الفقه الحنبلي - النفقة
(مسألة) (فان غيب ماله وصبر على الحبس فلها الفسخ إذا لم يقدر الحاكم له على مال يأخذه أو لم يقدر على النفقة من مال الغائب في ظاهر قول الخرقي واختيار ابي الخطاب) واختار القاضي أنها لا تملك الفسخ وهو ظاهر مذهب الشافعي لان
الفسخ في المعسر لعيب الاعسار ولم يوجد ههنا ولان الموسر في مظنة الاخذ من ماله وإذا امتنع فربما لا يمتنع في غده بخلاف المعسر ولنا ان عمر رضي الله عنه كتب في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقو أو هذا إجبار على الطلاق عند الامتناع من الانفاق ولان الانفاق عليها من ماله متعذر فكان لها الخيار كحال الاعسار بل هذا أولى بالفسخ فانه إذا جاز الفسخ على المعذور فعلى غيره أولى، ولان في الصبر ضررا أمكن إزالته بالفسخ فوجبت إزالته دفعا للضرر ولانه نوع تعذر يجوز الفسخ فلم يفترق الحال بين المعسر والموسر كأداء ثمن المبيع فانه لا فرق في جواز لفسخ بين أن يكون المشتري معسرا وبين أن يهرب قبل أداء الثمن ولان عيب الاعسار انما جوز الفسخ لتعذر الانفاق بدليل أنه لو اقترض ما ينفق عليها أو تبرع له إنسان بدفع ما ينفقه لم تملك الفسخ، وقولهم إنه يحتمل أن ينفق فيما بعد هذا قلنا وكذلك المعسر يحتمل أن يعينه الله تعالى وأن يقترض أو يعطي ما ينفقه فاستويا (مسألة) (وان غاب زوجها ولم يترك لها نفقة فان قدرت له على مال أخذت بقدر حاجتها
لحديث هند، وان لم تقدر ولا قدرت على الاستدالة عليه فلها الفسخ إلا عند القاضي فيما إذا لم يثبت اعساره وهذا ظاهر مذهب الشافعي، لان الفسخ ثبت لعيب الاعسار ولم يثبت الاعسار ههنا وقد دللنا على جواز الفسخ في المسألة التي قبلها، وهذه مثلها بل هي أولى لان الحاضر ربما إذا أطال عليه الحبس اتفق وهذا قد تكون غيبته بحيث لا يعلم خبره فيكون الضرر فيه أكثر (فصل) ومن وجب عليه نفقة زوجته وكان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها فله ذلك ان كانت موسرة لان من له عليه حق فله أن يقتضيه من أي أمواله وشاء وهذا من ماله وان كانت معسرة لم يكن له ذلك لان قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته وهذا لا يفضل عنها ولان الله تعالى أمر بانظار المعسر بقوله سبحانه (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فيجب انظارها بما عليها
(فصل) إذا أنفقت المرأة على نفسها من مال زوجها الغائب ثم بان أنه قد مات قبل انفاقها حسب عليها ما أنفقته من ميراثها سواء أنفقته بنفسها أو بأمر الحاكم، وبه قال أبو العالية وابن سيرين والشافعي وابن المنذر ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لانها أنفقت ما لا تستحق وان فضل لها شئ أخذته وان فضل عليها شئ وكان لها صداق أو دين على زوجها حسب منه وان لم يكن لها شئ كان الفضل دينا عليها والله أعلم.
(مسألة) (ولا يجوز الفسخ في ذلك كله إلا بحكم الحاكم) كل موضع وجب لها الفسخ لاجل النفقة لم يجز إلا بحكم حاكم لانه فسخ مختلف فيه فافتقر إلى الحاكم كالفسخ بالعنة ولا يجوز له الفسخ إلا أن تطلب المرأة ذلك لانه لحقها فلم يجز من غير طلبها كالفسخ للعنة فإذا فرق الحاكم بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال مالك هو تطليقة وهو أحق بها ان أيسر في عدتها لانه تفريق لامتاع، من الواجب عليه لما فأشبه تفريقه بين المولى وامرأته إذا امتنع من العنة والطلاق ولنا أنها فرقة لعجزه عن الواجب عليه أشبهت فرقة العنة، فأما ان أجبره الحاكم على الطلاق فطلق أقل من ثلاث فله الرجعة عليها مادامت في العده فان راجعها وهو معسر أو امتنع من الانفاق عليها ولم يمكن الاخذ من ماله فطلبت المرأة الفسخ فللحاكم الفسخ لبقاء المقتضي له أشبه ما قبل الطلاق (باب نفقة الاقارب والمماليك) يجب على الانسان نفقة والدية وولده بالمعروف إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وامرأته، والاصل في وجوب نفقة الوالدين والمولودين الكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال سبحانه (وقضى ربك أن لا تعبدوا
إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ومن الاحسان الانفاق عليهما عند حاجتهما، وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " متفق عليه، وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ان أطيب
ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه " رواه أبو داود، وأما الاجماع فحكاه ابن المنذر وقال أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد، وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الاطفال الذين لا مال لهم، ولان ولد الانسان بعضه والده كما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله، إذا ثبت هذا فان الام تجب نفقتها ويجب عليها نفقة ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك انه لا نفقة لها ولا عليها لانها ليست عصبة لولدها ولنا قوله سبحانه (وبالوالدين إحسانا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل سأله من أبر؟ قال " أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الاقرب فالاقرب " رواه أبو داود ولانها أحد الولدين فأشبهت الاب ولان بينهما قرابة توجب رد الشهادة ووجوب العفو فأشبهت الاب فان أعسر الاب وجبت النفقة على الام ولم ترجع بها عليه ان أيسر، وقال أبو يوسف ومحمد ترجع عليه ولنا ان من وجب عليه الانفاق بالقرابة لم يرجع به كالاب
(مسألة) (ويلزمه نفقة سائر آبائه وان علوا وأولاده وان سلفوا) وبذلك قال الشافعي والثوري وأصحاب الرأي، وقال مالك لا تجب النقة عليهم ولا لهم لان الجد ليس بأب حقيقي.
ولنا قوله سبحانه (وعلى الوارث مثل ذلك) ولا يدخل في مطلق اسم الولد والولد بدليل ان الله تعالى قال (يوصيكم الله في أولادكم الذكر مثل حظ الاثنين) فيدخل فيهم ولد البنين وقال (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد) وقال (ملة أبيكم ابراهيم) ولان بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأشبه الولد والوالدين القريبين (فصل) ويشترط لوجوب الانفاق ثلاثة شروط (أحدهما) ان يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن انفاق غيرهم فان كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم لانها تجب على سبيل المواساة والموسر مستغن عن المواساة (الثاني) أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضلا
عن نفقة نفسه اما من ماله واما من كسبه فأما من لا يفضل عنه شئ فلا يجب عليه شئ لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فان فضل فعلى عياله فان كان فضل فعلى قرابته " وفي لفظ " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " حديث صحيح وروى أبو هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال " تصدق به على نفسك " قال عندي آخر قال " تصدق به على
ولدك " قال عندي آخر قال " تصدق به على زوجك " قال عندي آخر قال " تصدق به على خادمك " قال عندي آخر قال " أنت أبصر " رواه أبو داود ولانها مواساة فلا تجب على المحتاج كالزكاة (والثالث) ان يكون المنفق وارثا لقول الله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) ولان بين المتوارثين قرابة يقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي ان يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم فان لم يكن وارثا لعدم القرابة لم تجب عليه النفقة كذلك (فصل) ولا يشترط في نفقة الوالدين والمولودين نقص الخلقة ولا نقص الاحكام في ظاهر المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وقال القاضي لا يشترط ذلك في الوالدين وهل يشترط ذلك في الولد؟ فكلام أحمد يقتضي روايتين (إحداهما) تلزم نفقته لانه فقير (والثانية) أنه ان كان يكتسب فينفق على نفسه لم تلزم نفقته وهذا القول يرجع إلى ان الذي لا يقدر على كسب ما يقوم به تلزم نفقته رواية واحدة سواء كان ناقص الاحكام كالصغير والمجنون أو ناقص الخلقة كالزمن، وانما الروايتان فيمن لا حرفة له ممن يقدر على الكسب بيديه، وقال الشافعي يشترط نقصانه اما من طريق الحكم أو من طريق الخلقة وقال ابو حنيفة ينفق على الغلام حتى يبلغ فإذا بلغ صحيحا انقطعت نفقته، ولا تسقط نفقة الجارية حتى
تزوج ونحوه قال مالك إلا أنه قال ينفق على النساء حتى يتزوجن ويدخل بهن الازواج ثم لا نفقة لهن وان طلقن قبل البناء بهن فهن على نفقتهن ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولم يستثن منهم صحيحا ولا بالغا ولانه والد أو ولد فقير فاستحق النفقة على والده أو ولده الغني كما لو كان زمنا، ووافق أبو حنيفة
على وجوب نفقة الوالد وان كان صحيحا إذا لم يكن ذا كسب وللشافعي في ذلك قولان ولنا أنه والد محتاج فاشبه الزمن (مسألة) (وتلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواهم سواء ورثه الآخر لو لا كعمته وعتيقه وحكي عنه ان لم يرثه الآخر فلا نفقة له) ظاهر المذهب ان النفقة تجب على كل وارث لورثته إذا اجتمعت الشروط التي تقدم ذكرها وهو الذي ذكره الخرقي، وبه قال الحسن ومجاهد والنخعي وقتادة والحسن بن صالح وابن أبي ليلى وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن أحمد في الصبي المرضع لا أب له نفقته واجر رضاعه على الرجال دون النساء وكذلك روي عن أبيه عن أحمد النفقة على العصبات وبه قال الاوزاعي وإسحاق، وذلك لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى على بني عم منفوس بنفقة احتج به أحمد قال ابن المنذر وروي عن عمر أنه حبس عصبة ينفقون على صبي الرجال دون النساء، ولانها مواساة ومعونة تختص القرابة فاختصت بالعصبات كالعقل، وقال أصحاب الرأي تجب النفقة على كل ذي رحم محرم ولا تجب على غيرهم
لقول الله تعالى (وأولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله) وقال مالك والشافعي وابن المنذر لا نفقة إلا على المولودين والوالدين لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله عندي دينار قال " انفقه على نفسك - قال عندي آخر قال - انفقه على ولدك - قال عندي آخر قال - انفقه على زوجك - قال عندي آخر قال - انفقه على خادمك - قال عندي آخر قال - انت ابصر " رواه أبو داود ولم يأمره بانفاقه على غير هؤلاء ولان الشرع انما ورد بنفقة الوالدين والمولودين ومن سواهم لا يحلق بهم في الولادة وأحكامها فلا يصح قياسه عليهم ولنا قول الله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ثم قال (وعلى الوارث مثل ذلك) فاوجب على الاب نفقة الرضاع ثم عطف الوارث عليه واوجب على الوارث مثل ما اوجب على الوالد وروي ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من ابر؟ قال " أمك واباك وأختك واخاك " وفي لفظ " ومولاك الذي هو ادناك حقا واجبا ورحما موصولا " رواه أبو داود وهذا نص لان النبي صلى الله عليه وسلم
الزمة الصلة والبر والنفقة من الصلة جعلها حقا واجبا، وما احتج به أبو حنيفة حجة عليه فان اللفظ عام في كل ذي رحم محرم فيكون حجة عليه فيمن عدا الرحم المحرم وقد اختصت بالوارث في الارث فكذلك في الانفاق وأما خبر أصحاب الشافعي فقضية في عين يحتمل انه لم يكن له غير من أمر بالانفاق عليه ولهذا لم يذكر الوالد والاجداد وأولاد الاولاد، وقولهم لا يصح القياس قلنا انما اثبتناه بالنص ثم إنهم قد الحقوا أولاد الاولاد بالاولاد مع التفاوت ما قالوا.
إذا ثبت هذا فانه يختص بالوارث بفرض أو تعصيب لعموم الآية ولا يتناول ذوي الارحام على ما نذكره (فصل) فان كان اثنان يرث أحدهما قريبه ولا يرثه الآخر كالرجل مع عمته أو ابته عمه وابنة أخيه والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها فالنفقة على الوارث دون الموروث نص عليه أحمد في رواية
ابن زياد فقال يلزم الرجل نفقة بنت عمه ولا يلزمه نفقة بنت أخته، وذكر أصحابنا رواية أخرى لا تجب النفقة على الوارث ههنا لانها قرابة ضغيفة لكونها لا يثبت التوارث من الجهتين لقول أحمد العمة والخالة لا نفقة لهما إلا أن القاضي قال: هذه الرواية محمولة على العمة من الام فانه لا يرثها لكونها ابن أخيها من أمها، وذكر الخرقي أن على الرجل نفقة معتقه لانه وارث، ومعلوم أن المعتق لا يرث معتقه ولا يلزمه نفقته فعلى هذا يلزم الرجل نفقة عمته لابويه أو لابيه وابنة عمه وابنة أخيه كذلك ولا يلزمهن نفقته وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لقول سبحانه وتعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) وكل واحد من هؤلاء وارث (مسألة) (فأما ذوو الارحام فلا نفقة عليهم رواية واحدة ذكره القاضي وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم روايتان) أما ذوو الارحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب فان كانوا من غير عمودي النسب فلا نفقة عليهم نص عليه أحمد فقال الخالة والعمة لا نفقة عليهما قال القاضي لا نفقة لهم رواية واحدة لان قرابتهم ضعيفة وانما يأخذون ماله عند عدم الوارث فهم كسائر المسلمين فان المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث وذلك الذي يأخذه بيت المال ولذلك يقدم الرد عليهم
وقال أبو الخطاب يخرج في وجوبها عليهم رواية أخرى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات
وذوي الفرض لانهم وارثون في تلك الحال.
قال ابن أبي موسى هذا يتوجه على معنى قوله، والاول هو المنصوص عنه، وأما عمود النسب فذكر القاضي ما يدل على أنه يجب الانفاق عليهم سواء كانوا من ذوي الارحام كابي الام وابن البنت أو من غيرهم وسواء كانوا محجوبين أو وارثين وهذا مذهب الشافعي وذلك لان قرابتهم قرابة جزئية وبعضية تقتضي رد الشهادة وتمنع جريان القصاص على الوالد بقتل الولد، وإن سفل فأوجبت النفقة على كل حال كقرابة الاب الادنى (مسألة) (وإن كان للفقير وارث فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه لان الله تعالى رتب النفقة على الارث لقوله سبحانه وعلى الوارث مثل ذلك فيجب أن يترتب في المقدار عليه) وجملة ذلك أن الصبي إذا لم يكن له أب فالنفقة على وارثه لما ذكرنا فان كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما منه، وإن كانوا ثلاثة أو أكثر فالنفقة عليهم على قدر ارثهم منه (مسألة) (فإذا كان له أم ولد فعلى الام الثلث والباقي على الجد) لانهما يرثانه كذلك، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي النفقة كلها على الجد لانه يتفرد بالتعصيب فأشبه الاب، وقد ذكرنا عن أحمد رواية أخرى أن النفقة على العصبات خاصة، ووجه الاول ما ذكرنا من الآية والام وارثة فكان عليها بالنص ولانه معنى يستحق بالنسب فلم يختص به العصبة دون الام كالوراثة
(فصل) فان اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما اثلاثا كالميراث، وقال أبو حنيفة النفقه عليهما سواء لاستوائهما في القرب، وان كانت أم وابن فعلى الام السدس والباقي، إن كانت بنت وابن ابن فالنفقة عليهما نصفين، وعند أبي حنيفة هي على البنت لانها أقرب، وقال الشافعي في المسائل الثلاث: النفقة على الابن لانه العصبة فان كانت له أم وبنت فالنفقة عليهما أرباعا كميراثهما منه وبه قال أبو حنيفة، وعند الشافعي النفقة على البنت لانهما تكون عصبة مع أخيها فان كان له بنت
وابن بنت فالنفقة على البنت، وقال أصحاب الشافعي النفقة على الابن في أحد الوجهين لانه ذكر ولنا قول الله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) فرتب النفقة على الارث فيجب أن تترتب في المقدار عليه وإيجابها على ابن البنت يخالف النص والمعنى فانه ليس بعصبة ولا وارث فلا معنى لايجابها عليه دون البنت الوارثة (مسألة) (وإن اجتمع جدة وأخ فعلى الجدة السدس والباقي على الاخ لان ميراثهما منه كذلك وعلى هذا المعنى حساب النفقات) يعني أن ترتيب النفقات على ترتيب الميراث فكما أن للجدة السدس من الميراث فكذلك عليها سدس النفقة والباقي على الاخ لان باقي الميراث له وعند من لا يرى النفقة على غير عمودي النسب يجعل النفقة كلها على الجدة وهذا أصل قد سبق الكلام فيه فان اجتمع بنت وأخت
أو بنت وأخ أو بنت وعصبة أو أخت وعصبة أو أخت وأم أو بنت وبنت ابن أو أخت لابوين وأخت لاب أو ثلاث أخوات متفرقات فالنفقة بينهم على قدر الميراث في ذلك سواء كان في المسألة رد أو عول أو لم يكن، وعلى هذا تحسب ما آتاكك من المسائل.
فان اجتمع أم أم وأم أب فهما سواء في النفقة لاستوائهما في الميراث (فصل) فان اجتمع معها أبو أم فالنفقة على أم الام لانها الوارثة، وإن اجتمع أم أب وأبوان فعلى الاب السدس والباقي على الجد، وإن اجتمع جد وأخ فهما سواء، وإن اجتمعت أم وجد وأخ فالنفقة عليهم أثلاثا وعند الشافعي النفقة على الجد في هذه المسائل كلها إلا المسألة الاولى فالنفقة عليهما بالسوية وقد مضى الكلام في هذا (فصل) فان كان فيمن عليه النفقة خنثى مشكل فالنفقة عليه على قدر ميراثه فان انكشف بعد ذلك حاله فبان أنه أنفق.
أكثر من الواجب عليه رجع بالزيادة على شريكه في الانفاق، وإن بان أنه أنفق أقل رجع عليه فلو كان للرجل ابن وولد خنثى عليهما نفقته فأنفقا عليه ثم بان أن الخنثى ابن رجع عليه أخوه بالزيادة، وإن بان بنتا رجعت على أخيها بفضل نفقتها لان من له الفضل أدى ما لا
يجب عليه أداؤه معتقدا وجوبه فإذا تبين خلافه رجع بذلك كما لو أدى ما يعتقده دينا فبان خلافه (مسألة) (إلا أن يكون له أب فتكون النفقة عليه وحده)
لان الله تعالى قال (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن - وقال - وعلى المولود رزقهن وكسوتهن) وقال النبي صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فجعل النفقة عليه دونها ولا خلاف في هذا نعلمه إلا أن لاصحاب الشافعي فيما إذا اجتمع للفقير أب وابن موسران وجهين (أحدهما) أن النفقة على الاب وحده (والثاني) عليهما لانهما سواء في القرب ولنا أن النفقة على الاب منصوص عليها فيجب اتباع النص وترك ما عداه (مسألة) (ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما وهكذا ذكره القاضي وأبو الخطاب) لان الابن لا نفقة عليه لعسرته والاخ لا نفقة عليه لعدم ارثه ولان قرابته ضعيفة لا تمنع شهادته له فإذا لم يكن وارثا لم تجب عليه النفقة كذوي الرحم.
قال شيخنا ويتخرج في كل وارث لولا الحجب إذا كان من يحجبه معسرا وجهان (أحدهما) لا نفقة عليه لانه غير وارث أشبه الاجنبي (والثاني) عليه النفقة لوجود القرابة المقتضية للارث والانفاق والمانع من الارث لا يمنع من الانفاق لانه معسر لا يمكنه الانفاق فوجوده بالنسبة إلى الانفاق كعدمه (مسألة) (ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة عليها يعني على الجدة) وجملة ذلك أن الوارث القريب إذا كان معسرا وكان البعيد الموسر من عمودي النسب كهذه المسألة وجبت نفقته على الموسر ذكر القاضي في أب معسر وجد موسر أن النفقة على الجد، وقال في
أم معسرة وجدة موسرة النفقة على الجدة وقد قال أحمد لا تدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن " ان ابني هذا سيد " فسماه ابنه وهو ابن بنته وإذا منع من دفع الزكاة إليهم لقرابتهم يجب أن تلزمه نفقتهم مع حاجتهم وهذا مذهب الشافعي (فصل) فان كان له قرابتان موسران وأحدهما محجوب عن ميراثه بفقير فقد ذكرنا أن المحجوب إذا كان من عمودي النسب فالظاهر أن الحجب لا يسقط النفة عنه في المسألة قبل هذا الفصل، وإن كان من غيرهما فلا نفقة عليه في الظاهر فعلى هذا إذا كان له أبوان وجد والاب معسر فالاب
كالمعدم فيكون على الام ثلث النفقة والباقي على الجد، وإن كان معهم زوجة فكذلك، وإن قلنا لا نفقة على المحجوب فليس على الام ههنا الاربع النفقة ولا شئ على الجد، وإن كان أبوان وأخوان وجد والاب معسر فلا شئ على الاخوين لانهما محجوبان وليسا من عمودي النسب ويكون على الام الثلث والباقي على الجد كما لو لم يكن أحد غيرهما ويحتمل أن لا يجب على الام الا السدس لانه لو كان الاب معدوما لم يرث إلا السدس، وإن قلنا ان كل محجوب لا نفقة عليه فعلى الام السدس حسب ولا شئ على غيرها وان لم يكن في المسألة جد فالنفقة كلها على الام على القول الاول وعلى الثاني ليس عليها الا السدس وان قلنا ان على المحجوب بالعسر النفقة وان كان من غير عمودي النسب فعلى الام السدس والباقي على الجد والاخوين اثلاثا كما يرثون إذا كان الاب معدوما فان كان بعض من
عليه النفقة غائبا وله مال حاضر أنفق الحاكم منه حصته وان لم يوجد له مال حاضر فامكن الحاكم الاقتراض عليه اقترض فإذا قدم فعليه وفاؤه (مسألة) (ومن كان صحيحا مكلفا لا حرفة له سوى الوالدين فهل تجب نفقة؟ على روايتين) (إحداهما) تجب إذا كان فقيرا عاجزا عن الكسب لعموم قول النبي صلى لله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ولم يستثن بالغا ولا صحيحا ولانه ولد فقير فاستحق النفقة على والده الغني كالزمن (والثانية) لا يجب وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الولد الذكر فأما الجارية فقال أبو حنيفة لا تسقط نفقتها حتى تتزوج ونحوه قول مالك لانه في مظنة الكسب يقدر عليه غائبا أشبه الغني والاول أولى (مسألة) (ومن لم يفضل عنده لا نفقة شخص واحد بدأ بالاقرب فالاقرب فان كان له أبوان ان جعله بينهما) إذا لم يفضل عن الرجل إلا نفقة شخص واحد وله امرأة فالنفقة لها دون الاقارب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر " إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فان كان له فضل فعلى عياله فان كان له فضل فعلى قرابته " ولان نفقة القريب مواساة ونفقة المرأة تجب على سبيل المعارضة فقدمت على مجرد المواساة وكذلك وجبت مع يساره وإعساره بخلاف نفقة القريب ثم بعدها نفقة الرقيق لانها تجب مع اليسار والاعسار فقدمت على مجرد المواساة ثم من بعد ذلك الاقرب فالاقرب
(مسألة) (فان كان له ابوان فهو بينهما)
هذا أحد الوجوه لتساويهما في القرب (والثاني تقدم الام لانها أحق بالبر ولها فضيلة الحمل والرضاع والتربية وزيادة الشفقة وهي أضعف واعجز (والثالث) يقدم الاب لفضيلته وانفرده بالولاية على ولده واستحقاق الاخذ من ماله واضافة النبي صلى الله عليه وسلم الولد وماله إليه بقوله " أنت ومالك لابيك " والاول أولى (مسألة) (وان كان معهما ابن فقال القاضي ان كان الابن صغيرا أو مجنونا قدم) لان نفقة وجبت بالنص مع أنه عاجز عن الكسب والكبير في مظنة الكسب وان كان الابن كبيرا والاب زمن فهو أحق لانه لان حرمته آكد وحاجته أشد ويحتمل تقديم لابن لان نفقته وجبت بالنص وان كانا صحيحين فقيرين ففيه ثلاثا أوجه (أحدها) التسوية لتساويهما في القرب (والثاني) تقديم الابن لوجوب نفقته بالنص (والثالث) تقديم الوالد لتأكد حرمته (مسألة) (وان كان له اب وجد أو ابن وابن ابن فالاب والابن احق) وقال أصحاب الشافعي يستوى الاب والجد في أحد الوجهين وكذلك الابن وابنه لتساويهم في الولادة والتعصيب ولنا ان الابن والاب أقرب وأحق بميراثه فكانا أحق الاب مع الاخ (فصل) وان أجتمع ابن وجد أو أب ابن ابن احتمل وجهين (احدهما) تقديم الابن والاب
لانهما أقرب فانما يليانه بنبر واسطة ولا يسقط ارثهما بحال والجد وابن الابن بخلافهما ويحتمل التسوية بينهما لانهما سواء في الارث والتعصيب والولادة والاول اولى فان اجتمع جد وابن ابن فهما سواء لتساويهما في القرب والارث والولادة والتعصيب ويحتمل تقديم الابن لان نفقة ثبتت بالنص ولانه يسقط تعصيب الجد ويحتمل تقدم الجد لتأكد حرمته بالابوة وان اجتمع جد وأخ احتمل التسوية بينهما لتساويهما في استحقاق الميراث والصحيح تقديم الجد لان له مزية الولادة والابوة ولان ابن ابنه
يرثه ميراث ابن والاخ ميراث أخ وميراث الابن آكد فالنفقة الواجبة به تكون آكد وان كان مكان الاخ ابن أخ أو عم فالجد أحق بكل حال لانه يقدم عليهما في الميراث (مسألة) (ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين) وقبل في عمودي النسب روايتان ذكرهما القاضي (إحداهما) تجب مع اختلاف الدين وهو مذهب الشافعي لانها نفقة مع اتفاق الدين فتجب مع أختلافه كنفقة لزوجة والمملوك ولانه يعتق عليه فيجب عليه لانفاق عليه كما لو انفق دينهما ولنا انها مواساة على سبيل البر والصلة فلم تجب مع اختلاف الدين كنفقة غير عمودي النسب ولانهما لا يتوارثان فلم يجب لاحدهما على الاخر نفقة القرابة كما لو كان أحدهما رقيقا ويفارق نفقة الزوجات لانها عوض يجب مع الاعسار فلم ينافها اختلاف الدين كالصداق والاجرة وكذلك يجب
مع الرق فبهما أو في أحدهما وكذلك النفقة المماليك ولان هذه النفقة صلة ومواساة فلا تجب مع اختلاف الدين كاداء زكاته إليه ونقله عنه وارثه منه (مسألة) (وان ترك الانفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه) لان نفقة القريب وجبت لدفع الحاجة واحياء النفس وتزجية الحال وقد حصل له ذلك في الماضي بدونها فان كان الحاكم قد فرضها فينبغي أن تلزمه لانها تأكدت بفرض الحاكم فلزمته كنفقة الزوجة (فصل) ويلزم الرجل اعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي ولهم في اعفاف الاب الصحيح وجه أنه لا يجب، وقال أبو حنيفة لا يلزم الرجل اعفاف أبيه سواء وجبت نفقته أو لم تجب لان ذلك من املاذ فلم تجب للاب كالحلوى، ولانه أحد الابوين فلم يجب ذلك له كالام ولنا أن ذلك مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده فلزم ابنه له كالنفقة ولا يشبه الحلوى فانه لا يستضر بفقدها وانما يشبه الطعام والادم، وأما الام فان اعفافها إنما هو بتزويجها إذا طلبت ذلك وخطبها كف ء لها ونحن نقول بوجوبه عليه وهم يوافقوننا في ذلك إذا ثبت ذلك.
فانه يجب اعفاف من وجبت نفقته من الآباء والاجداد فان اجتمع جدان ولم يكن الا اعفاف أحدهما قدم الاقرب إلا
ان يكون أحدهما من جهة الاب والآخر من جهة الام فيقدم الذي من جهة الاب وان بعد لانه عصبة والشرع قد اعتبر جهته في التوريث والتعصيب فكذلك في الانفاق والاستحقاق
(فصل) وإذا وجب عليه اعفاف أبيه فهو مخير ان شاء زوجه وان شاء ملكه امة أو دفع إليه ما يتزوج به حرة أو يشتري به أمة وليس للاب التخيير عليه إلا أن الاب إذا عين امرأة وعين الابن أخرى وصداقهما واحد قدم تعيين الاب لان النكاح له والمؤنة واحد فقدم قوله كما لو عينت البنت كفؤا ولاب غيره قدم تعينها فان اختلفا في الصداق لم يلزم الابن الاكثر لانه إنما يلزمه أقل ما يحصل به الكفاية وليس له أن يزوجه قبيحة ولا يملكه إياها ولا كبيرة لا استمتاع فيها ولان يزوجه امة لان فيه ضررا بارقاق ولده والنقص في استمتاعه فان رضي الاب بذلك لم يجز لان الضرر يلحق بغيره وهو الولد وكذلك لم يكن للموسر أن يتزوج امة، ومتى أيسر الاب لم يكن للولد استرجاع ما دفعه إليه ولا عرض ما زوجه به لانه دفعه إليه في حال وجوبه عليه فلم يملك استرجاعه كالزكاة فان زوجه أو ملكه أمة فطلق لزوجة أو أعتق الامة لم يكن عليه أن يزوجه أو يملكه ثانيا لانه فوت ذلك على نفسه فان ماتتا فعليه اعفافه ثانيا لانه لا صنع له في ذلك، وعلى الاب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجا إلى الاعفاف ذكره أصحابنا وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم لا يجب ذلك.
ولنا أنه من عمودي نسبه فلزمه نفقته فيلزمه إعفافه عند حاجته إليه كأبيه، قال القاضي وكذلك يجئ في كل من لزمته نفقته من أخ وعم وغيرهم، لان أحمد نص في العبد يلزمه أن يزوجه إذا طلب ذلك والا بيع عليه.
(مسألة) (ومن لزمته نفقة رجل فهل يلزمه نفقة امرأته؟ على روايتين) كل من لزمه اعفاف رجل لزمته نفقة امرأته.
لانه لا يتمكن من الاعفاف إلا بذلك، وقد روي عن أحمد أنه لا يلزم الاب نفقة زوجة الابن وهذا محمول على أن الابن كان يجد نفقتها.
(فصل) والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والادم والكسوة بقدر العادة كما
ذكرنا في الزوجة لانها وجبت للحاجة فتقدرت بما تندفع به الحاجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفارة فان احتاج إلى خادم فعليه إخدامه كقولنا في الزوجة لان ذلك من تمام الكفاية (فصل) ويجب على المعتق نفقة عتيقه على قولنا إن النفقة تجب على الوارث على ما قررناه والمعتق وارث عتيقه فوجبت عليه نفقته إذا كان فقيرا ولمولاه يسار ينفق عليه منه وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لا تجب عليه نفقته بناء على أصولهم المذكورة ولنا قوله تعالى (وعلى الوارث مثل ذلك) وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك ومولاك الذي يلي ذاك، حقا واجبا ورحما موصولا " ولانه يرثه بالتعصيب فكانت عليه نفقته كالاب، ويشترط في وجوب الانفاق عليه الشروط المذكورة في غيره
(فصل) فان مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصباته على ما ذكرناه في الولاء ويجب على السيد نفقة أولاد عتيقه إذا كان له عليهم ولاء لانه عصبتهم ووارثهم وعليه نفقة أولاد معتقيه إذا كان أبوهم عبدا كذلك فان أعتق أبوهم فاتجر الولاء إلى معتقه صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه إذا كملت الشروط وليس على العتيق نفقة معتقة وان كان فقيرا لانه لا يرثه، فان كان واحد منهما مولى الآخر فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر لانه يرثه (فصل) وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو امة لان الحرة ولدها أحرار وليس على العبد نفقة أقاربه الاحرار لان نفقتهم تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وان كانت زوجته مملوكة فولدها عبيد لسيدها لانهم يتبعونها فتكون نفقتهم على مالكهم (فصل) ونفقة أولاد المكاتب الاحرار وأقاربه لا تجب عليه لانها تجب على سبيل المواساة وليس هو من أهلها وكذلك لا تجب عليه الزكاة في ماله فان كانت زوجته حرة فنفقة أولادها عليها لانهم يتبعونها في الحرية، وان كان لهم أقارب أحرار كجد وأخ حر مع الام أنفق كل واحد منهم بحسب ميراثه والمكتب كالمعمدوم بالنسبة إلى النفقة، فأما ولد المكاتب من امته فنفقتهم عليه لان ولده من
أمته تابع له يعتق بعتقه فجرى مجرى نفسه في النفقة فكما أنه ينفق على نفسه فكذلك على ولده الذي هذا حاله وهذا الولد ليس له من ينفق عليه سوى أبيه فان أمه امة للمكاتب وليس له من الاحرار أقارب
فيتعين على المكاتب الانفاق عليه كأنه ولانه لا ضرر على السيد في انفاق المكاتب على ولده من امته لانه إذا أدى وعتق فقد في مال الكتابة وليس للسيد أكثر منه وان عجز ورق عاد إليه المكاتب وولده الذي أنفق عليه فكأنه انما أنفق على عبده وتصير نفقته عليه كنفقته على سائر رقيقه (فصل) فأما ولد المكاتب إذا كان من زوجته المكاتبة فانهم يتبعونها في الكتابة ويكون حكمهم حكمها ان رقت رقوا وان عتقت بالاداء.
عتقوا فتكون نفقتهم عليها مما في يديها في حكم نفسها ونفقتها على نفسها مما في يدها فكذلك نفقة ولدها، وأما زوجها المكاتب فليس عليه نفقتهم لانهم عبيد لسيد المكاتبة فان أراد المكاتب التبرع بالنفقة على ولده من امة أو مكاتبة لغير سيده أو حرة فليس له ذلك لان فيه تغريرا بمال سيده، وان كان من أمة لسيده جاز لانه مملوك لسيده فهو ينفق عليه من المال الذي تعلق به حق سيده وان كان من مكاتبة لسيده احتمل الجواز لانه في الحال بمنزلة امه وامه مملوكة لسيدها واحتمل أن لا يجوز لان فيه تغريرا ويحتمل أن يعجز هو وتؤدي المكاتبة فيعتق لدها فيحصل الانفاق عليه من مال سيده ويصير حرا (فصل) ويجب نفقة ظئر الصبي على من تلزمه نفقته، لان نفقة ظئر الصغير كنفقة الكبير ويختص وجوب النفقة بالاب وحده كالكبير (مسألة) (وليس له منع المرأة من رضاع ولدها إذا طلبت ذلك)
أذا طلبت الام رضاع ولدها بأجر مثلها فهي أحق به سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها وسواء وجد الاب مرضعة متبرعة أو لم يجد، وقال أصحاب الشافعي ان كانت في حبال الزوج فلزوجها منعها من رضاعه لانه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الاحيان، وان استأجرها على رضاعه لم يجر لان النافع حق له فلا يجوز ان يستأجر ما هو أو بعضه حق له، وان ارضعت الولد فهل لها اجر المثل؟ على وجهين
وان كانت مطلقة فطلبت أجر المثل فاراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من يرضعه باجر المثل أو أكثر لم يكن له ذلك، وان وجد متبرعة أو مرضعة بدون اجر المثل فله انتزاعه منها في ظاهر المذهب لانه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها، وقال أبو حنيفة ان طلبت الاجرة لم يلزم الاب بذلها ولا يسقط حقها من الحضانة وتأتي المرضعة ترضعه عندها لانه امكن الجمع بين الحقين فلم يجز الاخلال باحدهما ولنا قوله سبحانه (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين) فقدمهن على غيرهن وهذا خبر يراد به الامر وهو عام في كل والدة وقوله فان ارضعن لكم فآتوهن اجورهن) ولنا على جواز الاستئجار انه عقد اجارة يجوز مع غير الزوج إذا اذن فيه فجاز مع الزوج كاجارة نفسها للخياطة، وقولهم ان المنافع مملوكة له لا يصح لانه لو ملك منفعة الحضانة لملك اجبارها عليها ولم يجز اجارة نفسها لغيره باذنه ولكانت الاجرة له وانما امتنع اجارة نفسها لاجنبي بغير اذنه لما فيه من تفويت الاستمتاع في بعض الزمان ولهذا جازت باذنه وإذا استأجرها فقد اذن لها في اجارة نفسها فصح كما يصح من الاجنبي، اما الدليل على وجوب تقديم الام إذا
طلبت أجر المثل على المتبرعة فما ذكرنا من الآيتين، ولان الام حتى وأشفق ولبنها أمرأ من لبن غيرها فكانت أحق به من غيرها كما لو طلبت الاجنبية رضاعه.
بأجر مثلها ولان في رضاع غيرها تفويتا لحق الام من الحضانة واضرارا بالولد ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب والاضرار بالولد لغرض اسقاط حق أوجبه الله تعالى على الاب، وقول ابي حنيفة يفضي إلى تفويت حق الولد من لبن أمه وتفويت الام في إرضاعه لبنها فلم يجز ذلك كما لو تبرعت برضاعه.
فأما إن طلبت الام أكثر من أجر مثلها ووجد الاب من يرضعه باجر مثلها أو متبرعة جاز انتزاعه منها لانها أسقطت حقها باشتطاطها وطلبها ما ليس لها فدخلت في قوله تعالى (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) وان لم يجد مرضعة الا بتلك الاجرة فالام أحق لانهما تساوتا في الاجر فقدمت الام كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها (فصل) وإن طلبت المزوجة باجنبي ارضاع ولدها بأجر مثلها باذن زوجها ثبت حقها وكانت
أحق به من غيرها لان الام انما منعت من الارضاع لحق الزوج فإذا أذن فيه زال المانع فصارت كغير ذات الزوج وان منعها الزوج سقط حقها لتعذر وصولها إليه (فصل) وان أرضعت المرأة ولدها وهي في حبال والده فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه لقول الله
تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ولانها تستحق عليه قدر كفايتها فإذا زادت حاجتها زادت كفايتها (مسألة) (وان امتنعت من رضاعه لم تجب الا أن يضطر إليها ويخشى عليه) ليس للزوج اجبار أم الولد على ارضاعه دنية كانت أو شريفة وسواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة قال شيخنا ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافا وكذلك إن كانت مع الزوج عندنا، وبه يقول الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح له اجبارها على ذلك وهو قول أبي ثور ورواية عن مالك لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) والمشهور عن مالك أنها إن كان شريفة لم تجر عادة مثلها بالرضاع لولدها لم تجبر عليه وان كانت ممن ترضع في العادة أجبرت عليه ولنا قول الله تعالى (وإن تعاسرهم فسترضع له أخرى) وإذا اختلفا فقد تعاسرا ولان الاجبار على الرضاع إما أن يكون لحق الولد أو لحق الزوج أو لهما لا يجوز أن يكون لحق الزوج فانه لا يملك اجبارها على رضاع ولده من غيرها ولا على خدمته فيما يختص به، ولا يجوز أن يكون لحق الولد لانه لو كان له للزمها بعد الفرقة ولانه مما يلزم الوالد لولده فلزم الاب على الخصوص كالنفقة أو كما بعد الفرقة، ولا يجوز أن يكون لهما لان مالا مناسبة فيه لا يثبت الحكم بانضمام بعضه إلى بعض
ولانه لو كان لهما لثبت الحكم به بعد الفرقة والآية محمولة على حالة الانفاق وعدم التعاسر فأما ان اضطر الولد إليها بأن لا توجد مرضعة سواها أو لا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب عليها التمكين من ارضاعه لانها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها كما لو لم يكن أحد غيرها
(مسألة) (ولا يجب عليه أجرة الظئر لما زاد على الحولين لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (مسألة) (وإن تزوجت المرأة فلزوجها منعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها) وجملة ذلك أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها إلا أن يضطر إليها لان عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الاوقات فكان له منعها كالخروج من منزله فأما ان اضطر إليه بأن لا توجد من ترضعه غيرها أو لا يقبل الارتضاع من غيرها وجب التمكين من ارضاعه لانها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته.
(فصل) فان أرادت إرضاع ولدها فكلام الخرقي يحتمل وجهين:
(أحدهما) له منعها لعموم لفظه في هذه المسألة وهو قول الشافعي لانه يخل بالاستمتاع منها فأشبه ولد غيرها (والثاني) ليس له منعها فانه قال إلا أن تشاء الام أن ترضعه بأجر مثلها فتكون أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وذلك لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الامر وهو عام في كل والدة، وقال أصحاب الشافعي يحمل على المطلقات ولا يصح ذلك لانه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجر الرضاع ولا غيره وقولنا في الوجه الاول انه يخل باستمتاعه.
قلنا: ولكن لايفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعا كما أن قضاء دينه بدفع ما له فيه واجب لا سيما إذا تعلق به حق الولد مع كونه مع أمه وحق الام في الجميع بينهما وبين ولدها، وهذا الوجه ظاهر كلام ابن أبي موسى والاول ظاهر كلام القاضي أبي يعلى.
(فصل) فان أجرت المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح النكاح ولم يملك الزوج فسخ الاجارة ولا منعها من الرضاع حتى تمضي المدة لان منافعها ملكت بعقد سابق على نكاحه أشبه ما لو اشترى
أمة مستأجرة، وان نام الصبي أو اشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعه وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها إلا برضى الولي لان ذلك ينقص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي، ولانه
يجوز له الوطئ مع اذن الولي فجاز مع عدمه لانه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقه (فصل) فان أجرت المرأة المزوجة نفسها للرضاع باذن زوجها جاز ولزم العقد لان الحق لهما لا يخرج عنهما.
وإن أجرتها بغير اذنه لم يصح لتضمنه تفويت حق زوجها وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، والآخر يصح لانه يتأول محلا غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لانه يفوت به الاستمتاع ويختل.
ولنا انه عقد يفوت به حق من ثبت له الحق بعقد سابق فلم يصح كاجارة المستأجر (فصل) قال الشيخ رحمه الله وعلى السيد الانفاق على رقيقه قدر كفايتهم وكسوتهم بالمعروف نفقة المملوكين على ملاكهم ثابتة بالسنة والاجماع أما السنة فروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم فأعينوهم عليه " متفق عليه.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " رواه الشافعي في مسنده.
وأجمع العلماء على وجوب نفقة المملوك على سيده، ولانه لابد له من نفقة ومنافعه لسيده وهو أخص الناس به فوجبت نفقته عليه كبهيمته (فصل) والواجب من ذلك قدر كفايته من غالب قوت البلد سواء كان قوت سيده أو دونه أو فوقه وأدم مثله بالمعروف لحديث ابي هريرة، والمستحب أن يطعمه من جنس طعامه لقوله " فليطعمه
مما يأكل فجمعنا بين الخبرين فحملنا خبر أبي هريرة على الاجزاء وحديث أبي ذر على الاستحباب والسيد مخير بين أن يجعل نفقته من كسبه ان كان له كسب وان ينفق عليه من ماله ويأخذ كسبه أو يجعله برسم نفقة خدمته وينفق عليه من ماله لان الكل ماله فان جعل نفقته في كسبه وكانت
وفق الكسب صرفها إليه وان فضل من الكسب شئ فهو لسيده وان أعوز فعليه تمامه، وأما الكسوة فبالمعروف من غالب الكسوة لامثال العبد في ذلك البلد الذي هو به والمستحب أن يلبسه من لباسه لحديث أبي ذر، ويستحب أن يستوي بين عبيده الذكور في الكسوة والاطعام وبين إمائه إن كن للخدمة أو للاستمتاع وإن كان فيهن من هو للخدمة ومن هو للاستمتاع فلا بأس بزيادة من هي للاستمتاع في الكسوة لانه للعرف ولان غرضه تجميل من يستمتع بها بخلاف الخادمة (مسألة) (وعليه تزويجهم إذا طلبوا ذلك) وهذا احد قولي الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجبر عليه لان فيه ضررا عليه وليس مما تقوم به البنية فلم يلزمه كاطعام الحلواء ولنا قول الله تعالى (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم) والامر يقتضي الوجوب ولا يجب الا عند الطلب وروى عكرمة عن ابن عباس قال من كانت له جارية فلم يزوجها ولم يصبها أو عبد فلم يزوجه فما صنعا من شئ كان على السيد ولولا وجوب اعفافهما لما لحق السيد
الاثم بفعلهما ولانه مكلف محجور عليه دعى إلى تزويجه فلزمت اجابته كالمحجور عليه للسفه ولان النكاح مما تدعوا الحاجة إليه غالبا ويتضرر بفواته فاجبر عليه كالنفقة ولانه يخاف من ترك اعفافه الوقوع في المحظور بخلاف الحلواء.
إذا ثبت هذا فالسيد مخير بين تزويجه أو تملكيه امة يتسراها وله ان يزوجه امة لان النكاح الامة مباح للعبد من غير شرط ولا يجب عليه تزويجه الا عند طلبه لان هذا مما يختلف الناس فيه وفي الحاجة إليه ولا نعلم حاجته الا بطلبه ولا يجوز تزويجه الا باختياره إذا كان عبدا كبيرا وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلا لان اذنه في النكاح اذن في الاستمتاع المعتاد والعادة جارية بذلك ليلا وعليه نفقة زوجته على ما قدمناه (مسألة) (الا الامة إذا كان يستمتع بها) وجملته ان السيد مخير في الامة بين تزويجها إذا طلبت ذلك وبين الاستمتاع بها فيغنيها باستمتاعه عن غيره لان المقصود قضاء الحاجة وازالة ضرر الشهوة وذلك يحصل باحدهما فلم يتعين الآخر
(مسألة) (ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون) وهو ما يشق عليه ويقرب من العجز عنه لحديث أبي ذر ولان ذلك يضر به ويؤذيه وهو ممنوع من ذلك (مسألة) (ويريحهم وقت القيلولة والنوم وأوقات الصلوات)
لان العادة جارية بذلك ولان عليهم في ترك ذلك ضررا ولا يحل الاضرار بهم (مسألة) (ويداويهم إذا مرضوا) إذا مرض المملوك أو زمن أو عمي أو انقطع كسبه فعلى سيده القيام به والانفاق عليه لان نفقته تجب بالملك ولهذا تجب مع الصغر والملك باق مع المرض والعمى والزمانة فتجب نفقته معهما لعموم النصوص المذكورة (مسألة) (وإذا ولي احدهم طعامه أطعمه معه فان أبى أطعمه منه) لما روى أبو هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كفى احدكم خادمه حره ودخانه فليدعه وليجاسه معه فان أبى فليروغ له اللقمة واللقمتين " رواه البخاري ومعنى ترويغ اللقمة غمسها في المرق والدسم وترويتها بذلك ودفعها إليه ولانه يشتهيه لحضوره فيه وتوليه اياه وقد قال الله تعالى (وإذا حضر القسمة اولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) ولان نفس الحاضر تتوق ما لا تتوق نفس الغائب (مسألة) (ولا يسترضع الامة لغير ولدها الا ان يكون فيها فضل عن ريه) لان فيه اضرارا بولدها لنقصه في كفايته وصرف اللبن المخلوق له إلى غيره مع حاجته إليه فلم يجز كما لو اراد ان ينقص الكبير عن كفايته ومؤنته فان كان فيها فضل عن ري ولدها جاز لانه
ملكه وقد استغنى عنه الولد فكان له استبقاؤه كالفاضل من كسبه أو كما لو مات ولدها وبقي لبنها (مسألة) (ولا يجبر العبد على المخارجة وان اتفقا عليها جاز)
معنى المخارجة أن يضرب عليه خراجا معلوما يؤديه إلى سيده وما فضل للعبد لان ذلك عقد بينهما فلا يجبر عليه كالكتابة، وإن طلب العبد ذلك وأباه السيد لم يجبر عليه لما ذكرنا فان اتفقا على ذلك جاز لما روي أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجرة وأمر مواليه أن يخلفوا عنه من خراجه وكان كثير من الصحابة يضربون على رقيقهم خراجا فروي أن الزبير كان له الف مملوك على كل واحد منهم كل يوم درهم وجاء أبو لؤلؤة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله أن يسأل المغيرة بن شعبة يخفف عنه من خراجه، ثم ينظر فان كان ذا كسب فجعل عليه بقدر ما يفضل عن كسبه عن نفقته وخراجه شئ جاز فان لهما به نفعا فان العبد يحرص على الكسب وربما فضل معه شئ يزيده في النفقة ويتسع به، وان وضع عليه أكثر من كسبه بعد نفقته لم يجز وكذلك ان كلف من لا كسب له المخارجة لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا تكلفوا الصغير الكسب فانكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا المرأة غير ذات الصنعة الكسب فانكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها ولانه متى كلف غير ذي الكسب خراجا كلفه ما يغلبه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تكلفوهم ما يغلبهم وربما حمله ذلك على أن يأتي به من غير وجهه فلم يكن للسيد أخذه
(مسألة) (ومتى امتنع السيد من الواجب عليه وطلب العبد البيع لزمه بيعه) وجملة ذلك أن السيد إذا امتنع مما يجب للعبد عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع أجبر سيده عليه سواء كان امتناع السيد من ذلك لعجزه عنه أو مع قدرته عليه لان بقاء ملكه عليه مع الاخلال بسد خلاته اضرار به وازالة الضرر واجبة فوجب إزالته وكذلك أبحنا للمرأة فسخ النكاح عند عجز زوجها عن الانفاق عليها وقد روي في بعض الحديث عن النبي صلى الله عليه أنه قال " عبدك يقول أطعمني والا فبعني وامرأتك تقول أطعمني أو طلقني وهذا يدل بمفهومه على أن السيد متى وفى بحقوق عبده وطلب العبد لم يجبر السيد عليه، وقد روى أبو داود عن أحمد أنه قبل له استباعت المملوكة وهو يكسوها مما يكتسي ويطعمها مما يأكل؟ قال لاتباع وان أكثرت من ذلك إلا أن تحتاج إلى زوج
فتقول زوجني، وقال عطاء واسحاق في العبد يحسن إليه سيده وهو يستبيع لا يبعه لان الملك للسيد واعتق له فلا يجبر على إزالته من غير ضرر بالعبد كما لا يجبر على طلاق زوجته مع القيام بما يجب لها ولا على بيع بهيمته مع الانفاق عليها.
(مسألة) (وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده وامرأته) له تأديب عبده وامته إذا أذنبا بالتوبيخ والضرب الخفيف كما يؤدب ولده وامرأته في النشوز وليس له ضربه على غير ذنب ولا أن يضربه ضربا مبرحا وان أذنب ولا لطمه في وجهه، وقد روي
عن ابن مقرن المزني قال قد رأيتني سابع سبعة ما لنا إلا خادم واحد فلطمها أحدنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باعتاقها وروي عن أبي مسعود قال كنت أضرب غلاما لي وإذا رجل من خلفي يقول اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول " اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " (مسألة) (وللعبد التسري باذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يكن له التسري بها إلا باذنه) هذا هو المنصوص عن أحمد في رواية الجماعة وهو قول ابن عمر وابن عباس والشعبي والنخعي والزهري، ومالك والاوزاعي وأبي ثور، وكره ذلك ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان والثوري وأصحاب الرأي، وللشافعي فيه قولان مبنيان على أن العبد هل يملك بتمليك سيده أو لا، وقال القاضي يجب أن يكون في مذهب أحمد في تسري العبد وجهان مبنيان على الروايتين في ثبوت الملك بتمليك سيده واحتج من منع ذلك بأن العبد لا يملك المال ولا يجوز الوطئ إلا في نكاح أو تمليك يمين لقول الله تعالى (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولنا قول ابن عمر وابن عباس ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا، وروى الاثرم عن ابن عمر باسناده أنه كان لا يرى بأسا أن يتسرى العبد ونحوه عن ابن عباس، ولان العبد يملك في النكاح فملك التسري كالحر، وقولهم إن العبد لا يملك المال ممنوع، فان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من باع عبدا وله مال " فجعل المال له ولانه آدمي فيملك المال كالحر وذلك لانه بآدميته يتمهد لاهلية الملك إذ كان الله
تعالى خلق الاموال للآدميين ليستعينوا بها على القيام بوظائف التكليف وأداء العبادات، قال الله تعالى (خلق لكم ما في الارض جميعا) والعبد داخل في العموم ومن أهل التكاليف والعبادات فيكون أهلا للملك وكذلك ملك في النكاح، وإذا ثبت الملك للجنين مع كونه نطفة لا حياة فيها باعتبار مآ له إلى الآدمية فالعبد الذي هو آدمي ملكف أولى ولا يجوز له التسري إلا باذن سيده ولو ملكه سيده جارية لم يكن له وطؤها حتى يأذن له فيه لان ملكه ناقص ولسيده نزعه منه متى شاء من غير فسخ قد فلم يكن له التصرف فيه إلا باذن سيده فان اذن له فقال تسراها أو اذنت لك في وطئها أو ما دل عليه ابيح له، وما ولد له من التسري فحكمه حكم ملكه لان الجارية مملوكة له فكذلك ولدها وان تسرى بغير اذن سيده فالولد ملك لسيده (فصل) وإذا اذن له السيد في أكثر من واحدة فله التسري بما شاء نص عليه أحمد لا زمن جاز له التسري جاز له بغير حصر كالحر وان اذن له واطلق فله التسري واحدة وكذلك إذا اذن له في في التزويج ولم يجز ان يتزوج أكثر من واحدة وبهذا قال اصحاب الرأي، وقال أبو ثور إذا اذن له في التزويج فعقد على اثنتين في عقد جاز ولنا ان الاذن الطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم يقينا وما زاد مشكوك فيه فيبقى على الاصل
كما لو اذن له في طلاق امرأته لم يكن له ان يطلق أكثر من طلقة ولان الزائد عن الواحدة يحتمل ان يكون غير مراد فيبقى على اصل التحريم كما لو شك في أصل الاذن (فصل) نقل محمد بن ماهان عن أحمد لا بأس للعبد ان يتسرى إذا اذن له سيده فان رجع السيد فليس له أن يرجع إذا اذن له مرة وتسري وكذلك نقل عنه ابراهيم بن هانئ ويعقوب بن بختان ولم
أو عنه خلاف هذا فظاهره انه إذا تسرى باذن السيد لم يملك السيد الرجوع لانه يملك به البضع فلم يملك سيده فسخه قياسا على النكاح، وقال القاضي يحتمل أنه أراد بالتسري ههنا التزويج وسماه تسريا
مجازا ويكون للسيد الرجوع فيما ملك عبده وظاهر كلام أحمد خلاف هذا وذلك لانه ملكه بضعا أبيح له وطؤه فلم يملك رجوعه فيه كما لو زوجه
(فصل) وعليه اطعام بهائمه وسقيها والقيام بها والانفاق عليها وما تحتاج إليه من علفها وسقيها لو
اقامة من يرعاها لما روي ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا فلا هي اطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الارض " متفق عليه
(مسألة) (ولا يحملها ما لا تطيق) لانها في معنى العبد وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم تكليف العبد ما لا يطيق، ولان فيه تعذيب الحيوان الذي
له حرمة في نفسه ولا يحلب من لبنها ما يضرب ولدها لان كفايته واجبة على مالكه ولن أمه مخلوق
له فاشبه ولد الامة فان امتنع عن الانفاق عليهما أجبر على ذلك فان ابى أو عجز اجبر على بيعها أو ذبحها ان كانت مما تذبح، وقال أبو حنيفة لا يجبره السلطان بل يأمره به كما يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر
لان البهيمة لا يثبت لها حق من جهة الحكم ألا ترى أنه لا يصح منها الدعوى ولا ينصب عنها خصم فصارت كالزرع والشجر
ولنا أنها نفقة حيوان واجبة عليه فكان للسلطان اجباره عليها كنفقة العبد فان عجز عن الانفاق
وامتنع من البيع بيعت عليه كما يباع العبد إذا طلب البيع عند إعسار سيده بنفقة وكما يفسخ نكاحه
إذا اعسر بنفقة امرأته فان عطبت البهيمة فلم ينتفع بها فان كانت مما لا يؤكل اجبر على الانفاق عليها كالعبد الزمن وان كانت مما يؤكل خير بين ذبحها والانفاق عليها على ما ذكرناه
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: