الفقه الحنبلي - الطلاق -
(مسألة) * (فان كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم) نص عليه أحمد وقال هو زوج وبه تجب الملاعنة والقسم وبه قال الحسن والزهري والثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ربيعة ومالك لا يحلها ولنا
ظاهر الآية لانه وطئ من زوج في نكاح صحيح تام أشبه وطئ المسلم (فصل) فان كانا مجنونين أو أحدهما فوطئها أحلها، وقال أبو عبد الله بن حامد لا يحلها لانه لا يذوق العسيلة.
ولنا ظاهر الآية ولانه وطئ مباح في نكاح صحيح أشبه العاقل وقوله (لا يذوق العسيلة) لا يصح فان الجنون إنما هو تفطية العقل وليس العقل شرطا في الشهرة وحصول اللذة بدليل البهائم، لكن ان كان المجنون ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه لم يحصل الحل بوطئه ولا بوطئ مجنونة في هذه الحال لانها لا تذوق العسيلة ولا تحصل لها اللذة ولعل ابن حامد إنما أراد المجنون الذي هذا حاله
فلا يكون ههنا اختلاف وكوطئ مغمى عليها أو نائمة لا تحس بوطئه فينبغي أن لا تحل بهذا لما ذكرنا وحكاه ابن المنذر ويحتمل حصول الحل في ذلك كله لعموم النص، فان وجد على فراشه امرأة فظنها أجنبية أو ظنها جاريته فوطئها فإذا هي امرأته أحلها لانه صادف نكاحا صحيحا، ولو وطئها فأفضاها أو وطئها وهي مريضة تتضرر بوطئه أحلها لان التحريم ههنا لحقها فان استدخلت ذكره وهو نائم أو مغمى عليه لم تحل لانه لم يذق عسيلتها ويحتمل أن تحل لعموم الآية (فصل) فان كان خصيا أو مسلولا أو موجوءا حلت بوطئه لانه يطأ كالفحل ولم يفقد إلا الانزال وهو غير معتبر في الاحلال وهذا قول الشافعي، قال أبو بكر وقد روي عن أحمد في الخصي أنه لا يحلها فان أبا طالب سألته عن المرأة تتزوج الخصي تستحل به قال لا حتى تذوق العسيلة، قال أبو بكر والعمل على ما رواه مهنا أنها تحل ووجه الاول أن الخصي لا يحصل منه لانزال فلا تنال لذة الوطئ فلا يذوق العسيلة، ويحتمل أن أحمد قال ذلك لان الخصي في الغالب لا يحصل منه الوطئ أو ليس مظنة الانزال ولا يحصل الاحلال بوطئه كالوطئ من غير انتشار، والاولى ان شاء الله حصول الاحلال به لانه يحصل بوطئ المراهق الذي لا يحصل منه الانزال ولذلك تحل المراهقة التي لا يتصور منها الانزال قبل البلوغ كذلك هذا وعلى هذا يمنع أن لا تذوق العسيلة إذا حصل منه الانتشار كغير البالغ ولدخوله في عموم الآية.
* (مسألة) * (وان وطئها في الدبر أو وطئت بشبهة أو بملك يمين لم تحل) لان الوطئ في الدبر لا تذوق به العسيلة والوط بالشبهة وبملك اليمين وطئ من غير زوج فلا يدخل
في عموم قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره) فتبقى على المنع (فصل) فان وطئها في ردته أو ردتها لم يحلها لانه ان عاد إلى الاسلام فقد وقع الوطئ في نكاح غير تام لانعقاد سبب البينونة ان لم تعلم في العدة فلم يصادف الوطئ نكاحا وهكذا لو اسلم أحد الزوجين فوطئها الزوج قبل اسلام الآخر لم يحلها لذلك
* (مسألة) * (وان وطئها زوجها في حيض أو نفاس أو احرام أحلها وقال أصحابنا لا يحلها) اشتراط أصحابنا أن يكون الوطئ حلالا فعلى قولهم ان وطئها في حيض أو نفاس أو احرام أو صيام فرض من أحدهما أو منهما لم تحل، وهو قول مالك لانه وطئ حرام لحق الله تعالى فلم يحصل به الاحلال كوطئ المرتدة، وظاهر النص حلها وهو قوله تعالى (حتى تنكح زوجا غيره وهذه قد نكحت زوجا غيره) وأيضا قوله عليه السلام " حتى تذرقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وقد وجد ولانه وطئ في نكاح صحيح في محل الوطئ على سبيل التمام فأحلها كالوطئ المباح وكما لو وطئها وقد ضاق وقت الصلاة أو وطئها مريضة يضرها الوطئ وهذا أصح ان شاء الله تعالى وهو قول أبي حنيفة ومذهب الشافعي، فأما وطئ المرتدة فقد ذكرناه وأشرنا إلى الفرق (فصل) فان تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفا لانه دخل في عموم النص ووطؤه كوطئ الحر
* (مسألة) * وان طلق العبد زوجته اثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره سواء عتقا أو بقيا على الرق) وجملة ذلك أن الطلاق معتبر بالرجال فإذا كان الزوج حرا فطلاقه ثلاث حرة كانت الزوجة أو أمة وان كان عبدا فطلاقه اثنتان حرة كانت زوجته أو أمة فإذا طلق اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره روي ذلك عن عمر وزيد وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب ومالك والشافعي واسحاق وابن المنذر وفيه رواية أخرى أن الطلاق بالنساء وقد ذكرنا ذلك في كتاب الطلاق، والمختار أن الطلاق بالرجال والتفريع عليه.
فعلى هذا إذا طلقها اثنتين حرمت عليه بالطلاق تحريما لا ينحل إلا بزوج وإصابة ولم يوجد ذلك فلا يزول التحريم، هذا ظاهر المذهب وقد روي عن أحمد أنه يحل له أن يتزوجها وتبقى عنده على واحدة وذكر حديث ابن عباس في المملوكين إذا طلقها تطليقتين ثم عتقا فله أن يتزوجها وقال لا أرى شيئا يدفعه وغير واحد يقول به أبو سلمة وجابر وسعيد بن المسيب رواه الامام أحمد في المسند وأكثر الروايات عن أحمد على الاول وقال في حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد وحديث ابن عباس يرويه عمرو بن مغيث ولا أعرفه وقال
ابن المبارك من أبو حسن هذا؟ لقد حمل صخرة عظيمة منكرا لهذا الحديث، قال أحمد أما أبو حسن
فهو عندي معروف ولكن لا أعرف عمرو بن مغيث، قال أبو بكر ان صح الحديث فالعمل عليه وان لم يصح فالعمل على حديث عثمان وزيد وبه أقول وقال أحمد ولو طلق عبد زوجته الامة تطليقتين ثم عتق واشتراها لم تحل له ولو تزوج وهو عبد فلم يطلقها أو طلقها واحدة ثم عتق فله عليها ثلاث تطليقات أو طلقتان ان كان طلقها واحدة لانه في حال الطلاق حر فاعتبر حاله حينئذ كما يعتبر حال المرأة في العدة حين وجودها ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم يملك الاطلاق العبيد اعتبارا بحاله حين الطلاق ولو طلقها في كفره واحدة وراجعها ثم سبى واسترق لم يملك إلا طلقة واحدة ولو طلقها في كفره طلقتين ثم استرق فأراد التزوج بها جاز وله طلقة واحدة لان الطلقتين وقعتا غير محرمتين فلا يتغير حكمهما بما يطرأ بعدهما كما أن الطلقتين من العبد لما وقعتا محرمتين لم يتغير ذلك بالعتق بعدهما * (مسألة) * (وإذا غاب عن مطلقته فأتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها وإلا فلا) وجملة ذلك أن المطلقة المبتونة إذا مضى بعد طلاقها زمن يمكن فيه انقضاء عدتين بينهما نكاح ووطئ فأخبرته بذلك وغلب على ظنه صدقها اما بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها فله أن
يتزوجها في قول عامة اهل العلم منهم الحسن والاوزاعي والثوري والشافعي وابو عبيد واصحاب الرأي وذلك لان المرأة مؤتمنة على نفسها وعلى ما أخبرت به عنها، ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها فيجب الرجوع إلى قولها كما لو أخبرت بانقضاء عدتها فاما ان لم يعرف ما يغلب على ظنه صدقها لم يحل له نكاحها، وقال الشافعي له نكاحها لما ذكرنا أولا والورع أن لا ينكحها ولنا أن الاصل التحريم ولم يوجد غلبة ظن تقل عنه فوجب البقاء عليه كما لو أخبره فاسق عنها (فصل) إذا أخبرت أن الزوج أصابها فأنكرها فالقول قولها في حلها للاول والقول قول الزوج في المهر ولا يلزمه إلا نصفه إذا لم يقر بالخلوة بها فان قال الزوج الاول أنا أعلم انه ما أصابها لم يحل
له نكاحها لانه يقر على نفسه بتحريمها فان عاد فأكذب نفسه وقال قد علمت صدقها دين فيما بينه وبين الله تعالى، فإذا علم حلها لم تحرم بكذبه، وهذا مذهب الشافعي ولانه قد يعلم ما لم يكن علمه ولو قال ما أعلم أنه أصابها لم تحرم عليه بهذا لان المعتبر في حلها له خبر يغلب على ظنه صدقه لا حقيقة العلم (فصل) إذا طلقها طلاقا رجعيا وغاب فقضت عدتها وأرادت التزوج فقال وكيله توقفي كيلا يكون راجعك لم يجب عليها التوقف لان الاصل عدم الرجعة وحل النكاح، فلا يجب الزوال عنه بأمر مشكوك فيه ولانه لو وجب عليها التوقف في هذه الحال لوجب عليها التوقف قبل قوله لان احتمال الرجعة موجود سواء قال أو لم يقل فيفضي إلى تحريم النكاح على كل رجعية غاب زوجها أبدا
(فصل) فإذا قالت قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل ان يعقد عليها لم يجز العقد لان الخبر المبيح للعقد قد زال فزالت الاباحة وان كان ذلك بعد العقد عليها لم يقبل لان ذلك ابطال للعقد الذي لزمها بقولها فلم يقبل كما لو ادعى زوجية امرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الاقرار * (كتاب الايلاء) * الايلاء في اللغة الحلف، يقال آلى يولى إيلاء وألية وجمع الالية ألايا.
قال الشاعر قليل الالايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الالية برت ويقال تألى يتألى وفي الخبر " من يتأل على الله يكذبه " * (مسألة) * (وهو الحلف على ترك الوطئ في موضع الشرع والاصل فيه قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر وكان أبي بن كعب وابن عباس يقرآن يقسمون) * (مسألة) * (ويشترط له أربعة شروط أحدهما) الحلف على ترك الوطئ في القبل لانه الذي يحصل الضرر به فان تركه بغير يمين لم يكن موليا) لان الايلاء الحلف
* (مسألة) * (فان تركه مضرا بها من غير عذر فهل تضرب له مدة الايلاء ويحكم عليه بحكمه؟ على روايتين) أما إذا تركه لعذر من مرض أو غيبة أو نحوه لم تضرب له مدة والا ففيه روايتان (احداهما)
تضرب له مدة أربعة أشهر فان وطئها والا دعي بعدها إلى الوطئ فان امتنع منه أمر بالطلاق كما يفعل في الايلاء سواء لانه أضر بها بترك الوطئ في مدة الايلاء فيلزم حكمه كما لو حلف ولان ما وجب أداؤه إذا حلف على تركه وجب أداؤه إذا لم يحلف كالنفقة وسائر الواجبات، يحققه أن اليمين لا تجعل غير الواجب واجبا إذا حلف على تركه فوجوبه معها يدل على وجوبه قبلها ولان وجوبه في الايلاء انما كان لدفع حاجة المرأة وازالة الغرر عنها وضررها لا يختلف بالايلاء وعدمه فلا يختلف الوجوب، فان قيل فلا يبقى للايلاء أثر فلم أفردتم له بابا؟ قلنا بل له أثر فانه يدل على قصد الاضرار فيتعلق الحكم به وان لم يظهر منه قصد الاضرار اكتفينا بدلالته وإذا لم يوجد الايلاء احتجنا إلى دليل سواه يدل على المضارة فيعتبر الايلاء لدلالته على المقتضى لا لعينه (والثانية) لا تضرب له مدة وهو قول أبي حنيفة والشافعي لانه ليس بمول فلا تضرب له مدة كما لو لم يقصد الاضرار ولان تعليق الحكم بالايلاء يدل على انتفائه عند عدمه إذا لو ثبت هذا الحكم بدونه لم يكن له أثر وليس امتناعه باليمين أقوى من امتناعه بقصد الضرر لانه يمتنع بقصد الضرر وبلزومه الكفارة فلا يصح الالحاق إذا لم يحلف بما إذا حلف لقوة المانع والله أعلم
* (مسألة) * (وان حلف على ترك الوطئ في الدبر أو دون الفرج لم يكن موليا) لانه إذا حلف على ترك الوطئ في الدبر لم يترك الوطئ الواجب عليه ولا تتضرر المرأة بتركه لانه وطئ محرم وقد اكد منع نفسه بيمينه وكذلك ان حلف على ترك الوطئ دون الفرج لانه لم يحلف على الوطئ الذي يطالب به في الفيئة ولا ضرر على المرأة في تركه * (مسألة) * (وان حلف لا يجامعها الاجماع سواء يريد جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا) لانه يمكنه الوطئ الواجب عليه من غير حنث وان قال أردت وطأ لا يبلغ التقاء الختانين فهو مول لانه لا يمكنه الوطئ الواجب عليه في الفيئة بغير حنث وكذلك ان أراد به الوطئ في الدبر أو دون الفرج فكذلك وان لم يكن له نية فليس بمول لانه محتمل فلا يتعين ما يكون به موليا، وان قال والله لا جامعتك جماع سوء لم يكن موليا بحال لانه لم يحلف على ترك الوطئ انما حلف على ترك صفته المكروهة.
* (مسألة) * (وإذا حلف على ترك الوطئ بلفظ لا يحتمل غيره كلفظه الصريح وقوله لا أدخلت ذكري في فرجك وللبكر خاصة لا افتضضتك لم يدين فيه) وجملته أن الالفاظ التي يكون به موليا تنقسم ثلاثة أقسام (أحدها) ما هو صريح في الحكم والباطن جميعا كقوله والله لا أنيكك ولا أدخل أو أغيب
أو أولج ذكري في فرجك ولا افتضضتك للبكر خاصة فهذه صريحة لا يدين فيها لانها لا تحتمل غير الايلاء.
(القسم الثاني) صريح في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وهي عشرة الفاظ لا وطئتك ولا جامعتك ولا باضعتك ولا باعتك ولا باشرتك ولا قربتك ولا أصبتك ولا أتيتك ولا مسستك ولا اغتسلت منك فهذه صريحة في الحكم لانها تستعمل في العرف في الوطئ وقد ورد القرآن ببعضها فقال سبحانه (ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن) وقال (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وقال (من قبل أن تمسوهن) وأما الجماع والوطئ فهما أشهر الالفاظ في الاستعمال فلو قال أردت بالوطئ الوطئ بالقدم وبالجماع اجتماع الاجسام وبالاصابة الاصابة باليد دين فيما بينه وبين الله تعالى ولم يقبل في الحكم لانه خلاف الظاهر والعرف وقد اختلف قول الشافعي فيما عدا الوطئ والجماع من هذه الالفاظ فقال في موضع ليس بصريح في الحكم لانه حقيقة في غير الجماع وقال في لا باضعتك ليس بصريح لانه يحتمل أن يكون انتقاء البضعتين البضعة من البدن بالبضعة منه فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " فاطمة بضعة مني "
ولنا أنه مستعمل في الوطئ عرفا وقد ورد ببعضه القرآن والسنة فكان صريحا كلفظ الوطئ والجماع وكونه حقيقة في غير الجماع لا يبطل بلفظ الوطئ والجماع وكذلك قوله فارقتك وسرحتك في الفاظ الطلاق فانهم قالوا هي صريحة في الفاظ الطلاق مع كونها حقيقة في غيره، وأما قوله باضعتك فهو مشتق من البضع ولا يستعمل هذا اللفظ في غير الوطئ فهو أولى أن يكون صريحا من سائر الالفاظ لانها
تستعمل في غيره وبه قال أبو حنيفة (القسم الثالث) ما لا يكون موليا فيها الا بالنية وهو ما عدا هذه الالفاظ مما يحتمل الجماع كقوله والله لا يجمع رأسي ورأسك شئ لا ساقف رأسي رأسك لا سوءنك لا غيظتك لتطولن غيبتي عنك لا مس جلدي جلدك لا قربت فراشك لا آويت معك لا نمت عندك فهذه ان أراد بها الجماع واعترف بذلك كان موليا والا فلا لان هذه الالفاظ ليست ظاهرة في الجماع كظهور التي قبلها ولم يرد النص في استعمالهما فيه الا أن هذه الالفاظ منقسمة إلى ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة معا وهي قوله لا سوءنك أو لا غيظنك أو لتطولن غيبتي عنك فلا يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر لان غيظها يوجد بترك الجماع فيما دون ذلك وسائر الالفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط فان قال والله لا أدخلت جميع ذكري في فرجك لم يكن موليا لان الوطئ الذي تحصل به الفيئة يحصل بدون إيلاج جميع الذكر فان قال والله لا أولجت حشفتي في فرجك كان كان موليا لان الفيئة لا تحصل بدون ذلك (الشرط الثاني) أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته، ولا خلاف بين أهل العلم في ان الحلف بذلك إيلاء.
* (مسألة) * (فان حلف بنذر أو عتق أو طلاق لم يصر موليا في الظاهر عنه وعنه يكون موليا) إذا حلف على ترك الوطئ بغير اسم الله تعالى وصفة من صفاته مثل ان حلف بطلاق أو عتاق أو صدقة المال أو الحج أو الظهار ففيه روايتان: [ احداهما ] لا يكون موليا وهو قول الشافعي القديم (والرواية الثانية) هو مول، وروي عن ابن عباس انه قال كل يمين منعت جماعها فهي إيلاء وبذلك قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجار والثوري وأبو حنيفة وأهل العراق والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وغيرهم لانها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء كالحلب بالله تعالى ولان تعليق الطلاق والعتاق حلف بدليل أنه لو قال متى حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال ان وطئتك فأنت طالق طلقت في الحال، وقال أبو بكر كل يمين من حرام أو غيرها تجب بها كفارة يكون الحالف بها موليا
وأما الطلاق والعتاق فليس الحلف به إيلاء لانه يتعلق به حق آدمي وما أوجب كفارة تعلق به حق الله تعالى.
(والرواية الاولى) هي المشهورة لان الايلاء المطلق إنما هو القسم ولهذا قرأ أبي وابن عباس (يقسمون) بدل يؤلون وروي عن ابن عباس في تفسير (يؤلون) قال يحلفون بالله ذكره الامام أحمد والتعليق بشرط ليس بقسم ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ولا يجاب بجوابه ولا ذكره أهل العربية في باب
القسم فلا يكون إيلاء وانما يمسى حلفا تجوزا لمشاركته القسم في المعنى المشهور فيه وهو الحث على الفعل أو المنع منه أو توكيد الخبر والكلام عند اطلاقه لحقيقته ويدل على هذا قول الله تعالى (فان فاءوا فان الله غفور رحيم) وانما يدخل الغفران في اليمين بالله وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم " ان الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " متفق عليه وان سلمنا ان غير القسم حلف لكن الحلف باطلاقه إنما ينصرف إلى القسم وانما يصرف إلى غيره بدليل، ولا خلاف في أن القسم بغير الله وصفاته لا يكون إيلاء لانه لا يوجب كفارة ولا شيئا يمنع من الوطئ فلا يكون ايلاء كالخبر بغير قسم وإذا قلنا بالرواية لثانية فلا يكون موليا الا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق كقوله ان وطئتك فعبدي حر أو فأنت طالق أو فأنت علي كظهر أمي أو فأنت حرام أو فلله علي صوم سنة أو الحج أو صدقة فهذا يكون ايلاء لانه يلزمه بوطئها حق يمنعه من وطئها خوفه من وجوبه * (مسألة) * (وان قال ان وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا لانه لو وطئها لم يلزمه حق ولا بصير قاذفا بالوطئ لان القذف لا يتعلق بالشرط ولا يجوز أن تصير زانية بوطئه لها كما لا تصير زانية بطلوع الشمس، وأما قوله ان وطئتك فلله علي صوم هذا الشهر لم يكن موليا لانه لو وطئها بعد مضيه لم يلزمه حق فان صوم هذا الشهر لا يتصور بعد مضي بعضه فلا يلزم بالنذر
كما لو قال ان وطئتك فلله علي صوم أمس فلو قال ان وطئتك فلله علي أن أصلي عشرين رجعة كان موليا وقال أبو حنيفة لا يكون موليا لان الصلاة لا يتعلق بها مال ولا تتعلق بمال فلا يكون الحالف بها
موليا كما لو قال ان وطئتك فلله علي أن أمشي في السوق ولنا أن الصلاة تجب بالنذر فكان الحالف بها موليا كالصوم والحج وما ذكره لا يصح فان الصلاة تحتاج إلى الماء والسترة، وأما المشي في السوق فقياس المذهب على هذه الرواية أنه يكون موليا لانه يلزمه بالحنث في هذا النذر أحد شيئين إما الكفارة وإما المشي فقد صار الحنث موجبا لحق عليه فعلى هذا يكون موليا بنذر فعل المباحات والمعاصي فان نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر المذهب وان سلمنا فالفرق بينهما أن المشي لا يجب بالنذر بخلاف مسئلتنا وإذا استثنى في يمينه لم يكن موليا في قول الجميع لانه لا يلزمه كفارة بالحنث فلم يكن الحنث موجبا لحق عليه وهذا إذا كانت اليمين بالله تعالى أو كانت يمينا مكفرة فأما الطلاق والعتاق فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر فوجوده كعدمه ويكون موليا بهما سواء استثنى أو لم يستثن (الشرط الثالث) أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس ومالك والاوزاعي والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد وقال عطاء والثوري وأصحاب الرأي إذا حلف على أربعة أشهر فما زاد كان موليا وحكى ذلك القاضي أبو الحسين رواية عن أحمد لانه ممتنع عن الوطئ باليمين أربعة أشهر فكان موليا كما لو حلف على
ما زاد وقال النخعي وقتادة وحماد وابن أبي ليلى واسحاق من حلف على ترك الوطئ في قليل من الاوقات أو كثير فتركها أربعة أشهر فهو مول لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وهذا مول لان الايلاء الحلف وهذا حالف ولنا أنه لم يمنع نفسه من الوطئ باليمين أكثر من أربعة أشهر إذا حلف على أربعة فما دونها فلا معنى للتربص لان مدة الايلاء تنقضي قبل ذلك أو مع انقضائه وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة تناولها الايلاء ولان المطالبة انما تكون بعد أربعة أشهر فإذا انقضت المدة بأربعة فما دون لم تصح المطالبة من غير ايلاء وأبو حنيفة ومن وافقه بنوا ذلك على قولهم في العنة إنها تكون في مدة أربعة أشهر وظاهر الآية خلافه فان الله تعالى قال (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فان فاءوا) فعقب الفيئة عقيب التربص بقاء التعقيب فيدل على تأخيرها عنه إذا ثبت هذا فقد حكي
عن ابن عباس أن المؤلي من يحلف على ترك الوطئ ابدا أو مطلقا لانه إذا حلف على ما دون ذلك أمكنه التخلص بغير الحنث فلم يكن موليا كما لو حلف لا وطئها في مدينة بعينها ولنا أنه لا يمكنه التخلص بعد التربص من يمينه بغير حنت فأشبه المطلقة بخلاف اليمين على مدينة معينة فانه يمكن التخلص بغير الحنث ولان الاربعة الاشهر مدة تتضرر المرأة بتأخير الوطئ عنها فإذا حلف على أكثر منها كان موليا كالابد ودليل الوصف ما روي أن عمر رضي الله عنه كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل وازور جانبه * وليس إلى جنبي خليل ألاعبه فوالله لو لا الله لا رب غيره * لزعزع من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يكفني * واكرام بعلي أن ننال مراكبه فسأل عمر نساء كم تصبر المرأة عن الزوج؟ فقلن شهرين وفي الثالث يقل الصبر وفي الرابع ينفد الصبر فكتب إلى أمراء الاجناد أن لا يحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر (فصل) إذا علق الايلاء بشرط مستحيل كقوله والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء أو تقلبي الحجر ذهبا أو يشيب الغراب فهو مؤل لان معنى ذلك ترك وطئها فان ما يراد احالة وجوده يعلق على المستحيلات قال الله تعالى في الكفار (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) معناه لا يدخلون الجنة أبدا.
وقال بعضهم إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب * (مسألة) * (أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل من أربعة أشهر) كقوله والله لا وطئك حتى ينزل عيسى بن مريم أو يخرج الدجال أو الدابة أو غير ذلك من اشراط الساعة أو ما عشت أو حتى أموت أو تموتي أو يموت ولدك أو زيد أو حتى يقدم زيد من مكة والعادة أنه لا يقدم في أربعة أشهر فانه يكون موليا فان الغالب ان ذلك لا يوجد في أربعة أشهر فأشبه ما لو قال والله لا وطئتك في نكاحي هذا كذلك لو علق الطلاق على مرضها أو مرض بعينه، وان قال والله لا وطئتك
إلى قيام الساعة أو حتى آتي الهند أو نحوه فهو مؤل لانه معلوم أنه لا يوجد ذلك في أربعة أشهر لان قيام الساعة له علامات تسبقه فقد علم أنه لا يوجد في المدة المذكورة * (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك حتى تحبلي فهو مؤل) لان حبلها من غير وطئ مستحيل عادة فهو كصعود السماء، وقال القاضي وابو الخطاب وأصحاب الشافعي ليس بمؤل إلا أن تكون صغيرة يغلب على الظن انها لا تحمل في أربعة أشهر أو تكون آيسة فاما ان كانت من ذوات الاقراء لم يكن مؤليا لان حملها ممكن ولنا أن الحمل بدون الوطئ مستحيل عادة فكان تعليق اليمين عليه إيلاء كصعود السما، ودليل استحالته قول مريم (أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ولم اك بغيا؟) ولو لا استحالته لما نسبت نفسها إلى البغاء لوجود الولد وأيضا قول عمر رضي الله عنه: الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت به البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ولان العادة أن الحبل لا يوجد من غير الوطئ فان قالوا يمكن حبلها من وط غيره أو باستدخال منيه قلنا أما الاول فلا فانه لو صرح به فقال لا وطئتك حتى تحبلي من غيري أو ما دمت في نكاحي أو حتى نزني كان مؤليا ولو صح ما ذكروه لم يكن مؤليا وأما الثاني فهو من المستحيلات عادة ان وجد كان من خوارق العادات بدليل ما ذكرناه، وقد قال أهل الطب ان المني إذا يرد لم يخلق منه ولد وصحح قولهم قيام الادلة التي ذكرنا بعضها وجريان العادة على وفق ما قالوه وإذا كل تعليقه على موتها أو موته ايلاء فتعليقه على حبلها من غير وطئ أولى فان قال أردت بقولي حتى تحبلي السببية ولم أرد الغاية ومعناه لا أطؤك لتحبلي قبل منه ولم يكن مؤليا لانه ليس بحالف على ترك الوطئ وانما حلف على ترك قصد الحبل به فان حتى تستعمل بمعنى السببية
* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن موليا حتى ينوي أكثر من أربعة أشهر) لان ذلك بقع على القليل والكثير فلا يصير موليا به فان نوى أكثر من أربعة أشهر صار موليا
* (مسألة) * (وان حلف على ترك الوطئ حتى يقدم زيد أو نحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر أو لا وطئتك في هذه البلدة لم يكن موليا) لانه لا يعلم قدره فهذا ليس بايلاء لكونه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ولانه يمكنه وطؤها في غير البلدة المحلوف عليها وهذا قول الثوري والاوزاعي والشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وقال ابن أبي ليلى وإسحاق هو مول لانه حالف على ترك وطئها ولنا أنه يمكن وطؤها بغير حنث فلم يكن موليا كما لو استثنى في يمينه، فان علقه على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول يقل وجفاف ثوب ونزول المطر في أوانه وقدوم الحاج في زمانه فهذا لا يكون موليا لما ذكرناه، ولانه لم يقصد الاضرار بترك وطئها أكثر من أربعة أشهر أشبه ما لو قال والله لا وطئتك شهرا (فصل) فان علقه على فعل منها هي قادرة عليه أو فعل من غيرها فهو منقسم ثلاثة أقسام
(أحدها) أن يعلقه على فعل مباح لا مشقة فيه كقوله والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار أو تلبسي هذا الثوب أو حتى أتنفل بصوم يوم أو حتى أكسوك، فهذا ليس بايلاء لانه ممكن الوجود بغير ضرر عليه فيه (الثاني) أن يعلقه على محرم كقوله والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطي ولدك أو تتركي صلاة الفرض أو حتى أقتل زيدا ونحوه فهذا إيلاء لانه علقه على ممتنع شرعا فأشبه الممتنع حسا (الثالث) أن يعلقه على ما على فاعله فيه مضرة كقوله والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك أو جنينك أو حتى تكفلي ولدي أو حتى تهبيني دارك أو حتى يبيعني أبوك داره أو نحو ذلك فهذا ايلاء لان أخذه لمالها أو مال غيرها عن غير رضى صاحبه محرم فجرى مجرى شرب الخمر فان قال والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا أو أفعل في حقك جميلا لم يكن ايلاء لان فعله ذلك ليس بمحرم ولا ممتنع فجرى مجرى قوله حتى أصوم يوما.
(فصل) فان قال والله لا وطئتك الا برضاك لم يكن موليا لامكان وطئها بغير حنث ولانه محسن في
كونه ألزم نفسه اجتناب سخطها، وعلى قياس ذلك كل حال يمكنه الوطئ فيها بغير حنث كقوله والله لا وطئتك مكرهة أو محزونة ونحو ذلك فان قال والله لا وطئتك مريضة لم يكن موليا الا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن يكون موليا لانه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر
فان قال ذلك لها وهي صحيحة فمرضت مرضا يمكن برؤه قبل أربعة اشهر لم يصر موليا وان لم يرج برؤه فيها صار موليا، وكذلك ان كان الغالب أنه لا يزول في أربعة أشهر لان ذلك بمنزلة ما لا يرجى زواله وان قال والله لا وطئتك حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة فرضا لم يكن موليا لان ذلك ممنوع منه شرعا فقد آكد منع نفسه بيمينه، وان قال والله لا وطئتك طاهرا أولا وطئتك وطأ مباحا صار موليا لانه حالف على ترك الوطئ الذي يطالب به في الفيئة فكان موليا كما لو قال والله لا وطئتك في قبلك وان قال والله لا وطئتك ليلا أو والله لا وطئك نهارا لم يكن موليا لان الوطئ ممكن بدون الحنث * (مسألة) * (وان قال ان وطئتك فوالله لا وطئتك وان دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يكن موليا في الحال لانه لا يلزمه بالوطئ حق لكن ان وطئها أو دخلت الدار صار موليا) لانها تبقى يمينا تمنع الوطئ على التأييد وهذا الصحيح عن الشافعي ويحتمل أن يكون موليا، وحكي عنه قول قديم أنه يكون موليا من الاول لانه لا يمكنه الوطئ الا أن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر ولانه علقه على شئ إذا وجد صار موليا فيصير موليا في الحال كذلك ههنا ولنا أن يمينه معلقة على شرط ففيما قبله ليس بحالف فلا يكون موليا ولانه يمكنه الوطئ من غير حنث فلم يكن موليا كما لو لم يقل شيئا
* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئك في السنة الا مرة لم يصر موليا في الحال) لانه يمكنه الوطئ بغير حنث فلم يكن ممنوعا من الوطئ بحكم يمينه فان وطئها وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صار موليا وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وظاهر مذهب الشافعي وقال الشافعي في القديم يكون موليا في الحال لانه لا يمكنه الوطئ الا بأن يصير موليا فيلحقه بالوطئ ضرر
ولنا أن يمينه معلقة بالاصابة فقيلها لا يكون حالفا لانه لا يلزمه بالوطئ شئ وكونه يصير موليا لا يلزمه به شئ انما يلزمه بالحنث، وقوله لا يمكنه الوطئ الا بأن يصير موليا ممنوع فيما إذا لم يطأ إلا وقد بقي من السنة أربعة أشهر فما دون * (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك في السنة إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين) وهو قول أبي حنيفة لان اليوم منكر فلم يختص يوما دون يوم وكذلك لو قال صمت رمضان إلا يوما لم يختص اليوم الآخر، وكذلك لو قال لا أكلمك في السنة إلا يوما لم يختص يوما منها، وفيه وجه آخر أنه يصير موليا في الحال لان اليوم المستثنى يكون من آخر المدة كالتأجيل، ومدة الخبار بخلاف قوله لا وطئتك في السنة إلا مرة فان المرة لا تختص وقتا بعينه، ومن نصر الاول فرق بين هذا وبين التأجيل ومدة الخيار من حيث أن التأجيل ومدة الخيار تجب الموالاة فيهما ولا يجوز أن يتخلاهما يوم لا أجل فيه ولا خيار لو جازت له المطالبة لزم قضاء الدين فيسقط التأجيل
بالكلية ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز فتعين جعل اليوم المستثني من آخر المدة بخلاف ما نحن فيه فان جواز الوطئ في يوم من أول السنة أو أوسطها لا يمنع حكم اليمين فيما بقي منها فصار كقوله لا وطئتك في السنة إلا مرة (فصل) فان قال والله لا وطئك عاما ثم قال والله لا وطئتك عاما فهو إيلاء واحد حلف عليه بيمينين الا أن ينوي عاما آخر سواه، فان قال والله لا وطئتك عاما ثم قال والله لا وطئتك نصف عام أو قال والله لا وطئتك نصف عام ثم قال والله لا وطئتك عاما دخلت المدة القصيرة في الطويلة لانها بعضها ولم يجعل إحداهما بعد الاخرى فأشبه ما لو أقر بدرهم لرجل ثم أقر له بنصف درهم أو أقر بنصف درهم ثم بدرهم فيكون إيلاء واحدا لهما وقت واحد وكفارة واحدة، وان نوى باحدى المدتين غير الاخرى في هذه أو في التي قبلها أو قال والله لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك عاما فهما إيلاآن في زمانين لا يدخل حكم أحدهما في الآخر، أحدهما منجز والآخر متأخر فإذا مضى حكم أحدهما بقي حكم الآخر لانه أفرد كل واحد منهما بزمن غير زمن صاحبه فيكون له حكم ينفرد به، فان قال في المحرم والله
لا وطئتك هذا العام ثم قال في رجب والله لا وطئتك عاما فهما إيلاآن في مدتين بعض إحداهما داخل في الاخرى فان فا في رجب أو فيما بعده من بقية العام الاول حنث في اليمينين ويجزئه كفارة واحدة وينقطع حكم الايلاءين وان فاء قبل رجب أو بعد العام الاول حنث في إحدى اليمينين دون الاخرى، وان فاء في الموضعين حنث في اليمينين وعليه كفارتان
(فصل) فان حلف على وطئ امرأته عاما ثم كفر يمينه انحل الايلاء قال الاثرم قيل لابي عبد الله المولي يكفر يمينه قبل مضي أربعة أشهر قال يذهب عنه الايلاء ويوقف بعد الاربعة وذهب الايلاء حين ذهبت اليمين وذلك لانه لم يبق ممنوعا من الوطئ بيمينه فأشبه من حلف واستثنى، فان كان تكفيره قبل مضي الاربعة الاشهر انحل الايلاء حين التكفير وصار كالحالف على ترك الوطئ أقل من أربعة أشهر وان كفر بعد الاربعة وقبل الوقف صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه قبل وقفه * (مسألة) * (فان قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر أو فإذا مضت فلا وطئتك شهرين أو لا وطئتك فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر ففيه وجهان (أحدهما) ليس بمول لانه حالف بكل يمين على مدة ناقصة عن مدة الايلاء فلم يكن موليا كما لو لم ينو الا مدتهما ولانه يمكنه الوطئ بالنسبة إلى كل يمين عقيب مدتها من غير حنث فيها فأشبه ما لو اقتصر عليها، ويحتمل أن يصير موليا لانه منع نفسه من الوطئ بيمينه أكثر من أربعة أشهر متوالية فكان موليا كما لو منعها بيمين واحدة، ولانه لا يمكن الوطئ بعد المدة الا بحنث في يمينه فأشبه ما لو حلف على ذلك بيمين واحدة، ولو لم يكن هذا إيلاء أفضى إلى أن يمتنع من الوطئ طول دهره باليمين وفلا يكون موليا وهكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعها على أربعة أشهر لما ذكرنا من التعليلين هذا هو الصحيح ان شاء الله تعالى
* (مسألة) * (وان قال والله لا وطئتك ان شئت فشاءت صار موليا) وبهذا قال الشافعي وابو ثور وأصحاب الرأي لانه يصير ممتنعا من الوطئ حيث تشاء الا أن اصحاب
الشافعي قالوا إن شات على الفور جوابا لكلامه صار موليا وان أخرت المشيئة انحلت يمينه لان ذلك تخيير لها فكان على الفور كقوله اختاري في الطلاق ولنا أنه علق اليمين على المشيئة بحرف ان فكان على التراخي كمشيئة غيرها، فان قيل فهلا قلتم لا يكون موليا فانه علق ذلك باردتها فأشبه ما لو قال لا وطئتك الا برضاك؟ قلنا الفرق بينهما انها إذا شات انعقدت يمينه مانعة من وطئها بحيث لا يمكنه الوطئ بعد ذلك بغير حنث، وإذا قال والله لا وطئتك الا برضاك فما حلف الا على ترك وطئها في بعض الاحوال وهو حال سخطها فيمكنه الوطئ في حال رضاها بغير حنث وإذا طالبته بالفيئة فهو برضاها، وان قال والله لا وطئتك الا أن يشاء أبوك أو فلان لم يكن موليا لانه عقله بفعل منه يمكن وجوده في الاربعة الاشهر امكانا غير بعيد وليس بمحرم ولا فيه مضرة أشبه ما لو قال والله لا وطئتك الا أن تدخلي الدار * (مسألة) * (وان قال الا أن تشائي أو الا باختيارك أو الا أن تختاري لم يصير موليا وصار كقوله الا برضاك أو حتى تشائي) وقال أبو الخطاب ان شاءت في المجلس لم يصر موليا والا صار موليا وقال أصحاب الشافعي ان شاءت
على الفور عقيب كلامه لم يصر موليا والا صار موليا لان المشيئة عندهم على الفور وقد فانت بتراخيها، وقال القاضي تنعقد يمينه فان شاءت انحلت والا فهي منعقدة ولنا أنه منع نفسه بيمينه من وطئها الا عند ارادتها فأشبه ما لو قال الا برضاك أو حتى تشائي ولانه علقه على وجود المشيئة أشبه ما لو علقه على مشيئة غيرها، فأما قول القاضي فان أراد وجود المشيئة على الفور فهو كقولهم، وان أراد وجود المشيئة على التراخي تنحل به اليمين لم يكن ذلك ايلاء لان تعليق اليمين على فعل يمكن وجوده في مدة أربعة أشهر امكانا غير بعيد ليس بايلاء * (مسألة) * (وان قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن صار موليا منهن الا أن يريد واحدة بعينها وان أراد واحدة مبهمة فقال أبو بكر تخرج بالقرعة) وجملة ذلك أن الرجل إذا قال لنسائه والله لا وطئت واحدة منكن واطلق كان موليا من جميعهن
في الحال لانه لا يمكنه وطئ واحدة منهن الا بالحنث، فان طلق واحدة منهن أو مانت كان موليا من البواقي فان وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات لانها يمين واحدة فإذا حنث فيها مرة لم يحنث مرة ثانية ولا يبقى حكم اليمين بعد حنثه فيما بخلاف ما إذا طلق واحدة أو ماتت فانه لم يحنث ثم فيبقى حكم يمينه في الباقيات منهن وهذا مذهب الشافعي، وذكر القاضي أنه إذا أطلق كان الايلاء في واحدة غير معينة وهو اختيار بعض اصحاب الشافعي لان لفظه تناول واحدة منكرة فلا يقتضي العموم
ولنا أن النكرة في سياق النفي تعم كقوله (لم يتخذ صاحبة ولا ولدا) وقوله (ولم يكن له كفوا أحد) ولو قال انسان والله لا شربت ماء من ادواة حنث بالشرب من أي ادواة كانت فيجب حمل اللفظ عند الاطلاق على مقتضاه في العموم فان قال نويت واحدة بعينها تعلقت يمينه بها وحدها وصار موليا منها دون غيرها لان اللفظ يحتمله احتمالا غير بعيد، وان قال نويت واحدة مبهمة قبل منه لذلك، وهذا مذهب الشافعي ولا يصير موليا منهن في الحال فإذا وطئ ثلاثا كان موليا من الرابعة، وقال أبو بكر تخرج بالقرعة كما لو طلق واحدة من نسائه لا بعينها ومذهب الشافعي فيما إذا أبهم المحلوف عليها فله أن يعينها بقوله وأصل هذا مذكور فيما إذا طلق واحدة بعينها * (مسألة) * (وان قال والله لا وطئت كل واحدة منكن كان موليا من جميعهن في الحال ولا يقبل فوله نويت واحدة منهن معينة ولا مبهمة لان لفظة كل أزالت احتمال الخصوص وتنحل يمينه بوطئ واحدة كالمسألة التي قبلها) وقال القاضي وبعض أصحاب الشافعي لا تنحل في الباقيات لانه صرح يمنع نفسه من كل واحدة فاشبه ما لو حلف على كل واحدة يمينا ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فسقط حكمها كما لو حلف على واحدة ولان اليمين الواحدة إذا حنث فيها مرة لم يمكن الحنث فيها مرة أخرى فلم يبق ممتنعا من وطئ الباقيات بحكم اليمين فلم يبق الايلاء كسائر الايمان التي حنث فيها
* (مسألة) * (وان قال والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين) وهذا ينبني على أصل وهو الحنث بفعل بعض المحلوف عليه اولا؟ فان قلنا يحنث فهو مؤل منهن كلهن في الحال لانه لا يمكنه وطئ واحدة بغير حنث فصار مانعا لنفسه من وطئ كل واحدة منهن في الحال فان وطئ واحدة منهن حنث وانحلت يمينه وزال الايلاء من البواقي وان طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل الايلاء في البواقي وإن قلنا لا يحنث بفعل البعض لم يكن موليا منهن في الحال لانه يمكنه وطئ واحدة منهن من غير حنث فلم يمنع نفسه بيمينه من وطئها فلم يكن موليا منها فان وطئ ثلاثا صار موليا من الرابعة لانه لا يمكنه وطؤها من غير حنث في يمينه وان ماتت بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الايلاء لانه لا يحنث إلا بوطئ الاربع فان راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه وذكر القاضي أنا إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة يحنث ولم ينحل الايلاء في البواقي لان الايلاء من امرأة لا ينحل بوطئ غيرها
ولنا أنها يمين واحدة حنث فيها فوجب أن تنحل كسائر الايمان ولانه إذا وطئ واحدة حنث ولزمته الكفارة فلا يلزمه بوطئ الباقيات شئ فلم يبق ممتنعا من وطئهن بحكم يمينه فانحل الايلاء كما لو كفرها، واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهما لا يكون موليا منهن حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة وحكى المزني عن الشافعي أنه يكون موليا منهن كلهن يوقف لكل واحدة منهن فإذا أصاب بعضهن خرجت من حكم الايلاء ويوقف لمن بقي حتى يفئ أو يطلق ولا يحنث حتى يطأ الاربع، وقال أصحاب الرأي يكون موليا منهن كلهن فان تركهن أربعة أشهر بن منه جميعا بالايلاء وان وطئ بعضهن سقط الايلاء في حقها ولا يحنث إلا بوطئهن جميعا.
ولنا أن من لا يحنث بوطئها لا يكون موليا منها كالتي لم يحلف عليها (فصل) وفي هذه المواضع التي قلنا يكون موليا منهن كلهن إذا طالبن كلهن بالفيئة وقف لهن كلهن وان طالبن في أوقات مختلفة ففيه روايتان
[ إحداهما ] يوقف للجميع وقت مطالبة أولاهن، قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد (والثانية) يوقف لكل واحدة منهن عند مطالبتها اختاره أبو بكر وهو مذهب الشافعي وإذا وقف للاولى فطلقها وقف للثانية فان طلقها وقف للثالثة فان طلقها وقف للرابعة وكذلك من مات منهن لم يمنع من وقفه للاخرى لان يمينه لم تنحل وإيلاؤه باق لعدم حنثه فيهن فان وطئ إحداهن حين وقف لها أو قبلها انحلت يمينه وسقط حكم الايلاء في الباقيات على ما قلناه وعلى قول القاضي ومن وافقه يوقف للباقيات كما لو طلق التي وقف لها.
(فصل) فان قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق فان قلنا ليس هذا بايلاء فلا كلام وان قلنا هو إيلاء فهو مول منهن كلهن لانه لا يمكنه وطئ واحدة منهن إلا بطلاق ضرائرها فيوقف لهن فان فاء إلى واحدة طلق ضرائرها فان كان الطلاق بائنا انحل الايلاء لانه لم يبق ممنوعا من وطئها بحكم يمينه فان كان رجعيا فراجعهن بقي حكم الايلاء في حقهن لانه لا يمكنه وطئ واحدة إلا بطلاق
ضرائرها وكذلك ان راجع بعضهن كذلك إلا أن المدة تستأنف من حين الرجعة ولو كان الطلاق تاما فعاد فتزوجهن أو تزوج بعضهن عاد حكم الايلاء واستؤنفت المدة من حين النكاح وسواء تزوجها في العدة أو بعدها أو بعد زوج آخر واصابة لما سنذكره بعد ان شاء الله تعالى وان قال نويت واحدة بعينها قبل منه وتعلقت يمينه بها فإذا وطئها طلق ضرائرها وان وطئ غيرها لم يطلق منهن شئ ويكون موليا من المعينة دون غيرها لانها التي يلزمه بوطئها الطلاق دون غيرها * (مسألة) * (وان آلى من واحدة وقال للاخرى شركتك معها لم يصر موليا من الثانية لان اليمين بالله لا تصح الا بلفظ صريح من اسم أو صفة والتشريك بينهما كناية فلم تصح به اليمين، وقال القاضي يكون موليا منهما كما لو طلق واحدة، وقال للاخرى شركتك معها ينوي به الطلاق والفرق بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية ولا كذلك اليمين وان قال ان وطئتك فأنت طالق ثم قال للاخرى شركتك معها ونوى فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها أيضا لان الطلاق يصح بالكناية وان
قلنا إن ذلك ايلاء في الاولى صار ايلاء في الثانية لانها صارت في معناها والا فليس بايلاء في واحدة منهما وكذلك لو آلى رجل من زوجته فقال آخر لامرأته أنت مثل فلانة لم يكن موليا، وقال أصحاب الرأي هو مول.
ولنا أنه ليس بصريح في القسم فلا يكون موليا به كما لو لم يشبهها بها ويصح الايلاء بكل لغة كالعجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها لان اليمين تنعقد بغير العربية وتجب بها الكفارة والمولي هو الحالف بالله أو بصفته على ترك وطئ زوجته الممتنع من ذلك بيمينه فان آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدري معناها لم يكن موليا وان نوى موجبها عند أهلها وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها لانه لا يصح منه قصد الايلاء بلفظ لا يدري معناه فان اختلف الزوجان في معرفته بذلك فالقول قوله إذا كان متكلما بغير لسانه لان الاصل عدم
معرفته بها فأما ان آلى العربي بالعربية ثم قال جرى على لساني من غير قصد أو قال ذلك العجمي في ايلائه بالعجمية لم يقبل قوله في الحكم لانه خلاف الظاهر (فصل) ولا يصح الايلاء الا من زوجته لقول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) وان حلف على ترك وطئ أمته لم يكن موليا إذا بقي من مدة يمينه أكثر من أربعة أشهر لانه ممتنع من وطئ امرأته بتحكم يمينه مدة الايلاء فكان موليا كما لو حلف في الزوجية وحكي عن أصحاب الرأي أنه من مرت به امرأة فحلف أن لا يقربها ثم تزوجها لم يكن موليا وان قال تزوجت فلانة فوالله لا قربتها صار موليا لانه أضاف اليمين إلى حال الزوجية فأشبه ما لو حلف بعد تزوجها ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم) وليست هذه من نسائه ولان الايلاء حكم من أحكام النكاح فلم يتقدمه كالطلاق والقسم ولان المدة تضرب له لقصده الاضرار بها بيمينه فإذا كانت اليمين
قبل النكاح لم يكن قاصدا للاضرار فأشبه الممتنع بغير يمين، قال الشريف أبو جعفر وقد قال أحمد يصح الظهار قبل النكاح والمنصوص عدم الصحة لما ذكرنا
(فصل) فان آلى من الرجعية صح إيلاؤه، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وذكر ابن حامد فيه رواية أخرى أنه لا يصح ايلاؤه لان الطلاق يقطع مدة الايلاء إذا طرأ فلان يمنع صحته ابتداء أولى.
ولنا أنها زوجة يلحقها طلاقه فصح ايلاؤه منها كغير المطلقة وإذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى وان كانت في العدة ذكره ابن حامد وهو قول ابي حنيفة ويجئ على قول الخرقي أن لا يحتسب عليه بالمدة الا من حين راجعها لان الرجعة في ظاهر كلامه محرمة وهو مذهب الشافعي لانها معتدة أشبهت البائن ولان الطلاق إذا طرأ قطع المدة ثم لا يحتسب عليه بشئ من المدة قبل رجعتها فأولى أن لا يستأنف المدة في العدة ووجه الاول أنه من صح إيلاؤه احتسب عليه بالمدة من حين إيلائه كما لو لم تكن مطلقة، ولانها
مباحة واحتسب عليه بالمدة فيها كما لو لم يطلقها، وفارق البائن فانها ليست زوجة، ولا يصح الايلاء منها بحال فهي كسائر الاجنبيات (فصل) ويصح الايلاء من كل زوجة مسلمة كانت أو ذمية حرة أو أمة لعموم قوله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولان كل واحدة منهن زوجة فصح الايلاء منها كالحرة المسلمة، ويصح الايلاء قبل الدخول وبعده، وبهذا قال النخعي ومالك والاوزاعي والشافعي، وقال عطاء والزهري والثوري انما الايلاء بعد الدخول ولنا عموم الآية والمعنى ولانه ممتنع من جماع زوجته بيمينه فأشبه ما بعد الدخول ويصح الايلاء من الصغيرة والمجنونة إلا أنه لا يطالب بالفيئة في حال الصغر والجنون لانهما ليستا من أهل المطالبة.
فأما الرتقاء والقرناء فلا يصح الايلاء منهما لان الوطئ متعذر دائما فلم تنعقد اليمين على تركه كما لو حلف
لا يصعد السماء ويحتمل أن يصح وتضرب له المدة لان المنع بسبب من جهتها فهي كالمريضة، فعلى هذا يفئ فيئة المعذور لان الفيئة بالوطئ في حقها متعذرة فلا يمكن المطالبة به فأشبه المجبوب * (فصل) * (الشرط الرابع أن يكون من زوج يمكنه الوطئ وتلزمه الكفارة بالحنث مسلما كان أو
كافرا حرا أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه) وجملة ذلك أنه يشترط أن يكون الايلاء من زوج لقول الله سبحانه (للذين يؤلون من نسائهم) ويشترط أن يكون مكلفا فأما الصبي والمجنون فلا يصح إيلاؤهما لان القلم مرفوع عنهما * (مسألة) * (ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضوا الينا) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وان أسلم لم ينقطع حكم إيلائه، وقال مالك ان أسلم سقط حكم يمينه وقال أبو يوسف ومحمد إن حلف بالله لم يكن موليا لانه لا يحنث إذا جامع لكونه غير مكلف وان كانت يمينه بطلاق أو عتاق فهو مول لانه يصح عتقه وطلاقه ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ولانه مانع نفسه باليمين من
جماعها فكان موليا كالمسلم ولان من صح طلاقه صح إيلاؤه ومن صحت يمينه عند الحاكم صح إيلاؤه كالمسلم فأما العاجز عن الوطئ فان كان لعارض مرجو الزوال كالمرض والحبس صح إيلاؤه لانه يقدر على الوطئ فصح منه للامتناع منه وإن كان غير مرجو الزوال كالجب والشلل لم يصح إيلاؤه لانها يمين على ترك مستحيل فلم تنعقد كما لو حلف لا يقلب الحجارة ذهبا ولان الايلاء اليمين المانعة من الوطئ وهذا لا يمنعه بيمينه فانه متعذر منه ولا يضر المرأة بيمينه قال أبو الخطاب ويحتمل أن يصح الايلاء منه قياسا على العاجز بمرض أو حبس، وفيئته لو قدرت لجامعتك لانه معذور فيفئ بلسانه كالعاجز بعذر يزول، وللشافعي في ذلك قولان والاول أولى لما ذكرنا فأما الخصي الذي سلت بيضتاه أو رضت فيمكنه الوطئ وينزل ماء رقيقا فيصح إيلاؤه وكذلك المجبوب الذي بقى من ذكره ما يمكن الجماع به * (مسألة) * (ولا يصح إيلاء الصبي والمجنون) لان القلم مرفوع عنهما ولانه قول يجب بمخالفته كفارة أو حق فلم ينعقد منهما كالنذر
* (مسألة) * (وفي إيلاء السكران وجهان) بناء على طلاقه
(فصل) ولا يشترط في صحة الايلاء الغضب ولا قصد الاضرار روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال الثوري والشافعي وأهل العراق وابن المنذر وروي عن علي رضي الله عنه ليس في إصلاح إيلاء، وعن ابن عباس قال: انما الايلاء في الغضب ونحوه عن الحسن والنخعي وقتادة، وقال مالك والاوزاعي وأبو عبيد من حلف لا يطأ زوجته حتى تفطم ولده لا يكون إيلاء إذا أراد الصلاح لولده ولنا عموم الآية ولانه مانع لنفسه من جماعها بيمينه فكان موليا كحال الغضب، يحققه أن حكم الايلاء ثبت لحق الزوجة فيجب أن يثبت سواء قصد الاضرار أو لم يقصد كاستيفاء ديونها واتلاف مالها ولان الطلاق والظهار وسائر الايمان سواء في الغضب والرضاء فكذلك في الايلاء، وأما إذا حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولده فإذا أراد وقت الفطام وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فهو مول
وإن أراد فعل الفطام لم يكن موليا لانه ممكن قبل اربعة أشهر وليس بمحرم ولا فيه تفويت حق لها فلم يكن موليا كما لو حلف أن لا يطأها حتى تدخل الدار * (مسألة) * (ومدة الايلاء في الاحرار والرقيق سواء، وعنه أنها في العبد على النصف) يصح إيلاء العبد كما يصح من الحر قياسا عليه ولدخوله في عموم الآية ولا تختلف مدته فلا فرق بين الحرة والمسلمة والذمية والامة والصغيرة والكبيرة في ظاهر المذهب وهو قول الشافعي وابن المنذر.
وعن أحمد رواية أخرى أن مدة الايلاء للعبد شهان وهو اختيار أبي بكر وقول عطاء والزهري ومالك واسحاق لانهم علي النصف في الطلاق وعدد المنكوحات فكذلك في الايلاء.
وقال الحسن والشعبي إيلاؤه من الامة شهران ومن الحرة أربعة وقال أبو حنيفة إيلاء الامة نصف إيلاء الحرة لان ذلك تتعلق به البينونة فاختلف بالرق والحرية كالطلاق ولانها مدة ثبت ابتداؤها بقول الزوج فوجب أن تختلف برق الامة وحريتها كمدة العنة ولنا عموم الآية ولانها مدة ضربت للوطئ فاستوى فيها الرق والحرية، ولا نسلم أن البينونة تتعلق بها
ثم يبطل ذلك بمدة العنة ويخالف مدة العدة لان العدة مبنية على الكمال بدليل أن الاستبراء يحصل بقرء واحد، وأما مدة الايلاء فان الاستمتاع بالحرة أكثر وكان ينبغي أن تقدم مطالبتها مطالبة الامة والحق على الحر في الاستمتاع أكثر منه على العبد ولا تجوز الزيادة عليه في مطالبة العبد عليه * (مسألة) * (ولا حق لسيد الامة في طلب الفيئة والعفو عنها وانما ذلك إليها) وجملة ذلك أن الحرة والامة سواء في استحقاق المطالبة سواء عفا السيد عن ذلك أو لم يعف لان الحق لها لان الاستمتاع يحصل لها فان تركت المطالبة لم يكن لمولاها الطلب، ولانه لا حق له، فان قيل حقه في الولد ولهذا لم يجز العزل عنها إلا باذنه، قلنا لا يستحق على الزوج استيلاد المرأة ولذلك لو حلف ليعزلن عنها أو لا يستولدها لم يكن موليا ولو أن المولي وطئ بحيث يوجب التقاء الختانين وجبت الفيئة وزالت عنه المطالبة وإن لم ينزل وانما استؤذن السيد في العزل لانه يضر بالامة فربما نقص قيمتها ولنا في وجوب استئذانه منع
* (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (وإذا صح الايلاء ضربت له مدة أربعة أشهر) وجملة ذلك أن المولي يتربص أربعة أشهر كما أمر الله تعالى ولا يطالب بالوطئ فيهن فإذا مضت أربعة أشهر ورافعته امرأته إلى الحاكم أمره بالفيئة فان أبى أمره بالطلاق ولا تطلق زوجته بمضي المدة قال أحمد في الايلاء يوقف عن الاكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر ما يدل على ذلك وعن عثمان وعلي وجعل يثبت حديث علي وبه قال ابن عمر وعائشة وروي ذلك عن أبي الدرداء وقال سليمان ابن يسار كان تسعة عشر رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوقفون في الايلاء وقال سهيل بن أبي صالح سألت اثنى عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم يقول ليس عليه شئ حتى يمضي أربعة أشهر فيوقف فان فاء وإلا طلق وبه قال سعيد بن المسيب وعروة ومجاهد وطاوس ومالك والشافعي واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وقال ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء ومسروق والحسن وقبيصة والنخعي
والاوزاعي وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي: إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة.
وروي ذلك أيضا عن علي وعثمان وزيد وابن عمر وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن ومكحول والزهري تطليقة رجعية.
ويحكى عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (فان فاءوا فيهن فان الله غفور رحيم) ولان هذه مدة ضربت لاستدعاء الفعل منه فكان ذلك في المدة كمدة العنة ولنا قول الله تعالى (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) لذكره الفيئة بعدها بالفاء المقتضية للتعقيب ثم قال (وان عزموا الطلاق فان الله سميع) ولو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه وقوله سميع عليم يقتضى ان الطلاق مسموع ولا يكون المسموع الا كلاما ولانها مدة ضربت له تأجيلا فلم يستحق المطالبة فيها كسائر الآجال ولان هذه مدة لم يتقدمها ايقاع فلم يتقدمها وقوع كمدة النعة ومدة العنة حجة لنا فان الطلاق لا يقع بمضيها ولان مدة العنة ضربت له ليختبر فيها ويعرف عجزه عن الوطئ بتركه في مدتها وهذه ضربت تأخيرا لها وتأجيلا فلا تستحق المطالبة الا بمضي الاجل كالدين
(فصل) وابتداء المدة من حين اليمين ولا تفتقر إلى ضرب مدة لانها ثبتت بالنص والاجماع فلا تفتقر إلى ضرب كمدة العدة ولا يطالب بالوطئ فيها لما ذكرنا * (مسألة) * (فان كان بالرجل عذر يمنع الوطئ احتسبت عليه بمدة وان كان ذلك نهاية لم يحتسب عليه وإن طرأ بها استؤنفت المدة عند زواله) يعنى إذا انقضت المدة وكان بالرجل عذر يمنع الوطئ كحبسه واحرامه حسبت عليه المدة من حين إيلائه لان المانع من جهته وقد وجد التمكين الذي عليها ولذلك لو امكنته من نفسها وكان ممتنعا لعذر وجبت لها النفقة وان طرأ شي من هذه الاعذار بعد الايلاء أو جن لم تنقطع المدة للمعنى الذي ذكرناه وان كان المانع من جهتها كصغرها ومرضها وحبسها وصيامها واعتكافها المفروضين واحرامها وغيبتها فان وجد منها حال الايلاء لم تضرب له المدة حتى يزول لان المدة تضرب لامتناعه من وطئها والمنع ههنا من قبلها وان طرأ بها شئ من هذه الاسباب استؤنفت المدة ولم تبن على ما مضي لان قوله سبحانه (تربص أربعة أشهر) يقتضي متوالية فإذا قطعتها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: