الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان، والأرض والفلك
الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان، والأرض والفلك
د.أحمد حسن الحارثي
عرض الأستاذ أنيس نور
تعودنا في الأعداد السابقة استعراض بعض رسائل الماجستير والدكتوراه لما له علاقة بالإعجاز العلمي، وفي هذا العدد نستعرض ملخص رسالة الدكتوراه المقدمة من أحمد حسن الحارثي إلى كلية الحديث والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
كثر في العصر الحـاضر الكلام عن الإعجاز العلمي في القرآن والسّنّة وَأُلِّفَت فيه الكتب، وكُتبت فيه البحوث والمقالات، وعقدت له المؤتمرات والندوات، وألقيت فيه المحاضرات المتنوعة، واستدل الناس عليه بالكثير من الأحاديث المنسوبة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها الصحيح ومنها دون ذلك.
وقد ظهرت الحاجة إلى تخريج تلك الأحاديث ومعرفة الصحيح منها من الضعيف، وبين أيدينا هذا البحث الذي أعده الباحث الدكتور أحمد الحارثي لنيل درجة الماجستير من قسم فقه السّنّة ومصادرها بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1413هـ جمع فيه ـ ما أمكنه ـ من الأحاديث الشريفة المتعلقة بالعلوم الكونية، والتي سبق أن استدل بها بعض الباحثين على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك، من خلال الكتب والبحوث. والدوريات وأعمال المؤتمرات والمحاضرات فرزها ورتبها في أبواب ونسقها ضمن مباحث وخرجها تخريجًا وافيًا، مع ذكر القضية المستدل بالحديث عليها وبيان وجه الاستدلال والتعليق.
ولقد نوّه الباحث بأهمية تأليفه في هذا الموضوع من حيث كونه الأول في بابه، مع أنه يندرج في مجالات خدمة السّنّة النبوية والدفاع عنها ـ خاصة من خلال تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها ـ لتجنب الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في قضايا الإعجاز العلمي، وكذلك شموله لمختلف المواضيع الكونية وذلك بعدم الاقتصار على لفظ من ألفاظ الحديث دون غيره، كما أن صحة الاستدلال بالأحاديث الصحيحة في قضية الإعجاز العلمي تُعَدّ من دلائل النبوة، التي تزيد المؤمن إيمانًا وتقيم الحُجّة على المُلحِد المُعانِد.
وقد تضمن هذا البحث مقدمة وبابين وخاتمة:
ويحتوي الباب الأول على فصلين:
حيث تحدث الباحث في الفصل الأول عن الأحاديث المتعلقة بالخَلق وأن ذلك الخَلق مرتّب وفق ما يلي: التراب فالشجر فالدواب فالبشر، وهذا ما يؤكده العلم الحديث من أن الحياة ظهرت بهذا التسلسل. وتقديم التربة على الشجر، والشجر على الإنسان، لأن النبات يحتاج إلى التراب ينمو فيه، والإنسان محتاج إلى النبات ليتغذى منه. وذكر جملة من الأحاديث الشريفة في هذا المجال منها:
1 ـ ما رواه الترمذي وغيره: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض...) الحديث. ولقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان مكون من عناصر الأرض.
2 ـ حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) وأحاديث أخرى تشير إلى الفروق الفطرية الوراثية، كالألوان والصفات الخِلقية وغير ذلك. وهو عين ما أثبتته الدراسات الحديثة من وجود فروق تشريحية في بشرة الناس تسبب اختلاف ألوانهم، وانتقال ما يورثونه من الصفات التكوينية إلى النسل وفقًا لقوانين الوراثة التي توصل إليها (مندل).
3 ـ حديث الذكورة والأنوثة: في موضوع صفة ماء الرجل وماء المرأة وبيان أثرهما في خَلق الجنين والشبه والإذكار والإيناث؛ مستندًا إلى أحاديث متعددة منها حديث أم سليم أنها سألت نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: (إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل... )الحديث حيث ذكر في سياقه أن للمرأة ماءً كما أن للرجل ماءً فكلاهما يشتركان في تكوين الجنين. ووجود نوعين من الإفرازات عند المرأة، وهذا ما يتفق تمامًا مع قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر) وهذا ما كشفه الطب الحديث وصوّرته آلات التصوير الدقيقة من أن الماء الذي يحمل البويضة لونه أصفر. كما ثبت علميٌّا أن الحُيَيْنَ المنوي للرجل وبويضة المرأة هما الناقلان للصفات الوراثية عن طريق المورثات الموجودة في الصبغيات.
4 ـ الحديث الذي تناول الحقيقة العلمية التي لم يكشفها علم الطب إلا في القرن العشرين وهي أن حيوانًا منويٌّا واحدًا فقط من بين مئتين إلى ثلاثمائة مليون حيوان منوي في القذفة الواحدة هو الذي يلقح البُيَيْضَة لينتج الجنين ـ بإذن الله تعالى ـ وقد أشار إلى ذلك الحديث الشريف: (ما من كل الماء يكون الولد).
5 ـ الحديث الذي يؤكد إمكانية حدوث الحمل مع استخدام موانع الحمل المختلفة وفق ما كشفه العلم الحديث ـ باعتباره إعجازًا كاملاً ـ وقد رواه مسلم: (إذا أراد الله خَلقَ شيءٍ لم يمنعه شيءٌ).
واستطرد كلامه متحدثًا عن عدم تناسل الممسوخ والمشوّه خِلقيٌّا بناء على الأحاديث الشريفة الواردة في هذا الباب كالحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس: (ما جعل الله لمسخ من نسل) وأحاديث أخرى. وهذا يوافق ما أثبته العلم من أن الأجنــّة التي تولد ممسوخة تولد ميتة أو تعيش لبضعة أيام ثم تموت. كما أن البالغين الذين يعانون من تشوهات خلقية سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا لا ينجبون.
6 ـ وتحدث عن مجال السَّقْط وما كشفه الطب الحديث من أن السقط التلقائي يقع قبل التَّخَلُّق، وهو المرحلة التي تُعرَف في علم الأجِنّة باسم مرحلة تكوين الأعضاء، وذلك مصداقًا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله مَلَكًا فقال: يا رب مُخَلّقة أو غير مُخَلّقة؟ فإن قال: غير مُخَلّقة مَجّتْهَا الرحم دمًا) وأحاديث أخرى كثيرة.
7 ـ ثم تحدث الباحث عن أثر الأم الوراثي، ولذا يستحب للرجل أن يتخير لنطفه مستندًا إلى أحاديث كثيرة كلها غلب عليها الضعف، إلا أنها وردت بطرق مختلفة قد يستأنس بها. كحديث: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس). ويؤيد هذا المعنى الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)، وهذا ما كشفه علم الوراثة من أن الأب والأمّ يشتركان في تكوين الجنين بالمناصفة، ويؤكد أثر الأعراق، وأن بعض الصفات قد تظهر على الأبناء نتيجة وجودها في أحد أسلافهم مع عدم ظهورها في آبائهم وأجدادهم. وأن الكروموسومات تحمل الموروثات التي تكسب الجنين صفاته الخَلقية والخُلُقية، فلذا حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تخير الزوجة لما لَها من الأهمية في النّسل والذّرية.
وتناول الباحث أثر زواج الأقارب الوراثي وبيّن أن النصوص الواردة حول منع زواج الأقارب لا أصل لها. بل إن دلالات النصوص الشرعية على عكس ذلك.
8 ـ وأما حديث: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) وأحاديث أخرى. فهي لتكثير المسلمين والمباهاة بهم يوم القيامة، وليس لهذه الأحاديث صلة بتقدم السِّنِّ عند المرأة.
9 ـ وتحدث عن نزع الأعراق وبيّن الباحث ما استدل عليه الكثيرون من المهتمين بقضايا الإعجاز العلمي من حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري وفيه قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (فهذا عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ) بما اكتشفه علم الوراثة من أن بعض الصفات قد تظهر على الأبناء نتيجة وجودها في أحد أسلافه مع عدم ظهورها في آبائه أو أجداده.
10 ـ كما تناول الباحث الأحاديث المتعلقة بتوريث السمع والبصر مستدلاٌّ بحديث: (... ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقوَّاتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا) وغيره، وهو يفسر ما كشفه علم الجينات والوراثة من أن المشيجة التي تحمل صفات الإنسان سواء أكانت قوية أو ضعيفة في البصر والسمع أو غيرهما هي بسبب تغلب صفة على صفة، فتغلب الصفة القوية التي ورثها الولد فإذا كانت قوية في البصر ورث بصرًا قويٌّا وهكذا.
وعَرَّج على الأحاديث الواردة في أطوار الجنين، حيث وصفت مراحل خلق الإنسان بألفاظ دقيقة معبّرة، وذلك قبل أن يتمكن علماء الأجِنّة من معرفة هذه المراحل بأكثر من أربعة عشر قرنًا.
وتَطَرَّق إلى الجمع بين الروايات الواردة في خَلق الإنسان، وقام بتخريجها والتوفيق فيما بينها بما يتوافق مع معطيات المكتشفات الحديثة في علم الأجنة.
فبالجمع بين حديث أنس مرفوعًا: (وَكَّلَ اللهُ بالرَّحِمِ مَلَكًا يقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة...) الحديث.
وحديث ابن مسعود مرفوعًا: (إن أحدَكم يُجمَع خَلقُه في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك...) الحديث.
تتضح الموافقة والمطابقة مع ما كشفه علم الأجنة من أن شكل الجنين يكون مجتمعًا، وكذلك أعضاؤه تتكون خلال الأربعين يومًا الأولى، وهذا ما قرره الأطباء بعد رحلة طويلة من الدراسة والتشريح الدقيق لجسم الجنين في الأربعين يومًا الأولى، أي إن الأعضاء الرئيسة للإنسان جميعها تتخلق واحدًا بعد الآخر في هذه الفترة فلا تمر الأربعون يومًا الأولى إلا وقد تكونت جميع الأجهزة، ولكن في صورة براعم، وتكون مجموعة في حيز لا يزيد عن سنتيمتر، كما أن الجنين يكون مكورًا حول نفسه بالتفاف في شكل قوس أو يشبه حرف (C) بالإنجليزية، وإن حديث حذيفة الذي ورد في الصحيح وحفظه الناس منذ أربعة عشر قرنًا إنما هي معجزة أخرى من معجزات الصادق الأمين ـ صلى الله عليه وسلم، فكأنما هو عالم أجنّة في الستينيات من هذا القرن وقف يتحدث عن (الفترة الحرجة) وأن مصير الجنين يتحدد في نهاية الفترة المضغية من حيث السواء أو التشوّه.
واختتم الباحث حديثه في الفصل الأول بالكلام حول ما يروى عن الكتابة على جبين الجنين، والحديث الوارد فيه وبعض الشواهد الأخرى وما كتبه الباحثون العلميون حوله.
وفي الفصل الثاني تحدث الباحث عن الأحاديث الشريفة المتعلقة بأعضاء الإنسان مقارنة بالحقائق الطبية المتفقة مع دلالاتها كما يلي:
1 ـ بدأ بلون الجلد، واستنتج من دلالة الأحاديث الواردة فيه مقارنة بما ثبت في العلم الحديث، من أن لون الجلد لا أثر له على ذات الإنسان وقيمته، حيث إن جميع البشر يولدون وعدد خلايا الميلانين في بشرتهم متساوٍ، وأن هذا العدد ثابت عند جميع المواليد سواء كانوا بِيضًا أو سُودًا، وهذا ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عصر كان أهله يعتبرون السواد مذمّة، بل إن الجاهلية إلى اليوم وفي عصر العلم ترى أن الأبيض أعلى من الأسود.
2 ـ وتعرض لعدد المفاصل في الإنسان مستشهدًا بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ مرفوعًا: (إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل...) الحديث. وحديث بريدة وأحاديث أخرى صحيحة، وتطابق ما أثبته العلم الحديث في التشريح للأعضاء أن جسم الإنسان يحتوي على (360) مفصلاً موزعة على جميع مناطق الجسم في الإنسان البالغ.
3 ـ كما أورد حديث: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وأحاديث أخرى وبيّن مطابقة ذلك لما كشفه الطب الحديث من تعاون بين جميع أجزاء الجسم عند الإصابة في أي جزء منه، حيث يتداعى الجسد بأكمله لخدمة العضو المصاب، ويحدث ذلك عبر عدة آليات منها على سبيل المثال تنشيط بعض الغدد لإفراز الهرمونات لنجدة العضو المشتكي، ويحدث أيضًا السهر بتنشيط مركز اليقظة في المخ، وتحدث الحمى التي تجعل الجسم في حالة طوارئ في محاولة للتخلص من الجسم الغريب، حتى تتم إغاثة العضو المشتكي، وهو ما يتطابق مع منطوق الحديث الشريف.
4 ـ وتحدث عن علاقة الناصية بسلوك الإنسان والأحاديث الواردة فيها كحديث: (ما أصاب أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أَمَتِكَ ناصيتي بيدك ماضٍ فِيَّ حُكمك...) الحديث، والذي يؤكد أن الناصية هي مركز التوجيه والضبط. وهذا يتفق مع ما كشفه تشريح المخ الحديث من أن مقدمة المخ أو الفص الأمامي منه والذي يقع خلف الجبهة هو الخاص لسلوك الإنسان وشخصيته. فأي خلل مرضي يصيب مقدمة الفص الأمامي يؤدي إلى تغيرات في سلوكيات الإنسان.
5 ـ وبيّن وجه الإعجاز في حديث: (سجد وجهي للذي خَلَقَه وَصَوَّرَهُ وَشَقّ سمعَه وبصرَه) وأحاديث أخرى تتحدث عن كيفية وترتيب خلق السمع والبصر من الناحية التشريحية.
6 ـ واستدل بحديث: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) وما ذكره علم الطب الحديث من أن أي مرض يصيب القلب يؤثر دون ريب على سائر الجسد وخصوصًا ما يتعلق بالدورة الدموية في الإنسان.
7 ـ وتحدّث عن (عَجْبِ الذَّنَبِ) وبيّن أن الحديث الذي أشار إليه المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أنه بعد موت الإنسان لا يبقي منه إلا عجب الذنب، وتكلّم عن مقاومة عجب الذنب للبلى وأنه لا يأكله التراب أبدًا، مع أن التراب يأكل جسد الإنسان كله، ولبيان وجه الإعجاز فيه لابد من دراسة عجب الذنب وبيان مقاومته للتآكل بدراسة معملية في المختبرات العلمية.
وفي ختام هذا الفصل تحدث عن حديث: (الرحم شَجْنَة من الله) وفي لفظ آخر (من الرحمن). وأحاديث أخرى وبيّن وجه الإعجاز العلمي فيه مع ما أثبته علم التشريح من أن الرحم موضوع في وسط حوض المرأة حتى يكون محميٌّا ومضمونًا من كل أذى وهو عضو عضلي أجوف. فيظهر الرحم كفرع شجر متشابك، ويعد (شجنة) إعجازًا علميٌّا إذا أخذ من أن المراد بالرحم رحم المرأة الذي يخلق فيه الولد كما هو يتبين من ظاهر لفظ الحديث الشريف.
الباب الثاني: الأحاديث المستدل بها على الإعجاز العلمي في الأرض والفلك، ويحتوي هذا الباب أيضًا على فصلين.
تحدث في الفصل الأول عن الأحاديث المتعلقة بالأرض وكرويتها مثل:
1 ـ حديث: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء) وبيّن أنه يوافق ما أثبته علم الفلك الحديث من أن الأرض شيء صغير جدٌّا جدٌّا بالنسبة للأجرام الكونية ذات الحجوم الهائلة.
2 ـ وبيّن ماهيّة السبع الأرضين لحديث: (من أخذ شبرًا من الأرض ظُلمًا طُوِّقَه إلى سبع أرضين) وأحاديث أخرى حيث أثبت علماء الأرض ـ بعد دراسات متأنية عبر عشرات السنين في هذا القرن ـ أن في الأرض سبع طبقات متميزة، وهي لب في مادة صلبة، ثم لب خارجي في مادة سائلة، ثم أربعة أوشحة (أغلفة) تلي ذلك، ثم قشرة خارجية. وهي طبقات متلاصقة بعضها ببعض لا يفصل بينها فاصل.
3 ـ ثم تطرّق إلى بيان الحقيقة العلمية في فائدة الجبال والتي لم تعرف إلا في الأربعينيات من القرن؛ بذكر الحديث: (عندما خلق الله الأرض جعلت تميد فأرساها الله بالجبال) ليؤكد العلم الحديث أن للجبال جذورًا تبلغ ستة إلى عشرة أضعاف ارتفاعها فوق سطح الأرض، وأن هذه الجذور تطفو في مادة لزجة شبه منصهرة، وترسو تحت القشرة مباشرة، وأن هذه الجبال هي التي تثبت القشرة الأرضية وتتسبب في ثبات الألواح (القارات) وتجعل الحركة بطيئة لا يكاد يدركها الإنسان ولا تتأثر بها حياة الكائنات.
4 ـ كما أوضح فيها ما يتعلق بحديث: (إن مكة هي أحب بلاد الله إلى الله) وأحاديث أخرى بأن هذه الأحاديث الواردة لا علاقة لها بمركزية الأرض خلافًا لما ذهب إليه بعض الباحثين.
5 ـ واستدل من حديث: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا) على أن بلاد العرب كانت خضراء، وستعود كذلك، وهذا ما أكدته الدراسات الجيولوجية من أن الجزيرة مرت بثمان دورات مطيرة مطرًا شديدًا تخللتها سبع دورات جفاف، وأننا في دورة الجفاف السابعة ويتوقع العلماء أن تتحول هذه الدورة إلى دورة أمطار مرة أخرى. وهناك شواهد علمية كثيرة تؤكد ذلك.
6 ـ كما تحدث عن أنواع التربة، والتي ورد ذكرها في حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو قوله: (مَثَلُ ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقيّة قَبِلَت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا، وسقوا، وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله وَنَفَعَه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وَعَلَّم، وَمَثَل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسِلتُ به). وبيّن أن هذا سبق علمي لعلم التربة والجيولوجيا في معرفة أنواع التربة وأقسام كل نوع وتركيبها الكيميائي وخصائصها.
7 ـ وبيّن وجه الإعجاز العلمي في حديث: (لا يركبن رجل البحر إلا غازيًا أو معتمرًا، أو حاجٌّا، فإن تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا) بما أثبتته أجهزة التصوير الحديثة لأعماق البحر أن في قيعان البحر العميقة نارًا ملتهبة، كما اكتشف أيضًا أن هناك ماء يخرج من النار التي تخرج من قاع البحر والمحيطات، وهذا ما أثبته العلم الحديث لهذه الحقيقة التي أخبر بها الحديث الشريف، بل وأخبر بها القرآن الكريم في قوله تعالى: }وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور{ (الطور: 6).
وفي الفصل الثاني تحدّث الباحث عن الأحاديث المتعلقة بالفلك على النحو التالي:
1 ـ (أَطَّتِ السماء أَطٌّا، وَحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها أربع، إلا وفيها مَلَك قائم أو راكع، أو ساجد يعبد ربه) وذكر طائفة من الأحاديث الأخرى واستدل بها على ما أثبته العلم الحديث من أنه لا يوجد فراغ في الكون. وأن المادة تنتشر في فسحة هذا الكون حتى المسافات التي تنتج عن تباعد هذه المجرات تباعدًا هائلاً عن بعضها تتخلق فيها المادة في الحال لتملأها.
2 ـ وفي ختام هذا البحث تحدّث عن ظاهرة الخسوف والكسوف وأن الأحاديث الواردة فيه كحديث: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله، وصلوا حتى تنكشف) تلتقي مع التفسيرات العلمية لظاهرة الخسوف، وأنه يرفض كل تصور يخالف هذا التصور العلمي. وتلتقي مع قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي حارب الخرافات وقضى على كل التفسيرات التي غلفتها الأساطير قبل نزول القرآن الكريم. ووضع حَدٌّا لسخافات واعتقادات المنجّمين وأوهام العامّة في تعليل أسباب الكسوف وغير ذلك.
وفي الخاتمة أورد أهم النتائج التي توصل إليها الباحث، ومنها:
1 ـ التطابق التام بين الأحاديث النبوية الثابتة التي تحدثت عن قضايا علمية في الإنسان والأرض والفلك مع ما أثبته العلم الحديث عن تلك القضايا.
2 ـ أن الإعجاز العلمي في القرآن والسّنّة حقيقة واقعية.
3 ـ أن العلوم الحديثة أظهرت كثيرًا من حكم وأسرار التشريع الإسلامي.
4 ـ وجود عدد كبير من الأحاديث الشريفة التي تضمنت إعجازًا علميٌّا، لكن لم يطّلع عليها الباحثون في الإعجاز العلمي، مما يعني أن مجال بحوث الإعجاز العلمي لازال رحبًا.
5 ـ استخدام الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مجال الدعوة إلى الله أسلوب ناجح ومؤثّر ومُقنِع.
6 ـ وجود تعسّف في الاستدلال وتطويع النصوص لتوافق العلوم الحديثة من قبل بعض المهتمّين وهذا يعني ضرورة العناية بضبط مسيرة هذه البحوث.
ومما يلاحَظ أن المؤلف لا يوافق على بعض الاستدلالات التي استنبطها بعض المهتمين بقضايا الإعجاز العلمي من بعض الأحاديث مثل:
أ ـ الاستدلال على أنواع التربة من حديث: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا...) الحديث.
ب ـ الاستدلال على الجهات بالنسبة للأجرام السماوية من حديث: (العنان، ولفظة: هل تدرون ما فوقكم...) الحديث.
ج ـ الاستدلال على أن مكة هي مركز اليابس من الأرض من حديث: (إن مكة هي أحب بلاد الله إلى الله).
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
د.أحمد حسن الحارثي
عرض الأستاذ أنيس نور
تعودنا في الأعداد السابقة استعراض بعض رسائل الماجستير والدكتوراه لما له علاقة بالإعجاز العلمي، وفي هذا العدد نستعرض ملخص رسالة الدكتوراه المقدمة من أحمد حسن الحارثي إلى كلية الحديث والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
كثر في العصر الحـاضر الكلام عن الإعجاز العلمي في القرآن والسّنّة وَأُلِّفَت فيه الكتب، وكُتبت فيه البحوث والمقالات، وعقدت له المؤتمرات والندوات، وألقيت فيه المحاضرات المتنوعة، واستدل الناس عليه بالكثير من الأحاديث المنسوبة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منها الصحيح ومنها دون ذلك.
وقد ظهرت الحاجة إلى تخريج تلك الأحاديث ومعرفة الصحيح منها من الضعيف، وبين أيدينا هذا البحث الذي أعده الباحث الدكتور أحمد الحارثي لنيل درجة الماجستير من قسم فقه السّنّة ومصادرها بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1413هـ جمع فيه ـ ما أمكنه ـ من الأحاديث الشريفة المتعلقة بالعلوم الكونية، والتي سبق أن استدل بها بعض الباحثين على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك، من خلال الكتب والبحوث. والدوريات وأعمال المؤتمرات والمحاضرات فرزها ورتبها في أبواب ونسقها ضمن مباحث وخرجها تخريجًا وافيًا، مع ذكر القضية المستدل بالحديث عليها وبيان وجه الاستدلال والتعليق.
ولقد نوّه الباحث بأهمية تأليفه في هذا الموضوع من حيث كونه الأول في بابه، مع أنه يندرج في مجالات خدمة السّنّة النبوية والدفاع عنها ـ خاصة من خلال تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها ـ لتجنب الاستدلال بالأحاديث الضعيفة في قضايا الإعجاز العلمي، وكذلك شموله لمختلف المواضيع الكونية وذلك بعدم الاقتصار على لفظ من ألفاظ الحديث دون غيره، كما أن صحة الاستدلال بالأحاديث الصحيحة في قضية الإعجاز العلمي تُعَدّ من دلائل النبوة، التي تزيد المؤمن إيمانًا وتقيم الحُجّة على المُلحِد المُعانِد.
وقد تضمن هذا البحث مقدمة وبابين وخاتمة:
ويحتوي الباب الأول على فصلين:
حيث تحدث الباحث في الفصل الأول عن الأحاديث المتعلقة بالخَلق وأن ذلك الخَلق مرتّب وفق ما يلي: التراب فالشجر فالدواب فالبشر، وهذا ما يؤكده العلم الحديث من أن الحياة ظهرت بهذا التسلسل. وتقديم التربة على الشجر، والشجر على الإنسان، لأن النبات يحتاج إلى التراب ينمو فيه، والإنسان محتاج إلى النبات ليتغذى منه. وذكر جملة من الأحاديث الشريفة في هذا المجال منها:
1 ـ ما رواه الترمذي وغيره: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض...) الحديث. ولقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان مكون من عناصر الأرض.
2 ـ حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) وأحاديث أخرى تشير إلى الفروق الفطرية الوراثية، كالألوان والصفات الخِلقية وغير ذلك. وهو عين ما أثبتته الدراسات الحديثة من وجود فروق تشريحية في بشرة الناس تسبب اختلاف ألوانهم، وانتقال ما يورثونه من الصفات التكوينية إلى النسل وفقًا لقوانين الوراثة التي توصل إليها (مندل).
3 ـ حديث الذكورة والأنوثة: في موضوع صفة ماء الرجل وماء المرأة وبيان أثرهما في خَلق الجنين والشبه والإذكار والإيناث؛ مستندًا إلى أحاديث متعددة منها حديث أم سليم أنها سألت نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: (إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل... )الحديث حيث ذكر في سياقه أن للمرأة ماءً كما أن للرجل ماءً فكلاهما يشتركان في تكوين الجنين. ووجود نوعين من الإفرازات عند المرأة، وهذا ما يتفق تمامًا مع قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (إن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر) وهذا ما كشفه الطب الحديث وصوّرته آلات التصوير الدقيقة من أن الماء الذي يحمل البويضة لونه أصفر. كما ثبت علميٌّا أن الحُيَيْنَ المنوي للرجل وبويضة المرأة هما الناقلان للصفات الوراثية عن طريق المورثات الموجودة في الصبغيات.
4 ـ الحديث الذي تناول الحقيقة العلمية التي لم يكشفها علم الطب إلا في القرن العشرين وهي أن حيوانًا منويٌّا واحدًا فقط من بين مئتين إلى ثلاثمائة مليون حيوان منوي في القذفة الواحدة هو الذي يلقح البُيَيْضَة لينتج الجنين ـ بإذن الله تعالى ـ وقد أشار إلى ذلك الحديث الشريف: (ما من كل الماء يكون الولد).
5 ـ الحديث الذي يؤكد إمكانية حدوث الحمل مع استخدام موانع الحمل المختلفة وفق ما كشفه العلم الحديث ـ باعتباره إعجازًا كاملاً ـ وقد رواه مسلم: (إذا أراد الله خَلقَ شيءٍ لم يمنعه شيءٌ).
واستطرد كلامه متحدثًا عن عدم تناسل الممسوخ والمشوّه خِلقيٌّا بناء على الأحاديث الشريفة الواردة في هذا الباب كالحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس: (ما جعل الله لمسخ من نسل) وأحاديث أخرى. وهذا يوافق ما أثبته العلم من أن الأجنــّة التي تولد ممسوخة تولد ميتة أو تعيش لبضعة أيام ثم تموت. كما أن البالغين الذين يعانون من تشوهات خلقية سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا لا ينجبون.
6 ـ وتحدث عن مجال السَّقْط وما كشفه الطب الحديث من أن السقط التلقائي يقع قبل التَّخَلُّق، وهو المرحلة التي تُعرَف في علم الأجِنّة باسم مرحلة تكوين الأعضاء، وذلك مصداقًا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله مَلَكًا فقال: يا رب مُخَلّقة أو غير مُخَلّقة؟ فإن قال: غير مُخَلّقة مَجّتْهَا الرحم دمًا) وأحاديث أخرى كثيرة.
7 ـ ثم تحدث الباحث عن أثر الأم الوراثي، ولذا يستحب للرجل أن يتخير لنطفه مستندًا إلى أحاديث كثيرة كلها غلب عليها الضعف، إلا أنها وردت بطرق مختلفة قد يستأنس بها. كحديث: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس). ويؤيد هذا المعنى الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)، وهذا ما كشفه علم الوراثة من أن الأب والأمّ يشتركان في تكوين الجنين بالمناصفة، ويؤكد أثر الأعراق، وأن بعض الصفات قد تظهر على الأبناء نتيجة وجودها في أحد أسلافهم مع عدم ظهورها في آبائهم وأجدادهم. وأن الكروموسومات تحمل الموروثات التي تكسب الجنين صفاته الخَلقية والخُلُقية، فلذا حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تخير الزوجة لما لَها من الأهمية في النّسل والذّرية.
وتناول الباحث أثر زواج الأقارب الوراثي وبيّن أن النصوص الواردة حول منع زواج الأقارب لا أصل لها. بل إن دلالات النصوص الشرعية على عكس ذلك.
8 ـ وأما حديث: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) وأحاديث أخرى. فهي لتكثير المسلمين والمباهاة بهم يوم القيامة، وليس لهذه الأحاديث صلة بتقدم السِّنِّ عند المرأة.
9 ـ وتحدث عن نزع الأعراق وبيّن الباحث ما استدل عليه الكثيرون من المهتمين بقضايا الإعجاز العلمي من حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري وفيه قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (فهذا عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ) بما اكتشفه علم الوراثة من أن بعض الصفات قد تظهر على الأبناء نتيجة وجودها في أحد أسلافه مع عدم ظهورها في آبائه أو أجداده.
10 ـ كما تناول الباحث الأحاديث المتعلقة بتوريث السمع والبصر مستدلاٌّ بحديث: (... ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقوَّاتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا) وغيره، وهو يفسر ما كشفه علم الجينات والوراثة من أن المشيجة التي تحمل صفات الإنسان سواء أكانت قوية أو ضعيفة في البصر والسمع أو غيرهما هي بسبب تغلب صفة على صفة، فتغلب الصفة القوية التي ورثها الولد فإذا كانت قوية في البصر ورث بصرًا قويٌّا وهكذا.
وعَرَّج على الأحاديث الواردة في أطوار الجنين، حيث وصفت مراحل خلق الإنسان بألفاظ دقيقة معبّرة، وذلك قبل أن يتمكن علماء الأجِنّة من معرفة هذه المراحل بأكثر من أربعة عشر قرنًا.
وتَطَرَّق إلى الجمع بين الروايات الواردة في خَلق الإنسان، وقام بتخريجها والتوفيق فيما بينها بما يتوافق مع معطيات المكتشفات الحديثة في علم الأجنة.
فبالجمع بين حديث أنس مرفوعًا: (وَكَّلَ اللهُ بالرَّحِمِ مَلَكًا يقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة...) الحديث.
وحديث ابن مسعود مرفوعًا: (إن أحدَكم يُجمَع خَلقُه في بطن أمه أربعين يومًا ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك...) الحديث.
تتضح الموافقة والمطابقة مع ما كشفه علم الأجنة من أن شكل الجنين يكون مجتمعًا، وكذلك أعضاؤه تتكون خلال الأربعين يومًا الأولى، وهذا ما قرره الأطباء بعد رحلة طويلة من الدراسة والتشريح الدقيق لجسم الجنين في الأربعين يومًا الأولى، أي إن الأعضاء الرئيسة للإنسان جميعها تتخلق واحدًا بعد الآخر في هذه الفترة فلا تمر الأربعون يومًا الأولى إلا وقد تكونت جميع الأجهزة، ولكن في صورة براعم، وتكون مجموعة في حيز لا يزيد عن سنتيمتر، كما أن الجنين يكون مكورًا حول نفسه بالتفاف في شكل قوس أو يشبه حرف (C) بالإنجليزية، وإن حديث حذيفة الذي ورد في الصحيح وحفظه الناس منذ أربعة عشر قرنًا إنما هي معجزة أخرى من معجزات الصادق الأمين ـ صلى الله عليه وسلم، فكأنما هو عالم أجنّة في الستينيات من هذا القرن وقف يتحدث عن (الفترة الحرجة) وأن مصير الجنين يتحدد في نهاية الفترة المضغية من حيث السواء أو التشوّه.
واختتم الباحث حديثه في الفصل الأول بالكلام حول ما يروى عن الكتابة على جبين الجنين، والحديث الوارد فيه وبعض الشواهد الأخرى وما كتبه الباحثون العلميون حوله.
وفي الفصل الثاني تحدث الباحث عن الأحاديث الشريفة المتعلقة بأعضاء الإنسان مقارنة بالحقائق الطبية المتفقة مع دلالاتها كما يلي:
1 ـ بدأ بلون الجلد، واستنتج من دلالة الأحاديث الواردة فيه مقارنة بما ثبت في العلم الحديث، من أن لون الجلد لا أثر له على ذات الإنسان وقيمته، حيث إن جميع البشر يولدون وعدد خلايا الميلانين في بشرتهم متساوٍ، وأن هذا العدد ثابت عند جميع المواليد سواء كانوا بِيضًا أو سُودًا، وهذا ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عصر كان أهله يعتبرون السواد مذمّة، بل إن الجاهلية إلى اليوم وفي عصر العلم ترى أن الأبيض أعلى من الأسود.
2 ـ وتعرض لعدد المفاصل في الإنسان مستشهدًا بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ مرفوعًا: (إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل...) الحديث. وحديث بريدة وأحاديث أخرى صحيحة، وتطابق ما أثبته العلم الحديث في التشريح للأعضاء أن جسم الإنسان يحتوي على (360) مفصلاً موزعة على جميع مناطق الجسم في الإنسان البالغ.
3 ـ كما أورد حديث: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وأحاديث أخرى وبيّن مطابقة ذلك لما كشفه الطب الحديث من تعاون بين جميع أجزاء الجسم عند الإصابة في أي جزء منه، حيث يتداعى الجسد بأكمله لخدمة العضو المصاب، ويحدث ذلك عبر عدة آليات منها على سبيل المثال تنشيط بعض الغدد لإفراز الهرمونات لنجدة العضو المشتكي، ويحدث أيضًا السهر بتنشيط مركز اليقظة في المخ، وتحدث الحمى التي تجعل الجسم في حالة طوارئ في محاولة للتخلص من الجسم الغريب، حتى تتم إغاثة العضو المشتكي، وهو ما يتطابق مع منطوق الحديث الشريف.
4 ـ وتحدث عن علاقة الناصية بسلوك الإنسان والأحاديث الواردة فيها كحديث: (ما أصاب أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أَمَتِكَ ناصيتي بيدك ماضٍ فِيَّ حُكمك...) الحديث، والذي يؤكد أن الناصية هي مركز التوجيه والضبط. وهذا يتفق مع ما كشفه تشريح المخ الحديث من أن مقدمة المخ أو الفص الأمامي منه والذي يقع خلف الجبهة هو الخاص لسلوك الإنسان وشخصيته. فأي خلل مرضي يصيب مقدمة الفص الأمامي يؤدي إلى تغيرات في سلوكيات الإنسان.
5 ـ وبيّن وجه الإعجاز في حديث: (سجد وجهي للذي خَلَقَه وَصَوَّرَهُ وَشَقّ سمعَه وبصرَه) وأحاديث أخرى تتحدث عن كيفية وترتيب خلق السمع والبصر من الناحية التشريحية.
6 ـ واستدل بحديث: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) وما ذكره علم الطب الحديث من أن أي مرض يصيب القلب يؤثر دون ريب على سائر الجسد وخصوصًا ما يتعلق بالدورة الدموية في الإنسان.
7 ـ وتحدّث عن (عَجْبِ الذَّنَبِ) وبيّن أن الحديث الذي أشار إليه المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أنه بعد موت الإنسان لا يبقي منه إلا عجب الذنب، وتكلّم عن مقاومة عجب الذنب للبلى وأنه لا يأكله التراب أبدًا، مع أن التراب يأكل جسد الإنسان كله، ولبيان وجه الإعجاز فيه لابد من دراسة عجب الذنب وبيان مقاومته للتآكل بدراسة معملية في المختبرات العلمية.
وفي ختام هذا الفصل تحدث عن حديث: (الرحم شَجْنَة من الله) وفي لفظ آخر (من الرحمن). وأحاديث أخرى وبيّن وجه الإعجاز العلمي فيه مع ما أثبته علم التشريح من أن الرحم موضوع في وسط حوض المرأة حتى يكون محميٌّا ومضمونًا من كل أذى وهو عضو عضلي أجوف. فيظهر الرحم كفرع شجر متشابك، ويعد (شجنة) إعجازًا علميٌّا إذا أخذ من أن المراد بالرحم رحم المرأة الذي يخلق فيه الولد كما هو يتبين من ظاهر لفظ الحديث الشريف.
الباب الثاني: الأحاديث المستدل بها على الإعجاز العلمي في الأرض والفلك، ويحتوي هذا الباب أيضًا على فصلين.
تحدث في الفصل الأول عن الأحاديث المتعلقة بالأرض وكرويتها مثل:
1 ـ حديث: (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء) وبيّن أنه يوافق ما أثبته علم الفلك الحديث من أن الأرض شيء صغير جدٌّا جدٌّا بالنسبة للأجرام الكونية ذات الحجوم الهائلة.
2 ـ وبيّن ماهيّة السبع الأرضين لحديث: (من أخذ شبرًا من الأرض ظُلمًا طُوِّقَه إلى سبع أرضين) وأحاديث أخرى حيث أثبت علماء الأرض ـ بعد دراسات متأنية عبر عشرات السنين في هذا القرن ـ أن في الأرض سبع طبقات متميزة، وهي لب في مادة صلبة، ثم لب خارجي في مادة سائلة، ثم أربعة أوشحة (أغلفة) تلي ذلك، ثم قشرة خارجية. وهي طبقات متلاصقة بعضها ببعض لا يفصل بينها فاصل.
3 ـ ثم تطرّق إلى بيان الحقيقة العلمية في فائدة الجبال والتي لم تعرف إلا في الأربعينيات من القرن؛ بذكر الحديث: (عندما خلق الله الأرض جعلت تميد فأرساها الله بالجبال) ليؤكد العلم الحديث أن للجبال جذورًا تبلغ ستة إلى عشرة أضعاف ارتفاعها فوق سطح الأرض، وأن هذه الجذور تطفو في مادة لزجة شبه منصهرة، وترسو تحت القشرة مباشرة، وأن هذه الجبال هي التي تثبت القشرة الأرضية وتتسبب في ثبات الألواح (القارات) وتجعل الحركة بطيئة لا يكاد يدركها الإنسان ولا تتأثر بها حياة الكائنات.
4 ـ كما أوضح فيها ما يتعلق بحديث: (إن مكة هي أحب بلاد الله إلى الله) وأحاديث أخرى بأن هذه الأحاديث الواردة لا علاقة لها بمركزية الأرض خلافًا لما ذهب إليه بعض الباحثين.
5 ـ واستدل من حديث: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا) على أن بلاد العرب كانت خضراء، وستعود كذلك، وهذا ما أكدته الدراسات الجيولوجية من أن الجزيرة مرت بثمان دورات مطيرة مطرًا شديدًا تخللتها سبع دورات جفاف، وأننا في دورة الجفاف السابعة ويتوقع العلماء أن تتحول هذه الدورة إلى دورة أمطار مرة أخرى. وهناك شواهد علمية كثيرة تؤكد ذلك.
6 ـ كما تحدث عن أنواع التربة، والتي ورد ذكرها في حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو قوله: (مَثَلُ ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقيّة قَبِلَت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا، وسقوا، وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله وَنَفَعَه ما بعثني الله به فَعَلِمَ وَعَلَّم، وَمَثَل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسِلتُ به). وبيّن أن هذا سبق علمي لعلم التربة والجيولوجيا في معرفة أنواع التربة وأقسام كل نوع وتركيبها الكيميائي وخصائصها.
7 ـ وبيّن وجه الإعجاز العلمي في حديث: (لا يركبن رجل البحر إلا غازيًا أو معتمرًا، أو حاجٌّا، فإن تحت البحر نارًا، وتحت النار بحرًا) بما أثبتته أجهزة التصوير الحديثة لأعماق البحر أن في قيعان البحر العميقة نارًا ملتهبة، كما اكتشف أيضًا أن هناك ماء يخرج من النار التي تخرج من قاع البحر والمحيطات، وهذا ما أثبته العلم الحديث لهذه الحقيقة التي أخبر بها الحديث الشريف، بل وأخبر بها القرآن الكريم في قوله تعالى: }وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور{ (الطور: 6).
وفي الفصل الثاني تحدّث الباحث عن الأحاديث المتعلقة بالفلك على النحو التالي:
1 ـ (أَطَّتِ السماء أَطٌّا، وَحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها أربع، إلا وفيها مَلَك قائم أو راكع، أو ساجد يعبد ربه) وذكر طائفة من الأحاديث الأخرى واستدل بها على ما أثبته العلم الحديث من أنه لا يوجد فراغ في الكون. وأن المادة تنتشر في فسحة هذا الكون حتى المسافات التي تنتج عن تباعد هذه المجرات تباعدًا هائلاً عن بعضها تتخلق فيها المادة في الحال لتملأها.
2 ـ وفي ختام هذا البحث تحدّث عن ظاهرة الخسوف والكسوف وأن الأحاديث الواردة فيه كحديث: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله، وصلوا حتى تنكشف) تلتقي مع التفسيرات العلمية لظاهرة الخسوف، وأنه يرفض كل تصور يخالف هذا التصور العلمي. وتلتقي مع قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي حارب الخرافات وقضى على كل التفسيرات التي غلفتها الأساطير قبل نزول القرآن الكريم. ووضع حَدٌّا لسخافات واعتقادات المنجّمين وأوهام العامّة في تعليل أسباب الكسوف وغير ذلك.
وفي الخاتمة أورد أهم النتائج التي توصل إليها الباحث، ومنها:
1 ـ التطابق التام بين الأحاديث النبوية الثابتة التي تحدثت عن قضايا علمية في الإنسان والأرض والفلك مع ما أثبته العلم الحديث عن تلك القضايا.
2 ـ أن الإعجاز العلمي في القرآن والسّنّة حقيقة واقعية.
3 ـ أن العلوم الحديثة أظهرت كثيرًا من حكم وأسرار التشريع الإسلامي.
4 ـ وجود عدد كبير من الأحاديث الشريفة التي تضمنت إعجازًا علميٌّا، لكن لم يطّلع عليها الباحثون في الإعجاز العلمي، مما يعني أن مجال بحوث الإعجاز العلمي لازال رحبًا.
5 ـ استخدام الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مجال الدعوة إلى الله أسلوب ناجح ومؤثّر ومُقنِع.
6 ـ وجود تعسّف في الاستدلال وتطويع النصوص لتوافق العلوم الحديثة من قبل بعض المهتمّين وهذا يعني ضرورة العناية بضبط مسيرة هذه البحوث.
ومما يلاحَظ أن المؤلف لا يوافق على بعض الاستدلالات التي استنبطها بعض المهتمين بقضايا الإعجاز العلمي من بعض الأحاديث مثل:
أ ـ الاستدلال على أنواع التربة من حديث: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا...) الحديث.
ب ـ الاستدلال على الجهات بالنسبة للأجرام السماوية من حديث: (العنان، ولفظة: هل تدرون ما فوقكم...) الحديث.
ج ـ الاستدلال على أن مكة هي مركز اليابس من الأرض من حديث: (إن مكة هي أحب بلاد الله إلى الله).
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين.
الكلمات المفتاحية :
اعجاز الحديث النبوي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: