الفقه الحنبلي - النكاح - حسن العشرة

الكراهة بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه أذا ولا منة لان هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به.
ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه لقول الله تعالى (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى) إلى قوله (والصاحب بالجنب) قيل هو كل واحد من الزوجين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء خيرا فانهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله " رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن المرأة خلقت من ضلع أعوج لن تستقيم على طريقة فان ذهبت تقيمها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج " متفق عليه، وقال " خياركم خياركم لنسائهم " رواه ابن ماجة، وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه، قال الله تعالى (وللرجال عليهن درجة)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا احدا أن يسجد لاحد لامرت النساء أن يسجدن لازواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق " رواه أبو داود، وقال " إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع " متفق عليه، وقال لامرأة " أذات زوج أنت؟ " قالت نعم، قال " فانه جنتك ونارك " وقال " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا باذنه ولا تأذن في بيته إلا باذنه وما أنفقت من نفقة بغير إذنه فانه يرد إليه شطره " رواه البخاري * (مسألة) * (وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها) لان بالعقد يستحق الزوج تسليم المعوض كما تستحق المرأة تسليم العوض وكما تستحق المستأجرة تسليم العين المستأجرة وتستحق عليه الاجرة به، وقوله وكانت حرة لان الامة لا يجب تسليمها إلا بالليل على ما نذكره، ويشترط إمكان الاستمتاع بها فان كانت صغيرة لا يجامع مثلها وذلك معتبر بحالها واحتمالها لذلك، قاله القاضي وذكر انهن يختلفن فقد تكون صغيرة السن تصلح وكبيرة لا تصلح، وحده أحمد رحمه الله بتسع سنين فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها فان أتى عليها تسع سنين دفعت إليه ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي بنت تسع سنين، قال القاضي هذا عندي ليس على طريق التحديد وانما ذكره لان
الغالب ان ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها ومتى كانت لا تصلح للوطئ لا يجب على أهلها تسليمها إليه وان ذكر انه يحصنها ويربيها لانه لا يملك الاستمتاع بها وليت له بمحل ولا يؤمن شرة نفسه إلى مواقعتها فيفضها، وإن كانت مريضة مرضا مرجوا الزوال لم يلزمها تسليم قبل برئها لانه مانع مرجو الزوال فهو كالصغر ولان العادة لم تجر بتسليم المريضة إلى زوجها والتسليم في العقد يجب على حسب العرف فان كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إلى الزوج إذا طلبها ولزمه تسلمها إذا عرفت عليه لانها ليست لها حالة يرجى زوال ذلك فيها، فلو لم تسلم نفسها لم يفد التزويج وله أن يستمتع بها فان كانت نضوة الخلق وهو جسيم تخاف على نفسها الافضاء من عظمه فلها منعه من جماعها وله الاستمتاع بها فيها دون لفرج وعليه النفقة ولا يثبت له خيار الفسخ لان هذه يمكن الاستمتاع بها لغيره وانما الامتناع لامر من جهته وهو عظم خلقه بخلاف الرتقاء فان طلب تسليمها إليه وهي حائض احتمل أن لا يجب ذلك كالمرض المرجو زواله، واحتمل وجوب التسليم لانه يزول قريبا ولا يمنع من الاستمتاع بما دون الفرج * (مسألة) * (وانما يجب تسليمها في بيت الزوج إذا لم تشترط دارها) وقد ذكرنا ذلك في بابه ويجب عليها تسليم نفسها في دارها (فصل) فان كانت حرة لزم تسليمها ليلا ونهارا لانه لا حق لغيره عليها * (مسألة) * (فان سألت الانظار أنظرت مدة جرت العادة باصلاحها أمرها فيها كاليومين والثلاثة)
لان ذلك يسير جرت العادة بمثله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطرقوا اليساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فمنع من الطروق وأمر بامهالها لتصلح أمرها مع تقدم صحبتها له فههنا أولى * (مسألة) * (وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا بالليل) وللسيد استخدامها نهارا وعليه إرسالها بالليل للاستمتاع بها لانه زمانه وذلك لان السيد يملك من أمته منفعتين الاستخدام والاستمتاع، فإذا عقد على احداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استطابتها كما لو أجرها للخدمة لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار، فان أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لانه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها، وإن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك فقال
ما أدري؟ فيحتمل المنع منه لانه يفوت حق الزوج منها فمنع منه كما لو أراد الزوج السفر بها ويحتمل أن له السفر بها لانه مالك لرقبتها فهو كسيد العبد إذا زوجه (فصل) ويجوز للسيد بيعها لان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في شراء بريرة وهي ذات زوج ولا ينفسخ النكاح بذلك بدليل ان بيع بريرة لم يبطل نكاحها * (مسألة) * (وله الاستمتاع بها ما لم يشغلها عن الفرائض من غير إضرار بها) لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع "
متفق عليه، ولقول الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وله السفر بها إلا أن تشترط بلدها لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه، فان اشترطت بلدها فلها شرطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج " * (مسألة) * (ولا يجوز وطؤها في الحيض اجماعا) لقول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) ولا يجوز وطؤها في الدبر في قول أكثر أهل العلم منهم علي وعبد الله وأبو الدرداء وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة رضي الله عنه وبه قال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر ورويت إباحته عن عبد الله بن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك انه قال ما رأيت أحدا اقتدى به في ديني يشك في انه حلال وأهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك واحتج من أحله بقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقوله سبحانه (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية.
ولنا ما روي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ان الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن " وعن أبي هريرة وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " رواهما ابن ماجة، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " من
أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواهن كلهن الاثرم، فأما الآية فروى جابر قال كان اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل الله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) من بين يديها ومن خلفها غير أن لا يأتيها إلا في المأتي متفق عليه، وفي رواية " ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج " والآية الاخرى المراد بها ذلك (فصل) فان وطئها في دبرها فلا حد عليه لان في ذلك شبهة ويعزر لفعله المحرم وعليهما الغسل لانه إيلاج فرج في فرج وحكمه حكم الوطئ في القبل في إفساد العبادات وتقرير المهر ووجوب العدة، فان كان الوطئ في أجنبية فعليه حد اللوطي ولا مهر عليه لانه لم يفوت منفعة لها عوض في الشرع ولا يحصل بوطئ زوجته في الدبر احصان انما يحصل بالوطئ في الفرج لانه وطئ كامل بخلاف هذا ولا الاحلال للزوج الاول لان المرأة لا تذوق عسيلة الرجل ولا تحصل به الفيئة لان الوطئ لحق المرأة وحقها الوطئ في القبل ولا يزول به الاكتفاء بصماتها في الاذن في النكاح لان بكارة الاصل باقية (فصل) فأما التلذذ بين الاليتين من غير إيلاج فلا بأس به لان السنة انما وردت بتحريم الدبر فهو مخصوص بذلك ولانه حرم لاجل الاذى وذلك مخصوص في الدبر فاختص التحريم به * (مسألة) * (ولا يعزل عن الحرة إلا باذنها)
معنى العزل أن ينزع إذا قرب الانزال فينزل خارجا من الفرج وهو مكروه، رويت كراهته عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود، وروي عن ابي بكر الصديق أيضا لان فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال " تناكحوا تناسلوا تكثروا " وقال " سوداء ولود خير من حسناء عقيم " إلا ان يكون العزل لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب فتدعو حاجته إلى الوطئ ذكر الخرقي في هذه: أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده، أو تكون له أمة فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها.
فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه كان يعزل عن امائه فان عزل من غير حاجة
كره ولم يحرم وقد رويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الارت وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.
وروى أبو سعيد قال ذكر يعني العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " فلم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل فلا يفعل - فانه ليس من نفس مخلوقة إلا الله خالقها " متفق عليه، وعنه أن رجلا قال: يا رسول الله ان لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن
اليهود تحدث أن العزل هي الموءدة الصغرى قال " كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه " رواه أبو داود ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا باذنها قال القاضي ظاهر كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزل، ويحتمل أن يكون مستحبا، لان حقها في الوطئ دون الانزال بدليل أنه يخرج به من الفيئة والعنة، وللشافعية في ذلك وجهان، والاول أولى لما روي عن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا باذنها، رواه الامام أحمد في المسند وابن ماجة ولان لها في الولد حقها وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا باذنها.
(فصل) والنساء ثلاثة أقسام إحداهن زوجته الحرة فلا يجوز العزل عنها إلا باذنها في ظاهر المذهب وقد ذكرنا ذلك.
(الثانية): أمته فيجوز العزل عنها، نص عليه أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وذلك لانه لا حق لها في الوطئ ولا في الولد ولذلك لم تملك المطالبة بالقسم ولا الفيئة فلان تملك المنع من العزل أولى.
(الثالثة) زوجته الامة فالاولى جواز العزل عنها بغير اذنها وهو قول الشافعي استدلالا بمفهوم الحديث المذكور.
وقال ابن عباس يستأذن الحرة، ولا يستأذن الامة ولان عليه ضررا في ارقاق ولده بخلاف الحرة، ويحتمل أن لا يجوز الا باذنها لانها زوجة تملك المطالبة بالوطئ في الفيئة والفسخ عند تعذره بالعنة فلم يجز
بغير إذنها كالحرة.
وقال أصحابنا لا يجوز العزل عنها إلا باذن سيدها لان الولد له والاولى جوازه
لان تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولان السيد لا حق له في الوطئ فلا يجب استئذانه في كيفيته ويحتمل أن يكون استئذانها مستحبا لان حقها في الوطئ لا في الانزال بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة.
* (مسألة) * (وله اجبارها على الغسل من الحيض والجنابة والنجاسة واجتناب المحرمات وأخذ الشعر الذي تعافه النفس الا الذمية فله اجبارها على الغسل من الحيض والنفاس وفي سائر الاشياء روايتان) وجملة ذلك أن للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية حرة أو مملوكة لانه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه فان احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه لانه لحقه، وله اجبار المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة لان الصلاة واجبة عليها ولا تتمكن منها إلا بالغسل.
فأما الذمية ففيها روايتان.
(أحديهما) له اجبارها عليه لان كمال الاستمتاع يقف عليه فان النفس تعاف من لا يغتسل من جنابة (والثانية): ليس له إجبارها.
وهو قول مالك والثوري فان الوطئ لا يقف عليه لاباحته بدونه، وللشافعي قولان كالروايتين، وفي ازالة الوسخ والدرن وفي تقليم الاظافر وجهان بناء على الروايتين في غسل الجنابة، ويستوي في هذا المسلمة والذمية لاستوائهما في حصول النفرة ممن ذلك حالها، وله إجبارها
على إزالة شعر العانة إذا خرج عن العادة رواية واحدة ذكرها القاضي وكذلك الاظفار فان طالا قليلا بحيث تعافه النفس ففيه وجهان، وهل له منعها من أكل ما له رائحة كريهة كالبصل والثوم والكرات؟ على وجهين (أحدهما) له منعها من ذلك لانه يمنع القبلة وكمال الاستمتاع.
(والثاني) ليس له ذلك لانه لا يمنع الوطئ، وله منعها من السكر وان كانت ذمية لانه يمنع الاستمتاع بها ويزيل عقلها ولا يأمن أن تجني عليه فأما شرب ما لا يسكر فله منع المسلمة منه لانهما يعتقدان تحريمه، وليس له منع الذمية منه نص عليه أحمد لانها تعتقد اباحته في دينها، وله إجبارها على غسل فيها منه لما فيه من الرائحة الكريهة فهو كالثوم، وهكذا الحكم لو تزوج مسلمة تعتقد حل يسير النبيذ ومذهب الشافعي على نحو من هذا كله.
* (فصل) * قال الشيخ رضي الله عنه (ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ان كانت حرة) وجملة ذلك أن قسم الابتداء واجب ومعناه أنه إذا كانت له امرأة حرة لزمه المبيت عندها ليلة من كل أربع ليال ما لم يكن له عذر، وان كان له نساء فلكل واحدة منهن ليلة من كل أربع، وبه قال الثوري وأبو ثور، وقال القاضي في المجرد لا يجب قسم الابتداء إلا ان كان بترك الوطئ مضرة فان كان تركه غير مضر لم يلزمه قسم ولا وطئ لان أحمد قال إذا وصل الرجل إلى امرأته مرة بطل أن يكون عنينا أي لا يؤجل.
وقال الشافعي لا يجب قسم الابتداء بحال لان القسم لحقه فلم يجب عليه
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل "؟ قلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل " صم وأفطر وقم ونم فان لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا " متفق عليه فأخبر أن للمرأة عليه حقا وقد روى الشعبى أن كعب بن سوار كان جالسا عند عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي والله انه ليبيت ليله قائما ويظل نهاره صائما فاستغفر لها وأثنى عليها واستحيت المرأة وقامت راجعة فقال كعب يا أمير المؤمنين هلا أعديت المرأة على زوجها فجاء فقال لكعب اقض بينهما فانك فهمت من أمرهما ما لم أفهم قال فاني أرى أنها امرأة عليها ثلاث نسوة وهي رابعتهن فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة فقال عمر والله ما رأيك الاول باعجب إلي من الآخر اذهب فأنت قاض علي البصرة روي ذلك عن عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة من وجوه هذا أحدهما وفي لفظ قال عمر نعم القاضي أنت، وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولانه لو لم يكن حقا للمرأة لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته كالزيادة في النفقة على قدر الواجب.
* (مسألة) * (وان كانت أمة فمن ثمال ليال ليلة) هذا اختيار شيخنا قال أصحابنا من كل سبع لان أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر ولها
السابعة والاولى أولى ليكون على النصف مما للحرة فان حق الحرة من كل ثمان ليلتان ولو كان للامة ليلة من سبع لزاد على النصف ولم يكن للحرة ليلتان وللامة ليلة ولانه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة فلم يرد أن يزيدهن على الواجب لهن فقسم بينهن سبعا فماذا نصنع في الليلة الثامنة ان أوجبنا عليه مبيتها عند حرة فقد زادها على ما يجب لها وإن باتها عند الامة جعلها كالحرة ولا سبيل إليه وعلى ما اختاره شيخنا تكون هذه الليلة الثامنة له ان أحب انفرد فيها وان أحب بات عند الاولى مستأنفا للقسم وان كان عنده حرة وأمة قسم لهن ثلاث ليال من ثمان وله الانفراد في خمس وان كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث وان كان حرتان وأمتان فلهن ست وله ليلتان وان كانت أمة واحدة فلها ليلة وله سبع وعلى قول الاصحاب لها ليلة وله ست * (مسألة) * (وله الانفراد بنفسه فيما بقي وقد ذكرناه لانه قد وفاهن حقهن فلم تجب عليه زيادة كما لو وفاهن حقهن من النفقة والكسوة والسكن) * (مسألة) * (وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة)
الوطئ واجب على الرجل إذا لم يكن عذر وبه قال مالك وقال القاضي لا يجب الا أن يتركه للاضرار وقال الشافعي لا يجب عليه لانه حق له فلا يجب عليه كسائر حقوقه) ولنا ما تقدم في المسألة المتقدمة في أول الفصل ولان في بعض الروايات حديث كعب حين قضى بين الرجل وامرأته قال ان لها عليك حقا بابعل تصيبها في أربع لمن عدل فأعطها ذاك ودع عنك العلل فاستحسن عمر قضاءه ورضيه ولانه حق يجب بالاتفاق إذا حلف على تركه فيجب قبل أن يحلف كسائر الحقوق الواجبة يحقق هذا أنه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر مالا يجب ولان النكاح شرع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما وهو مفض إلى رفع ضرر الشهوة عن المرأة كالضائه إلى رفع ذلك عن الرجل فيجب تعليله بذلك ويكون ء الوط حقا لهما جميعا ولانه لو لم يكن لهما فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالامة (فصل) ويجب في كل أربعة أشهر مرة نص عليه أحمد ووجه ان الله تعالى قدره بأربعة أشهر
في حق المولي فكذلك في حق غيره لان اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدل على أنه واجب بدونها * (مسألة) * (فان سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك ان لم يكن له عذر) وجملة ذلك أنه إذا سافر عن امرأته لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطئ وان طال سفره ولذلك لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة وان لم يكن له عذر مانع من الرجوع فان أحمد
رحمه الله ذهب إلى توقيته بستة أشهر فانه قيل له كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال ستة أشهر يكتب إليه فان أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما وانما صار إلى تقديره بهذا لحديث عمر، رواه أبو حفص باسناده عن زيد بن أسلم قال بينما عمر بن الخطاب يحرس بالمدينة فمر بامرأة وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه * وطال على أن لا خليل ألاعبه ووالله لولا خشية الله وحده * لحرك من هذا السرير جوانبه فسأل عنها عمر فقيل له هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله فارسل إليها امرأة تكون معها وبعث إلى زوجها فأقفله ثم دخل على حفصة فقال يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت سبحان الله مثلك يسأل مثلى عن هذا فقال لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك قالت خمسة أشهر أو ستة أشهر فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهرا راجعين وسئل أحمد كم للرجل يغيب عن أهله؟ قال يروى ستة أشهر وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لامر لا بد له * (مسألة) * (فان أتي شيئا من ذلك لم يكن ثم عذر فطلبت الفرقة فرق بينهما) قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها يقول غدا أدخل بها إلى شهر يجبر على الدخول قال أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها وإلا فرق بينهما فجعله أحمد كالمولى وقال أبو بكر بن جعفر لم يرو مسألة بن منصور غيره وفيها نظر وظاهر قول أصحابنا أنه لا يفرق بينهما لذلك
وهو قول أكثر الفقهاء لانه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للايلاء أثر ولا خلاف في اعتباره وقال بعض أصحابنا إن غاب أكثر من ذلك لغير عذر يراسله الحاكم فان أبى أن يقدم فسخ
نكاحه، وروي ذلك عن احمد ومن قال لا يفسخ نكاحه إذا ترك الوطئ وهو حاضر فههنا أولى وفي جميع ذلك لا يجوز الفسخ عند من يراه الا بحكم الحاكم لانه مختلف فيه، وعن أحمد ما يدل على أن الوطئ غير واجب فيكون هذا كله غير واجب لانه حق له فلم يجبر عليه كسائر حقوقه وهذا مذهب والاول أولى لما ذكرنا (فصل) سئل أحمد يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة قال له إي والله يحتسب الولد فان لم يرد الولد يقول هذه المرأة شابة لم لا يؤجر؟ وهذا صحيح وإن أبا ذر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مباضعتك أهلك صدقة " قلت يا رسول الله أنصيب شهوتنا ونؤجر؟ قال " أرأيت لو وضعه في غير حقه؟ ما كان عليه وزر " قال بلى قال " أفتحتسبون بالسيئة ولا تحتسبون بالخير؟ " ولانه وسيلة إلى الولد وإعفاف نفسه وامرأته وغض بصره وسكون نفسه أو إلى بعض ذلك * (مسألة) * (ويستحب أن يقول عند الجماع بسم الله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني) لقول الله تعالى (وقدموا لانفسكم) قال عطاء هي التسمية عند الجماع، وروى ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان ابدا " متفق عليه (فصل) ويكره التجرد عند المجامعة لما روى عتبة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردان تجرد العيرين " رواه ابن ماجه وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء غطى رأسه وإذا أتى أهله غطى رأسه ولا يجامع بحيث يراهما أحد أو يسمع حسهما ولا يقبلها ويباشرها عند الناس قال أحمد ما يعجبني إلا ان يكتم هذا كله وقال أحمد في الذي يجامع المرأة والاخرى تسمع قال كانوا يكرهون الوجس وهو الصوت الخفي ولا يتحدث بما كان بينه وبين أهله لما روي عن الحسن قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرجال والنساء فأقبل على الرجال فقال " لعل أحدكم يحدث بما يصنع باهله إذا خلا - ثم أقبل على النساء فقال - لعل إحداكن تحدث بما يصنع بها زوجها قال فقالت امرأة إنهم ليفعلون وإنا لنفعل فقال - لا تفعلوا فانما
مثلكم كمثل الشيطان لقي شيطانة فجامعها والناس ينظرون " وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه ولا يستقبل القبلة حال الجماع لان عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك.
* (مسألة) * (ولا يكثر الكلام حال الوطئ) لما روى قبيصة بن ذؤيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تكثروا الكلام عند مجامعة
النساء فان منه يكون الخرس والفأفاء ولانه يكره الكلام حالة البول وحال الجماع في معناه ويستحب أن يلاعب امرأته عند الجماع لتنهض شهوتها لتنال من لذة الجماع ما ناله، وقد روى عمر بن العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تواقعها الا وقد أتاها من الشهوة مثل ما أتاك لكيلا تسبقها بالفراغ " قلت وذلك إلي؟ قال " نعم إنك تقبلها وتغمزها وتلمسها فإذا رأيت أنه قد جاءها مثل ما جاءك واقعتها " * (مسألة) * (ولا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ) لما روى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل أهله فليقصدها ثم إذا قضى الرجل حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها " ولان في ذلك ضررا عليها ومنعا لها من قضاء شهوتها ويستحب للمرأة أن تتخذ خرقه تناولها الزوج بعد فراغه يتمسح بها فان عائشة قالت: ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة فإذا جامعها زوجها ناولته فمسح عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة * (مسألة) * (ولا بأس أن يجمع بين وطئ نسائه وإمائه بغسل واحد) لما روى أنس قال سكبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل من نسائه غسلا واحدا في ليلة واحدة ولان حدث الجنابة لا يمنع الوطئ بديل إتمام الجماع ويستحب الوضوء عند معاودة الوطئ نص عليه
أحمد قال فان لم يفعل فأرجو أن لا يكون به بأس ولان الوضوء يزيده نظافة ونشاطة فاستحب وان اغتسل بين كل وطئين فهو أفضل فان أبا رافع روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه
جميعا فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا فقلت يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأطهر رواه الامام أحمد في المسند وروى هذه الاحاديث التي في آداب الجماع كلها أبو حفص العكبري وروى ابن بطة باسناده عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جامع الرجل من أول الليل ثم اراد ان يعود توضأ وضوءه للصلاة " (فصل) وليس للرجل ان يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد إلا برضاهما صغيرا كان المسكن أو كبيرا لان عليهما ضررا لما بينهما من العداوة والغيرة فاجتماعهما يثير الخصومة والمقابلة وتسمع كل واحدة منهما حسة إذا اتى الاخرى أو ترى ذلك فان رضيا بذلك جاز لان الحق لهما فلهما المسامحة بتركه وكذلك إن رضيا بنومه بينهما في لحاف واحد فان رضيا بان يجامع إحداهما بحيث ثراه الاخرى لم يجز لان فيه دناءة وسخفا وسقوط مروءة فلم يجز برضاهما وان اسكنهما في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت جاز إذا كان ذلك سكن مثلهما * (مسألة) * (ولا يجامع احداهما بحيث تراه الاخرى أو غيرهما لان فيه دناءة ولا يحدثها بما جرى بينهما ولا يحدث غيرها لما روي من حديث الحسن
(فصل) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعجبون من سعد لانا أغير منه والله أغير مني " وعن علي رضي الله عنه قال بلغني ان نساءكم يزاحمن العلوج في الاسواق أما تغارون انه لا خير فيمن لا يغار وقال محمد بن علي بن الحسين كان ابراهيم عليه السلام غيورا وما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب.
* (مسألة) * (وله منعها من الخروج من منزلها إلى مالها منه بد سواء ارادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة احدهما) قال احمد في امرأة لها زوج وام مريضة طاعة زوجها اوجب عليها من امها الا ان يأذن لها وقد روى ابن بطة في احكام النساء عن انس ان رجلا سافر ومنع زوجته الخروج فمرض ابوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عيله وسلم في عيادة ابيها فقال لها رسول الله عليه وسلم " اتقي الله لا تخالفي زوجك "
فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم " اني قد غفرت لها بطاعة زوجها ولان طاعة الزوج واجبة والعيادة غير واجبة فلا يجوز ترك واجب لما ليس بواجب ولا يجوز لها الخروج الا باذنه * (مسألة) * (فان مرض بعض محارمها أو مات استحب له ان يأذن لها في الخروج إليه) لما في ذلك من صلة الرحم وفي منعها منه قطيعة الرحم وحمل لزوجته على مخالفته وقد امر الله تعالى
بالمعاشرة بالمعروف وليس هذا من المعاشرة بالمعروف فان كانت زوجته ذمية فله منعها من الخروج إلى الكنيسة ولان ذلك ليس بطاعة ولا نفع فان كانت مسلمة فقال القاضي له منعها من الخروج إلى المساجد وهو مذهب الشافعي وظاهر الحديث منعه من منعها وهو قوله عليه الصلاة والسلام " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وروي أن ابن الزبير تزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل فكانت تخرج إلى المساجد وكان غيورا فيقول لها لو صليت في بيتك فتقول لا أزال أخرج أو تمنعني فكره منعها لهذا وقال أحمد في الرجل تكون له المرأة والامة النصرانية يشتري لها زنارا قال لا بل تخرج هي تشتري لنفسها فقيل له جاريته تعمل الزنانير؟ قال لا (فصل) وليس على المرأة خدمة زوجها في العجن والخبز والطبخ وأشباهه نص عليه أحمد وقال أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني عليها ذلك واحتجا بقصة علي وفاطمة فان النبي صلى الله عليه وسلم قضي على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى علي ما كان خارجا من البيت من عمل رواه الجوزجاني من طرق وقال الجوزجاني وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها " ولو أن رجلا أمر امرأته ان تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل " ورواه باسناده قال فهذا طاعته فيما لا منفعة فيه
فكيف بمؤنة معاشه؟ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر نساءه بخدمته فقال " يا عائشة اسقينا يا عائشة أطعمينا يا عائشة هلمي الشفرة واشحذ بها بحجر " وروي أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه ما تلقى من الرحى وسألته خادما يكفيها ذلك
ولنا أن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع فلا يلزمها غيره كسقي دوابه وحصاد زرعه فأما قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي وفاطمة فعلى ما يليق بها من الاخلاق المرضية ومجرى العادة لا على سبيل الايجاب كما قد روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تقوم بغرس الزبير وتلتقط له النوى وتحمله على رأسها ولم يكن ذلك واجبا عليها وكذلك لا يجب على الزوج القيام بمصالح خارج البيت ولا الزيادة على ما يجب لها من النفقة والكسوة ولكن الاولى فعل ما جرت به العادة بقيامها به لانه العادة ولا تصلح الحال إلا به ولا تنتظم المعيشة بدونه.
* (مسألة) * (ولا تملك المرأة اجارة نفسها للرضاع والخدمة بغير إذن زوجها) أما إذا فعلت ذلك باذنه جاز ولزم العقد لان الحق لهما لا يخرج عنهما وإن كان بغير إذنه لم يصح لما يتضمن من تفويت حق زوجها وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي ويجوز في الآخر لانه تناول محلا غير محل النكاح لكن للزوج فسخه لانه يفوت به الاستمتاع ويختل ولنا أنه عقد يفوت به حق من ينسب له الحق بعقد سابق فلم يصح كاجارة المستأجر فأما ان أجرت
المرأة نفسها للرضاع ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الاجارة ولا منعها من الرضاع حتى تنقضي المدة لان منافعها ملكت بالعقد السابق على نكاحه فأشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة ودارا مشغولة فان نام الصبي واشتغل بغيرها فللزوج الاستمتاع وليس لولي الصبي منعها وبهذا قال الشافعي وقال مالك ليس له وطؤها الا برضى الولي لان ذلك ينفص اللبن ولنا أن وطئ الزوج مستحق بالعقد فلا يسقط بأمر مشكوك فيه كما لو أذن فيه الولي ولانه يجوز له الوطئ مع اذن الولي فجاز مع عدمه لانه ليس للولي الاذن فيما يضر بالصبي ويسقط حقوقه * (مسألة) * (وله أن يمنعها من رضاع ولدها الا أن يضطر إليها ويخشى عليه) وجملته أن للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها الا أن يضطر إليها لان عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الاوقات فكان له المنع كالخروج من منزله فان اضطر الولد
إليها بأن لا يوجد مرضعة سواها ولا يقبل الولد الارتضاع من غيرها وجب التمكين من إرضاعه لانها حال ضرورة وحفظ لنفس ولدها فقدم على حق الزوج كتقديم المضطر على المالك إذا لم يكن بالمالك مثل ضرورته.
(فصل) فان أرادت رضاع ولدها منه ففيه وجهان (أحدهما) أن له منعها من رضاعه ولفظ شيخنا في هذا الكتاب يقتضيه بعموم لفظه وهو قول الشافعي ولفظ الخرقي يقتضيه أيضا لانه يخل باستمتاعه منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره وهذا ظاهر كلام القاضي (والثاني) ليس له منعها ويحتمله كلام الخرقي فانه قال فان أرادت رضاع ولدها بأجرة مثلها فهي أحق به من غيرها سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة وهكذا ذكره شيخنا في كتاب نفقة الاقارب في الكتاب المشروح لقول الله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) وهو خبر يراد به الامر وهو عام في كل واحدة ولا يصح من أصحاب الشافعي حمله على المطلقات لانه جعل لهن رزقهن وكسوتهن وهم لا يجيزون جعل ذلك أجرا لرضاع ولا غيره وقولنا فط الوجه الاول انه يخل باستمتاعه قلنا لايفاء حق عليه وليس ذلك ممتنعا كما أن قضاء دينه بدفع ماله فيه واجب سيما إذا تعلق به حق الولد في كونه مع أمه وحق الام في الجمع بينها وبين ولدها وهذا ظاهر كلام ابن أبي موسى * (فصل) * في القسم الاول قال رضي الله عنه (وعلى الرجل أن يساوي بين نسائه في القسم الاول) لا نعلم خلافا بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم قال الله تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وليس مع الميل معروف وقال سبحانه (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كانت له امرأتان إلى أحديهما جاء يوم القيامة
وشقه مائل " وعن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بيننا فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " رواهما أبو داود * (مسألة) * (وعماد القسم الليل الا لمن معيشته بالليل كالحارس)
ولا خلاف في هذا وذلك لان الليل لسكن والايواء يأوي فيه الانسان إلى منزلة ويسكن إلى أهله وينام في فراشه مع زوجته عادة والنهار للمعاش والخروج والكسب والاشتغال قال الله تعالى (وجعل الليل سكنا) وقال سبحانه (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) فعلى هذا يقسم الرجل بين نسائه ليلة ليلة ويكون في النهار في معاشه فيما شاء مما يباح له إلا أن يكون ممن معاشه بالليل كالحارس ومن أشبه فانه يقسم بين نسائه بالنهار ويكون الليل في حقه كالنهار في حق غيره (فصل) والنهار يدخل في القسم تبعا لليل بدليل ما روي أن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه وقالت عائشة قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي في يومي وانما قبض صلى الله عليه وسلم نهارا ويتبع اليوم الليلة الماضية لان النهار تابع لليل ولهذا يكون أول الشهر الليل ولو نذر اعتكاف شهر دخل معتكفه قبل غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر الذي قبله ويخرج منه من بعد
غروب شمس آخر يوم منه فيبدأ بالليل وان أحب أن يجعل النهار مضافا إلى الليل الذي يعقبه جاز لان ذلك لا يتفاوت * (مسألة) * (وليس له البداءة باحداهن ولا السفر إلا بقرعة) متى كان عنده نسوة لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة لان البداءة بها تفضيل لها والتسوية واجبة ولانهن متساويات في الحق ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أفرع بين نسائه فمن خرجت لها القرعة خرج بها معه متفق عليه فالقرعة في السفر منصوص عليها وابتداء القسم مقيس عليه * (مسألة) * (إذا بات عندها بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية) لتعين حقها فان كانتا اثنتين كفاه قرعة واحدة ويصير في الليلة الثانية إلى الثانية بغير قرعة لان حقها متعين فان كن ثلاثا أقرع في الليلة الثانية للبداءة باجدى الباقيتين فان كن أربعا أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة إلى الرابعة بغير قرعة ولو أقرع في الليلة الاولى فجعل سهما للاولى وسهما
للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرجها عليهن مرة واحدة جاز وكانت لكل واحدة ما خرج لها * (مسألة) * (وليس عليه التسوية بينهن في الوطئ بل يستحب) ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا تجب التسوية بين النساء في الجماع وهو مذهب الشافعي وذلك لان الجماع طريقه الشهوة والميل ولا سبيل إلى التسوية بينهن في ذلك فان قلبه قد يميل إلى
إحداهما دون الاخرى قال الله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) قال عبيدة السلماني في الحب والجماع وإن أمكنت التسوية بينهما في الجماع كان أحسن وأولى فانه أبلغ في العدل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بينهن فيعدل ثم يقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " وروي أنه كان يسوي بينهن حتى في القبلة ولا تجب التسوية بينهن في الاستمتاع بما دون الفرج من القبلة واللمس ونحوهما لانه إذا لم تجب التسوية في الجماع ففي دواعيه أولى (فصل) وليس عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن قال أحمد في الرجل له امرأتان له ان يفضل احداهما على الاخرى في النفقة والشهوات والسكنى إذا كانت الاخرى في كفاية ويشتري لهذه ارفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية وهذا لان التسوية في هذا كله تشق فلو وجبت لم يمكنه القيام بها الا بحرج فسقط وجوبها كالتسوية في الوطئ * (مسألة) * (ويقسم لزوجته الامة ليلة وللحرة ليلتين وان كانت كتابية) وبهذا قال علي بن ابي طالب وسعيد بن المسيب ومسروق والشافعي واسحاق وابو عبيد وذكر أبو عبيد انه مذهب الثوري والاوزاعي واهل الرأي وقال مالك في احدى الروايتين عنه يسوي بين الحرة والامة في القسم لانهما سواء في حقوق النكاح من النفقة والسكنى وقسم الابتداء فكذلك هذا ولنا ما روي عن علي رضي الله عنه انه كان يقول إذا تزوج الحرة على الامة قسم للامة ليلة وللحرة
ليلتين رواه الدارقطني واحتج به أحمد ولان الحرة يجب تسليمها ليلا ونهارا فكان حظها الايواء ويخالف النفقة والسكنى فانه مقدر بالحاجة وحاجتها كحاجة الحرة وأما قسم الابتداء فانما شرع
ليزول الاحتشام من كل واحد منهما من صاحبه ولا يختلفان في ذلك وفي مسئلتنا يقسم لهما ليتساوى حظهما (فصل) والمسلمة والكتابية سواء في القسم فلو كان له امرأتان أمة مسلمة وحرة كتابية قسم للامة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانتا جميعا حرتين فليلة وليلة قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن القسم بين المسلمة والذمية سواء كذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعي والنخعي والزهري والحكم وحماد ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وذلك لان القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسكنى ويفارق الامة لان الامة لا يتم تسليمها ولا يحتمل لها الايواء التام بخلاف الكتابية (فصل) فان أعتقت الامة في ابتداء مدتها أضاف إلى ليلتها ليلة أخرى لتساوي الحرة وان كان بعد انقضاء مدتها استؤنف القسم متساويا ولم يقض لها ما مضى لان الحرية حصلت لها بعد استيفاء حقها وإن عتقت قسم للحرة ليلة لم يزدها على ذلك لانهما تساويا فسوي بينهما (فصل) والحق في القسم للامة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها ولبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها لان الابواء والسكن حق لها دون سيدها فملكت
اسقاطه، وذكر القاضي ان قياس قول احمد انه يستأذن سيد الامة في العزل عنها ان لا يجوز هبتها لحقها من القسم الا باذنه، وهذا لا يصح لان الوطئ لا يتناوله القسم فلم يكن للمولى فيه حق ولان المطالبة بالفيئة للامة دون سيدها وفسخ النكاح بالجب والعنة لها دون سيدها فلا وجه لاثبات الحق له ههنا (فصل) ويقسم المريض والمجبوب والعنين والخصي وبذلك قال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي لان القسم للانس وذلك حاصل ممن لا توطأ وقد روت عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرضه جعل يدور على نسائه ويقول " أين أنا غدا أين أنا غدا " رواه البخاري، فان شق عليه ذلك استأذنهن في الكون عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء فاجتمعن قال " اني لا أستطيع أن أدور بينكن فان رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن " فأذن له رواه أبو داود.
فان لم يأذن له أقام عند احداهن بالقرعة أو اعتزلهن جميعا
إن أحب، فان كان الزوج مجنونا لا يخاف منه طاف به الولي عليهن وإن كان يخاف منه فلا قسم عليه لانه لا يحصل منه أنس ولا فائدة فان لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق المجنون فعليه أن يقضي للمظلومة لانه حق ثبت في ذمة فلزمه ايفاؤه حال الافاقة كالمال * (مسألة) * (ويقسم للحائض والنفساء والمريضة والمعيبة والمحرمة والصغيرة الممكن وطؤها وكلهن
سواء في القسم) وبذلك قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم وكذلك التي ظاهر منها لان القصد الايواء والسكن والانس وهو حاصل لهن، فأما المجنونة فان كانت لا يخاف منها فهي كالعاقلة، وان خاف منها فلا قسم لها لانه لا يأمنها على نفسه ولا يحصل لها أنس ولا بها * (مسألة) * (فان دخل في ليلتها إلى غيرها لم يجز إلا لحاجة داعية فان لم يلبث لم يقض وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي لها ذلك من حق الاخرى) وجملة ذلك انه إذا دخل في زمنها إلى ضرتها فان كان ليلا لم يجز إلا لضرورة مثل أن يكون منزولا بها فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لابد منه فان فعل ولم يلبث أن خرج لم يقض وإن أقام وبرأت المرأة المريضة قضى للاخرى من ليلتها بقدر ما أقام عندها، وإن دخل لحاجة غير ضرورية أثم والحكم في القضاء كما لو دخل لضرورة لانه لا فائدة في قضاء اليسير، وان دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان (أحدهما) لا يلزمه قضاؤه لان الوطئ لا يستحق في القسم والزمن اليسير لا يقضى (والثاني) يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها ليعدل بينهما وهذا هو الصحيح لان اليسير مع الجماع أشق علي ضرتها وأغبط لها من الكثير من غير جماع فكان وجوب قضائه أولى، فأما الدخول إلى المرأة في يوم غيرها في النهار فيجوز للحاجة من دفع النفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لعبد عهده بها فيجوز لذلك ولما روت عائشة قالت كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شئ إلا الجماع، وإذا دخل عليها لم يجامعها ولم يطل عندها لان السكن يحصل بذلك وهي لا تستحقه، وفي الاستمتاع منها بما دون
الفرج وجهان (أحدهما) يجوز لحديث عائشة (والثاني) لا يجوز لانه يحصل به السكن فأشبه الجماع فان أطال المقام عندها قضاه وان جامعها في الزمن اليسير ففيه وجهان علي ما ذكرنا ومذهب الشافعي على نحو ما ذكرنا إلا انه لا يقضي إذا جامع في النهار.
ولنا انه زمن يقضيه إذا طال المقام فيقضيه إذا جامع كالليل (فصل) فان خرج من عند بعض نسائه في زمانها فان كان في النهار أو أول الليل أو آخره الذي جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز فان المسلمين يخرجون لصلاة العشاء ولصلاة الفجر قبل طلوعه، وأما النهار فهو للمعاش والانتشار، وإن خرج في غير ذلك ولم يلبث أن عاد لم يقض لها لانه لا فائدة في قضاء ذلك وان أقام قضاه لها سواء كانت اقامته لعذر من شغل أو حبس أو لغير عذر لان حقها قد فات بغيبته عنها، وان أحب أن يجعل قضاءه لذلك غيبته عن الاخرى مثل ما غاب عن هذه جاز لان التسوية تحصل بذلك ولانه إذا جاز له ترك الليلة بكمالها في حق كل واحدة منهما فبعضها أولى، ويستحب أن يقضي لها في مثل ذلك الوقت لانه أبلغ في المماثلة والقضاء يعتبر فيه المماثلة كقضاء العبادات والحقوق، وان قضاه من غيره من الليل مثل أن فاته في اول الليل فقضاه في
آخره أو بالعكس جاز في احد الوجهين لانه قد قضى بقدر ما فاته من الليل والآخر لا يجوز لعدم المماثلة.
إذا ثبت هذا فانه لا يمكن قضاؤه كله من ليلة الاخرى لئلا يفوت حق الاخرى فيحتاج إلى قضاء، ولكن إما أن ينفرد بنفسه في ليلة فيقضي منها واما أن يقسم ليلة بينهن ويفضل هذه بقدر ما فات من حقها وله ان يترك من ليلة كل واحدة مثل ما فات من ليلة هذه، واما أن يقسم المتروك بينهما مثل ان يترك من ليلة احداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الاخرى ساعة فيصير الفائت على كل واحدة منهما ساعة (فصل) والاولى ان يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم هكذا ولانه اصون لهن واستر حتى لا يخرجن من بيوتهن، فان اتخذ لنفسه منزلا يدعو إليه كل واحدة منهن في ليلتها ويومها جاز ذلك لان الرجل ينقل زوجته حيث شاء ومن امتنعت منهن من اجابته سقط حقها من القسم لنشوزها، وان اختار أن يقصد بعضهن في منازلهن ويستدعي البعض كان له ذلك لان له ان يسكن كل واحدة منهن حيث شاء، وان حبس الزوج فأحب القسم بين نسائه
بأن يستدعي كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته إن كان ذلك سكنى مثلهن وإن لم يكن لم يلزمهن اجابته لان عليهن في ذلك ضررا، وان أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس (فصل) ويقسم بين نسائه ليلة ليلة فان أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن، وقال القاضي
له أن يقسم ليلة ليلة وليلتين ليلتين وثلاثا ثلاثا ولا تجوز الزيادة على ذلك إلا برضاهن، والاولى مع هذه ليلة وهذه ليلة لانه أقرب لعهدهن به، ويجوز الثلاث لانها في حد القلة فهي كالليلة وهذا مذهب الشافعي ولنا ان النبي صلى الله عليه وسلم انما قسم ليلة ليلة ولان التسوية واجبة وانما جوزنا البداية بواحدة لتعذر الجمع فإذا بات عند احداهن ليلة بقيت الليلة الثانية حقا للاخرى فلم يجز جعلها للاولى بغير رضاها ولانه تأخير لحقوق بعضهن فلم يجز بغير رضاهن كالزيادة على الثلاث ولانه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الاخيرة في تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكل واحدة تسعا ولان للتأخير عليها ضرر فان لم يفعل فلا يجوز مع امكان التعجيل بغير رضا المستحق كتأخير الدين الحال، والتحديد بالثلاث تحكم لا يسمع من غير دليل وكونه في حد القلة لا يوجب جواز تأخير الحق كالديون الحالة وسائر الحقوق (فصل) فان كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما لانه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما عنه بذلك فاما أن يمضي إلى الغائبة في ايامها وإما أن يقدمها إليه فيجمع بينهما في بلد واحد فان امتنعت من القدوم مع الامكان سقط حقها لنشوزها، وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن
أن يقسم ليلة وليلة فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر أو أكثر أو أقل على حسب ما يمكنه وعلى حسب تقارب البلدين وتباعدهما (فصل) فان قسم ثم جاء ليقسم للثانية فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي ولا تبيت عندي أو ادعت الطلاق سقط حقها من القسم فان عادت بعد ذلك إلى المطاوعة
استأنف القسم بينهما ولم يقض للناشز لانها أسقطت حق نفسها، فان كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا لتساويهن فان نشزت احداهن عليه وظلم واحدة فلم يقسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار فيكمل للمظلومة خمس عشرة ليلة ويحصل للناشز خمسة ثم يستأنف القسم بين الجميع، فان كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنتين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي للمظلومة فانه يخص الجديدة بسبع ان كانت بكرا وثلاث ان كانت ثيبا ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار على ما قدمنا للمظلومة من كل دور ثلاثا وواحدة للجديدة * (مسألة) * (وان أراد النقلة من بلد إلى بلد وأخذ احداهن معه والاخرى مع غيره لم يجز إلا بقرعة) وجملة ذلك ان الزوج إذا أراد الانتقال بنسائه إلى بلد آخر فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل وليس له افراد احداهن به لان هذا السفر لا يختص بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن، فان خص
احداهن قضى للباقيات كالحاضر فان لم يمكنه الجمع أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضى لاحد ولا يحتاج إلى قرعة لانه سوى بينهن، وان أراد افراد بعضهن بالسفر معه لم يجز الا بقرعة فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة لانه صار مقيما وانقطع حكم السفر عنه * (مسألة) * (ومتى سافر بها بقرعة لم يقض وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء للاخرى) وجملة ذلك أن الزوج إذا أراد سفرا فأحب حمل نسائه كلهن معه أو تركهن كلهن لم يحتج إلى قرعة، لان القرعة لتعيين المخصوصة منهن بالسفر وههنا قد سوى، وإن أراد السفر ببعضهن لم يجز له ذلك إلا بقرعة، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وحكي عن مالك أن له ذلك كن غير قرعة وليس بصحيح فان عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، متفق عليه ولان في المسافرة ببعضهن من غير قرعة تفضيلا لها وميلا إليها فلم يجز بغير قرعة كالبداية بها في القسم، وإن أحب المسافرة باكثر من واحدة أقرع أيضا فقد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فصارت القرعة لعائشة وحفصة، رواه البخاري.
ومتى
سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن كما يسوي بينهن في الحضر ولا يلزمه القضاء للحاضرات بعد
قدومه، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وحكى عن داود أنه يقضي لقول الله تعالى (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) ولنا أن عائشة لم تذكر قضاء في حديثها، ولان هذه التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بازاء ما حصل من السكن مثل ما يحصل في الحضر فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل لكن ان كان مسافرا باحداهن بغير قرعة أثم وقضى للبواقي بعد سفره وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا يقضي لان قسم الحضر ليس بمثل قسم السفر فيتعذر القضاء.
ولنا انه خص بعضهن بمدة على وجه تلحقه التهمة فيه فلزمه القضاء كما لو كان حاضرا.
إذا ثبت هذا فينبغي أن لا يلزمه قضاء المدة وانما يقضي منها ما أقام منها بمبيت ونحوه فاما زمان السير فلم يحصل لها منه الا المشقة والتعب فلو جعل للحاضرة في مقابلة ذلك مبيتا عندها واستمتاعا بها لمال كل الميل.
(فصل) فان خرجت القرعة لاحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لان القرعة لا توجب وانما تعين من تستحق التقديم فان أراد السفر بغيرها لم يجز لانها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها وان وهبت حقها من ذلك لغيرها جاز إذا رضي الزوج لان الحق لها فيجوز هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ولا يجوز بغير رضاه كما لو وهبت ليلتها في الحضر وان وهبته للزوج أو للجميع جاز، وان امتنعت من السفر معه سقط حقها إذا رضي الزوج، وان أبى فله اكراهها على السفر معه لما ذكرنا، وان رضي بذلك استأنف القرعة بين البواقي، وان رضي الزوجات
كلهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز لان الحق لهن الا أن لا يرضى الزوج ويريد غير من اتفقن عليها فيصار إلى القرعة، ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى.
وذكر القاضي احتمالا أنه يقضي للبواقي في السفر القصير لانه في حكم الاقامة وهو وجه لاصحاب الشافعي ولنا أنه سافر بها بقرعة فلم يقض كالطويل ولو كان في حكم الاقامة لم تجز المسافرة باحداهن
دون الاخرى كما لا يحوز افراد احداهن بالقسم دون غيرها، ومتى سافر باحداهن بقرعة ثم بدا له بعد السفر نحو أن يسافر إلى القدس ثم يبدو له فيمضي إلى مصر فله استصحابها معه لانه سفر واحد قد أقرع له فان أقام في بلدة مدة احدى وعشرين صلاة فما دون لم يحتسب عليه بما لانه في حكم السفر يجري عليه أحكامه وان زاد على ذلك قضي الجميع مما أقامه لانه خرج من حكم السفر وان أجمع على المقام قضى ما أقامه وان قل لانه خرج عن حكم السفر ثم إذا خرج بعد ذلك إلى بلد، أو بلدة أخرى لم يقض ما سافره لانه في حكم السفر الواحد وقر أقرع له * (مسألة) * (وان امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير اذنه سقط حقها من القسم) لا نعلم خلافا في ذلك لانها عاصية له بمنع نفسها منه فسقط حقها كالناشزة
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: