الفقه الحنبلي - مناسك الحج8
(مسألة) (ثم قد حل له لكل شئ الا النساء وعنه الا الوطئ في الفرج) وجملته أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة ثم حلق أو قصر حل له كل ماكان محرما بالاحرام الا النساء هذا الصحيح من المذهب نص عليه احمد في رواية جماعة فيبقى ما كان
محرما عليه من النساء من الوطئ والقبلة واللمس بشهوة وعقد النكاح ويحل له ما سوى ذلك هذا قول ابن الزبير وعائشة وعلقمة وسالم والنخعي وعبد الله بن الحسن وخارجة بن زيد والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وروي عن ابن عباس، وعن احمد أنه يحل له كل شئ الا الوطئ في الفرج لانه أغلظ المحرمات ويفسد
النسك بخلاف غيره وقال عمر رضي الله عنه يحل له كل شئ إلا النساء والطيب وروي ذلك عن ابنه وعروة بن الزبير وغيرهما لانه من دواعي الوطئ أشبه القبلة، وعن عروة أنه لا يلبس القميص ولا العمامة ولا يتطيب وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، ولنا ماروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ الا النساء " رواه سعيد وقالت عائشة: طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، متفق عليه وعن سالم عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شئ الا الطيب فقالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع رواه سعيد عن ابن عباس أنه قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء فقال له رجل والطيب فقال أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك الطيب هو ذاك أم لا؟ رواه ابن ماجه وقال مالك لا يحل له النساء ولا الطيب ولا قتل الصيد لقوله سبحانه (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وهذا حرام وقد ذكرنا ما يرد هذا القول ويمنع أنه محرم وانما بقي بعض أحكام الاحرام (مسألة) (والحلق والتقصير نسك ان أخره عن أيام منى فهل يلزمه دم؟ على روايتين وعنه أنه اطلاق من محظور لا شئ في تركه ويحصل التحلل بالرمي وحده)
الحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة في ظاهر المذهب وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وعن احمد أنه ليس بنسك وانما هو اطلاق من محظور كان محرما عليه بالاحرام فأطلق فيه بالحل كاللباس وسائر محظورات الاحرام فعلى هذه الرواية لا شئ على تاركه ويحصل التحلل بدونه ووجهها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحل من العمرة قبله فروى أبو موسى رضي الله عنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال " بم أهللت؟ " قلت لبيك باهلال كاهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال " أحسنت " وأمرني فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قال لي " أحل " متفق عليه، وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سعى بين الصفا والمروة قال " من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة " رواه مسلم، ولان ماكان محرما في الاحرام إذا أبيح كان اطلاقا من محظور كسائر محرماته والرواية الاولى أصح فان
النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فروى ابن عمر ضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل " عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أحلوا من احرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا " وأمره يقتضي الوجوب، ولان الله تعالى وصفهم بقوله (محلقين رءوسكم ومقصرين) ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به كاللبس وقتل الصيد، ولان النبي صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثا وعلى المقصرين مرة، ولو لم يكن من المناسك لما دخله التفضيل كالمباحات، ولان النبي صلى الله
عليه ولم وأصحابه فعلوه في جميع حجهم وعمرهم لم يخلوا به، ولو لم يكن نسكا لما داوموا عليه بل لم يفعلوه إلا نادرا لانه لم يكن من عادتهم فيفعلوه عادة ولا فيه فضل فيفعلوه لفضله، فأما أمره بالحل فانما معناه - والله أعلم الحل بفعله لان ذلك كان مشهورا عندهم فاستغنى عن ذكره ولا يمنع الحل من العبادة بما كان محرما فيها كالسلام في الصلاة (فصل) فإذا قلنا إنه نسك جاز تأخيره إلى آخر أيام النحر لانه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى، فان أخره عن ذلك فلا دم عليه في احدى الروايتين لان الله تعالى بين أول وقته ولم يبين آخره فمتى أتى به اجزاء كالطواف للزيارة والسعي (والثانية) عليه دم لانه نسك أخره عن محله ومن ترك نسكا فعليه دم ولافرق في التأخير بين القليل والكثير والعامد والساهي.
وقال مالك والثوري واسحاق وأبو حنيفة ومحمد من تركه حتى حل فعليه دم لانه نسك فوجب أن يأتي به قبل الحل كسائر مناسكه.
ولنا ما تقدم وهل يحل قبله؟ فيه روايتان (احداهما) أن التحلل انما يحصل بالحلق والرمي معا وهو ظاهر كلام الخرقي وقول الشافعي وأصحاب الرأي لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم كل شئ إلا النساء " وترتيب الحل عليهما دليل على حصوله بهما، ولانهما نسكان يتعقبهما الحل فكان حاصلا بهما كالطواف والسعي في العمرة (والثانية) يحصل التحلل بالرمي وحده وهذا قول عطاء ومالك وأبي ثور قال شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله في حديث أم سلمة " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء "
وكذلك قال ابن عباس قال بعض أصحابنا هذا ينبنى على الخلاف في الحلق إن قلناهو نسك حصل
الحل والا حصل بالرمي وحده وهو الذي ذكره شيخنا في كتابه المشروح (مسألة) (وإن قدم الحلق على الرمي والنحر جاهلا أو ناسيا فلا شئ عليه، وإن كان عالما فهل يلزمه دم؟ على روايتين) السنة في يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف ترتيبها هكذا لان النبي صلى الله عليه وسلم رتبها كذلك فروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر ثم حلق.
رواه أبو داود، فان أخل بترتيبها ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه هذا قول الحسن وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والشافعي واسحاق وأبي ثور وداود ومحمد بن جرير الطبري، وقال أبو حنيفة ان قدم الحلق على الرمي أو على النحر فعليه دم، فان كان قارنا فعليه دمان، وقال زفر عليه ثلالثة دماء لانه لم يوجد التحلل الاول اشبه مالو حلق قبل يوم النحر.
ولنا ماروى عبد الله بن عمرو قال: قال رجل يارسول الله حلقت قبل أن أذبح، قال " اذبح ولا خرج " فقال آخر ذبحت قبل أن أرمي، قال " ارم ولا حرج " متفق عليه، وفي لفظ قال فجاء رجل ققال يارسول الله: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح وذكر الحديث قال فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم عبض الامور على بعض وأشباهها الا قال " افعلوا ولا حرج " رواه مسلم، وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر وهو بمنى في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير متفق عليه، روواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله ابن عمرو وفيه فحلقت قبل أن أرمي، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع، فأما إن فعله عامدا عالما مخالفة للسنة فانه لا دم عليه في (احدى الروايتين) وهو قول عطاء واسحاق لاطلاق حديث ابن عباس
وكذلك حديث عبد الله بن عمرو من رواية سفيان بن عيينة (والثانية) عليه دم روي نحو ذلك عن سعيد بن جبير وجابر بن زيد وقتادة والنخعي لان الله
تعالى قال (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله) ولان النبي صلى الله عليه وسلم رتب وقال " خذوا عني مناسككم " والحديث المطلق قد جاء مقيدا فيحمل المطلق على المقيد، قال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل حلق قبل أن يذبح فقال: ان كان جاهلا فليس عليه دم فأما مع التعمد فلا لان النبي صلى الله عليه وسلم سأله رحل فقال لم أشعر، قيل لابي عبد الله سفيان بن عيينة لا يقول لم أشعر فقال نعم ولكن مالكا والناس عن الزهري لم أشعر وهو في الحديث، وقال مالك ان قدم الحلق على المرى فعليه دم وان قدمه على النحر أو النحر على الرمي فلا شئ عليه لانه بالاجماع ممنوع من حلق شعره قبل التحلل الاول ولا يحصل الا برمي الجمرة، فأما النحر قبل الرمي فجائز لان الهدي قد بلغ محله ولنا الحديث فانه لم يفرق بينهما فان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الحلق والنحر والتقديم والتأخير فقال " لا حرج " ولا نعلم خلافا بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الافعال عن الاجزاء ولا يمنع وقوعها موقعها، وانما اختلفوا في وجوب الدم على ما ذكرنا (فصل) فان قدم الافاضة على الرمي اجزأ طوافه، وبهذا قال الشافعي وقال مالك لاتجزئه الافاضة فليرم ثم لينحر ثم ليقصر، وكان ابن عمر يقول فيمن أفاض قبل أن يحلق برجع فيحلق أو يقصر ثم يفيض
ولنا ماروى عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل أفضت قبل أن أرم، قال " ارم ولا حرج " وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قدم شيئا قبل شئ فلا حرج " رواهما سعيد في سننه، وروي عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه آخر فقال اني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال " ارم ولا حرج " فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ قدم ولا أخر الا قال " افعل ولا حرج " رواه أبو داود والنسائي والترمذي، ولانه أتى بالرمي في وقته فاجزأه كما لو رتب، ومقتضى كلام أصحابنا أنه يحصل له بالافاضة قبل الرمي التحلل الاول كمن رمى ولم يفض، فعلى هذا لو واقع أهله قبل الرمي بعد الافاضة فعليه دم ولا يفسد حجه، وكذلك قال الاوزاعي فان رجع إلى أهله ولم يرم فعليه دم الترك الرمي وحجه صحيح فان ابن عباس قال: من نسي أو ترك شيئا من نسكه فليهرق لذلك دما
(مسألة) (ثم يخطب الامام خطبة يعلمهم فيها النحر والافاضة والرمي) يستحب أن يخطب الامام بمعنى يوم النحر يعلمهم فيها النحر والافاضة والرمي نص عليه
أحمد وهو مذهب الشافعي وابن المنذر، وذكر بعض أصحابنا انه لا يخطب يومئذ وهو مذهب مالك لانها تسن في اليوم الذي قبله فلا تسن فيه ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر يعني بمنى.
أخرجه البخاري، وعن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي؟ عبر عنه والناس بين قائم وقاعد، وقال أبو أمامة رضي الله عنه سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، وقال عبد الرحمن بن معاذ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار.
رواهن أبو داود غير حديث ابن عباس، ولانه يوم تكثر فيه أفعال الحج ويحتاج إلى تعليم الناس أحكام ذلك فاحتيج إلى الخطبة من أجلة يوم عرفة (فصل) يوم الحج الاكبر يوم النحر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر " هذا يوم الحج الاكبر " رواه البخاري وسمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه من الوقوف بالمشعر والدفع منه إلى منى والرمي والنحر والحلق وطواف الافاضة والرجوع إلى منى ليبيت بها وليس في غيره مثله وهو مع ذلك يوم عيد وبرم يحل فيه من أفعال الحج (مسألة) (ثم يفيض إلى مكة ويطوف للزيارة، ويعينه بالنية وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج)
وجملة ذلك أنه إذا رمى ونحر وحلق أفاض إلى مكة يوم النحر فطاف طواف الزيارة وسمي بذلك لانه يأتي من منى فيزور البيت، ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى ويسمى طواف الافاضة لكونه يأتي به عند افضاته من منى إلى مكة، وصفة هذا الطواف كصفة طواف القدوم الا أنه ينوي به طواف
الزيارة ويعينه بالنية ولا رمل فيه ولا اضطباع لقول ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه، والنية شرط في هذا الطواف.
هذا قول اسحاق وابن القاسم صاحب مالك وابن المنذر، وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي: يجزئه وان لم ينو الفرض الذي عليه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى " ولان النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة والصلاة لا تصح الا بنية اتفاقا، وهذا الطواف ركن للحج لا يتم الا به بغير خلاف علمناه.
قال ابن عبد البر هو من فرائض الحج لا خلاف في ذلك بين العلماء، قال الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) وعن عائشة قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية فاراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يرد الرجل من أهله فقلت يارسول الله إنها حائض فقال " أحابستنا هي؟ قالوا يارسول الله انها قد أفاضت يوم النحر قال " اخرجوا " متفق عليه فدل على أن هذا الطواف لابد منه وانه حابس لمن لم يأت به (مسألة) (وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر والافضل فعله يوم النحر فان أخره عنه وعن أيام منى جاز) لهذا الطواف وقتان وقت فضيلة ووقت اجزاء فاما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي والنحر
والحلق لقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر: فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر.
وقد ذكرنا حديث عائشة قالت فافضنا يوم النحر وقال ابن عمر أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر متفق عليهما، وان أخره إلى الليل فلا بأس فان ابن عباس وعائشة رويا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر طواف الزيارة إلى الليل رواهما أبو داود والترمذي وأما وقت الجواز فأوله من نصف الليل من ليلة النحر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة أولا طلوع الفجر يوم النحر وآخره آخر أيام النحر وهذا مبني على أول وقت الرمي وقد مضى الكلام فيه، واحتج على آخر وقته بأنه نسك يفعل في الحج فكان آخره محدودا كالوقوف الرمي والصحيح أن آخر وقته غير محدود لانه متى أتى به صح بغير خلاف وإنما
الخلاف في وجوب الدم فنقول طاف فيما بعد أيام النحر طوافا صحيحا فلم يلزمه دم كما لو طاف في أيام النحر وأما الوقوف والرمي فانهما لما كانا موقتين كان لهما وقت يفوتان بفواته وليس كذلك الطواف فانه متى أتى به صح (مسألة) ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا أو لم يكن سعى من طواف القدوم وان كان قد سعى لم يسع لان السعي الذي سعاه المتمتع إنما كان للعمرة فيشرع له أن يسعى للحج، وإن كان المفرد والقارن لم يسعيا مع طواف القدوم سعيا بعد طواف الزيارة لان السعي لا يكون إلا بعد الطواف لكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما سعى بعد الطواف وقال " خذوا عني مناسككم " وإن كان قد سعى مع طواف
القدوم لم يسع فانه لا يستحب التطوع بالسعي كسائر الانساك ولا نعلم فيه خلافا، فأما الطواف فيستحب التطوع به لانه صلاة (مسألة) (ثم قد حل له كل شئ) يعنى إذا طاف للزيارة بعد الرمي والنحر والحلق وكان قد سعى حل له كل شئ حرمه الاحرام وقد ذكرنا أنه لم يكن بقي عليه من المحظورات سوى النساء فبهذا الطواف حل له النساء قال ابن عمر رضي الله عنهما: لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم من شئ حرم عنه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فافاض بالبيت ثم حل من كل شئ حرم منه.
وعن عائشة رضي الله عنها مثله متفق عليهما ولا نعلم خلاف في حصول الحل بما ذكرناه على هذا الترتيب، فان طاف ولم يكن سعى لم يحل حتى يسعى ان قلنا ان السعي ركن وان قلنا هو سنة فهل يحل قبله على وجهين (أحدهما) يحل لانه لم يبق عليه شئ من واجباته (والثاني) لا يحل لانه من أفعال الحج فيأتي به في احرام الحج كالسعي في العمرة (فصل) قال الخرقي يستحب للمتمتع إذا دخل مكة لطواف الزيارة أن يطوف طوافا ينوي به القدوم ثم يسعى بين الصفا والمروة ثم يطوف طواف الزيارة لان المتمتع لم يأت به قبل ذلك فان
الطواف الذي طافه في الاول كان طواف العمرة، وقد نص احمد رحمه الله على ذلك في رواية الاثرم
قال قلت لابي عبد الله فإذا رجع يعني المتمتع كم يطوف ويسعى؟ قال: يطول ويسعى لحجه ويطوف طوافا آخر للزيارة.
عاودناه في هذا غير مرة فثبت عليه وكذلك الحكم في القارن والمفرد إذا لم يكونا أتيا مكة قبل يوم النحر ولا طافا طواف القدوم فانهما يبدآن بطواف القدوم قبل طواف الزيارة نص عليه أحمد أيضا واحتج بما روت عائشة رضي الله عنها قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فانما طافوا طافوا طوافا واحدا.
فحمل أحمد رضي الله عنه قول عائشة على أن طوافهم لحجهم هو طواف القدوم ولانه قد ثبت أن طواف القدوم مشروع فلم يكن طواف الزيارة مسقطا له كتحية المسجد عند دخوله قبل التلبس بصلاة الفرض قال شيخنا رحمه الله ولم أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي بل المشروع طواف واحد للزيارة كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة فانه يكتفي بها من تحية المسجد ولانه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ولا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أحدا وحديث عائشة دليل على هذا فانها قالت طافوا طوافا واحدا بعد أن رجعوا من منى لحجتهم وهذا هو طواف الزيارة ولم تذكر طوافا آخر ولو كان هذا الذي ذكرته طواف القدوم لكانت قد أخلت بذكر طواف الزيارة الذي هو ركن الحج لايتم الا به وذكرت ما يستغني عنه وعلى كل
حال فما ذكرت الا طوافا واحدا فمن أين يستدل على طوافين؟ وأيضا فانها لما حاضت فقرنت الحج إلى العرمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولم تكن طافت للقدوم لم تطف للقدوم ولا أمرها به النبي صلى الله عليه وسلم ولان طواف القدوم لو لم يسقط بالطواف الواجب لشرع في حق المعتمر طواف القدوم مع طواف العمرة ولانه أول قدومه إلى البيت فهو به أولى من المتمتع الذي يعود إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به وفي الجملة هذا الطواف المختلف فيه ليس بواجب أنما الواجب طواف واحد وهو طواف الزيارة وهو في حق المتمتع كهو في حق القارن والمفرد لا يتم الحج الا به (فصل) والاطوفة المشروعة في الحج ثلاثة: طواف الزيارة وهو ركن لايتم الحج الا به بغير
خلاف، وطواف القدوم وهو سنة لا شئ على تاركه، وطواف الوداع واجب يجب بتركه دم وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وقال مالك على تارك طواف القدوم دم ولا شئ على تارك طواف الوداع وحكي عن الشافعي كقولنا في طواف الوداع وكقوله في طواف القدوم وما زاد على هذه الاطوفة فهو نقل ولا يشرع في حقه أكثر من سعي واحد بغير خلاف علمناه قال جابر لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة الا طوافا واحدا طوافه الاول رواه مسلم ولا يكون السعي الا بعد طواف وقد ذكرناه
(فصل) ويستحب أن يدخل البيت فيكبر في نواحيه ويصلي فيه ركعتين ويدعو الله عزوجل قال ابن عمر رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وبلال وأسامة بن زيد فقلت لبلال هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم قلت أين؟ قال بين العمودين تلقا وجهه قال ونيست أن أسأله كم صلى.
وقال ابن أسامة أخبرني اسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج متفق عليهما فقدم أهل العلم رواية بلال على رواية اسامة لانه مثبت واسامة ناف ولان اسامة كان حديث السن فيجوز أن يكون أشتغل بالنظر إلى ما في الكعبة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وان لم يدخل البيت فلا بأس فان اسماعيل بن خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت في عمرته؟ قال لا متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور ثم رجع وهو كئيب فقال " اني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما دخلتها اني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي (مسألة) ويستحب أن يأتي زمزم فيشرب من مائها لما أحب ويتضلع منه قال جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون فناولوه دلوا فشرب منه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ماء زمزم لما شرب له " وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال كنت عند ابن عباس جالسا فجاءه رجل فقال من أين جئت؟ قال من زمزم قال فشربت منها كما ينبغي؟ قال فكيف؟ قال إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر أسم الله وتنفس ثلاثة من زمزم
وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم
لا يتضلعون من زمزم " رواهما ابن ماجة ويقول عند الشرب بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا، ورزقا واسعا وريا
وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملاه من خشيتك وحكمتك (فصل) قال الشيخ رحمه الله (ثم يرجع إلى منى ولا يبيت بمكة ليالي منى) السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم افاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.
متفق عليه والمبيت بمنى في لياليها واجب في إحدى الروايتين عن احمد وهو ظاهر كلام الخرقي.
روي ذلك عن ابن عباس وهو قول عروة ومجاهد وابراهيم وعطاء وروي عن عمربن الخطاب وبه قال مالك والشافعي (والثانية) ليس بواجب روي ذلك عن الحسن وروي عن ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ولانه قد حل من حجه فلم يجب عليه المبيت بموضع معين كليلة الحصبة ووجه الرواية الاولى أن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن
عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، متفق عليه وتخصيص العباس بالرخصة لعذره دليل على أنه لا رخصة لغيره وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لاحد يبيت بمكة إلا للعباس من أجل سقايته.
رواه ابن ماجة ولان النبي صلى الله عليه وسلم فعله نسكا وقال " خذوا عني مناسككم " (مسألة) (ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال كل جمرة بسبع حصيات فيبدأ بالجمرة الاولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع ثم يتقدم قليلا فيقف يدعو الله تعالى ويطيل ثم يأتي الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها بسبع ويقف عندها فيدعو ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويستبطن الوادي ولا يقف عندها ويستقبل القبلة في الجمرات كلها) وقد ذكرنا أن جملة ما يرمي به الحاج سبعون حصاة سبعة منها يرمي بها يوم النحر بعد طلوع
الشمس وباقيها في أيام التشريق الثلاثة بعد زوال الشمس كل يوم إحدى وعشرين حصاة لثلاث
جمرات يبدأ بالجمرة الاولى وهي أبعد الجمرات من مكة قريبا من مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما وصفنا في رمي جمرة العقبة ثم يتقدم منها إلى مكان لا يصيبه الحصى فيقف طويلا يدعو الله تعالى رافعا يديه ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها عن يمينه ويستقبل القبلة ويرميها بسبع ويفعل من الوقوف والدعاء كما فعل في الاولى ثم يرمي جمرة العقبة بسبع ويستبطن الوادي ويستقبل القبلة ولا يقف عندها.
هذا قول الشافعي ولا نعلم في جميع ذلك خلافا إلا أن مالكا قال: ليس بموضع لرفع اليدين وقد ذكرنا الخلاف فيه عند رؤية البيت وقال الاثرم سمعت أبا عبد الله يسئل أيقوم الرجل عند الجمرتين إذا رمى؟ قال: أي لعمري شديدا ويطيل القيام أيضا قيل: فالى أين يتوجه في قيامه؟ قال إلى القبلة ويرميها من بطن الوادي، والاصل في هذا ماروت عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصا ويقف عند الاولى والثانية ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها.
رواه أبو داود، وعن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الاولى بسبع حصيات يكر على أثر كل حصاة ثم يتقدم وستهل ويقوم قياما طويلا ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ويأخذ بذات الشمال ويستهل ويقوم مستقبل القبلة فياما طويلا ثم يرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
رواه البخاري، وروى أبو داود أن ابن عمر كان يدعو بدعائه الذي
دعا به بعرفة ويزيد وأصلح وأتم لنا مناسكنا وقال ابن المنذر كان ابن عمر وابن مسعود يقولان عند الرمي اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا.
وروي عبد الرحمن بن زيد قال: أفضت مع عبد الله فرمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويستبطن الوادي حتى إذا فرغ قال اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا، ثم قال: هكذا رأيت الذي أنزلت عليه سورة البقرة صنع رواه الاثرم
(فصل) ولا يرمي إلا بعد الزوال فان رمى قبل الزوال أعاد نص عليه وروي ذلك عن ابن عمر وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وعطاء إلا أن إسحاق وأصحاب الرأي رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلا بعد الزوال وعن أحمد مثله ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم انما رمى بعد الزوال لقول جابر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " خذوا عنى مناسككم " وقال ابن عمر كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا، وأي وقت رمى بعد الزوال أجزأه إلا أن المستحب المبادرة إليها حين الزوال كما قال ابن عمر وقال ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر مااذا فرغ من رميه صلى الظهر.
رواه ابن ماجة
(فصل) فان ترك الوقوف عندها والدعاء ترك السنة ولا شئ عليه وبه قال الشافعي واسحاق وأبو حنيفة وعن الثوري أنه قال: يطعم شيئا وان أراق دما أحب الي لان النبي صلى الله عليه وسلم فعله فيكون نسكا ولنا أنه دعاء ووقوف مشروع فلم يجب بتركه دم كحالة رؤية البيت وكسائر الادعية والنبي صلى الله عليه وسلم يفعل الواجبات والمندوبات وقد ذكرنا الدليل على أنه مندوب (مسألة) (والترتيب شرط في الرمي وفي عدد الحصا روايتان (احداهما) سبع والاخرى يجزئه خمس) الترتيب في هذه الجمرات واجب على ما ذكرناه فان نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الثانية، ثم الاولى أو بدأ بالوسطى ورمى الثلاث لم يجزه الا الاولى وأعاد الوسطى والقصوى نص عليه أحمد، وان رمى القصوى ثم الاولى ثم الوسطى أعاد القصوى وحدها.
وبه قال مالك، والشافعي وقال الحسن وعطاء لا يجب الترتيب وهو قول أبي حنيفة فانه قال: إذا رمى منكسا يعيد.
فان لم يفعل أجزأه، واحتج بعضهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من قدم نسكا بين يدي نسك فلا حرج " ولانها مناسك متكررة وفي أمكنة متفرقة في وقت واحد ليس بعضها تابعا لبعض فلم يشترط الترتيب فيها كالرمي والذبح
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها في الرمي وقال " خذوا عني مناسككم " ولانه نسك متكرر فاشترط الترتيب فيه كالسعي وحديثهم انما هو فيمن يقدم نسكا على نسك لا فيمن يقدم بعض النسك على بعض وقياسهم يبطل بالطواف والسعي
(فصل) والاولى في الرمي أن لا ينقص عن سبع حصيات لان النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع فان نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس.
ولا ينقص أكثر من ذلك نص عليه وهو قول مجاهد وإسحاق وعنه ان رمى بست ناسيا فلا شئ عليه ولا ينبغي أن يتعمده فان تعمد ذلك تصدق بشئ.
وكان ابن عمر يقول ما أبالي رميت بست أو سبع.
قال ابن عباس: ما أدري رماها النبي صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع، وعن أحمد ان عدد السبع شرط ويشبه مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لان النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع.
وقال أبو حية: لا بأس بما رمى به الرجل من الحصى، فقال عبد الله بن عمرو: صدق أبو حية.
وكان أبو حية بدريا.
ووجه الرواية الاولى ما روى ابن أبي نجيح قال: سئل طاوس عن رجل ترك حصاة، قال: يتصدق بتمرة أو لقمة، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إن أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد قال سعد رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضنا يقول رميت بست وبعضنا بسبع فلم يعب ذلك بعضنا على بعض.
رواه الاثرم وغيره (مسألة) (فان أخل بحصاة واجبة من الاولى لم يصح رمي الثانية حتى يكمل الاولى لاخلاله بالترتيب فان لم يعلم من أي الجمار تركها بنى على اليقين ليتيقن براءة الذمة، فان أخل بحصاة غير واجبة لم يؤثر تركها)
(مسألة) (وان أخر الرمي كله فرماه في آخر أيام التشريق أجزأه ويرتبه بنيته، وإن أخره عن أيام التشريق أو ترك المبيت بمنى في لياليها فعليه دم، وفي حصاة أو ليلة واحدة ما في حلق شعره) إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ترك السنة ولا شئ عليه
الا أنه يقدم بالنية رمي اليوم الاول ثم الثاني ثم الثالث، وبذلك قال الشافعي وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة: ان ترك حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد وعليه لكل حصاة نصف صاع، وان ترك أربعا رماها وعليه دم ولنا أن أيام التشريق وقت للرمي فإذا أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شئ كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته، قال القاضي: ولا يكون رميه في اليوم الثاني قضاء لانه وقت واحد فان سمي قضاء بالمراد به الفعل كقوله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم) وقولهم قضيت الدين.
والحكم في رمي جمرة العقبة إذا أخرها كالحكم في رمي أيام التشريق في أنها إذا لم ترم يوم النحر رميت من الغد وانما قلنا يلزمه الترتيب بنيته لانها عبادة يجب الترتيب فيها إذا فعلها في أيامها فوجب ترتيبها مجموعة كالمجموعتين والفوائت من الصلوات (فصل) فان أخره عن أيام التشريق فعليه دم لانه ترك نسكا واجبا فيجب عليه دم لقول ابن عباس: من ترك نسكا أو نسيه فانه يهرق دما.
ولان آخر وقت الرمي آخر أيام التشريق فمتى خرجت قبل رميه فات وقته واستقر عليه الفداء الواجب في ترك الرمي هذا قول أكثر أهل العلم.
وعن عطاء فيمن رمى جمرة العقبة وخرج إلى إبله في ليلة أربع عشرة ثم رمى قبل طلوع الفجر أجزأه فان لم يرم فعليه دم والاول أولى لان محل الرمي النهار فيخرج وقت الرمي بخروج النهار وكذلك ان ترك المبيت بمنى في لياليها وهذا مبني على الرواية في وجوب المبيت بمنى، وعن أحمد أنه لا شئ عليه وقد أساء.
وهو قول أصحاب الرأي لان الشرع لم يرد فيه بشئ، وعنه يطعم شيئا وخففه ثم قال: قد قال بعضهم ليس عليه.
وقال ابراهيم عليه دم وضحك ثم قال دم بمرة شدد وبمرة (1) قلت ليس الا أن يطعم شيئا قال نعم يطعم شيئا تمرا أو نحوه فعلى هذا أي شئ تصدق به اجزأه، ولا فرق بين ليلة أو أكثر لانه لا تقدير فيه، وفيما دون الثلاث ثلاث روايات (احداهن) في كل واحدة مد (والثانية) درهم (والثالثة) نصف درهم.
قال الشيخ رحمه الله: وهذا لا نظير له فانا لا نعلم في ترك شئ من المناسك درهما ولا نصفا فايجابه بغير نص تحكم لا وجه له.
وفي ترك حصاة من رمي الجمار كذلك ولانه في معناه وقد ذكرنا ما في حلق الشعرة فيما مضى وذكرنا الخلاف
(مسألة) (وليس على أهل سقاية الحاج ولا الرعاة مبيت بمنى فان غربت الشمس وهم بمنى لزم الرعاة المبيت دون أهل السقاية) لما روى ابن عمر رضي الله عنه ان العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل
سقايته.
متفق عليه.
وقد روي مالك باسناده عن أبي البداح بن عاصم عن أبيه قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الابل في البيتوتة ان يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما.
قال مالك ظننت انه قال في أول يوم منهما ثم يرمون يوم النفر.
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه ابن عيينة قال رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما وكذلك الحكم في أهل سقاية الحاج الا أن الفرق بين الرعاء وأهل السقاية ان الرعاء إذا قاموا حتى غربت الشمس لزمهم المبيت إذا قلنا بوجوبه وأهل السقاية لا يلزمهم لان الرعاء انما رعيهم بالنهار فإذا غربت الشمس انقضى وقت الرعي وأهل السقاية يستقون بالليل، وصار الرعاء كالمريض الذي يسقط عنه حضور الجمعة لمرضه فإذا حضرها تعينت عليه كذلك الرعاء أبيح لهم ترك المبيت لاجل الرعي فإذا فات وقته وجب المبيت، وأهل الاعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاء في ترك البيتوتة لان النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهؤلاء تنبيها على غيرهم فوجب إلحقاهم بهم لوجود المعنى فيهم (فصل) ومن كان مريضا أو محبوسا أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه.
قال الاثرم: قلت لابي عبد الله إذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك أم يكون في رحله؟ قال يعجبني أن يشهد ذاك ان قدر حين يرمى عنه.
قلت فان ضعف عن ذلك يكون في رحله ويبعث من يرمي عنه؟ قال: نعم قال القاضي: المستحب أن يضع الحصى في يد النائب ليكون له عمل في الرمي.
وأن أغمي على المستنيب لم تنقطع النيابة وللنائب الرمي عنه كما لو استنابه في الحج ثم أغمي عليه وبما ذكرنا في هذه المسألة قال الشافعي ونحوه قال مالك إلا أنه يتحرى المريض حين رميهم فيكبر سبع تكبيرات (فصل) ومن ترك الرمي من غير عذر فعليه دم.
قال أحمد: أعجب إلي إذا ترك رمي الايام كلها كان عليه دم وفي ترك جمرة واحدة دم أيضا نص عليه أحمد وبه قال عطاء والشافعي وأصحاب
الرأي.
وحكي عن مالك انه عليه في جمرة وفي الجمرات كلها بدنة.
وقال الحسن: من نسي جمرة واحدة يتصدق على مسكين ولنا قول ابن عباس: من ترك شيئا من مناسكه فعليه دم.
ولانه ترك من مناسكه مالا يفسد الحج بتركه فكان الواجب عليه شاة كالمبيت.
وان ترك أقل من جمرة فالظاهر عن أحمد أنه لا شئ في حصاة ولا حصاتين، وعنه انه يجب الرمي بسبع فان ترك شيئا من ذلك تصدق بشئ أي شئ كان.
وعنه ان في حصاة دما وهو مذهب مالك والليث لان ابن عباس رضي الله عنهما قال: من ترك
شيئا من مناسكه فعليه دم، وعنه في الثلاثة دم وهو مذهب الشافعي وفيما دون ذلك في كل حصاة مد وعنه درهم وعنه نصف درهم.
وقال أبو حنيفة: إن ترك جمرة العقبة والجمار كلها فعليه دم وان ترك أقل من ذلك فعيه في كل حصاة نصف صاع إلى أن يبلغ دما وقد ذكرنا ذلك (فصل) ويستحب أن لا يدع الصلاة مع الامام في مسجد منى لان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمنى، قال ابن مسعود رضي الله عنه: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر وعثمان ركعتين صدرا من أمارته، فان كان الاما غير مرضي صلى المرء برفقته في رحله (مسألة) ويخطب الامام في اليوم الثاني من أيام التشريق خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم، وبهذا قال الشافعي وابن المنذر وقال أبو حنيفة لا يستحب قياسا على اليومين الآخرين ولنا ماروي عن رجلين من بني بكر قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أواسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، رواه أبو داود.
ولان بالناس حاجة إلى أن يعلمهم كيف يتعجلون وكيف يودعون بخلاف اليوم الاول والثالث
(مسألة) فمن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل غروب الشمس وهو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغد) أجمع أهل العلم على أن من اراد الخروج من منى شاخصا عن الحرم غير مقيم بمكة ان له أن ينفر
بعد الزوال في اليوم الثاني من أيام التشريق فان أحب الاقامة بمكة فقال أحمد: لا يعجبني لمن نفر النفر الاول أن يقيم بمكة.
وقال مالك: يقول في أهل مكة من كان له عذر فله أن يتعجل في يومين فان أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحج فلا.
واحتج من ذهب إلى هذا بقول عمر رضي الله عنه: من شاء من الناس كلهم أن ينفر في النفر الاول إلا آل خزيمة فلا ينفروا إلا في النفر الآخر.
جعل أحمد وإسحاق معنى قول عمر: إلا آل خزيمة.
أي انهم أهل الحرم.
والمذهب جواز النفر في النفر الاول لكل أحد وهو قول عامة العلماء لقول الله تعالى (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه) قال عطاء هي للناس عامة، وروى أبو داود وابن ماجة عن يحيى بن يعمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيام منى ثلاثة فمن تعجل فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه " قال ابن عيينة هذا أجود حديث رواه سفيان، وقال وكيع: هذا الحديث أم المناسك وفيه زيادة أنا اختصرته، ولانه دفع من مكان فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم كالدفع من عرفة ومزدلفة، وكلام أحمد في هذا أراد به الاستحباب موافقة لقول عمر، فمن أحب التعجيل في النفر الاول خرج قبل غروب الشمس فان غربت قبل خروجه من منى لم ينفر سواء كان ارتحل أو لم يرتحل، هذا قول ابن عمر وجابر وعطاء وطاوس ومجاهد ومالك والثوري والشافعي واسحاق وابن المنذر، وقال أبو حنيفة: له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث لانه لم يدخل وقت رمي اليوم الآخر فجاز له النفر كما قبل الغروب ولنا قوله سبحانه (فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه) واليوم اسم للنهار فمن أدركه الليل فما تعجل في يومين، قال ابن المنذر: ثبت عن عمر رضي الله عنه انه قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس.
وما قاسوا عليه لا يشبه ما نحن فيه فانه تعجل في يومين
(فصل) قال بعض أصحابنا يستحب لمن ينفر أن يأتي المحصب وهو الابطح وحده ما بين الجبلين إلى المقبرة فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع يسيرا ثم يدخل مكة، وكان ابن عمر يرى التحصيب سنة، قال ابن المنذر كان ابن عمر يصلي بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء
وكان كثير الاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان طاوس يحصب في شعب الجور، وكان ابن عباس وعائشة لا يريان ذلك سنة، قال ابن عباس رضي الله عنهما التحصيب ليس بشئ انما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة رضي الله عنها ان نزول الابطح ليس بسنة انما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه إذا خرج، متفق عليهما، ومن استحب ذلك فلاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه كان ينزله، قال نافع كان ابن عمر يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعة ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وقال ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الابطح قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، ولا خلاف انه لا يجب ولا شئ على تاركه (فصل) ويستحب لمن حج ان يدخل البيت وقد ذكرناه ولا يدخله بنعليه ولا خفيه ولا إلى الحجر لانه من البيت ولا يدخل الكعبة بسلاح قال أحمد وثياب الكعبة إذا نزعت يتصدق بها وقال إذا أراد ان يستشفى بشئ من طيب الكعبة فيأت بطيب من عنده فليزقه على البيت بحيث يأخذه ولا يأخذ من طيب البيت شيئا ولا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل فيه من الحل كذلك قال ابن عمر وابن عباس ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل والخروج أشد الا أن ماء زمزم أخرجه كعب (فصل) قال أحمد رضى الله عنه كيف لنا بالجوار بمكة قال النبي صلى الله عليه وسلم " والله انك لاحب البقاع إلى الله ولولا اني أخرجت منك ما خرجت " وانما كره عمر الجوار بمكة لمن هاجر منها، وجابر ابن عبد الله جاور بمكة وجميع أهل البلاد ومن كان من أهل اليمن ليس بمنزلة من يخرج ويهاجر أي لا بأس به وابن عمر كان يقيم بمكة قال والمقام بالمدينة أحب الي من المقام بمكة لمن قوي عليه لانها مهاجر المسلمين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يصبر أحد على لاوائها وشدتها الا كنت شفيعا له يوم القيامة "
(مسألة) فإذا أتى مكة لم يخرج حتى يودع البيت بالطواف إذا فرغ من جميع أموره) وجملة ذلك أن من أتى مكة فلا يخلو أما أن يريد الاقامة بها أو الخروج منها فان أقام بها فلا وداع عليه لان الوداع من المفارق وسواء نوى الاقامة قبل النفر أو بعده وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ان نوى الاقامة بعد أن حل له النفر لم يسقط عنه الطواف
ولنا أنه غير مفارق فلا يلزمه وداع كمن نواها قبل حل النفر وانما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " وهذا ليس بنافر فاما الخارج من مكة فليس له الخروج حتى يودع البيت بطواف سبع وهو واجب يجب بتركه دم وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري واسحاق وأبو ثور.
وقال الشافعي في قول لا يجب بتركه شئ لانه يسقط عن الحائض فلم يكن واجبا كطواف القدوم ولنا ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الا أنه خفف عن المرأة الحائض.
متفق عليه.
ولمسلم قال كان الناس ينصرفون كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " وسقوطه عن المعذور لا يوجب سقوطه عن غيره كالصلاة تسقط عن الحائض، وتجب على غيرها بل تخصيص الحائض باسقاطه عنها
دليل على وجوبه على غيرها إذ لو كان ساقطا عن الكل لم يكن لتخصيصها بذلك.
معنى إذا ثبت وجوبه فانه ليس بركن بغير خلاف ويسمى طواف الوداع لانه لتوديع البيت وطواف الصدر لانه عند صدور الناس من مكة ووقته بعد فراغ الحاج من جميع ما أمره ليكون آخر عهده بالبيت كما جرت العادة في توديع المسافر أهله وأخوانه ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم " ليكون آخر عهده بالبيت " ولانه خارج من الحرم فلزمه التوديع كالبعيد (مسألة) فان ودع ثم أشتغل في تجارة أو أقام أعاد الوداع لان طواف الوداع إنما يكون عند خروجه ليكون آخر عهده بالبيت.
فان اشتغل بعده بتجارة أو إقامة فعليه إعادته هذا قول عطاء ومالك والثوري والشافعي وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي إذا طاف للوداع أو طاف تطوعا بعد ماحل له النفر أجزأه عن طواف الوداع.
وإن أقام شهرا لانه طاف بعد
ماحل له النفر فلم تلزمه إعادته كما لو نفر عقيبه ولنا قوله عليه السلام " لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " ولانه إذا قام بعده خرج
عن أن يكون وداعا في العادة فلم يجزه كما لو طافه قبل حل النفر.
فاما إن قضى حاجة في طريقه أو اشترى زادا أو شيئا لنفسه في طريقه لم يعده لان ذلك ليس باقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر عهده بالبيت.
وبهذا قال مالك والشافعي ولا نعلم فيه خلافا (مسألة) (فان أخر طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع) هذا ظاهر المذهب لانه أمر أن يكون آخر عهده بالبيت.
وقد فعل ولان ما شرع لتحية المسجد اجزأ عنه الواجب من جنسه كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة، وركعتا الطواف والاحرام يجزئ عنهما المكتوبة، وعنه لا يجزئ عن طواف الوداع لانهما عبادتان واجبتان فلم تجز إحداهما عن الاخرى كالصلاتين الواجبتين فاما إن نوى بطوافه الوداع لم يجزه عن طواف الزيارة لقوله عليه السلام " وإنما لكل امري ما نوى " وحكمه حكم من ترك طواف الزيارة على ما نذكره ان شاء الله تعالى (مسألة) (فان خرج قبل الوداع رجع إليه.
فان لم يمكنه فعليه دم الا الحائض والنفساء لا وداع عليهما) من خرج قبل الوداع فعليه الرجوع ان كان قريبا وان أبعد فعليه دم هذا قول عطاء والثوري والشافعي، وأسحاق وأبي ثور.
والقريب من كان من مكة دون مسافة القصر.
والبعيد مسافة القصر فما زاد.
نص عليه أحمد، وهو قول الشافعي، وكان عطاء يرى الطائف قريبا: وقال الثوري حد ذلك الحرم.
فمن كان فيه فهو قريب.
ومن خرج منه فهو بعيد
ولنا أن من دون مسافة القصر في حكم الحاضر في أنه لا يفطر ولا يقصر ولذلك عددناه من حاضري المسجد الحرام ومن لم يمكنه الرجوع لعذر فهو كالبعيد ولو لم يرجع القريب الذي يمكنه الرجوع لم يكن عليه أكثر من دم ولا فرق بين تركه عمدا أو خطأ لعذر أو غيره لانه من واجبات الحج فاستوى عمده وخطأه والمعذور وغيره كسائر واجباته.
فان رجع البعيد فطاف للوداع.
فقال القاضي لا يسقط عنه الدم لانه قد استقر عليه ببلوغه مسافة القصر فلم يسقط برجوعه كمن تجاوز الميقات غير محرم فأحرم دونه ثم رجع إليه.
وان رجع القريب فطاف فلا دم عليه سواء كان ممن له
عذر يسقط عنه الرجوع أولا لان الدم لم يستقر عليه لكونه في حكم الحائض ويحتمل سقوط الدم عن البعيد برجوعه لانه واجب أتى به فلم يجب عليه بدله كالقريب (فصل) وإذا رجع البعيد فينبغي أن لا يجوز له تجاوز الميقات ان كان تجاوزه الا محرما لانه ليس من أهل الاعذار فليزمه طواف لاحرامه بالعمرة، والسعي، وطواف الوداع وفي سقوط الدم عنه الخلاف المذكور وان كان من دون الميقات أحرم من موضعه.
فاما ان رجع القريب فظاهر قول من ذكرنا قوله أنه لا يلزمه احرام لانه رجع لاتمام نسك مأمور به فأشبه من رجع لطواف الزيارة فاما ان ودع وخرج ثم دخل مكة لحاجة فقال أحمد أحب الي أن لا يدخل الا محرما وأحب الي إذا خرج أن يودع البيت بالطواف، وهذا لانه لم يدخل لاتمام النسك، انما دخل لحاجة غير متكررة أشبه من يدخلها للاقامة بها
(فصل) والحائض والنفساء لا وداع عليهما ولا فدية كذلك هذا قول عامة أهل العلم.
وقد روي عن عمر وابنه رضي الله عنهما أنهما أمرا الحائض بالمقام لطواف الوداع وكان زيد بن ثابت يقول به ثم رجع عنه.
فروى مسلم أن زيد بن ثابت خالف ابن عباس في هذا.
قال طاوس كنت مع ابن عباس إذ قال زيد بن ثابت يفتي: أن لاتصدر الحائض حتى يكون آخر عهدها بالبيت، فقال له ابن عباس: اما لا تسأل فلانة الانصارية هل أمرها بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرجع زيد بن ثابت إلى ابن عباس يضحك وهو يقول.
ما أراك الا قد صدقت، وروي عن ابن عمر أنه رجع إلى قول الجماعة أيضا، وقد ثبت التخفيف عن الحائض بحديث صفية حين قالوا: يارسول الله انها حائض فقال " أحابستنا هي؟ " قالوا يا رسول الله انها قد أفاضت يوم النحر.
قال " فلتنفر إذا " ولم يأمرها بفدية ولا غيرها.
وفي حديث ابن عباس الا أنه خفف عن المرأة الحائض، وحكم النفساء حكم الحائض لان أحكام النفاس أحكام الحيض فيما يجب ويسقط (فصل) إذا نفرت الحائض بغير وداع فطهرت قبل مفارقة البنيان وجعت فاغتسلت وودعت لانها في حكم الاقامة لانها لا تستبيح الرخص.
فان لم تمكنها الاقامة فمضت أو مضت لغير عذر فعليها دم
فأما ان فارقت البنيان لم يجب عليها الرجوع لخروجها عن حكم الحاضر فان قيل فلم لا يجب الرجوع ما دامت قريبة كالخارج لغير عذر؟ قلنا هناك ترك واجبا فلم يسقط بخروجه حتى يصير إلى مسافة
القصر لانه يكون انشاء سفر طويل غير الاول وههنا لم يكن واجبا ولا يثبت وجوبه ابتداء الا في حق من كان مقيما (مسألة) (فإذا فرغ من الوداع وقف في الملتزم بين الركن والباب) يستحب أن يقف المودع في الملتزم وهو ما بين الحجر الاسود وباب الكعبة فيلتزمه ويلصق به صدره ووجهه ويدعو الله عزوجل.
لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله.
فما جاء دبر الكعبة قلت ألا تتعوذ.
قال نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى استلم الحجر فقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطا وقال.
هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
وعن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة انطلقت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم ووضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم.
رواه أبو داود.
وقال منصور سألت مجاهدا إذا أردت الوداع كيف أصنع؟ قال: تطوف سبعا وتصلي ركعتين خلف المقام، ثم تأتي زمزم فتشرب منها ثم تأتي الملتزم ما بين الباب والحجر فتستلمه ثم تدعو ثم تسأل حاجتك ثم تستلم الحجر وتنصرف.
وقال بعض أصحابنا يقول في دعائه: اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك، وأعنتني على
آداء نسكي، فان كنت رضيت عني فازدد عني رضى، وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي ان أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك، ولا راغب عنك ولا عن بيتك.
اللهم فأصحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك أبدا ما أبقيتني، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير.
وعن طاوس قال: رأيت
أعرابيا أتى المتلزم فتعلق باستار الكعبة فقال: بك اعوذ وبك ألوذ، اللهم فاجعل لي في اللهف إلى جودك، والرضى بضمانك، مندوحا عن منع الباخلين، وغنى عما في أيدي المستأثرين.
اللهم فرجك القريب ومعروفك التام وعادتك الحسنة.
ثم أضلني في الناس فألفيته بعرفات قائما وهو يقول: اللهم ان كنت لم تقبل حجتي وتعبي ونصبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم أعظم مصيبة ممن ورد حوضك وانصرف محروما من وجه رغبتك.
وقال آخر: ياخير موفود إليه، قد ضعفت قوتي، وذهبت منتي، وأتيت اليك بذنوبي لا تسعها البحار أستجير برضاك من سخطك، وبعفوك عن عقوبتك، رب ارحم من شملته الخطايا، وغمرته الذنوب، وظهرت منه العيوب، أرحم أسير ضر، وطريد فقر، اسألك أن تهب لي عظيم جرمي، يا مستزادا من نعمه، ومستعاذا من نقمه، ارحم صوت حزين دعاك بزفير وشهيق.
اللهم ان كنت بسطت اليك يدي داعيا، فطالما كفيتني ساهيا، فنعمتك التي تظاهرت علي عند الغفلة، لا أيأس منها عند التوبة، فلا تقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف، وهب لي الاصلاح في الولد،
والامن في البلد.
والعافية في الجسد، انك سميع مجيب، اللهم ان لك علي حقوقا فتصدق بها علي، وللناس قبلي تبعات فتحملها عني: وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك الليلة فاجعل قراي الجنة.
اللهم ان سائلك عند بابك من ذهبت أيامه، وبقيت آثامه، وانقطعت شهوته، وبقيت تبعته، فارض عنه وان لم ترض عنه فاعف عنه، فقد يعفو السيد عن عبده وهو غير راض عنه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الا أن المرأة إذا كانت حائضا أو نفساء لم تدخل المسجد ووقفت على بابه فدعت بذلك (فصل) قال أحمد: إذا ودع البيت يقوم عند الباب إذا خرج ويدعو فإذا تلا لا يقف ولا يلتفت فان التفت رجع وودع، وروى حنبل في المناسك عن المهاجر قال قلت لجابر بن عبد الله: الرجل يطوف بالبيت ويصلي فإذا انصرف خرج ثم أستقبل القبلة فقام فقال: ما كنت أحسب يصنع هذا الا اليهود والنصارى قال أبو عبد الله أكره ذلك، وقول أبي عبد الله إن التفت رجع فودع على سبيل الاستحسان إذ لا نعلم لا بجاب ذلك عليه دليلا.
وقد قال مجاهد هذا إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت ثم انظر إلى الكعبة ثم قل: اللهم لا تجعله آخر العهد
(فصل) فان خرج قبل طواف الزيارة رجع حراما حتى يطوف بالبيت لانه ركن لايتم الحج الا به ولا يحل من احرامه حتى يفعله، فمتى لم يفعله لم ينفك احرامه ورجع متى أمكنه محرما لا يجزئه غير
ذلك، وبذلك قال عطاء والثوري ومالك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحسن يحج من العام المقبل، وحكي نحو ذلك عن عطاء أيضا ولنا قول البني صلى الله عليه وسلم حين ذكر له أن صفية حاضت قال " أحابستنا هي؟ " قيل انها قد أفاضت يوم النحر قال " فلتنفر أذا " يدل على أن هذا الطواف لابد منه وأنه حابس لمن لم يأت به، فان نوى التحلل ورفض احرامه لم يحل بذلك لان الاحرام لا يخرج منه بنية الخروج، ومتى رجع إلى مكة فطاف بالبيت حل بطوافه لان الطواف لا يفوت وقته على ما قدمناه (فصل) وترك بعض الطواف كترك الجميع فيما ذكرنا وسواء ترك شوطا أو أقل أو أكثر وهذا قول عطاء ومالك والشافعي واسحاق وأبي ثور، وقال أصحاب الرأي من طاف أربعة أشواط من طواف الزيارة وطواف العمرة وسعى بين الصفا والمروة ثم رجع إلى الكوفة ان سعيه يجزئه وعليه دم لما ترك من الطواف بالبيت ولنا أن ما أتى به لا يجزئه إذا كان بمكة فلم يجزئه إذا خرج منها كما لو طاف دون أربعة أشواط (فصل) فان ترك طواف الزيارة بعد رمي جمرة العقبة لم يبق محرما إلا عن النساء خاصة لانه قد حصل له التحلل الاول برمي الجمرة فحل له كل شئ إلا النساء فان وطئ لم يفسد حجه ولم تجب عليه بدنة لكن على دم ويجدد احرامه ليطوف في احرام صحيح وفي ذلك اختلاف ذكرناه فيما مضى
(مسألة) (فإذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما) تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لما روى الدارقطني باسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي " وفي رواية " من زار قبري وجبت له شفاعتي " رواه باللفظ الاول سعيد، وقال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن
قسيط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مامن أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " قال وإذا حج الذي لم يحج قط يعني من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لاني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقصد الطرق، ولا يتشاغل بغيره، ويروى عن العتبي قال.
كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء اعرابي فقال: السلام عليك يارسول الله سمعت الله يقول (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك متسغفرا من ذنبي، مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن البان والاكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف الاعرابي فحملتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عتبى " الحق الاعرابي فبشره أن الله قد غفر له "
ويستحب لمن دخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى ثم يقول: بسم الله والصلاة على رسول الله، اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج قدم رجله اليسرى وقال مثل ذلك إلا أنه يقول وافتح لي أبواب فضلك لما روي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها أن تقول ذلك إذا دخلت المسجد، ثم تأتي القبر فتولي ظهرك القبلة وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، والسلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه وعباده، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لامتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك كثيرا كما يحب ربنا ويرضى، اللهم اجز عنا نبينا أفضل ما جزيت أحدا من النبيين والمرسلين وابعثه المقام المحمود الذي وعدته يغبطه الاولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على أبراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وال ابراهيم انك حميد مجيد، اللهم انك قلت وقولك الحق (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم
جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم أجعله
أو الشافعين وأنجح السائلين وأكرم الاولين والآخرين برحمتك يا أرحم الراحيمين.
ثم يدعو لوالديه ولا خوانه وللمسلمين أجمعين ثم يتقدم قليلا ويقول: السلام عليك يا ابا بكر الصدق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه ووزيريه ورحمة الله وبركاته، اللهم اجزهما عن نبيهما وعن الاسلام خيرا (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك صلى الله عليه وسلم ومن حرم مسجدك يا أرحم الراحمين (فصل) ولا يستحب التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله، قال أحمد رحمه الله ما أعرف هذا، قال الاثرم رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسون قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقومون من ناحية فيسلمون، قال أبو عبد الله وهكذا كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل.
قال أما المنبر فقد جاء فيه ما رواه ابراهيم بن عبد الله بن عبد القارئ أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم يضعها على وجه (فصل) ويستحب لمن رجع من الحج أن يقول ماروى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الارض ثم يقول " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون ما بدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، وصلى الله على محمد
وسلم، روى سعيد ثنا هشيم أنا ليث عن ثكير بن جعفر عن ابن عمر أنه قال: يقال إذا قدم الحاج تقبل الله نسكك، وأعظم أجرك، وأخلف نفقتك (فصل) في صفة العمرة قال الشيخ رحمه الله (من كان في الحرم خرج إلى الحل فأحرم منه) من أراد العمرة من أهل الحرم فخرج إلى الحل فأحرم منه وكان ميقاتا له، لا نعلم فيه خلافا
والافضل أن يحرم من التنعيم لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم وقال ابن سيرين بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لاهل مكة التنعيم، وانما لزم الاحرام من الحل ليجمع في النسك بين الحل والحرم، ومن أي الحل أحرم جاز، وانما أعمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة من التنعيم لانه أقرب الحل إلى مكة، وقد روي عن أحمد في المكي كلما تباعد في العمرة فهو أعظم للاجر هي على قدر تعبها
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: