلم والصبي يبلغ وقالوا في العبد عليه دم وقال الشافعي في جميعهم على كل واحد منهم دم وعن احمد في الكافر يسلم كقوله واختارها ابو بكر، وقال القاضي وهي أصح ويتخرج في الصبي والعبد كذلك قياسا على الكافر يسلم لانهم تجاوزوا الميقات بغير احرام واحرموا دونه فوجب الدم كالمسلم البالغ العاقل ولنا أنهم احرموا من الموضع الذي وجب عليهم الاحرام منه فاشبهوا المكي ومن قريته دون الميقات إذا أحرم منها وفارق من يجب عليه الاحرام إذا تركه لانه ترك الواجب عليه (الضرب الثالث) المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا يجب الاحرام عليه، وعن أحمد ما يدل على ذلك لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه دخلها بغير احرام، ولانه أحد الحرمين
شبه حرم المدينة، ولان الوجوب من الشارع ولم يرد به إيجاب ذلك على كل داخل فيبقى على الاصل ولنا أنه لو نذر دخولها لزمه الاحرام، ولم لم يكن واجبا لم يجب بنذر الدخول كسائر البلدان إذا ثبت ذلك فمتى أراد الاحرام بعد تجاوز الميقات فالحكم فيه كمن تجاوزه مريد النسك (فصل) ومن دخل الحرم بغير احرام ممن يريد الاحرام فلا قضاء عليه وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة يجب عليه أن يأتي بحج أو عمرة، فان أتى بحجة الاسلام في سنته أو منذورة أو عمرة أجزأه عن عمرة الدخول استحسانا لان مروره على الميقات مريدا للحرم يوجب الاحرام، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالنذر ولنا انه مشروع لتحية المبقعة فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد فان قيل تحية المسجد غير واجبة قلنا الا ان النوافل المرتبات تقضي وانما سقط القضاء لما ذكرنا فاما أن تجاوز الميقات ورجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه بغير خلاف سواء أراد النسك أولا
(فصل) ومن كان منزله دون الميقات خارجا من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الاحوال الثلاث لان موضعه ميقاته فهو في حقه كالمواقيت لاهل الآفاق (مسألة) (ومن جاوزه مريدا النسك غير محرم رجع من الميقات فأحرم منه، فان أحرم من موضعه فعليه دم وإن رجع إلى الميقات) وجملته أن من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم يجب عليه أن يرجع إلى الميقات ليحرم منه إذا أمكنه لانه واجب أمكنه فعله فلزمه كسائر الواجبات، وسواء تجاوزه عالما به أو جاهلا علم تحريم
ذلك أو جهله، فان رجع إليه فأحرم منه فلا شئ عليه لا نعلم في ذلك خلافا، وبه قال جابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير والثوري والشافعي لانه أحرم من الميقات الذي أمر بالاحرام منه فلم يلزمه شئ كما لو لم يتجاوزه، وإن أحرم من دون الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع، وبه قال مالك وابن المبارك وظاهر مذهب الشافعي أنه إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه إلا أن يكون قد تلبس بشئ من أفعال الحج كالوقوف وطواف القدوم فيستقر الدم عليه، قالوا لانه حصل محرما في الميقات قبل التلبس بأفعال الحج فلم يلزمه دم كما لو أحرم عنه، وعن أبي حنيفة إن رجع إلى الميقات فلبي سقط عنه الدم، وإن لم يلب لم يسقد عنه، وعن عطاء والحسن والنخعي لا شئ على من ترك الميقات ولنا ماروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من ترك نسكا فعليه دم " روي موقوفا ومرفوعا، ولانه أحرم دون ميقاته واستقر عليه الدم كما لو لم يرجع أو كما لو طاف عند الشافعي، وكما لو لم يلب عند ابي حنيفة، ولان الدم وجب بتركه الاحرام من الميقات ولا يزول هذا برجوعه ولا بتلبيته لان الاصل بقاء ما وجب وفارق ما إذا رجع قبل احرامه فأحرم منه، فانه لم يترك الاحرام منه ولم يهتكه (فصل) ولو أفسد المحرم من دون الميقات حجه لم يسقط عنه الدم، وبه قال الشافعي واسحاق وأبو ثور وابن المنذر، وقال الثوري وأصحاب الرأي يسقط لان القضاء واجب
ولنا أنه وجب عليه بموجب هذا الاحرام فلم يسقط بوجوب القضاء كبقية المناسك وكجزاء الصيد (فصل) وإن جاوز الميقات غير محرم وخشي إن رجع إلى الميقات فوات الحج جاز أن يحرم من موضعه بغير خلاف نعلمه ويجزئه الحج إلا أنه روي عن سعيد بن جبير، من ترك الميقات فلا حج له: والاول مذهب الجمهور لانه لو كان من أركان الحج لم يختلف باختلاف الناس والاماكن كالوقوف والطواف، وإذا أحرم من دون الميقات عند خوف الفوات فعليه دم لا نعلم فيه خلافا عند من أوجب الاحرام من الميقات لحديث ابن عباس، وانما أبحنا له الاحرام من موضعه مراعاة لادراك الحج فان مراعاة ذلك أولى من مراعاة واجب فيه مع فواته، ومن لم يمكنه الرجوع لعدم الرفقة أو الخوف من عدو، أو لص، أو مرض، أو لا يعرف الطريق ونحو هذا مما يمنع الرجوع فهو كالخائف الفوات في أنه يحرم من موضعه وعليه دم (مسألة) والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته ولا يحرم بالحج قبل أشهره فان فعل فهو محرم)
الافضل الاحرام من الميقات ويكره قبله روي نحو ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وعطاء ومالك واسحاق، وقال أبو حنيفة: الافضل الاحرام من بلده، وعن الشافعي كالمذهبين، وكان علقمة والاسود وعبد الرحمن يحرمون من بيوتهم، واحتجوا بما روى عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الاقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة " شك عبد الله أيتهما قال رواه أبو داود، وأحرم ابن عمر من ايلياء، وروى النسائي وأبو داود باسنادهما عن الضبي بن معبد قال: أهللت بالحج والعمرة فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهل بهما فقال أحدهما: ما هذا بأفقه من بعيره فأتيت عمر فذكرت ذلك له فقال لي: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وهذا احرام به قبل الميقات، وروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما في قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) انما هو أن تحرم بهما من دويرة أهلك ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات ولا يفعلون إلا الافضل (1) فان قيل انما فعل
ليبين الجواز قلنا قد حصل بيان الجواز بقوله كما في سائر المواقيت، ثم لو كان كذلك لكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحرمون من بيوتهم ولما تواطؤا على ترك الافضل واختيار الادنى وهم أفضل الخلق ولهم من الحرص على الفضائل والدرجات مالهم، وروى أبو يعلى الموصلي باسناده عن ابي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يستمتع أحدكم بحله ما استطاع فانه لا يدري ما يعرض له في احرامه " وروى الحسن أن عمران بن حصين أحرم من مصره فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فغضب وقال: يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من مصره، وقال إن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان رضي الله عنه لامه فيما صنع وكرهه له، رواهما سعيد والاثرم، وقال البخاري كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، ولانه أحرم قبل الميقات فكره كالاحرام بالحج قبل أشهره، ولانه تغرير بالاحرام وتعريض لفعل محظوراته وفيه مشقة على النفس فكره كالوصال في الصوم، قال عطاء انظروا هذه المواقيت التي وقت لكم فخذوا برخص الله فيها، فانه عسى أن يصيب أحدكم ذنبا في احرامه فيكون أعظم لوزره فان الذنب في الاحرام أعظم من ذلك فأما حديث الاحرام من بيت المقدس ففيه ضعف يرويه ابن أبي فديك ومحمد بن اسحاق وفيهما مقال ويحتمل اختصاص هذا ببيت المقدس دون غيره ليجمع بين الصلاة في المسجدين في احرام واحد، ولذلك أحرم ابن عمر منه ولم يكن يحرم من غيره إلا من الميقات، وقول عمر رضي الله عنه للضبي:
هديت لسنة نبيك يعني في الجمع بين الحج والعمرة لا في الاحرام من قبل الميقات، فان سنة النبي صلى الله عليه وسلم الاحرام من الميقات بين ذلك بفعله وقوله، وقد تبين أنه لم يرد ذلك بانكاره على عمران بن حصين حين أحرم من مصره، وأما قول عمر وعلي رضي الله عنهما فانما قالا اتمام العمرة أن تنشئها من بلدك، يعني أن تنشي، لها سفرا من بلدك تقصد له ليس أن تحرم بها من أهلك، قال احمد كان سفيان يفسره بهذا، وكذلك فسره به أحمد ولا يصح أن يفسر بنفس الاحرام لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما أحرموا بها من بيوتهم، وقد أمرهم سبحانه باتمام العمرة، فلو حمل قولهم على ذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تاركين الامر، ثم إن عمر وعليا ما كانا يحرمان إلا من الميقات افتراهما يريان أن ذلك ليس
بأتمام لها ويفعلانه؟ هذا لا ينبغي أن يتوهمه أحد، ولذلك أنكر عمر على عمران احرامه من مصره واشتد عليه وكره أن يتسامع الناس مخافة أن يؤخذ به افتراه كره اتمام العمرة واشتد عليه أن يأخذ الناس بالافضل؟ هذا لا يجوز فتعين حمل قولهما على ما حمله عليه الائمة (فصل) ويكره الاحرام بالحج قبل أشهره بغير خلاف علمناه لكونه احراما به قبل وقته فأشبه الاحرام به قبل ميقاته بل الكراهة هنا أشد لان في صحته اختلافا فان أحرم بالحج قبل ميقات المكان صح احرامه بغير خلاف علمناه الا أنه يكره ذلك وقد ذكرناه وان أحرم به قبل أشهره صح أيضا إذا بقي على احرامه إلى وقت الحج نص عليه احمد في رواية جماعة، وهو قول النخعي والثوري وأبي حنيفة ومالك واسحاق، وقال عطاء وطاوس ومجاهد والشافعي يجعله عمرة وذكر القاضي في الشرح رواية مثل ذلك واختارها ابن حامد لقول الله تعالى (الحج أشهر معلومات) تقديره وقت الحج أو اشهر الحج من قبيل حذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه وإذا ثبت أنه وقته لم يصح تقديمه عليه كأوقات الصلوات ولنا قوله تعالى (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) يدل على أن جميع الاشهر ميقات (1) ولانه أحد النسكين فجاز الاحرام به في جميع السنة كالعمرة وأحد الميقاتين فصح الاحرام قبله كميقات المكان والآية محمولة على أن الاحرام به انما يستحب فيها (مسألة) (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وهو ميقات الزمان للحج) هذا قول ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير وعطاء ومجاهد والحسن والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأصحاب الرأي وروى عن عمر وابنه وابن عباس أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقول مالك لان أقل الجمع ثلاثة، وقال الشافعي آخر أشهر الحج ليلة النحر وليس
يوم النحر منها لقوله تعالى (فمن فرض فيهن الحج) ولا يمكن فرضه بعد ليلة النحر ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " يوم الحج الاكبر يوم النحر " رواه أبو داود فكيف يجوز أن يكون يوم الحج الاكبر ليس من أشهره؟ ولانه قول من سمينا من الصحابة ولان يوم النحر فيه ركن الحج وهو طواف
الزيارة وفيه رمي جمرة العقبة والحلق والنحر والسعي والرجوع إلى منى وما بعده ليس من أشهره لانه ليس بوقت لاحرامه ولا لاركانه (1) فهو كالمحرم ولا يمنع التعبير بلفظ الجمع عن شيئين وبعض الثالث فقد قال الله تعالى (يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء) والقروء الطهر عند مالك ولو طلقها في طهر احتسبت بنفسه وبقول العرب ثلاث خلون من ذي الحجة وهم في الثالثة وقوله تعالى (فرض فيهن الحج) أي في أكثرهن والله تعالى أعلم (فصل) فأما العمرة فكل الزمان ميقات لها ولا يكره الاحرام بها في يوم النحر وعرفة وأيام التشريق في أشهر الروايتين وعنه يكره وبه قال أبو حنيفة ولنا أنه زمان لاحرام الحج فلم يكره فيه إحرام العمرة كغيره (باب الاحرام)
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: