محاسن التعريف في علوم التصريف 3
بسم الله الرحمان الرحيم
... مشهد الملائكة الكرام عليهم السلام لمّا صدر منهم التساؤل العجيب أن كيف يكون صاحب الخلافة من يفسد في الأرض
ويسفك الدماء فما علموا وجها لذلك بعد أن باسطهم الله تعالى في إخبارهم بذلك الغيب ففتح لهم مجال الكلام لما علموه عليهم السلام من المطلب منهم في الحديث والكلام لذا تحتّم عليهم القول فتكلّموا صدقا بما علموه من علوم في هذا الخليفة فقالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فتأدّبوا أدبين :
الأدب الأوّل :
أنّهم نسبوا ( الجعل ) لله تعالى لأنّه قال لهم ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فوقفوا حيث أوقفهم لفظا ومعنى شريعة وحقيقة وفي هذا مبحث الألفاظ التوقيفية وهو علم جليل له أسراره وأنواره وفيه أيضا علم اللغة ودلالاتها من حيث برزخ الروح في فهمها أصل الفطرة ,
والأدب الثاني :
أنّهم نسبوا الإفساد للخليفة وكذلك نسبوا سفك الدماء , لأنّ الله تعالى لا يفسد ولا يحبّ المفسدين وكذلك لا يحبّ سفك الدماء فجمع هذا وذاك في معرض الكلام عن بني إسرائيل ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً ) .
لأنّ ماهية الإفساد وسفك الدماء حال إبليسي شيطاني فمن فعل هذا الفعل فحاله كحال إبليس لذا كان بنو إسرائيل زعماء في هذا والآن ينتظرون المسيخ الدجّال ملك دولتهم لأنّ حال أغلبهم الإفساد وسفك الدماء وهذا ما تراه في صنع أسلحة الدمار الشامل وغيرها من أنواع الآلات لسفك الدماء والإفساد في الأرض فإنّ سلاح إبليس لعنه الله تعالى العنف والقتل والإرهاب والتخويف ...إلخ .
فلا تشهد أمنا ولا أمانا إلاّ في دولة المؤمنين مهما كانت أجناسهم وأعراقهم وبلدانهم , وإنّما لم تنسب الملائكة الإفساد لإبليس لعلمها بمناط الخطاب وأنّ الحاكم في أرض الخلافة هو هذا الخليفة بأمر الله فلا يعقل أن تنسب الإفساد لإبليس من غير اتّباع هذا الإنسان له لما تعطيه انفعالات تركيبته العنصرية الظلمانية.
ثمّ أنّ الملائكة الكرام عليهم السلام تعجّبت في هذا وذلك لأنّ ما أعطاها له كشفها من هذا الإفساد وسفك الدماء هو نقيض الكمال لعلمها بما عليه الله تعالى من صفات الكمال الذي لا يتناهى فتساءلت أن كيف يكون هذا الخليفة ناقصا وذلك بالإفساد وسفك الدماء والحال يستوجب أن يكون كاملا لذا دافعت عن مرتبة الكمال بما أعطاه له علمها بدليل كشفها, فعرضت نفسها لتلك المرتبة فزكّت توحيدها لله تعالى وعبوديتها وما زكّت خصوصيتها لذا خالفت حال إبليس وباينت أحواله جملة .
وإنّما أخبرها الله تعالى بهذا لما يتطلّبه هذا الإخبار من تمييز المراتب فإنّ الخليفة لا بدّ أن يعلم الكلّ به وإلاّ ما صحّت خلافته ثمّ ليعلمهم عن حقائقهم فيعرفونها بجانب حقيقة هذا الخليفة لذا سلّمت في الأخير بما ناله هذا الخليفة من خلافة في علوم الأسماء التي هي لبّ العلوم الكونية أو تقول كلّ ما سوى الله تعالى , لأنّ العبودية هي للفناء فأمرها أصلي معروف .
أمّا الخصوصية فلا بدّ لها من ظهور وهو المعبّر عنه عند العارفين بمقام البقاء وهو البقاء بالله تعالى , فالمشهد القدسي العلمي الذي صار إنّما صار لاثبات هذا العالم البقائي الذي لا يكون بدون وجود خلافة , فتحتّم وجود الخلافة لأظهار التعريفات في المراتب حتّى يقع عليها الإدراك , ففي هذا فقه الصفات الإلهية فالمشهد العلمي كان في معرفة خروج الصفات التي لا تدلّ إلاعلى الذّات متحلّية بالأسماء الدالّة عليها وفي هذه النقطة تجتمع حضرة العلوم كلّها أعني نقطة الخليفة فهو الإمام الجامع الفرد فوجب أن يكون جامعا وأن يكون فردا وأن يكون إماما وإلاّ ما صحّت خلافته .
ثمّ إنّ هذا الإخبار بالغيب الذي لم يدخل بعد عالم التكوين لا مناص من وجوده فقد صحّ وجوده بمجرّد الإخبار فكأنّه كان ( ما يبدّل القول لديّ ) فمن فهم هذا عن الله تعالى فهم وجه تساؤل الملائكة فهي حكمت بأنّه سيوجد لا محالة بل ذهبت بعيدا في كشفها فأخبرت بافساد هذا الخليفة وسفكه للدماء فكان سؤالها ليس إعتراضا فحاشاهم من ذلك بل هو تساؤل منهم في قالب طلب علم لذا ما أسكتهم أو طردهم بل قال لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) فأثبت علمهم سبحانه الذي رزقهم فتأدّبوا فيه فمدحهم بالعلم ثمّ سقاهم شراب الزيادة بما سيكون من انبائهم بالأسماء على لسان آدم .
وهكذا هم أهل الأدب في كلّ زمن ومرتبة وحال يسقون على قدر آدابهم فكم من محجوب وهو يظنّ أنّه يشرب كلّ يوم , فإنّ في أدب الملائكة هنا من الدقائق ما لا يحيط به إلاّ الله تعالى , أمّا أدب الخليفة فهو أكبر وأعظم فسبحان من علّم عباده ( الرحمان علّم القرآن ) فليس هناك علم غير علم القرآن فمن زاغ عنه فهو مطرود أحبّ أم كره , لذا قيل بأنّ الصوفي الحقيقي هو ( الذي يتأدّب بأخلاق القرآن ) أعني في عالم البقاء فالقرآن للبقاء وهو الإمام .
وهذا مبحث جامع إمامه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقد كان خلقه القرآن فرسول الله عليه الصلاة والسلام سيّد الأنبياء والمرسلين فهو النبيّ الجامع لذا كان قرآنا يمشي على رجليه , وإنّما غرضنا تفصيل هذا المقام حاشا أن نحيط برسول الله عليه الصلاة والسلام وإنّما نفصّله في مستوى الجمع عليه فإنّ آية الأمّة الإسلامية ومعجزتها هي هذا القرآن في كلّ مكان وزمان فإن كان الأنبياء لهم معجزات ذهبت بذهابهم فإنّ نبيّنا عليه الصلاة والسلام ترك معجزته لكلّ أمّته فكلّ واحد منّا له معجزة القرآن التي هي المعجزة العلمية من حيث وجود هذا الخليفة فهي المعجزة الجامعة مناط القطب الفرد الغوث الجامع وأعني بالجامع أي في الظاهر والباطن.
ثمّ أنّ الملائكة من حسن أدبها مع الله تعالى في معرض كشفها أنّها لم تعيّن هذا الذي سيفسد في الأرض وسيسفك الدماء بل ذكرته بصيغة الإجمال لأنّ آدم ما أفسد في الأرض وما سفك دما وإنّما بنوه هم الذين فعلوا ذلك , فأعلمتنا الملائكة هنا علوما كثيرة عليهم السلام منها :
أنّها أعلمتنا بأنّ الخلافة غير متوقّفة على آدم بل سارية أيضا في بنيه وهي أكبر بشرى لبني البشر لتعلمهم بحقائقهم وأنّهم مختارون عند الله تعالى ومفضّلون تفضيلا , وأنّها فقط نظرت إلى الجانب الذي يفسد فينا الكمال كي نصلحه فنبّهتنا في معرض الحديث عن علمها في كشفها والبحث هنا يطول .
تحميل الموضوع ملف وورد :
... مشهد الملائكة الكرام عليهم السلام لمّا صدر منهم التساؤل العجيب أن كيف يكون صاحب الخلافة من يفسد في الأرض
ويسفك الدماء فما علموا وجها لذلك بعد أن باسطهم الله تعالى في إخبارهم بذلك الغيب ففتح لهم مجال الكلام لما علموه عليهم السلام من المطلب منهم في الحديث والكلام لذا تحتّم عليهم القول فتكلّموا صدقا بما علموه من علوم في هذا الخليفة فقالوا ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) فتأدّبوا أدبين :
الأدب الأوّل :
أنّهم نسبوا ( الجعل ) لله تعالى لأنّه قال لهم ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) فوقفوا حيث أوقفهم لفظا ومعنى شريعة وحقيقة وفي هذا مبحث الألفاظ التوقيفية وهو علم جليل له أسراره وأنواره وفيه أيضا علم اللغة ودلالاتها من حيث برزخ الروح في فهمها أصل الفطرة ,
والأدب الثاني :
أنّهم نسبوا الإفساد للخليفة وكذلك نسبوا سفك الدماء , لأنّ الله تعالى لا يفسد ولا يحبّ المفسدين وكذلك لا يحبّ سفك الدماء فجمع هذا وذاك في معرض الكلام عن بني إسرائيل ( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً ) .
لأنّ ماهية الإفساد وسفك الدماء حال إبليسي شيطاني فمن فعل هذا الفعل فحاله كحال إبليس لذا كان بنو إسرائيل زعماء في هذا والآن ينتظرون المسيخ الدجّال ملك دولتهم لأنّ حال أغلبهم الإفساد وسفك الدماء وهذا ما تراه في صنع أسلحة الدمار الشامل وغيرها من أنواع الآلات لسفك الدماء والإفساد في الأرض فإنّ سلاح إبليس لعنه الله تعالى العنف والقتل والإرهاب والتخويف ...إلخ .
فلا تشهد أمنا ولا أمانا إلاّ في دولة المؤمنين مهما كانت أجناسهم وأعراقهم وبلدانهم , وإنّما لم تنسب الملائكة الإفساد لإبليس لعلمها بمناط الخطاب وأنّ الحاكم في أرض الخلافة هو هذا الخليفة بأمر الله فلا يعقل أن تنسب الإفساد لإبليس من غير اتّباع هذا الإنسان له لما تعطيه انفعالات تركيبته العنصرية الظلمانية.
ثمّ أنّ الملائكة الكرام عليهم السلام تعجّبت في هذا وذلك لأنّ ما أعطاها له كشفها من هذا الإفساد وسفك الدماء هو نقيض الكمال لعلمها بما عليه الله تعالى من صفات الكمال الذي لا يتناهى فتساءلت أن كيف يكون هذا الخليفة ناقصا وذلك بالإفساد وسفك الدماء والحال يستوجب أن يكون كاملا لذا دافعت عن مرتبة الكمال بما أعطاه له علمها بدليل كشفها, فعرضت نفسها لتلك المرتبة فزكّت توحيدها لله تعالى وعبوديتها وما زكّت خصوصيتها لذا خالفت حال إبليس وباينت أحواله جملة .
وإنّما أخبرها الله تعالى بهذا لما يتطلّبه هذا الإخبار من تمييز المراتب فإنّ الخليفة لا بدّ أن يعلم الكلّ به وإلاّ ما صحّت خلافته ثمّ ليعلمهم عن حقائقهم فيعرفونها بجانب حقيقة هذا الخليفة لذا سلّمت في الأخير بما ناله هذا الخليفة من خلافة في علوم الأسماء التي هي لبّ العلوم الكونية أو تقول كلّ ما سوى الله تعالى , لأنّ العبودية هي للفناء فأمرها أصلي معروف .
أمّا الخصوصية فلا بدّ لها من ظهور وهو المعبّر عنه عند العارفين بمقام البقاء وهو البقاء بالله تعالى , فالمشهد القدسي العلمي الذي صار إنّما صار لاثبات هذا العالم البقائي الذي لا يكون بدون وجود خلافة , فتحتّم وجود الخلافة لأظهار التعريفات في المراتب حتّى يقع عليها الإدراك , ففي هذا فقه الصفات الإلهية فالمشهد العلمي كان في معرفة خروج الصفات التي لا تدلّ إلاعلى الذّات متحلّية بالأسماء الدالّة عليها وفي هذه النقطة تجتمع حضرة العلوم كلّها أعني نقطة الخليفة فهو الإمام الجامع الفرد فوجب أن يكون جامعا وأن يكون فردا وأن يكون إماما وإلاّ ما صحّت خلافته .
ثمّ إنّ هذا الإخبار بالغيب الذي لم يدخل بعد عالم التكوين لا مناص من وجوده فقد صحّ وجوده بمجرّد الإخبار فكأنّه كان ( ما يبدّل القول لديّ ) فمن فهم هذا عن الله تعالى فهم وجه تساؤل الملائكة فهي حكمت بأنّه سيوجد لا محالة بل ذهبت بعيدا في كشفها فأخبرت بافساد هذا الخليفة وسفكه للدماء فكان سؤالها ليس إعتراضا فحاشاهم من ذلك بل هو تساؤل منهم في قالب طلب علم لذا ما أسكتهم أو طردهم بل قال لهم ( إنّي أعلم ما لا تعلمون ) فأثبت علمهم سبحانه الذي رزقهم فتأدّبوا فيه فمدحهم بالعلم ثمّ سقاهم شراب الزيادة بما سيكون من انبائهم بالأسماء على لسان آدم .
وهكذا هم أهل الأدب في كلّ زمن ومرتبة وحال يسقون على قدر آدابهم فكم من محجوب وهو يظنّ أنّه يشرب كلّ يوم , فإنّ في أدب الملائكة هنا من الدقائق ما لا يحيط به إلاّ الله تعالى , أمّا أدب الخليفة فهو أكبر وأعظم فسبحان من علّم عباده ( الرحمان علّم القرآن ) فليس هناك علم غير علم القرآن فمن زاغ عنه فهو مطرود أحبّ أم كره , لذا قيل بأنّ الصوفي الحقيقي هو ( الذي يتأدّب بأخلاق القرآن ) أعني في عالم البقاء فالقرآن للبقاء وهو الإمام .
وهذا مبحث جامع إمامه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فقد كان خلقه القرآن فرسول الله عليه الصلاة والسلام سيّد الأنبياء والمرسلين فهو النبيّ الجامع لذا كان قرآنا يمشي على رجليه , وإنّما غرضنا تفصيل هذا المقام حاشا أن نحيط برسول الله عليه الصلاة والسلام وإنّما نفصّله في مستوى الجمع عليه فإنّ آية الأمّة الإسلامية ومعجزتها هي هذا القرآن في كلّ مكان وزمان فإن كان الأنبياء لهم معجزات ذهبت بذهابهم فإنّ نبيّنا عليه الصلاة والسلام ترك معجزته لكلّ أمّته فكلّ واحد منّا له معجزة القرآن التي هي المعجزة العلمية من حيث وجود هذا الخليفة فهي المعجزة الجامعة مناط القطب الفرد الغوث الجامع وأعني بالجامع أي في الظاهر والباطن.
ثمّ أنّ الملائكة من حسن أدبها مع الله تعالى في معرض كشفها أنّها لم تعيّن هذا الذي سيفسد في الأرض وسيسفك الدماء بل ذكرته بصيغة الإجمال لأنّ آدم ما أفسد في الأرض وما سفك دما وإنّما بنوه هم الذين فعلوا ذلك , فأعلمتنا الملائكة هنا علوما كثيرة عليهم السلام منها :
أنّها أعلمتنا بأنّ الخلافة غير متوقّفة على آدم بل سارية أيضا في بنيه وهي أكبر بشرى لبني البشر لتعلمهم بحقائقهم وأنّهم مختارون عند الله تعالى ومفضّلون تفضيلا , وأنّها فقط نظرت إلى الجانب الذي يفسد فينا الكمال كي نصلحه فنبّهتنا في معرض الحديث عن علمها في كشفها والبحث هنا يطول .
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: