الفقه الحنبلي - الطلاق
(فصل) فان قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لان الكلام تكرار للتأكيد كقوله عليه السلام " فنكاحها باطل باطل باطل " وإن قصد الايقاع وتكرار اللفظان طلقت ثلاثا.
وإن لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة لانه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة فلا تكن متغايرات، وإن قال أنت طالق وطالق وطالق وقال أردت بالثانية التأكيد لم يقبل لانه غاير بينهما وبين الاولى بحرف يقتضي العطف والمغايرة وهذا يمنع.
وأما الثالثة فهي كالثانية في لفظها فان قال أردت بها التوكيد دين وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين
(إحداهما) يقبل وهو مذهب الشافعي لانه كرر لفظ الطلاق مثل الاول فقبل تفسيره بالتأكيد كما لو قال انت طالق انت طالق والثانية لا يقبل لان حرف العطف للمغايرة فلا يقبل منه ما يخالف ذلك كما لا يقبل في الثانية ولو قال انت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو فان غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق ثم طالق وطالق أو طالق وطالق فطالق ونحو ذلك فلم يقبل في شئ منها إرادة التوكيد لان كل كلمة مغايرة ما قبلها مخالفة لها في لفظها والتوكيد انما يكون بتكرير الاول بصورته (فصل) فان قال انت مطلقة انت مسرحة انت مفارقة وقال اردث التوكيد بالثانية والثالثة قبل لانه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الالفاظ بل اعاد اللفظة بمعناها ومثل هذا يعاد توكيدا وان قال انت طلقة ومسرحة ومفارقة وقال اردت التوكيد احتمل ان يقبل منه لان اللفظ المختلف يعطف بعضه على بعض توكيدا * فالفي قولها كذبا ومينا * ويحتمل ان لا يقبل لان الواو تقتضي المغايرة فأشبه
ما لو كان بلفظ واحدا * (مسألة) * (والمعلق كالمنجز في حكم المدخول بها وغيرها) فلو قال ان دخلت الدار فأنت طالق وطالق فدخلت الدار طلقت ثلاثا وبه قال أبو يوسف
ومحمد وأصحاب الشافعي في احد الوجهين وقال أبو حنيفة تقع واحدة لان الطلاق المطلق إذا وجدت الصفة يكون كأنه اوقعه في الحال على تلك الصفة ولو أوقعه كذلك لم يقع الا واحدة ولنا انه وجد شرط وقوع ثلاث طلقات غير مرتبات فوقع الثلاث كما لو قال ان دخلت الدرا فانت طالق وكرر ذلك ثلاثا فدخلت فانها تطلق ثلاثا في قول الجميع * (مسألة) * (وان قال ان دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة فدخلت طلقت طلقتين وذكر مثل هذا بعض أصحاب الشافعي ولم يحك عنهم فيه خلافا وكذلك إذا قال طلقة مع طلقة فدخلت * (مسألة) * (وان قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق ثم طالق ان دخلت الدار وان دخلت الدار فانت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت واحدة فبانت بها ولم تطلق غيرها) وبهذا قال الشافعي وذهب القاضي إلى انها تطلق في الحال واحدة تبين بها وهو قول أبي حنيفة في الصورة الاولى لان ثم تقطع الاولى عما بعدها للمهلة فتكون الاولى واقعة والثانية معلقة بالشرط وقال أبو يوسف ومحمد لا يقع حتى تدخل الدار فيقع بها ثلاث لان دخول الدار شرط للثلاث فوقعت كما لو قال إن دخلت الدار فانت طالق وطالق وطالق ولنا ان ثم للعطف وفيها ترتيب فتعلقت التطليقات كلها بالدخول لان العطف لا يمنع تعلق الشرط
بالمعطوف عليه ويجب الترتيب فيها كما يجب لو لم يعلقه بالشرط وفي هذا انفصال عما ذكروه ولان الاولى تلي الشرط فلم يجز وقوعها بدونه كما لو لم يعطف عليها ولانه جعل الاولى جزءا للشرط وعقبه اياها بفاء التعقيب الموضوعة للجزاء فلم يجز تقديمها عليه كسائر نظائره ولانه لو قال ان دخل زيد داري فاعطه درهما ثم درهما لم يجز ان يعطيه قبل دخوله فكذا ههنا وما ذكروه تحكم ليس له شاهد
في اللغة ولا أصل في الشرع فاما ان قال لمدخول بها ان دخلت الدار فانت طالق ثم طالق ثم طالق لم يقع بها شئ حتى تدخل الدار فيقع بها الثلاث وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وذهب القاضي إلى وقوع طلقتين في الحال وتبقى الثالثة معلقة بالدخول وهو ظاهر الفساد فانه يجعل الشرط المتقدم للمعطوف دون المعطوف عليه ويعلق به ما بعد عنه دون ما يليه ويجعل جزاءه ما لم يوجد فيه الفاء التي يجازى بها دون ما وجدت يه تحكما لا يعرف عليه دليل ولا نعلم له نظيرا وان قال لها ان دخلت الدار فانت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت ثلاثا في قولهم جميعا * (مسألة) * (وان قال ان دخلت الدار فأنت طالق ان دخلت فانت طالق فدخلت طلقت طلقتين بكل حال) وان كرر ذلك ثلاثا طلقت ثلاثا في قول الجميع لان الصفة وجدت فاقتضى وقوع الطلاق والثلاث دفعة واحدة والله أعلم
(باب الاستثناء في الطلاق) حكي أبي بكر انه لا يصح الاستثناء في الطلاق والمذهب على انه يصح استثناء ما دون النصف ولا يصح فيما زاد عليه وفي استثناء النصف وجهان إذا اسثني في الطلاق بلسانه صح استثناؤه وهو قول جملة أهل العلم قال ابن المنذر اجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم علي أن الرجل إذا قال لامرأته انت طالق ثلاثا الا واحدة انها تطلق طلقتين منهم الثوري والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أبي بكر ان الاستثناء لا يؤثر في عدد الطلقات ويجوز في المطلقات فلو قال انت طالق ثلاثا الا واحدة وقع الثلاث ولو قال نسائي طوالق الا فلانة لم تطلق لان الطلاق لا يمكن رفعه بعد ايقاعه والاستثناء يرفعه لو صح وما ذكره من التحليل باطل بما يسلمه من الاستثناء في المطلقات وليس الاستثناء رفعا لما وقع إذ لو كان كذلك لما صح في المطلقات والاعتاق لا في الاقرار ولا في الاخبار وإنما هو مبين أن المسنثى غير مراد في الكلام فهو يمنع أن يدخل فيه ما لولاه لدخل فقوله (فليث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) عبارة عن تسعمائة وخمسين عاما، وقوله (انني براء مما تعبدون الا الذي فطرني) مقتضاه أنه لم يتبرأ من الله، فكذلك قوله أنت طالق ثلاثا الا واحدة عبارة
عن اثنتين لا غير، وحرف الاستثناء المستولي عليه إلا ويشبه به أسماء وأفعال وحروف فالاسماء غير
وسوى، والافعال ليس وعدا، والحروف حاشا وخلا، فبأي كلمة استثنى بها صح الاستثناء (فصل) ولا يصح استثناء الاكثر، نص عليه أحمد فلو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين وقع ثلاث والاكثرون على أن ذلك جائز، إلا أن أهل العربية إنا أجازوه في القليل من الكثير حكي ذلك عن جماعة من أئمة اللغة فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وقع اثنتان ولو قال إلا اثنتين وقع ثلاث، وان قال طلقتين الا طلقة ففيه وجهان [ أحدهما ] يقع طلقة (والثاني) طلقتان بناء على صحة استثناء النصف هل يصح أولا؟ على وجهين * (مسألة) * (وان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا أو ثلاثا الا اثنتين أو خمسا الا ثلاثا أو ثلاثا الا ربع طلقة طلقت ثلاثا) إذا قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا وقع ثلاث بغير خلاف لان الاستثناء لرفع المستثنى منه فلا يصح أن يرفع جميعه وان قال ثلاثا الا اثنتين فعندنا يقع ثلاث بناء على أنه لا يصح استثناء الاكثر وسنذكر ذلك والخلاف فيه ودليل كل واحد من القولين في كتاب الاقرار ان شاء الله تعالى وان قال أنت طالق خمسا الا ثلاثا وقع ثلاث لان الاستثناء ان عاد إلى الخمس فقد استثني الاكثر وان عاد إلى الثلاث التي يملكها فقد رفع جميعها وكلامها لا يصح، وان قال خمسا الا طلقة ففيه وجهان [ أحدهما ] يقع ثلاث لان الكلام مع الاستثناء كأنه نطق بما عدا المستثني فكأنه قال أنت طالق
أربعا (والثاني) يقع اثنتان، ذكره القاضي لان الاستثناء يرجع إلى ما ملكه من الطلقات وما زاد عليها يلغو وقد استثنى واحدة من الثلاث فيصح ويقع طلقتان وان قال ثلاث الا ربع طلقة طلقت ثلاثا لان الطلقة الناقصة تكمل فتصير ثلاثا * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق اثنتين إلا واحدة فعلى وجهين ذكرناهما، وذلك مبني على صحة استثناء النصف)
وان قال أنت طالق أربعا إلا اثنتين فعلى الوجهين يصح الاستثناء ويقع طلقتان وعلى قول القاضي ينبغي أن لا يصح الاستثناء ويقع ثلاث لان الاستثناء يرجع إلى الثلاث فيكون استثناء الاكثر * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين الا واحدة، فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين؟ على وجهين).
وجملة ذلك أن الاستثناء من الاستثناء لا يصح منه في الطلاق إلا هذه المسألة فانه يصح إذا أجزنا استثناء النصف فيقع به طلقتان فان قيل فكيف أجزتم استثناء الثنتين من الثلاث وهي أكثرها؟ قلنا لانه لم يسكت عليها بل وصلها بأن استثنى منهها طلقة فصارنا عبارة عن واحدة وان قلنا لا يصح استثناء النصف وقع الثلاث.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق ثلاثا الا ثلاثا الا واحدة لم يصح ووقع ثلاث) لانه إذا استثنى واحدة من ثلاث بقي اثنتان لا يصح استثناؤهما من الثلاث الاولى فيقع الثلاث وذكر أبو الخطاب فيها وجها آخر أنه يصح لان الاستثناء الاول يغلو لكونه استثنى الجميع فيرجع قوله الا واحدة إلى الثلاث المثبتة فيقع منها طلقتان والاول أولى لان الاستثناء من الاثبات نفي، ومن النفي اثبات، فإذا استثنى من الثلاث المنفية طلقة كان مثبتا لها فلا يجوز جعلها من الثلاث المثبتة لانه يكون اثباتا من اثبات.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق وطالق الا واحدة أو طلقتين وواحدة الا واحدة أو طلقتين ونصفا الا واحدة طلقت ثلاثا ويحتمل أن يقع طلقتان) في هذه المسائل الثلاث وجهان: (أحدهما) لا يصح الاستثناء لان الاستثناء يرفع الجملة الاخيرة بكمالها من غير زيادة عليها فيصير ذكره استثناءها لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى الغائه والغاء المستثنى منه بطل كاستثناء الجميع ولان الغاءه وحده أولى من الغائة والغاء غيره ولان الاستثناء يعود إلى الجملة الاخيرة في أحد الوجهين فيكون استثناء للجميع
(والوجه الثاني) يصح الاستثناء ويقع طلقتان لان العطف بالواو يجعل الجملتين كالجملة الواحدة فيصير مستثنيا واحدة من ثلاث وكذلك لو قال له علي مائة وعشرون الا خمسين صح والاول مذهب أبي حنيفة والشافعي.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق واحدة، واثنتين الا واحدة) فعلي الوجه الثاني يصح الاستثناء، وعلى الوجه الاول يخرج في صحتة وجهان بناء على استثناء النصف فان كان العطف بغير واو كقوله أنت طالق فطالق أو طالق ثم طالق ثم طالق الا طلقة لم يصح الاستثناء لان هذا حرف يقتضي الترتيب وكون الطلقة الاخيرة مفردة عما قبلها فيعود الاستثناء إليها وحدها فلا يصح، وان قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا اثنتين لم يصح لانه ان عاد إلى الجملة الاخيرة فهو رفع لجميعها وان عاد إلى الثلاث التي يملكها فهو رفع لاكثرها وكلاهما لا يصح، ويحتمل أن يصح بناء على أن العطف بالواو يجعل الجملتين جملة واحدة وان استثناء النصف يصح فكأنه قال أربعا الا اثنتين فان قال أنت طالق اثنتين واثنتين الا واحدة احتمل أن يصح لانه استثنى واحدة من ثلاث واحتمل أن لا يصح لانه عاد إلى الرابعة فقد بقي بعدها ثلاث، وان عاد إلى الواحدة الباقية من الاثنتين فهو استثناء الجميع.
(فصل) وان قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة وطلقة وطلقة ففيه وجهان (أحدهما) يلغو الاستثناء
ويقع ثلاث لان العطف يوجب اشتراك المعطوف مع المعطوف عليه فيصير مستثنيا ثلاثا من ثلاث وهذا وجه لاصحاب الشافعي، وقال أبو حنيفة والشافعي يصح الاستثناء في طلقة لان استثناء الاقل جائز وانما لا يصح استثناء الثانية والثالثة فيلغو وحده، وقال أبو يوسف ومحمد يصح استثناء الثنتين وتلغو الثالثة بناء على أصلهم في ان استثناء الاكثر جائز وهو الوجه الثاني لاصحاب الشافعي، وان قال انت طالق طلقتين الا طلقة وطلقة ففيه الوجهان، وان قال انت طالق ثلاثا الا طلقة ونصفا احتمل وجهين أيضا احدهما يلغو الاستثناء لان النصف يكمل فيكون مستثنيا للاكثر فيلغو والثاني يصح في طلقة فيقع
طلقتان لما ذكرنا في التي قبلها، وان قال انت طالق ثلاثا الا واحدة والا واحدة كان عاطفا لاستثناء على استثناء فيصح الاول ويلغو الثاني لاننا لو صححناه لكان مستثنيا للاكثر فيقع به طلقتان، ويجئ على قول من أجاز استثناء الاكثر انه يصح فيها فيقع طلقة واحدة، وان قال انت طالق ثلاثا الا واحدة الا واحدة كان مستثنيا من الواحدة المستثناة واحدة فيحتمل ان يلغو الاستثناء الثاني ويصح الاول فيقع به طلقتان ويحتمل ان يقع به الثلاث لان الاستثناء الثاني معناه اثبات طلقة في حقها لكون الاستثناء من النفي اثباتا فيقع ذلك في إيقاع طلاقه وان لم يقبل في نفيه كما لو طلق طلقتين ونصفا وقع به ثلاث
* (مسألة) * (وان قال انت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه الا واحدة وقعت الثلاث وان قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق) وجملة ذلك أن ما يتصل باللفظ من قرينة أو استثناء على ثلاثة اضرب (احدها) ما لا يصح نطقا ولا نية وذلك نوعان (احدهما) ما يرفع حكم اللفظ كله مثل ان يقول انت طالق ثلاثا الا ثلاثا وانت طالق طلقة لا تلزمك ولا تقع عليك فهذا لا يصح بلفظه ولا نيته لانه يرفع حكم اللفظ كله فيصير الجميع لغوا فلا يصح هذا في اللغة بالاتفاق وإذا كان كذلك سقط الاستثناء والصفة ووقع الطلاق (الضرب الثاني) ما يقبل لفظا ولا يقبل نية لا في الحكم ولا فيما بينه وبين الله تعالى وهو استثناء الاقل فهذا يصح لفظا لانه من لسان العرب ولا يصح بالنية مثل ان يقول انت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه الا واحدة أو أكثر فهذا لا يصح لان العدد نص فيما يتناوله لا يحتمل غيره فلا يرتفع بالنية ما ثبت بنص اللفظ فان اللفظ اقوى من النية ولو نوى بالثلاث اثنتين كان مستعملا للفظ في غير ما يصلح له فوقع مقتضى اللفظ ولغت نيته، وحكى عن بعض الشافعية انه يقبل فيما بينه وبين الله تعالى كما لو قال نسائي طوالق واستثنى بقلبه الا فلانة، والفرق بينهما ان نسائي اسم عام يجوز التعبير به عن بعض ما وضع له وقد استعمل العموم بازء الخصوص كثيرا فإذا اراد به البعض صح وقوله ثلاثا اسم عدد للثلاث لا يجوز
التعبير به عن عدد غيرها ولا يحتمل سواها بوجه فإذا اراد بذلك اثنتين فقد اراد باللفظ ما لا يحتمله وانما تعمل النية في صرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته فاما ما لا يحتمل فلا فانه لو عملنا بها فيما لا يحتمل كان عملا بمجرد النية ومجرد النية لا يعمل في نكاح ولا طلاق ولا بيع، ولو قال نسائي الاربع طوالق أو قال لهن اربعتكن طوالق واستثنى بعضهن بالنية لم يقبل على قياس ما ذكرناه ولا يدين فيه لانه عنى باللفظ ما لا يحتمله (الضرب الثالث) ما يصح نطقا وإذا نواه دين فيما بينه وبين الله تعالى وذلك مثل تخصيص العام واستعمال اللفظ في مجازه مثل قوله نسائي طوالق يريد بعضهن أو ينوي بقوله طالق أي من وثاق فهذا يقبل إذا كان لفظا واحدا لانه وصل كلامه بما بين به مراده وان كان بنيته قبل منه فيما بينه وبين الله تعالى لانه أراد تخصيص اللفظ العام واستعماله في الخصوص وهذا سائغ في الكلام فلا يمنع من استعماله والتكلم به ويكون اللفظ بنيته منصرفا إلى ما اراده دون ما لم يرده وهل يقبل ذلك في الحكم؟ يخرج على روايتين (احداهما) يقبل لانه فسر كلامه بما لا يحتمله فصح كما لو قال انت طالق انت طالق وأراد بالثانية افهامها (والثانية) لا يقبل لانه خلاف الظاهر وهو مذهب الشافعي والاول أولى ان شاء الله تعالى لان
أكثر نصوص القرآن العامة اريد بها الخصوص، ومن شرط هذا ان تكون النية مقارنة للفظ وهو ان يقول نسائي طوالق يقصد بهذا اللفظ بعضهن فأما ان كانت متأخرة عن اللفظ مثل ان قال نسائي طوالق ثم بعد فراغه نوى بلفظه بعضهن لم تنفعه النية ووقع الطلاق بجميعهن وكذلك لو طلق نساءه ونوى بعد طلاقهن أي من وثاقي لزمه الطلاق لانه مقتضى اللفظ والنية الا ان خبره نية لا لفظ معها فلا تعمل، ومن هذا الضرب تخصيص حال دون حال مثل ان يقول انت طالق ثم يصله بشرط أو صفة مثل قوله ان دخلت الدار أو بعد شهر أو قال ان دخلت الدار بعد شهر فهذا يصح إذا كان نطقا بغير خلاف وان نواه ولم يلفظ به دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين قال أحمد في رواية اسحاق بن ابراهيم فيمن حلف لا تدخل الدار وقال نويت شهرا يقبل منه
أو قال إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة وذلك اليوم قبلت نيته والرواية الاخرى لا يقبل فانه قال إذا قال لامرأته انت طالق ونوى في قلبه إلى سنة تطلق ليس بنظر إلى نيته وقال إذا قال انت طالق وقال نويت ان دخلت الدار لا يصدق، ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بان يحمل قوله في عدم القبول على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف، والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها ان ارادة الخاص بالعام شائع كثير وارادة الشرط من غير ذكره غير سائغ فهو قريب من الاستثناء ويمكن ان يقال هذا كله من جملة التخصيص
(فصل) إذا قالت له امرأة من نسائه طلقني فقال نسائي طوالق ولا نية له طلقن كلهن بغير خلاف لان لفظه عام وان قالت له طلق نساءك فقال نسائي طوالق فكذلك وحكى عن مالك ان السائلة لا تطلق في هذه الصورة لان الخطاب يقصر على سببه الخاص وسببه سؤال طلاق من سواها ولنا ان اللفظ عام فيها ولم يرد به غير مقتضاه فوجب العمل بعمومه كالصورة الاولى والعمل بعموم اللفظ أولى من خصوص السبب لان ذلك الحكم هو للفظ فيجب اتباعه والعمل بمقتضاه في خصوصه وعمومه، وكذلك لو كان اخص من السبب لوجب قصره على خصوصه واتباع صفة اللفظ دون صفة السبب، فأما ان اخرج السائلة بنيته دين فيما بينه وبين الله تعالى في الصورتين وقيل في الحكم وقيل في الصورة الثانية لان خصوص السبب دليل على نيته ولم يقبل في الصورة الاولى قاله ابن حامد لان طلاقه جواب لسؤالها الطلاق لنفسها فلا يصدق في صرفه عنها لانه يخالف الظاهر من وجهين ولانها سبب الطلاق وسبب الحكم لا يجوز اخراجه من العموم بالتخصيص وقال القاضي يحتمل ان لا تطلق لان لفظه عام والعام يحتمل التخصيص
* (باب الطلاق في الماضي والمستقبل) * * (مسألة) * (إذا قال لزوجته أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ينوي الايقاع وقع في الحال) لانه يقر على نفسه بما هو أغلظ
* (مسألة) * (وإن لم ينو لم يقع في ظاهر كلامه) فروي عنه فيمن قال لزوجته أنت طالق أمس وانما تزوجها اليوم ليس بشئ وهذا قول أبي بكر وقال القاضي في بعض كتبه يقع الطلاق وهو مذهب الشافعي لانه وصف المطلقة بما لا تتصف به فلغت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو قال أنت طالق طلقة لا تلزمك، ووجه الاول أن الطلاق رفع للاستباحة ولا يمكن رفعها في الزمن الماضي فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم فان أصحابنا لم يختلفوا في أن الطلاق لا يقع وهو قول أصحاب الشافعي وهذا طلاق في زمن ماض ولانه علق الطلاق بمستحيل فلغا كما لو قال أنت طالق ان قلبت الحجر ذهبا، والحكم في قوله أنت طالق قبل أن تزوجك كما إذا قال أنت طالق أمس * (مسألة) * (وحكي عن أبي بكر أنه يقع إذا قال قبل أن أتزوجك ولا يقع إذا قال أنت طالق أمس) قال القاضي ورأيت بخط أبي بكر في جزء مفرد أنه قال إذا قال أنت طالق قبل أن أتزوجك طلقت ولو قال أنت أمس لم يقع لان أمس لا يمكن وقوع الطلاق فيه وقبل تزوجها متصور
الوجود فانه يمكن أن يتزوجها ثانيا وهذا الوقت قبله فوقع في الحال كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد * (مسألة) * (وإذا قال أردت ان زوجا قبلي طلقها أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا قبل منه إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد) إذا أراد الاخبار أنه كان طلقها هو أو زوج قبله في ذلك الزمان الذي ذكره وكان قد وجد ذلك قبل منه ذكره أبو الخطاب وقال القاضي يقبل على ظاهر كلام أحمد لانه فسره بما يحتمله وان اراد اني كنت طلقتك أمس فكذبته لزمتها الطلقة وعليها العدة من يومها لانها اعترفت أن أمس لم يكن من عدتها * (مسألة) * فان مات أو جن أو خرس قبل العلم بمراده فهل تطلق؟ على وجهين) بناء على اختلاف القولين في المطلق ان قلنا لا يقع به شئ لم يلزمه ههنا شئ وان قلنا بوقوعه ثم وقع ههنا * (مسألة) * (وان قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضي شهر لم تطلق بغير خلاف من أصحابنا)
وهو قول أكثر أصحاب الشافعي لانه تعليق للطلاق على صفة كان وجودها ممكنا فوجب اعتبارها وان قدم زيد مع مضي الشهر لم تطلق لانه لابد من جزء يقع الطلاق فيه * (مسألة) * (وان قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه تبينا وقوعه فيه لانه ايقاع للطلاق بعد عقده) وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه يقع عند قدومه لانه جعل الشهر شرطا لوقوع الطلاق فلا يسبق الطلاق شرطه
ولنا أنه أوقع الطلاق في زمن على صفة فإذا حصلت الصفة وقع فيه كما لو قال أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر أو قبل موتك بشهر فان أبا حنيفة خاصة يسلم ذلك ولا نسلم أنه جعل الشهر شرطا وليس فهى حرف الشرط * (مسألة) * (وإن خالعها بعد اليمين بيوم وكان الطلاق بائنا ثم قدم بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق) لانه صادفها بائنا وان قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع ولها الرجوع بالعوض الا أن يكون الطلاق رجعيا لان الرجعية يصح خلعها (فصل) فان مات أحدهما بعد عقد الصفة بيومين ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر لانا تبينا أن الطلاق قد كان وقع قبل موت الميت منهما فلم يرثه صاحبه الا أن يكون الطلاق رجعيا فانه لا يقطع التوارث ما دامت في العدة فان قدم بعد الموت بشهر وساعة تبينا أن الفرقة وقعت بالموت ولم تقع بالطلاق، فان قال أنت طالق قبل موتي بشهر فمات أحدهما قبل مضي شهر لم يقع طلاق لان الطلاق لا يقع في الماضي وإن مات بعد عقد اليمين بشهر وساعة تبينا وقع الطلاق في تلك الساعة ولم يتوارثا الا أن يكون الطلاق رجعيا وتموت في عدتها * (مسألة) * (وان قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال) لان ما قبل موته من حين عقد الصفة محل للطلاق فوقع لاوله، وان قال قبل موتك أو موت زيد فكذلك وان قال أنت طالق قبيل موتي أو قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال وانما يقع ذلك في الجزء الذي
يليه الموت لان ذلك تصغير يقتضي الجزء الصغير الذي يبقى وان قال أنت طالق قبل قدوم زيد أو قبل دخولك الدار فقال القاضي تطلق في الحال سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله تعالى (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) ولم يوجد الطمس في المأمورين ولو قال لغلامه اسقيني قبل أن أضربك فسقاه في الحال عد ممتثلا وان لم يضربه وان قال أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر فقال القاضي تتعلق الصفة بأولهما موتا لان اعتباره بالثاني يفضي إلى وقوعه بعد موت الاول واعتباه بالاول لا يفضي إلى ذلك فكان أولى * (مسألة) * (وان قال أنت طالق بعد موتي أو مع موتي لم تطلق نص عليه احمد) وكذلك ان قال بعد موتك أو مع موتك وبه قال الشافعي ولا نعلم في مخالفا لانها تبين بموت احدهما فلا يصادف الطلاق نكاحا يزيله * (مسألة) * (وان تزوج امة ابيه ثم قال إذا مات ابي أو اشتريتك فأنت طالق فمات ابوه أو اشتراها لم يقع الطلاق) اختاره القاضي لانه بالموت والشراء يملكها فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق فلم يقع كما لو قال انت طالق مع موتي ويحتمل ان تطلق اختاره أبو الخطاب لان الموت سبب ملكها وطلاقها
وفسخ النكاح يترتب على الملك فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ فيثبت حكمه وهذا اظهر إن شاء الله تعالى.
(فصل) وان قال الاب إذا مت فأنت حرة وقال الابن إذا مات ابي فأنت طالق وكانت تخرج من من الثلث فكذلك لان بعضها ينقل إلى الورثة فيملك الابن جزءا منها فينفسخ به النكاح فيكون ذلك جميعها في فسخ النكاح ومنع وقوع الطلاق فان اجاز الورثة عتقها فذكر بعض اهل العلم ان هذا ينبني على الاجازة هل هي تنفيذ أو عطية مبتدأة؟ فان قلنا هي عطية مبتدأة فقد انفسخ النكاح قبلها فلم يقع الطلاق وان قلنا هي تنفيذ لما فعل السيد وقع الطلاق وكذلك ان اجاز الزوج وحده عتق ابنه فان كان على الاب دين يستغرق تركته لم يعتق.
قال شيخنا والصحيح ان ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة
فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح فان كان الدين لا يستغرق التركة وكانت تخرج من الثلث بعد اداء الدين عتقت وطلقت وان لم تخرج من الثلث لم تعتق كلها فيكون حكمها في فسخ النكاح ومنع الدين كما لو استغرق الدين التركة وان اسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق لان النكاح انفسخ قبل اسقاطه.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (وان قال انت طالق لاشربن الماء الذي في الكون ولا ماء
فيه أو لاقتلن فلانا الميت أو لاصعدن السماء أو لاطيرن أو ان لم اصعد السماء ونحوه طلقت في الحال وقال أبو الخطاب في موضع لا تنعقد يمينه) وجملة ذلك انه قد استعمل الطلاق والعتاق استعمال القسم وجعل جواب القسم جوابا له فإذا قال انت طالق لاقومن وقام لم تطلق امرأته فان لم يقم في الوقت الذي عينه حنث هذا قول اكثر اهل العلم منهم سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والزهري وسعيد بن جبير والشعبي والثوري واصحاب الرأي وقال شريح يقع طلاقه وان قام لانه طلق طلاقا غير معلق بشرط فوقع كما لو لم يقم ولنا انه حلف برفيه فلم يحنث كما لو حلف بالله تعالى وان قال انت طالق ان اخاك لعاقل وكان اخوها عاقلا لم يحنث وان لم يكن عاقلا حنث كما لو قال والله ان اخاك لعاقل وان شك في عقله لم يقع الطلاق لان الاصل بقاء النكاح فلا يزول بالشك وان قال انت طالق لا اكلت هذا الرغيف فأكله حنث والا فلا وان قال انت طالق ما اكلته لم يحنث ان كان صادقا ويحنث ان كان كاذبا كما لو قال والله ما اكلته وان قال انت طالق لولا ابوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق وان كان كاذبا لم تطلق ولو قال ان حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال انت طالق لاكرمتك طلقت في الحال ولو قال ان حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال عبدي حر لاقومن طلقت المرأة وان قال ان حلفت بعتق عبدي فأنت طالق لقد صمت امس عتق العبد
رجعنا إلى مسائل الكتاب وهو ما إذا علقه على مستحيل كقوله أنت طالق لاشربن الماء الذي
في الكوز ولا ماء فيه أو لاقتلن الميت وقع الطلاق في الحال كما لو قال أنت طالق أو لم أبع عبدي فمات العبد ولانه علق الطلاق على نفي فعل مستحيل وعدمه معلوم في الحال وفي الثاني وقوع الطلاق لما ذكرناه وكذلك قوله أنت طالق لاصعدن السماء أو لاطيرن أو إن لم أصعد السماء أو أطيرن وذكر أبو الخطاب عن القاضي أنه لا تنعقد يمينه والصحيح أنه يحنث فان الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث قال الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) إلى قوله (وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين) ولانه لو حلف على فعل متصور فصار ممتنعا حنث بذلك فلان يحنث بكونه ممتنعا حال يمينه أولى * (مسألة) * (وإن قال أنت طالق إن شربت ماء الكوز ولا ماء فيه وإن صعدت السماء أو إن شاء الميت أو البهيمة لم تطلق في أحد الوجهين وتطلق في الآخر) إذا علق الطلاق على فعل مستحيل كالذي ذكرناه ونحوه كقوله ان جمعت بين الضدين أو كان الواحد أكثر من اثنين وسواء كان مستحيلا عقلا أو عادة كقوله ان طرت أو صعدت السماء أو قلبت الحجر ذهبا أو شربت ماء النهر كله أو حملت الجبل ففيه وجهان: (أحدهما) يقع الطلاق في الحال لانه أردف الطلاق بما يرفع جملته ويمنع وقوعه في الحال وفي الثاني فلم يصح كاستثناء الكل وكما لو قال أنت طالق طلقة لا تقع عليك (والثاني) لا يقع، وهو الصحيح، ولانه علق الطلاق بصفة لم توجد
ولان ما يقصد تبعيده يعلق على المحال.
قال الله تعالى في حق الكفار (لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط).
وقال الشاعر إذا شاب الغراب أتيت أهلي * وصار القار كاللبن الحليب أي لا يأتيهم أبدا، وقيل ان علقه على ما يستحيل عقلا وقع في الحال لانه لا وجود له فلم تتعلق به الصفة وبقي مجرد الطلاق فوقع، وان علقه على المستحيل عادة كالطيران وصعود السماء لم يقع لان له وجودا أو قد وجد جنس ذلك في معجزات الانبياء وكرامات الاولياء فجاز تعلق الطلاق به ولم يقع قبل وجوده.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم إذا جاء غدا فعلى وجهين) وقال القاضي لا تطلق، وقال أبو الخطاب يقع في الحال لانه علقه بشرط محال، فلغا الشرط
ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة لطلاقها ولا بدعة أنت طالق للسنة أو للبدعة وقال في المجرد لا يقع لان شرطه لم يتحقق لان مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء غد في اليوم ولا يأتي غد الا بعد ذهاب اليوم وذهاب محل الطلاق وهو قول أصحاب الشافعي.
(فصل) في الطلاق في زمن مستقبل.
* (مسألة) * (إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت في رجب طلقت بأول ذلك)
إذا قال أنت طالق في شهر عينه كشهر رجب وقع الطلاق في أول جزء من الليلة الاولى منه، وذلك حين تغرب الشمس من آخر الشهر الذي قبله وهو شهر جمادى، وبهذا قال أبو حنيفة.
وقال أبو ثور يقع الطلاق في آخر رجب لان ذلك يحتمل وقوعه في أوله وآخره فلا يقع إلا بعد زوال الاحتمال ولنا أنه جعل الشهر ظرفا للطلاق فإذا وجد ما يكون ظرفا له طلقت كما لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق فإذا دخلت أول جزء منها طلقت فأما ان قال ان لم أقضك حقك في شهر رمضان فامرأتي طالق لم تطلق حتى يخرج رمضان قبل قضائه لانه إذا قضاه في آخره لم توجد الصفة وفي الموضعين لا يمنع من وطئ زوجته قبل الحنث.
وقال مالك يمنع وكذلك كل يمين على فعل يفعله يمنع من الوطئ قبل فعله لان الظاهر أنه على حنث لان الحنث ترك الفعل وليس بفاعل ولنا أن طلاقه لم يقع فلا يمنع من الوطئ لاجل اليمين كما لو حلف لا فعلت كذا ولو صح ما ذكره لوجب ايقاع الطلاق، ولو قال أنت طالق غدا أو يوم السبب وقع الطلاق في أول جزء منه لما ذكرنا * (مسألة) * (ولو قال أنت طالق اليوم أو في هذا الشهر فكذلك لما ذكرنا وان قال أردت في آخره أو أوسطه أو يوم كذا من الشهر أو في النهار دون الليل قبل فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين) (احداهما) يقبل وهو الصحيح ولان آخر الشهر منه فارادته لا تخالف ظاهر لفظه وكذلك
وسطه إذا ليس أوله بأولى في ذلك من وسطه وآخره بل ربما كان آخره أولى لانه متيقن وما قبله مشكوك فيه
(والثانية) لا يقبل لانه لو أطلق لتناول أوله فأما ان قال أنت طالق في أول رمضان أو غرة رمضان أو في رأس شهر رمضان أو استقبال شهر رمضان أو مجئ شهر رمضان طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله أردت أوسطه أو آخره ظاهرا أو باطنا لان لفظه لا يحتمله.
وان قال بانقضاء رمضان أو انسلاخه أو نفاده أو مضيه طلقت في آخر جزء منه.
وان قال أنت طالق أول نهار من شهر رمضان أو في أول يوم منه طلقت بطلوع فجر أول يوم منه لان ذلك أول النهار واليوم ولهذا لو نذر اعتكاف يوم أو صيام يوم لزمه من طلوع الفجر وان قال أنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت ساعة يستهل الا ان يكون من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال.
وان قال انت طالق في مجئ ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث * (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غدا أو في اليوم وفي غد وفي بعده فهل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ على وجهين) [ أحدهما ] تطلق واحدة لانها إذا طلقت اليوم فهي طالق في غد وفي بعده (والثاني) تطلق ثلاثا لان ذكره لاوقات الطلاق يدل على تعداده لعدم الفائدة ثم ذكر أوقاته بدون تعداد وقيل في الاولى واحدة لما ذكرنا للوجه الاول وفي الثانية ثلاثا لان ذكره في وتكرارها يدل على تكرار الطلاق
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم ان لم أطلقك اليوم طلقت في آخر جزء منه إذا بقي من اليوم مالا يتسع لتطليقها فيه) وهذا اختيار أبي الخطاب وقول أصحاب الشافعي، وحكي القاضي فيها وجهين هذا ووجها آخر أن الطلاق لا يقع وحكي ذلك عن أبي بكر وابن سريج لان محل الطلاق اليوم ولا يوجد شرط طلاقها إلا بخروجه فلا يبقى من محل طلاقها ما يقع الطلاق فيه ولنا أن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله في آخر وقت الامكان كموت أحدهما في اليوم وذلك لان معنى يمينه ان فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق فيه فإذا بقى من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها فيه فوقع حينئذ كما يقع طلاقه في مسئلتنا في آخر حياة أولهما موتا وما ذكروه باطل
بما لو مات أحدهما في اليوم فان محل الطلاق يفوت بموته ومع ذلك فان الطلاق يقع قبيل موته كذا ههنا فان قال لها أنت طالق اليوم ان لم أتزوج عليك اليوم أو ان لم اشتر لك ثوبا اليوم ففيه الوجهان والصحيح منهما وقوع الطلاق بها إذا بقى من اليوم مالا يتسع لفعل المحلوف عليه فيه، فان قال لها أنت طالق ان لم أطلقك اليوم طلقت بغير خلاف في آخر اليوم في أحد الوجهين، والوجه الآخر بعد خروج اليوم وان قال أنت طالق اليوم ان لم أطلقك فهو كقوله أنت طالق اليوم ان لم أطلقك اليوم لانه جعل عدم طلاقها شرطا لطلاقها اليوم والشرط يتقدم المشروط
(فصل) فان قال لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق اليوم ولم يبعه حتى خرج اليوم ففيه الوجهان وان أعتق العبد أو مات أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت زوجته حينئذ لانه قد فات بيعه وان دبره أو كاتبه لم تطلق امرأته لان بيعه جائز ومن منع بيعهما قال يقع الطلاق بذلك كما لو مات وان وهب العبد لانسان لم يقع الطلاق لانه يمكن عوده إليه فيبيعه فلم يفك بيعه ولو قال ان لم أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق لانه يمكن عجزه فلم يعلم فوات البيع فان عتق بالكتابة أو غيرها وقع الطلاق حينئذ لانه قد فات بيعه * (مسألة) * (وان قال أنت طالق يوم يقدم زيد فماتت غدوة وقدم بعد موتها فهل يقع بها لطلاق؟ على وجهين).
[ أحدهما ] يبين أن طلاقها وقع من أول اليوم لانه لو قال أنت طالق يوم الجمعة طلقت من أوله فكذا إذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد ينبغي أن تطلق بطلوع فجره (والثاني) لا يقع الطلاق لان شرطه قدوم زيد ولم يوجد الا بعد موت المرأة فلم يقع بخلاف يوم الجمعة فان شرط الطلاق مجئ يوم الجمعة وقد وجد وههنا شرطان فلا تطلق باحدهما والاول أولى ليس هذا شرطا إنما هو بيان للوقت الذي يقع فيه الطلاق معرفا بفعل يقع فيه فيقع في أوله كقوله
أنت طالق اليوم الذي نصلي فيه الجمعة، وان قال أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد، وكذلك
لو مات الرجل غدوة ثم قدم زيد أو مات لزوجان قبل قدوم زيد كان الحكم كما لو ماتت المرأة ولو قال أنت طالق في شهر رمضان ان قدم زيد فقدم زيد فيه ففيه وجهان [ أحدهما ] لا تطلق حتى يقدم زيد لان قدومه شرط فلا يتقدمه المشروط بدليل ما لو قال أنت طالق ان قدم زيد فانها لا تطلق قبل قدومه بالاتفاق وكما لو قال إذا قدم زيد (والثاني) أنه ان قدم زيد تبينا وقوع الطلاق من أول الشهر وهو أصح قياسا على المسألة التي قبل هذه * (مسألة) * (وان قال أنت طالق في غد إذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق حتى يقدم لان إذا اسم زمن مستقبل فمعناه أنت طالق غدا وقت قدوم زيد فان لم يقدم زيد في غد لم تطلنى وان قدم بعده لانه قيد طلاقها بقدوم مقيد بصفة فلا تطلق حتى توجد، وان ماتت غدوة وقدم بعد موتها لم تطلق لان الوقت الذي أوقع طلاقها فيه لم يأت وهي محل للطلاق فلم تطلق كما لو ماتت قبل دخوله ذلك اليوم.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة لان من طلقت اليوم فهي طالق غدا * (مسألة) * (فان أراد طالق اليوم وطالق غدا فتطلق طلقتين في اليومين فان قال أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا لانه جعل الزمان كله ظرفا لوقوع الطلاق فوقع في أوله
* (مسألة) * (وان أراد نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتعلق اليوم واحدة وغدا الاخرى لان النصف يكمل فيصير طلقة تامة وان قال أردت نصف طلقة اليوم وباقيها غدا احتمل وجهين [ أحدهما ] لا تطلق الا واحدة لانه إذا قال نصفها اليوم كملت كلها فلم يبق لها بقية تقع غدا ولم يقع شئ غيرها لانه ما أوقعه، وذكر القاضي هذا لاحتمال أيضا في المسألة الاولى وهو مذهب الشافعي، ذكر أصحابه فيها الوجهين، ويحتمل أن يقع اثنتان كالمسألة التي قبلها * (مسألة) * (وان قال أنت طالق إلى شهر طلقت عند انقضائه) إذا قال أنت طالق إلى شهر كذا أو سنة كذا فهو كما لو قال في شهر كذا أو سنة كذا ولا يقع طلاق إلا في أول ذلك الوقت، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة تطلق في الحال لان قوله أنت
طالق ايقاع في الحال وقوله إلى شهر كذا توقيت له وغاية وهو لا يقبل التاقيت فوقع في الحال لانه لا يقبل التأقيت.
ولنا أن ذلك قد روي عن ابن عباس وأبي ذر ولان هذا يحتمل أن يكون توقيتا لايقاعه كقول الرجل أنا خارج إلى سنة أي بعد سنة وإذا احتمل الامرين لم يقع الطلاق بالشك وقد ترجح ما ذكرناه من وجهين.
[ أحدهما ] أنه جعل للطلاق غاية ولا غاية لآخرة وانما الغاية لاوله (والثاني) ان ما ذكرناه عمل باليقين وما ذكروه أخذ بالشك.
(فصل) فان نوى طلاقها في الحال إلى سنة كذا وقع في الحال، لانه يقر على نفسه بما هو أغلط ولفظه يحتمله.
(فصل) وان قال أنت طالق من اليوم إلى سنة طلقت في الحال لان من لابتداء الغاية فيقتضي أن طلاقها من اليوم فان قال أردت تكرير طلاقها من حين لفظت به إلى سنة طلقت من ساعتها ثلاثا إذا كانت مدخولا بها.
قال أحمد إذا قال لها أنت طالق من اليوم إلى سنة يريد التوكيد وكثرة الطلاق فتلك طالق من ساعتها.
* (مسألة) * (وان قال أنت طالق في آخر الشهر أو أول آخره طلقت في أول جزء من آخر يوم منه لانه آخره.
وان قال في آخر أوله طلقت في آخر أول يوم منه لانه أوله) وقال أبو بكر تطلق في المسئلتين بغروب شمس الخامس عشر منه لان الشهر نصفان أول وآخر فآخر أوله يلي أول آخره وهذا قول أبي العباس بن شريح وقال أكثرهم كقولنا وهو أصح فان ما عدا اليوم الاول لا يسمى اول الشهر ويصح نفيه عنه وكذلك لا يمسى اوسط الشهر آخره ولا يفهم ذلك من اطلاقه لفظه فوجب ان لا يصرف كلام الحالف إليه ولا يحمل عليه
* (مسألة) * (وان قال إذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالاهلة ويكمل
الشهر الذي حلف إلى تمام اثنى عشر شهرا بالاهلة) لقوله تعالى (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس) فان حلف في أول شهر فإذا مضى اثنا عشر شهرا وقع طلاقه وان حلف في اثناء شهر عددت ما بقي منه ثم حسبت بعد بالاهلة فإذا مضت أحد عشر شهرا بالاهلة نظرت ما بقي من الشهر الاول فكملت ثلاثين يوما لان الشهر اسم لما بين هلالين فان تفرق كان ثلاثين يوما، وفيه وجه آخر انه تعتبر الشهور كلها بالعدد نص عليه أحمد فيمن نذر صيام شهرين متتابعين فاعترض الايام قال يصوم ستين يوما، وان ابتدأ من شهر فصام شهرين كانا ثمانية وخمسين يوما اجزأه وذلك لانه لما صام نصف شهر وجب تكميله من الذي يليه فكان ابتداء الثاني من نصفه أيضا فوجب ان يكمله بالعدد وهذا المعنى موجود في السنة، ووجة الاول انه امكن استيفاء أحد عشر شهرا بالاهلة فوجب الاعتبار بها كما لو كانت يمينه في أول شهر ولا يلزمه ان يتم الاول من الثاني بل يتمه من آخر الشهور وان قال اردت بقولي سنة إذا انسلخ ذو الحجة قبل لانه يقر على نفسه بما هو اغلظ * (مسألة) * (وان قال إذا مضت السنة فانت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة)
لانه لما عرفها بلام التعريف انصرفت إلى السنة المعروفة التى آخرها ذو الحجة وان قال أردت بالسنة اثنى عشر شهرا قبل لان السنة اثنا عشر شهرا حقيقة * (مسألة) * (وإذا قال انت طالق في كل سنة طلقة فهذه صفة صحيحة) لانه يملك إيقاعه في كل سنة فإذا جعل ذلك صفة جاز ويكون ابتداء المدة عقيب يمينه لان كل أجل ثبت بمطلق العقد ثبت عقيبه كقوله والله لاكلمك سنة فتقع الاولى في الحال لانه جعل السنة ظرفا للطلاق فيقع في أول جزء منها وتقع الثانية في أول الثانية والثالثة إن دخلتها عليها وهي في نكاحه لكونها لم تنقض عدتها أو راجعها في عدة الطلقة الاولى وعدة الثانية أو جدد نكاحها بعد أن بانت فان انقضت عدتها فبانت منه ودخلت السنة الثانية وهي بائن لم تطلق لكونها غير زوجة له فان تزوجها في أثنائها اقتضى قول أكثر أصحابنا وقوع الطلاق عقيب تزوجه بها لانه جزء من السنة الثانية التي
جعلها ظرفا للطلاق ومحلا له وكان سبيله أن يقع في أولها فمنع منه كونها غير محل للطلاق لعدم نكاحه حينئذ، فإذا عادت الزوجة وقع في أولها، وقال القاضي تطلق بدخول السنة الثالثة، وعلى قول التميمي ومن وافقه ننحل الصفة بوجودها في حال البينونة فلا تعود بحال، وإن لم يتزوجها حتى دخلت السنة الثالثة ثم نكحها طلقت عقيب زويجها ثم طلقت الثالثة بدخول السنة الرابعة وعلى قول القاضي لا تطلق إلا بدخول السنة الرابعة ثم تطلق الثالثة بدخول الخامسة، وعلى قول التميمي قد انحلت الصفة، واختلف
في مبدأ السنة الثانية فظاهر ما ذكره القاضي أن أولها بعد انقضاء اثنى عشر شهرا من حين يمينه وكذلك قال أصحاب الشافعي، وقال أبو الخطاب ابتداء السنة الثانية أول المحرم على ما ذكرناه لانها السنة المعروفة فإذا علق ما يتكرر على تكرر السنين انصرف إلى السنين المعروفة لقول الله تعالى (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام) * (مسألة) * وإن قال أردت بالسنة اثنى عشر شهرا قبل لانها سنة حقيقة، وهل يقبل في الحكم؟ يخرج على روايتين) (أصحهما) أنه يقبل لما ذكرنا (والثانية) لا يقبل لانه يخالف الظاهر وإن قال أردت أن أبتدئ السنين من المحرم دين ولم يقبل في الحكم ذكره القاضي لانه خلاف الظاهر.
قال شيخنا والاولى أنه يخرج على روايتين لانه محتمل مخالف للظاهر * (مسألة) * (وإذا قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم تطلق إلا أن يريد باليوم الوقت فتطلق وقت قدومه لان الوقت يسمى يوما قال الله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره) * (مسألة) * (وإن قدم ميتا أو مكرها لم تطلق) إذا كان محمولا لم تطلق لانه لم يقدم وإنما قدم به وهذا قول الشافعي ونقل عن أبي بكر أنه يحنث
لان الفعل ينسب إليه ولذلك يقال دخل الطعام البلد إذا حمل إليه ولو قال أنت طالق إذا دخل الطعام البلد طلقت إذا حمل إليه
ولنا أن الفعل ليس منه والفعل لا ينسب إلى غير فاعله إلا مجازا والكلام عند تحقيقه إذا أمكن فأما الطعام فلا يمكن وجود الفعل منه حقيقة فتعين حمل الدخول فيه على مجازه، فأما إن قدم بنفسه لاكراه فعلى قول الخرقي لا يحنث وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، وقال أبو بكر يحنث وحكاه عن أحمد لان الفعل منه حقيقة وينسب إليه قال الله تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها) ويصح أمر المكره بالفعل قال الله تعالى (ادخلوا أبواب جهنم) ولو لا أن الفعل يتحقق منه لما صح أمره به، ووجه الاول أنه بالاكراه زال اختياره فإذا وجدت الصفة منه كان كوجود الطلاق منه وهذا فيما إذا طلق وإن كانت له نية حمل عليها كلامه ويقيد بها (فصل) فان قدم مختارا حنث الحالف سواء علم القادم باليمين أو جهلها قال أبو بكر الخلال يقع الطلاق قولا واحدا وقال أبو عبد الله بن حامد إن كان القادم ممن لا يمنع القدوم بيمينه كالسلطان والحاج والرجل الاجنبي حنث الحالف ولا يعتبر علمه ولا جهله وإن كان ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لاحدهما أو غلام لاحدهما فجهل اليمين أو نسيها فالحكم فيه كما لو حلف على فعل نفسه ففعله جاهلا أو ناسيا وفي ذلك روايتان كذلك ههنا وذلك أنه إذا لم يكن ممن تمنعه اليمين كان تعليقا للطلاق
على صفة ولم يكن يمينا فأشبه ما لو علقه على طلوع الشمس وإن كان ممن يمتنع كان يمينا فيعذر فيها بالنسيان والجهل وينبغي أن تعتبر على هذا القول نية الحالف وقرائن أحواله الدالة على قصده فان كان قصده بيمينه منع القادم من القدوم كان يمينا وإن كان قصده جعله صفة في طلاقها مطلقة لم يكن يمينا ويستوي فيه علم القادم وجهله ونسيانه وجنونه وإفاقته مثل أن يقصد طلاقها إذا حصل معها محرمها ولا يطلقها وحدها وتعتبر قرائن الاحوال فمتى علق اليمين على قدوم غائب بعيد يعلم أنه لا يعلم اليمين ولا يمتنع بها أو فعل صغير أو مجنون أو من لا يمتنع بها لم تكن يمينا وإن علق ذلك على فعل حاضر يعلم بيمينه ويمتنع لاجلها من فعل ما علق الطلاق عليه كان يمينا ومتى اشكلت الحال فينبغي أن يقع الطلاق لان لفظه يقتضي وقوع الطلاق عند وجود هذه الصفة على العموم وإنما ينصرف عن ذلك بدليل فمتى شككنا في الدليل المخصص وجب العمل بمقتضى العموم
(فصل) فان قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج فان كان نوى ان لا يخرج فقد حنث وإن نوى أن لا تدعه لم يحنث نص أحمد على معنى هذا وذلك لان اليمين إذا وقعت على فعلها فقد فعل الخروج بغير اختيار منها فكانت كالمكره إذا لم يمكنها حفظه ومنعه وإن نوى فعله فقد وجد وحنث وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها لانه الذي تناوله لفظه فلا يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو باختيارها
(فصل) وإن حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه أو أخذ منه قهرا حنث لان المحلوف عليه فعل الاخذ وقد أخذه مختارا وإن أكره صاحب الحق على أخذه خرج على الوجهين فيمن أكره على القدوم وإن وضعه الحالف في حجره أو بين يديه أو جنبه فلم يأخذه لم يحنث لان الاخذ ما وجد وإن أخذه الحاكم أو السلطان من الغريم فدفعه إلى المستحق فأخذه فقال القاضي لا يحنث وهو مذهب الشافعي لانه ما أخذه منه وإن قال لا تأخذ حقك علي حنث لانه قد أخذ حقه الذي عليه والمنصوص عن أحمد أنه يحنث في الصورتين قاله أبو بكر وهو الذي يقتضيه مذهبه لان الايمان عنده على الاسباب لا على الاسماء ولانه لو وكل وكيلا فأخذه منه كان آخذا لحقه منه عرفا ويمسى آخذا قال الله تعالى (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) وقال (ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل) وإن كان اليمين من صاحب الحق فخلف لا اخذت حقي فالتفريع فيها كالتي قبلها فان تركها الغريم في أثناء متاع في خرج ثم دفع الخرج إلى الحالف فأخذه ولم يعلم أنها فيه لم يحنث لان هذا ليس معدودا أخذا ولا يبرأ بها الغريم منها، وإن كانت اليمين لا أعطيك حقك فأحذه الحاكم منه كرها ودفعه إلى الغريم لم يحنث وان أكرهه علي دفعه إليه خرج علي الوجهين في المكره وان أعطاه باختياره حنث وان وضعه في حجره أو جيبه أو صندوقه وهو يعلم حنث لانه اعطاه وان دفعه إلى الحاكم اختيارا ليدفعه إلى الغريم فدفعه أو أخذه من ماله باختياره فدفعه إلى الغريم حنث وقال القاضي لا يحنث والمذهب انه يحنث لانه أوصله إليه مختارا
فأشبه ما لو دفعه إلى وكيله فأعطاه اياه ولان الايمان على الاسباب لا على الاسماء على ما ذكرناه فيما مضى
(فصل) وان قال ان رأيت أباك فأنت طالق فرأته مينا أو نائما أو مغمى عليه أو رأته من خلف زجاج أو جسم شفاف طلقت لانها رأته وان رأت خياله في ماء أو مرآة أو ضوءه على حائط أو غيره لم تطلق لانها لم تره وان اكرهت على رؤيته خرج على الوجهين (باب تعليق الطلاق بالشروط) يصح ذلك من الزوج ولا يصح من الاجنبي فلو قال ان تزوجت فلانة أو ان تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق ان تزوجها وعنه تطلق اختلفت الرواية عن احمد رحمه الله في هذه المسألة فالمشهور عنه انه لا يقع الطلاق وهو قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وبه قال عطاء والحسن وعروة وجابر بن زيد وسوار القاضي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر ورواه الترمذي عن علي رضي الله عنه وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وعلى بن الحسين وشريح وغير واحد من فقهاء التابعين وروي عن أحمد رحمه الله ما يدل علي وقوع الطلاق وهو قول الثوري وأصحاب الرأي لانه يصح تعليقه على الاخطار فصح على
حدوث الملك كالوصية والاول اصح ان شاء الله تعالى لما روى عمرو بن شعيب عنه أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك " قال الترمذي هذا حديث حسن وهو أحسن ما روي في هذا الباب وعن عائشة ان رسول الله صلى الله عيه وسلم قال " لا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم وان عينها رواه الدار قطني وروي أبو بكر في الشافعي عن الخلال عن الرمادي عن عبد الرزاق عن معمر عن جوبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا طلاق قبل نكاح " قال أحمد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من الصحابة ولان من لا يقع طلاقه بالمباشرة لا تنعقد له صفة كالمجنون ولانه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فيكون اجماعا قال أبو بكر في كتاب الشافعي لا يختلف قول أبي عبد الله ان الطلاق إذا وقع قبل النكاح لا يقع والرواية الاولى اصح لانه تعليق للطلاق قبل الملك فأشبه ما لو قال ان دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوج الاجنبية ودخلت فان الطلاق لا يقع بغير خلاف نعلمه كذلك هذا
* (مسألة) * (وان قال لاجنبية ان قمت فانت طالق فتزوجها ثم قامت لم تطلق) رواية واحدة لا نعلم فيه خلافا لانه لم يضفه إلى زمن يقع فيه الطلاق فأشبه ما لو اسلم في معدوم ولم يذكر له أجلا يوجد السلم فيه
* (مسألة) * (وان علق الزوج الطلاق بشرط لم تطلق قبل وجوده) لانه ازالة ملك بني علي التغليب والسراية اشبه العتق * (مسألة) * (وان قال عجلت ما علقته لم يتعجل) لانه تعلق بالشرط فلم يكن له تغييره فان أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقعت بها فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته وقع بها الطلاق المعلق * (مسألة) * (وان قال سبق لساني بالشرط ولم اراده وقع في الحال) لانه أقر على نفسه بما يوجب التغليظ من غير تتمة وهو يملك ايقاعه في الحال (فصل) وإذا تخلل الشرط وحكمه غيرهما تخللا منتظما كقوله انت طالق يا زانية ان قمت لم يقطع التعليق وقال القاضي يحتمل ان يقطعه ويجعل كسكتة كما لو قال بنيهما سبحان الله أو أستغفر الله ذكره صاحب المحرر * (مسألة) * (فان قال انت طالق ثم قال اردت ان قمت دين) لانه أعلم بنيته وما ادعاه محتمل فأشبه ما لو قال انت طالق ثم قال من وثاقي ولم يقبل في الحكم نص عليه لانه يدعي خلاف ما يقتضيه اطلاق اللفظ وقال شيخنا في كتاب الكافي يخرج على روايتين
(احداهما) لا يقبل لما ذكرنا والثانية يقبل لانه محتمل اشبه ما لو قال انت طالق ثم قال اردت من وثاقي وهذا مثله والله أعلم (فصل) وادوات الشرط ست ان وإذا ومتى ومن وأي وكلما * (مسألة) * (وليس فيها ما يقتضي التكرار الا كلما)
لان موضوعها للتكرار قال الله تعالى (كلما أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله) ولا نعلم في ذلك خلافا فأما متى ففيها وجهان (احدهما) انها تقتضي التكرار ذكره أبو بكر لانها تستعمل للتكرار بدليل قول الشاعر متى تأته تعشو إلى ضوء تاره * تجد خير نار عندها خير موقد أي في كل وقت ولانها تستعمل في الشرط والجزاء ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه (الثاني) لا تقتضيه قال شيخنا وهو الصحيح لانها اسم زمن بمعنى أي وقت وبمعنى إذا فلا تقتضي ما لا يقتضيانه وكونها تستعمل للتكرار في بعض أحيانها لا يمنع استعمالها في غيره مثل إذا وأي وقت فانهما يستعملان في الامرين قال الله تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم - وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم - وإذا لم تأتهم بآية قالوا لو لا اجتبيتها؟) وقال الشاعر قوم إذا الشر ابدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا
وكذلك أي وقت وزمان فانهما يستعملان للتكرار وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره لا تحمل على التكرار إلا بدليل كذلك حتى * (مسألة) * (وكلها على التراخي إذا تجردت عن لم فإذا اتصلت بها صارت على الفور إلا ان وفي إذا وجهان) متى علق الطلاق بايجاد فعل بواحد منها كان على التراخي فان قال إن قمت أو إذا قمت أو من قام منكن أو أي وقت قمت أو متى قمت أو كلما قمت فأنت طالق فمتى قامت طلقت لوجود الشرط وإن مات أحدهما قبل وجود الشرط سقط اليمين * (مسألة) * (وإن اتصلت بها أي بلم صارت على الفور إلا ان فانها عليا لتراخي لانها لا تقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت فهي مطلقة في الزمان كله) فإذا قال إن لم تدخلي الدار فأنت طالق لم يقع الطلاق إلا عند تعذر إبقاعه بالموت أو ما يقوم مقامه * (مسألة) * (وفي إذا وجهان) (أحدهما) هي على التراخي وهو قول أبي حنيفة ونصره القاضي لانها تستعمل شرطا بمعنى ان.
قال الشاعر:
* وإذا تصبك خصاصة فتحملي * فجزم بها كما يجزم بان ولانها تستعمل بمعنى متى وان وإذا احتمات الامرين فاليقين بقاء النكاح فلا يزول بالاحتمال (والآخر) انها على الفور وهو قول ابي يوسف ومحمد وهو المنصوص عن الشافعي لانها اسم لزمن
مستقبل فتكون كمتي وأما المجازاة بها فلا تخرجها عن موضعها فان متي بجازي بها ألا ترى إلى قول الشاعر متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد ومن يجازى بها أيضا وكذلك أي وسائر الحروف ولم يخرجها ذلك عن كونها للفور في النفي (فصل) وقولهم ان هذه الادوات الاربع في النفي تكون على الفور صحيح في كلما وأي ومتى فانها تعم الزمان فإذا قال كلما لم اطلقك أو أي وقت لم أطلقك أو متى لم أطلقك فانت طالق ثم مضي زمن يملك طلاقها فيه ولم يطلقها طلقت لوجوده الصفة فانها اسم لوقت الفعل فيقدر بهذا ولهذا يصح السؤال به فتقول متى دخلت أو أي وقت دخلت أما من فليست من أسماء الزمان انما تعم الاشخاص فلا يظهر لي انها تقتضي الفور لذلك فعلي هذا إذا قال من لم اطلقها منكن فهي طالق لم تطلق واحدة منهن الا ان يتعذر طلاقها كما قلنا في ان..إذا قال ان لم اطلقك فانت طالق فان كل واحدة منهما ليست من أسماء الزمان * (مسألة) * (وان تكرر القيام لم يتكرر الطلاق الا في كلما وفي متى في احد الوجهين وقد ذكرنا دليل الوجهين في مقتضى التكرار وعدمه) * (مسألة) * (فإذا قال إذا اكلت رمانة فانت طالق وكلما اكلت نصف رمانة فانت طالق فاكلت رمانة طلقت ثلاثا لوجود صفة النصف مرتين والجميع مرة فتطلق بكل نصف طلقة وبالرمانة طلقة ولو
جعل مكان كلما (ان) لم تطلق الا طلقتين بصفة النصف مرة وبالكمال مرة ولا تطلق بالنصف الآخر لانها لا تقتضي التكرار * (مسألة) * (ولو علق طلاقها على صفات ثلاث فاجتمن في عين واحدة نحو ان يقول ان رأيت رجلا
فأنت طالق وان رأيت أسود فانت طالق وان رأيت فقيها فانت طالق فرأت رجلا اسود فقيها طلقت ثلاثا) لوجود الصفات الثلاث فيه أشبه ما لو رأت ثلاثة فيهم الثلاث صفات (فصل) وهذه الحروف الستة إذا تقدم جزاؤها عليها لم تحتج إلى حروف الفاء في الجزاء كقوله أنت طالق ان دخلت الدار وان تأخر جزاؤها احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدأ وخبر كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، وانما اختصت بالفاء لانها للتعقيب فتربط بين الجزاء وشرطه وتدل على تعقيبه به.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: