الفقه الحنبلي - الحج 1

يستحب لمن أراد الاحرام أن يغتسل قبله
وهو قول طاوس والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل، رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل عند الاحرام، ولان هذه العبادة يجتمع لها الناس فسن لها الاغتسال كالجمعة، وليس ذلك واجبا في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن الاحرام جائز بغير اغتسال وأنه غير واجب وحكي عن الحسن أنه قال: إذا نسي الغسل يغتسل إذا ذكر، قال الاثرم سمعت أبا عبد الله قيل له عن بعض أهل المدينة من ترك الاغتسال عند الاحرام فعليه دم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لاسماء " اغتسلي فكيف الطاهر؟ فأظهر التعجب من هذا القول، وكان ابن عمر يغتسل أحيانا ويتوضأ أحيانا وأي ذلك فعل اجزأه ولا أوجب (1) الاغتسال ولا أمر به إلا لحائض أو نفساء، ولو كان واجبا لامر به غيرهما، ولانه لامر مستقبل فأشبه غسل الجمعة، فان لم يجد ماء، فقال القاضي يتيمم لانه غسل
مشروع فناب التيمم عنه كالواجب، والصحيح أنه غير مسنون لانه غسل غير واجب فلم يستحب التيمم عند عدمه كغسل الجمعة وما ذكره منتقض بغسل الجمعة، والفرق بين الواجب والمسنون أن
الواجب شرع لاباحة الصلاة والتيمم يقوم مقامه في ذلك، والمسنون يراد للتنظيف وقطع الرائحة والتيمم لا يحصل هذا بل يحصل شعثا وتغبيرا، ولذلك افترقا في الطهارة الصفرى فلم يشرع تجديد التيمم ولا تكرار المسح (فصل) ويستحب للمرأة الغسل كالرجل وإن كانت حائضا أو نفساء لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل رواه مسلم، وأمر عائشة أن تغتسل لاهلال الحج وهي حائض.
فان رجت الحائض أو النفساء الطهر قبل الخروج من الميقات استحب لهما تأخير الاغتسال حتى يطهرا ليكون أكمل لهما وإلا اغتسلتا لما ذكرناه (فصل) ويستحب التنظيف بازالة الشعر وقطع الرائحة ونتف الابط وقص الشارب وتقليم الاظفار وحلق العانة لانه أمر يسن له الاغتسال والطيب فسن له هذا كالجمعة، ولان الاحرام يمنع قطع الشعر وتقليم الاظفار فاستحب له فعله قبله لئلا يحتاج إليه في احرامه فلا يتمكن منه (فصل) ويستحب لمن أراد الاحرام أن يتطيب في بدنه خاصة ولا فرق بين ما تبقى عينه كالمسك
أو أثره كالعود والبخور وماء الورد هذا قول ابن عباس وابن الزبير وسعد بن أبي وقاص وعائشة وأم حبيبة ومعاوية رضي الله عنهم وروي عن ابن الحنفية وأبي سعيد وعروة والقاسم والشعبي وابن جريج.
وكان عطاء يكره ذلك، وهو قول مالك وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر رضي الله عنهم واحتج مالك بما روى يعلى بن أمية ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم يعنى ساعة ثم قال " اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك " متفق عليه ولانه يمنع من ابتدائه فمنع من استدامته كاللبس
ولنا قول عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وقالت كاني انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
متفق عليه وفي لفظ لمسلم طيبته بأطيب الطيب وقالت بطيب فيه مسك وحديثهم في بعض الفاظه عليه جبة بها أثر الخلوق رواه مسلم وفي بعضها وهو متضمخ بالخلوق وفي بعضها عليه ردع من زعفران وهذا يدل على أن طيب الرجل كان من الزعفران وهو منهي عنه للرجال في غير الاحرام ففيه أولى وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل ولان حديثهم في سنة ثمان وحديثنا في سنة عشر قال ابن
جريج كان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع قال ابن عبد البر لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالسير والاثار أن قصة صاحب الجبة كانت عام خيبر بالجعرانة سنة ثمان وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر فعند ذلك إن قدر التعارض فحديثنا ناسخ لحديثهم فان قيل فقد روى محمد بن المنتشر قال سألت ابن عمر عن الطيب عند الاحرام فقال لان أطلي بالقطران أحب الي من ذلك قلنا تمام الحديث قال فذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن قد كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف في نسائه ثم يصبح ينضح طيبا فإذا صار الخبر حجة على من أحتج به فان فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة على ابن عمر وغيره وقياسهم يبطل بالنكاح فان الاحرام يمنع ابتداءه دون استدامته (فصل) فان طيب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه فان نزعه فليس له لبسه فان لبسه افتدى لان الاحرام يمنع ابتداء الطيب ولبس المطيب دون الاستدامة وكذا إن نقل الطيب من موضع من بدنه إلى موضع يفتدي لانه ابتدأ الطيب وكذا إن تعمد مسه بيده أو نحاه عن موضعه ثم رده إليه فاما ان عرق الطيب أو ذاب بالشمس فسأل إلى موضع اخر فلا شئ عليه لانه ليس من فعله قالت عائشة رضي الله عنها كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الاحرام فإذا عرقت احدانا سال على وجهها فيرانا النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا رواه أبو داود
(فصل) ويستحب أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين ازارا ورداء لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " وليحرم
أحدكم في ازار ورداء ونعلين " ويستحب أن يكونا نظيفين إما جديدين أو مفسولين لانا أحببنا له التنظيف في بدنه فكذلك في ثيابه كشاهد الجمعة، والاولى أن يكونا أبيضين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير ثيابكم البياض فالبسوها أحياكم وكفنوا فيها موتاكم " رواه النسائي بمعناه (فصل) ويتجرد عن المخيط إن كان رجلا، فأما المرأة فلها ليس لبس المخيط في الاحرام لان المحرم ممنوع من لبسه في شئ من بدنه وهو كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه كالقميص والسراويل والبرنس، ولو لبس ازارا موصلا، أو أتشح بثوب مخيط كان جائزا وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى (مسألة) (ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما) المستحب أن يحرم عقيب الصلاة فان حضرت صلاة مكتوبة أحرم عقيبها وإلا صلى ركعتين تطوعا واحرم عقيبهما وهذا قول عطاء وطاوس ومالك والشافعي والثوري وأبي حنيفة واسحاق وأبي ثور وابن المنذر، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وقد روي عن أحمد أن الاحرام عقيب الصلاة وإذا استوت به راحلته وإذا بدأ السير سواء لان الجميع مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحيحة.
قال الاثرم سألت أبا عبد الله أيما أحب اليك الاحرام في دبر الصلاة أو إذا استوت به راحته؟ قال كل ذلك قد جا، في دبر الصلاة وإذا علا البيداء وإذا استوت به راحلته فوسع في ذلك كله.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة وروي ابن عباس وأنس رضي الله عنهما نحوه.
رواهن البخاري والاولى الاحرام عقيب الصلاة
لما روى سعيد بن جبير قال: ذكرت لابن عباس اهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاحرام حين فرغ من صلاته، ثم خرج فلما ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته واسوت به قائمة أهل فأدرك ذلك منه قوم فقالوا: أهل حين استوت به راحلته وذلك أنهم لم يدركوا إلا ذلك ثم سار حتى علا البيداء فأهل فأدرك ذلك منه ناس فقالوا: أهل حين علا البيداء.
رواه أبو داود
والاثرم وهذا لفظه، وهذا فيه بيان وزيادة فتعين حمل الامر عليه، ولو لم يقله ابن عباس لتعين حمل الامر عليه جمعا بين الاخبار المختلفة وعلى سبيل الاستحباب، وكيفما أحرم جاز.
لا نعلم أحدا خالف في ذلك (مسألة) (وينوي الاحرام بنسك معين ولا ينعقد الا بالنية) يستحب أن يعين ما يحرم به من الانساك، وبه قال مالك وقال الشافعي في أحد قوليه الاطلاق أولى لما روى طاوس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمي حجا ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل ولم يكن معه هدي أن يجعلوها عمرة ولان ذلك أحوط لانه لا يأمن الاحصار أو تعذر فعل الحج فيجعلها عمرة ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالاحرام بنسك معين فقال " من شاء منكم أن يهل بالحج أو عمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل " والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انما أحرموا بمعين لما نذكره إن شاء الله تعالى في الاحاديث الصحيحة، ولان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه في صحبته يطلعون على أحواله ويقتدون به أعلم به من طاوس، ثم إن حديثه مرسل والشافعي لا يحتج بالمراسيل فكيف صار إليه مع مخالفة الروايات الصحيحة المسندة والاحتياط ممكن بأن يجعلها عمرة، فان شاء كان متمتعا، وإن شاء أدخل عليها الحج فصار قارنا (فصل) وينوي الاحرام بقلبه ولا ينعقد الا بالنية لقول البني صلى الله عليه وسلم (انما الاعمال بالنيات) ولانها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة فان لبى من غير نية لم يصر محرما لما ذكرنا وان اقتصر على النية كفاه ذلك وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة لا ينعقد بمجرد النية حتى يضاف إليها التلبية أو سوق الهدي لما روى خلاد بن السائب الانصاري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية قال الترمذي هذا حديث حسن ولانها
عبادة ذات تحريم وتحليل فكان لها نطق واجب كالصلاة ولان الهدي والاضحية لا يجبان بمجرد النية كذلك النسك.
ولنا أنها عبادة ليس في آخرها نطق واجب فلم يكن في أولها كالصيام والخبر المراد به الاستحباب فان منطوقه رفع الصوت ولا خلاف في عدم وجوبه فما هو من ضرورته أولى ولو وجب النطق لم يلزم كونه شرطا فان كثيرا من واجبات الحج غير مشترطة فيه والصلاة في آخرها نطق واجب بخلاف الحج والعمرة وأما الهدي والاضحية فايجاب مال فهو يشبه النذر بخلاف الحج لانه عبادة بدنية فعلى هذا لو نطق بغير ما نواه نحو أن ينوي العمرة فيسبق لسانه إلى الحج أو بالعكس انعقد ما نواه دون ما لفظه به.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على هذا وذلك لان الواجب النية وعليها الاعتماد واللفظ لا عبرة به فلم يؤثر كما لا يؤثر اختلاف النية فيما يعتبر له اللفظ دون النية فان لبى أو ساق الهدي من غير نية لم ينعقد احرامه لان ما اعتبرت له النية لا ينعقد بدونها كالصوم والصلاة (مسألة) (ويشترط فيقول اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني وان حبسني حابس فمحلي حيث حبستي) فان أراد التمتع قال اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها منى وان حبسني حابس فمحلي حيث حبستي وان أراد الافراد قال اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني وبشترط.
وان أراد القران قال اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني وبشترط.
وهذا الاشتراط مستحب ويفيد هذا الشرط شيئين.
(أحدهما) أنه إذا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة ونحوه أن له التحلل (والثاني) أنه متى حل بذلك فلا شئ عليه وممن رأى الاشتراط في الاحرام عمر وعلى وابن مسعود وعمار رضي الله عنهم وبه قال عبيدة السلماني وعلقمة والاسود وشريح وسعيد بن المسيب وعطاء وعكرمة والشافعي بالعراق وأنكره ابن عمر وطاوس وسعيد بن جبير والزهري ومالك وأبو حنيفة وعن أبي حنيفة أن الاشتراط يفيد سقوط الدم فاما التحلل فهو ثابت عنده بكل احصار واحتجوا بان ابن عمر كان ينكر الاشتراط ويقول حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ولانها عبادة تجب باصل الشرع فلم يفد الاشتراط فيها كالصوم والصلاة.
ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير فقالت يارسول الله إني اريد الحج وأنا شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم " حجي واشترطي ان محلي حيث حبستني " متفق عليه
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان ضباعة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إني أريد الحج فكيف أقول؟ قال قولي (لبيك اللهم لبيك ومحلي من الارض حيث تحبسني.
فان لك على ربك ما استثنيت) رواه مسلم ولا قول لاحد مع قول النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يعارض بقول ابن عمر ولو لم يكن فيه حديث لكان قول الخليفتين الراشدين مع من قد ذكرنا قوله من فقهاء الصحابة أولى من قول ابن عمر إذا ثبت هذا فان غير هذا اللفظ مما يؤدي معناه يقوم مقامه لان المقصود المعنى واللفظ انما أريد لتأدية المعنى قال ابراهيم خرجنا مع علقمة وهو يريد العمرة فقال اللهم إني أريد العمرة ان تيسرت والا فلا حرج علي.
وكان شريح يقول اللهم قد عرفت نيتي وما أريد فان كان أمرا تتمه فهو أحب الي والا فلا حرج علي.
وقالت عائشة رضي الله عنها لعروة قل اللهم أني اريد الحج وإياه نويت فان تيسر والا فعمرة.
فان نوى الاشتراط ولم يتلفظ به احتمل أن يصح لانه تابع لعقد الاحرام والاحرام ينعقد بالنية فكذلك تابعه واحتمل أنه لابد من القول لانه اشتراط فاعتبر فيه القول كالاشتراط في النذر والاعتكاف والوقوف ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس " قولي محلي من الارض حيث تحبسني " (مسألة) (وهو مخير بين التمتع والافراد والقران) لا خلاف بين أهل العلم في جواز الاحرام بأي الانساك الثلاثة شاء، وقد دل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومن من أهل بحج متفق عليه فذكرت التمتع والقران والافراد (مسألة) (وأفضلها التمتع ثم الافراد ثم القران، وعنه إن ساق الهدي فالقران أفضل ثم التمتع) أفضل الانساك التمتع ثم الافراد ثم القران، وممن روي عنه اختيار التمتع ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وعائشة والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وجابر بن زيد وسالم والقاسم وعكرمه وأحد قولي الشافعي، وروى المروذي عن أحمدان ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسقه فالتمتع أفضل
لان النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه وذهب الثوري وأصحاب الرأي إلى اختيار القران لما روى أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا " لبيك عمرة وحجا " متفق عليه، وحديث الضبي بن معبد حين أحرم بهما فأنى عمر فسأله فقال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وروي عن مروان بن الحكم قال كنت جالسا عند عثمان ابن عفان فسمع عليا يلبي بعمرة وحج فأرسل إليه فقال ألم نكن نهينا عن هذا؟ فقال بلى.
ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا فلم أكن أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك رواه سعيد ولان القران مبادرة إلى فعل العبادة وأحرام بالنسكين من الميقات وفيه زيادة نسك هو الدم فكان أولى، وذهب مالك وأبو ثور إلى اختيار الافراد وهو ظاهر مذهب الشافعي وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وجابر وعائشة رضي الله عنهم لما روت عائشة وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج متفق عليهما وعن ابن عمر وابن عباس مثل ذلك متفق عليه ولانه يأتي بالحج تاما من غير احتياج إلى جبر فكان أولى قال عثمان: ألا إن الحج التام من أهليكم والعمرة التامة من أهليكم وقال ابراهيم إن أبا بكر وعمر وابن مسعود وعائشة كانوا يجردون الحج ولنا ما روى ابن عباس وجابر وأبو موسى وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه
لما طافوا بالبيت أن يحلو ويجعلوها عمرة فنقلهم من الافراد والقران إلى المتعة متفق عليهما ولا ينقلهم إلا إلى الافضل ولم يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا الا من ساق هديا وثبت على احرامه وقال " لو استقبلت من أمري ما أستدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " قال جابر حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم " حلوا من إحرامكم واجعلوا التي قدمتم بها متعة " فقالوا كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج؟ فقال " افعلوا ما أمرتكم به فلولا اني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به " وفي لفظ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اهديت " فحللنا
وسمعنا وأطعنا متفق عليهما فنقلهم إلى التمتع وتأسف إذ لم يمكنه ذلك فدل على فضله، ولان التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى بقوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) دون سائر الانساك ولان التمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة مع زيادة نسك فكان أولى فاما القران فانما يؤتى فيه بافعال الحج وتدخل افعال العمرة فيه والمفرد انما يأتي بالحج وجده وان اعتمر بعده من أدنى الحل فقد اختلف في إجزائها عن عمرة الاسلام وكذلك اختلف في إجزاء عمرة القارن ولا خلاف في إجزاء عمرة المتمتع فكان أولى فاما حجتهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ففيها أجوبة (أحدها) منع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم محرما بغير التمتع لامور أولها أن رواة أحاديثهم قد رووا
أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج رواه ابن عمر وعائشة وجابر رضي الله عنهم من طرق صحاح فسقط الاحتجاج بها (وثانيها) أن روايتهم اختلفت فرووا مرة أنه أفرد ومرة أنه تمتع ومرة أنه قرن والقضية واحدة ولا يمكن الجمع بينها فوجب اطراح الكل وأحاديثهم في القران أصحها حديث أنس وقد أنكره ابن عمر فقال رحم الله انسا ذهل أنس متفق عليه وفي رواية: كان أنس يتولج على النساء اي كان صغيرا وحديث علي رواه حفص بن ابي داود وهو ضعيف عن ابن أبي ليلى وهو كثير الوهم قاله الدارقطني (وثالثها) أن اكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا روى ذلك عمر وعلي وعثمان وسعد ابن ابي وقاص وابن عباس وابن عمر ومعاوية وأبو موسى وجابر وعائشة وحفصة باحاديث صحاح وانما منعه من الحل الهدي الذي كان معه ففي حديث عمر أنه قال إني لا أنهاكم عن المتعة وانها لفي كتاب الله ولقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج وفي حديث علي أنه اختلف هو وعثمان في المتعة بعسفان فقال علي ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه متفق عليه وللنسائي قال علي لعثمان ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال بلى وعن ابن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وعنه أن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا من عمرتهم ولم تحلل انت من عمرتك؟ قال " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا
أحل حتى أنحر متفق عليهما وقال سعد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه وهذه الاحاديث راجحة لان رواتها أكثر وأعلم ولان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالمتعة عن نفسه في حديث حفصة فلا يعارض خبره غيره ولانه يمكن الجمع بين الاحاديث بان يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالمتعة ثم لم يحل منها لاجل هديه حتى أحرم بالحج فصار قارنا وسماه من سماه مفردا لانه اشتغل بافعال الحج وحدها بعد فراغه من أفعال العمرة فان الجمع بين الاحاديث مهما أمكن أولى من حملها على التعارض (الوجه الثاني) من الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالانتقال إلى المتعة عن الافراد والقران ولا يأمرهم الا بالانتقال إلى الافضل فانه من المحال أن ينقلهم من الافضل إلى الادنى وهو الداعي إلى الخير الهادي إلى الفضل ثم أكد ذلك بتأسفه على فوات ذلك في حقه ولانه لا يقدر على انتقاله وحله لسوقه وهذا ظاهر الدلالة (الثالث) أن ما ذكرناه قول النبي صلى الله عليه وسلم وهم يحتجون بفعله وعند التعارض يجب تقديم القول لاحتمال اختصاصه بفعله دون غيره كنهيه عن الوصال مع فعله له ونكاحه بغير ولي مع قوله " لا نكاح إلا بولي " فان قيل فقد قال أبو ذر كانت متعة الحج لاصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة رواه مسلم قلنا هذا قول صحابي يخالف الكتاب والسنة والاجماع وقول من هو خير وأعلم اما الكتاب
فقوله سبحانه (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) وهذا عام واجمع المسلمون على اباحة التمتع، واما السنة فروي سعيد باسناده ان سراقة بن مالك سأل النبي صلى الله عليه وسلم المتعة لنا خاصة أم هي للابد؟ قال " بل هي للابد " وفي لفظ قال هي لعامنا أو للابد؟ قال " بل لابد الابد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " وفي حديث جابر الذي رواه مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ومعناه والله أعلم أن الجاهلية كانوا لا يحيزون التمتع ويرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد شرع العمرة في أشهر الحج وجوز المتعة إلى يوم القيامة وقد خالف أبا ذر علي وسعد وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وسائر المسلمين قال عمران تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونزل فيه القرآن ولم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شئ فقال فيها رجل برأيه ما شاء متفق عليه وقال سعد بن أبي وقاص فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني المتعة وهذا يومئذ كافر بالعرش يعني الناهي عنها والعرش بيوت مكة قال احمد حين ذكر له حديث أبي ذر أفيقول بهذا أحد؟ المتعة في كتاب الله تعالى وقد أجمع المسلمون على جوازها، فان قيل فقد روى ابو داود أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى عن العمرة قبل الحج قلنا هذا حاله في مخالفة الكتاب والسنة والاجماع كحال حديث أبي ذر بل هو أدنى حالا فان في اسناده مقالا فان قيل فقد نهى عنها عمر وعثمان ومعاوية قلنا فقد أنكر عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها وخالفوهم في فعلها وقد ذكرنا إنكار علي على عثمان واعتراف عثمان له وقول عمران بن حصين منكرا لنهي من نهى وقول سعد عائبا على معاوية نهيه عنها وردهم عليهم بحجج لم يكن لهم عنها جواب بل ذكر بعض من نهى في كلامه الحجة عليه فقال عمر رضي الله عنه والله إني لانهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في أن من خالف كتاب الله وسنة رسوله له حقيق بان لا يقبل نهيه ولا يحتج به مع أنه قد سئل سالم بن عبد الله بن عمر أنهى عمر عن المتعة؟ قال لا والله ما نهى عنها عمر ولكن قد نهى عنها عثمان ولما نهى معاوية عن المتعة أمرت عائشة حشمها ومواليها أن يهلوا بها فقال معاوية من هؤلاء فقيل حشم أو موالي عائشة فارسل إليها ما حملك على ذلك؟ فقالت أحببت أن يعلم أن الذي قلت ليس كما قلت وقيل لابن عباس ان فلانا نهى عن المتعة قال انظروا في كتاب الله فان وجدتموها فيه فقد كذب على الله وعلى رسوله وإن لم تجدوها فقد صدق فأي الفريقين أحق بالاتباع وأولى بالصواب؟ الذين معهم كتاب الله وسنة رسوله أم الذين يخالفونهما؟ ثم قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة على الخلق أجمعين فكيف
يعارض بقول غيره قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " عروة نهى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما عن المتعة فقال ابن عباس أراهم سيهلكون أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم
ويقولون نهى عنها أبو بكر وعمر وسئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقال انك تخالف أباك فقال: عمر لم يقل الذي تقولون فإذا أكثروا عليه قال فكتاب الله أحق ان تتبعوا أم عمر؟ روى الاثرم هذا كله (مسألة) (وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ويحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامه، والافراد أن يحرم بالحج مفردا والقران أن يحرم بهما جميعا أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها) إذا أدخل الحج على العمرة قبل طوافها من غير خوف الفوات جاز وكان قارنا بغير خلاف وقد فعل ذلك ابن عمر ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فاما بعد الطواف فليس له ذلك ولا يصير قارنا وبهذا قال الشافعي وابو ثور وروي عن عطاء، وقال مالك يصير قارنا وحكي ذلك عن أبي حنيفة لانه أدخل الحج على إحرام العمرة فصح كما قبل الطواف ولنا أنه قد شرع في التحلل من العمرة فلم يجز ادخال الحج عليها كما بعد السعي (فصل) إلا ان يكون معه هدي فله ذلك لانه لا يجوز له التحلل حتى ينحر هديه لقوله سبحانه (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) فلا يتحلل بطوافه ويتعين عليه ادخال الحج على العمرة لئلا يفوته الحج ويصير قارنا بخلاف غيره (فصل) فاما ادخال العمرة على الحج فلا يجوز وان فعل لم يصح ولم يصر قارنا روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال مالك وأبو ثور وابن المنذر وقال أبو حنيفة يصح ويصير قارنا لانه أحد النسكين فجاز ادخاله على الآخر كالآخر ولنا أنه قول علي رضي الله عنه رواه عنه الاثرم ولان ادخال العمرة على الحج لا يفيد الا ما أفاده العقد الاول فلم يصح كما لو استأجره على عمل ثم استأجره عليه ثانيا وعكسه إذا أدخل الحج على العمرة (مسألة) (ويجب على المتمتع والقارن دم نسك إذا لم يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل مكة ومن كان منها دون مسافة القصر)
يجب الدم على المتمتع في الجملة بالاجماع قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة
في أشهر الحج من أهل الآفاق من الميقات وقدم مكة ففرغ منها وأقام بها فحج من عامه أنه متمتع وعليه الهدي ان وجد والا فالصيام وقد نص الله سبحانه عليه بقوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) الآية وقال ابن عمر تمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس " من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر ثم ليهل بالحج ويهدي فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه وعن أبي حمزة قال سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها وسألته عن الهدي فقال فيها جزور أو بقرة أو شرك في دم متفق عليه (مسألة) (والدم الواجب شاة أو سبع بدنة أو بدنة فان نحر بدنة أو ذبح بقرة فقد زاد خيرا) وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال مالك لا يجزئ الا بدنة لان النبي صلى الله عليه وسلم لما تمتع ساق بدنة والذي ذكره ترك لظاهر القرآن لانه سبحانه قال (فما استيسر من الهدي) واطراح الآثار الثابتة وما احتجوا به فلا حجة فيه فان اهداء النبي صلى الله عليه وسلم للبدنة لا يمنع اجزاء ما دونها فان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق مائة بدنة ولا خلاف في أن ذلك ليس بواجب فلا يجب أن تكون البدنة التي ذبحها على صفة بدن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا في حجته ولذلك ذهبوا إلى تفضيل الافراد فكيف يكون سوقه للبدنة دليلا لهم في التمتع ولم يكن متمتعا (فصل) وانما يجب الدم بشروط خمسة (أولها) أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، فان أحرم بها في غير أشهره لم يكن متمتعا ولا يلزمه دم سواء وقعت أفعالها في أشهر الحج أو في غيره، نص عليه قال الاثرم سمعت أبا عبد الله سئل من أهل بعمرة في غير أشهر الحج ثم قدم في شوال ايحل في عمرته من شوال أو يكون متمتعا؟ قال لا يكون متمتعا واحتج بحديث جابر وذكر اسناده عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن امرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمى ثم يخلو إلا ليلة واحدة ثم تحيض، قال لتخرج ثم لتهل بعمرة، ثم لتنتظر حتى تطهر، ثم لتطف بالبيت، قال أبو عبد الله فجعل عمرتها في الشهر الذي حلت فيه ولا نعلم بين أهل العلم خلافا أن من اعتمر في غير أشهر الحج وفرغ من عمرته قبل أشهر الحج انه لا يكون متمتعا إلا قولين شاذين
(أحدهما) عن طاوس أنه قال: إذا اعتمرت في غير أشهر الحج ثم أقمت حتى الحج فأنت متمتع (والآخر) عن الحسن أنه قال: من اعتمر بعد النحر فهي متعة، قال ابن المنذر لا نعلم أحدا قال بواحد من هذين القولين، فأما إن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج ثم حل منها في اشهر الحج فانه لا يكون متمتعا على ما ذكرناه عن أحمد، ونقل معنى ذلك عن جابر وأبي عياض وهو قول اسحاق وأحد قولي الشافعي، وقال طاوس عمرته في الشهر الذي يدخل فيه الحرم، وقال الحسن والحكم وابن شبرمة والثوري والشافي في أحد قوليه عمرته في الشهر الذي يطوف فيه، وقال عطاء عمرته في الشهر الذي يحل فيه وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة إن طاف للعمرة أربعة أشواط في غير أشهر الحج فليس بمتمتع، وإن طاف الاربعة في أشهر الحج فهو متمتع لان العمرة صحت في أشهر الحج بدليل انه لو وطئ أفسدها أشبه إذا أحرم بها في أشهر الحج ولنا ما ذكرناه عن جابر ولانه أتى بالنسك لا تتم العمرة إلا به في غير أشهر الحج فلم يكن متمتعا كما لو طاف ويخرج عليه ما قاسوا عليه (الثاني) أن يحج من عامه فان اعتمر في أشهر الحج فلم يحج ذلك العام بل حج في العام القابل فليس بمتمتع لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج فهو متمتع حج أو لم يحج، والجمهور على خلاف هذا لان الله تعالى قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) وهذا يقتضي الموالاة بينهما، ولانهم إذا أجمعوا على أن من اعتمر في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع فهذا أولى لان التباعد بينهما أكثر (الثالث) أن لا يسافر بين العمرة والحج سفرا بعيدا تقصر في مثله الصلاة، نص عليه، وروي ذلك عن عطاء والمغيرة والمديني واسحق، وقال الشافعي إن رجع إلى الميقات فلا دم عليه، وقال أصحاب الرأي إن رجع من مصره بطلت متعته وإلا فلا، وقال مالك إن رجع إلى مصره أو إلى غيره أبعد من مصره بطلت متعته وإلا فلا، وقال الحسن هو متمتع وإن رجع إلى بلده، واختاره ابن المنذر لعموم قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) الآية
ولنا ماروي عمر رضي الله عنه أنه قال إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع فان خرج
ورجع فليس بمتمتع وعن ابن عمر نحو ذلك ولانه إذا رجع إلى الميقات أو ما دونه لزمه الاحرام منه فان كان بعيدا فقد أنشأ سفرا بعيدا لحجه فلم يترفه بترك أحد السفرين فلم يلزمه دم كموضع الوفاق والآية تناولت المتمتع وهذا ليس بمتمتع بدليل قول عمر رضي الله عنه (الرابع) أن يحل من احرام العمرة قبل إحرامه بالحج فان أدخل الحج على العمرة قبل حله منها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فانه يصير قارنا ولا يلزمه دم المتعة قالت عائشة رضي الله عنها خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " انقضي رأسك وأمتشطي وأهلي بالحج وعدي العمرة " قالت ففعلت فلما قضينا الحج ارسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت معه فقال هذه عمرة مكان عمرتك، قال عروة فقضى الله حجتها وعمرتها ولم يكن في شئ من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة متفق عليه ولكن عليه دم للقران لانه صار قارنا وترفه بسقوط أحد السفرين، فأما قول عروة لم يكن في ذلك هدي يحتمل أنه أراد لم يكن فيه هدي للمتعة إذ قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه بقرة بينهن (الخامس) أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ولا خلاف بين أهل العلم في أن دم المتعة لا يجب على حاضري المسجد الحرام لقوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) والمعنى في ذلك ان حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة ولا يحصل له الترفه بترك أحد السفرين ولانه احرم من ميقاته اشبه المفرد.
(فصل) وحاضرو المسجد الحرام أهل الحرم ومن بينه وبين مكة دون مسافة القصر نص عليه احمد وروي ذلك عن عطاء وبه قال الشافعي وقال مالك: هم أهل مكة وقال مجاهد: هم أهل الحرم وروي ذلك عن طاوس وروي عن مكحول وأصحاب الرأي من دون المواقيت لانه موضع شرع فيه النسك فاشبه الحرم
لونا أن حاضر الشئ من دنا منه ومن دون مسافة القصر قريب من حكم الحاضر بدليل انه إذا قصده لا يترخص رخص المسافر من الفطر والقصر فيكون من حاضريه، وتحديده بالميقات
لا يصح لانه قد يكون بعيدا يثبت له حكم السفر البعيد إذا قصده ولان ذلك يفضي إلى جعل البعيد من حاضريه، والقريب من غير حاضريه لتفاوت المواقيت في القرب والبعد واعتباره بما ذكرنا أولى لان الشارع حد الحاضر دون مسافة القصر بنفي أحكام المسافرين عنه فكان الاعتبار به أولى من الاعتبار بالنسك لوجود لفظ الحضور في الآية (فصل) إذا كان للمتمتع قريتان قريبة وبعيدة فهو من حاضري المسجد الحرام لانه إذا كان بعض أهله قريبا لم يوجد فيه الشرط وهو أن لا يكون أهله من حاضري المسجد الحرام، ولان له ان يحرم من القريبة فلم يكن بالتمتع مترفها بترك أحد السفرين، وقال القاضي: له حكم القرية التي يقيم بها اكثر فان استويا فمن التي ماله بها أكثر؟ فان استويا فمن التي ينوي الاقامة بها أكثر؟ فان استويا فله حكم القرية التي أحرم منها وقد ذكرنا دليل ما قلناه (فصل) فان دخل الآفاقي مكة متمتعا ناويا الاقامة بها بعد تمتعه فعليه دم المتعة قال ابن المنذر اجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولو كان الرجل منشأه بمكة فخرج عنها منتقلا مقيما بغيرها ثم عاد إليها متمتعا ناويا للاقامة بها أو ناو فعليه دم متعة لانه خرج بالانتقال عنها عن أن يكون من أهلها وبه قال مالك والشافعي واسحاق وذلك لان حضور المسجد الحرام انما حصل بنية الاقامة وفعلها وهذا انما نوى الاقامة إذا فرغ من أفعال الحج لانه إذا فرغ من عمرته فهو ناو للخروج إلى الحج فكأنه انما نوى أن يقيم بعد وجوب الدم عليه فاما ان سافر المكي غير منتقل ثم عاد فاعتمر من الميقات وحج من عامه فلا دم عليه لانه لم يخرج بذلك عن كون أهله من حاضري المسجد الحرام (فصل) وهذا الشرط الخامس شرط لوجوب الدم عليه وليس بشرط لكونه متمتعا فان متعة المكي صحيحة لان التمتع أحد الانساك الثلاثة فصح من المكي كالنسكين الآخرين ولان حقيقة التمتع أن يعتمر في أشهر الحج ثم يحج من عامه وهذا موجود في المكي وقد نقل عن احمد ليس على
أهل مكة متعة ومعناه ليس عليهم دم متعة لان المتعة له لا عليه فتعين حمله على ما ذكرناه (فصل) إذا ترك الافآقي الاحرام من الميقات وأحرم من دونه بعمرة ثم حل منها وأحرم بالحج من مكة من عامه فهو متمتع وعليه دمان دم المتعة ودم لاحرامه من دون الميقات.
قال ابن المنذر
وابن عبد البر أجمع العلماء على أن من أحرم في اشهر الحج بعمرة وحل منها ولم يكن من حاضري المسجد ثم أقام بمكة حلالا ثم حج من عامه انه متمتع عليه دم.
وقال القاضي إذا تجاوز الميقات حتى صار بينه وبين مكة أقل من مسافة القصر فاحرم منه فلا دم عليه للمتعة لانه من حاضري المسجد الحرام وليس بجيد فان حضور المسجد الحرام إنما يحصل بالاقامة به ونية ذلك، وهذا لم تحصل منه الاقامة ولا نيتها ولان الله تعالى قال (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وهذا يقتضي أن يكون المانع من الدم السكنى به وهذا ليس بساكن، وإن أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في اشهر الحج وحج من عامه فهو متمتع نص عليه أحمد وعليه دم وفي تنصيصه على هذه الصورة تنبيه على إيجاب الدم في الصورة الاولى بطريق الاولى، وذكر القاضي شرطا سادسا لوجوب الدم وهو أن ينوي في ابتداء العمرة وفي أثنائها أنه متمتع وظاهر النص يدل على أن هذا غير مشترط فانه لم يذكره، وكذلك الاجماع الذي ذكرناه مخالف لهذا القول لانه قد حصل له الترفه بترك أحد السفرين فلزمه الدم كمن نوى (فصل في وقت وجوب الهدي وذبحه) أما وقت وجوبه فعن أحمد انه يجب إذا أحرم بالحج وهو قول أبي حنيفة والشافعي لان الله تعالى قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وهذا قد فعل ذلك ولان ما جعل غاية فوجود أوله كاف كقوله تعالى (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وعنه أنه يجب الدم إذا وقف بعرفة اختاره القاضي، وهو قول مالك لان التمتع بالعمرة إلى الحج إنما يحصل بعد وجود الحج منه ولا يحصل ذلك إلا بالوقوف لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " ولانه قبل ذلك بعرض الفوات فلا يحصل التمتع ولانه لو أحرم بالحج ثم أحصر أو فاته الحج لم يلزمه دم المتعة ولا كان متمتعا ولو وجب الدم لما سقط وقال عطاء: يجب إذا رمي الجمرة.
ونحوه قال أبي الخطاب
قال: يجب إذا طلع الفجر يوم النحر لانه وقت ذبحه فكان وقت وجوبه، وأما وقت ذبحه فيوم النحر، وبه قال مالك وأبو حنيفة لان ما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الاضحية فيه فلا يجوز ذبح الهدي الذي للمتمتع كما قبل التحلل من العمرة، وقال أبو الخطاب: سمعت أحمد قال في الرجل يدخل مكة في شوال ومعه هدي قال ينحر بمكة وان قدم قبل العشر نحره لا يضيع أو يموت أو
يسرق، وكذا قال عطاء: وان قدم في العشر لم ينحره حتى ينحره بنى لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا في العشر فلم ينحروا حتى نحروا بمنى.
ومن جاء قبل ذلك نحره عن عمرته وأقام على احرامه وكان قارنا، وقال الشافعي: يجوز نحره بعد الاحرام بالحج قولا واحدا وفيما قبل ذلك بعد حله من العمرة احتمالان ووجه جوازه أنه دم يتعلق بالاحرام وينوب عنه الصيام فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب ولانه يجوز إذا بدله قبل يوم النحر فجاز اداؤه قبله كسائر الفديات (فصل) ويجب الدم على القارن في قول عامة أهل العلم ولا نعلم فيه خلافا الا عن داود لانه قال لا دم عليه وروي عن طاوس وحكى ابن المنذر أن ابن داود لما دخل مكة سئل عن القارن هل يجب عليه دم؟ فقال لا فجروا برحله وهذا يدل على شهرة الامر بينهم ولنا قوله تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وهذا متمتع بالعمرة إلى الحج بدليل أن عليا لما سمع عثمان ينهى عن المتعة أهل بالعمرة والحج ليعلم الناس أنه ليس بمنهي عنه وقال ابن عمر رضي الله عنهما انما القران لاهل الآفاق وتلا قوله (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قرن بين حجته فليهريق دما " ولانه ترفه بسقوط أحد السفرين فأشبه المتمتع فان عدم الدم فعليه صيام كصيام المتمتع سواء ومن شرط وجوب الدم عليه أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام في قول جمهور العلماء.
وقال ابن الماجشون: عليه دم لان الله تعالى انما أسقط الدم عن المتمتع وليس هذا متمتعا والصحيح الاول فاننا قد ذكرنا أنه متمتع وان لم يكن متمتعا فهو فرع عليه ووجوب الدم على القارن انما كان معنى النص على المتمتع ولا يجوز أن يخالف الفرع عليه
(مسألة) (ومن كان مفردا أو قارنا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ألا أن يكون معه هدي فيكون على احرامه) إذا كان مع المفرد والقارن هدي فليس له أن يحل من إحرامه ويجعله عمرة بغير خلاف علمناه لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة قال للناس " من كان منكم أهدى فانه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة
وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد ومن لم يحل هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه.
فاما من لا هدي معه فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيته بالحج وينوي عمرة مفردة فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعا إن لم يكن وقف بعرفة.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن من طاف بالبيت وسعى فقد حل وإن لم ينو ذلك وبهذا الذي ذكرناه قال مجاهد والحسن وداود وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجوز له ذلك لان الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة.
وروي ابن ماجة عن بلال بن الحارث المزني عن أبيه أنه قال يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن يأتي قال " لنا خاصة " وروي ايضا عن المرقع الاسدي عن أبي ذر رضي الله عنه قال كان ما أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا مكة أن نجعلها عمرة ونحل من كل شئ إن تلك كانت لنا خاصة رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جميع الناس ولنا أنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر اصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة الا من كان معه الهدي في أحاديث كثيرة متفق عليها بحيث يقرب من المتواتر ولم يختلف في صحة ذلك وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم علمناه.
وذكر أبو حفص في شرحه باسناده عن ابراهيم الخرقي وقد سئل عن فسخ إلى العمرة فقال قال سلمة بن شبيب لاحمد ابن حنبل يا ابا عبد الله: كل شئ منك حسن جميل الا خلة واحدة فقال وما هي؟ قال تقول نفسخ الحج قال احمد ما كنت أرى ان لك عقلا، عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا كلها في فسخ الحج أتركها لقولك، وقد روى فسخ الحج إلى العمرة ابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة رضي الله
عنهم واحاديثهم متفق عليها ورواه غيرهم من وجوه صحاح.
قال جابر: أهللنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده وليس معه غيره فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة فلما قدمنا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحل قال أحلوا وأصيبوا من النساء قال فبلغه عنا انا نقول لم يكن بيننا وبين عرفة لا خمس ليال أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا بالمني قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي تحللت كما تحلون فحلوا، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اهديت " قال فحللنا وسمعنا وأطعنا، قال فقال سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي
متعتنا هذه يارسول الله لعامنا هذا أم للابد؟ فظنه محمد بن أبي بكر أنه قال: للابد متفق عليه، فأما حديثهم فقال أحمد روى هذا الحديث الحرث بن بلال، فمن الحارث بن بلال؟ يعني أنه مجهول ولم يروه إلا الداروردي، وحديث ابي ذر رواه مرقع الاسدي، فمن مرقع الاسدي؟ شاعر من أهل الكوفة لم يلق أبا ذر، فقيل له أفليس قد روى الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال كانت لنا متعة الحج خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفيقول هذا أحد؟ المتعة في كتاب الله؟ وقد أجمع الناس على أنها جائزة، قال الجوزجاني مرقع الاسدي ليس بالمشهور، ومثل هذه الاحاديث في ضعفها وجهالة رواتها لا تقبل إذا انفردت فكيف تقبل في رد حكم ثابت بالتواتر مع أن قول أبي ذر من رأيه، وقد خالفه من هو أعلم منه، وقد شذ به عن الصحابة رضي الله عنهم فلا يكون حجة، وأما قياسهم فلا يقبل في مقابلة النص الصحيح على أن قياس الحج على العمرة في هذا لا يصح فانه يجوز قلب الحج إلى العمرة في حق من فاته الحج ومن حصر عن عرفة والعمرة لا تصير حجا بحال، ولان فسخ الحج إلى العمرة يصير به متمتعا فحصل الفضيلة وفسخ العمرة إلى الحج يفوت الفضيلة، ولا يلزم من مشروعية ما يحصل الفضيلة مشروعية ما يفوتها (فصل) وإذا فسخ الحج إلى العمرة صار متمتعا حكمه حكم المتمتعين في وجوب الدم وغيره، وقال القاضي لا يجب الدم لان من شرط وجوبه أن ينوي في ابتداء العمرة أو في انتهائها أنه متمتع، وهذه دعوى لا دليل عليها تخالف عموم الكتاب وصريح السنة الثابتة فان الله تعالى قال (فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهدي، ومن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " متفق عليه، ولان وجوب دم المتعة للترفه بسقوط أحد السفرين، وهذا المعنى لا يختلف بالنية وعدمها فوجب أن لا يختلف في الوجوب على أنه لو ثبت أن النية شرط فقد وجدت فانه ماحل حتى نوى أنه يحل ثم يحرم بالحج (مسألة) ولو ساق المتمتع الهدي لم يكن له أن يحل لقول الله تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى
يبلغ الهدي محله) ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس من كان معه هدي فانه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجته متفق عليه وهذا مذهب أبي حنيفة وقال مالك والشافعي في قول: له التحلل وينحر هديه عند المروة ويحتمله كلام الخرقي ولنا ما ذكرنا من الآية وحديث ابن عمر وروت حفصة رضي الله عنها أنها قالت يارسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أغت من عمرتك؟ قال " اني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " متفق عليه والاحاديث في ذلك كثيرة وعن احمد فيمن قدم متمتعا في أشهر الحج وساق الهدي قال: ان دخلها في العشر لم ينحر الهدي حتى ينحره يوم النحر وإن قدم قبل العشر نحر الهدي، وهذا يدل على أن المتمتع إذا قدم قبل العشر حل وان كان معه هدي وهذا قول عطاء رواه حنبل في المناسك وقال من لبد أو ضفر فهو بمنزلة من ساق الهدي لحديث حفصة والرواية الاولى أولى لما ذكرنا من الحديث الصحيح وهو أولى بالاتباع (فصل) فاما المعتمر غير المتمتع فانه يحل بكل حال في أشهر الحج وغيرها كان معه هدي أو لم يكن لان النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجته بعضهن في ذي القعدة فكان يحل فان كان معه هدي نحره عند المروة وحيث نحره من الحرم جاز لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل فجاج مكة طريق ومنحر " رواه أبو داود وابن ماجة
(مسألة) (والمرأة إذا دخلت متمعة فحاضت فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة) إذا حاضت المتمتعة قبل طواف العمرة لم يكن لها أن تطوف بالبيت لانه صلاة ولانها ممنوعة من دخول المسجد ولا يمكنها ان تحل من عمرتها قبل الطواف فإذا خشيت فوات الحج أحرمت بالحج من عمرتها وصارت قارنة، هذا قول مالك والاوزاعي والشافعي وكثير من أهل العلم، وقال أبو حنيفة قد رفضت العمرة وصار حجا وما قال هذا أحد غير أبي حنيفة وحجته ما روى عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت أهللت بعمرة فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: