محاسن التعريف في علوم التصريف 2
بسم الله الرحمان الرحيم
قوله تعالى في الآية الكريمة : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )
فيه إشارة أنّ الله تعالى أراد أن يطلع
ملائكته على غيب لم يدخل بعد عالم التكوين , وفيه أنّ هذا قد يحصل لكلّ من كان على وصف الملائكة من التنوير الكامل وبه قال بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه لمّا ذكر أنّ الله تعالى قد يطلع العارف على غيب لم يدخل بعد عالم التكوين فيكون هذا الإخبار في حقيقته متعلّقا بحقائق القطب الذي مناط خلافته عالم الأكوان فتعلّق ذلك الإخبار بالغيب بعالم الأكوان , أو تقول تعلّق بذلك القطب.
فإنّ أشرف الإخبار بمثل ذلك الغيب ما كان يدلّ على القطب وحقيقته , وفي هذا علوم كثيرة منها أنّ هذا الإخبار يكون في مستوى التنوير الذاتي وفي مستوى تحقيق الأمر الكائن وفي مستوى علاقة هذا الإخبار بما عليه ذلك العالم النوري من علوم فهو أعظم إبتلاء لأهل النور في علومهم وتمحيصا لها فإنّ العلم مهما كان صنفه ممّا رزقك الله إيّاه ووهبه لك لا بدّ فيه من أمرين : الأمر الأوّل أن تبتلى فيه ليمحّصه لك فيثبت لك نقصك فيه وجهلك به فتعترف بالجهل ضرورة كحال لازم مع الأدب الكامل في وصف هذا الجهل بأن لا تنسى فضل الله عليك فيه فتكون بين أدبين :
الأوّل إستشعار تلك النعمة العلمية التي وهبكها الله تعالى والأمر الثاني إستشعار وصف جهلك في ذلك العلم فيكون لديك العلم وتكون جاهلا بحقيقته على إطلاقه فتشكر من حيث أنّك رزقت العلم ثمّ تتأدّب من حيث أنّ من رزقك إيّاه أعلم به منك فيه فيكون أدبك متحقّقا وجهلك ظاهرا متمكّنا فمهما استزدت من العلم كثر جهلك به فاعترفت بالعجز وهذا مطلوبه منك لأنّه يدخلك في حقيقة العبودية لله تعالى لذا قلنا بأنّ العلم للخصوصية والتبرأ فيه من العبودية فلو لا العلم لما عرفت عبودية ولما ظهرت خصوصية لذا أردت أن أسمّي موضوعي ( تعريف العبودية في مراتب الخصوصية ) فهذا مجالها فإنّ الله لا يعبد بالجهل لذا رزقك العلم وهي خصوصية فكانت الخصوصية مطلوبة لغيرها التي هي العبودية , فإنّ العلم هو الإمتحان العسير لتحقيق العبودية فما دامت العبودية لا نهاية لها كذلك صاحبها العلم فإنّه لا نهاية له ( وقل ربّ زدني علما ) أي لتزداد عبودية , فهنا لمّا أخبر سبحانه الملائكة بهذا الغيب امتحن عبوديتها ولكنّها أظهرت خصوصيتها فإنّ حقيقة العبودية ما أخفت معها كلّ خصوصية إلاّ في محلّ ظهور الخصوصية في مشهد العبودية ( ولا فخر ) كما ورد في الحديث وكيف يكون الفخر وهو قائم في حقائق العبودية التي أوصافها ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا ) وسنأتي على ذكر كلّ ذلك إن شاء الله تعالى بما لم تره قطّ مرسوما في كتاب وكلّ ذلك من فتح العليم الوهّاب فسبحان من رزق عباده العلوم ليطلعهم على جهلهم بها وفيها فتفرّد بالعلم سبحانه العليم ,لأنّ مذهب القوم أنّه لا عليم سوى الله تعالى ولا يعلم الغيب إلاّ الله تعالى فمهما رزقك الله ووهبك وأطلعك على غيوب وعلوم ومعارف فأنت في الحقيقة جاهل بها وفيها فكيف تدّعيها لذا عوتب موسى ونبّه سيّد الرسل عليه الصلاة والسلام بقوله ( وقل ربّ زدني علما ) وعوتب نوح وظنّ داود وحارت الملائكة والإنس والجنّ هذا لتعلم ما معنى العليم سبحانه , فليس الإخبار بالغيوب من قبل الإلهام أو الكلام أو المنام أو غيرها في حدّ ذاته منقبة بل المنقبة هي معرفة تصرّفك في ذلك الإخبار بانتفاء الدعوى فيه وأدبا معه , ثمّ إنّ مجال ذكر القطبانية متعلّقها هذا العلم فهي لتمييز الحضرات العلمية بعضها عن بعض لعدم تناهيه فكيف تدّعي العلم والعلم غير متناهي لذا كان السير في معرفة الله لا ينتهي .فإنّه لا نهاية للكمالات وقد نبّه أستاذنا على هذه النقطة بقوله كما في مرآة الذاكرين ( إنّ كمال العارف بداية الكمال والوصول إلى نهاية نوالكم درجة لا تنال ) فيكون العارف على حالة من الوجل والترقّب والخشية والأدب الكامل متى ورد هذا الإخبار بمثل تلك الأمور قال تعالى : ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) أي في ذات العلم .
الأمر الثاني : إنّما يطلعك على ذلك إمّا لتكون جندا في ذلك الإخبار أو تكون معاندا له ومحاربا لذا ورد في التنبيه على وصف هذه العلوم ( من آذى لي وليّا فقد آذنته بحرب ) ثمّ إنّ طبيعة الحرب هذه يدلّ عليها إسمها من حيث المكر والإستدراج وختم القلوب وعدم الشعور وقد ورد في الحديث الحرب خدعة (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) رغم أنّه لا يوجد صفة لله إسمها الخديعة وإنّما في تعبيره بلفظة ( الحرب ) فيها ما فيها فهذه الحرب من جنس ما في الولاية من علوم لذا طرد إبليس وأبعد ولعن وأبلس من غير رجوع فلا رجوع له إلى الله تعالى أبدا وأعني بالرجوع رجوع خشية في علوم القطبانية التي حقيقتها عبودية لذا كان أوّل من أسّس القول بالوجود الذاتي فأراد أن يجعل العلم عين المعلوم مع أنّ العلم صفة وليس بذات فليس الأمر كما قاله المعتزلة من أهل الإسلام فقد أعوزهم التحقيق عن اللحوق بسادات أهل الطريق .
وإنّما كلامنا الآن في طور الأمر النازل عن الأمر الذي كتبنا هذا الموضوع من أجله فمرادنا ذكر أدب القطب وعلومه في تلك الخصوصية مجال التصريف بما تراه من تحقيق كامل في مراتب العبودية التي لا تكون كاملة تامّة إلاّ في وصف الخلافة التي سنأتي عليها بعد حين إن شاء الله تعالى فينمحي إن شاء الله تعالى الشرك الذي وقع فيه بنو الإنسان والجان .
ثمّ ليس المراد بالإخبار بمثل ذلك الغيب الذي لم يدخل بعد عالم التكوين فيجري عليه حكم الزمان والمكان لذاته وإنّما كما قلنا ليتميّز الخبيث من الطيّب ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) .
ثمّ أنّ الإخبار قد لا يعرف العارف له وجها وقد يظنّ أنّ له وجها فإنّ ذلك الإخبار متى كان له وجه فحتما تعلّقه بغيب الأفعال أمّا غيب الصفات فهيهات هيهات أن يعلمه العارف إلاّ القطب الفرد الغوث الجامع فهو آدم زمانه فعليه أن يتأدّب حتّى تظهر حقائقه فهما , لذا نبّههم على هذا النوع الثاني من الغيب ففهموا على أنّه غيب الأفعال فاحتجّوا رغم أنّ الإشارة راجعة إلى قوله ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) صفة الصفات فنظرت الملائكة إلى الأفعال من الإفساد أمّا إبليس فنظر إلى المادّة الكونية من حيث الإنفعالات فما أبعد هذا وذاك .
تحميل الموضوع ملف وورد :
قوله تعالى في الآية الكريمة : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )
فيه إشارة أنّ الله تعالى أراد أن يطلع
ملائكته على غيب لم يدخل بعد عالم التكوين , وفيه أنّ هذا قد يحصل لكلّ من كان على وصف الملائكة من التنوير الكامل وبه قال بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه لمّا ذكر أنّ الله تعالى قد يطلع العارف على غيب لم يدخل بعد عالم التكوين فيكون هذا الإخبار في حقيقته متعلّقا بحقائق القطب الذي مناط خلافته عالم الأكوان فتعلّق ذلك الإخبار بالغيب بعالم الأكوان , أو تقول تعلّق بذلك القطب.
فإنّ أشرف الإخبار بمثل ذلك الغيب ما كان يدلّ على القطب وحقيقته , وفي هذا علوم كثيرة منها أنّ هذا الإخبار يكون في مستوى التنوير الذاتي وفي مستوى تحقيق الأمر الكائن وفي مستوى علاقة هذا الإخبار بما عليه ذلك العالم النوري من علوم فهو أعظم إبتلاء لأهل النور في علومهم وتمحيصا لها فإنّ العلم مهما كان صنفه ممّا رزقك الله إيّاه ووهبه لك لا بدّ فيه من أمرين : الأمر الأوّل أن تبتلى فيه ليمحّصه لك فيثبت لك نقصك فيه وجهلك به فتعترف بالجهل ضرورة كحال لازم مع الأدب الكامل في وصف هذا الجهل بأن لا تنسى فضل الله عليك فيه فتكون بين أدبين :
الأوّل إستشعار تلك النعمة العلمية التي وهبكها الله تعالى والأمر الثاني إستشعار وصف جهلك في ذلك العلم فيكون لديك العلم وتكون جاهلا بحقيقته على إطلاقه فتشكر من حيث أنّك رزقت العلم ثمّ تتأدّب من حيث أنّ من رزقك إيّاه أعلم به منك فيه فيكون أدبك متحقّقا وجهلك ظاهرا متمكّنا فمهما استزدت من العلم كثر جهلك به فاعترفت بالعجز وهذا مطلوبه منك لأنّه يدخلك في حقيقة العبودية لله تعالى لذا قلنا بأنّ العلم للخصوصية والتبرأ فيه من العبودية فلو لا العلم لما عرفت عبودية ولما ظهرت خصوصية لذا أردت أن أسمّي موضوعي ( تعريف العبودية في مراتب الخصوصية ) فهذا مجالها فإنّ الله لا يعبد بالجهل لذا رزقك العلم وهي خصوصية فكانت الخصوصية مطلوبة لغيرها التي هي العبودية , فإنّ العلم هو الإمتحان العسير لتحقيق العبودية فما دامت العبودية لا نهاية لها كذلك صاحبها العلم فإنّه لا نهاية له ( وقل ربّ زدني علما ) أي لتزداد عبودية , فهنا لمّا أخبر سبحانه الملائكة بهذا الغيب امتحن عبوديتها ولكنّها أظهرت خصوصيتها فإنّ حقيقة العبودية ما أخفت معها كلّ خصوصية إلاّ في محلّ ظهور الخصوصية في مشهد العبودية ( ولا فخر ) كما ورد في الحديث وكيف يكون الفخر وهو قائم في حقائق العبودية التي أوصافها ( نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا ) وسنأتي على ذكر كلّ ذلك إن شاء الله تعالى بما لم تره قطّ مرسوما في كتاب وكلّ ذلك من فتح العليم الوهّاب فسبحان من رزق عباده العلوم ليطلعهم على جهلهم بها وفيها فتفرّد بالعلم سبحانه العليم ,لأنّ مذهب القوم أنّه لا عليم سوى الله تعالى ولا يعلم الغيب إلاّ الله تعالى فمهما رزقك الله ووهبك وأطلعك على غيوب وعلوم ومعارف فأنت في الحقيقة جاهل بها وفيها فكيف تدّعيها لذا عوتب موسى ونبّه سيّد الرسل عليه الصلاة والسلام بقوله ( وقل ربّ زدني علما ) وعوتب نوح وظنّ داود وحارت الملائكة والإنس والجنّ هذا لتعلم ما معنى العليم سبحانه , فليس الإخبار بالغيوب من قبل الإلهام أو الكلام أو المنام أو غيرها في حدّ ذاته منقبة بل المنقبة هي معرفة تصرّفك في ذلك الإخبار بانتفاء الدعوى فيه وأدبا معه , ثمّ إنّ مجال ذكر القطبانية متعلّقها هذا العلم فهي لتمييز الحضرات العلمية بعضها عن بعض لعدم تناهيه فكيف تدّعي العلم والعلم غير متناهي لذا كان السير في معرفة الله لا ينتهي .فإنّه لا نهاية للكمالات وقد نبّه أستاذنا على هذه النقطة بقوله كما في مرآة الذاكرين ( إنّ كمال العارف بداية الكمال والوصول إلى نهاية نوالكم درجة لا تنال ) فيكون العارف على حالة من الوجل والترقّب والخشية والأدب الكامل متى ورد هذا الإخبار بمثل تلك الأمور قال تعالى : ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) أي في ذات العلم .
الأمر الثاني : إنّما يطلعك على ذلك إمّا لتكون جندا في ذلك الإخبار أو تكون معاندا له ومحاربا لذا ورد في التنبيه على وصف هذه العلوم ( من آذى لي وليّا فقد آذنته بحرب ) ثمّ إنّ طبيعة الحرب هذه يدلّ عليها إسمها من حيث المكر والإستدراج وختم القلوب وعدم الشعور وقد ورد في الحديث الحرب خدعة (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) رغم أنّه لا يوجد صفة لله إسمها الخديعة وإنّما في تعبيره بلفظة ( الحرب ) فيها ما فيها فهذه الحرب من جنس ما في الولاية من علوم لذا طرد إبليس وأبعد ولعن وأبلس من غير رجوع فلا رجوع له إلى الله تعالى أبدا وأعني بالرجوع رجوع خشية في علوم القطبانية التي حقيقتها عبودية لذا كان أوّل من أسّس القول بالوجود الذاتي فأراد أن يجعل العلم عين المعلوم مع أنّ العلم صفة وليس بذات فليس الأمر كما قاله المعتزلة من أهل الإسلام فقد أعوزهم التحقيق عن اللحوق بسادات أهل الطريق .
وإنّما كلامنا الآن في طور الأمر النازل عن الأمر الذي كتبنا هذا الموضوع من أجله فمرادنا ذكر أدب القطب وعلومه في تلك الخصوصية مجال التصريف بما تراه من تحقيق كامل في مراتب العبودية التي لا تكون كاملة تامّة إلاّ في وصف الخلافة التي سنأتي عليها بعد حين إن شاء الله تعالى فينمحي إن شاء الله تعالى الشرك الذي وقع فيه بنو الإنسان والجان .
ثمّ ليس المراد بالإخبار بمثل ذلك الغيب الذي لم يدخل بعد عالم التكوين فيجري عليه حكم الزمان والمكان لذاته وإنّما كما قلنا ليتميّز الخبيث من الطيّب ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) .
ثمّ أنّ الإخبار قد لا يعرف العارف له وجها وقد يظنّ أنّ له وجها فإنّ ذلك الإخبار متى كان له وجه فحتما تعلّقه بغيب الأفعال أمّا غيب الصفات فهيهات هيهات أن يعلمه العارف إلاّ القطب الفرد الغوث الجامع فهو آدم زمانه فعليه أن يتأدّب حتّى تظهر حقائقه فهما , لذا نبّههم على هذا النوع الثاني من الغيب ففهموا على أنّه غيب الأفعال فاحتجّوا رغم أنّ الإشارة راجعة إلى قوله ( إنّي جاعل في الأرض خليفة ) صفة الصفات فنظرت الملائكة إلى الأفعال من الإفساد أمّا إبليس فنظر إلى المادّة الكونية من حيث الإنفعالات فما أبعد هذا وذاك .
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
العبودية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: