ما من عام أمطر من عام
ما من عام أمطر من عام
لقد خص الله جل جلاله الأرض بغلافها الأرضي الجغرافي (Geosphere) الذي تميزت به عن أترابها من الكواكب الشمسية وسواها المعروفة حتى الآن، والغلاف مكون من أجزاء أربعة: الجوي
(Atmosphere) والصخري (Lithosphere) والمائي (Hydrosphere) والحيوي العضوي (Biosphere).
تتفاعل الأجزاء هذه وبفعالية كبيرة وباستمرار مع بعضها البعض، وذلك عبر النقل المتبادل للطاقة والمادة(1)، مما يجعل
من الغلاف الأرضي الجغرافي كتلة طبيعية واحدة متكاملة. وتجدر الإشارة إلى أن للماء الدور الحاسم في إتمام عمليات النقل والتبادل آنفة الذكر، وذلك لما للماء من سمات وخصائص فيزيائية وكيميائية ينفرد بها:
أ ـ يوجد الماء في الغلاف الأرضي الجغرافي وبآن واحد في ثلاثة أطوار (أشكال) فيزيائية/سائلة وهي الأساس، وغازية/بخار
الماء، وصلبة/جليد.
ب ـ للماء مقدرة كبيرة في حل المركبات الكيميائية وتحويلها إلى شوارد حرة وعلى حل أو إذابة المركبات الصخرية.
ج ـ حركيته ولزوجيته المعيارية التي تمكنه من تحريك ونقل ما قام بحله وإذابته من مواد وغازات إلى مسافات بعيدة.
د ـ يصل الماء في طوره الغازي إلى أعلى طبقات الجو وإلى أعمق مناطق القشرة الأرضية من خلال مسام الصخور وشقوقها وفجواتها.
هـ ـ كم الماء كبير جداً على سطح الأرض (قرابة 1.38 مليار كم3)(2) وهو ما لا نجده في الكواكب الأخرى، لذلك عُرِف بالكوكب الأزرق. إن الكم المشار إليه معياري المقدار فأي تغيير محسوس فيه سيغير قوانين الأرض الطبيعية ويبدل معايير توازنها المادي والطاقي ويحولها تدريجياً إلى كواكب أخرى غير الأرض الحالية.
و ـ هذا الكم الكبير من الماء السائل الأرضي وفي ظل الواقع الفيزيائي والكيميائي الحالي للأرض كتلة وسطحاً يقدم مقداراً محدداً بدقة من المياه العذبة التهطالية المنشأ الكافية لتلبية كل حاجات الكائنات الحية وحاجة الفعاليات المناخية والحيوية والتبدلات الصخرية ضمن الغلاف الأرضي الجغرافي، ومن ناقلة القول إن تغيراً ملموساً لمقدار المياه العذبة سيؤثر سلباً على كل عناصر الغلاف الأرضي المذكور.
انطلاقاً من الحقيقة السابقة، سطع نجم الإعجاز الإلهي والنبوي الشريف وذلك بإخبارنا وقبل (1400سنة) ونيف أن ما يصل إلى الأرض من هطول محسوب بدقة ولا يتغير وسطياً من عام إلى آخر، وهو ما يعبر عنه في العلوم الجغرافية والعلوم الطبيعية بالتوازن الرطوبي والتهطالي، ولنقرأ أولاً ما جاء في القرآن الكريم:
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) (الزخرف: 11).
(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) (المؤمنون: 18)
ثم لنقرأ قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أن رسول الله قال: (ما من عام أمطر من عام ولكن هميصرفه حيث يشاء، ثم قرأ: ولقد صرفناه بين) ـ (رواه الحاكم والبيهقي موقوف دون مرفوع).
عند قراءة الحديث الشريف نرى حقيقتين:
أ ـ الكم المحدود من الهطول السنوي (ما من عام أمطر من عام).
ب ـ قوله ـ عليه السلام ـ: يصرفه حيث يشاء تعنى توزيع الهطول على سطح الأرض توزيعاً حدده رب العزة بشكل يحقق التوازن النطاقي والإقليمي على سطح الأرض، والتوازن الرطوبي المنطلق لتحقيق مختلف أشكال التوازن المادي والطاقي الأرضي، وعند الله كل شيء بمقدار (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد: 8).
سنرى الآن مصداق المعيارية والمقدارية المشار إليها في الآيتين الكريمتين السابقتين وفي الحديث الشريف كذلك، وذلك لدى وقوفنا أمام ظاهرة الدورة الرطوبية على سطح الأرض، وتتكون الدورة الرطوبية من مجموعتين من العناصر الرطوبية:
أ ـ المجموعة الأولى مجموعة عناصر الكسب الرطوبي(3)
ب ـ المجموعة الثانية مجموعة عناصر الخسارة الرطوبية.
نرى في المحيطات أن عناصر الكسب الرطوبي تتجلى في كمية الهطول السنوية فوق المحيطات (Xo) وبما يرد إليها من مياه نهرية عذبة من اليابسة (Y)، وأما الخسارة فإنها عبارة عن كمية المياه المتبخرة سنوياً من المحيطات أي (Eo)، وهكذا نجد أن الموازنة المائية الرطوبية المحيطية تأخذ الشكل التالي:
(E o = Xo + Y)
وإذا ما ترجمنا ما سبق إلى أرقام مقدرة بآلاف الكم المكعبة من الماء نجد:
( E o = 458 + 49 = 505)
وهذا يعني أن كمية ما يتبخر سنوياً من المحيطات يعادل (505) ألف كم3، وهي تعادل مقدار الهطول فوق المحيطات (458) ألف كم 3 مضافاً إليها مياه الأنهار الصابة فيها (47) ألف كم 3.
أما بالنسبة للقارات فإن عنصر الكسب يتمثل بكمية الهطول السنوية الذي يتم فوقها (Xc) والبالغة (119) ألف كم3، إلا أن الخسارة الرطوبية تتجلى في كمية مياه الأنهار الصابة في المحيط العالمي، وتعادل (47) ألف كم3 كما رأينا، وهكذا نجد أن مجموع ما يتبخر سنوياً فوق القارات (Ec) يعادل (72) ألف كم3:
Ec= Xc (119) – Y (47) = 72
بعد أن تعرفنا على عناصر التوازن المائي الرطوبي فوق كل من المحيطات
(Eo + Ec = Xo + Xc) واليابسة يمكننا أن نوحدها في معادلة واحدة: وتعادل رقمياً: (505 + 72 = 458+119) وإذا ما رمزنا للتبخر على الأرض عامة ب (E) وللتهاطل ب (X) نجد أن المعادلة تبدو كالتالي:
(E = X)
ومما سبق نجد تساوي كميتي الرطوبة في طرفي المعادلة التوازنية:
E (577) = X (577) (4)
أي إن مجموع ما يتبخر على سطح الأرض يعادل كمية الهطول السنوية فوقها، وصدق الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى عندما قال: (ما من عام أمطر من عام..) وتبارك الذي أنزل من السماء الماء بقدر ليسكن الأرض.
والسؤال الآن: ما سر وجود هذا الكم المحدد (وسطياً) من المياه المتبخرة والمتكاثفة سنوياً؟
إن الإجابة تكمن في مظهر آخر من مظاهر التوازن الطبيعي على سطح الأرض، إنه التوازن الإشعاعي الحراري الأرضي الجوي.
تقدر الطاقة الحرارية الشمسية الواصلة إلى سقف الغلاف الجوي الأرضي بحوالي (1.36.10)24 حريرة/سعرة/سم2/سنة وهو ما يعادل (2/1 ÷ 2 مليار) (5) من مجموع الطاقة الحرارية الشمسية. وإذا ما سلطت هذه الطاقة ـ أي الطاقة الكاملة للشمس ـ على محيطات الأرض وبحارها ستتبخر كاملاً خلال (1.5) ثانية وستختفي تماماً.
عندما تصل أشعة الشمس (R) إلى الأرض وجوها تتعرض لتبدلات عديدة تمثل الموازنة الإشعاعية الجوية المكونة من العناصر التالية:
(R= D+E+C) (6)
إذ إن (R) ـ تمثل مجموع الأشعة الواصلة إلى جو الأرض وسطحها.
(D) ـ تمثل مجموع الأشعة الإجمالية التي تمتص من قبل اليابسة وماء المحيطات.
(E) ـ تمثل مجموعة الأشعة الممتصة من قبل الجو.
(C) ـ تمثل مجموع الأشعة المنعكسة من على سقف الجو وسطح الأرض.
ولنفصل قليلاً:
عندما تبلغ أشعة الشمس (R) إلى سقف الجو ينعكس منها ما نسبته (31%) مباشرة إلى الفضاء الخارجي (C) وما تبقى من الأشعة (69%) يدخل الغلاف الجوي (E) فيمتص منه قرابة (17%) والباقي (52%) أي (D) فإنه يمثل مجموع الأشعة المباشرة والمنتثرة الواصلة إلى سطح الأرض، والتي ينعكس منها إلى الجو قرابة (4%)، وهكذا يتبقى من الأشعة ما يعادل (48%)، ونجد أن (18%) يصرف إشعاعاً أرضياً فعالاً ذاتياً إلى الجو، وما تبقى أي (30%) فإنه يعتبر المخزون الأرضي الإشعاعي الفعلي الذي يتحول جزء منه إلى طاقة حرارية تعمل على تبخير المياه على اليابسة والمحيطات وبنسبة (22%) من مجموع الأشعة الممتصة فعلياً من قبل سطح الأرض، أما ما تبقى وهو (8%)، فإنها تصرف على عمليات التبادل الحراري الطاقي بين الأرض والجو.
هذه الطاقة التي تعادل بالنسبة لسطح الأرض ماء ويابسة (59) ك. كالوري وسطياً تكفي على مدار السنة تبخير ما مقداره (577) ألف كم3 من المياه السائلة من على سطح الأرض، وحسب قوانين التوازن الرطوبي آنفة الذكر، ستتحول المياه المتبخرة كاملاً إلى مياه سائلة ثانية (هطول) أي بمقدار (577) ألف كم3، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أخبرنا بذلك قبل (1400) سنة ونيف بقوله: (ما من عام أمطر من عام ولكن يصرفه حيث يشاء..) وذلك بعد أن أوحي له بذلك رب العزة الذي نزل من السماء بقدر فأسكنه في الأرض.
سؤال آخر يدغدغ عقولنا ثانية وهو:
لماذا لا يصل جو الأرض وسطياً سوى (1.36.10)24 حريرة/سم2/سنة، مع أن طاقة الشمس الحرارية عظيمة هائلة كما أبنت سابقاً؟
إني أرى أن الإجابة تكمن في الآية الكريمة القائلة: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان: 29).
لنتوقف قليلاً عند كلمة (سخر) لنرى معانيها وأبعاد هذه المعاني
لقد أورد علماء التفسير في تفاسيرهم(7) معاني محددة للكلمة تتمثل في: طوع، ذلل، أخضع وكلها ترجمات صحيحة للكلمة وفي معاجم اللغة تصادف معنى أخوا إضافة لما سبق وهو العمل بلا أجر وبدون مقابل، وكلنا يعرف مدلول كلمة السخرة.
في الواقع نستشف كل المعاني السابقة في كلمة سخر، فالله ـ جل جلاله ـ طوع وذلل وأخضع الشمس لخدمة الأرض ومن عليها بلا مقابل ولا أجر يدفعه أهل الأرض لمالك الأرض والسماء.
ولنرى الآن الكيفية التي تمت فيها عملية التسخير هذه:
1 ـ لقد وضع الله الأرض في بعد معياري مثالي (وكذلك الشمس) بالنسبة للشمس، والذي يعادل وسطياً (150 مليون كم)، الأمر الذي نتج عنه:
أ ـ توفير الإضاءة والطاقة المعيارية المناسبة للأرض، ولقد أشرت إلى ذلك آنفاً، وأضيف بياناً لما ذكرته، أن كوكب عطار لا يبعد عن الشمس سوى (58) مل كم، وعليه تصله من الطاقة الحرارية الشمسية سبعة أضعاف ما يصل إلى الأرض تقريباً، لذا كثيراً ما تتجاوز حرارته نهاراً (400) درجة(8)، ونفس الشيء بالنسبة لكوكب الزهرة الذي يبعد عن الشمس (108) مل. كم الذي تبعا لذلك تصله ضعف الطاقة الحرارية الشمسية الذاهبة إلى الأرض، ونقيضاً لما ذكرته نجد أن كوكب المريخ وهو الأشبه بالأرض ولكنه الأكثر بعداً عن الشمس (220 مل.كم) نصيبه من الطاقة الشمسية لا يتعدى (57%) من الطاقة الشمسية البالغة كوكب الأرض، لذا فإن درجات الحرارة في سطح المريخ، أدنى من الصفر دائماً.
ب ـ لقد سمح البعد المعياري للشمس ببقاء الأرض في مدارها الحالي وفي الحفاظ على هويتها الكوكبية المميزة (ماء ـ كائنات حية ـ ظروف طبيعية مثالية). فلو كانت أقرب لأضحت في شكلها وخصائصها مضارعة لكوكبي عطارد والزهرة، ولو بعدت عن الشمس أكثر لأصبحت مشابهة لكوكب المريخ، وفي جميع الأحوال ستتبدل الأرض إلى غير الأرض.
ج ـ لقد ساعد البعد المعياري هذا على بقاء القمر تابعاً للأرض يدور في فلكها وهو كما نعلم قنديل الأرض وتقويمها الزمني: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس: 5).
2 ـ لقد أدى واقع البعد المعياري لكل من كتلتي الشمس والقمر إلى تحقيق أمور غاية في الأهمية بالنسبة للأرض:
1 ـ ظهور الميل المحوري للأرض، فكما نعلم محور دورانها حول نفسها ليس عمودياً بالنسبة لمساره في مداره (Orbit) بل نواه يميل بمقدار (23.27) درجة ولهذا الميل أثر عظيم على مظهر الأرض الخارجي وخصوصيتها الطبيعية وعلى كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطحها وجوها:
1 ـ لقد حددت درجة ميل المحور كمية الأشعة والطاقة الشمسية المقدار الأمثل من الطاقة المناسبة والضرورية لسطح الأرض ولمن يحيا فوقها، فالطاقة التي تصل إلى سقف الغلاف الجوي أكثر مما تحتاجه الأرض فعلياً وبخاصة في العروض الجغرافية العليا (المتوسطة وشبه القطبية والقطبية).
2 ـ سمح الميل المحوري المذكور بظهور الفصول الأربعة بوضوح ومعروف جغرافيا أهمية الفصول إشعاعياً حرارة ورطوبة.
3 ـ توزعت الحرارة نطاقياً على سطح الأرض(9)، لذا ظهرت النطاقات الحرارية ومن ثم النطاقات الطبيعية التي تتدرج في حرارتها من النطاق الاستوائي حيث سقوط الأشعة عمودي على سطح الأرض إلى النطاق القطبي البارد دائماً لأن خطوط الأشعة الشمسية تمس الأرض مسا فلا تحمل معها إلا اليسير جداً من الطاقة إلى هذا النطاق، وبين النطاقين المذكورين نرى النطاق المداري ثم شبه المداري والمتوسط، وبالواقع تكمل النطاقات مجتمعة بعضها البعض لترسم لوحة المظاهر الطبيعية الحية والجامدة فوق الأرض.
4 ـ انقسمت الأرض إلى نصفين متضادين حرارياً وإشعاعياً: نصف شمالي (شمال خط الاستواء) وآخر جنوبي. وشتاء النصف الشمالي يقابله صيف النصف الجنوبي وبذلك يتحقق توازن حراري وإشعاعي على سطح الأرض ولن يحدث شذوذ حراري ارتفاعاً وانخفاضاً يخل بالواقع الحراري الأرضي السطحي.
5 ـ عمل الميل المحوري للأرض على تباين طول الليل والنهار ما بين خط الاستواء والقطبين فهما متساويان في النطاق الاستوائي دائماً ولكنهما مختلفان طولاً كلما اقتربنا من الدائرة القطبية، إذ يختفي الليل في الانقلاب الحراري الصيفي في القطب الشمالي بينما لا نري النهار في القطب الجنوبي. ويحدث العكس بين القطبين في الانقلاب الحراري الشتوي، وبالطبع سيؤثر هذا الواقع على قيم الإشعاع والحرارة ما بين الاستواء والقطبين، وسبحان من قال: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ) (إبراهيم: 33).
ب ـ أدى البعد المعياري لكتلتي الشمس والقمر عن الأرض إلى ظهور رد فعل أرضية مناسبة ومتوازنة مع قوة جذب الجرمين المذكورين وذلك على شكل قوة نابذة متعاكسة في اتجاهها مع القوة الجاذبة الشمسية القمرية، وردة الفعل هذه الناجمة عن حركة الأرض الدورانية قد حققت ثبات سير الأرض في مدارها المعروف حول الشمس وحددت سرعة حركتها والمقدرة وسطياً بـ (29.8)كم/ثانية، مما أدى إلى انتظام طول السنة (365 يوماً ونيف) واليوم (24) ساعة، وإذا ما عدنا إلى كواكب عطارد والزهرة والمريخ نجد أن طول اليوم عطارد (176) يوماً أرضياً، بينما السنة لا تتجاوز (88) يوماً وبالنسبة للمريخ يكاد يكون طول السنة ضعف طولها في الأرض أي (678) يوماً... وهكذا بقية كواكب المجموعة الشمسية، وهذا التباين الكبير في طول كل من السنة واليوم في الكواكب الأخرى ومعياريته بالنسبة للأرض أحد الأسباب الأساسية في تباين واختلاف النظم الحرارية ما بين الكواكب هذه والأرض.
في الختام لا يسعني إلا أن أشير إلى أن الله جلت قدرته لم يكتف بتسخير الشمس والقمر بل إنه سخر الأرض ذاتها لساكنيها الأحياء لتكون لهم مستقراً وقراراً، وذلك بأن جعل تركيبها وتطبقها وطاقتها وكتلتها وحجمها معيارياً مما وفر للأرض:
1 ـ غلافاً جوياً مثالياً في تركيبه (آزوتي أكسجيني) وفي وزنه وسماكته مما أعطاه الفرصة لعكس وامتصاص قرابة (52%) من مجموع الأشعة الشمسية القادمة إلى الأرض، فحافظ بذلك على الظروف الحرارية والرطوبية الحالية.
ب ـ درعين واقيين يحميان أحياء الأرض من المواد والإشعاعات الشمسية والكونية القاتلة والدرعان هما:
1 ـ الساحة المغناطيسية وتمثل الخط الدفاعي الأول والبعيد عن الأرض.
2 ـ طبقة الأوزون القريبة من سطح الأرض (25 ـ 40 كم وسطياً).
ولا يسعني إلا أن أتم هذه الأسطر بقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت: 61)، وقوله كذلك: (وَإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (الحجر: 21).
لقد خص الله جل جلاله الأرض بغلافها الأرضي الجغرافي (Geosphere) الذي تميزت به عن أترابها من الكواكب الشمسية وسواها المعروفة حتى الآن، والغلاف مكون من أجزاء أربعة: الجوي
(Atmosphere) والصخري (Lithosphere) والمائي (Hydrosphere) والحيوي العضوي (Biosphere).
تتفاعل الأجزاء هذه وبفعالية كبيرة وباستمرار مع بعضها البعض، وذلك عبر النقل المتبادل للطاقة والمادة(1)، مما يجعل
من الغلاف الأرضي الجغرافي كتلة طبيعية واحدة متكاملة. وتجدر الإشارة إلى أن للماء الدور الحاسم في إتمام عمليات النقل والتبادل آنفة الذكر، وذلك لما للماء من سمات وخصائص فيزيائية وكيميائية ينفرد بها:
أ ـ يوجد الماء في الغلاف الأرضي الجغرافي وبآن واحد في ثلاثة أطوار (أشكال) فيزيائية/سائلة وهي الأساس، وغازية/بخار
الماء، وصلبة/جليد.
ب ـ للماء مقدرة كبيرة في حل المركبات الكيميائية وتحويلها إلى شوارد حرة وعلى حل أو إذابة المركبات الصخرية.
ج ـ حركيته ولزوجيته المعيارية التي تمكنه من تحريك ونقل ما قام بحله وإذابته من مواد وغازات إلى مسافات بعيدة.
د ـ يصل الماء في طوره الغازي إلى أعلى طبقات الجو وإلى أعمق مناطق القشرة الأرضية من خلال مسام الصخور وشقوقها وفجواتها.
هـ ـ كم الماء كبير جداً على سطح الأرض (قرابة 1.38 مليار كم3)(2) وهو ما لا نجده في الكواكب الأخرى، لذلك عُرِف بالكوكب الأزرق. إن الكم المشار إليه معياري المقدار فأي تغيير محسوس فيه سيغير قوانين الأرض الطبيعية ويبدل معايير توازنها المادي والطاقي ويحولها تدريجياً إلى كواكب أخرى غير الأرض الحالية.
و ـ هذا الكم الكبير من الماء السائل الأرضي وفي ظل الواقع الفيزيائي والكيميائي الحالي للأرض كتلة وسطحاً يقدم مقداراً محدداً بدقة من المياه العذبة التهطالية المنشأ الكافية لتلبية كل حاجات الكائنات الحية وحاجة الفعاليات المناخية والحيوية والتبدلات الصخرية ضمن الغلاف الأرضي الجغرافي، ومن ناقلة القول إن تغيراً ملموساً لمقدار المياه العذبة سيؤثر سلباً على كل عناصر الغلاف الأرضي المذكور.
انطلاقاً من الحقيقة السابقة، سطع نجم الإعجاز الإلهي والنبوي الشريف وذلك بإخبارنا وقبل (1400سنة) ونيف أن ما يصل إلى الأرض من هطول محسوب بدقة ولا يتغير وسطياً من عام إلى آخر، وهو ما يعبر عنه في العلوم الجغرافية والعلوم الطبيعية بالتوازن الرطوبي والتهطالي، ولنقرأ أولاً ما جاء في القرآن الكريم:
(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) (الزخرف: 11).
(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) (المؤمنون: 18)
ثم لنقرأ قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أن رسول الله قال: (ما من عام أمطر من عام ولكن هميصرفه حيث يشاء، ثم قرأ: ولقد صرفناه بين) ـ (رواه الحاكم والبيهقي موقوف دون مرفوع).
عند قراءة الحديث الشريف نرى حقيقتين:
أ ـ الكم المحدود من الهطول السنوي (ما من عام أمطر من عام).
ب ـ قوله ـ عليه السلام ـ: يصرفه حيث يشاء تعنى توزيع الهطول على سطح الأرض توزيعاً حدده رب العزة بشكل يحقق التوازن النطاقي والإقليمي على سطح الأرض، والتوازن الرطوبي المنطلق لتحقيق مختلف أشكال التوازن المادي والطاقي الأرضي، وعند الله كل شيء بمقدار (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد: 8).
سنرى الآن مصداق المعيارية والمقدارية المشار إليها في الآيتين الكريمتين السابقتين وفي الحديث الشريف كذلك، وذلك لدى وقوفنا أمام ظاهرة الدورة الرطوبية على سطح الأرض، وتتكون الدورة الرطوبية من مجموعتين من العناصر الرطوبية:
أ ـ المجموعة الأولى مجموعة عناصر الكسب الرطوبي(3)
ب ـ المجموعة الثانية مجموعة عناصر الخسارة الرطوبية.
نرى في المحيطات أن عناصر الكسب الرطوبي تتجلى في كمية الهطول السنوية فوق المحيطات (Xo) وبما يرد إليها من مياه نهرية عذبة من اليابسة (Y)، وأما الخسارة فإنها عبارة عن كمية المياه المتبخرة سنوياً من المحيطات أي (Eo)، وهكذا نجد أن الموازنة المائية الرطوبية المحيطية تأخذ الشكل التالي:
(E o = Xo + Y)
وإذا ما ترجمنا ما سبق إلى أرقام مقدرة بآلاف الكم المكعبة من الماء نجد:
( E o = 458 + 49 = 505)
وهذا يعني أن كمية ما يتبخر سنوياً من المحيطات يعادل (505) ألف كم3، وهي تعادل مقدار الهطول فوق المحيطات (458) ألف كم 3 مضافاً إليها مياه الأنهار الصابة فيها (47) ألف كم 3.
أما بالنسبة للقارات فإن عنصر الكسب يتمثل بكمية الهطول السنوية الذي يتم فوقها (Xc) والبالغة (119) ألف كم3، إلا أن الخسارة الرطوبية تتجلى في كمية مياه الأنهار الصابة في المحيط العالمي، وتعادل (47) ألف كم3 كما رأينا، وهكذا نجد أن مجموع ما يتبخر سنوياً فوق القارات (Ec) يعادل (72) ألف كم3:
Ec= Xc (119) – Y (47) = 72
بعد أن تعرفنا على عناصر التوازن المائي الرطوبي فوق كل من المحيطات
(Eo + Ec = Xo + Xc) واليابسة يمكننا أن نوحدها في معادلة واحدة: وتعادل رقمياً: (505 + 72 = 458+119) وإذا ما رمزنا للتبخر على الأرض عامة ب (E) وللتهاطل ب (X) نجد أن المعادلة تبدو كالتالي:
(E = X)
ومما سبق نجد تساوي كميتي الرطوبة في طرفي المعادلة التوازنية:
E (577) = X (577) (4)
أي إن مجموع ما يتبخر على سطح الأرض يعادل كمية الهطول السنوية فوقها، وصدق الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى عندما قال: (ما من عام أمطر من عام..) وتبارك الذي أنزل من السماء الماء بقدر ليسكن الأرض.
والسؤال الآن: ما سر وجود هذا الكم المحدد (وسطياً) من المياه المتبخرة والمتكاثفة سنوياً؟
إن الإجابة تكمن في مظهر آخر من مظاهر التوازن الطبيعي على سطح الأرض، إنه التوازن الإشعاعي الحراري الأرضي الجوي.
تقدر الطاقة الحرارية الشمسية الواصلة إلى سقف الغلاف الجوي الأرضي بحوالي (1.36.10)24 حريرة/سعرة/سم2/سنة وهو ما يعادل (2/1 ÷ 2 مليار) (5) من مجموع الطاقة الحرارية الشمسية. وإذا ما سلطت هذه الطاقة ـ أي الطاقة الكاملة للشمس ـ على محيطات الأرض وبحارها ستتبخر كاملاً خلال (1.5) ثانية وستختفي تماماً.
عندما تصل أشعة الشمس (R) إلى الأرض وجوها تتعرض لتبدلات عديدة تمثل الموازنة الإشعاعية الجوية المكونة من العناصر التالية:
(R= D+E+C) (6)
إذ إن (R) ـ تمثل مجموع الأشعة الواصلة إلى جو الأرض وسطحها.
(D) ـ تمثل مجموع الأشعة الإجمالية التي تمتص من قبل اليابسة وماء المحيطات.
(E) ـ تمثل مجموعة الأشعة الممتصة من قبل الجو.
(C) ـ تمثل مجموع الأشعة المنعكسة من على سقف الجو وسطح الأرض.
ولنفصل قليلاً:
عندما تبلغ أشعة الشمس (R) إلى سقف الجو ينعكس منها ما نسبته (31%) مباشرة إلى الفضاء الخارجي (C) وما تبقى من الأشعة (69%) يدخل الغلاف الجوي (E) فيمتص منه قرابة (17%) والباقي (52%) أي (D) فإنه يمثل مجموع الأشعة المباشرة والمنتثرة الواصلة إلى سطح الأرض، والتي ينعكس منها إلى الجو قرابة (4%)، وهكذا يتبقى من الأشعة ما يعادل (48%)، ونجد أن (18%) يصرف إشعاعاً أرضياً فعالاً ذاتياً إلى الجو، وما تبقى أي (30%) فإنه يعتبر المخزون الأرضي الإشعاعي الفعلي الذي يتحول جزء منه إلى طاقة حرارية تعمل على تبخير المياه على اليابسة والمحيطات وبنسبة (22%) من مجموع الأشعة الممتصة فعلياً من قبل سطح الأرض، أما ما تبقى وهو (8%)، فإنها تصرف على عمليات التبادل الحراري الطاقي بين الأرض والجو.
هذه الطاقة التي تعادل بالنسبة لسطح الأرض ماء ويابسة (59) ك. كالوري وسطياً تكفي على مدار السنة تبخير ما مقداره (577) ألف كم3 من المياه السائلة من على سطح الأرض، وحسب قوانين التوازن الرطوبي آنفة الذكر، ستتحول المياه المتبخرة كاملاً إلى مياه سائلة ثانية (هطول) أي بمقدار (577) ألف كم3، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أخبرنا بذلك قبل (1400) سنة ونيف بقوله: (ما من عام أمطر من عام ولكن يصرفه حيث يشاء..) وذلك بعد أن أوحي له بذلك رب العزة الذي نزل من السماء بقدر فأسكنه في الأرض.
سؤال آخر يدغدغ عقولنا ثانية وهو:
لماذا لا يصل جو الأرض وسطياً سوى (1.36.10)24 حريرة/سم2/سنة، مع أن طاقة الشمس الحرارية عظيمة هائلة كما أبنت سابقاً؟
إني أرى أن الإجابة تكمن في الآية الكريمة القائلة: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان: 29).
لنتوقف قليلاً عند كلمة (سخر) لنرى معانيها وأبعاد هذه المعاني
لقد أورد علماء التفسير في تفاسيرهم(7) معاني محددة للكلمة تتمثل في: طوع، ذلل، أخضع وكلها ترجمات صحيحة للكلمة وفي معاجم اللغة تصادف معنى أخوا إضافة لما سبق وهو العمل بلا أجر وبدون مقابل، وكلنا يعرف مدلول كلمة السخرة.
في الواقع نستشف كل المعاني السابقة في كلمة سخر، فالله ـ جل جلاله ـ طوع وذلل وأخضع الشمس لخدمة الأرض ومن عليها بلا مقابل ولا أجر يدفعه أهل الأرض لمالك الأرض والسماء.
ولنرى الآن الكيفية التي تمت فيها عملية التسخير هذه:
1 ـ لقد وضع الله الأرض في بعد معياري مثالي (وكذلك الشمس) بالنسبة للشمس، والذي يعادل وسطياً (150 مليون كم)، الأمر الذي نتج عنه:
أ ـ توفير الإضاءة والطاقة المعيارية المناسبة للأرض، ولقد أشرت إلى ذلك آنفاً، وأضيف بياناً لما ذكرته، أن كوكب عطار لا يبعد عن الشمس سوى (58) مل كم، وعليه تصله من الطاقة الحرارية الشمسية سبعة أضعاف ما يصل إلى الأرض تقريباً، لذا كثيراً ما تتجاوز حرارته نهاراً (400) درجة(8)، ونفس الشيء بالنسبة لكوكب الزهرة الذي يبعد عن الشمس (108) مل. كم الذي تبعا لذلك تصله ضعف الطاقة الحرارية الشمسية الذاهبة إلى الأرض، ونقيضاً لما ذكرته نجد أن كوكب المريخ وهو الأشبه بالأرض ولكنه الأكثر بعداً عن الشمس (220 مل.كم) نصيبه من الطاقة الشمسية لا يتعدى (57%) من الطاقة الشمسية البالغة كوكب الأرض، لذا فإن درجات الحرارة في سطح المريخ، أدنى من الصفر دائماً.
ب ـ لقد سمح البعد المعياري للشمس ببقاء الأرض في مدارها الحالي وفي الحفاظ على هويتها الكوكبية المميزة (ماء ـ كائنات حية ـ ظروف طبيعية مثالية). فلو كانت أقرب لأضحت في شكلها وخصائصها مضارعة لكوكبي عطارد والزهرة، ولو بعدت عن الشمس أكثر لأصبحت مشابهة لكوكب المريخ، وفي جميع الأحوال ستتبدل الأرض إلى غير الأرض.
ج ـ لقد ساعد البعد المعياري هذا على بقاء القمر تابعاً للأرض يدور في فلكها وهو كما نعلم قنديل الأرض وتقويمها الزمني: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس: 5).
2 ـ لقد أدى واقع البعد المعياري لكل من كتلتي الشمس والقمر إلى تحقيق أمور غاية في الأهمية بالنسبة للأرض:
1 ـ ظهور الميل المحوري للأرض، فكما نعلم محور دورانها حول نفسها ليس عمودياً بالنسبة لمساره في مداره (Orbit) بل نواه يميل بمقدار (23.27) درجة ولهذا الميل أثر عظيم على مظهر الأرض الخارجي وخصوصيتها الطبيعية وعلى كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطحها وجوها:
1 ـ لقد حددت درجة ميل المحور كمية الأشعة والطاقة الشمسية المقدار الأمثل من الطاقة المناسبة والضرورية لسطح الأرض ولمن يحيا فوقها، فالطاقة التي تصل إلى سقف الغلاف الجوي أكثر مما تحتاجه الأرض فعلياً وبخاصة في العروض الجغرافية العليا (المتوسطة وشبه القطبية والقطبية).
2 ـ سمح الميل المحوري المذكور بظهور الفصول الأربعة بوضوح ومعروف جغرافيا أهمية الفصول إشعاعياً حرارة ورطوبة.
3 ـ توزعت الحرارة نطاقياً على سطح الأرض(9)، لذا ظهرت النطاقات الحرارية ومن ثم النطاقات الطبيعية التي تتدرج في حرارتها من النطاق الاستوائي حيث سقوط الأشعة عمودي على سطح الأرض إلى النطاق القطبي البارد دائماً لأن خطوط الأشعة الشمسية تمس الأرض مسا فلا تحمل معها إلا اليسير جداً من الطاقة إلى هذا النطاق، وبين النطاقين المذكورين نرى النطاق المداري ثم شبه المداري والمتوسط، وبالواقع تكمل النطاقات مجتمعة بعضها البعض لترسم لوحة المظاهر الطبيعية الحية والجامدة فوق الأرض.
4 ـ انقسمت الأرض إلى نصفين متضادين حرارياً وإشعاعياً: نصف شمالي (شمال خط الاستواء) وآخر جنوبي. وشتاء النصف الشمالي يقابله صيف النصف الجنوبي وبذلك يتحقق توازن حراري وإشعاعي على سطح الأرض ولن يحدث شذوذ حراري ارتفاعاً وانخفاضاً يخل بالواقع الحراري الأرضي السطحي.
5 ـ عمل الميل المحوري للأرض على تباين طول الليل والنهار ما بين خط الاستواء والقطبين فهما متساويان في النطاق الاستوائي دائماً ولكنهما مختلفان طولاً كلما اقتربنا من الدائرة القطبية، إذ يختفي الليل في الانقلاب الحراري الصيفي في القطب الشمالي بينما لا نري النهار في القطب الجنوبي. ويحدث العكس بين القطبين في الانقلاب الحراري الشتوي، وبالطبع سيؤثر هذا الواقع على قيم الإشعاع والحرارة ما بين الاستواء والقطبين، وسبحان من قال: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ) (إبراهيم: 33).
ب ـ أدى البعد المعياري لكتلتي الشمس والقمر عن الأرض إلى ظهور رد فعل أرضية مناسبة ومتوازنة مع قوة جذب الجرمين المذكورين وذلك على شكل قوة نابذة متعاكسة في اتجاهها مع القوة الجاذبة الشمسية القمرية، وردة الفعل هذه الناجمة عن حركة الأرض الدورانية قد حققت ثبات سير الأرض في مدارها المعروف حول الشمس وحددت سرعة حركتها والمقدرة وسطياً بـ (29.8)كم/ثانية، مما أدى إلى انتظام طول السنة (365 يوماً ونيف) واليوم (24) ساعة، وإذا ما عدنا إلى كواكب عطارد والزهرة والمريخ نجد أن طول اليوم عطارد (176) يوماً أرضياً، بينما السنة لا تتجاوز (88) يوماً وبالنسبة للمريخ يكاد يكون طول السنة ضعف طولها في الأرض أي (678) يوماً... وهكذا بقية كواكب المجموعة الشمسية، وهذا التباين الكبير في طول كل من السنة واليوم في الكواكب الأخرى ومعياريته بالنسبة للأرض أحد الأسباب الأساسية في تباين واختلاف النظم الحرارية ما بين الكواكب هذه والأرض.
في الختام لا يسعني إلا أن أشير إلى أن الله جلت قدرته لم يكتف بتسخير الشمس والقمر بل إنه سخر الأرض ذاتها لساكنيها الأحياء لتكون لهم مستقراً وقراراً، وذلك بأن جعل تركيبها وتطبقها وطاقتها وكتلتها وحجمها معيارياً مما وفر للأرض:
1 ـ غلافاً جوياً مثالياً في تركيبه (آزوتي أكسجيني) وفي وزنه وسماكته مما أعطاه الفرصة لعكس وامتصاص قرابة (52%) من مجموع الأشعة الشمسية القادمة إلى الأرض، فحافظ بذلك على الظروف الحرارية والرطوبية الحالية.
ب ـ درعين واقيين يحميان أحياء الأرض من المواد والإشعاعات الشمسية والكونية القاتلة والدرعان هما:
1 ـ الساحة المغناطيسية وتمثل الخط الدفاعي الأول والبعيد عن الأرض.
2 ـ طبقة الأوزون القريبة من سطح الأرض (25 ـ 40 كم وسطياً).
ولا يسعني إلا أن أتم هذه الأسطر بقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت: 61)، وقوله كذلك: (وَإن مِّن شَيْءٍ إلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) (الحجر: 21).
الكلمات المفتاحية :
اعجاز الحديث النبوي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: