الفقه الحنبلي - احكام النكاح -
* (مسألة) * (فان دخل بها استقر مهر المثل لان الوطئ في نكاح من غير مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان طلقها بعد ذلك فهل تجب المتعة؟ على روايتين أصحهما لا تجب) كل من وجب لها نصف المهر لم تجب لها متعة سواء
كانت ممن سمى لها صداقا أو لم يسم لها لكن فرض لها بعد العقد وبهذا قال أبو حنيفة فيمن سمي لها وهو قديم قولي الشافعي وروي عن أحمد لكل مطلقة متاع وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن
وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك وأبي ثور لظاهر قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) ولقوله سبحانه لنبيه عليه السلام (قل لازواجك - إلى قوله - فتعالين أمتعكن) فعلى هذه الرواية لكل مطلقة متاع سواء كانت مفوضة أو سمي لها مدخولا بها أو غيرها لما ذكرنا وظاهر المذهب أن المتعة لا تجب إلا المفوضة التي لم يدخل بها إذا طلقت قال أبو بكر كل من روى عن أبي عبد الله فيما أعلم روى عنه أنه لا بحكم بالمتعة إلا لمن سمي لها مهر إلا حنبلا روى عن أحمد أن لكل مطلقة متاعا قال أبو بكر والعمل عليه عندي لولا تواتر الروايات عنه بخلافها ولنا قوله تعالى (ولا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) الآية فخص الاولى بالمتعة والثانية بنصف المفروض مع تسلمه
للنساء قسمين واثباته لكل قسم حكما فيدل ذلك على اختصاص كل قسم بحكمه وهذا يخص ما ذكروه ويحتمل أن يحمل الامر بالمتاع في غير المفوضة على الاستحباب كدلالة الآيتين اللتين ذكرناهما على نفي وجوبها جمعا بين دلالات الآيات والمعنى فانه عوض واجب في عقد فإذا سمي فيه عوض صحيح لم يجب غير كسائر عقود المعاوضة ولانها لا تجب لها المتعة قبل الفرقة ولا ما يقوم مقامها فلم يجب لها عند الفرقة كالمتوفى عنها زوجها (فصل) قد ذكرنا أن الزوج إذا طلق المسمى لها أو المفوضة المفروض لها بعد الدخول فلا
متعة لواحدة منهما على رواية حنبل وذكرنا قول من ذهب إليه فظاهر المذهب أنه لا متعة لواحدة منهما وهو قول أبى حنيفة وللشافعي قولان كالروايتين وقد ذكرنا ذلك.
إذا هذا فانه يستحب أن يمتعها نص عليه أحمد فقال أنا أوجبها على من لم يسم لها صداقا فان كان قد سمى لها صداقا فلا أوجبها عليه واستحب أن يمتع وان سمي لها صداقا، وانما استحب ذلك لعموم النص الوارد فيها ودلالته على ايجابها وقول علي ومن سمينا من الائمة بها فلما امتنع الوجوب لدلالة الآيتين المذكورتين على نفي الوجوب ودلالة المعنى المذكور عليه تعين حمل الادلة الدالة عليها على الاستحباب أو على أنه أريد به الخصوص، وأما المتوفى عنها فلا متعة لها بالاجماع لان النص العام لم يتناولها وانما تناول المطلقات ولانها أخذت العوض المسمى لها في عقد المعاوضة فلم يجب لها به سواه كما في سائر العقود * (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ومهر المثل معتبر بما يساويها من نساء عصباتها كأختها وعمتها وبنت أخيها وعمها) يعتبر جميع أقاربها كأمها وخالتها وقال مالك يعتبر بمن هي في مثل حمالها ومالها وشرفها ولا يختص باقربائها لان الاغراض انما تختلف بذلك دون الاقارب ولنا قوله في حديث ابن مسعود لها مهر نسائها ونساؤها أقاربها وما ذكره فنحن نشترطه ونشترط معه أن تكون من نساء أقاربها لانها أقرب اليهن، وقوله انما يختلف بهذه الاوصاف دون الاقارب لا يصح لان المرأة تطلب لحسبها كما جاء في الاثر وحسبها يختص به أقاربها ويزداد المهر بذلك ويقل
وقد يكون الحي وأهل القرية لهم عادة في الصداق ورسم مقرر لا يشاركهم فيه غيرهم ولا يغيرونه بتغير الصفات فيعتبر ذلك دون سائر الصفات، واختلفت الرواية عن أحمد فيمن يعتبر من أقاربها فقال في رواية حنبل لها مهر مثلها من نسائها من قبل أبيها فاعتبر بنساء العصبات خاصة وهذا مذهب الشافعي وقال في رواية اسحاق بن هانئ لها مهر نسائها مثل أمها أو أختها أو عمتها أو بنت عمها اختاره أبو بكر وهذا مذهب ابي حنيفة وابن أبي ليلى لانهن من نسائها والاولى أولى فانه قد روي في قصة بروع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في تزويج بنت واشق بمثل مهر نساء قومها، ولان شرف المرأة معتبر في مهرها وشرفا بنسبها وأمها وخالتها لا يساويانها في شرفها، وقد تكون أمها مولاة وهي شريفة، وقد تكون أمها قرشية وهي غير قرشية، وينبغي أن يكون الاقرب فالاقرب، فأقرب نساء عصباتها أخواتها لابيها، ثم عماتها، ثم بنات عمها الاقرب فالاقرب * (مسألة) * (وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والادب والسن والبكارة والثيوبة والبلد) وصراحة نسبها وكل ما يختلف لاجله الصداق وإنما اعتبرت هذه الصفات كلها لان مهر المثل بدل متلف فاعتبرت الصفات المقصودة فيه فان لم يكن في عصباتها من هو في مثل حالها فمن نساء أرحامها كأمها وجداتها وخالاتها وبناتهن.
* (مسألة) * (فان لم يوجد الا دونها زيدت بقدر فضيلتها) لان زيادة فضيلتها تقتضي زيادة في المهر فتقدرت الزيادة بقدر الفضيلة، وإن لم يوجد إلا فوقها نقصت بقدر نقصها كأرش العيب بقدر نقص المبيع (فصل) ويجب مهر المثل حالا لانه بدل متلف فأشبه قيم المتلفات ولا يكون الا من نقد البلد لما ذكرنا ولا تلزم الدية لانها تختلف باختلاف صفات المتلف بل هي مقدرة بالشرع فكانت بحكم ما جعله من الحلول والتأجيل فلا يعتبر بها غيرها ولانها عدل بها عن سائر الابدال فيمن وجب عليه فكذلك في تأجيلها تخفيفا عنه بخلاف غيرها
* (مسألة) * (فان كانت عادة نسائها تأجيل المهر فرض مؤجلا في أحد الوجهين) لانه مهر مثلها (والثاني) يفرض حالا لما ذكرنا وان كان عادتهم التخفيف عن عشيرتهم دون
غيرهم اعتبر ذلك وهذا مذهب الشافعي، فان قيل فإذا كان مهر المثل بدل متلف يجب أن لا يختلف باختلاف المتلف كسائر المتلفات، قلنا النكاح يخالف سائر المتلفات فان سائر المتلفات المقصود بها المالية خاصة فلم تختلف باختلاف المتلفين والنكاح يقصد به أعيان الزوجين فاختلف باختلافهم ولان سائر المتلفات لا تختلف باختلاف العوائد والمهر يختلف بالعادات، فان المرأة ان كانت من قوم عادتهم تخفيف مهور نسائهم وجب مهر المرأة منهم خفيفا، وإن كانت أفضل وأشرف من نساء عادتهم تثقيل المهر وعلى هذا متى كانت عادتهم التخفيف لمعنى مثل الشرف واليسار ونحو ذلك اعتبر جريا على عادتهم * (مسألة) * (فان لم يكن لها أقارب اعتبر شبهها من أهل بلدها) فان عدم ذلك اعتبرنا أقرب النساء شبها بها من أقرب البلاد إليها من غيرهم كما اعتبرنا قرابتها البعيد إذا لم يوجد القريب.
* (فصل) * قال رضي الله عنه (فأما النكاح الفاسد فمتى افترقا قبل الدخول بطلاق أو غيره فلا مهر) لان المهر يجب بالعقد والعقد فاسد، فان وجوده كالعدم ولانه عقد فاسد فيخلو من العوض كالبيع الفاسد * (مسألة) * (فان دخل بها استقر المسمى وعنه يجب مهر المثل وهي أصح) المنصوص عن أحمد أن لها المسمى لان في بعض ألفاظ حديث عائشة " ولها الذي أعطاها بما أصاب منها " قال القاضي حدثناه أبو بكر البرقاني وأبو محمد الخلال باسناديهما، وقال أبو حنيفة الواجب الاقل من المسمى أو مهر المثل لانها ان رضيت بدون مهر مثلها فليس لها أكثر منه كالعقد الصحيح وان كان المسمى أكثر لم تجب الزيادة بعقد غير صحيح، والصحيح وجوب مهر المثل، أومأ إليه أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فان أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فجعل لها
المهر بالاصابة، والاصابة انما توجب مهر المثل ولان العقد ليس بموجب بدليل الخبر وأنه لو طلقها قبل مسيسها لم يكن لها شئ وإذا لم يكن موجبا كان وجوده كعدمه وبقي الوطئ موجبا بمفرده فأوجب مهر المثل كوطئ الشبهة ولان القسمة لو فسدت لوجب مهر المثل فإذا فسد العقد من أصله كان أولى، وقول أبي حنيفة إنها رضيت بدون صداقها انما يصح إذا كان العقد هو الموجب، وقد بينا أنه إنما يجب بالاصابة فيوجب مهر المثل كاملا كوطئ الشبهة.
* (مسألة) * (ولا يستقر بالخلوة) وهو قول أكثر أهل العلم، وقال أصحابنا يستقر قياسا على العقد الصحيح ونص عليه أحمد والاول أولى لان الصداق لم يجب بالعقد وانما أوجبه الوطئ ولم يوجد ولذلك لا يتنصف بالطلاق قبل الدخول فأشبه الخلوة بالاجنبية ولان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لها المهر بما استحل من فرجها ولم يوجد ذلك في الخلوة بغير إصابة وقد ذكرناه.
(فصل) إذا تزوجت المرأة تزويجا فاسدا لم يحل تزويجها لغير من تزوجها حتى يطلقها أو يفسخ نكاحها فان امتنع من طلاقها فسخ الحاكم نكاحه نص عليه أحمد، وقال الشافعي لا حاجة إلى فسخ ولا طلاق لانه نكاح غير منعقد أشبه النكاح في العدة ولنا أنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد فاحتيج في التفريق إلى إيقاع فرقة كالصحيح المختلف فيه ولان تزويجها من غير فرقة يفضي إلى تسليط زوجين عليها كل واحد منهما يعتقد صحة نكاحه وفساد نكاح الآخر ويفارق النكاح الباطل من هذين الوجهين فعلى هذا متى تزوجت بآخر قبل
التفريق لم يصح الثاني ولم يجز تزويجها حتى يطلق الاولان أو يفسخ نكاحهما ومتى كان التفريق قبل الدخول فلا مهر لانه عقد فاسد لم يتصل به قبض فلم يجب به عوض كالبيع الفاسد وان كان بعد الدخول فلها المهر لما ذكر وان تكرر الوطئ لم يجب به أكثر من مهر واحد بدليل قوله عليه الصلاة السلام " فلها المهر بما استحل من فرجها " ولانه إصابة في عقد أشبه الاصابة في العقد الصحيح * (مسألة) * (ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنا ولا يجب معه أرش البكارة ويحتمل أن يجب للمكرهة) وأما الموطوءة بشبهة فيجب لها مهر المثل بغير خلاف علمناه ويجب للمكرهة على الزنا في ظاهر المذهب، وعن أحمد لا يجب لها مهر إن كانت ثيبا اختاره أبو بكر ولا يجب معه أرش البكارة، وذكر القاضي أن أحمد ذكر في رواية أبي طالب في حق الاجنبية إذا أكرهها على الزنا فعليه المهر وارش البكارة وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة لا مهر للمكرهة على الزنا.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " فلها المهر بما استحل من فرجها " وهي حجة على أبي حنيفة فان المكرهة مستحل لفرجها فان الاستحلال الفعل في غير موضع الحل لقوله عليه السلام " ما آمن بالقرآن من استحل محارمه " وهو حجة أيضا على من أوجب الارش لكونه أوجب المهر وحده من غير ارش ولانه استوفى ما يجب بدله بالشبهة وفي العقد الفاسد فوجب بالتعدي كاتلاف المال وأكل طعام الغير ولنا انه لا يجب الارش لانه وطئ ضمن بالمهر فلم يجب معه ارش كسائر الوطئ يحققه ان المهر بدل المنفعة المستوفاة بالوطئ وبدل المتلف لا يختلف بكونه في عقد فاسد وكونه تمحض عدوانا ولان الارش يدخل في المهر لكون الواجب لها مهر المثل ومهر البكر يزيد على مهر الثيب ببكارتها فكانت الزيادة في المهر مقابلة لما أتلف من البكارة ولا يجب عوضها مرة ثانية يحققه انه أخذ ارش البكارة مرة لم يجز أخذه
مرة أخرى فتصير كأنها معدومة ولا يجب لها إلا مهر ثيب ومهر الثيب مع ارش البكارة هو مهر البكر فلا تجوز الزيادة عليه (فصل) ولا فرق بين كون الموطوءة أجنبية أو من ذوات محارمه وهو اختيار أبي بكر ومذهب النخعي ومكحول وأبي حنيفة والشافعي وعن أحمد رواية أخرى ان النساء من ذوات محارمه لا مهر لهن وهو قول الشعبي لان تحريمهن تحريم أصل فلا يجب به مهر كالواط وفارق من حرمت تحريم المصاهرة فان تحريمها طال، وكذلك ينبني أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لانه طارئ وكذلك ينبغي أن يكون الحكم فيمن حرمت بالرضاع لانه طارئ أيضا، وعن أحمد رواية أخرى ان من تحرم ابنتها لا مهر لها كالام والبنت والاخت ومن تحل ابنتها كالعمة والخالة فلها المهر لان تحريمها أخف.
ولنا أن ما ضمن للاجنبي ضمن للمناسب كالمال ومهر الامة ولانه أتلف منفعة بضعها بالوطئ فلزمه مهرها كالاجنبية ولانه محل مضمون على غيره فوجب عليه ضمانه كالمال وبهذا فارق اللواط فانه غير مضمون على أحد (فصل) ولا يجب المهر بالوطئ في الدبر ولا اللواط لان الشرع لم يرد ببدله ولا هو اتلاف لشئ فأشبه القبلة والوطئ دون الفرج، وقال في المحرر يجب بوطئ المرأة في الدبر كالوطئ في القبل والاول أولى لانه ليس بسبب للبضعية أشبه اللواط، ولا يجب للمطاوعة على الزنا لانها باذلة لما يجب
بذله لها فلم يجب شئ كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها إلا أن تكون أمة فيكون المهر لسيدها ولا يسقط ببذلها لان الحق لغيرها فأشبه ما لو بذلت قطع يدها (فصل) ومن طلق امرأته قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى، وقال مالك لا يلزمه إلا مهر واحد.
ولنا أن المفروض تنصف بطلاقه بقوله سبحانه (فنصف ما فرضتم) ووطؤه بعد ذلك عري عن الفعل فوجب به مهر المثل كما لو علم أو كغيرها أو كما لو وطئها غيره فاما من نكاحها باطل بالاجماع
كالمزوجة والمعتدة إذا نكحها رجل فوطئها عالما بالحال وتحريم الوطئ وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لانه زنا يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في العدة فالمهر لها لانه وطئ شبهة وقد روى أبو داود باسناده ان رجلا يقال له نصر بن أكتم نكح امرأة فولدت لاربعة أشهر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها الصداق بما استحل من فرجها وفي لفظ قال " الصداق بما استحللت من فرجها فإذا ولدت فاجلدوها " وروى سعيد في سننه عن عمران بن كثير أن عبيد الله بن الحر تزوج امرأة من قومه يقال لها الدرداء فانطلق عبيد الله فلحق بمعاوية ومات أبو الجارية فزوجها أهلها رجلا يقول له عكرمة فبلغ ذلك عبيد الله فقدم فخاصمهم إلى علي فقصوا عليه قصتهم فرد عليه المرأة وكانت حاملا من عكرمة فوضعت على يد عدل فقالت المرأة لعلي أنا أحق بمالي أو عبيد الله؟ قال بل أنت أحق بمالك.
قالت فاشهدوا أن ما كان لي عند عكرمة من صداق فهو له.
فلما وضعت ما في بطنها ردها على عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه * (مسألة) * (وإذا دفع أجنبية فاذهب عذرتها فعليه ارش بكارتها) وقال القاضي يجب مهر المثل إذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها فعليه ارش بكارتها وهو مذهب الشافعي لانه اتلاف حر لم يرد الشرع بتقدير عوضه فرجع في ديته الي الحكومة كسائر ما لم يقدر ولانه إذا لم يكمل به الصداق في حق الزوج ففي حق الاجنبي أولى وروي عن أحمد أن لها صداق نسائها اختاره القاضي وقال أحمد إن تزوج امرأة فدفعها هو وأخوه فأذهبا
عذرتها ثم طلقها قبل الدخول فعلى الزوج نصف المهر وعلى الاخ نصفه روي عن علي وابنه الحسن وعبد الله بن معقل وعبد الملك بن مروان فروى سعيد ثنا هشيم ثنا مغيرة عن ابراهيم أن رجلا كان عنده أجنبية فخافت امرأته أن يتزوجها فاستعانت نسوة فضبطنها لها فأفسدت عذرتها وقالت لزوجها انها فجرت فأخبر علي رضي الله عنه بذلك فأرسل إلى امرأته والنسوة فلما أتينه لم يلبثن أن اعترفن فقال للحسن بن علي اقض فيها يا حسن فقال الحد على من قذفها والمهر عليها وعلى الممسكات فقال علي لو كلفت
الابل طحنا لطحنت وما يطحن يومئذ بعير قال ثنا هشيم أنا اسماعيل بن سالم أخبرنا الشعبي أن جواري أربعا قالت احداهن هي رجل وقالت الاخرى هي امرأة وقالت الثالثة هي أبوالتي زعمت أنها رجل وقالت الرابعة هي أبوالتي زعمت أنها امرأة فخطبت التي زعمت أنها أبو الرجل التي زعمت أنها أبو المرأة فزوجوها إياها فعمدت إليها فافسدتها باصبعها فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فجعل الصداق بينهن أربعا وألقى حصة التي أمكنت من نفسها فبلغ ذلك عبد الله بن معقل فقال لو وليت أنا لجعلت الصداق على التي أفسدت الجارية وحدها وهذه قصص نشرت ولم تنكر فكانت اجماعا ولان اتلاف العذرة مستحق بعقد النكاح فإذا أتلفه أجنبي وجب المهر كنفقة البضع والقول الاول هو القياس لولا ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم وأرش البكارة ما بين مهر البكر والثيب والله أعلم * (مسألة) * (فان فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا نصف المسمى) وقال أبو يوسف ومحمد عليه الصداق كاملا لانه أذهب عذرتها في نكاح صحيح فأشبه ما لو أذهبها بالوطئ.
ولنا قول الله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) وهذه مطلقة قبل المسيس فأشبه ما لو لم يدفعها ولانه أتلف ما يستحق اتلافه بالعقد فلم يضمنه لغيره كما لو أتلف عذرة أمته ويتخرج أن يجب لها الصداق كاملا فان أحمد قال إذا فعل ذلك أجنبي عليه الصداق ففيما إذا فعله الزوج أولى فان ما يجب به الصداق ابتداء أحق بتقدير الصداق وقد روي عن أحمد فيمن أخذ امرأته وقبض عليها أو نظر إليها وهي عريانة أن عليه الصداق كاملا فهذا أولى
* (مسألة) * (وللمرأة منع نفسها حتى تقبض مهرها إذا كان حالا) قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها حتى يعطيها مهرها فان قال الزوج لا أسلم إليها الصداق حتى أسلمها أجبر على تسليم الصداق أولا ثم تجبر
هي على تسليم نفسها ومذهب الشافعي في هذا على نحو مذهبه في البيع ولنا أن في اجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع من بذل الصداق فلا يمكن الرجوع في البضع بخلاف المبيع الذي يجبر على تسليمه قبل تسليم ثمنه فإذا تقرر ذلك فلها النفقة إن امتنعت لذلك وإن كان معسرا بالصداق لان امتناعها بحق فان كان الصداق مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لان رضاها بتأجيله رضى منها بتسليم نفسها قبل قبضه كالثمن المؤجل في البيع فان حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لان التسليم قد وجب عليها واستقر قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه فان كان بعضه حالا وبعضه مؤجلا فلها منع نفسها قبل قبض العاجل دون الآجل فان سلمت نفسها قبل قبضه ثم أرادت منع نفسها حتى تقبضه فهل لها ذلك؟ على وجهين وقد توقف أحمد رحمه الله عن الجواب في هذه المسألة وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحاق بن شاقلا إلى أنها ليس لها ذلك وهو قول مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد لان التسليم استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها أن تمنع نفسها بعد ذلك كما لو سلم البائع المبيع وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن لها ذلك وهو مذهب أبي حنيفة لانه تسليم يوجبه عليها عقد النكاح فملكت أن تمتنع منه قبل قبض صداقها الاول فأما إن وطئها مكرهة لم يسقط حقها من الامتناع لانه حصل بغير رضاها فهو كالمبيع إذا أخذه المشتري من البائع كرها فان أخذت الصداق فوجدت به عيبا فلها منع نفسها حتى يبذله أو يعطيها ارشه لان صداقها صحيح وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها خرج على وجهين فيما إذا سلمت نفسها قبل قبض صداقها نم بدا لها أن تمتنع والاولى ههنا أن لها الامتناع لانها انما سلمت نفسها ظنا أنها قد قبضت صداقها بخلاف المسألة المقيس عليها وكل موضع قلنا لها الامتناع من تسليم نفسها فلها السفر بغير إذن الزوج لانه لم يثبت للزوج عليها حق الحبس فصارت كمن لا زوج لها، ولو بقي منه درهم كان كبقاء جميعه لان كل من ثبت له الحبس بجميع البدل
ثبت له الحبس ببعضه كسائر الديون * (مسألة) * (وإن أعسر بالمهر قبل الدخول فلها الفسخ إذا كان حالا) اختاره أبو بكر لانه تعذر الوصول إلى عوض العقد قبل تسليم العوض فكان لها الفسخ كما لو أعسر المشتري بالثمن قبل تسليم المبيع وفيه وجه آخر ليس لها الفسخ اختاره ابن حامد قال شيخنا وهو الصحيح لانه دين فلم ينفسخ بالاعسار به كالنفقة الماضية ولانه لا نص فيه ولا يصح قياسه على الثمن في المبيع لان الثمن كان مقصود البائع والعادة تعجيله والصداق فضلة ونحلة ليس هو المقصود في النكاح ولذلك لا يفسد النكاح بفساده ولا بترك ذكره والعادة تأخيره ولان أكثر من يشتري بثمن حال يكون موسرا به وليس الاكثر أن من يتزوج بمهر يكون موسرا به وفيه وجه ثالث أنه ان أعسر قبل الدخول فلها الفسخ كما لو أفلس المشتري والمبيع بحاله فان كان بعد الدخول لم يملك الفسخ لان المعقود عليه قد استوفي فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد تلف المبيع أو بعضه وللشافعي نحو هذه الوجوه وقيل إذا أعسر بعد الدخول انبنى على منع نفسها إن قلنا لها منع نفسها بالدخول فلها الفسخ كما قبل الدخول، وإن قلنا ليس لها منع نفسها فليس لها الفسخ كما لو أفلس بدين آخر * (مسألة) * (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم) لانه فسخ يجتهد فيه مختلف فيه فأشبه الفسخ للعنة والفسخ للاعسار بالنفقة ولانه لو فسخ بغير حكم اعتقدت أن النكاح انفسخ وأبيح لها أن تتزوج والزوج يعتقد أنها زوجته لم ينفسخ نكاحها فيصير للمرأة زوجان كل واحد يعتقد حلها له وتحريمها على الآخر وهذا لا يجوز في الاسلام وفيه وجه آخر أنه يجوز بغير حكم حاكم كخيار المعتقة تحت العبد والصحيح الاول ولا يصح قياسه على المعتقة لان ذلك متفق عليه وهذا مختلف فيه
* (باب الوليمة) * وهي اسم لدعوة العرس خاصة لا يقع هذا الاسم على غيره كذلك حكاه ابن عبد البر عن ثعلب
وغيره من أهل اللغة وقال بعض أصحابنا وغيرهم إنها تقع على كل طعام لسرور حادث إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر وقول أهل اللغة أقوى لانهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب والعذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الاعذار والخرس والخرسة، عند الولادة والذكيرة دعوة البناء يقال ذكر وخرس مشدد والنقيعة عند قدوم الغائب يقال نقع مخفف والعقيقة الذبح لاجل الولد.
قال الشاعر: كل الطعام تشتهي ربيعه * الخرس والاعذار والنقيعه والحذاق الطعام عند حذاق الصبي والمأدبة اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب والآدب صاحب المأدبة قال الشاعر: نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا يرى الآدب منا ينتقر والجفلى في الدعوة أن يعم الناس بدعوته والنقرى هو أن يخص قوما دون قوم * (مسألة) * (وهي مستحبة) لا خلاف بين أهل العلم في ان الوليمة في العرس سنة مشروعة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها
وفعلها فقال لعبد الرحمن بن عوف حين قال له تزوجت " أولم ولو بشاة " وقال أنس ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب جعل يبعثني أدعو له الناس فاطعمهم لحما وخبزا حتى شبعوا وقال أنس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية لنفسه فخرج بها حتى بلغ بها ثنية الصهباء فبنى بها ثم صنع حيسا في نطع صغير ثم قال " ائذن لمن حولك " فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية متفق عليهن ويستحب أن يولم بشاة لحديث عبد الرحمن بو عوف وقال أنس ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة لفظ البخاري فان أولم بغير هذا جاز فقد أولم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بحيس وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير (فصل) وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم وقال بعض أصحاب الشافعي هي واجبة لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولان الاجابة إليها واجبة
ولنا أنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الاطعمة والخبر محمول على الاستحباب لما ذكرنا وكونه أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام ليس هو بواجب واجابة المسلم واجبة.
* (مسألة) * (والاجابة إليها واجبة إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الاول)
قال ابن عبد البر لا خلاف في وجوب الاجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، وبه يقول مالك والشافعي والثوري والعنبري وأبو حنيفة وأصحابه ومن أصحاب الشافعي من قال هي من فروض الكفايات لان الاجابة اكرام وموالاة فهي كرد السلام ولنا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " وفي لفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها " وقال أبو هريرة شر الطعام الوليمة يدعى لها الاغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواهن البخاري، وهذا عام في معنى قوله شر الطعام طعام الوليمة والله أعلم أي طعام اليمة التي يدعى لها الاغنياء ويترك الفقراء ولم يرد أن كل وليمة طعامها شر الطعام فانه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ولا أمر بالاجابة إليها ولا فعلها ولان الاجابة تجب بالدعوة فكل من دعي فقد وجب عليه الاجابة (فصل) وانما تجب الاجابة على من عين بالدعوة بان يدعو رجلا بعينه أو جماعة معينين * (مسألة) * (فان دعا الجفلى كقوله يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام أو يقول الرسول أمرت أن أدعو كل من لقيت أو شئت لم تجب الاجابة ولم تستحب لانه لم يعين بالدعوة فلم تتعين عليه الاجابة ولانه غير منصوص عليه ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك اجابته وتجوز الاجابة بهذا لدخوله في عموم الدعاء.
* (مسألة) * (أو دعاه فيما بعد اليوم الاول) إذا صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روى الخلاف باسناده عن أبي أنه أعرس فدعا الانصار ثمانية أيام فمتى دعا فيما بعد اليوم الاول فان كان في اليوم الثاني استحبت الاجابة ولم تجب وفي اليوم
الثالث لا تستحب.
قال أحمد الاول يجب والثاني يستحب والثالث فلا وهكذا مذهب الشافعي، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة " رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وروي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة عرس مرتين فأجاب فدعي لثالثة فحصب الرسول رواه الخلال.
(فصل) فان دعاه ذمي لم تجب الاجابة قال أصحابنا لان الاجابة للمسلم للاكرام والموالاة وتأكيد المودة والاخاء فلا تجب على المسلم للذمي ولانه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة وتجوز اجابتهم لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير واهالة سنخة فأجابه ذكره الامام أحمد في الزهد * (مسألة) * (وسائر الدعوات والاجابة إليها مستحبة غير واجبة لما فيها من اطعام الطعام
وكذلك الاجابة إليها) وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وقال العنبري تجب الاجابة إلى كل دعوة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غير عرس " رواه أبو داود ولنا أن الصحيح من السنة انما ورد في اجابة الداعي إلى الوليمة وهي الطعام في العرس خاصة كذلك قال الخليل وثعلب وغيرهما من اهل اللغة وقد صرح بذلك في بعض روايات ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " رواه ابن ماجه وقال عثمان بن أبي العاص كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندعى إليه رواه الامام أحمد في المسند ولان التزويج يستحب اعلانه وكثرة الجمع فيه والتصويت والضرب بالدف بخلاف غيره، فأما الامر بالاجابة إلى غيره فمحمول على الاستحباب بدليل أنه لم يخص به دعوة ذات سبب دون غيرها، واجابة كل داع مستحبة لهذا الخبر، وقد روى البراء ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر باجابة الداعي متفق عليه ولانه جبر قلب للداعي وتطييب قلبه وقد دعي أحمد إلى ختان فأجاب وأكل فأما غير دعوة العرس في حق فاعلها فليست لها فضيلة تختص بها لعدم ورود الشرع بها وهي بمنزلة الدعوة لغير سبب حادث فإذا قصد فاعلها شكر نعمة الله عليه واطعام اخوانه وبذل طعامه فله أجر ذلك ان شاء الله تعالى
* (مسألة) * (وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر وان كان نفلا أو مفطرا استحب له الاكل وان أحب دعا وانصرف) وجملة ذلك أن الواجب الاجابة إلى الدعوة لانها الذي أمر به وتوعد على تركه أما الاكل فغير واجب صائما كان أو مفطرا نص عليه أحمد لكن ان كان صومه واجبا أجاب ولم يفطر لان الفطر محرم والاكل غير واجب وقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فان كان صائما فليدع وان كان مفطرا فليطعم " رواه أبو داود وفي رواية فليصل يعني يدعو، ودعي ابن عمر إلى وليمة فحضر ومد يده وقال بسم الله ثم قبض يده وقال كلوا فاني صائم وان كان صائما تطوعا استحب له الاكل لان له الخروج من الصوم ولان فيه ادخال السرور على قلب أخيه المسلم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال اني صائم فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل ثم صم يوما مكانه ان شئت وان أحب اتمام الصيام " جاز لما ذكرنا من حديث ابن عمر وفعله ولكن يدعو لهم ويبارك ويخبرهم بصيامه ليعلموا عذره فتزول عنه التهمة في ترك الاكل فقد روى أبو حفض باسناده عن عثمان بن عفان أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم فقال اني صائم
ولكن أحببت ان أجيب الداعي فادعو بالبركة وعن عبد الله قال إذا عرض على احدكم الطعام وهو صائم فليقل اني صائم وان كان مفطرا فالاولى له الاكل لانه أبلغ في اكرام الداعي وجبر قلبه ولا يجب عليه الاكل وقال أصحاب الشافعي فيه وجه أنه يجب عليه الاكل لقول النبي صلى الله عليه وسلم " وان كان مفطرا فليطعم " ولان المقصود منه الاكل فكان واجبا كالاجابة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا دعي أحدكم فليجب فان شاء أكل وان شاء ترك " حديث صحيح ولانه لو وجب الاكل لوجب على المتطوع بالصوم فلما لم يلزمه الاكل لم يلزمه إذا كان مفطرا وقولهم المقصود الاكل قلنا بل المقصود الاجابة ولذلك وجبت على الصائم الذي لم يأكل * (مسألة) * (وان دعاه اثنان أجاب أولهما)
لان اجابته وجبت حين دعاه فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ولم تجب اجابة الثاني لانها غير ممكنة مع اجابة الاول فان استويا أجاب أقربهما بابا لما روى أبو داود باسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا اجتمع داعيان فاجب أقربهما بابا فان أقربهما بابا أقربهما جوارا فان سبق أحدهما فأجب الذي سبق " وروى البخاري عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله ان لي جارين فالى أيهما أهدى قال " إلى
أقربهما منك بابا " ولان هذا من أبواب البر فقدم بهذه المعاني فان استويا أجاب أقربهما رحما لما فيه من صلة الرحم فان استويا اجاب أدناهما فان استويا اجابة أقرع بينهما لان القرعة تعين المستحق عند استواء الحقوق.
* (مسألة) * (وان علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر وأمكنه الانكار حضر وانكر والا لم يحضر) من يدعى إلى وليمة فيها معصية كالخمر والزمر والعود ونحوه فأمكنه ازالة المنكر لزمه الحضور والانكار لانه يؤدي فرضين اجابة أخيه المسلم وازالة المنكر، وان لم يقدر على الانكار لم يحضر فان لم يعلم بالمنكر حتي حضر أزاله فان لم يمكنه انصرف ونحو هذا قال الشافعي، وقال مالك أما اللهو الخفيف كالدف والكير فلا يرجع وقاله ابن القاسم وقال أصبغ يرجع وقال أبو حنيفة إذا وجد اللعب فلا بأس أن يقعد فيأكل، وقال محمد بن الحسن ان كان ممن يقتدى به فأحب الي أن يخرج وقال الليث إذا كان فيها الضرب بالعود فلا ينبغي له أن يشهدها.
والاصل في هذا ما روى سفينة أن رجلا أضافه علي فصنع له طعاما فقالت فاطمة لعلي لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأي قراما في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فقال له ما رجعك يا رسول الله
الله فقال انه ليس لي ان أدخل بيتا مزوقا حديث حسن وروى أبو حفص باسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وعن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر فسمع زمارة راع فوضع اصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع رواه أبو داود والخلال ولانه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة
إلى ذلك فمنع منه كما لو قدر على إزالته، ويفارق من له جار مقيم على المنكر والزمر حيث يباح له المقام فان تلك حال حاجة لما في الخروج من المنزل من الضرر * (مسألة) * (وان علم به فلم يره ولم يسمعه فله الجلوس والاكل نص عليه أحمد) وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه فانه سئل عن الرجل يدعى إلى الختان أو العرس وعنده المخنثون فيدعوه بعد ذلك بيوم أو ساعة وليس عنده أولئك فقال أرجو أن لا يأثم ان لم يجب وان أجاب فارجو أن لا يكون آثما فاسقط الوجوب لاسقاط الداعي حرمة نفسه بايجاد المنكر ولم يمنع الاجابة لكون المجيب لا يرى منكرا ولا يسمعه، وقال أحمد انما تجب الاجابة إذا كان المكسب طيبا ولم ير منكرا، فعلى هذا لا تجب اجابة من طعامه من مكسب خبيث لان ايجاده منكر والاكل منه منكر فهو أولى بالامتناع وان حضر لم يأكل * (مسألة) * (وان شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلى أن تزال وان كانت مبسوطة أو على وسائد فلا بأس
إذا كانت صور الحيوان على الستور والحيطان ومالا يوطأ وأمكنه حطها أو قطع رؤوسها فعل وجلس وان لم يمكن انصرف ولم يجلس وعلى هذا أكثر اهل العلم، قال ابن عبد البر هذا اعدل المذاهب وحكاه عن سعد ابن أبي وقاص وسالم وعروة وابن سيرين وعطاء وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير وهو مذهب الشافعي وكان أبو هريرة يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكذلك مالك إلا أنه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة ولعلهم يذهبون إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الملائكة لا تدخل ببتا فيه صورة " متفق عليه وروي عن ابن مسعود أنه دعي إلى طعام فلما قيل له إن في البيت صورة أبى أن يدهب حتى كسرت ولنا ما روت عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال " أتسترين الخدر بشئ فيه تصاوير؟ " فهتكه قالت فجعلت منه منتبذتين كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم متكئا على احداهما رواه ابن عبد البر، ولانها إذا كانت تداس وتبتذل ولم تكن معززه معظمة فلا تشبه الاصنام التي تعبد وتتخذ آلهة فلا تكره وما رويناه أخص مما رووه وقد روي عن أبي طلحة
أنه قيل له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " قال ألم تسمعه يقول " الا رقما في ثوب " متفق عليه وهو محمول على ما ذكرناه من أن المباح ما كان مبسوطا، والمكروه منه ما كان معلقا بدليل حديث عائشة
(فصل) فان قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة قال ابن عباس الصورة الرأس فإذا قطع الرأس فليس بصورة وحكي ذلك عن عكرمة وقد روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت الا أنه كان على الباب تماثيل وكان في البيت ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فمر برأس التماثيل التى على باب البيت فتقطع حتى تصير كهيئة الشرجة ومر بالستر فليقطع منه وسادتان نبوذتان يوطآن ومر بالكلب فليخرج ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وان قطع منه ما لا تبقي الحياة بعد ذهابه كصدره أو بطنه أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي لان الصورة لا تبقى بعد ذهابه فهو كقطع الرأس، وان كان الذاهب يبقى الحيوان بعده كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي فان كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان لم يدخل في النهي لانه ليس بصورة حيوان (فصل) وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم احيوا ما خلقتم " وعن مسروق قال دخلنا مع عبد الله بيتا فيه تماثيل فقال لتمثال منها تمثال من هذا؟ قالوا تمثال من صنم قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " متفق عليهما والامر بعمله محرم كعمله (فصل) فاما دخول منزل فيه صورة فليس بمحرم وإنما أبيح ترك إجابة الدعوة لاجله عقوبة
للداعي باسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد فانه قال في رواية الفضل إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال هو أسهل من أن يكون على الجدار قيل له فان لم يره الا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج؟ فقال لا تضيق
علينا ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم يعني لا يخرج وهذا مذهب مالك فانه كان يكرهها تنزها ولا يراها محرمة، وقال أكثر أصحاب الشافعي إذا كانت الصور على الستور أو ما ليس بموطوء لم يجز له الدخول لان الملائكة لا تدخله ولانه لو لم يكن محرما لما جاز ترك الدعوة الواجبة لاجله ولنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة ابراهيم واسماعيل يستقسمان بالارلام فقال " قاتلهم الله لقد علموا أنهما ما استقسما بها قط " رواه أبو داود وما ذكرنا من خبر عبد الله أنه دخل بيتا فيه تماثيل وفي شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذمة أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم، وروى ابن عائد في فتوح الشام أن النصارى صنعوا لعمر رضى الله عنه حين قدم الشام طعاما فدعوه فقال أين هو؟ قالوا في الكنيسة فأبى أن يذهب وقال لعلي امض بالناس فليتغدوا فذهب علي بالناس فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون وجعل علي ينظر إلى
الصور وقال ما على أمير المؤمنين لو دخل وأكل وهذا اتفاق منهم على إباحة دخولها وفيها الصور لان دخول الكنائس والبيع غير محرم فكذلك المنازل التي فيها الصور وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله كما لو كان فيه كلب ولا يحرم صحبة رفقة فيها جرس مع أن الملائكة لا تصحبهم وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله وزجرا له عن فعله * (مسألة) * (فان سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان فهل تباح؟ على روايتين) أما إذا استعمل ذلك لحاجة من وقاية حر أو برد فلا بأس به لانه يستعمله لحاجة فأشبه الستر على الباب وان كان لغير حاجة ففيه روايتان [ إحداهما ] هو مكروه غير محرم وهو عذر في ترك الاجابة إلى الدعوة بدليل ما روى سالم ابن عبد الله بن عمر قال أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس فكان فيمن آذن أبو أيوب وقد ستروا بيتي بخباء أخضر فأقبل أبو أيوب فاطلع فرأى البيت مستورا بخباء أخضر فقال يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا غلبتنا النساء يا أبا أيوب فقال من خشيت أن يغلبنه فلم أخش أن يغلبنك ثم قال لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج رواه الاثرم.
قال القاضي وكلام أحمد يحتمل
أمرين (أحدهما) الكراهة من غير تحريم لان ابن عمر أقر على فعله ولان كراهته لما فيه من الستر، وذلك لا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس والمأكول والطيب ويحتمل التحريم وهي الرواية الثانية
لما روى الخلال باسناده عن علي بن الحسين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نستر الجدر " واختار شيخنا أن ستر الحيطان مكروه غير محرم وهو مذهب الشافعي إذ لم يثبت في تحريمه حديث وقد فعله ابن عمر وفعل في زمن الصحابة رضي الله عنهم ولو ثبت الحديث حمل عى الكراهة لما ذكرنا والله أعلم (فصل) سئل أحمد عن الستور فيها القرآن فقال لا ينبغي أن يكون شيئا معلقا فيه القرآن ليستهان به ويمسح قبل له فيقلع فكره أن يقلع القرآن، وقال إذا كان ستر فيه ذكر الله فلا بأس، وكره أن يشترى الثوب فيه ذكر الله مما يجلس عليه (فصل) قيل لابي عبد الله الرجل يكتري بيتا فيه تصاوير ترى أن يحكها قال نعم: قال المروذي قلت لابي عبد الله دخلت حماما فرأيت صورة ترى أن أحك الرأس؟ قال نعم، إنما جاز ذلك لان اتخاذ الصورة منكر فجاز تغييرها كآلة اللهو والصليب والصنم ويتلف منها ما يخرجها عن حد الصورة كالرأس ونحوه لان ذلك يكفي.
قال أحمد ولا بأس باللعب ما لم تكن صورة لما روي عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب باللعب فقال " ما هذا يا عائشة؟ " فقلت هذه خيل سليمان فجعل يضحك (فصل) واتخاذ آنية الذهب والفضة محرم فإذا رآه المدعو في منزل الداعي فهو منكر يخرج منه
أجله وكذلك ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة ونحوه.
قال الاثرم سئل أحمد إذا رأى حلقة مرآة فضة ورأس مكحلة يخرج من ذلك؟ فقال هذا تأويل تأولته.
وأما الآنية نفسها فليس فيها شك، وقال مالا يستعمل فهو أسهل مثل الضبة في السكين والقدح وذلك لان رؤية المنكر كسماعه فكما لا يجلس في موضع يسمع فيه صوت الزمر لا يجلس في موضع يرى فيه من يشرب الخمر وغيره من المنكر
* (مسألة) * (ولا يباح الاكل لغير إذن) لان أكل مال الغير بغير اذنه محرم والدعاء إلى الوليمة إذن في الدخول والاكل بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دعي أحدكم فأتى مع الرسول فذلك إذن له " رواه أبو داود، وقال عبد الله بن مسعود إذا دعيت فقد أذن لك، رواه الامام أحمد باسناده * (مسألة) * (والنثار والتقاطه مكروه وعنه لا يكره) اختلفت الرواية عن أحمد في النثار والتقاطه فروي أن ذلك مكروه في العرس وغيره، روي ذلك عن أبي مسعود البدري وعكرمة وابن سيرين وعطاء وعبد الله بن زيد الخطمي وطلحة وزبيد اليامي وبه قال مالك والشافعي وروي عن أحمد انه ليس بمكروه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وقتادة والنخعي وأبي حنيفة وأبي عبيد وابن المنذر لما روى عبد الله بن قرط قال قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست فطفقن
يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كلمة لم أسمعها فسألت من قرب منه فقال قال " من شاء اقتطع " رواه أبو داود.
وهذا جار مجرى النثار.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى وليمة رجل من الانصار ثم أتوا بنهب فأنهب عليه.
قال الراوي ونظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحم الناس أو نحو ذلك فقلت يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة؟ قال " نهيتكم عن نهبة العساكر " ولانه نوع اباحة فأشبه إباحة الطعام للضيفان ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " لا تحل النهبى والمسألة " ولان فيه نهبا وتزاحما وقتالا وربما أخذه من يكره صاحب النثار أخذه لحرصه وشرهه ودناءة نفسه ويحرمه من يحب صاحبه لمروءته وصيانة نفسه وعرضه والغالب عليه هذا فان أهل المروءات يصونون أنفسهم عن مزاحمة سفلة الناس على شئ من الطعام أو غيره ولان في هذا دناءة والله يجب معالي الامور ويكره سفسافها فأما خبر البدنات فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه لا نهبة في ذلك لكثرة اللحم وقلة الآخذين أو فعل ذلك لاشتغاله بالمناسك عن تفريقها.
وفي الجملة فالخلاف إنما هو في كراهية ذلك وأما الاباحة فلا خلاف فيها ولا في الالتقاط لانه نوع إباحة لماله فأشبه سائر المباحات (فصل) فأما ان قسم على الحاضرين ما ينثر مثل اللوز والسكر وغيره فلا خلاف في أن ذلك حسن غير مكروه وقد روي عن أبي هريرة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه تمرا فأعطى كل إنسان
سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات احداهن حشفة فلم يكن منهن تمرة أعجب الي منها شدت في مضاغي رواه البخاري وكذلك إن وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع تناهب فلا يكره أيضا قال المروذي سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر فكرهه وقال يعطون يقسم عليهم وقال علي (1) بن محمد بن بحر سمعت حسن أم ولد أحمد بن حنبل تقول لما حذق ابني حسن قال لي مولاي حسن لا تنثروا عليه فاشترى تمرا وجوزا فأرسله إلى المعلم، قالت وعملت أنا عصيدة وأطعمت الفقراء فقال أحسنت أحسنت وفرق أبو عبد الله على الصبيان الجوز خمسة خمسة * (مسألة) * (ومن حصل في حجره شئ فهو له غير مكروه) لانه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت في حجره وليس لاحد أن يأخذه لما ذكرناه وقال في المحرر يملكه مع القصد وبدون القصد وجهان * (مسألة) * (ويستحب اعلان النكاح والضرب عليه بالدف) وقال أحمد يستحب أن يظهر النكاح ويضرب عليه بالدف حتى يشتهر ويعرف قيل له ما الدف؟ قال هذا الدف، وقال لا بأس بالغزل في العرس كقول النبي صلى الله عليه وسلم للانصار أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحييكم * ولولا الذهب الاحمر * ما حلت بواديكم ولولا الحبة السوداء * ما سمنت عذاريكم
__________
(1) قد ذكره في المغني محمد بن علي
لا على ما يصنع الناس اليوم ومن غير هذا الوجه " ولو لا الحنطة الحمراء ما سمنت عذاريكم " وقال أحمد
أيضا يستحب ضرب الدف والصوت في الاملاك فقيل له ما الصوت؟ قال يتكلم ويتحدث ويظهر والاصل في هذا ما روى محمد بن حاطب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح " رواه النسائي وقال عليه الصلاة والسلام " أعلنوا النكاح " وفي لفظ " أظهروا النكاح " وكان يحب أن يضرب عليها بالدف وفي لفظ " فاضربوا عليه بالغربال " وعن عائشة أنها زوجت يتيمة رجلا من الانصار وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها قالت فلما رجعنا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما قلتم يا عائشة؟ " قالت سلمنا ودعونا بالبركة ثم انصرفنا فقال " ان الانصار قوم فيهم غزل ألا قلتم يا عائشة أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم " روي هذا كله عن عبد الله بن ماجه في سننه وقال أحمد لا بأس بالدف في العرس والختان وأكره الطبل وهو المنكر وهو الكوبة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وانما يستحب الضرب بالدف للنساء ذكره شيخنا رحمه الله (فصل) ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا وان أكل بعضهم أكثر من بعض فلا بأس وقد كان السلف يتناهدون في الغزو والحج ويفارق النثار فانه يؤخذ بنهب وتسالب وتجاذب بخلاف هذا.
* (فصل في آداب الاكل) * يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده وإن كان على وضوء قال المروذي رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وان كان على وضوء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع " رواه ابن ماجه وروى أبو بكر باسناده عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم " يعني به غسل اليدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم " من نام وفي يده ربح غمر فأصابه شئ فلا يلومن الا نفسه " رواه أبو داود ولا بأس بترك الوضوء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط فأني بطعام فقال رجل يا رسول الله ألا آتيك بوضوء قال " ما أريد الصلاة " رواه ابن ماجة وعن جابر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من شعب بالجبل وقد قضى حاجته وبين أيدينا تمر على ترس أو حجفة فدعوناه فأكل معنا وما مس ماء
رواه أبو داود وروي عنه أنه كان يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها من يده ثم قام فصلى ولم يتوضأ رواه البخاري ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين قال أحمد: حديث لا تقطعوا اللحم بالسكين فانه من صنيع الاعاجم وانهشوه نهشا فانه أهنأ وأمرأ قال ليس بصحيح واحتج بهذا الحديث الذي ذكرناه.
(فصل) وتستحب التسمية عند الاكل وأن يأكل بيمينه مما يليه لما روى عمر بن أبي سلمة قال كنت يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم يدي تطيش في الصفحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " متفق عليه وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليأكل
بيمينه فان الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " رواه مسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أكل أحدكم فليذكر الله فان نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يأكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيمن قال بسم الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال " ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر الله قاءما في بطنه " رواهن أبو داود وعن عكراش بن ذؤيب قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجفنة كثيرة الثريد والودك فأقبلنا نأكل فخبطت يدي في نواحيها فقال " يا عكراش كل من موضع واحد فانه طعام واحد " وأتينا بطبق فيه ألوان من الرطب فجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال يا عكراش " كل من حيث شئت فانه غير لون واحد " رواه ابن ماجة ولا يأكل من ذروة الثريد لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلا الصحفه ولكن ليأكل من أسفلها فان البركة تنزل من أعلاها " وفي حديث آخر " كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها تبارك " رواهما ابن ماجة (فصل) ويستحب الاكل بالاصابع الثلاث ولا يمسح يده حق يلعقها قال مهنأ سألت أبا عبد الله عن الاكل بيده كلها فذهب إلى ثلاث أصابع فذكرت له الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير الا ثلاث أصابع وقد روى كعب بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الخلال باسناده ويكره الاكل متكئا لما روى أبو
جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا آكل متكئا " رواه البخاري ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعقها لما روينا وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها " رواه أبو داود وعن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل في قصعة فلحسها استغفرت له القصعة " رواه الترمذي وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وقعت اللقمة من يد أحدكم فليمسح ما عليها من الارض ليأكلها " رواهن ابن ماجة
(فصل) ويحمد الله إذا فرغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الاكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم، وعن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما قال " الحمد الله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين " رواه أبو داود، وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا رفع طعامه " الحمد لله كثيرا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " وعن معاذ بن أنس الجهمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواهن ابن ماجة وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعاما هو وأبو بكر وعمر ثم قال " من قال في أوله بسم الله الله وبركة الله وفي آخره الحمد لله الذي أطعم وأروى وأنعم وأفضل " فقد أدى شكره " ويستحب الدعاء لصاحب الطعام لما روى جابر بن عبد الله قال صنع أبو الهيثم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما فدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغ قال " أثيبوا صاحبكم " قالوا يا رسول الله وما اثابته قال " ان الرجل إذا دخل بينه وأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك اثابته " وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة يعوده فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفطر عندك الصائمون واكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة " رواه أبو داود (فصل) ولا بأس بالجمع بين طعامين فان عبد الله بن جعفر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل
القثاء بالرطب ويكره عيب الطعام لقول ابي هريرة ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط
إذا اشتهى شيئا اكله وان لم يشتهه تركه متفق عليهما وإذا حضر فصادف قوما يأكلون فدعوه لم يكره الاكل لما قدمنا من حديث جابر حين دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معهم ولا يجوز له ان يتحين وقت اكلهم فيهجم عليهم ليطعم معهم لقول الله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه) اي غير منتظرين بلوغ نضجه وعن انس قال ما اكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرجة قال فعلام كنتم تأكلون؟ قال على السفر وقال ابن عباس لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ في طعام ولا شراب ولا يتنفس في الاناء وفي المتفق عليه من حديث ابي قتادة ولا يتنفس احدكم في الاناء وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا وضعت المائدة فلا يقوم الرجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وإن شبع حتى يفرغ القوم وليقعد فان الرجل يخجل جليسه فيقبض يده وعسى أن يكون له في الطعام حاجة " رواهن كلهن ابن ماجة (فصل) قال محمد بن يحيى قلت لابي عبد الله الاناء يؤكل فيه ثم تغسل فيه اليد؟ قال لا بأس به.
وقيل لابي عبد الله ما تقول في غسل اليد بالنخالة؟ قال لا بأس به نحن نفعله.
واستدل الخطابي على جواز ذلك بما روى أبو داود باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أمر امرأة أن تجعل مع الماء ملحا ثم تغتسل به الدم من حيضة، والملح طعام ففي معناه ما أشبه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: