الفقه الحنبلي - مناسك الحج9
(مسألة) (فان أحرم من الحرم لم يجز وينعقد وعليه دم) وذلك لتركه الاحرام من الميقات، فان خرج قبل الطواف ثم عاد اجزأه لانه قد جمع بين الحل والحرم، وإن لم يخرج حتى قضى عمرته صح أيضا لانه قد أتى باركانها،
وانما أخل بالاحرام من ميقاتها وقد جبره فأشبه من أحرم دون الميقات بالحج وهذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي (والقول الثاني) لا تصح عمرته
لانه نسك فكان من شرطه الجمع بين الحل والحرم كالحج فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه وهو باق على احرامه حتى يخرج إلى الحل ثم يطوف بعد ذلك ويسعى، وان حلق قبل ذلك فعليه دم، وكذلك كل ما فعله من محظورات احرامه عليه فدية، وإن وطئ أفسد عمرته ويمضي في فاسده وعليه دم لا فسادها ويقضيها بعمرة من الحل، فان كانت العمرة التي أفسدها عمرة الاسلام اجزأه قضاؤها عن عمرة الاسلام وإلا فلا (مسألة) (ثم يطوف ويسعى ثم يحلق أو يقصر، ثم قد حل) لان هذا أفعال العمرة فحل بفعلها كحله من الحج بأفعاله وهل يحل قبل الحلق والتقصير؟ على روايتين أصلهما هل الحلق والتقصير نسك أو ليس بنسك؟ فان قلنا انه نسك لم يحل قبله كالرمي، وإن قلنا ليس بنسك، بل اطلاق من محظور حل قبله كاللبس والطيب وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج وهذا مقاس عليه (مسألة) (وتجزئ عمرة القارن والعمرة من التنعيم عن عمرة الاسلام في أصح الروايتين) لا نعلم في اجزاء عمرة المتمتع خلافا كذلك قال ابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، وروي عن أحمد أن عمرة القارن لاتجزئ اختاره أبو بكر لان النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة
رضي الله عنها حين حاضت من التنعيم، ولو كانت عمرتها في قرانها اجزأتها " أعمرها بعدها، ولانها ليست عمرة تامة لانه لا طواف لها؟ وعنه أن العمرة من أدنى الحل لا تجزئ عن العمرة الواجبة قال انما هي من أربعة أميال وثوابها على قدر تعبها، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: والله
ما كانت عمرة انما كانت زيارة، وإذا لم تكن تامة لم تجزئ لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) قال علي رضي الله عنه: اتمامهما أن تأتي بهما من دويرة أهلك ووجه الاولى قول الضبي بن معبد اني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما، فقال عمر رضي الله عنه هديت لسنة نبيك، وحديث عائشة حين قرنت الحج والعمرة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم حين حلت منهما " قد حللت من حجك وعمرتك " وانما أعمرها من التنعيم قصدا لتطييب قلبها واحابة مسألتها لا لانها كانت واجبة عليها، ثم إن لم تكن اجزأتها عمرة القران فقد اجزأتها العمرة من أدنى الحل وهي أحد ما قصدنا الدلالة عليه، ولان الواجب عمرة واحدة وقد أتى بها صحيحة فاجزأته كعمرة المتمتع، ولان عمرة القارن أحد النسكين للقارن فاجزأت كالحج، ولان الحج من مكة يجزئ في حق المتمتع فالعمرة من أدنى الحل في حق المفرد أولى، وإذا كان الطوا ف المجرد يجزئ عن العمرة في حق المكي فلان تجزئ العمرة المشتملة على الطوا ف وغيره أولى (مسألة) (ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارا) روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاوس وعكرمة والشافعي، وكره العمرة في السنة مرتين الحسن وابن سيرين ومالك، قال النخعي ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله
ولنا أن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة مع قرانها وعمرة بعد حجها، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال " العرمة إلى العمرة كفارة لما بينهما " متفق عيه، وقال علي رضي الله عنه في كل شهر مرة، وكان أنس إذا حمم رأسه خرج فاعتمر رواهما الشافعي في مسنده، وقال عكرمة يعتمر
إذا مكن الموسى من شعره، وقال عطاء إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين، فأما الاكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه، وكذلك قال أحمد إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس، فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام، وقال في رواية الاثرم إن شاء اعتمر في كل سنة، وقال بعض أصحابنا يستحب الاكثار من الاعتمار كالطواف.
قال شيخنا رحمه الله وأحوال السلف وأقوالهم على ما قلناه، ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم تنقل عنه الموالاة بينهما، وانما نقل عن السلف انكار ذلك والحق في اتباعهم، قال طاوس الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أم يعذبون، قيل له فلم يعذبون؟ قال لانه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة اميال ويجئ، وإلى أن يجئ من أربعة أميال قد طاف مائة طواف وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شئ (فصل) روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عمرة في رمضان تعدل حجة " متفق عليه، قال أحمد من أدرك يوما من رمضان فقد أدرك عمرة رمضان وقال اسحاق معنى
هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن " وقال أنس رضي الله عنه حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة وحدة واعتمر أربع عمر: واحدة في ذي القعدة وعمرة الحديبية، وعمرة مع حجته، وعمرة الجعرانه إذا قسم غنائم حنين.
متفق عليه، وقال أحمد حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال وروي عن مجاهد أنه قال حج قبل ذلك حجة أخرى وما هو يثبت عندي وروي عن جابر رضي الله عنه قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر وهذا حديث غريب (فصل) وروي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تابعوا بين الحج والعمرة فانها ينفيان العقر والذنوب كما ينفي الكبر خبث الحديث والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة
ثواب إلا الجنة " قال الترمذي حسن صحيح، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أتي
هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه ولدته أمه " متفق عليه (فصل) قال رضي الله عنه (أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة، وعنه أنها أربعة الوقوف والطواف والاحرام والسعي، وعنه أنها ثلاثة وأن السعي سنة، واختار القاضي أنه واجب وليس بركن) الوقوف بعرفة ركن لا يتم الحج إلا به اجماعا، وقد روى الثوري عن بكير بن عطاء الليثي عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا يارسول
الله: كيف الحج؟ قال " الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه " رواه أبو داود، قال محمد بن يحيي ما أري للثوي حديثا أشرف منه.
وطواف الزيارة أيضا ركن للحج لا يتم إلا به، قال ابن عبد البر هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء لقول الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) (فصل) واختلفت الرواية في الاحرام والسعي، فروي عنه أن الاحرام ركن لانه عبارة عن نية الدخول في الحج فلم يتم بدونها لقوله عليه السلام " انما الاعمال بالنيات " وكسائر العبادات،
وعنه أنه ليس بركن لحديث الثوري الذي ذكرناه، وأما السعي فروي عنه أنه ركن لايتم الحج إلا به وهو قول عائشة وعروة ومالك والشافعي لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون يعني بين الصفا والمروة فكانت سنة فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمرة.
رواه مسلم، وعن حبيبة بنت أبي تجراة احدى نساء بني عبد الدار قالت: دخلت مع نسوة من قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة وإن مئزره ليدور في وسطه من شدة سعيه حتى إنى أقول اني لارى ركبتيه وسمعته يقول " اسعوا فان الله كتب عليكم السعي " رواه ابن ماجه، ولانه نسك في الحج والعمرة فكان ركنا فيها كالطواف بالبيت وعن أحمد أنه سنة لا دم في تركه، روي ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير وابن سيرين لقول الله تعالى (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ونفى الحرج عن فاعله دليل على عدم وجوبه فان هذا رتبة
المباح، وانما تثبت سنته بقوله (من شعائر الله) وروي أن في مصحف أبي وابن مسعود (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) وهذا إن لم يكن قرآنا فلا ينحط عن رتبة الخبر لانهما يرويانه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولانه نسك معدود لا يتعلق بالبيت فلم يكن ركنا كالرمي، واختار القاضي أنه واجب وليس ركن لكن يجب بتركه دم وهو قول الحسن وأبي حنيفة والثوري وهذا أولى لان دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب لاعلى أنه لايتم إلا به، وقول عائشة في ذلك معارض بقول من خالفها من الصحابة، وحديث بنت أبي تجراة يرويه عبد الله
ابن المؤمل وقد تكلموا في حديثه ثم هو يدل على أنه مكتوب وهو الواجب، فاما الآية فانما نزلت لما تحرج ناس من السعي في الاسلام لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية لاجل صنمين كانا على الصفا والمروة كذلك قالت عائشة وهذا أوسط الاقوال وهو اختيار شيخنا (مسألة) (وواجباته سبعة: الاحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة إلى بعد نصف الليل، والمبيت بمنى، والرمي والحلق أو التقصير، وطواف الوداع) وفي ذلك اختلاف ذكرناه فيما منضى وذكرنا الدليل عليه وما عدا هذا سنن وهو الاغتسال وطواف القدوم، والرمل والاضطباع، واستلام الركنين وتقبيل الحجر والاسرع والمشي في مواضعها
والخطب والاذكار والدعاء والصعود على الصفا والمروة، وسائر ما ذكرناه غير الاركان والواجبات وأركان العمرة الطواف قياسا على الحج، وفي الاحرام والسعي روايتان على ما ذكرنا في الحج واجبها الحلق أو التقصير في احدى الروايتين بناء على الحلق في الحج وسنتها الغسل والدعاء والذكر والسنن التي في الطواف، فمن ترك ركنا لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجبا فعليه دم، وقد ذكرنا ذلك في مواضعه مفصلا، ومن ترك سنة فلا شئ عليه لانها ليست واجبة فلم يجب جبرها كسنن سائر العبادات والله تعالى أعلم
(باب الفوات والاحصار) (مسألة) (ومن طلع عليه الفجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج ويتحلل بطواف وسعي وعنه ينقلب احرامه لعمرة ولا قضاء عليه إلا أن يكون فرضا وعنه عليه القضاء) الكلام في هذه المسألة في ثلاثة أمور (أولها) إن أخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافا، قال جابر رضي الله عنه لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع، قال أبو الزبير فقلت له أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال نعم رواه الاثرم؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه " يدل على فواته بخروج ليلة جمع (الثاني) أن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلق هذا الصحيح من المذهب، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وقال ابن أبي موسى في المسألة روايتان
(احداهما) كما ذكرنا (والثانية) يمضي في حج فاسد وهو قول المزني قال يلزمه أفعال الحج لان سقوط ما فات وقته لايمنع وجوب ما لم يفت ولنا قول من سمينا من الصحابة ولم نعرف له مخالفا فكان اجماعا، وروي الشافعي في مسنده أن عمر رضي الله عنه قال لابي أيوب حين فاته الحج اصنع مايصنع المعتمر ثم قد حللت فان أدركت الحج قابلا فحج واهد ما استيسر من الهدي، وروى النجاد باسناده عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من فاته الحج فعليه دم وليجعلها عمرة وليحج من قابل " ولانه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات فمع الفوات أولى إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أنه يجعل احرامه بعمرة وقد نص عليه أحمد واختاره أبو بكر وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعطاء وأصحاب الرأي، وعنه لا يصير احرامه بعمرة، بل يتحلل بطواف وسعي وحلق وهو مذهب مالك والشافعي لان احرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى
الآخر كما لو أحرم بالعمرة، ويحتمل أن من قال يجعل احرامه بعمرة أراد أنه يفعل فعل المعتمر من الطواف والسعي فلا يكون بين القولين خلاف، ويحتمل أنه يصير احرامه بحج احراما بعمرة بحيث تجزئه عن عمرة الاسلام إن لم يكن اعتمر، ولو أدخل الحج عليها لصار قارنا إلا أنه لا يمكنه الحج بذلك الاحرام إلا أنه يصير محرما به في غير أشهره فيكون كمن أحرم بالحج في غير أشهره، ولان قلب الحج إلى العمرة يجوز من غير سبب على ما قررناه في فسخ الحج فمع الحاجة أولى، ويخرج على هذا قلب العمرة إلى الحج فانه لا يجوز، ولان العمرة لا يفوت وقتها ولا حاجة إلى انقلاب احرامها بخلاف الحج (الامر الثالث) في وجوب القضاء وفيه روايتان (احداهما) يجب سواء كان الفائت واجبا أو تطوعا اختاره الخرقي، ويروى ذلك عن عمر وابنه وزيد وابن عباس وابن الزبير ومروان وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي (والثانية) لاقضاء عليه، بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق وتسقط إن كانت نفلا، روي هذا عن عطاء وهو احدى الروايتين عن مالك لان النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة قال مرة واحدة
ولو أوجبنا القضاء كان أكثر من مرة، ولانه معذور في ترك اتمام حجه فلم يلزمه القضاء كالمحصر، ولانها عبادة تطوع فلم يجب قضاؤها إذا فاتت كسائر التطوعات ووجه الاولى ما ذكرناه من الحديث واجماع الصحابة، وروى الدارقطي باسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فاته عرفات فقد فاته الحج فليتحلل بعمرة وعليه الحج من قابل " ولان الحج يلزمه بالشروع فيه فيصير كالمنذور بخلاف سائر التطوعات، وأما الحديث فانه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذه انما تجب بايجابه لها بالشروع فيها فهي كالمنذور، وأما المحصر فانه غير منسوب إليه التفريط بخلاف من فاته الحج على أن في المحصر رواية أنه يجب عليه القضاء فهو كمسئلتنا، وإذا قضى اجزأه القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم فيه خلافا لان الحجة المقضية لو تمت لاجزأت عن الواجبة عليه فكذلك قضاؤها لان القضاء يقوم مقام الاداء
(مسألة) (وهل يلزمه هدي؟ على روايتين (احداهما) عليه هدي يذبحه في حجة القضاء إن
قلنا عليه قضاء وإلا ذبحه في عامه) يجب الهدي على من فاته الحج في أصح الروايتين وهو قول من سمينا من الصحابة والفقهاء إلا أصحاب الرأي فانهم قالوا لاهدي عليه وهي الرواية الثانية عن أحمد لانه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي لزم المحصر هديان للفوات والاحصار ولنا حديث عطاء واجماع الصحابة ولانه حل من احرامه قبل اتمامه فلزمه هدي كالمحصر والمحصر لم يفت حجه لانه يحل قبل فواته، إذا ثبت هذا فانه يخرج الهدي في سنة القضاء إن قلنا بوجوبه وإلا أخرجه في عامه، وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره ولا يجزئه إن قلنا بوجوب القضاء، بل عليه في السنة الثانية هدي أيضا نص عليه أحمد لما روى الاثرم باسناده أن هبار بن الاسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر ما حبسك؟ قال حسبت أن اليوم يوم عرفة، قال فانطلق إلى البيت فطف به سبعا وإن كان معك هدية فانحرها، ثم إذا كان عام قابل فاحجج فان وجدت سعة فأهد، فان لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله.
والهدي ما استيسر مثل هدي المتعة لحديث عمر رضي الله عنه، والمتمتع والمفرد والقارن والكي وغيره سواء فيما ذكرنا
(فصل) فان اختار من فاته الحج البقاء على احرامه للحج من قابل فله ذلك، روي ذلك عن مالك لان تطاول المدة بين الاحرام وفعل النسك لا تمنع اتمامه كالعمرة والمحرم بالحج في غير أشهره ويحتمل أنه ليس له ذلك وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر، ورواية عن مالك الظاهر الخبر وقول الصحابة، ولكون احرام الحج يصير في غير أشهره فصار كالمحرم بالعبادة قبل وقتها (فصل) فان كان الذي فاته الحج قارنا حل وعليه مثل ما أهل به من قابل نص عليه أحمد وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور واسحاق ويحتمل أن يجزئه ما فعله عن عمرة الاسلام ولا يلزمه إلا قضاء الحج لانه لم يفته غيره، وقال الثوري وأصحاب الرأي يطوف ويسعي لعمرته ثم لا يحل حتى يطوف
ويسعى لحجه إلا أن سفيان قال ويهريق دما، ووجه الاول أنه يجب القضاء على حسب الاداء في صورته ومعنا فيجب أن يكون ههنا كذلك ويلزمه هديان لقرانه وفواته، وبه قال مالك والشافعي وقيل يلزمه هدي ثالث للقضاء وليس بشئ فان القضاء لا يجب له شئ، وانما الهدي الذي في سنة القضاء للفوات، ولذلك لم يأمره الصحابة بأكثر من هدي واحد والله تعالى أعلم (مسألة) (وإن أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم، وإن أخطأ بعضهم فقد فاته الحج) إذا أخطأ الناس فوقفوا في غير يوم عرفة ظنا منهم أنه يوم عرفة أجزأهم لما روى الدارقطبي باسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن جابر بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه " وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يوم فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون " رواه الدار قطني وغيره، ولانه لا يؤمن مثل ذلك في القضاء، فان اختلفوا فأصاب بعض وأخطأ بعض لم يجز من أخطأ لانهم غير معذورين في ذلك وقد ذكرنا حديث هبار حين قال لعمر ظننت أن اليوم يوم عرفة فلم يعذر بذلك (فصل) فان كان عبدا لم يلزمه الهدي لانه عاجز عنه بكونه لامال له فهو كالمعسر ويجب عليه الصوم بدل الهدي، فان أذن له سيده في الهدي لم يكن له أن يهدي في ظاهر كلام الخرقي ولا يجزئه إلا الصيام هذا قول الثوري وأصحاب الرأي والشافعي حكاه ابن المنذر عنهم في الصيد وعلى قياس
هذا كل دم لزمه في الاحرام لا يجزئه عند إلا الصيام، وقال غير الخرقي من أصحابنا إن ملكه السيد هديا وأذن له في ذبحه خرج على الروايتين في ملك العبد بالتمليك، فان قلنا يملك لزمه الهدي وأجزأ عنه لانه قادر عليه مالك له أشبه الحر وإن قلنا لا يملك لم يجزئه إلا الصيام لانه ليس بمالك ولا سبيل له إلها الملك فهو كالمعسر، وإذا صام فانه يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما ذكره الخرقي، وينبغي أن يخرج فيه من الخلاف ما ذكرناه في الصيد، فان بقي من قيمتها دون المد صام عنه يوما لان الصوم لا يتبعض فيجب تكملته (قال شيخنا) والاولى أن يكون الواجب من الصوم عشرة أيام كصوم المتعة
كما جاء في حديث عمر أنه قال لهبار بن الاسود فان وجدت سعة فاهد، فان لم تجد سعة فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله، وروى الشافعي عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك وأحمد ذهب إلى حديث عمر رضي الله عنه واحتج به، ولانه صوم وجب لحله من احرامه قبل اتمامه فكان عشرة أيام كصوم المحصر والمعسر في الصوم كالعبد، ولذلك قال عمر رضي الله عنه لهبار إن وجدت سعة فاهد، وإن لم تجد فصم.
ويعتبر اليسار والاعسار في زمن الوجوب وهو في سنة القضاء إن قلنا بوجوبه، أو في سنة الفوات ان قلنا لا يجب القضاء، وقال الخرقي في العبد ثم يقصر ويحل
يريد أن العبد لا يحلق لان الحلق يزيل الشعر الذي يزيد في قيمته وماليته وهو ملك لسيده ولم يتعين ازالته فلم يكن له ذلك كغير حالة الاحرام فان أذن له سيده فيه جاز لان المنع منه لحقه (مسألة) (ومن أحرم فحصره عدو ولم يكن له طريق إلى الحج نحر هديا في موضعه رحل) لا خلاف بين أهل العلم أن المحصر إذا حصره عدو ومنعوه الوصول إلى البيت ولم يجد طريقا آمنا أن له التحلل مشركا كان العدو أو مسلما لقوله تعالى (فان أحصرتم فما استيسر من الهدي) ولان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين حصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا، وسواء كان الاحرام بحج أو عمرة أو بهما، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، وحكي عن مالك أن المعتمر لا يتحلل لانه لا يخاف الفوات ولا يصح ذلك لان الآية انما نزلت في حصر الحديبية، وانما كانوا محرمين بعمرة فحلقوا جميعا.
وعلى من تحلل بالاحصار الهدي في قول الاكثرين، وعن مالك ليس عليه هدي لانه
تحلل أبيح له من غير تفريط أشبه من أتم حجه.
ولنا قوله تعالى (فان أحصرتم فما استيسر من الهدي) قال الشافعي لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، ولانه أبيح له التحلل قبل اتمام نسكه أشبه من فاته الحج وبهذا فارق من أتم حجه (فصل) ولا فرق بين الحصر العام في حق كل الحاج وبين الخاص في حق شخص واحد مثل
أن يجلس بغير حق أو تأخذه اللصوص لعموم النص ووجود المعنى في الكل، فأما من حبس بحق عليه يمكنه الخروج منه فلا يجوز له التحلل في الحبس، فان كان عاجزا عن أدائه فحبس بغير حق فله التحلل كمن ذكرناه، وإن كان عليه دين مؤجل يحل قبل قدوم الحاج فمنعه صاحبه من الحج فله التحلل لانه معذور، ولو أحرم العبد بغير اذن سيده أو المرأة للتطوع بغير اذن زوجها فلهما منعهما وحكمهما حكم المحصر
(فصل) فان أمكن المحصر الوصول من طريق أخرى لم يبح له التحلل ولزمه سلوكها بعد أو قرب، خشي الفوات أو لم يخشه، فان كان محرما بعمرة لم تفت، وإن كان بحج ففاته تحلل بعمرة وكذا لو لم يتحلل المحصر حتى زال الحصر لزمه السعي وإن كان بعد فوات الحج ليتحلل بعمرة، ثم هل يلزمه القضاء ان فاته الحج فيه روايتان (احداهما) يلزمه كمن فاته بخطأ الطريق (والثانية) لا يجب لان سبب الفوات الحصر أشبه من لم يجد طريقا أخرى وبهذا فارق المخطئ (فصل) وإذا كان العدو الذين حصروا الحاج مسلمين فأمكنه الانصراف كان أولى من قتالهم لان في قتالهم المخاطرة بالنفس والمال وقتل مسلم فكان تركه أولى ويجوز قتالهم لانهم تعدوا على المسلمين لمنعهم طريقهم فأشبهوا سائر قطاع الطريق، وإن كانوا مشركين لم يجب قتالهم لانه انما يجب بأحد أمرين إذا بدأوا بالقتال أو وقع النفير فاحتيج إلى مدد وليس ههنا واحد منهما، لكن ان غلب على ظن المسلمين الظفر استحب قتالهم لما فيه من الجهاد وحصول النصر واتمام النسك، وإن كان
بالعكس فالاولى الانصراف لئلا يغرروا بالمسلمين، ومتى احتاجوا في القتال إلى لبس ما تجب في الفدية فلهم فعله وعليهم الفدية لان لبسهم لاجل أنفسهم فأشبه مالو لبسوا للاستدفاء من برد، فان أذن لهم العدو في العبور فلم يثقوا بهم فلهم الانصراف لانهم خائفون على أنفسهم فكأنهم لم يؤمنوهم وإن وثقوا بأمانهم وكانوا معروفين بالوفاء لزمهم المضي على احرامهم لانه قد زال حصرهم، ان طلب العدو خفارة على تخلية الطريق وكان ممن لا يؤمن بأمانه لم يلزمهم بذله لان الخوف باق مع البذل، وان
كان موثوقا بأمانه والخفارة كثيرة لم يجب بذله، بل يكره ان كان العدو كافرا لان فيه صغارا وتقوية للكافر، وان كانت يسيرة فقياس المذهب وجوب بذله كالزيادة في ثمن الماء للوضوء.
وقال بعض أصحابنا: لا يجب بذل خفارة بحال وله التحلل كما في ابتداء الحج لا يلزمه إذا لم يجد طريقا امنا من غير خفارة (مسألة) متى قدر المحصر على الهدي فليس له التحلل قبل ذبحه، فان كان معه هدي قد ساقه أجزأه، وان لم يكن معه لزمه شراؤه ان أمكنه ويجزئه أدنى الهدي وهو شاة أو سبع بدنة لقوله تعالى (فما استيسر من الهدي) وله نحره في موضع حصره من حل أو حرم نص عليه أحمد وهو قول مالك
والشافعي إلا أن يكون قادرا على أطراف الحرم ففيه وجهان (احدهما) يلزمه نحره فيه لان الحرم كله منحر وقد قدر عليه (والثاني) ينحره في موضعه لان النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه، وعن أحمد ليس للمحصر نحر هديه الا في الحرم ويواطئ رجلا على نحره في وقت يتحلل فيه، يروى هذا عن ابن مسعود فيمن لدغ في الطريق، وروي نحو ذلك عن الحسن والشعبي والنخعي وعطاء (قال شيخنا) وهذا والله أعلم فيمن كان حصره خاصا، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد لان ذلك يفضي إلى تعذر الحل لتعذر وصول الهدي إلى محله، ولان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية وهي من الحل، قال البخاري قال مالك وغيره إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا وحلوا من كل شئ قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه أمر أحدا أن يقضي شيئا ولا أن يعودوا له، ويروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند الشجرة التي كان تحتها بيعة الرضوان وهي من الحل باتفاق أهل السير وقد دل عليه قوله تعالى (والهدي معكوفا أن يبلغ محله) ولانه موضع حله فكان
موضع نحره كالحرم، فان قيل فقد قال الله تعالى (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) ولانه ذبح يتعلق بالاحرام فلم يجز في غير الحرم كدم الطيب واللبس، قلنا الآية في غير المحصر ولا يصح قياس المحصر عليه لان تحلل المحصر في الحل وتحلل غيره في الحرم
فكل واحد منهما ينحر في موضع تحلله، وقد قيل في قوله تعالى (حتى يبلغ الهدي محله) حتى يذبح وذبحه في حق المحصر في موضع حله اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وما قاسوا عليه ممنوع (فصل) وإذا أحصر المعتمر فله التحلل ونحر هديه وقت حصره لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه زمن الحديبية حلوا ونحروا هداياهم قبل يوم النحر وإن كان مفردا أو قارنا فكذلك في احدى الروايتين لانه أحد النسكين أشبه العمرة، ولان العمرة لا تفوت وجميع الزمان وقت لها، فإذا جاز الحل منها ونحر هديها من غير خشية فواتها فالحج الذي يخشى فواته أولى (والثانية) لا يحل ولا ينحر هديه إلى يوم النحر نص عليه في رواية الاثرم وحنبل لان للهدي محل زمان ومحل مكان، فإذا سقط محل المكان للعجز عنه بقي محل الزمان واجبا لامكانه، وإذا لم يجز له نحر الهدي قبل يوم النحر لم
يجز له التحلل لقوله سبحانه (ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله) وإذا قلنا بجواز التحلل قبل يوم النحر فالمستحب له الاقامة على احرامه رجاء زوال الحصر ومتى زال قبل تحلله فعليه المضي لاتمام نسكه بغير خلاف علمناه.
قال ابن المنذر قال كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من يئس أنى يصل إلى البيت فجاز له الحل فلم يحل حتى خلي سبيله أن عليه أن يقضي مناسكه وإن زال الحصر بعد فوات الحج تحلل بعمرة، فان فات الحج قبل زوال الحصر تحلل بهدي، وقد قيل إن عليه ههنا هديين: هدي للفوات وهدي للاحصار، ولم يذكر أحمد رحمه الله في رواية الاثرم هديا ثانيا في حق من لم يتحلل الا يوم النحر (مسألة) (فان لم يجد صام عشرة أيام ثم حل، ولو نوى التحلل قبل ذلك لم يحل) إذا عجز المحصر عن الهدي انتقل إلى صوم عشرة أيام ثم حل، وبه قال الشافعي في أحد قوليه وقال مالك وأبو حنيفة لا يدل له لانه لم يذكر في القرآن
ولنا أنه دم واجب للاحرام فكان له بدل كدم التمتع والطيب واللباس وترك النص عليه لا يمنع قياسه على غيره ويتعين الانتقال إلى صيام عشرة أيام كبدل هدي التمتع، وليس له أن يتحلل الابعد الصيام كما لا يتحلل واجد الهدي إلا بنحره وهل يلزمه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي والصيام؟ فيه
روايتان (احداهما) لا يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي لان الله تعالى ذكر الهدي وحده ولم يشرط سواه (والثانية) عليه الحلق أو التقصير لان النبي صلى الله عليه وسلم حلق يوم الحديبية وفعل في النسك دال على الوجوب ولعل هذا يبني على الخلاف في الحلق هل هو نسك أو اطلاق من محظور وفيه اختلاف ذكرناه فيما مضى (فصل) ولا يتحلل الا بالنية مع ما ذكرنا فيحصل الحل بشيئين: النحر الصوم مع النية على قولنا إن الحلاق ليس بنسك وان قلنا هو نسك حصل بثلاثة أشياء الحلاق مع ما ذكرنا، فان قيل فلم اعتبرتم النية ههنا ولم تعتبروها في غير المحصر قلنا لان من أتى بأفعال النسك فقد أتى بما عليه فيحل منها باكمالها فلم يحتج إلى نية بخلاف المحصر فانه يريد الخروج من العبادة قبل اكمالها فافتقر إلى قصده ولان الذبح قد يكون لغير الحل فلم يتخصص الا بقصده بخلاف الرمي فانه لا يكون الا للنسك فلم يحتج إلى قصد (فصل) فان نوى التحلل قبل الهدي أو الصيام لم يحل وكان على احرامه حتى ينجر الهدي أو
يصوم لانهما أقيما مقام أفعال الحج فلم يحل قبلهما كما لا يتحلل القادر على أفعال الحج قبلها وليس عليه في نية الحل فدية لانها لم تؤثر في العبادة، فان فعل شيئا من محظورات الاحرام قبل ذلك فعليه فديته كما لو فعل القادر ذلك قبل أفعال الحج (مسألة) (وفي وجوب القضاء على المحصور روايتان) (احداهما) لا قضاء عليه الا أن يكون واجبا فيفعله بالوجوب السابق هذا هو الصحيح من المذهب، وبه قال مالك والشافعي (والثانية) عليه القضاء روي ذلك عن مجاهد وعكرمة والشعبي، وبه قال أبو حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم لما تحلل زمن الحديبية قضى من قابل وسميت عمرة القضية، ولانه حل من احرامه قبل اتمامه فلزمه القضاء كما لو فاته الحج، ووجه الرواية الاولى أنه تطوع جاز التحلل
منه مع صلاح الوقت له فلم يجب قضاؤه كما لو دخل في الصوم يعتقد أنه واجب فلم يكن، فأما الخبر
فان الذين صدوا كانوا ألفا وأربعمائة، والذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا نفرا يسيرا ولم ينقل الينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا بالقضاء، وأما تسميتها عمرة القضية فانما يعني بها القضية التي اصطلحوا عليها واتفقوا عليها ولو أرادوا غير ذلك لقالوا عمرة القضاء، وفارق الفوات فانه مفرط بخلاف مسئلتنا (مسألة) (فان صد عن عرفة دون البيت تحلل بعمرة ولا شئ عليه) إذا تمكن من الوصول إلى البيت وصد عن عرفة فله أن يفسخ نية الحج ويجعله عمرة ولا هدي عليه لاننا أبحنا له ذلك من غير حصر فمع الحصر أولى، فان كان قد طاف وسعى للقدوم ثم أحصر أو مرض حتى فاته الحج تحلل بطواف وسعى آخر لان الاول لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها وليس عليه أن يجدد أحراما،
وبهذا قال الشافعي وأبو ثور وقال الزهري لابد أن يقف بعرفة، وقال محمد بن الحسن لا يكون محصرا بمكة، وروي عن أحمد رحمه الله لانه انما جاز له التحلل بعمرة في موضع يمكنه أن يحج من عامه فيصير متمتعا وهذا ممنوع من الحج ولا يمكنه أن يصير متمتعا فعلى هذا يقيم على احرامه حتى يفوته الحج ثم يتحلل بعمرة، فان فاته الحج فحكمه حكم من فاته بغير حصر، وقال مالك يخرج إلى الحل ويفعل ما يفعل المعتمر، فان أحب أن يستنيب من يتمم عنه أفعال الحج جاز في التطوع لانه جاز أن يستنيب في جملته فجاز في بعضه، ولا يجوز في حج الفرض الا أن ييأس من القدرة عليه في جميع العمر كما في الحج كله (فصل) فان أحصر عن البيت بعد الوقوف بعرفة فله التحلل لان الحصر يفسد التحلل من جميعه فأفاد التحلل من بعضه، وان كان ما حصر عنه ليس من أركان الحج كالرمي وطواف الوداع
والمبيت بمزدلفة أو بمنى في لياليها فليس له التحلل لان صحة الحج لا تقف على ذلك ويكون عليه دم لتركه ذلك وحجه صحيح كما لو تركه من غير حصر، وان حصر عن طواف الافاضة بعد رمي الجمرة فليس له ان يتحلل أيضا لان احرامه انما هو عن النساء، والشرع انما ورد بالتحلل عن الاحرام التام الذي يحرم جميع محظوراته فلا يثبت بما ليس مثله، ومتى زال الحصر أتى بالطواف وتم حجه (مسألة) وإذا تحلل المحصر من الحج فزال الحصر وأمكنه الحج لزمه ذلك ان كانت حجة
الاسلام أو كانت واجبة في الجملة أو قلنا بوجوب القضاء لان الحج يجب على الفور، فأما ان كانت تطوعا ولم نقل بوجوب القضاء فلا شئ عليه كمن لم يحرم (فصل) فان أحصر في حج فاسد فله التحلل لانه إذا ابيح له في الحج الصحيح فالفاسد بطريق
الاولى، فان حل ثم زال الحصر وفي الوقت سعة فله أن يقضي في ذلك العام وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد فيه الحج في غير هذه المسألة (مسألة) (ومن أحصر بمرض أو ذهاب نفقة لم يكن له التحلل في أحدى الروايتين) اختارها الخرقي روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس ومروان وبه قال مالك والشافعي واسحاق (والثانية) له التحلل بذلك، وروي نحوه عن ابن مسعود وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأصحاب الرأي لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى " رواه النسائي ولانه محصور فيدخل في عموم قوله (فان احصرتم فما استيسر من الهدي) يحققه ان لفظ الاحصار انما هو للمرض ونحوه يقال احصره المرض احصارا فهو محصر، وحصره العدو فهو محصور فيكون اللفظ صريحا
في محل النزاع وحصر العدو مقيس عليه ولانه مصدود عن البيت أشبه من صده العدو ووجه الرواية الاولى أنه لا يستفيد بالاحلال الانتقال من حاله ولا التخلص من الاذى الذي به بخلاف حصر العدو، ولان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على ضباعة بنت الزبير فقالت اني أريد الحج وأنا شاكية فقال " حجي واشترطي ان محلي حيث حبستني " فلو كان المرض يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط، وحديثهم متروك الظاهر فان مجرد الكسر والعرج لا يصير به حلالا فان حملوه على أنه يبيح له التحلل حملناه على ما إذا اشترط الحل على أن في حديثهم كلاما لان ابن عباس يرويه ومذهبه بخلافه فإذا قلنا يتحلل فحكمه حكم من حصره العدو على ما مضى وان قلنا لا يتحلل فانه يقيم على إحرامه ويبعث ما معه من الهدي ليذبح بالحرم وليس له نحره في مكانه لانه لم يتحلل فان فاته الحج تحلل بعمرة كغير المريض
(مسألة) (ومن شرط في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني فله التحلل بجميع ذلك ولا شئ عليه) إذا شرط في وقت إحرامه أن يحل متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفذت أو نحوه أو قال إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فله التحلل متى وجد ذلك وليس عليه هدي ولا صوم ولا قضاء ولا غيره فان للشرط تأثيرا في العبادات بدليل أنه لو قال إن شفى مريضي صمت شهرا متتابعا أو متفرقا كان على شرطه وإنما لم يلزمه هدي ولا قضاء لانه إذا شرط شرطا كان احرامه الذي فعله إلى حين وجود الشرط فصار بمنزلة من أكمل أفعال الحج ثم ينظر في صيغة الشرط فان قال ان مرضت فلي أن احل أو ان حبسني حابس فمحلي حيث حبستي فإذا حبس كان بالخيار بين الحل وبين البقاء على الاحرام، وإن قال ان مرضت فأنا حلال فمتى وجد الشرط حل بوجوده لانه شرط صحيح فكان على ما شرط، وفي هذه المسألة اختلاف ذكرناه في باب الاحرام
(باب الهدي والاضاحي) الاصل في مشروعية الاضحية الكتاب والسنة والاجماع أما الكتاب فقوله تعالى (فصل لربك وانحر) قال بعض أهل التفسير والمراد به الاضحية بعد صلاة العيد، وأما السنة فانه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما.
متفق عليه الاملح الذي فيه بياض وسواد وبياضه أكثر قاله الكسائي، وقال ابن الاعرابي هو النقي البياض قال الشاعر حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا * أملح لالدا ولا محببا وأجمع المسلمون على مشروعية الاضحية، ويستحب لمن أتى مكة أن يهدي هديا لان النبي صلى الله عليه وسلم أهدى في حجته مائة بدنة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الهدي ويقيم بالمدينة
(مسألة) (والافضل فيهما الابل ثم البقر ثم الغنم والذكر والانثى سواء) أفضل الهدايا والاضاحي الابل ثم البقر ثم الغنم ثم شرك في بدنة ثم شرك في بقرة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال به مالك في الهدي وقال في الاضحية الافضل الجذع ثم الضأن ثم البقرة
ثم البدنة لان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين ولا يفعل الا الافضل ولو علم الله سبحانه خيرا منه لفدى به اسحاق.
ولنا ماروى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة " الخ متفق عليه ولانه ذبح يتقرب به إلى الله تعالى
فكانت البذنة فيه أفضل كالهدي ولانها أكثر ثمنا ولحما وأنفع للفقراء، ولان النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الرقاب أفضل؟ فقال " اغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " والابل أغلا ثمنا وأنفس من الغنم.
فاما التضحية بالكبش فلانه أفضل أجناس الغنم وكذلك حصول الفداء به أفضل والشاة أفضل من شرك في بدنة لان اراقة الدم مقصود في الاضحية والمنفرد يتقرب باراقته كله (فصل) والذكر والانثى سواء لان الله تعالى قال (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام) وقال (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) ولم يقل ذكرا ولا أنثى وممن أجاز ذكران الابل في الهدي ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومالك وعطاء والشافعي، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ما رأيت أحدا فاعلا ذلك: وان أنحر أنثى أحب الي، والاول أولى لما ذكرنا من النص، وقد
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملا لابي جهل في أنفه برة من فضة رواه أبو داود وابن ماجة ولانه يجوز ذبح الذكر من سائر بهيمة الانعام فكذلك من الابل، ولان القصد اللحم ولحم الذكر أوفر ولحم الانثى أرطب فتساويا.
قال احمد الخصي أحب الينا من النعجة لان لحمه أوفر وأطيب.
قال شيخنا والكبش في الاضحية أفضل النعم لانها أضحية النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن أبي موسى والضأن أفضل من المعز لانه أطيب لحما، وقال القاضي جذع الضأن أفضل من ثني المعز لذلك ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " نعم الاضحية الجذع من الضأن " حديث غريب قال شيخنا رحمه الله ويحتمل أن الثني من المعز أفضل من الجذع لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تذبحوا الا مسنة فان عسر عليكم فاذبحوا الجذع من
الضأن " رواه مسلم، وهذا يدل على فضل الثني على الجذع لكونه جعل الثني أصلا والجذع بدلا لا ينتقل إليه الا عند عدم الثني.
(فصل) ويسن استسمانها واستحسانها لقول الله تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب) قال ابن عباس تعظيمها استسمانها واستعظامها واستحسانها ولان ذلك أعظم لاجرها واعظم لنفعها والافضل في لون الغنم البياض لما روي عن مولاة أبي ورقة بن سعيد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دم عفراء أزكى عند الله من دم سوداوين " رواه احمد بمعناه وقال أبو هريرة " دم بيضاء أحب إلى الله من دم سوداوين " ولانه لون أضحية النبي صلى الله عليه وسلم ثم ماكان أحسن لونا فهو أفضل.
(مسألة) (ولا يجزي الا الجذع من الضأن وهو ماله ستة أشهر والثني مما سواه) وهو قول مالك والليث والشافعي وابي عبيد وأصحاب الرأي، وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ
الجذع لانه لا يجزئ من غير الضأن فلا يجزئ منه كالحمل وعن عطاء والاوزاعي انهما قالا لا يجزئ الجذع في جميع الاجناس لما روى مجاشع بن سليم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الجذع يوفي بما يوفي به الثني " رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ولانه يجزئ من بعض الاجناس فاجزأ من جميعها كالثني.
ولنا على اجزاء الجذع من الضأن حديث مجاشع وأبي هريرة، وعلى ان الجذعة من غيرها لاتجزئ قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا الا مسنة فان عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن " وقال أبو بردة بن نيار رضي الله عنه عندي جذعة من المعز أحب الي من شاتين فهل تجزي عنى؟ قال " نعم ولا تجزي عن أحد بعدك " متفق عليه وحديثهم محمول على الجذع من الضأن لما ذكرنا قال ابراهيم الحربي انما يجزئ الجذع من الضأن لانه ينزو فليقح فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يكون ثنيا
(فصل) ولا يجزي في الاضحية غير بهيمة الانعام وان كان أحد أبويه وحشيا وحكي عن الحسن
ابن صالح ان بقرة الوحش تجزئ عن سبعة والظبي عن واحد وقال أصحاب الرأي يجزئ ولد البقرة الانسية إذا كان أبوه وحشيا وقال ابو ثور يجزئ إذا كان منسوبا إلى بهيمة الانعام.
ولنا قوله سبحانه (ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام) وهي الابل والبقر والغنم وعلى أصحاب الرأي انه متولد بين ما يجزئ وبين مالا يجزئ أشبه مالو كانت الام وحشية.
والجذع من الضأن ماله ستة أشهر.
قال وكيع الجذع من الضأن أن يكون ابن سبعة اشهر أو ستة اشهر قال الخرقي
وسمعت أبي يقول سألت بعض أهل البادية كيف تعرفون الضأن إذا أجذع قالوا لا تزال الصوفة قائمة على ظهره مادام حملا فإذا نامت الصوفة على ظهره علم أنه قد أجذع وفيه قول ان الجذع من الضأن ماله ثمانية أشهر ذكره ابن أبي موسى (مسألة) (وثني الابل ما كمل له خمس سنين ومن البقر ماله سنتان ومن المعز ماله سنة) قال الاصمعي وأبو زياد الكلابي وأبو زيد الانصاري إذا مضت السنة الخامسة على البعير ودخل في السادسة وألقى ثنيه فهو حينئذ ثني ويروى أنه يسمى ثنيا لانه القى ثنيته، وأما البقرة فهي التي لها سنتان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تذبحوا الا مسنة " ومسنة البقر التي لها سنتان على ما ذكرنا في الزكاة، وثني المعز ماله سنة، وقال ابن أبي موسى فيه قول أن ثني البقر مادخل في السنة الرابعة
والاول المشهور في المذهب.
(مسألة) (وتجزئ الشاة عن واحد والبدنة والبقرة عن سبعة سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم والباقون اللحم) أما إجزاء الشاة عن واحد فلا نعلم فيه خلافا، وقد روى أبو أيوب رضي الله عنه قال كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حديث صحيح، وتجزي البدنة والبقرة عن سبعة وهذا قول أكثر أهل العلم ورى ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس وسالم والحسن وعمرو بن دينار والثوري والاوزاعي
والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لاتجزئ نفس واحدة
عن سبعة ونحوه قول مالك الا أن يذبح عنه وعن أهل بيته، قال احمد ما علمت أن احدا لا يرخص في ذلك الا ابن عمر، وعن سعيد بن المسيب أن الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة وبه قال اسحاق لما روى رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عن عشرة من الغنم ببعير متفق عليه.
وعن ابن عباس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الاضحى فاشتركنا في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة رواه ابن ماجة.
ولنا ماروى جابر قال نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
وقال أيضا كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها رواه مسلم.
وهذا أصح من حديثهم.
وأما حديث رافع فهو في القسمة لافي الاضحية.
إذا ثبت هذا فسواء كان المشتركون من اهل بيت أو لم يكونوا، متطوعين أو متفترضين أو كان بعضهم يريد القربة وبعضهم يريد اللحم، وقال أبو حنيفة يجوز إذا كانوا كلهم متقربين ولا يجوز إذا لم يرد بعضهم القربة.
ولنا ان الجزء المجزئ لا ينقص بارادة الشريك غير القربة فجاز كما لو اختلفت جهات القرب فاراد بعضهم المتعة والآخر القران ولان كل انسان انما يجزئ عنه نصيبه فلا يضره نية غيره في نصيبه ويجوز ان يقتسموا اللحم لان القسمة افراز حق وليست بيعا ومنع منه أصحاب الشافعي في وجه، بناء على أن القسمة بيع وبيع لحم الهدي والاضحية غير جائز.
ولنا ان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاشتراك مع أن سنة الهدي والاضحية الاكل منها دليل على تجويز القسمة إذ به يتمكن من الاكل وكذلك الصدقة والهدية.
(فصل) ولا بأس ان يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة أو بدنة أو بقرة يضحي بها نص عليه أحمد وقال مالك والليث والاوزاعي واسحاق.
وروي ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة قال
صالح قلت لابي يضحى بالشاة عن أهل البيت؟ قال نعم لا باس قد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين قال (بسم الله هذا عن محمد واهل بيته) وقرب الآخر وقال (اللهم منك ولك عمن وحدك من أمتي) وحكي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يضحي بالشاة فتجئ بنته فتقول عني؟ وعنك، وكره ذلك الثوري وأبو حنيفة لان الشاة لا تجزئ عن اكثر من واحد فإذا اشترك فيها اثنان لم تجز عنهما كالاجنبيين ولنا الحديث الذي ذكره احمد وروي جابر قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين اقرنين أملحين موجوءين فلما وجههما قال " وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض على ملة أبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين، ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العاليمن، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله اكبر " ثم ذبح رواه أبو داود، وقد ذكرنا حديث أبو أيوب في أول المسألة
(مسألة) (ولا يجزئ فيها العوراء البين عورها وهي التي انخسفت عينها، ولا العجفاء التي لا تنقي وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، ولا العرجاء البين ظلعها فلا تقدر على المشي مع الغنم، ولا المريضة البين مرضها ولا العضباء وهي التي ذهب أكثر اذنها أو قرنها) أما العيوب الاربعة الاول فلا نعلم بين أهل العلم خلافا في أنها تمنع الاجزاء في الهدي والاضحية لما روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " أربع لا تجوز في الاضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لاتنقى " رواه أبو داود والنسائي نص على الاضاحي والهدي في معناها ومعنى العوراء البين عورها التي قد انخسفت عينها والعين
عضو مستطاب فان كان على عينها بياض ولم تذهب جازت التضحية بها لان عورها ليس بين ولا ينقص ذلك لحمها، والعجفاء المهزولة، والتي لاتنقى هلا التي لامخ فيها في عظامها لهزالها والنقي المخ قال الشاعر: لا تنسكين عملا ما أنقين * ما دام مخ في سلامي أو عين فهذه لا تجزئ لانه لامخ فيها انما هي عظام مجتمعة، وأما العرجاء البين عرجها فهي التي بها عرج
فاحش وذلك يمنعها من اللحاق بالغنم فيسبقنها إلى الكلا فيرعينه لا تدركهن فينقص لحمها فان كان عرجا يسيرا لا يفضي بها إلى ذلك أجزأت.
وأما المريضة البين مرضها فقال الخرقي هي التي لا يرجى برؤها لان ذلك ينقص قيمتها ولحمها نقصا كثيرا وقال القاضي هي الجرباء لان الجرب إذا كثر يهزل ويفسد
اللحم، وهذا قول أصحاب الشافعي، قال شيخنا والذي في الحديث " المريضة البين مرضها " وهو الذي يبين أثره عليها لان ذلك ينقص لحمها ويفسده، وهذا أولى مما ذكره الخرقي والقاضي لانه تقييد للملطق وتخصيص للعموم بلا دليل والمعنى يقتضي العموم كما يقتضيه اللفظ والمعنى، وأما العضب فهو ذهاب أكثر من نصف القرن أو الاذن وذلك يمنع الاجزاء أيضا، وبه قال النخعي وابو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي تجزئ مكسورة القرن، وروي نحو ذلك عن علي وعمار وابن المسيب والحسن وقال مالك ان كان قرنها يدمي لم تجزئ، والا أجزأت وعن احمد لاتجزئ ما ذهب ثلث أذنها وهو قول أبي حنيفة، وقال عطاء ومالك إذا ذهبت الاذن كلها لم تجز وان ذهب يسير جاز، واحتجوا بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم أربع لا تجوز في الاضاحي يدل على أن غيرها يجزئ ولان في حديث
البراء عن عبيد بن فيروز قال قلت: للبراء فاني أكره النقص من القرن والذنب قال: اكره لنفسك ما شئت ولا تضيق على الناس ولان المقصود اللحم وهذا لا يؤثر فيه.
ولنا ماروي عن علي رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الاذن والقرن قال قتادة فسألت سعيد بن المسيب فقال نعم العضب النصف فأكثر من ذلك رواه النسائي وابن ماجة وعن علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن رواه أبو داود والنسائي وهذا منطوق يقدم على المفهوم.
(فصل) ولا تجزئ العمياء لان النهي عن العوراء تنبيه على العمياء ولا تجزئ وان لم يكن عماها بينا لان العمى يمنع مشيها مع الغنم ومشاركتها في العلف ولا تجزئ ما قطع منها عضو كالالية والاطباء
لان ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تجوز العجفاء ولا الجداء، قال احمد رحمه الله هي التي قد يبس ضرعها، ولانه أبلغ في الاخلال بالمقصود من ذهاب شحمة العين (فصل) وتكره المعيبة الاذن بخرق أو شق أو قطع لاقل من النصف لما روي علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن ولا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولاشرقاء ولا خرقاء قال زهير قلت: لابي اسحاق ما المقابلة؟ قال تقطع طرف الاذن قلت: فما المدابرة؟ قال تقطع من مؤخر الاذن قلت: فما الخرقاء؟ قال شق الاذن قلت: فما الشرقاء؟ قال تشق أذنها للسمة رواه أبو داود، وقال القاضي الخرقاء التي قد انثقبت اذنها والشرقاء التي تشق أذنها ويبقى كالشتاخين وهذا نهي تنزيه ويحصل الاجزاء بها لان اشتراط السلامة من ذلك يشق ولا يكاد يوجد سالم
من هذا كله.
وذكر ابن أبي موسى في الارشاد انها لاتجزئ لظاهر الحديث والجمهور على خلاف هذا للمشقة (مسألة) (وتجزئ الجماء والبتراء والخصي وقال ابن حامد لا تجزئ الجماء) تجزئ الجماء وهي التي لم يخلق لها قرن والصمعاء وهي الصغيرة الاذن والبتراء وهي التي لا ذنب لها سواء كان خلقة أو مقطوعا ومن لا يرى بالبتراء بأسا ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن وسعيد ابن جبير والنخعي وكره الليث أن يضحي بالبتراء ما فوق القبضة، وقال ابن حامد لا تجرئ الجماء لان ذهاب أكثر من نصف القرن يمنع فذهاب جميعه أولى ولان ما منع منه العور منع منه العمى فكذلك ما منع منه العضب يمنع منه كونه أجم.
ولنا أن هذا نقص لا ينقص اللحم ولم يخل بالقصود ولم يرد به نهي فوجب أن يجزئ، وفارق العضب فانه قد نهى عنه وهو عيب فانه ربما دمي وآلم الشاة فيكون كمرضها ويقبح منظرها بخلاف الاجم فانه ليس بمرض ولاعيب وما كان كامل الخلقة فهو أفضل فان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن
كحيل وقال خير الاضحية الكبس الاقرن.
(فصل) ويجزئ الخصي لان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين والوجأ رض الخصيتن وما
قطعت خصيتاه أو سلتا في معناه، ولان الخصي اذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويسمن قال الشعبي ما زاد في لحمه وشحمه اكثر مما ذهب منه، وبهذا قال الحسن وعطاء والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافا
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: