الفقه الحنبلي - احكام النكاح
(فصل) والحكم في الصداق إذا كان جارية كالحكم في الغنم إذا ولدت كان الولد لها كولد
الغنم إلا أنه ليس له الرجوع في نصف الاصل لانه يفضي إلى التفريق بين الام
وولدها في بعض وكما لا يجوز التفريق بينها وبين ولدها في جميع الزمان لا يجوز في بعضه فيرجع عليها في نصف قيمتها وقت من أصدقها لا غير.
(فصل) فان كان الصداق بهيمة حائلا فحملت فالحمل فيها زيادة متصلة ان بذلتها له بزيادتها لزمه قبولها لان الحمل في البهيمة لا يعد نقصا ولذلك لا يرد به المبيع، وان كانت أمة فحملت فقد زادت من وجه لاجل ولدها ونقصت من وجه لان الحمل في النساء نقص لخوف التلف عليها حين الولادة ولهذا يرد بها المبيع فحينئذ لا يلزمها بذلها لاجل الزيادة ولا يلزمه قبولها لاجل النقص وله نصف قيمتها وإن اتفقا على تنصيفها جاز، وإن أصدقها حاملا فولدت فقد أصدقها عينين جارية وولدها وزاد الولد في ملكها فان طلقها فرضيت ببذل النصف في الولد والام جميعا أجبر على قبولها لانها زيادة غير مميزة
وإن لم تبذله لم يجز له الرجوع في نصف الولد لزيادته ولا في نصف الام لما فيه من التفرقة بينها وبين ولدها ويرجع بنصف قيمة الام وفي نصف الولد وجهان (أحدهما) لا يستحق نصف قيمته لانه حالة العقد لا قيمة له وحالة الانفصال قد زال في ملكها فلا يقوم الزوج بزيادته.
ويفارق ولد المغرور فان وقت الانفصال وقت الحيلولة ولهذا قوم بخلاف مسئلتنا (والثاني) له نصف قيمته لانه أصدقها عينين فلا يرجع في احداهما دون الاخرى ويقوم حالة الانفصال لانها أول حالة امكان تقويمه وفي المسألة وجه آخر وهو أن الحمل لا حكم له فيكون كأنه حادث (فصل) وان أصدقها أرضا فبنتها دارا أو ثوبا فصبغته ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها إلا أن يشاء أن يعطيها قيمة البناء والصبغ فيكون له النصف أو تشاء هي أن تعطيه زائدا فلا يكون لها غيره، وذكر الخرقي إنما كان له نصف القيمة لانه قد صار في الارض والثوب زيادة للمرأة وهي البناء والصبغ فان دفعت إليه نصف الجميع زائدا فعليه قبوله لانه حقه وزيادة وان بذل لها نصف قيمة البناء والغراس ليكون له النصف فقال الخرقي له ذلك قال القاضي هذا محمول على أنهما تراضيا بذلك لانها لا تجبر على المعاوضة وهذه معاوضة، قال شيخنا والصحيح أنها تجبر لان الارض حصلت له وفيها بناء لغيره فإذا بذل القيمة
لزم الآخر قبوله كالشفيع إذا أخذ الارض بعد بناء المشتري فيها فبذل الشفيع قيمته لزم المشتري قبولها وكذلك إذا رجع المعير في أرضه وفيها بناء أو غراس للمستعير فبذل المعير قيمة ذلك لزم المستعير قبولها (فصل) فان أصدقها نخلا حائلا فأثمرت في يده فالثمرة لها لانها نماء ملكها فان جدها بعد تناهيها
وجعلها في ظروف وألقى عليها صفرا من صفرها وهو سيلان الرطب بغير خلع وهذا يفعله أهل الحجاز لحفظ رطوبتها لم تخل من ثلاثة أحوال (أحدها) أن لا تنقص قيمة الثمرة والصفر بل كانا بحالهما أو زادا فانه بردهما عليها ولا شئ عليه (الثاني) أن تنقص قيمتهما وذلك على ضربين (أحدهما) أن يكون بعضهما متناهيا فانه يدفعهما إليها وارش نقصهما له لانه تعدى ما فعله من ذلك (الضرب الثاني) أن لا يتناهى بل يتزايد ففيه وجهان (أحدهما) أنها تأخذ قيمتها لانها كالمستهلكة (الثاني) هي مخيرة بين ذلك وبين تركها حتى يستقر بعضها وتأخذها وارشها كالمغصوب منه (الحال الثالث) أن لا تنقص قيمتها لكن ان أخرجها من ضروفها نقصت قيمتها فللزوج اخراجها وأخذ ضروفها إن كانت الضروف ملكه وإذا نقصت فالحكم على ما ذكرنا وإن قال الزوج أنا أعطيكها مع ضروفها فقال القاضي يلزمها قبولها لان ضروفها كالمتصلة بها التابعة لها ويحتمل أن لا يلزمها قبولها لان الضروف عين ماله فلا يلزمه قبولها كالمنفصلة عنها فان كانت بحالها الا أن الصفر المتروك على الثمرة ملك الزوج فانه ينزع الصفر ويرد الثمرة، والحكم فيها ان نقصت أو لم تنقص كالتي قبلها، وان قال أنا أسلمها مع الصفر والضروف فعلى الوجهين اللذين ذكرناهما وفي الموضع الذي حكمنا أن له زيادة إذا
قالت أنا أرد الثمرة وآخذ الاصل فلها ذلك في أحد الوجهين والآخر ليس لها ذلك مبنيان على تفريق الصفقة في البيع وقد ذكرنا ذلك في موضعه (فصل) إذا كان الصداق جارية فوطئها الزوج عالما بزوال ملكه وتحريم الوطئ عليه فعليه الحد لانه وطئ في غير ملك وعليه المهر لسيدتها اكرهها أو طاوعته لان المهر لمولاتها فلا يسقط ببذلها
ومطاوعتها كما لو بذلت يدها للقطع، وان ولدت فالولد رقيق للمرأة وان اعتقد أن ملكه لم يزل عن جميعها أو كان عالم بتحريمها عليه فلا حد عليه للشبهة وعليه المهر والولد حر لا حق به وعليه قيمته يوم ولادته ولا تصير أم ولد له وان ملكها بعد ذلك لانه لا ملك له فيها وتجبر المرأة بين أخذها في حال حملها وبين أخذ قيمتها لانه نقصها باحبالها، وهل لها الارش بعد ذلك؟ يحتمل أن لها الارش لانها نقصت بعدوانه أشبه ما لو نقصها الغاصب بذلك وقال بعض أصحاب الشافعي في الارش ههنا قولان وقال بعضهم ينبغي أن يكون لها المطالبة بالارش قولا واحدا لا النقص حصل بفعله الذي تعدى به فهو كالغاصب وكما لو طالبته فمنع تسليمها وهذا أصح (فصل) وان أصدق ذمي ذمية خمرا فتخللت في يدها ثم طلقها قبل دخوله بها احتمل أن لا يرجع عليها بشئ لانها قد زادت في يدها بالتخليل والزيادة لها وان أراد الرجوع بنصف قيمتها قبل التخلل فلا قيمة لها وانما يرجع إذا زادت في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين
القبض وحينئذ لا قيمة لها وان تخللت في يد الزوج ثم طلقها فلها نصفها لان الزيادة لها ويحتمل أن يكون الخل له وعليه نصف مهر مثلها إذا ترافعا الينا قبل القبض أو أسلما أو أحدهما (فصل) إذا تزوج امرأة فضمن أبوه نفقتها عشر سنين صح ذكره أبو بكر لان أكثر ما فيه أنه ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب وكلاهما صحيح ولا فرق بين كون الزوج موسرا أو معسرا واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال كقولنا ومنهم من قال لا يصح ضمان نفقة المعسر لان غير المعسر يتغير حاله فيكون عليه نفقة الموسر أو المتوسط فيكون ضمان مجهول والمعسر معلوم ما عليه ومنهم من قال لا يصح أصلا لانه ضمان ما لم يجب ولنا أن الجهل لا يمنع صحة الضمان بدليل صحة ضمان نفقة المعسر مع احتمال أن يموت أحدهما فتسقط النفقة ومع ذلك صح الضمان فكذلك هذا * (مسألة) * (والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلقها قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من الامر وهو جائز الامر في ماله برئ منه صاحبه وعنه أنه الاب فله أن يعفوا عن نصف
صداق ابنته الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول) اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح فظاهر مذهب أحمد أنه الزوج روي ذلك عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ونافع مولى
ابن عمر ومجاهد وإياس بن معاوية وجابر بن زيد وابن سيرين والشعبي والثوري وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الولي إذا كان أبا الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا أو جدا وحكي عن ابن عباس وعلقمة والحسن وطاوس والزهري وربيعة ومالك أنه الولي لان الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح لكونها قد خرجت عن يد الزوج ولان الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ليكون المعفو عنه في الموضعين واحدا ولان الله تعالى بدأ بخطاب الازواج على المواجهة بقوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) ثم قال (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) وهذا خطاب غير حاضر ولنا ما روى الدارقطني باسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولي العقدة الزوج " ولان الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فانه يتمكن من قطعه وفسخه وامساكه وليس للولي منه شئ ولان الله تعالى قال (وان تعفوا أقرب للتقوى) ولان المهر مال للزوجة فلا يملك الولي هبته واسقاطه كغيره من أموالها وحقوقها كسائر الاولياء ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى الغائب كقوله تعالى (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول ينصف المهر بينهما فان عفى الزوج لها عن النصف الذي له كمل لها الصداق جميعه وان عفت المرأة عن الصف الذي لها منه وتركت
له جميع الصداق جاز إذا كان العافي منهما رشيدا جائز الامر في ماله فان كان صغيرا أو سفيها لم يصح عفوه لانه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط ولا يصح عفو الولي عن الزوجة أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة نص عليه احمد في رواية الجماعة روى عنه ابن منصور إذا طلق وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها أو زوجها ما أرى عفو الاب الا جائزا.
قال أبو حفص ما أرى ما نقله ابن
منصور الا قولا لابي عبد الله قديما فظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة، وان أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الاب وهو الصحيح لان مذهبه أن لا يجوز للاب إسقاط ديون ولده الصغير ولا اعتاق عبيده ولا تصرفه لهم إلا بما فيه مصلحتهم ولا حظ لها في هذا الاسقاط فلا يصح، وإن قلنا برواية ابن منصور لم يصح إلا بخمس شرائط (أحدها) أن يكون أبا لانه الذى يلي مالها ولا يتهم عليها (الثاني) أن تكون صغيرة ليكون وليا على مالها فان الكبيرة تلي مال نفسها (الثالث) أن تكون بكرا لتكون غير متبذلة ولانه لا يملك تزويج الثيب وان كانت صغيرة إلا على بعض الوجوه فلا تكون ولايته عليه تامة (الرابع) أن تكون مطلقة لانها قبل الطلاق معرضة لاتلاف البضع (والخامس) أن يكون قبل الدخول لان ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف، ومذهب الشافعي على نحو هذا إلا أنه يجعل الجد كالاب (فصل) ولو ماتت امرأة الصغير أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل
امرأته ما يفسخ نكاحها برضاع من ينفسخ نكاحها برضاعه أو ردة أو بصفة كطلاق من السفيه أو رضاع من أجنبية لم ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك ولم يكن لوليه العفو عن شئ من الصداق رواية واحدة وهذا قول الشافعي، والفرق بينهم وبين الصغيرة أن وليها أكسبها المهر بتزويجها وههنا لم يكسبه شيئا إنما رجع المهر إليه بالفرقة (فصل) إذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه أو وهبته إياه بعد قبضه وهي جائزة الامر في مالها جاز ذلك وصح بغير خلاف علمناه لقول الله تعالى (إلا أن يعفون) يعني الزوجات.
وقال تعالى (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال احمد في رواية المروزي ليس بشئ قال الله تعالى (فكلوه هنيئا مريئا عنى المهر تهبه المرأة للزوج، وقال علقمة لامرأته هبي لي من الهنئ المرئ يعني من صداقها وهل لها أن ترجع فيما وهبت زوجها؟ فيه روايتان عن أحمد واختلاف من أهل العلم ذكرناه فيما مضى (فصل) إذا طلقت قبل الدخول وتنصف المهر بينهما لم يخل من أن يكون عينا أو دينا فان كان
دينا لم يخل اما أن يكون في ذمة الزوج لم يسلمه إليها أو في ذمتها بأن تكون قد قبضته وتصرفت فيه أو تلف في يدها وأيهما كان فان للذي له الدين أن يعفو عن حقه منه بأن يقول عفوت عن حقي من الصداق أو أسقطته أو أبرأتك منه أو ملكتك إياه أو وهبتكه أو أحللتك منه أو أنت منه في حل أو
تركته لك أي ذلك سقط به المهر وبرئ منه الآخر، وإن لم يقبله لانه إسقاط حق فلم يفتقر إلى قبول كاسقاط القصاص والشفعة والعتق والطلاق ولذلك صح إبراء الميت مع عدم القبول منه ولو رد ذلك لم يرتد وبرئ منه لما ذكرناه، وإن أحب العفو من الصداق في ذمته لم يصح العفو لانه إن كان في ذمة الزوج فقد سقط عنه بالطلاق، وان كان في ذمة الزوجة فلا يثبت في ذمتها الا النصف الذي يستحقه الزوج، وأما النصف الذي لها فهو حقها تصرفت فيه، وانما يتجدد ملك الزوج للنصف بطلاقه فلا يثبت في ذمتها غيره وأيهما أراد تكميل الصداق لصاحبه فانه يتجدد له هبة مبتدأة، وأما ان كان الصداق عينا في يد أحدهما فعفى الذي هو في يده للآخر فهو هبة له تصح بلفظ العفو والهبة والتمليك ولا تصح بلفظ الابراء والاسقاط ويفتقر إلى القبض فيما يشترط القبض فيه، وان عفى غير الذي هو في يده صح بهذه الالفاظ وافتقر إلى مضي زمان يتأني القبض فيه ان كان الموهوب مما يفتقر إلى القبض.
وفيه اختلاف ذكرناه في الهبة (فصل) قال الشيخ رضي الله عنه وإذا أبرأت المرأة زوجها من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه وعنه لا يرجع بشئ، وإن ارتدت قبل الدخول فهل يرجع عليها بجميعه؟ على الروايتين إذا أصدق امرأته عينا فوهبتها له ثم طلقها قبل أن يدخل بها فعن أحمد فيه روايتان
(احداهما) يرجع عليها بنصف قيمتها اختاره أبو بكر وهو أحد قولي الشافعي لانها عادت إلى الزوج بعقد مستأنف فلا يمنع استحقاقها بالطلاق كما لو عادت إليه بالبيع أو وهبها لاجنبي ثم وهبها له (والرواية الثانية) لا يرجع عليها وهو قول مالك والمزني وأحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة إلا أن تزيد العين أو تنقض ثم تهبها له لان الصداق عاد إليه فلو لم تهبه لم يرجع بشئ وعقد الهبة لا يقتضي
ضمانا ولان نصف الصداق تعجل إليه بالهبة فان كان الصداق دينا فأبرأته منه فان قلنا لا يرجع ثم فههنا أولى، وإن قلنا يرجع ثم خرج ههنا وجهان (أحدهما) لا يرجع لان الابراء اسقاط حق وليس بتمليك كتمليك الاعيان ولهذا لا يفتقر إلى قبول، ولو شهد شاهدان على رجل بدين فأبرأه مستحقه ثم رجع الشاهدان لم يغرما شيئا، ولو كان قبضه منه ثم وهبه له ثم رجع الشاهدان غرما (والثاني) يرجع لانه عاد إليه بغير الطلاق فهو كالعين والابراء بمنزلة الهبة ولهذا يصح بلفظها فان قبضت الدين منه ثم وهبته له ثم طلقها فهو كهبة العين لانه تعين بقبضه، وقال أبو حنيفة يرجع ههنا لان الصداق قد استوفته كله ثم تصرفت فيه فوجب الرجوع عليها كما لو وهبته أجنبيا، ويحتمل أن لا يرجع لانه عاد إليه ما أصدقها فأشبه ما لو كان عينا فقبضتها ثم وهبتها، وإن وهبته العين وأبرأته من
الدين ثم فسخت النكاح بفعل من جهتها كاسلامها أو ردتها أو رضاعها لمن يفسخ نكاحها ارضاعه ففي الرجوع عليها بجميع الصداق روايتان كما في الرجوع في النصف سواء (فصل) فان أصدقها عبدا فوهبته ثم طلقها قبل الدخول انبنى ذلك على الروايتين فان قلنا إذا وهبته الكل لم يرجع بشئ رجع ههنا في ربعه، وعلى الرواية الاخرى يرجع في النصف الباقي كله لانه وجده بعينه وبهذا قال أبو يوسف ومحمد والمزني وقال أبو حنيفة لا يرجع بشي لان النصف حصل في يده فقد استعجل حقه.
وقال الشافعي في أحد أقواله كقولنا (والثاني) له نصف النصف الباقي ونصف قيمة الموهوب (والثالث) يتخير بين هذا وبين الرجوع بقيمة النصف.
ولنا أنه وجد نصف ما أصدقها بعينه فأشبه ما لو لم تهبه شيئا (فصل) وان خالع امرأته بنصف صدقها قبل الدخول بها صح وصار الصداق كله له نصفه بالطلاق ونصفه بالخلع ويحتمل أن يصير له ثلاثة أرباعه لانه إذا خالعها بنصفه مع علمه أن النصف يسقط عنه صار مخالفا بنصف النصف الذي يبقى لها فيصير له النصف بالطلاق والربع بالخلع، وان
خالعها بنصف مثل الصداق في ذمتها صح وصار جميع الصداق له نصفه بالطلاق ونصفه بالمقاصة بما في ذمتها له عوض الخلع، ولو قالت أخلعني بما تسلم لي من صداقي فقد صح، وبرئ من جميع
الصداق وكذلك لو قالت اخلعني على أن لاتبعة عليك في المهر صح ويسقط جميعه عنه، وان خالعته بمثل جميع الصداق في ذمتها صح ويرجع عليها بنصفه لانه يسقط نصفه بالمقاصة بالنصف الذي لها عليه ويسقط عنه النصف يبقى له عليها النصف وان خالعته بصداقها كله فكذلك في أحد الوجهين، وفي الآخر لا يرجع عليها بشئ لانه لما خالعها به مع العلم بسقوط نصفه بالطلاق كان مخالعا لها بنصفه ويسقط عنه بالطلاق نصفه ولا يبقى لها شئ (فصل) وإذا أبرأت المفوضة من المهر صح قبل الدخول وبعده وسواء في ذلك مفوضة البضع ومفوضة المهر وكذلك من سمي لها مهر فاسد كالمهر المجهول لان المهر واجب في هذه المواضع وانما جهل قدره والبراءة من المجهول صحيحة لانها إسقاط فصحت في المجهول.
وقال الشافعي لا تصح البراءة في شئ من هذا لان المفوضة لم يجب لها مهر فلا يصح الابراء مما لم يجب وغيرها مهرها مجهول والبراءة من المجهول لا تصح الا أن تقول أبرأتك من درهم إلى الف فيبرأ من مهرها إذا كان دون الالف وسوف نذكر الدليل على وجوبه فيما يأتي فيصح الابراء منه كما لو قال أبرأتك من درهم إلى ألف فإذا أبرأت المفوضة ثم طلقت قبل الدخول فان قلنا لا يرجع إلى المسمى لها لم يرجع ههنا، وإن قلنا يرجع ثم احتمل أن لا يرجع ههنا لان المهر كله سقط بالطلاق ووجبت المتعة بالطلاق ابتداء ويحتمل أن يرجع لانه عاد إليه مهرها بسبب غير الطلاق وفيما يرجع به احتمالان (أحدهما) يرجع بنصف مهر المثل
لانه الذي وجب بالعقد فهو نصف المفروض (والثاني) يرجع بنصف المتعة لانها التي تجب بالطلاق فأشبهت المسمى (فصل) فان أبرأته المفوضة من نصف صداقها ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها لان المتعة قائمة مقام نصف الصداق وقد أبرأته منه فصار كما لو قبضته ويحتمل أن يجب لها نصف المتعة إذا قلنا انه
لا يرجع عليها بشئ إذا أبرأته من جميع صداقها.
(فصل) إذا باع رجل عبدا بمائة ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه ثم وجد المشتري بالعبد عيبا فهل له رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ ارش العيب مع امساكه؟ على وجهين بناء على الروايتين في الصداق إذا وهبته المرأة لزوجها ثم طلقها قبل الدخول، وان كانت بحالها فوهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب بالثمن مع الغرماء وجها واحدا لان الثمن ما عاد منه إلى البائع وكذلك كان يجب اداؤه إليه قبل الفلس بخلاف التي قبلها، ولو كاتب عبدا ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب على السيد أن يؤتيه إياه وكذلك لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه اياه واستوفى الباقي لم يلزمه أن يؤتيه شيئا لان اسقاطه عنه يقوم مقام الايتاء، وخرجه بعض أصحابنا على وجهين بناء على الروايتين في الصداق ولا يصح لان المرأة أسقطت الصداق الواجب لها قبل وجود سبب استحقاق
الزوج عليها نصفه وههنا أسقط السيد عن المكاتب ما وجد بسبب ايتائه اياه فقام اسقاطه مقام ايتائه ولهذا لو قبضه السيد منه ثم آتاه اياه لم يرجع عليه بشئ، ولو قبضت المرأة صداقها أو وهبته لزوجها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها فافترقا.
(فصل) ولا يبرأ الزوج من الصداق الا بتسليمه إلى من يتسلم مالها فان كانت رشيدة لم يبرأ الا بالتسليم إليها أو إلى وكيلها ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره بكرا كانت أو ثبيا قال أحمد إذا أخذ مهر ابنته فأنكرت فذلك لها ترجع على زوجها بالمهر ويرجع الزوج على أبيها فقيل له أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لابيك " قال نعم ولكن هذا لم يأخذ منها انما يأخذ من زوجها وهذا مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة له قبض صداق البكر دون الثيب لان ذاك العادة ولان البكر تستحي فقام أبوها مقامها كما قام مقامها في تزويجها.
ولنا أنها رشيدة فلم يكن لغيرها قبض صداقها كالثيب أو عوض ملكته وهي رشيدة فلم يكن لغيرها قبضه بغير اذنها كثمن مبيعها، وان كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها من أبيها أو وصيه من
الحاكم لانه من جملة أموالها فهو كاجرة دارها.
* (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه واسلامه وردته أو من أجنبي كالرضاع ونحوه يتنصف بها المهر بينهما) لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ثبت في الطلاق وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، وأما فرقة الاجنبي كالرضاع ونحوه تسقط نصف المهر ويجب نصفه أو المتعة لغير من سمى لها ثم يرجع الزوج على من فسخ النكاح إذا جاء الفسخ من قبل أجنبي لانه قرره عليه، وان قتلت المرأة استقر المهر جميعه لانها فرقة حصلت الموت واثبتها النكاح أشبه ما لو ماتت حنف أنفها سواء قتلها زوجها أو أجنبي أو قتلت نفسها أو قتل الامة سيدها وان طلق الحاكم على الزوج في الايلاء فهو كطلاقه لانه قام مقامه في إيفاء الحق عند امتناعه منه * (مسألة) * (وكل فرقة جاءت من المرأة قبل الدخول كاسلامها أو ردتها أو رضاعها من ينفسخ النكاح برضاعه أو ارتضاعها وهي صغيرة أو فسخها لعنته واعساره أو فسخه لعيبها أو فسخها لعتقها تحت عبد فانه يسقط به مهرها ولا تجب المتعة لانها أتلفت العوض قبل تسليمه فسقط البدل كله كالبائع يتلف المبيع قبل تسليمه * (مسألة) * (وفرقة للعان تخرج على روايتين) [ إحداهما ] هي كطلاقه لان سبب اللعان قذفه
الصادر منه فأشبه الخلع (والثانية) يسقط به مهرها لان الفسخ عقب لعانها فهو كفسخها لعيبه * (مسألة) * (وفي فرقة بيع الزوجة من الزوج وشرائها له وجهان) إذا اشترت المرأة زوجها ففيه وجهان [ احدهما ] يتنصف به مهرها، لان البيع الموجب للفسخ تم بالسيد وبالمرأة، فأشبه الخلع (والثاني) يسقط به المهر لان الفسخ وجد عقيب قبولها فأشبه فسخها لعيبه وكذلك شراء الزوج امرأته وان جعل لها الخيار فاختارت نفسها أو وكلها في الطلاق فطلقت نفسها فهو كطلاقه لا يسقط مهرها لان المرأة وان باشرت الطلاق فهي نائبة عنه ووكيلة عنه وفعل الوكيل كفعل الموكل
فكأنه صدر عن مباشرته، وان علق طلاقها على فعل من قبلها لم يسقط مهرها لان السبب منه وجد وإنما هي حققت شرطه والحكم ينسب إلى صاحب السبب * (مسألة) * (وفرقة الموت يستقر بها المهر كله، كالدخول إذا كان المهر مسمى) وفي المفوضة اختلاف نذكره في مواضعه ان شاء الله تعالى ولو قتلت نفسها أو قتلها غيرها فهو كالموت حتف أنفها لانها فرقة حصلت بانقضاء الاجل وأثبتها النكاح فهو كموتها حتف أنفها * (فصل) * قال رضي الله عنه (وإذا اختلف الزوجان في قدر الصداق فالقول قول الزوج مع يمينه وعنه القول قول من يدعى مهر المثل منهما) إذا اختلف الزوجان في قدر الصداق ولا بينة لهما فقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في ذلك فروي عنه أن القول قول الزوج بكل حال، وهذا قول الشعبي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبي ثور
وبه قال أبو يوسف إلا أن يدعي مستنكرا وهو أن يدعى مهرا لا يتزوج بمثله في العادة لانه منكر للزيادة ومدعى عليه فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام " ولكن اليمين على المدعى عليه " وروي عنه أن القول قول من يدعى مهر المثل فإذا ادعت المرأة مهر المثل أو أقل منه فالقول قولها وان ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر فالقول قوله وبهذا قال أبو حنيفة وهو الذي ذكره الخرقي وعن الحسن والنخعي وحماد بن أبي سليمان وأبي عبيد نحوه * (مسألة) * (فان ادعى أقل منه وادعت أكثر منه رد إليه بلا يمين عند القاضي في الاحوال كلها لان الظاهر قول من يدعى مهر المثل فكان القول قوله قياسا على المنكر في سائر الدعاوى وعلى المودع إذا ادعى التلف أو الرد، وقال أبو الخطاب تجب اليمين لانه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه اليمين كسائر الدعاوى في الاموال، وقال القاضي لا تشرع اليمين في الاحوال كلها لانها دعوى في النكاح، والاولى أن يتحالفا فان ما يقوله كل واحد منهما يحتمل الصحة فلا يعدل عنه الا بيمين كسائر الدعاوى، ولانهما تساويا في عدم الظهور فيشرع التحالف كما لو اختلف المتبايعان وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي يتحالفان، فان حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت ما قاله وان حلفا وجب
مهر المثل وبه قال الثوري قياسا على المتبايعين إذا اختلفا في الثمن وقال مالك ان كان الاختلاف قبل الدخول تحالفا وفسخ النكاح وان كان بعده فالقول قول الزوج وبناه على أصله في المبيع فانه يفرض
في التحالف قبل القبض أو بعده لانه إذا سلمت نفسها بغير اشهاد فقد رضيت بامانته، ووجه قول من لا يرى التحالف أنه عقد لا ينفسخ بالتحالف فلا يشرع فيه كالعفو عن دم العمد ولان القول بالتحالف يفضي إلى ايجاب أكثر مما يدعيه أو أقل مما يقر لها به فانها إذا كان مهر مثلها مائة فادعت ثمانين وقال هو بل هو خمسون أوجب لها عشرين يتفقان على أنها غير واجبة ولو ادعت مائتين وقال هو بل مائة وخمسون ومهر مثلها مائة فقد أسقط خمسين يتفقان على وجوبها ولان مهر المثل ان لم يوافق دعوى أحدهما لم يجز ايجابه لاتفاقهما على أنه غير ما أوجبه العقد وان وافق قول أحدهما فلا حاجة في ايجابه إلى يمين من ينفيه لانها لا تؤثر في ايجابه، وفارق البيع فانه ينفسخ بالتحالف ويرجع كل واحد منهما في ماله، وما ادعاه مالك من أنها استأمنته لا يصح فانها لم تجعله أمينا ولو كان أمينا لها لوجب أن تكون أمينة حين لم يشهد عليها على أنه لا يلزم من الاختلاف عدم الاشهاد لانه قد يكون بينهما بينة فيموت أو يغيب أو ينسى الشهادة.
إذا ثبت هذا فكل من قلنا القول قوله فهو مع يمينه لانه اختلاف فيما يجوز بذله فتشرع فيه ليمين كسائر الدعاوي لما ذكرنا من الحديث * (مسألة) * (وان قال تزوجتك على هذا العبد قالت بل على هذه الامة خرج على الروايتين) فان كانت قيمة العبد مهر المثل أو أكثر وقيمة الامة فوق ذلك حلف الزوج ووجب لها قيمة العبد لان قوله يوافق الظاهر ولا يجب عين العبد لئلا يدخل في ملكها ما ننكره، وإن كانت قيمة الامة مهر
المثل أو أقل وقيمة العبد أقل من ذلك فالقول قول الزوجة مع يمينها وهل تجب الامة أو قيمتها؟ فيه وجهان (أحدهما) تجب عينها لاننا قبلنا قولها في القدر فكذلك في العين فأوجبناه وليس في ذلك ادخال ما تنكره في ملكها (والثاني) يجب لها قيمتها لان قولها انما وافق الظاهر في القدر لا في العين فأوجبنا لها ما وافق الظاهر فيه، وإن كان كل واحد منهما قدر مهر المثل أو كان العبد أقل من مهر المثل والامة
أكثر منه وجب مهر المثل بالتحالف وظاهر قول القاضي ومن وافقه أن اليمين لا تشرع في هذا كله والله أعلم (فصل) إذا أنكر الزوج صداق امرأته وادعت ذلك عليه فالقول قولها فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفاها أو أبرأته منه أو قال لا تستحق علي شيئا وسواء في ذلك ما قبل الدخول وبعده وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري والشافعي واسحاق وأصحاب الرأي، وحكي عن الفقهاء السبعة أنهم قالوا إن كان بعد الوفاة فالقول قول الزوج والدخول بالمرأة يقطع الصداق وبه قال مالك قال أصحابه انما قال ذلك إذا كانت العادة تعجيل الصداق كما كان بالمدينة أو كان الخلاف فيما تعجل منه في العادة لانها لا تسلم نفسها في العادة الا بقبضه فكان الظاهر معه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " اليمين على المدعى عليه " ولانه ادعى تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل بغير بينة كما لو ادعى تسليم الثمن أو كما قبل الدخول
(فصل) فان دفع إليها الفا ثم اختلفا فقال دفعتها اليك صداقا وقالت بل هبة فان اختلفا ببينة فقالت قصدت الهبة فقال بل قصدت دفع الصداق فالقول قول الزوج بغير يمين لانه اعلم ببينته ولا تطلع المرأة عليها، وان اختلفا في لفظه فقالت قد قلت هذي هبة أو هدية فأنكرها فالقول قوله مع يمينه لانها تدعي عليه عقدا على ملكه وهو ينكره فأشبه ما لو ادعت عليه بيع ملكه لها لكن ان كان المدفوع من غير جنس الواجب عليه كأن أصدقها دراهم فدفع إليها عرضا ثم اختلفا وحلف أنه دفع إليها ذلك من صداقها فللمرأة رد العوض ومطالبته بصداقها قال أحمد في رواية الفضل بن زياد في رجل تزوج امرأة على صداق الف فبعث إليها بقيمته متاعا وثيابا ولم يخبرهم أنه من الصداق فلما دخل سألته الصداق فقال لها قد بعثت اليك بهذا المتاع واحتسبته من الصداق فقالت المرأة صداقي دراهم ترد الثياب والمتاع وترجع إليه بصداقها، فهذه الرواية إذا لم يخبرهم أنه صداق، فأما إذا ادعى أنها احتسبت به من الصداق وادعت المرأة أنه قال هي هبة فينبغي أن يحلف كل واحد منهما ويتراجعان بما لكل واحد منهما وحكي عن مالك أنه ان كان مما جرت العادة بهديته كالثوب والخاتم فالقول قولها لان الظاهر معها والا فالقول قوله
ولنا أنهما اختلفا في صفة انتقال ملكه فكان القول قول المالك كما لو قال اودعتك هذه العين قالت بل وهبتنيها.
(فصل) فان مات الزوجان فاختلفت ورثتهما قام ورثة كل واحد منهما مقامه الا أن من يحلف منهم على الاثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لانه يحلف على نفي فعل الغير وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان مات أحد الزوجين فكذلك وان مات الزوجان فادعى ورثة المرأة التسمية وأنكرها ورثة الزوج جملة لم يحكم عليهم بشئ قال أصحابه انما قال ذلك إذا تقادم العهد لانه تعذر الرجوع إلى مهر المثل لانه تعتبر فيه الصفات والاوقات وقال محمد بن الحسن يقضى بمهر المثل وقال رفر بعشرة دراهم لانه أقل الصداق.
ولنا أن ما اختلف فيه المتعاقدان قام ورثتهما مقامهما كالمتبايعين وما ذكروه ليس بصحيح لان الحق لا يسقط لتقادم العقد ولا يتعذر الرجوع في ذلك كقيم سائر المتلفات (فصل) فان اختلف الزوج وأبو الصغيرة والمجنونة قام الاب مقام الزوجة في اليمين لانه يحلف على فعل نفسه ولان قوله مقبول فيما اعترف به من الصداق فسمعت يمينه كالزوجة فان لم يحلف حتى بلغت وعقلت فاليمين عليها دونه لان الحق لها وانما يحلف هو لتعذر اليمين من جهتها فإذا أمكن في حقها صارت اليمين عليها كالوصي إذا بلغ الاطفال قبل يمينه فيها يحلف فيه فأما في البكر البالغة العاقلة فلا تسمع مخالفة الاب لان قولها مقبول في الصداق والحق لها دونه وأما سائر الاولياء فليس لهم تزويج صغيرة إلا على رواية في بنت تسع وليس لهم أن يزوجوا بدون مهر المثل ولو زوجوها
بدون مهر المثل ثبت مهر المثل من غير يمين فادعى ادعى أنه زوجها بأكثر من مهر مثلها فاليمين على الزوج لان القول قوله في قدر مهر المثل (فصل) إذا أنكر الزوج تسمية الصداق وادعى أنه تزوجها بغير صداق فان كان بعد الدخول نظرنا فان ادعت المرأة مهر المثل أو دونه وجب من غير يمين لانها لو صدقته في ذلك لوجب مهر
المثل فلا فائدة في الاختلاف وإن ادعت أقل من مهر المثل فهي مقرة بنقصها عما يجب لها بدعوى الزوج فيجب ان يقبل قولها بغير يمين وان ادعت أكثر من مهر المثل لزمته اليمين على نفي ذلك ويجب لها مهر المثل وإن كان اختلافهما قبل الدخول انبنى على الروايتين فيما إذا اختلفا في قدر الصداق فان قلنا القول قول الزوج فلها المتعة وإن قلنا القول قول من يدعي مهر المثل قبل قولها ما ادعت مهر المثل هذا إذا طلقها وإن لم يطلقها فرض لها مهر المثل على الروايتين وكل من قلنا القول قوله فعليه اليمين.
* (مسألة) * وإن اختلفا في قبض الصداق فالقول قولها مع يمينها إذا لم تكن بينة) لان الاصل عدمه وإن اختلفا فيما يستقر به فالقول قوله لانه منكر والقول قول المنكر ولان الاصل عدمه.
* (مسألة) * (وان تزوجها على صداقين سر وعلانية أخذ بالعلانية وان كان انعقد بالسر في ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي ان تصادقا على السر لم يكن لها غيره) ظاهر كلام أحمد أنه يؤخذ بالعلانية على ما رواه الاثرم وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى والثوري وأبي عبيد وقال القاضي الواجب المهر الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية وحمل كلام أحمد والخرقي على أن المرأة لم تفر بنكاح السر فثبت مهر العلانية لانه الذي انعقد به النكاح وهذا قول سعيد بن عبد العزيز وأبي حنيفة والاوزاعي والشافعي ونحوه عن شريح والحسن والزهري والحكم بن عتيبة ومالك واسحاق لان العلانية ليس بعقد ولا يتعلق به وجوب شئ ووجه قول الخرقي أنه ان كان مهر السر أكثر من العلانية وجب مهر السر لانه وجب عليه بعقده ولم تسقطه العلانية فنفى وجوبه فاما ان اتفقا على أن المهر الف وأنهما يعقدان العقد بألفين تجملا ففعلا ذلك فالمهر الفان لانها تسمية صححيحة في عقد صحيح فوجب كما لو لم يتقدمها اتفاق على خلافها وهذا أيضا قول القاضي ومذهب الشافعي ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون السر من جنس العلانية نحو أن يكون السر الفا والعلانية الفين أو يكونا من جنسين مثل أن يكون السر مائة درهم والعلانية مائة دينار إذا قلنا ان الواجب مهر العلانية فيستحب
للمرأة أن تفي الزوج بما وعدت به وشرطته من أنها لا تأخذ إلا مهر السر قال أحمد في رواية ابن منصور إذا زوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا بمهر ينبغي لهم أن يفوا ويؤخذ بالعلانية فاستحب الوفاء
بالشرط لئلا يحصل منهم غرور ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " المؤمنون على شروطهم " وعلى قول القاضي إذا ادعى الزوج عقدا في السر انعقد به النكاح فيه مهر قليل فصدقته المرأة فليس لها سواه وان أكذبته فالقول قولها لانها منكرة.
* (مسألة) * (وان قال هو عقد واحد أسررته ثم أظهرته وقالت بل هو عقدان فالقول قولها مع يمينها لان الظاهر أن الثاني عقد صحيح يفيد حكما كالاول ولان المهر في العقد الثاني ان كان دخل بها ونصف المهر في العقد الاول ان ادعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وان أصر على الانكار سئلت المرأة فان ادعت أنه دخل بها في النكاح الاول ثم طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك واستحقت وان أقرت بما يسقط نصف المهر أو جميعه لزمها ما اقرت به (فصل) إذا خلا الرجل بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة وان لم يطأ روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال علي بن الحسين وعروة وعطاء والزهري والاوزاعي واسحاق وأصحاب الرأي وهو قول أصحاب الشافعي القديم قال شريح والشعبي وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد لا يستقر إلا بالوطئ وحكي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وروي ذلك عن أحمد فري عنه يعقوب بن بختان أنه قال إذا اصدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة وذلك لقول الله تعالى (وإن طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها وقال الله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض؟) والافضاء الجماع، ولانها مطلقة لم تمس أشبهت ما لم يخل بها.
ولنا اجماع الصحابة فروى الامام أحمد والاثرم باسنادهما عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء
الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة.
ورواه أيضا عن الاحنف عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب وعن سعيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كلاملا.
وهذه قضايا اشتهرت ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان اجماعا، وما رواه عن ابن عباس: لا يصح، قال أحمد يرويه ليث وليس بالقوي وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث وحنظلة أقوى من ليث وحديث ابن مسعود منقطع قاله ابن المنذر ولان التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجرت دارها أو سلمتها أو باعتها، وأما قوله تعالى (من قبل أن تمسوهن) فيحتمل أنه كنى بالسبب عن المسبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه، وأما قوله (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) فقد حكي عن الفراء أنه قال الافضاء الخلوة دخل بها أو لم يدخل لان الافضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي فكأنه قال وقد خلا بعضكم إلى بعض (فصل) وحكم الخلوة حكم الوطئ في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم اختها وأربع سواها إذا
طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها، وقال الثوري وأبو حنيفة لا رجعة له عليها إذا أقر أنه لم يصبها ولنا قول الله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) ولانها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها وكمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة كما لو أصابها ولها عليه نفقة العدة والسكنى لان ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة وتفارق الخلوة الوطئ في أنها لا تثبت بها الاباحة للزوج المطلق ثلاثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " ولا يثبت بها الاحصان لانه يعتبر لايجاب الحد والحدود تدرأ بالشبهات ولا يجب الغسل لانها ليست من موجبات الغسل اجماعا ولا يخرج بها من العنة لان العنة العجز عن الوطئ فلا تزول إلا بحقيقته ولا تحصل بها الفيئة لانها الرجوع عما حلف عليه وانما حلف على ترك الوطئ، ولان حق المرأة لا يحصل إلا بيقين الوطئ ولا تفسد بها العبادات ولا تجب بها الكفارة، وأما تحريم الربيبة فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة، وقال القاضي وابن عقيل لا تحرم، وحمل القاضي
كلام احمد على انه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين أن ذلك يحرم والصحيح أنها لا تحرم لقول الله تعالى (فان لم تكونوا دخلتم بهن) والدخول كناية عن الوطئ والنص صريح في إباحتها بدونه فلا يجوز خلافه
(فصل) وسواء في ذلك الخلوة بها وهما محرمان أو صائمان أو حائض أو سالمان من الوطئ شرعي كالاحرام والصيام والحيض والنفاس أو حقيقي كالجب والعنة والرتق في المرأة فعنه أن الصداق يستقر بكل حال وبه قال عطاء وابن أبي ليلى والثوري لعموم ما ذكرناه من الاجماع وقال عمر في العنين يؤجل سنة فان وطئها وإلا أخذت الصداق كاملا وفرق بينهما وعليها العدة ولان التسليم المستحق عليها قد وجد وانما الحيض والاحرام والرتق من غير جهتها فلا يؤثر في المهر كما لا يؤثر في اسقاط النفقة وروي أنه لا يكمل الصداق وهو قول شريج وأبي ثور لانه لم يتمكن من تسليمها فلم يجب عليه مهرها كما لو منعت نفسها منه يحققه أن المنع من التسليم لا فرق بين كونه من أجنبي أو من العاقد كالاجارة، وعنه رواية ثالثة إن كانا صائمين صوم رمضان لم يكمل الصداق وإن كان غيره كمل قال أبو داود سمعت احمد وسئل عن رجل دخل على أهله وهما صائمان في غير شهر رمضان فأغلق الباب وأرخى الستر؟ قال وجب الصداق، قيل لاحمد فشهر رمضان؟ قال شهر رمضان خلاف لهذا، قيل له فكان مسافرا في رمضان؟ قال هذا مفطر يعنى وجب الصداق وهذا يدل على أنه متى كان المانع متأكدا كالاحرام وصوم رمضان لم يكمل الصداق، وقال القاضي إن كان المانع لا يمنع دواعي الوطئ كالجب والعنة والرتق والمرض والحيض والنفاس وجب الصداق، وإن كان يمنع دواعيه كالاحرام وصيام الفرض فعلى روايتين، وقال أبو حنيفة إن كان المانع من جهتها لم يستقر
الصداق، وإن كان من جهته صيام فرض أو إحرام لم يستقر الصداق أيضا وان كان حقا ادعته كمل الصداق لان المانع من جهته وذلك لا يمنع وجود التسليم المستحق منها فكمل حقها كما تلزم الصغير نفقة امرأته إذا أسلمت إليه (فصل) فان خلا بها وهي صغيرة لا يمكن وطؤها أو كانت كبيرة فمنعته نفسها أو كان أعمى فلم
يعلم بدخولها عليه لم يكمل صداقها نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج المرأة فادخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب فان كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق وأومأ إلى أنها إذا نشزت عليه ومنعته نفسها لا يكمل صداقها.
وذكره ابن حامد وذلك لانه لم يوجد لتمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها، وكذلك لو خلا بها وهو طفل لا يتمكن من الوطئ لم يكمل الصداق لانه في معنى الصغيرة في عدم التمكن من الوط.
(فصل) فان استمتع بامرأته بمباشرة فيما دون الفرج من غير خلوة كالقبلة ونحوها فالنصوص عن احمد انه يكمل به الصداق فانه إذا أخذها فشمها وقبض عليها من غير أن يخلو بها لها الصداق كاملا إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره، وقال في رواية مهنا إذا تزوج امرأة ونظر إليها وهي عريانة تغتسل أوجب عليه المهر، ورواه عن ابراهيم إذا اطلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر لانه نوع استمتاع فهو كالقبلة قال القاضي يحتمل أن هذا ينبني على ثبوت تحريم المصاهرة بذلك وفيه روايتان فيكون في تكميل الصداق به وجهان:
(أحدهما) يكمل به الصداق لما روى الدارقطني عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق دخل بها أو لم يدخل " ولانه مسيس فيدخل في قوله (من قبل أن تمسوهن) ولانه استمتاع بامرأته فكمل به الصداق كالوطئ، (والوجه الآخر) لا يكمل به الصداق وهو قول أكثر أهل العلم لان قول الله تعالى (تمسوهن) انما أريد به في الظاهر الجماع ومقتضى قوله (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) أن لا يكمل الصداق لغير من وطئها ولا تجب عليها العدة، ترك عمومه فيمن دخل بها للاجماع الوارد عن الصحابة فيبقى فيما سواه على مقتضى العموم.
* (فصل) * في المفوضة وهي على ضربين (تفويض البضع) وهو أن يزوج الاب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر (والثاني) تفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أو شاء أجنبي فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل.
يصح النكاح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم بدليل قوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) وروي عن ابن مسعود أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات؟ فقال ابن مسعود لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط
وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الاشجعى فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت.
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح، ولان القصد من النكاح الوصلة والاستمتاع دون الصداق فصح من غير ذكره كالنفقة، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك، ولو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في الثاني صح أيضا وقال بعض الشافعية لا يصح في هذه الصورة لانها تكون كالموهوبة وليس بصحيح فانه يصح فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لان معناهما واحد فما صح في إحدى الصورتين المتساويتين صح في الاخرى وليس كالوهوبة لان الشرط يفسد ويجب المهر، وقد ذكرنا أن المزوجة بغير مهر تسمى مفوضة بكسر الواو وفتحها فمن كسر أضاف الفعل على أنها فاعلة ومن فتح أضافه إلى وليها ومعنى التفويض الاهمال كأنهما أهملت أمر المهر حيث لم تسمه.
قال الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لاسراء لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا يعني مهملين والذي ذكره الخرقي تفوض البضع وهو الذي ينصرف إليه اطلاق التفويض (الضرب الثاني) تفويض المهر وهو أن يجعلا الصداق إلى رأي احدهما أو رأي أجنبي فيقول زوجتك على ما شئت أو على حكمك أو حكمها أو حكم أجنبي ونحوه فهذه لها مهر المثل في ظاهر كلام احمد
لانها لم تزوج نفسها إلا بصداق لكنه مجهول فسقط لجهالته ووجب مهر المثل والتفويض الصحيح أن تأذن المرأة الجائزة الامر لوليها في تزويجها بغير مهر أو بتفويض قدره أو يزوجها أبوها كذلك، فأما إن زوجها غير أبيها ولم يذكر مهرا بغير اذنها في ذلك فانه يجب مهر المثل، وقال الشافعي لا يكون التفويض إلا الصورة الاولى وقد مضى الكلام معه في أن للاب أن يزوج ابنته بدون صداق مثلها فلذلك يجوز تفويضه
* (مسألة) * (ولها المطالبة بفرضه لان النكاح لا يخلو من المهر فوجب لها المطالبة ببيان قدره) وبهذا قال الشافعي ولا نعلم فيه مخالفا فان اتفق الزوجان على فرضه جاز ما فرضاه قليلا كان أو كثيرا سواء كانا عالمين بمهر المثل أو لا، وقال الشافعي في قوله لا يصح الفرض لغير مهر المثل الا مع علمها بمهر المثل لان ما فرضه بدل عن مهر المثل فيحتاج أن يكون المبدل معلوما ولنا أنه إذا فرض لها كثيرا فقد بذل لها من ماله فوق ما يلزمه وان رضيت باليسير فقد رضيت بدون ما يجب لها فلا يمنع من ذلك، قولهم انه بدل لا يصح فان البدل غير المبدل والمفروض ان كان ناقصا فهو بعضه وان كان أكثر فهو الواجب وزيادة ولا يصح جعله بدلا، ولو كان بدلا لما جاز مع العلم لانه يبدل ما فيه الربا بجنسه متفاضلا وقد روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " أترضى أني أزوجك فلانة؟ " قال: نعم، وقال للمرأة " أترضي أن أزوجك فلانا؟ " قالت نعم، فزوج أحدهما بصاحبه فدخل عليها
ولم يفرض لها صداقا فلما حضرته الوفاء قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم يفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا واني قد أعطيتها عن صداقها سهمي الذي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة الف، فاما ان تشاحا فيه ففرض لها مهر مثلها أو أكثر منه فليس لها المطالبة بسواه فان لم ترض به لم يستقر لها حتى ترضاه فان طلقها قبل الدخول فليس لها إلا المتعة لانه لا يثبت لها بفرضه ما لم ترض به كحالة الابتداء، وان فرض لها أقل من مهر المثل فلها المطالبة ولم يثبت لها بفرضه ما لم ترض به.
فان ارتفعا إلى الحاكم فليس له ان يفرض لها الا مهر المثل لان الزيادة ميل عليه والنقصان ميل عليها.
ولا يحل الميل ولانه انما يفرض له بدل البضع فيقدر بقدره كالسلعة إذا اتلفت يرجع إلى تقويمها بقول اهل الخبرة، ويعتبر معرفة مهر المثل ليتوصل إلى امكان فرضه ومتى صح الفرض صار كالمسمى في العقد في انه يتنصف بالطلاق ولا تجب المتعة معه ويلزمها ما فرضه الحاكم سواء رضيت به أو لم ترض كما يلزم ما حكم به.
(فصل) وان فرض لها اجنبي مهر مثلها فرضيته لم يصح وكان وجوده كعدمه لانه ليس بزوج
ولا حاكم فان سلم إليها ما فرض لها فريضته احتمل ان يصح لما ذكرنا فيكون حكمها حكم من لم يفرض لها ويسترجع ما اعطاها لان تصرفه ما صح ولا برئت به ذمة الزوج ويحتمل ان يصح لانه يقوم مقامه في قضاء المسمى فيقوم مقامه في قضاء ما يوجبه العقد غير المسى.
فعلى هذا إذا طلقت قبل الدخول
رجع نصفه إلى الزوج لانه ملكه اياه حين قضى به دينا عليه فيعود إليه كما لو دفعه هو.
ولاصحاب الشافعي مثل هذين الوجهين ولهم وجه ثالث انه يرجع بنصفه إلى الاجنبي وذكره القاضي لنا وجها ثالثا قال شيخنا وقد ذكرنا ما يدل على صحة ما قلناه ولو ان رجلا قضى المسمى عن الزوج صح، ثم ان طلقها قبل الدخول رجع بنصفه إليه وان فسخت نكاح نفسها بفعل من جهتها رجع جميعه إليه وعلى الوجه الآخر يرجع إلى من قضاه.
(فصل) ويجب المهر للمفوضة بالعقد وانما يسقط إلى المتعة بالطلاق وهذا مذهب ابى حنيفة، واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال الصحيح انه يجب بالعقد وقال بعضهم لا يجب بالعقد قولا واحدا ولا يجئ على اصل الشافعي غير هذا لانه لو وجب بالعقد لتنصف بالطلاق كالمسمى في العقد ولنا أنها تملك المطالبة به فكان واجبا كالمسمى ولانه لو لم يجب بالعقد لما استقر بالموت كما في العقد الفاسد ولان النكاح لا يجوز أن يخلو عن المهر والقول بعدم وجوبه يفضي إلى خلوه عنه وإلى أن النكاح انعقد صحيحا وملك الزوج الوطئ ولا مهر فيه وانما لم يتنصف لان الله تعالى نقل غير المسمى لها بالطلاق إلى المتعة كما نقل ما سمى لها إلى نصف المسمى لها، فعلى هذا لو فوض الرجل مهر أمته ثم أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لان المهر وجب بالعقد في ملكه، ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد بغير مهر مثلها أو دخل بها لوجب مهر مثلها حالة العقد لما ذكرناه
ووافق أصحاب الشافعي على ذلك لان الوجوب يستند إلى حالة العقد إلا في الامة التي أعتقها أو باعها في أحد الوجهين (فصل) يجوز الدخول بالمرأة قبل اعطائها شيئا سواء كانت مفوضة أو مسمى لها، وبه قال سعيد
ابن المسيب والحسن والنخعي والثوري والشافعي وروي عن ابن عباس وابن عمر والزهري وقتادة ومالك لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال الزهري مضت السنة ان لا يدخل بها حتى يعطيها شيئا قال ابن عباس يخلع احدى نعليه ويلقيها إليها وروى أبو داود باسناده عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شئ فقال " أعطها درعك، فأعطاها درعه ثم دخل بها ورواه ابن عباس أيضا قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " اعطها شيئا " قال ما عندي قال " أعطها درعك الحطمية " رواه أبو داود والنسائي ولنا حديث عقبة بن عامر في الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها ولم يعطها شيئا وروت عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا رواه ابن ماجه ولانه عوض في عقد معاوضة فلم يقف جواز تسليم المعوض على قبض شئ منه كالثمن في البيع والاجرة في الاجارة، وأما الاخبار فمحمولة على الاستحباب فانه يستحب أن يعطيها قبل الدخول شيئا موافقة
للاخبار ولعادة الناس فيما بينهم ولتخرج المفوضة عن شبه الموهوبة وليكون ذلك اقطع للخصومة ويمكن حمل قول ابن عباس ومن وافقه على الاستحباب فلا يكون بين القولين فرق والله أعلم * (مسألة) * (وإن مات أحدهما قبل الاصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ولها مهر نسائها) إذا مات أحدهما قبل الاصابة وقبل الفرض فللآخر الميراث بغير خلاف فيه فان الله تعالى فرض لكل واحد من الزوجين فرضا وعقد الزوجية ههنا صحيح ثابت فيورث به لدخوله في عموم النص (فصل) (ولها مهر نسائها وعنه أنه يتنصف بالموت الا أن يكون قد فرضه لها) ظاهر المذهب أن لها مهر نسائها وهو الصحيح إن شاء الله تعالى واليه ذهب ابن مسعود ابن شبرمة وابن أبي ليلى والثوري واسحاق.
وروي عن علي وابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة ومالك والاوزاعي لا مهر لها لانها فرقة وردت على تفويض صحيح قبل فرض ومسيس فلم يجب بها مهر كفرقة الطلاق وقال أبو حنيفة كقولنا في المسلمة وكقولهم في الذمية وعن أحمد رواية أخرى لا يكمل وتنصف إذا لم يكن
فرضه لها لان المفروض لها تخالف التى لم يفرض لها في الطلاق فجاز أن تخالفها بعد الموت وللشافعي قولان كالروايتين ولنا ما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قضى لامرأة لم يفرض لها زوجها صداقا ولم
يدخل بها حتى مات فقال لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل ابن سنان الاشجعي فقال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق مثل ما قضيت قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وهو نص في محل النزاع ولان الموت معنى يكمل به المسمى فكمل به مهر المثل للمفوضة كالدخول، وقياس الموت على الطلاق لا يصح فان الموت يتم به النكاح فيكمل به الصداق والطلاق يقطعه ويزيله قبل اتمامه وكذلك وجبت العدة بالموت قبل الدخول ولم تجب بالطلاق وكمل المسمى بالموت ولم يكمل بالطلاق فانها زوجة مفارقة بالموت فكمل لها الصداق كالمسلمة أو كما لو سمى لها ولان المسلمة والذمية لا يختلفان في الصداق في موضع فوجب ان لا يختلفا ههنا وإن كان قد فرضه لها لم يتنصف بالموت على الروايتين جميعا * (مسألة) * (فان طلقها قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا المتعة) إذا طلقت المفوضة البضع قبل الدخول فليس لها الا المتعة نص عليه احمد في رواية جماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والحسن وعطاء وجابر بن زيد والشعبي والنخعي والزهري والثوري والشافعي وأبي عبيد وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى أن لها نصف مهر مثلها لانه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيجوب نصفه بالطلاق قبل الدخول كما لو سمى لها محرما، وقال مالك والليث وابن أبي ليلى المتعة مستحبة غير واجبة لان الله تعالى قال (حقا على المحسنين) فخصهم بها فيدل على أنها على سبيل الاحسان والتفضيل والاحسان ليس بواجب ولانها لو كانت واجبة لم يخص المحسنين دون غيرهم
ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره) والامر يقتضي الوجوب وقال تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) وقال تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن) ولانه طلاق في نكاح يقتضي عوضا فلم يعر عن العوض كما لو سمى مهرا واداء الواجب من الاحسان فلا تعارض بينهما (فصل) فان فرض لها بعد العقد ثم طلقها قبله فلها نصف ما فرض لها ولا متعة وهذا قول ابن عمر وعطاء والشعبي والنخعي والشافعي وأبي عبيد، وعن أحمد أن لها المتعة ويسقط المهر وهو قول أبي حنيفة لانه نكاح عري عن تسمية فوجبت المتعة كما لو لم يفرض لها ولنا قوله تعالى (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) ولانه مفروض يستقر بالدخول فيتنصف بالطلاق قبله كالمسمى في العقد (فصل) والمتعة تجب على كل زوج لكل زوجة مفوضة طلقت قبل الدخول وسواء في ذلك الحر والعبد والحرة والامة والمسلم والذمي والمسلمة والذمية وحكي عن أبي حنيفة لا متعة للذمية وقال الاوزاعي ان كان الزوجان أو أحدهما رقيقا فلا متعة ولنا عموم النص ولانها قائمة مقام نصف المهر في حق من سمى فتجب لكل زوجة على كل زوج كنصف المسمى ولان ما يجب من الفرض يستوي فيه المسلم والكافر والحر والعبد كالمهر (فصل) فأما المفوضة المهر وهي التي يزوجها على ما شاء أحدهما أو التي زوجها غير أبنها بغير
اذنها بغير صداق أو التي مهرها فاسد فانه يجب لها مهر المثل ويتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا متعة لها هذا ظاهر كلام الخرقي وهو مذهب الشافعي، وعن أحمد أن لها المتعة دون نصف المهر وهو الذي ذكره شيخنا في الكتاب كالمفوضة البضع وهو مذهب أبي حنيفة لانه خلا عقدها عن تسمية صحيحة فأشبهت التي لم يسم لها شئ.
ولنا أن هذه لها مهر واجب قبل الطلاق فوجب أن يتنصف كما لو سماه أو نقول لم ترض بغير صداق فلم تجب المتعة كالمسمى لها، وتفارق التي رضيت بغير عوض فانها رضيت بغير صداق وعاد نصفها سليما ففرضت المتعة بخلاف مسئلتنا (فصل) وكل فرقة يتنصف بها المسمى توجب المتعة إذا كانت مفوضة وما سقط به المسمى من الفرق كاختلاف الدين والفسخ بالرضاع ونحوه إذا جاء من قبلها لا يجب به متعة لانها أقيمت مقام
نصف المسمى فسقطت في كل موضع يسقط كما تسقط الابدال إذا سقط مبدلها (فصل) قال أبو داود سمعت أحمد سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يكن فرض لها مهرا ثم وهب لها غلاما ثم طلاقها قبل الدخول قال لها المتعة، وذلك لان الهبة لا تنقص بها المتعة كما لا ينقص بها نصف المسمى وكأن المتعة وانما تجب بالطلاق فلا يصح قضاؤها قبله ولانها واجبة فلا نقص بالهبة كالمسمى * (مسألة) * (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فأعلاها خادم وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها) وجملة ذلك أن المتعة معتبرة بحال الزوج في يساره واعساره نص عليه أحمد وهو وجه الاصحاب
الشافعي والوجه الآخر هو معتبر بحال الزوجة لان المهر معتبر بها كذلك؟؟؟؟؟ القائمة مقامه ومنهم من قال يجزئ في المتعة ما يقع عليه الاسم كما يجزئ في الصداق ذلك ولنا قول الله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وهذا نص في أنها معتبرة بحال الزوج ولانها تختلف ولو اجزأ ما يقع عليه الاسم سقط الاختلاف، ولو اعتبر بحال المرأة لما كان على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
إذا ثبت هذا فقد اختلفت الرواية عن أحمد فيها فروي عنه أعلاها خادم إذا كان موسرا وان كان فقيرا متعها كسوتها درعا وخمارا وثوبا تصلي فيه ونحو ذلك قال ابن عباس والزهري والحسن قال ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة ونحو ما ذكرنا في أدناها قال الثوري والاوزاعي وعطاء ومالك وأبو عبيد وأصحاب الرأي قالوا درع وخمار وملحفة * (مسألة) * (وعن أحمد يرجع في تقديرها إلى الحاكم) وهو أحد قولي الشافعي لانه أمر لم يرد الشرع بتقديره وهو مما يحتاج إلى الاجتهاد فيجب الرجوع فيه إلى الحاكم كسائر المجتهدات وعنه يجب لها نصف مهر المثل ذكرها القاضي في المجرد فقال هي مقدرة بما يضاف مهر المثل لانها بدل عنه فيجب أن تنقدر به، قال شيخنا وهذه الرواية تضعف لوجهين
(أحدهما) أن نص الكتاب يقتضي تقديرها بحال الزوج وتقديرها بنصف المهر يوجب اعتبارها
بحال المرأة لان مهرها معتبر بها لا بزوجها (الثاني) أنا لو قدرناها بنصف مهر المثل لكانت نصف مهر المثل إذ ليس المهر معينا في ش؟؟، ووجه الرواية الاولى قول ابن عباس أعلى المتعة الخادم ثم دون ذلك الكسوة رواه أبو حفص اسناده وقدرها بكسوة يجوز لها الصلاة فيها لان الكسوة الواجبة بمطلق الشرع تتقدر بذلك كالكسوة في الكفارة والسترة في الصلاة، وروي كنيف السلمي أن عبد الرحمن بن عوف طلق تماضر الكلبية فحملها بجارية سوداء يعني متعها قال ابراهيم العرب تسمي المتعة للتحميم وهذا فيما إذا تشاحا في قدرها فان سمح لها بزيادة على الخادم أو رضيت باقل من الكسوة جاز لان الحق لهما وهو مما يجوز بذله فجاز ما اتفقا عليه كالصداق وقد روي عن الحسن بن علي أنه متع المرأة بعشرة آلاف درهم فقالت * متاع قليل من حبيب مفارق *
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: