الفقه الحنبلي - احكام الطلاق والخلع
* (مسألة) * (وان أشخصها هو فهي على حقها من ذلك)
نحو أن يبعثها في حاجته أو يأمرها بالنقلة من بلدها لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم لانها لم تفوت عليه التمكين، ولا فات من
جهتها وانما حصل بتفويته فلم يسقط حقها، كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من تسليم ثمنه إليه، فعلى هذا يقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها، وان سافرت معه فهي على حقها منهما جميعا.
* (مسألة) * (وان سافرت لحاجتها باذنه فعلى وجهين) إذا سافرت المرأة في حاجتها باذن زوجها لتجارة لها أو زيارة أو حج تطوع أو عمرة لم يبق لها حق في نفقة ولا قسم في أحد الوجهين، هذا الذي ذكره الخرقى والقاضي، وقال أبو الخطاب فيه وجه آخر انها لا تسقط، وهو قول الشافعي لانها سافرت باذنه اشبه ما لو سافرت معه، ووجه الاول ان القسم للانس والنفقة للتمكين من الاستمتاع، وقد تعذر ذلك بسبب من جهتها فسقط كما لو تعذر ذلك قبل دخوله بها، وفارق ما إذا سافرت معه لانه لم يتعذر ذلك ويحتمل ان يسقط القسم وجها واحدا لانه لو سافر عنها لسقط قسمها والتعذر من جهته فإذا تعذر من جهتها بسفر كان اولى ويكون في النفقة الوجهان
* (مسألة) * (وللمرأة ان تهب حقها من القسم لبعض ضرائرها باذنه أو له فيجعله لمن شاء منهن) لان الحق لها وللزوج فإذا رضيت هي والزوج جاز لان الحق لا يخرج عنهما فان أبت الموهوبة
قبول الهبة لم يكن لها ذلك لان حق الزوج في الاستمتاع ثابت في كل وقت انما منعته المزاحمة لحق صاحبتها فإذا زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقه في الاستمتاع بها وان كرهت لما لو كانت منفردة، وقد ثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة، متفق عليه ونحو ذلك في جميع الزمان وفي بعضه فان سودة وهبت يومها في جميع زمانها، وروى ابن ماجه عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شئ فقالت صفية لعائشة هل لك أن ترضي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فأخذت خمارا مصبوغا بزعفران فرشته ليفوح ريحه ثم اختمرت به وقعدت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إليك يا عائشة انه ليس يومك " قالت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالامر فرضي عنها إذا ثبت هذا فان وهبت ليلتها لجميع ضرائرها صار القسم بينهن كما لو طلق الواهبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء لانه لا ضرر على الباقيات في ذلك إن شاء جعله للجميع وإن شاء خص بها واحدة منهن وإن شاء جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض، وان وهبتها لواحدة كفعل سودة جاز ثم ان كانت تلي ليلة الموهوبة والى بينهما، وان كانت لا تليها لم يجز له الموالاة بينهما إلا برضا الباقيات ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة لان الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها عن موضعها
كما لو كانت باقية للواهبة ولان في ذلك تأخيرا لحق غيرها وتغييرا لليلتها بغير رضاها فلم يجز، وكذلك الحكم إذا وهبتها الزوج فآثر بها امرأة منهن بعينها، وفيه وجه آخر انه لا يجوز الموالاة بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق والاول أصح وقد ذكرنا فيه فائدة فلا يجوز اطراحها * (مسألة) * (فمتى رجعت في الهبة عاد حقها ولها ذلك في المستقبل لانها هبة لم تقبض وليس لها الرجوع فيها مضى) لانه بمنزلة المقبوض، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها
فان لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئا لان التفريط منها (فصل) فان بذلت ليلتها بمال لم يصح لان حقها في كون الزوج عندها وليس ذلك بمال فلا يجوز مقابلته بمال فإذا أخذت عليه مالا لزمها رده وعليه أن يقضي لها لانها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها فان كان عوضها غير المال مثل ارضاء زوجها عنها أو غيره جاز لان عائشة أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية وأخذت يومها وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره * (مسألة) * (ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن كيف شاء) ومن له نساء واماء فله الدخول على الاماء كيف شاء والاستمتاع بهن ان شاء كالنساء، وان شاء أقل وإن شاء أكثر، وان شاء ساوى بين الاماء وان شاء فضل، وان شاء استمتع ببعضهن دون بعض، بدليل قول تعالى (فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وريحانة فلم يقسم لهما ولان الامة لا حق لها في الاستمتاع ولذلك لا يثبت لها الخيار بجب السيد ولاعنته ولا يضرب لها مدة الايلاء * (مسألة) * (ويستحب التسوية بينهن لئلا يضر ببعضهن وان لا يعضلهن ان لم يرد الاستمتاع بهن) إذا احتاجت الامة إلى النكاح وجب عليه اعفافها اما بوطئها أو تزويجها أو بيعها * (فصل) * قال رحمه الله (وإذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار، وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ثم دار) متى تزوج صاحب النسوة امرأة جديدة قطع الدور وأقام عندها سبعا ان كانت بكرا ولا يقضيها
للباقيات، وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا ولا يقضيها إلا أن تشاء هي أن يقيم عندها سبعا فانه يقيمها عندها ويقضي الجميع للباقيات.
روي ذلك عن انس وبه قال الشعبى والنخعي ومالك والشافعي وأبو عبيدة وابن المنذر.
وروي عن سعيد بن المسيب والحسن وخلاس بن عمرو ونافع مولى ابن عمر: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان ونحوه قال الاوزاعي، وقال الحكم وحماد وأصحاب الرأي: لا فضل للجديدة في القسم
فان أقام عندها قضاه للباقيات لانه فضلها بمدة فوجب قضاؤها كما لو أقام عند الثيب سبعا.
ولنا ما روى أبو قلابة عن أنس قال من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم، قال أبو قلابة ولو شئت لقلت ان أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
وعن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا وقال " ليس بك على اهلك هو ان إن شئت سبعت لك، وان سبعت لك سبعت لنسائي " رواه مسلم، وفي لفظ " وإن شئت ثلثت ثم درت " وفي لفظ رواه الدارقطني " ان شئت أقمت ثلاثا خالصة لك وان شئت سبعت لك ثم سبعت لنسائي " وهذا يمنع قياسهم ويقدم عليه قال ابن عبد البر الاحاديث المرفوعة في هذا الباب على ما قلناه، وليس مع ما خالفنا حديث مرفوع والحجة مع من ادلى بالسنة.
(فصل) والامة والحرة في هذا سواء ولاصحاب الشافعي في هذا ثلاثة أوجه (أحدها) كقولنا (والثاني) الامة على النصف من الحرة كسائر القسم (والثالث) للبكر من الاماء اربع وللثيب ليلتان تكميلا لبعض الليلة.
ولنا عموم قوله عليه السلام " للبكر سبع وللثيب ثلاث " ولانه يراد للانس وازالة الاحتشام والامة والحرة سواء في الاحتياج إلى ذلك فاستويا فيه كالنفقة
* (مسألة) * (وان زفت إليه امرأتان قدمت السابقة منهما ثم أقام عند الاخرى ثم دار وان زفتا معا قدم احداهما بالقرعة ثم أقام عند الاخرى) يكره ان تزف إليه امرأتان في ليلة واحدة أو في مدة عقد احداهما لانه لا يمكنه أن يوفيهما وتستضر التي لا يوفيها حقها، فان دخلت احداهما إليه قبل الاخرى بدأ بها فوفهاها حقها ثم عاد فوفى الثانية ثم ابتدأ القسم، وان زفت الثانية في أثناء مدة العقد أتمه للاولى ثم قضى حق الثانية وان دخلتا عليه جميعا في مكان واحد أقرع بينهما وقدم من خرجت لها القرعة منهما ثم وفى للاخرى بعدها (فصل) وإذا كان عنده امرأتان فبات عند احداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة
بلياليها لان حقها آكد لانه ثبت بالعقد وحق الثانية ثبت بفعله فإذا قضى حق الجديدة بدأ بالثانية فوفاها ليلتها ثم ثبت عند الجديدة ثم يبتدئ انقسم وذكر القاضي أنه إذا وفى الثانية ليلتها بات عند الجديدة نصف ليلة ثم يبتدئ القسم لان الليلة التي يوفيها الثانية نصفها من حقها ونصفها من حق الاخرى فيثبت للجديدة في مقابلة ذلك نصف ليلة بازاء حصل لكل واحدة من ضرتها وعلى هذا القول يحتاج أن ينفرد بنفسه في نصف ليلة وفيه حرج فانه ربما لا يجد مكانا ينفرد فيه أو لا يقدر على الخروج إليه في نصف الليلة أو المجئ منه وفيما ذكرناه من البداية بها بعد الثانية وفاء حقها بدون هذا الحرج فيكون أولى ان شاء الله تعالى * (مسألة) * (وان أراد السفر فخرجت القرعة لاحداهما سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالاخرى فوفاها حق العقد) إذا تزوج امرأتين وعزم على السفر أقرع بينهما فسافر بالتي تخرج لها القرعة ويدخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم قضى للثانية حق العقد في أحد الوجهين لانه حق وجب لها قبل سفره لم يؤده إليها فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالاخرى معه (والثاني) لا يقضيه لئلا يكون تفضيلا لها على التي سافر بها لانه لا يحصل للمسافرة من الايواء والسكن والمبيت عندها مثل ما يحصل في الحضر فيكون ميلا
فيتعذر قضاؤه فان قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق عقد الاولى أتمه في الحضر وقضى للحاضرة مثله وجها واحدا وفيما زاد الوجهان، ويحتمل في المسألة وجها ثالثا وهو أن يستأنف حق العقد لكل واحدة منهما ولا يحتسب على المسافرة بمدة سفرها كما لا يحتسب به عليها فيما عدا حق العقد وهذا أقرب إلى الصواب من اسقاط حق العقد الواجب بالشرع بغير مسقط (فصل) فان كانت له امرأة فتزوج أخرى وأراد السفر بهما جميعا قسم للجديدة سبعا إن كانت بكرا وثلاثا إن كانت ثيبا ثم يقسم بعد ذلك بينهما وبين القديمة وان أراد السفر باحداهما أقرع بينهما فان خرجت قرعة الجديدة سافرت معه ودخل حق العقد لانه سافر بعد وجوبه عليه * (مسألة) * (وإن طلق احدى نسائه في ليلتها أتم لانه فوت حقها الواجب لها فان عادت إليه برجعة أو نكاح قضى لها لانه قدر على ايفاء حقها فلزمه كالمعسر إذا أيسر بالدين
* (مسألة) * (وله أن يخرج في نهار ليل القسم لمعاشه وقضاء حقوق الناس) لقوله تعالى (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) وقال تعالى (وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) أي لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله في النهار.
وحكم السبعة والثلاثة التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فيما ذكرنا فان تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاه لها وله الخروج إلى صلاة الجماعة فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الجماعة لذلك ويخرج لما لابد له منه فان أطال قضاه ولا يقضي اليسير * (فصل في النشوز) * وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما وجب عليها من طاعته * (مسألة) * (فمتى ظهرت منها امارات النشوز بأن لا تحبيبه إلى الاستمتاع أو تحبيبه متبرمة ومتكرهة
وعظها فان أصرت هجرها في المضجع ما شاء، وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام فان أصرت فله أن يضربها ضربا غير مبرح) متى ظهرت من المرأة امارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فانه يعظها فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما اوجب الله له عليها من الحق والطاعة وما يلحقها من الاثم بالمخالفة والمعصية وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة وما يباح له من هجرها وضربها لقول الله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) فان أظهرت النشوز وهو أن تعصيه وتمتنع من فراشه أو تخرج من منزله بغير إذنه فله أن يهجرها في المضجع ما شاء لقول الله تعالى (واهجروهن في المضاجع) قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك فأما الهجران في الكلام فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام " وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة وقد روي عن أحمد ان عصت المرأة زوجها فله ضربها ضربا غير مبرح ظاهر هذا إباحة ضربها لقول الله تعالى
(واضربوهن) ولانها صرحت بالمنع فكان له ضربها كما لو أصرت ولان عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه كالحدود، ووجه قول الخرقي أن المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل وما هذا سبيله يبدأ فيه بالاسهل فالاسهل كمن هجم عليه منزله فأراد اخراجه، وأما قوله (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية ففيها اضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن فان نشزن فاهجروهن في المضاجع فان أصررن فاضربوهن كما قال سبحانه (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ولا خلاف أنه لا يضر بها لخوف النشوز قبل اظهاره وللشافعي قولان كهذين فإذا لم ترتدع بالهجر والوعظ فله ضربها لقول الله تعالى (واضربوهن) وقال النبي صلى الله عليه
وسلم " إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح " رواه مسلم ومعنى غير مبرح أي ليس بالشديد قال الخلال سألت أحمد بن يحيى عن قوله ضربا غير مبرح قال غير شديد وعليه أن يجتنب الوجه المواضع المخوفة لان المقصود التأديب لا الاتلاف وقد روى أبو داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت " وروى عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم " ولا يزيد في ضربها على عشرة أصوات لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط الا في حد من حدود الله " متفق عليه (فصل) وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربا رفيقا غير مبرح وقال علي في تفسير قوله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) قال علموهم أدبوهم وروى الحلال باسناده عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله عبدا علق في بيته سوطا يؤدب أهله " فان لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل لرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن قال أحمد في الرجل يضرب امرأته لا ينبغي لاحد أن يسأله ولا
أبوها لم يضربها؟ والاصل في هذا ما روى الاشعث عن عمر أنه قال يا اشعث احفظ عني شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسألن رجلا فيما ضرب امرأته " رواه أبو داود لانه قد يضربها لاجل الفراش فان أخبر بذلك استحيا وان أخبر بغيره كذب (فصل) وان خافت المرأة نشوز زوجها واعراضه عنها لرغبته عنها لمرض بها أو كبر أو دمامة فلا بأس ان تضع عنه بعض حقوقها لتسترضيه بذلك لقوله تعالى (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا) وروى البخاري عن عائشة (وان امراة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) قالت هي المراة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج عليها تقول له امسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فانت في حل من النفقة علي والقسمة لي وعن عائشة ان سودة
بنت زمعة حين أسنت وفرقت ان يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله يومي لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قالت ففي ذلك أنزل الله جل شأنه وفي اشباهها أراه قال (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) رواه أبو داود ومتى صالحت على ترك شئ من قسمها أو نفقتها أو على ذلك كله جاز فان رجعت فلها ذلك قال احمد في الرجل يعيب على امراته فيقول لها ان رضيت على هذا والا فأنت اعلم فتقول قد رضيت فهو جائز فان شاءت رجعت * (مسألة) * (فان ادعى كل واحد منهما ظلم صاحبه له اسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف) وجملة ذلك ان الزوجين إذا وقع بينهما شقاق نظر الحاكم فان كان من المرأة فهو نشوز وقد ذكرناه وان بان انه من الرجل اسكنهما إلى جنب ثقة يمنعه من الاضرار بها والتعدي عليها وكذلك ان بان من كل واحد منهما تعد أو ادعى كل واحد منهما ان الآخر ظلمه اسكنهما إلى جنب من يشرف عليهما ويلزمهما الانصاف لان ذلك طريق الانصاف فتعين فعله كالحكم بالحق * (مسألة) * (فان خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين) والاولى ان يكونا من اهلهما للآية بتوكيلهما ورضاهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان ما يريانه من
جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع فما فعلا من ذلك لزمهما والاصل في ذلك قوله سبحانه (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) * (مسألة) * (فان امتنعا من ذلك لم يجبرا عليه وعنه أن الزوج ان وكل في الطلاق بعوض أو وكلت المرأة في بذل العوض وإلا جعل الحاكم اليهما ذلك) اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الحكمين ففي احدى الروايتين عنه انهما وكيلان لهما ولا يملكان التفريق إلا باذنهما وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي، وحكي عن الحسن وأبي حنيفة لان البضع حقه والمال حقها وهما رشيدان فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما أو ولاية عليهما (والثانية) أنهما حاكمان ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق بعوض وغير عوض ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما، روي نحو ذلك عن علي وابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن والشعبي
والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والاوزاعي وإسحاق وابن المنذر لقول الله تعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فسماهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال (إن يريدا إصلاحا) فخاطب الحكمين، بذلك، وروى أبو بكر باسناده عن عبيدة السلماني ان رجلا وامرأة أتيا عليا مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فبعثوا حاكمين ثم قال علي للحاكمين هل تدريان ما عليكما، من الحق؟ عليكما، من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت المرأة رضيت بكتاب الله علي ولي.
فقال الرجل أما الفرقة فلا، فقال علي كذبت حتى ترضى بما رضيت به وهذا يدل على انه أجبره على ذلك، ويروى أن عقيلا تزوج فاطمة بنت عقبة فتخاصما فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان فبعث حكما من أهله عبد الله بن عباس وحكما من أهلها معاوية، فقال ابن عباس لافرقن بينهما، وقال معاوية ما كنت لافرق بين شخصين من بني عبد مناف، فلما بلغا الباب كانا قد أغلقا الباب واصطلحا، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق كما يقضى عنه الدين من ماله إذا امتنع ويطلق الحاكم على المولى إذا امتنع (فصل) ولا يكون الحكمان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين لان هذه من شروط العدالة سواء
قلنا هما حكمان أو وكيلان لان الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم لم يجز أن يكون إلا عدلا كما لو نصب وكيلا لصبي أو مفلس ويكونان ذكرين لانه يفتقر إلى الرأي والنظر، فقال القاضي ويشترط كونهما حرين وهو مذهب الشافعي لان العبد عنده لا تقبل شهادته فتكون الحرية من شروط العدالة.
قال شيخنا والاولى أن يقال إن كانا وكيلين لم تعتبر الحرية لان توكيل العبد جائز وإن كانا حاكمين اعتبرت الحرية لان الحاكم لا يجوز أن يكون عبدا ويعتبر أن يكونا عالمين بالجمع والتفريق لانهما يتصرفان في ذلك فيعتبر علمهما به والاولى أن يكونا من أهلهما لامر الله تعالى بذلك ولانهما أشفق وأعلم بالحال فان كانا من غير أهلهما جاز لان القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة فكان الامر بذلك إرشادا واستحبابا، فان قلنا هما وكيلان فلا يفعلان شيئا حتى يأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو صلح أو تأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه، فان امتنعا من التوكيل لم يجبرا، وان قلنا إنهما حكمان فانهما يمضيان ما يريانه من طلاق وخلع فينفذ حكمهما عليه رضياه أو أبياه
* (مسألة) * (فان غاب الزوجان أو احدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الرواية الاولى وينقطع على الثانية، وان جنا انقطع نظرهما على الرواية الاولى ولم ينقطع على الثانية) إذ ا غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين جاز لهما امضاء رأيهما إن قلنا انهما وكيلان لان الوكالة لا تبطل بالغيبة، وان قلنا انهما حكمان لم يجز لهما امضاء الحكم لان كل واحد من الزوجين محكوم له وعليه والقضاء للغائب لا يجوز الا أن يكونا قد وكلاهما فيفعلان ذلك بحكم الوكيل لا بالحكم، وان كان أحدهما قد وكل جاز لوكيله فعل ما وكله فيه مع غيبته، وان جن أحدهما بطل حكم وكيله لان الوكالة تبطل بجنون الموكل ولا تبطل إذا قلنا انهما حاكمان لان الحاكم يحكم على المجنون.
وذكر شيخنا في كتاب المغني أنه لا يجوز له الحكم أيضا لان من شرط ذلك بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ولا يتحقق ذلك مع الجنون.
(فصل) فان شرط الحاكمان شرطا أو شرطه الزوجان لم يلزم مثل أن يشرطا ترك بعض النفقة والقسم لم يلزم الوفاء به لانه إذا لم يلزم برضى الموكلين فبرضى الوكيلين أولى، وان أبرأ وكيل المرأة
من الصداق أو دين لها لم يبرأ الزوج إلا في الخلع، وإن أبرأ وكيل الزوج من دين له أو من الرجل.
إن لم ترض الزوجة لانهما وكيلان فيما يتعلق بالاصلاح لا في اسقاط الحقوق
* (كتاب الخلع) * * (مسألة) * (وإذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله في حقه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه) وجملة ذلك أن المرأة إذا كرهت زوجها لخلقه أو خلقه أو دينه أو كبره أو ضعفه أو نحو ذلك (وخشيت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه لقول الله تعالى فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما شأنك؟ " قالت لا أنا ولا ثابت فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله ان تذكر وقالت حبيبة يا رسول الله كلما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت ابن قيس " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها وهذا حديث صحيح ثابت الاسناد رواه الائمة مالك واحمد وغيرهما وفي رواية للبخاري قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق الا اني أخاف الكفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فردتها عليه وامره ففارقها، وفي رواية فقال له " اقبل الحديقة
وطلقها تطليقة ولان حاجتها داعية إلى فرقته ولا تصل إليها الا ببذل العوض فأبيح لها ذلك كشراء المتاع وبهذا قال جميع الفقهاء بالشام والحجاز قال ابن عبد البر لا نعلم أحدا خالفه الا بكر بن عبد الله المزني فانه لم يجزه وزعم ان آية الخلع منسوخة بقوله سبحانه (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج) الآية وروي عن بن سيرين وأبي قلابة أنه لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينة)
ولنا الآية التي تلونا والخبر ولانه قول عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فيكون اجماعا ودعوى النسخ لا تسمع حتى يثبت تعذر الجمع وأن الآية الناسخة متأخرة ولم يثبت شئ من ذلك إذا ثبت هذا فانه يسمى خلعا لان المرأة ننخلع من لباس زوجها قال الله تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) ويسمى افتداء لانها تفتدي نفسها بما تبذله قال الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) (فصل) ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نص عليه احمد فقال يجوز الخلع دون السلطان، وروى البخاري ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي واسحاق واصحاب الرأي وعن الحسن وابن سيرين لا يجوز الا عند السلطان
ولنا قول عمر وعثمان ولانه معاوضة فلم يفتقر إلى السلطان كالبيع والنكاح ولانه قطع عقد بالتراضي أشبه الاقالة: (فصل) ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها لان المنع من الطلاق في الحيض لاجل الضرر الذي يلحقها بطول العدة والخلع لازالة الضرر الذي يلحقها بسوء العشرة والمقام مع من تركهه وتبغضه وذلك أعظم من ضرر طول العدة فجاز دفع اعلاهما بأدناهما ولذلك لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة عن حالها ولان ضرر تطويل العدة عليها والخلع بسؤالها فيكون ذلك رضى منها به ودليلا على رجحان مصلحتها فيه * (مسألة) * (وان خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع وعنه لا يجوز) أي ان خالعته مع استقامة الحال كره لها ذلك ويصح الخلع في قول اكثر اهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والاوزاعي والشافعي وعن أحمد ما يدل على تحريمه فانه قال الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع وهذا يدل على انه لا يكون الخلع صحيحا الا في هذه الحال وهذا قول ابن المنذر وداود قال ابن المنذر روي معنى ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم وذلك لان
الله تعالى قال (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الا يقيما حدود الله) وهذا صريح في التحريم إذا لم يخافا الا يقيما حدود الله ثم قال (فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فدل بمفهومه على أن الجناح لا حق بهما فيما افتدت من غير خوف ثم غلظ بالوعيد فقال (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)، وروى ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما باس فحرام عليها رائحة الجنة " رواه أبو داود وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المختلعات والمتبرجات هن المنافقات " رواه أبو حفص وأحمد في المسند وذكره محتجا به وهذا يدل على تحريم المخالعة من غير حاجة ولانه اضرار واحتج من أجازه بقوله سبحانه (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) قال ابن المنذر لا يلزم من الجواز في غير عقد الجواز في المعاوضة بدليل الربا حرمه الله في العقد وأجازه في الهبة قال شيخنا والحجة مع من حرمه وخصوص الآية في التحريم يجب تقديمها في عموم آية الجواز مع ما عضدها من الاخبار * (مسألة) * (فاما ان عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها الا أن يكون طلاقا فيكون رجعيا) يعني بعضلها مضارا بها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم ونحو ذلك لتفدي نفسها فان فعلت فالخلع باطل والعوض مردود روي نحو ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي
والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري وبه قال مالك والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وقال أبو حنيفة العقد صحيح والعوض لازم وهو آثم عاص ولنا قول الله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) ولانه عوض أكرهت على بذله بغير حق فلم يستحق كالثمن في البيع والاجر في الاجارة وإذا لم يملك العوض وقلنا الخلع طلاق ووقع الطلاق بغير عوض فان كان أقل من ثلاث فله رجعتها لان الرجعة انما سقطت بالعوض فإذا سقط العوض ثبتت الرجعة.
وان قلنان هو فسخ ولم ينوبه الطلاق لم يقع شئ لان الخلع بغير عوض لا يقع على إحدى الروايتين، وعلى الرواية الاخرى انما رضي بالفسخ ههنا بالعوض فإذا لم
يحصل العوض فقال مالك ان أخذ منها شيئا على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه ويتخرج لنا مثل لك إذا قلنا يصح الخلع بغير عوض فاما ان ضربها على نشوزها أو منعها حقها لم يحرم خلعها لذلك لان لك لا يمنعهما ان لا يخافا الا يقيما حدود الله وفى بعض حديث حبيبة أنها كانت تحت ثابت بن قيس ضربها فكسر ضلعها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فدعى النبي صلى الله عليه وسلم ثابتا فقال " خذ بعض مالها وفارقها " فعل رواه أبو داود وهكذا لو ضربها ظلما لسوء خلقه أو غيره لا يريد بذلك أن تفتدي نفسها لم يحرم عليه مخالعتها لانه لم يعضلها ليذهب ببعض الذي آتاها ولكن عليه اثم الظلم (فصل) فان أتت بفاحشة فعضلها لتفتدي نفسها منه ففعلت صح الخلع لقول الله تعالى (ولا تعضلوهن
لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) والاستثناء من النهي اباحة ولانها متى زنت لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره وتفسد فراشه فلا تقيم حدود الله في حقه فتدخل في قول الله تعالى (فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وهذا أحد قولي الشافعي والقول الآخر لا يجوز لانه عوض أكرهت عليه أشبه ما لو لم تزن والعمل بالنص أولى * (مسألة) * ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا لانه إذا ملك الطلاق وهو مجرد إسقاط من غير تحصيل شئ فلان يملكه محصلا للعوض أولى * (مسألة) * فان كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه لان ولي المحجور عليه هو الذي يقبض حقوقه وأمواله وهذا من حقوقه * (مسألة) * (وان كان عبدا دفع إلى سيده لانه للسيد لكونه من اكتساب عبده واكتسابه له) وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه لانه يملك اكتسابه وهو الذي يتصرف لنفسه، وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه فعلى قوله يصح قبض العبد والمحجور عليه لان من صح خلعه صح قبضه للعوض كالمحجور عليه لفلس واحتج بقول احمد ما ملكه العبد من خلع فهو لسيده وان استهلكه لم يرجع على الواهب والمختلعة بشئ والمحجور عليه في معنى العبد والاولى أنه لا يجوز لان العوض في
الخلع لسيد العبد فلا يجوز دفعه إلى غير من هو له من غير اذن مالكه والعوض في خلع المحجور عليه ملك له الا انه لا يجوز تسليمه إليه لان الحجر أفاد منعه من التصرف وكلام أحمد محمول على ما أتلفه العقد قبل تسليمه على أن عدم الرجوع عليها لا يلزم منه جواز الدفع إليه فانه لو رجع عليها لرجعت على العبد وتعلق حقها برقبته وهي ملك لسيد فلا فائدة في الرجوع عليها بما يرجع به فيما له وان سلمت العوض إلى المحجور عليه لم يبرأ فان اخذه الولي منه برئت وان أتلفه أو تلف كان لوليه الرجوع عليها به * (مسألة) * وهل للاب خلع ابنته الصغير أو طلاقها؟ على روايتين) (إحداهما) له ذلك قال احمد في رجلين زوج احدهما ابنه بابنة الآخر وهما صغيران ثم إن الابوين كرها هل لهما أن يفسخا؟ قال قد اختلف في ذلك وكأنه رآه قال أبو بكر لم يبلغني عن أبي عبد الله في هذه المسألة الا هذه الرواية فيخرج على قولين (أحدهما) يملك ذلك وهو قول عطاء وقتادة لانها ولاية يستفيد بها تمليك البضع فجاز ان يملك بها إزالته إذا لم يكن متهما كالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون والاعسار وتزويج الصغير، والقول الآخر لا يملك ذلك وهو قول أبي حنيفة والشافعي ومالك لقول
النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " رواه ابن ماجه وعن عمر أنه قال انما الطلاق لم يحل له الفرج ولانه اسقاط لحقه فلم يملكه كالابراء من الدين واسقاط القصاص ولان طريقه الشهوة فلم يدخل في الآية والقول في زوجة عبده الصغير كالقول في زوجة ابنه الصغير لانه في معناه فأما غير الاب فليس تطليق امرأة المولى عليه سواء كان ممن يملك التزويج كوطئ الاب والحاكم على قول ابن حامد أو لا يملكه لا نعلم في هذا خلافا * (مسألة) * (وليس له خلع ابنته الصغيرة بشئ من مالها) لانه انما ملك التصرف بمالها فيه الحظ وليس في هذا حظ بل فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبذل مالها ويحتمل ان يملك ذلك إذا رأى الحظ فيه فانه يجوز ان يكون لها الحظ فيه بتخليصها ممن يتلف مالها وتخاف منه على نفسها وعقلها ولذلك لم يعد بذل المال في الخلع تبذيرا ولا سفها فيجوز له بذل مالها لتحصيل حظها وحظ نفسها ومالها كما يجوز له بذله في مداواتها وفكها من الاسر، وهذا مذهب مالك
والاب وغيره من أوليائها في هذا سواء إذا خالعوا في حق المجنونة والمحجور عليها للسفه والصغر فأما ان خالع بشئ من ماله جاز لانه يجوز من الاجنبي فمن الولي أولى * (مسألة) * (ويصح الخلع مع الزوجة) وقد ذكرناه ويصح مع الاجنبي بغير اذن المرأة مثل ان يقول الاجنبي للزوج طلق امرأتك بألف
علي وهذا قول اكثر اهل العلم وقال أبو ثور لا يصح لانه سفه فانه يبذل عوضا في مقابلة مالا منفعة له فيه فان الملك لا يحصل له فأشبه ما لو قال بع عبدك لزيد بألف علي ولنا أنه بذل في اسقاط حق عن غيره فصح كما لو قال اعتق عبدك وعلي ثمنه ولانه لو قال ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه صح ولزمه ثمنه مع انه لا يسقط حقا عن أحد فهنا أولى ولانه حق على المرأة يجوز أن يسقطه عنها بعوض فجاز لغيرها كالدين وفارق البيع فانه تمليك فلا يجوز بغير رضى من ثبت له الملك وإن قال طلق امرأتك بمهرها وأنا ضامن له صح ويرد عليه بمهرها.
* (مسألة) * (ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف لانه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع) (فصل) إذا قالت له امرأته طلقني وضرتي بألف وطلقها وقع الطلاق بهما بائنا واستحق الالف على باذلته لان الخلع من الاجنبي جائز وان طلق احداهما فقال القاضي تطلق طلاقا بائنا وتلزم الباذلة بحصتها من الالف وهذا مذهب الشافعي الا أن بعضهم قال يلزمها مهر مثل المطلقة.
وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لم يلزمها شئ ووقعت بها التطليقة إنما لا يلزم الباذلة ههنا شئ لانه لم يجبها إلى ما سألت فلم يجب عليها ما بذلت ولانه قد يكون غرضها في بينونتهما جميعا منه فإذا طلق احداهما لم يحصل غرضها فلا يلزمها عوضها (فصل) فان قالت طلقني بألف علي أن تطلق ضرتي فالخلع صحيح والشرط والبذل لازم.
قال الشافعي الشرط والعوض باطلان ويرجع إلى مهر المثل لان الشرط سلف في الطلاق والعوض
نقضه في مقابلة الشرط الباطل فيكون الباقي مجهولا وقال أبو حنيفة الشرط باطل والعوض صحيح لان
العقد يستقل بذلك العوض.
ولنا أنها بذلت عوضا في طلاقها وطلاق ضرتها فصح كما لو قالت طلقني وضرتي بألف فان لم يف لها بشرطها فعليه الاقل من المسمى أو الالف الذي شرطته ويحتمل ألا يستحق شيئا من العوض لانها انما بذلته بشرط لم يوجد فلم يستحقه كما لو طلقها بغير عوض * (مسألة) * (فان خالعته الامة على شئ معلوم بغير اذن سيدها كان في ذمتها تتبع به بعد العتق) الخلع مع الامة صحيح سواء كان باذن سيدها أو بغير إذنه لا الخلع يصح مع الاجنبي فمع الزوجة أولى ويكون طلاقها على عوض بائنا والخلع معها كالخلع مع الحرة سواء فان كان الخلع بغير إذن سيدها على شئ في ذمتها فانه يتبعها إذا عتقت لانه رضي بذمتها وإن كان على عين فقال الخرقي إنه يثبت في ذمتها مثله أو قيمته ان لم يكن مثليا لانها لا تملك العين وما في يدها من شئ فهو لسيدها فيلزمها كما لو خالعها على عبد فخرج حرا أو مستحقا وقياس المذهب أنه لا شئ له لانه إذا خالعها على عين وهو يعلم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين فيكون راضيا بغير عوض فلا يكون له شئ كما لو قال خالعتك على هذا المغصوب أو هذا الحر وكذلك ذكر القاضي في المجرد فقال هو كالخلع على المغصوب لانها لا تملكها وهذا قول مالك وقال الشافعي يرجع عليها بمهر المثل كقوله في الخلع على الحر والمغصوب
ويمكن حمل كلام الخرقي على أنها ذكرت لزوجها ان سيدها أذن لها في ذلك ولم تكن صادقة أو جهل أنها لا تملك العين أو يكون اختياره فيما إذا خالعها على مغصوب أنه يرجع عليها بقيمة ويكون الرجوع عليها في حال عتقها لانه الوقت الذي يملك فيه كالمعسر يرجع عليه في حال يساره ويرجع بقيمته أو مثله لانه مستحق بعد تسليمه مع بقاء سبب الاستحقاق فوجب الرجوع بمثله أو قيمته كالمغصوب (فصل) فان كان الخلع باذن السيد تعلق العوض بذمته في قياس المذهب كما لو أذن لعبده في أن يستدين ويحتمل أن يتعلق برقبة الامة بناء على استئذانها باذن سيدها وإن خالعته على معين باذن السيد فيه ملكه وان أذن في قدر من المال فخالعت بأكثر منه فالزيادة في ذمتها وان أطلق الاذن اقتضي الخلع بالمسمى لها فان خالعت به أو بما دونه لزم السيد وان كان بأكثر منه تعلقت الزيادة بذمتها
كما لو عين لها قدرا فخالعت بأكثر منه وان كانت مأذونا لها في التجارة سلمت العوض بما في يدها (فصل) والحكم في المكاتبة كالحكم في الامة القن سواء لانها لا تملك التصرف فيما في يدها بتبرع وما لا حظ فيه وبذل المال في الخلع لا فائدة فيه من حيث تحصيل المال بل فيه ضرر بسقوط نفقتها وبعض مهرها ان كانت غير مدخول بها وإذا كان الخلع بغير اذن السيد فالعوض في ذمتها يتبعها به بعد العتق وان كان باذن السيد سلمته بما في يدها وان لم يكن في يدها شئ فهو على سيدها * (مسألة) * (وان خالعته المحجور عليها لم يصح الخلع ووقع طلاقه رجعيا أما المحجور عليها للفلس فيصح خالعها وبذلها للعوض)
لان لها ذمة يصح تصرفها فيها ويرجعع عليها بالعوض إذا أيسرت وفك الحجر عنها وليس له مطالبتها في حال حجرها كما لو استدانت منه أو باعها شيئا في ذمتها وأما المحجور عليها لسفه أو صغر أو جنون فلا يصح بذل العوض منها في الخلع لانه تصرف في المال وليس هي من أهله وسواء أذن فيه الولي أو لم يأذن لانه ليس له الاذن في التبرعات وهذا كالتبرع وفارق الامة لانها أهل للتصرف تصح منها الهبة وغيرها من التبرعات باذن سيدها وتفارق المفلسة لانها من أهل التصرف فان خالع المحجور عليها بلفظ يكون طلاقا فهو طلاق رجعي ولا يستحق عوضا وان لم يكن اللفظ مما يقع به الطلاق كان كالخلع بغير عوض.
ويحتمل أن لا يقع الخلع ههنا لانه انما رضي به بعوض ولم يحصل له ولا أمكن الرجوع ببذله * (مسألة) * (والخلع طلاق بائن الا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ والمفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في احدى الروايتين (والاخرى) هو طلاق بائن بكل حال) اختلفت الرواية عن أحمد في الخلع إذا لم ينو به الطلاق فروي عنه أنه فسخ اختاره أبو بكر وروي ذلك عن ابن عباس وطاوس وعكرمة واسحاق وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وروي عنه أنه طلقة بائنة بكل حال روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن وقبيصة وشريح ومجاهد وأبي سلمة بن عبد الرحمن والنخعي والزهري ومكحول وابن أبي نجيح ومالك والثوري الاوزاعي وأصحاب الرأي
وقد روي عن عثمان وعلي وابن مسعود لكن ضعف أحمد الحديث قال ليس لنا في الباب شئ أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى (الطلاق مرتان) ثم قال فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ثم قال (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فذكر تطليقتين والخلع وتطليقة بعدها فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا، ولانه فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكان فسخا كسائر الفسوخ، ووجه الرواية الثانية أنها بذلت العوض للفرقة والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ فوجب أن يكون طلاقا ولانه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها فكان طلاقا كغير الخلع، وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا انها طلقة فخالعها مرة حسبت طلقة فنقص بها عدد طلاقه وان خالعها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وان قلنا هو فسخ لم تحرم عليه وان خالعها مائة مرد، وهذا لخلاف فيما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه فأما ان بذلت العوض على فراقها فطلقها فهو طلاق لا اختلاف فيه وكذلك ان وقع بغير لفظ الطلاق مثل كنايات الطلاق أو لفظ الخلع أو المفاداة ونوى به الطلاق فهو طلاق أيضا لانه كناية نوى بها الطلاق فكانت طلاقا كما لو كان بغير عوض، وان لم ينو به الطلاق فهو الذي فيه الروايتان (فصل) والفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية فالصريح ثلاثة الفاظ: خالعتك لانه ثبت له
الفرق، والمفاداة لانه ورد به في القرآن بقوله سبحانه (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) وفسخت نكاحك لانه حقيقة فيه فإذا اتى بأحد هذه الالفاظ وقع من غير نية، وما عدا هذه مثل باريتك وأبنتك فهو كناية لان الخلع أحد نوعي الفرقة فكان له صريح وكناية كالطلاق وهذا قول الشافعي الا أن له في لفظ الفسخ وجهين فإذا طلبت وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته صح من غير نية لان دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه فأغنى من النية فيه، وان لم تكن دلالة حالة فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية سواء قلنا هو فسخ أو طلاق، ولا تقع الكناية الا بنية ممن يلفظ به منهما ككنايات الطلاق مع صريحه
(فصل) ولا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوج قال القاضي هذا الذي عليه شيوخنا البغداديون، وقد أومأ إليه احمد، وذهب أبو حفص العكبري وابن شهاب إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج للعوض وأفنى بذلك ابن شهاب بعكبر واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز واستفتى عليه من كان ببغداد من أصحابنا، فقال ابن شهاب المختلعة على وجهين مستبرئة ومفتدية فالمفتدية هي التي تقول لا أنا ولا أنت ولا أبرئك قسما وأنا أفدي نفسي منك فإذا قبل الفدية وأخذ المال انفسخ النكاح لان اسحاق بن منصور روى عن أحمد قال قلت لاحمد كيف الخلع؟ قال: إذا أخذ المال فهي فرقة، وقال ابراهيم النخعي أخذ المال تطليقة بائنة ونحو ذلك عن الحسن وعن علي رضي
الله عنه من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة لا رجعة فيها، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها ولا تزدد " ولم يستدع منه لفظا ولان دلالة الحال تغني عن اللفظ بدليل ما لو دفع ثوبه إلى قصار أو خياط معروفين بذلك فعملاه استحقا الاجر وان لم يشترطا عوضا ولنا أن هذا أحد نوعي الخلع فلم يصح بدون لفظ كما لو سألته أن لا يطلقها بعوض ولانه تصرف في البضع بعوض فلم يصح بدون اللفظ كالنكاح والطلاق ولان أخذ المال قبض بعوض فلم يقم بمجرده مقام الايجاب كقبض أحد العوضين في البيع ولان الخلع ان كان طلاقا فلا يقع بدون صريحه أو كنايته وان كان فسخا فهو أحد طرفي عقد النكاح، فيعتبر فيه اللفظ كابتداء العقد، فأما حديث جميلة فقد رواه البخاري " أقبل الحديقة وطلقها تطليقة " وهذا صريح في اعتبار اللفظ، وفي رواية فأمره ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فانما اقتصر على بعض القصة بدليل رواية من روى الفرقة والطلاق فان القصة واحدة والزيادة من الثقة مقبولة ويدل على ذلك أنه قال ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما وقال " خذ ما أعطيتها " فجعل التفريق قبولا لعوض ونسب التفريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشر التفريق فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ولعل الراوي استغنى بذكر العوض عن ذكر اللفظ لانه معلوم منه وعلى هذا يحمل كلام أحمد وغيره من الائمة ولذلك لم يذكروا من جانبها لفظا ولا دلالة حال ولابد منه اتفاقا.
* (مسألة) * (ولا يقع بالعدة من الخلع طلاق ولو واجهها به) وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن والشعبي ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين دون الكناية والطلاق المرسل وهو أنه يقول كل امرأة لي طالق وروي ذلك عن سعيد ابن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد والثوري لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة " ولنا أنه قول ابن عباس وابن الزبير ولا يعرف لها مخالف في عصرهما ولانها لا تحل له إلا بنكاح جديد فلم يلحقها طلاقه كالمطلقة قبل الدخول والمنقضية عدتها ولانه لا يملك بضعها فلم يلحق طلاقه كالاجنبية ولانها لا يقع بها الطلاق المرسل ولا تطلق بالكناية فلم يلحقها الصريح كما قبل الدخول ولا فرق بين أن يواجهها به فيقول أنت طالق أو لا يواجهها به مثل أن يقول فلانة طالق وحديثهم لا يعرف له أصل ولا ذكره أهل السنن (فصل) ولا يثبت في الخلع رجعة سواء قلنا هو فسخ أو طلاق في قول أكثر أهل العلم منهم الحسن وعطاء وطاوس والنخعي والثوري والاوزاعي ومالك والشافعي واسحاق وحكي عن الزهري وسعيد بن المسيب أنهما قالا الزوج بالخيار بين إمساكه العوض ولا رجعة له وبين رده وله الرجعة
وقال أبو ثور ان كان الخلع بلفظ الطلاق فله الرجعة لان الرجعة من حقوق الطلاق فلا تسقط بالعوض كالولاء مع العتق وأما قوله سبحانه وتعالى (فيما افتدت) وإنما يكون فداء إذا خرجت عن قبضته وسلطانه وإذا كانت له الرجعة فهي تحت حكمه ولان القصد إزالة الضرر عن المرأة فلو جاز ارتجاعها لعاد الضرر وفارق الولاء فان العتق لا ينفك منه والطلاق ينفك عن الرجعة فيما قبل الدخول وإذا أكمل العدد * (مسألة) * (وان شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض)
إذا شرط في الخلع الرجعة فقال ابن حامد يبطل الشرط ويصح الخلع، وهو قول أبي حنيفة واحدى الروايتين عن مالك لان الخلع لا يفسد بكون عوضه فاسدا فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ولانه لفظ يقتضي البينونة فإذا شرط الرجعة معه بطل الشرط كالطلاق الثلاث (والوجه الثاني) يصح ويبطل العوض فتثبت الرجعة وهو منصوص الشافعي لان شرط العوض والرجعة يتنافيان فإذا شرطاهما سقطا وبقي مجرد الطلاق فتثبت الرجعة بالاصل لا بالشرط ولانه شرط في العقد ما ينافي مقتضاه فأبطله، كما لو شرط أن لا يتصرف في المبيع، وإذا حكمنا بالصحة فقال القاضي يسقط المسمى في العوض لا به لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط فإذا سقط الشرط وجب ضم النقصان الذي نقصه من أجله إليه فيصير مجهولا فيسقط ويجب المسمى في العقد، ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع لانهما تراضيا به عوضا فلم يجب غيره كما لو خلا عن شرط الرجعة
(فصل) نقل مهنا في رجل قالت له امرأته اجعل أمري بيدي فأعطيك عبدي هذا فقبض العبد وجعل أمرها بيدها وباع العبد قبل أن تقول المرأة شيئا هو له انما قالت اجعل أمري بيدي وأعطيك فقيل له متى شاءت تختار؟ قال نعم ما لم يطأها أو ينقض فجعل له الرجوع ما لم تطلق وإذا رجع فينبغي أن ترجع عليه بالعوض لانه استرجع ما جعل لها فتسترجع منه ما أعطته، ولو قال إذا جاء رأس الشهر فامرك بيدك ملك ابطال هذه الصفة لان هذا يجوز الرجوع فيه لو لم يكن معلقا فمع التعليق أولى كالوكالة، قال أحمد ولو جعلت له امرأته الف درهم على أن يخيرها فاختارت الزوج لا يرد عليها شيئا، ووجهه أن الالف في مقابلة تمليكه اياها الخيار وقد فعل فاستحق الالف وليس الالف في مقابلة الفرقة (فصل) إذا قالت امرأته طلقني بدينار فطلقها ثم ارتدت لزمها الدينار ووقع الطلاق بائنا ولا تؤثر الردة لانها وجدت بعد البينونة، وإن طلقها بعد ردتها قبل دخوله بها بانت بالردة ولم يقع الطلاق لانه صادفها بائنا، فان كان بعد الدخول وقلنا ان الردة ينفسخ بها النكاح في الحال فكذلك، وإن قلنا تقف على القضاء العدة كان الطلاق مراعى فان أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا أنها لم تكن زوجة حين طلقها فلم يقع ولا شئ له عليها، وإن عادت إلى الاسلام تبينا ان الطلاق صادف زوجة فوقع
واستحق عليها العوض * (فصل) * قال الشيخ رحمه الله (ولا يصح الخلع إلا بعوض في إحدى الروايتين فان خالعها بغير
أعوض لم يقع إلا أن يكون طلاقا فيقع رجعيا، والاخرى يصح بغير عوض اختارها الخرقي اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة فروى عنه ابنه عبد الله قال: قلت لابي رجل علقت به امراته تقول اخلعني قال قد خلعتك؟ قال يتزوج بها ويجدد نكاحا جديدا وتكون عنده على شئ فظاهر هذا صحة الخلع بغير عوض وهو قول مالك لانه قطع للنكاح فصح من غير عوض كالطلاق، ولان الاصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها أو حاجة إلى فراقه فتسأله فراقها فإذا أجابها حصل المقصود من الخلع فيصح كما لو كان بعوض، قال أبو بكر لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء فإذا كان من قبل الرجال فلا نزاع في انه طلاق يملك به الرجعة ولا يكون فسخا (والرواية الثانية) لا يكون خلع الا بعوض روى عنه مهنا إذا قال لها اخلعي نفسك فقالت خلعت نفسي لم يكن خلعا إلا على شئ إلا أن يكون نوى الطلاق فيكون ما نوى، فعلى هذه الرواية لا يصح الخلع إلا بعوض فان تلفظ به بغير عوض ونوى الطلاق كان طلاقا رجعيا لانه يصلح كناية عن الطلاق، وان لم ينو به الطلاق لم يكن شيئا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لان الخلع كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ولذلك لو قال فسخت النكاح ولم ينو به الطلاق لم يقع شئ بخلاف ما إذا دخله العوض فانه يصير معاوضة فلا يجتمع له العوض والمعوض، وإن قلنا الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقا وانما هو كناية والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية أو بذل العوض فيقوم مقام
النية وما وجد احد منهما، ثم إن وقع الطلاق فإذا لم يكن بعوض لم يقتض البينونة إلا أن يكمل الثلاث (فصل) فان قالت بعنى عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان ببعا وخلعا بعوض واحد لانهما عقدان يصح افراد كل واحد منهما بعوض فصح جمعهما كبيع ثوبين وقد نص احمد على الجمع بين بيع وصرف انه يصح وهذا نظير لهذا
وذكر أصحابنا فيه وجها آخر انه لا يصح لان أحكام العقدين تختلف والاول أصح لما ذكرنا وللشافعي قولان أيضا، فعلى قولنا يتقسط الالف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى وعوض العبد ما يخص قيمته حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك، وإن وجدته حرا أو مغصوبا رجعت به لان له عوضه، وإن كان مكان العبد شقص مشفوع ثبتت فيه الشفعة ويأخذه الشفيع حصة قيمته من الالف لانها عوضه * (مسألة) * (ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فان فعل كره وصح، وقال أبو بكر لا يجوز وبترك الزيادة) إذا تراضيا على الخلع بشئ صح وإن كان أكثر من الصداق وهذا قول أكثر أهل العلم.
روي ذلك عن عثمان وابن عمر وابن عباس وعكرمة ومجاهد وقبيصة بن ذؤيب والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا لو اختلعت امرأة من زوجها بميراثها
وعقاص رأسها كان ذلك جائزا، وقال عطاء وطاوس والزهري وعمرو بن شعيب لا يأخذ أكثر مما أعطاها، وروي ذلك عن علي باسناد منقطع واختاره أبو بكر فان فعل رد الزيادة.
وعن سعيد بن المسيب قال: ما أرى ان يأخذ كل مالها ولكن ليدع لها شيئا، واحتجوا بما روي أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكن أكره الكفر في الاسلام لا أطيقه بغضا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " أتردين عليه حديقته؟ " قالت نعم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد.
رواه ابن ماجه، ولانه بدل في مقابلة فسخ فلم يزد على قدره في ابتداء العقد كالعوض في الاقالة.
ولنا قول الله تعالى (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ولانه قول من سمينا من الصحابة قالت الربيع بنت معوذ اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك علي رضي الله عنه ومثل هذا اشتهر ولم ينكر فيكون اجماعا ولم يصح عن علي خلافه.
إذا ثبت هذا فانه لا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وبذلك قال سعيد بن المسيب والحسن والشعبي والحكم وحماد واسحاق وابو عبيد
وإن فعل جاز مع الكراهة ولم يكرهه أبو حنيفة ومالك والشافعي، قال مالك لم أزل أسمع اجازة الفداء بأكثر من الصداق
ولنا حديث جميلة وروي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها.
رواه أبو حفص باسناده وهو صريح في الحكم فنجمع بين الآية والخبر فنقول الآية دالة على الجواز والنهي عن الزيادة للكراهة * (مسألة) * (وان خالعها على محرم كالخمر والحر فهو كالخلع بغير عوض إذا علما تحريمه) ولا يستحق شيئا وبه قال مالك وابو حنيفة وقال الشافعي له عليها مهر المثل لانه معاوضة بالبضع فإذا كان العوض محرما وجب مهر المثل كالنكاح ولنا أن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم على ما أسلفنا فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شئ كما لو طلقها أو علق طلاقها على فعل شئ ففعلته، وفارق النكاح فان دخول البضع في ملك الزوج متقوم ولا يلزم إذا خلعها على عبد فبان حرا لانه لم يرض بغير عوض متقوم فيرجع بحكم الغرور وههنا رضي بما لا قيمة له.
إذا تقرر هذا فان كان الخلع بلفظ الطلاق فهو طلاق رجعي لانه خلا عن عوض، وإن كان بلفظ الخلع ولم ينو كنايات الخلع فكذلك إذا نوى الطلاق ولان الكناية مع النية كالصريح، وان كان بلفظ الخلع ولم ينو الطلاق انبنى على أصل هو انه هل يصح الخلع بغير عوض؟ وفيه روايتان، فان قلنا يصح صح ههنا، وان قلنا لا يصح لم يصح ولم يقع شئ، فان قال ان أعطيتني خمرا أو ميتتة فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت ولا شئ عليها وعند الشافعي عليها مهر المثل كقوله في التي قبلها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: