معرفة التابعين ورواية الاكابر ووالمدبج و معرفة الاخوة من الرواة
معرفة التابعين ورواية الاكابر ووالمدبج و معرفة الاخوة من الرواة
ورواية الاباء عن الابناء والابناء عن الاباء واسماء الرواة هذا ومعرفة الصحابة أصل أصيل يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند.
قال الخطيب الحافظ: التابعي من صحب الصحابي.
قلت: ومطلقة مخصوص بالتابع بإحسان. ويقال للواحد منهم تابع وتابعي.
وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه، وإن لم توجد الصحبة العرفية. والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي، نظرا إلى مقتض اللفظين فيهما.
وهذه مهمات في هذا النوع:
إحداها: ذكر الحافظ أبو عبد الله: أن التابعين على خمس عشرة طبقة:
الأولى: الذين لحقوا العشرة سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عباد، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العطاردي وغيرهم. وعليه في بعض هؤلاء إنكار، فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة، لأنه ولد في خلافة عمر، ولم يسمع من أكثر العشرة. وقد قال بعضهم: لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص.
قلت: وكان سعد آخرهم موتا.
وذكر الحاكم قبل كلامه المذكور: أن سعيدا أدرك عمر فمن بعده إلى آخر العشرة.
وقال: ليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم. وليس ذلك على ما قال كما ذكرناه. نعم، قيس بن أبي حازم سمع العشرة وروى عنهم، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة سواه، ذكر ذلك عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ، فيما روينا أو بلغنا عنه. وعن أبي داود السجستاني أنه قال: روى عن التسعة: ولم يروِ عن عبد الرحمن بن عوف.
ويلي هؤلاء: التابعون الذين ولدوا في حياة رسول الله من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبي إدريس الخولاني، وغيرهم.
الثانية: المخضرمون من التابعين: هم الذين أدركوا الجاهلية، وحياة رسول الله وأسلموا، ولا صحبة لهم. وحدهم مخضرم - بفتح الراء - كأنه خضرم أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها.
وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد خير بن يزيد الخيواني، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن ملٍّ، وأبو الحلال العتكي ربيعة بن زرارة.
وممن لم يذكره مسلم: منهم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس، والله أعلم.
الثالثة: من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار.
روينا عن الحافظ أبي عبد الله أنه قال: هؤلاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز.
وروينا عن ابن المبارك قال: كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن رأيهم سبعة فذكر هؤلاء إلا أنه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن، وذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر.
وروينا عن أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلا أنه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم.
الرابعة: ورد عن أحمد بن حنبل أنه قال: أفضل التابعين سعيد بن المسيب. فقيل له: فعلقمة والأسود ؟ فقال: سعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود.
وعنه أنه قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم.
وعنه أيضا أنه قال: أفضل التابعين قيس، وأبو عثمان وعلقمة، ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين، ومن علية التابعين.
وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي في كتاب له، قال: اختلف الناس في أفضل التابعين: فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب. وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني. وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري.
وبلغنا عن أحمد بن حنبل قال: ليس أحد أكثر فتوى من الحسن، وعطاء، يعني من التابعين.
وقال أيضا: كان عطاء مفتي مكة والحسن مفتي البصرة، فهذان أكثر الناس عنهم رأيهم.
وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال: سيدتا التابعين من النساء حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن. وثالثهما - وليست كهما - أم الدرداء، والله أعلم.
الخامسة: روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: طبقة تعد في التابعين، ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة، منهم: إبراهيم بن سويد النخعي الفقيه، وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وبكير بن أبي السميط، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وذكر غيرهم.
قال: وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين وقد لقوا الصحابة، منهم: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان لقي عبد لله بن عمر وأنسا، وهشام بن عروة، وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله. وموسى بن عقبة، وقد أدرك أنس بن مالك وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص. وفي بعض ما قاله مقال.
قلت: وقوم عُدوا من التابعين وهم من الصحابة، ومن أعجب ذلك عَدُّ الحاكم أبي عبد الله: النعمان وسويدا ابني مقرن المزني في التابعين، عندما ذكر الأخوة من التابعين، وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة، والله أعلم.
معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر
ومن الفائدة فيه: أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر و أفضل من الرواي، نظرا إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك، فيجهل بذلك منزلتها.
وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم.
ثم إن ذلك يقع على أضرب: منها: أن يكون الراوي أكبر سنا، وأقدم طبقةً من المروي عنه: كالزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، في روايتهما عن مالك.
وكأبي القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري من المتأخرين، أحد شيوخ الخطيب، روى عن الخطيب في بعض تصانيفه، والخطيب إذ ذاك في عنفوان شبابه وطلبه.
ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدرا من المروي عنه، بأن يكون حافظا عالما، والمروي عنه شيخا راويا فحسب: كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار. وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى. في أشباه لذلك كثيرة.
ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعا، وذلك كراوية كثير من العلماء والحفاظ عن أصحابهم وتلامذتهم: كعبد الغني الحافظ في روايته عن محمد بن علي الصوري، وكراوية أبي بكر البرقاني عن أبي بكر الخطيب، وكراوية الخطيب عن أبي نصر بن ماكولا، ونظائر ذلك كثيرة.
ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي: كراوية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار.
وكذلك رواية التابعي عن تابع التابعي، كما قدمناه من رواية الزهري والأنصاري عن مالك، وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يكن من التابعين، وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين، جمعهم عبد الغني بن سعيد الحافظ في كتيب له.
وقرأت بخط الحافظ أبي محمد الطبسي في تخريج له قال: عمرو بن شعيب ليس بتابعي، وقد روى عنه نيف وسبعون رجلا من التابعين، والله أعلم
معرفة المدبج وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض
وهم المتقاربون في السن والإسناد. وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن.
اعلم: أن رواية القرين عن القرين تنقسم:
فمنها المدبج، وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر.
مثاله في الصحابة: عائشة وأبو هريرة، روى كل واحد منهما عن الآخر.
وفي التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز، ورواية عمر عن الزهري.
وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي، ورواية الأوزاعي عن مالك.
وفي أتباع الأتباع رواية أحمد بن حنبل عن علي بن المديني، ورواية علي عن أحمد.
وذكر الحاكم في هذا رواية أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق، ورواية عبد الرزاق عن أحمد. وليس هذا بمرضي.
ومنها: غير المدبج، وهو أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه فيما نعلم.
مثاله: روايةسليمان التيمي عن مِسْعَر، وهما قرينان، ولا نعلم لمسعر رواية عن التيمي. ولذلك أمثال كثيرة، والله أعلم.
معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة
وذلك إحدى معارف أهل الحديث المفردة بالتصنيف.
صنف فيها علي بن المديني وأبو عبد الرحمن النسوي، وأبو العباس السراج وغيرهم.
فمن أمثاله الأخوين من الصحابة: عبد الله بن مسعود، وعتبة بن مسعود، هما أخوان زيد بن ثابت ويزيد بن ثابت، هما أخوان. عمرو بن العاص، وهشام بن العاص أخوان.
ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوه أرقم بن شرحبيل، كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود. هزيل بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل، أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا.
ومن أمثلة ثلاثة الإخوة: سهل، وعبَّاد، وعثمان، بنو حُنَيف إخوة ثلاثة. عمرو بن شعيب، وعمر، وشعيب بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص إخوة ثلاثة.
ومن أمثلة الأربعة: سهيل بن أبي صالح السمان الزيات، وإخوته: عبد الله الذي يقال له عَباد، ومحمد، وصالح.
ومن أمثلة الخمسة: ما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله، قال: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ غير مرة يقول: آدم بن عيينة، وعمران بن عيينة، ومحمد بن عيينة، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن عيينة، حدثوا عن آخرهم.
ومثال الستة: أولاد سيرين، ستة تابعيون، وهم: محمد، وأنس، ويحيى، ومعبد، وحفصة، وكريمة ذكرهم هكذا أبو عبد الرحمن النسوي، ونقلته من كتابه بخط الدارقطني فيما أحسب. وروي ذلك أيضا عن يحيى بن معين. وهكذا ذكرهم الحاكم في كتاب المعرفة. لكن ذكر فيما نرويه من تاريخه باسنادنا عنه: أنه سمع أبا علي الحافظ يذكر بني سيرين خمسة إخوة: محمد بن سيرين، وأكبرهم معبد بن سيرين، ويحيى بن سيرين، وخالد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأصغرهم حفصة بنت سيرين.
قلت: وقد روي عن محمد، عن يحيى، عن أنس، عن أنس بن مالك: أن رسول الله قال: «لبيك حقا حقا تعبد ا ورقا».
وهذه غريبة، عابا بها بعضهم فقال: أي ثلاثة إخوة روى بعضهم عن بعض ؟.
ومثال السبعة: النعمان بن مُقَرّن، وإخوته: مَعْقِل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم لنا، بنو مقرن المزنيون، سبعة إخوة، هاجروا وصحبوا رسول الله ولم يشاركهم - فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة - في هذه المكرمة غيرهم. وقد قيل: إنهم شهدوا الخندق كلهم.
وقد يقع في الإخوة ما فيه خلاف في مقدار عددهم. ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته، ولعدم الحاجة إليه في غرضنا ههنا، والله أعلم.
معرفة رواية الآباء عن الأبناء
وللخطيب الحافظ في ذلك كتاب:
روينا فيه: عن العباس بن عبد المطلب، عن ابنه الفضل رضي الله عنهما: أن رسول الله جمع بين الصلاتين بالمزدلفة.
وروينا فيه: عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل -وهما ثقتان - أحاديث:
منها: عن ابن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «أخروا الأحمال فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة».
قال الخطيب: لا يروى عن النبي فيما نعلمه - إلا من جهة بكر وأبيه.
وروينا فيه: عن معتمر بن سليمان التيمي قال: حدثني أبي قال: حدثتني أنت عني، عن أيوب، عن الحسن قال: ويح كلمة رحمة. وهذا طريف يجمع أنواعا.
وروينا فيه: عن أبي عمر حفص بن عمر الدوري المقري، عن ابنه أبي جعفر محمد بن حفص: ستة عشر حديثا، أو نحو ذلك. وذلك أكثر ما رويناه لأب عن ابنه.
وآخر ما رويناه من هذا النوع وأقربه عهدا: ما حدثنيه أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد المروزي - رحمها الله - بها من لفظه قال: أنبأني والدي عني - فيما قرأت بخطه - قال: حدثني ولدي أبو المظفر عبد الرحيم من لفظه وأصله، فذكر بإسناده عن أبي أمامة: أن رسول الله قال: «أحضروا موائدكم البقل، فإنه مطردة للشيطان مع التسمية».
وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق، عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله أنه قال: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء». فهو غلط ممن رواه. إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق، عن عائشة، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وهؤلاء هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة: لا نعرف أربعة أدركوا النبي هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة، فذكر: أبا بكر الصديق، وأباه، وابنه عبد الرحمن، وابنه محمد أبا عتيق، والله أعلم.
معرفة رواية الأبناء عن الآباء
ولأبي نصر الوايلي الحافظ في ذلك كتاب.
وأهمه ما لم يسم فيه الأب أو الجد، وهو نوعان:
أحدهما: رواية الابن عن الأب عن الجد.
نحو: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وله بهذا الإسناد نسخة كبيرة، أكثرها فقهيات جياد. وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه، حملا لمطلق الجد فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك.
ونحو: بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جده. روي بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة، وجده هو معاوية بن حيدة القشيري.
وطلحة بن مُصَرِّ ف، عن أبيه، عن جده. وجده عمرو بن كعب اليامي، ويقال: كعب بن عمرو.
ومن أظرف ذلك: رواية أبي الفرج عبد الوهاب التميمي الفقيه الحنبلي، وكانت له ببغداد في - جامع المنصور - حلقة للوعظ والفتوى، عن أبيه، في تسعة من آبائه نسقا. أخبرني بذلك الشيخ أبو الحسن مؤيد بن محمد بن علي النيسابوري بقراءتي عليه بها، قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني في كتابه إلينا، قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي: حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أُكَينة بن عبد الله التميمي من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب، وقد سئل عن الحنان المنان ؟ فقال: الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال.
آخرهم أُكينة - بالنون - وهو السامع عليا رضي الله عنه.
حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني بمرو الشاهان، عن أبي النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفاشي قال: سمعت السيد أبا القاسم منصور بن محمد العلوي يقول: الإسناد بعضه عوال وبعضه مَعال، وقول الرجل حدثني أبي عن جدي من المعالي.
الثاني: رواية الابن عن أبيه دون الجد وذلك باب واسع.
وهو نحو: رواية أبي العُشراء الدارمي، عن أبيه، عن رسول الله وحديثه معروف.
وقد اختلفوا فيه: فالأشهر أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك بن قِهْطِم، وهو فيما نقتله من خط البيهقي وغيره: بكسر القاف، وقيل: قحطم بالحاء، وقيل: هو عطارد بن برز، بتسكين الراء، وقيل: بتحريكها أيضا وقيل: بن بَلْز، باللام. وفي اسمه واسم أبيه من الخلاف غير ذلك، والله أعلم.
معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر، تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا فحصل بينهما أمد بعيد، وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وذوي طبقته
ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب.
وقد أفرده الخطيب الحافظ في كتاب حسن سماه كتاب السابق واللاحق.
ومن أمثلته: أن محمد بن إسحاق الثقفي السراج النيسابوري: روى عنه البخاري والإمام في تاريخه، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك: أنالبخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وقيل: مات في سنة أربع أو خمس و تسعين وثلاثمائة.
وكذلك مالك بن أنس الإمام: حدث عنه الزهري وزكريا بن دُوَيد الكندي، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر.إذ مات مالك بن أنس سنة تسع وتسعين ومائة، ومات الزهري سنة أربع وعشرين ومائة. ولقد حظي مالك بكثير من هذا النوع، والله أعلم.
معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، رضي الله عنهم
ولمسلم فيه كتاب لم أره.
ومثاله من الصحابة وهب بن خَنبًش - وهو في كتابي الحاكم وأبي نعيم الأصبهاني في معرفة علوم الحديث هَرِم بن خنبش، وهو رواية داود الأودي عن الشعبي، وذلك خطأ - صحابي لم يرو عنه غير الشعبي.
وكذلك عامر بن شهر، وعروة بن مضرس، ومحمد بن صفوان الأنصاري، ومحمد بن صيفي الأنصاري - وليسا بواحد، وإن قاله بعضهم - صحابيون، لم يرو عنهم غير الشعبي.
وانفرد قيس بن أبي حازم بالرواية عن أبيه، وعن دكين بن سعيد المزني، والصُّنابح بن الأعسر، ومرداس بن مالك الأسلمي، وكلهم صحابة.
وقدامة بن عبد الله الكلابي منهم، لم يروِ عنه غير أيمن بن نابل.
وفي الصحابة جماعة لم يرو عنهم غير أبنائهم.
منهم: شكل بن حميد، لم يرو عنه غير ابنه شُتَير.
ومنهم: المسيب بن حَزْن القرشي، لم يرو عنه غير ابنه سعيد بن المسيب.
ومعاوية بن حيدة، لم يرو عنه غير ابنه حكيم والد بهز.
وقرة بن أياس، لم يرو عنه غير ابنه معاوية.
وأبو ليلى الأنصاري، لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ثم إن الحاكم أبا عبد الله حكم في المدخل إلى كتاب الإكليل بأن أحدا من هذا القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وأنكر ذلك عليه، ونقض عليه:
بإخراج البخاري في صحيحه: حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي: «يذهب الصالحون الأول فالأول..» ولا راوي له غير قيس.
وبإخراجه - بل بإخراجهما - حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب، مع أنه لا راوي له غير ابنه.
وبإخراجه حديث الحسن البصري، عن عمرو بن تغلب: «إني لأعطي الرجل، والذي أدَع أحب إليَّ»ولم يرو عن عمرو غير الحسن.
وكذلك أخرج مسلم في صحيحه حديث رافع بن عمرو الغفاري، ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت.
وحديث أبي رفاعة العدوي، ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي.
وحديث الأغر المزني: «إنه ليُغان على قلبي...» ولم يرو عنه غير أبي بردة.
في أشياء كثيرة عندهما في كتابيهما على هذا النحو، وذلك دال على مصيرهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه.
وقد قدمت هذا في النوع الثالث والعشرين، ثم بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة قال: كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول، إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد، وعمرو بن معدي كرب بالنجدة.
واعلم: أنه قد يوجد في بعض من ذكرنا تفرد راو واحد عنه خلاف في تفرده، ومن ذلك: قدامة بن عبد الله، ذكر ابن عبد البر أنه روى عنه أيضا حميد بن كلاب، والله أعلم.
ومثال هذا النوع في التابعين: أبو العُشَراء الدارمي، لم يرو عنه فيما يعلم غير حماد بن سلمة.
ومثل الحاكم لهذا النوع في التابعين بمحمد بن أبي سفيان الثقفي، وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهري فيما يعلم، قال: وكذلك تفرد الزهري عن نيف وعشرين رجلا من التابعين، لم يرو عنهم غيره. وكذلك عمرو بن دينار، تفرد عن جماعة من التابعين، وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي وهشام بن عروة وغيرهم. وسمى الحاكم منهم في بعض المواضع.
فيمن تفرد عنهم: عمرو بن دينار: عبد الرحمن بن معبد، وعبد الرحمن بن فروخ، وفيمن تفرد عنهم الزهري: عمرو بن أبان بن عثمان، وسنان بن أبي سنان الدؤلي. وفيمن تفرد عنهم يحيى عبد الله بن أنيس الأنصاري.
ومثل في أتباع التابعين بالمِسوَر بن رفاعة القرظي، وذكر أنه لم يرو عنه غير مالك. وكذلك تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة.
قلت: وأخشى أن يكون الحاكم في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التي جعله فيها معتمدا على الحسبان والتوهم، والله أعلم.
معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة فظن من لا خبرة له بها أن تلك الأسماء أو النعوت لجماعة متفرقين
هذا فن عويص، والحاجة إليه حاقة، وفيه إظهار تدليس المدلسين، فإن أكثر ذلك إنما نشأ من تدليسهم.
وقد صنف عبد الغني بن سعيد الحافظ المصري وغيره في ذلك.
مثاله: محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، هو أبو النضر، الذي روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار حديث تميم الداري.
وعدي بن بَدَّاء، وهوحماد بن السائب، الذي روى عنه أبو أسامة حديث: «ذكاة كل مَسك دباغه». وهو أبو سعيد الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير يدلس به موهما أنه أبو سعيد الخدري.
ومثاله أيضا: سالم، الراوي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة، رضي الله عنهم، هو سالم أبو عبد الله المديني، وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري، وهو سالم مولى شداد بن الهاد النصري، وهو في بعض الروايات مسمى بسالم مولى النصريين، وفي بعضها بسالم مولى المهدي، وهو في بعضها سالم سبلان، وفي بعضها: أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد، وفي بعضها: سالم أبو عبد الله الدوسي، وفي بعضها: سالم مولى دوس. ذكر ذلك كله عبد الغني بن سعيد.
قلت: والخطيب الحافظ يروي في كتبه، عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه. وكذلك يروي عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمد الخلال، والجميع عبارة عن واحد. ويروى أيضا عن أبي القاسم التنوخي، وعن علي بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وعن علي بن أبي علي المعدل، والجميع شخص واحد. وله من ذلك الكثير، و الله أعلم.
النوع التاسع و الأربعون: معرفة المفردات الآحاد من أسماء الصحابة
معرفة المفردات الآحاد من أسماء الصحابة ورواة الحديث والعلماء وألقابهم وكناهم
هذا نوع مليح عزيز، يوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال مجموعا، مفرقا في أواخر أبوابها.
وأفرد أيضا بالتصنيف، وكتاب أحمد بن هارون البَرديجي البرذعي، المترجم بالأسماء المفردة، من أشهر كتاب في ذلك. ولحقه في كثير منه اعتراض واستدراك من غير واحد من الحفاظ، منهم أبو عبد الله بن بكير.
فمن ذلك ما وقع في كونه ذكر أسماء كثيرة على أنها آحاد، وهي مثان ومثالث. وأكثر من ذلك - وعلى ما فهمناه من شرطه - لا يلزمه ما يوجد من ذلك في غير أسماء الصحابة والعلماء ورواة الحديث.
ومن ذلك أفراد ذكرها، اعترض عليه فيها بأنها ألقاب لا أسامي، منها: الأجلح الكندي، إنما هو لقب لجلحةٍ كانت به، واسمه يحيى، ويحيى كثير.
ومنها صُغْديّ بن سنان، اسمه عمر، وصغدي لقب، ومع ذلك فلهم صغدي غيره.
وليس يرد هذا على ما ترجمت به هذا النوع، والحق أن هذا فن يصعب الحكم فيه، والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتقاض، فإنه حصر في باب واسع شديد الانتشار.
فمن أمثلة ذلك المستفادة: أحمد بن عُجْيان الهمداني - بالجيم - صحابي، ذكره أبو يونس: وعجيان كنا نعرفه بالتشديد، على وزن عُلَيّان. ثم وجدته بخط ابن الفرات - وهو حجة - عُجْيان بالتخفيف على وزن سفيان.
أوسط بن عمرو الَبجَلي تابعي.
تدوم بن صُيَبْح الكُلاعي»، عن تُبيع بن عامر الكلاعي، ويقال فيه: يدوم، بالياء، وصوابه بالتاء المثناة من فوق.
جُبيب بن الحارث، صحابي، بالجيم، وبالباء الموحدة المكررة.
جيلان بن فروة، بالجيم المكسوة، أبو الجَلْد الأخباري، تابعي.
الدُجَين بن ثابت، بالجيم مصغرا.
أبو الغصن، قيل: إنه جحا المعروف، والأصح أنه غيره.
زر بن حبيش، التابعي الكبير.
سُعير بن الخِمْس، انفرد في اسمه واسم أبيه.
سنْدَر الخصي، مولى زنباع الجُذامي، له صحبة.
شكَل بن حميد الصحابي، بفتحتين.
شمعون بن زيد، أبو ريحانة، بالشين المنقوطة والعين المهملة، ويقال: بالغين المعجمة. قال أبو سعيد بن يونس: وهو عندي أصح، أحد الصحابة الفضلاء.
صُدَي بن عجلان، أبو أمامة، الصحابي. صُنابح بن الأعسر، الصحابي، ومن قال فيه: صنابحي فقد أخطأ.
ضُريب بن نُقير بن سُمير، بالتصغير فيها كلها، أبو السَّليل القيسي البصري. روى عن معاذة العدوية وغيرها. ونقير أبوه بالنون والقاف، وقيل: بالفاء وقيل بالفاء واللام نفيل.
عزوان بن زيد الرَقاشي، بعين غير معجمة، عبد صالح تابعي.
قرثع الضبي بالثاء المثلثة. كلَدة بن حنبل، بفتح اللام صحابي.
لبُي بن لَبا الأسدي الصحابي، باللام فيهما، والأول مشدد مصغر على وزن أُبي، والثاني مخفف مكبر على وزن عصا، فاعلمه فإنه يغلط فيه.
مُستَمِر بن الريان، رأى أنسا.
نُبَيشة الخير، صحابي.
نَوف الِبِكالي، من بكال، بطن من حمير، بكسر الباء وتخفيف الكاف، وغلب على ألسنة أهل الحديث فيه فتح الباء وتشديد الكاف.
وابصة بن معبد الصحابي.
هُبَيب بن مُغْفِل، مصغر بالباء الموحدة المكررة، صحابي، ومغفل بالغين المنقوطة الساكنة.
همذان، بريد عمر بن الخطاب، ضبطه ابن بكير وغيره: بالذال المعجمة، وضبطه بعض من ألف على كتاب البرديجي: بالدال المهملة وإسكان الميم.
وأما الكُنى المفردة، فمنها: أبو العُبَيدين، مصغر مثنى، واسمه معاوية بن سبرة، من أصحاب ابن مسعود، له حديثان أو ثلاثة.
أبو العشراء الدارمي، وقد سبق.
أبو المُدِلّة، بكسر الدال المهملة وتشديد اللام، ولم يوقف على اسمه. روى عنه الأعمش وابن عيينة وجماعة، ولا نعلم أحدا تابع أبا نعيم الحافظ في قوله: إن اسمه عبيد الله بن عبد الله المدني.
أبو مُراية العجلي، عرفناه بضم الميم وبعد الألف ياء مثناة من تحت، واسمه عبد الله بن عمرو، تابعي، روى عنه قتادة.
أبو مُعَيد، مصغر مخفف الياء.
حفص بن غيلان الهمداني، روى عن مكحول وغيره.
وأما الأفراد من الألقاب، فمثالها: سفينة مولى رسول الله من الصحابة، لقب فرد، واسمه مهران، على خلاف فيه.
مندل بن علي، وهو بكسر الميم. روى عن الخطيب، وغيره، ويقولونه كثيرا بفتحها، وهو لقب، واسمه عمرو.
سحنون بن سعيد التنوخي القيرواني، صاحب المدونة على مذهب مالك، لقب فرد، واسمه عبد السلام.
ومن ذلك مُطَيَّن الحضرمي، وُمْشكدانة الجعفي، في جماعة آخرين، سنذكرهم في نوع الألقاب، إن شاء الله تعالى، وهو أعلم.
ورواية الاباء عن الابناء والابناء عن الاباء واسماء الرواة هذا ومعرفة الصحابة أصل أصيل يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند.
قال الخطيب الحافظ: التابعي من صحب الصحابي.
قلت: ومطلقة مخصوص بالتابع بإحسان. ويقال للواحد منهم تابع وتابعي.
وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه، وإن لم توجد الصحبة العرفية. والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابي، نظرا إلى مقتض اللفظين فيهما.
وهذه مهمات في هذا النوع:
إحداها: ذكر الحافظ أبو عبد الله: أن التابعين على خمس عشرة طبقة:
الأولى: الذين لحقوا العشرة سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عباد، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العطاردي وغيرهم. وعليه في بعض هؤلاء إنكار، فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة، لأنه ولد في خلافة عمر، ولم يسمع من أكثر العشرة. وقد قال بعضهم: لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص.
قلت: وكان سعد آخرهم موتا.
وذكر الحاكم قبل كلامه المذكور: أن سعيدا أدرك عمر فمن بعده إلى آخر العشرة.
وقال: ليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم. وليس ذلك على ما قال كما ذكرناه. نعم، قيس بن أبي حازم سمع العشرة وروى عنهم، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة سواه، ذكر ذلك عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ، فيما روينا أو بلغنا عنه. وعن أبي داود السجستاني أنه قال: روى عن التسعة: ولم يروِ عن عبد الرحمن بن عوف.
ويلي هؤلاء: التابعون الذين ولدوا في حياة رسول الله من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبي إدريس الخولاني، وغيرهم.
الثانية: المخضرمون من التابعين: هم الذين أدركوا الجاهلية، وحياة رسول الله وأسلموا، ولا صحبة لهم. وحدهم مخضرم - بفتح الراء - كأنه خضرم أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها.
وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا، منهم: أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد خير بن يزيد الخيواني، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن ملٍّ، وأبو الحلال العتكي ربيعة بن زرارة.
وممن لم يذكره مسلم: منهم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، والأحنف بن قيس، والله أعلم.
الثالثة: من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار.
روينا عن الحافظ أبي عبد الله أنه قال: هؤلاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز.
وروينا عن ابن المبارك قال: كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن رأيهم سبعة فذكر هؤلاء إلا أنه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن، وذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر.
وروينا عن أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم، فذكر هؤلاء، إلا أنه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل أبي سلمة وسالم.
الرابعة: ورد عن أحمد بن حنبل أنه قال: أفضل التابعين سعيد بن المسيب. فقيل له: فعلقمة والأسود ؟ فقال: سعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود.
وعنه أنه قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي، وقيس بن أبي حازم.
وعنه أيضا أنه قال: أفضل التابعين قيس، وأبو عثمان وعلقمة، ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين، ومن علية التابعين.
وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي في كتاب له، قال: اختلف الناس في أفضل التابعين: فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب. وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني. وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري.
وبلغنا عن أحمد بن حنبل قال: ليس أحد أكثر فتوى من الحسن، وعطاء، يعني من التابعين.
وقال أيضا: كان عطاء مفتي مكة والحسن مفتي البصرة، فهذان أكثر الناس عنهم رأيهم.
وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال: سيدتا التابعين من النساء حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن. وثالثهما - وليست كهما - أم الدرداء، والله أعلم.
الخامسة: روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: طبقة تعد في التابعين، ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة، منهم: إبراهيم بن سويد النخعي الفقيه، وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وبكير بن أبي السميط، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وذكر غيرهم.
قال: وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين وقد لقوا الصحابة، منهم: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان لقي عبد لله بن عمر وأنسا، وهشام بن عروة، وقد أدخل على عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله. وموسى بن عقبة، وقد أدرك أنس بن مالك وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص. وفي بعض ما قاله مقال.
قلت: وقوم عُدوا من التابعين وهم من الصحابة، ومن أعجب ذلك عَدُّ الحاكم أبي عبد الله: النعمان وسويدا ابني مقرن المزني في التابعين، عندما ذكر الأخوة من التابعين، وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة، والله أعلم.
معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر
ومن الفائدة فيه: أن لا يتوهم كون المروي عنه أكبر و أفضل من الرواي، نظرا إلى أن الأغلب كون المروي عنه كذلك، فيجهل بذلك منزلتها.
وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم.
ثم إن ذلك يقع على أضرب: منها: أن يكون الراوي أكبر سنا، وأقدم طبقةً من المروي عنه: كالزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، في روايتهما عن مالك.
وكأبي القاسم عبيد الله بن أحمد الأزهري من المتأخرين، أحد شيوخ الخطيب، روى عن الخطيب في بعض تصانيفه، والخطيب إذ ذاك في عنفوان شبابه وطلبه.
ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدرا من المروي عنه، بأن يكون حافظا عالما، والمروي عنه شيخا راويا فحسب: كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار. وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسى. في أشباه لذلك كثيرة.
ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعا، وذلك كراوية كثير من العلماء والحفاظ عن أصحابهم وتلامذتهم: كعبد الغني الحافظ في روايته عن محمد بن علي الصوري، وكراوية أبي بكر البرقاني عن أبي بكر الخطيب، وكراوية الخطيب عن أبي نصر بن ماكولا، ونظائر ذلك كثيرة.
ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية الصحابي عن التابعي: كراوية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار.
وكذلك رواية التابعي عن تابع التابعي، كما قدمناه من رواية الزهري والأنصاري عن مالك، وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يكن من التابعين، وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين، جمعهم عبد الغني بن سعيد الحافظ في كتيب له.
وقرأت بخط الحافظ أبي محمد الطبسي في تخريج له قال: عمرو بن شعيب ليس بتابعي، وقد روى عنه نيف وسبعون رجلا من التابعين، والله أعلم
معرفة المدبج وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض
وهم المتقاربون في السن والإسناد. وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن.
اعلم: أن رواية القرين عن القرين تنقسم:
فمنها المدبج، وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر.
مثاله في الصحابة: عائشة وأبو هريرة، روى كل واحد منهما عن الآخر.
وفي التابعين: رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز، ورواية عمر عن الزهري.
وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي، ورواية الأوزاعي عن مالك.
وفي أتباع الأتباع رواية أحمد بن حنبل عن علي بن المديني، ورواية علي عن أحمد.
وذكر الحاكم في هذا رواية أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق، ورواية عبد الرزاق عن أحمد. وليس هذا بمرضي.
ومنها: غير المدبج، وهو أن يروي أحد القرينين عن الآخر ولا يروي الآخر عنه فيما نعلم.
مثاله: روايةسليمان التيمي عن مِسْعَر، وهما قرينان، ولا نعلم لمسعر رواية عن التيمي. ولذلك أمثال كثيرة، والله أعلم.
معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة
وذلك إحدى معارف أهل الحديث المفردة بالتصنيف.
صنف فيها علي بن المديني وأبو عبد الرحمن النسوي، وأبو العباس السراج وغيرهم.
فمن أمثاله الأخوين من الصحابة: عبد الله بن مسعود، وعتبة بن مسعود، هما أخوان زيد بن ثابت ويزيد بن ثابت، هما أخوان. عمرو بن العاص، وهشام بن العاص أخوان.
ومن التابعين: عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوه أرقم بن شرحبيل، كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود. هزيل بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل، أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا.
ومن أمثلة ثلاثة الإخوة: سهل، وعبَّاد، وعثمان، بنو حُنَيف إخوة ثلاثة. عمرو بن شعيب، وعمر، وشعيب بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص إخوة ثلاثة.
ومن أمثلة الأربعة: سهيل بن أبي صالح السمان الزيات، وإخوته: عبد الله الذي يقال له عَباد، ومحمد، وصالح.
ومن أمثلة الخمسة: ما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله، قال: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ غير مرة يقول: آدم بن عيينة، وعمران بن عيينة، ومحمد بن عيينة، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن عيينة، حدثوا عن آخرهم.
ومثال الستة: أولاد سيرين، ستة تابعيون، وهم: محمد، وأنس، ويحيى، ومعبد، وحفصة، وكريمة ذكرهم هكذا أبو عبد الرحمن النسوي، ونقلته من كتابه بخط الدارقطني فيما أحسب. وروي ذلك أيضا عن يحيى بن معين. وهكذا ذكرهم الحاكم في كتاب المعرفة. لكن ذكر فيما نرويه من تاريخه باسنادنا عنه: أنه سمع أبا علي الحافظ يذكر بني سيرين خمسة إخوة: محمد بن سيرين، وأكبرهم معبد بن سيرين، ويحيى بن سيرين، وخالد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأصغرهم حفصة بنت سيرين.
قلت: وقد روي عن محمد، عن يحيى، عن أنس، عن أنس بن مالك: أن رسول الله قال: «لبيك حقا حقا تعبد ا ورقا».
وهذه غريبة، عابا بها بعضهم فقال: أي ثلاثة إخوة روى بعضهم عن بعض ؟.
ومثال السبعة: النعمان بن مُقَرّن، وإخوته: مَعْقِل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، وسابع لم يسم لنا، بنو مقرن المزنيون، سبعة إخوة، هاجروا وصحبوا رسول الله ولم يشاركهم - فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة - في هذه المكرمة غيرهم. وقد قيل: إنهم شهدوا الخندق كلهم.
وقد يقع في الإخوة ما فيه خلاف في مقدار عددهم. ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته، ولعدم الحاجة إليه في غرضنا ههنا، والله أعلم.
معرفة رواية الآباء عن الأبناء
وللخطيب الحافظ في ذلك كتاب:
روينا فيه: عن العباس بن عبد المطلب، عن ابنه الفضل رضي الله عنهما: أن رسول الله جمع بين الصلاتين بالمزدلفة.
وروينا فيه: عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل -وهما ثقتان - أحاديث:
منها: عن ابن عيينة، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «أخروا الأحمال فإن اليد مغلقة، والرجل موثقة».
قال الخطيب: لا يروى عن النبي فيما نعلمه - إلا من جهة بكر وأبيه.
وروينا فيه: عن معتمر بن سليمان التيمي قال: حدثني أبي قال: حدثتني أنت عني، عن أيوب، عن الحسن قال: ويح كلمة رحمة. وهذا طريف يجمع أنواعا.
وروينا فيه: عن أبي عمر حفص بن عمر الدوري المقري، عن ابنه أبي جعفر محمد بن حفص: ستة عشر حديثا، أو نحو ذلك. وذلك أكثر ما رويناه لأب عن ابنه.
وآخر ما رويناه من هذا النوع وأقربه عهدا: ما حدثنيه أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد المروزي - رحمها الله - بها من لفظه قال: أنبأني والدي عني - فيما قرأت بخطه - قال: حدثني ولدي أبو المظفر عبد الرحيم من لفظه وأصله، فذكر بإسناده عن أبي أمامة: أن رسول الله قال: «أحضروا موائدكم البقل، فإنه مطردة للشيطان مع التسمية».
وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق، عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله أنه قال: «في الحبة السوداء شفاء من كل داء». فهو غلط ممن رواه. إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق، عن عائشة، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
وهؤلاء هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة: لا نعرف أربعة أدركوا النبي هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة، فذكر: أبا بكر الصديق، وأباه، وابنه عبد الرحمن، وابنه محمد أبا عتيق، والله أعلم.
معرفة رواية الأبناء عن الآباء
ولأبي نصر الوايلي الحافظ في ذلك كتاب.
وأهمه ما لم يسم فيه الأب أو الجد، وهو نوعان:
أحدهما: رواية الابن عن الأب عن الجد.
نحو: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وله بهذا الإسناد نسخة كبيرة، أكثرها فقهيات جياد. وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه، حملا لمطلق الجد فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك.
ونحو: بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جده. روي بهذا الإسناد نسخة كبيرة حسنة، وجده هو معاوية بن حيدة القشيري.
وطلحة بن مُصَرِّ ف، عن أبيه، عن جده. وجده عمرو بن كعب اليامي، ويقال: كعب بن عمرو.
ومن أظرف ذلك: رواية أبي الفرج عبد الوهاب التميمي الفقيه الحنبلي، وكانت له ببغداد في - جامع المنصور - حلقة للوعظ والفتوى، عن أبيه، في تسعة من آبائه نسقا. أخبرني بذلك الشيخ أبو الحسن مؤيد بن محمد بن علي النيسابوري بقراءتي عليه بها، قال: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني في كتابه إلينا، قال: أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي: حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أُكَينة بن عبد الله التميمي من لفظه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب، وقد سئل عن الحنان المنان ؟ فقال: الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال.
آخرهم أُكينة - بالنون - وهو السامع عليا رضي الله عنه.
حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني بمرو الشاهان، عن أبي النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفاشي قال: سمعت السيد أبا القاسم منصور بن محمد العلوي يقول: الإسناد بعضه عوال وبعضه مَعال، وقول الرجل حدثني أبي عن جدي من المعالي.
الثاني: رواية الابن عن أبيه دون الجد وذلك باب واسع.
وهو نحو: رواية أبي العُشراء الدارمي، عن أبيه، عن رسول الله وحديثه معروف.
وقد اختلفوا فيه: فالأشهر أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك بن قِهْطِم، وهو فيما نقتله من خط البيهقي وغيره: بكسر القاف، وقيل: قحطم بالحاء، وقيل: هو عطارد بن برز، بتسكين الراء، وقيل: بتحريكها أيضا وقيل: بن بَلْز، باللام. وفي اسمه واسم أبيه من الخلاف غير ذلك، والله أعلم.
معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر، تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا فحصل بينهما أمد بعيد، وإن كان المتأخر منهما غير معدود من معاصري الأول وذوي طبقته
ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب.
وقد أفرده الخطيب الحافظ في كتاب حسن سماه كتاب السابق واللاحق.
ومن أمثلته: أن محمد بن إسحاق الثقفي السراج النيسابوري: روى عنه البخاري والإمام في تاريخه، وروى عنه أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر، وذلك: أنالبخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وقيل: مات في سنة أربع أو خمس و تسعين وثلاثمائة.
وكذلك مالك بن أنس الإمام: حدث عنه الزهري وزكريا بن دُوَيد الكندي، وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر.إذ مات مالك بن أنس سنة تسع وتسعين ومائة، ومات الزهري سنة أربع وعشرين ومائة. ولقد حظي مالك بكثير من هذا النوع، والله أعلم.
معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، رضي الله عنهم
ولمسلم فيه كتاب لم أره.
ومثاله من الصحابة وهب بن خَنبًش - وهو في كتابي الحاكم وأبي نعيم الأصبهاني في معرفة علوم الحديث هَرِم بن خنبش، وهو رواية داود الأودي عن الشعبي، وذلك خطأ - صحابي لم يرو عنه غير الشعبي.
وكذلك عامر بن شهر، وعروة بن مضرس، ومحمد بن صفوان الأنصاري، ومحمد بن صيفي الأنصاري - وليسا بواحد، وإن قاله بعضهم - صحابيون، لم يرو عنهم غير الشعبي.
وانفرد قيس بن أبي حازم بالرواية عن أبيه، وعن دكين بن سعيد المزني، والصُّنابح بن الأعسر، ومرداس بن مالك الأسلمي، وكلهم صحابة.
وقدامة بن عبد الله الكلابي منهم، لم يروِ عنه غير أيمن بن نابل.
وفي الصحابة جماعة لم يرو عنهم غير أبنائهم.
منهم: شكل بن حميد، لم يرو عنه غير ابنه شُتَير.
ومنهم: المسيب بن حَزْن القرشي، لم يرو عنه غير ابنه سعيد بن المسيب.
ومعاوية بن حيدة، لم يرو عنه غير ابنه حكيم والد بهز.
وقرة بن أياس، لم يرو عنه غير ابنه معاوية.
وأبو ليلى الأنصاري، لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ثم إن الحاكم أبا عبد الله حكم في المدخل إلى كتاب الإكليل بأن أحدا من هذا القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وأنكر ذلك عليه، ونقض عليه:
بإخراج البخاري في صحيحه: حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي: «يذهب الصالحون الأول فالأول..» ولا راوي له غير قيس.
وبإخراجه - بل بإخراجهما - حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب، مع أنه لا راوي له غير ابنه.
وبإخراجه حديث الحسن البصري، عن عمرو بن تغلب: «إني لأعطي الرجل، والذي أدَع أحب إليَّ»ولم يرو عن عمرو غير الحسن.
وكذلك أخرج مسلم في صحيحه حديث رافع بن عمرو الغفاري، ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت.
وحديث أبي رفاعة العدوي، ولم يرو عنه غير حميد بن هلال العدوي.
وحديث الأغر المزني: «إنه ليُغان على قلبي...» ولم يرو عنه غير أبي بردة.
في أشياء كثيرة عندهما في كتابيهما على هذا النحو، وذلك دال على مصيرهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه.
وقد قدمت هذا في النوع الثالث والعشرين، ثم بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة قال: كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول، إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد، وعمرو بن معدي كرب بالنجدة.
واعلم: أنه قد يوجد في بعض من ذكرنا تفرد راو واحد عنه خلاف في تفرده، ومن ذلك: قدامة بن عبد الله، ذكر ابن عبد البر أنه روى عنه أيضا حميد بن كلاب، والله أعلم.
ومثال هذا النوع في التابعين: أبو العُشَراء الدارمي، لم يرو عنه فيما يعلم غير حماد بن سلمة.
ومثل الحاكم لهذا النوع في التابعين بمحمد بن أبي سفيان الثقفي، وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهري فيما يعلم، قال: وكذلك تفرد الزهري عن نيف وعشرين رجلا من التابعين، لم يرو عنهم غيره. وكذلك عمرو بن دينار، تفرد عن جماعة من التابعين، وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي وهشام بن عروة وغيرهم. وسمى الحاكم منهم في بعض المواضع.
فيمن تفرد عنهم: عمرو بن دينار: عبد الرحمن بن معبد، وعبد الرحمن بن فروخ، وفيمن تفرد عنهم الزهري: عمرو بن أبان بن عثمان، وسنان بن أبي سنان الدؤلي. وفيمن تفرد عنهم يحيى عبد الله بن أنيس الأنصاري.
ومثل في أتباع التابعين بالمِسوَر بن رفاعة القرظي، وذكر أنه لم يرو عنه غير مالك. وكذلك تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة.
قلت: وأخشى أن يكون الحاكم في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التي جعله فيها معتمدا على الحسبان والتوهم، والله أعلم.
معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة فظن من لا خبرة له بها أن تلك الأسماء أو النعوت لجماعة متفرقين
هذا فن عويص، والحاجة إليه حاقة، وفيه إظهار تدليس المدلسين، فإن أكثر ذلك إنما نشأ من تدليسهم.
وقد صنف عبد الغني بن سعيد الحافظ المصري وغيره في ذلك.
مثاله: محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، هو أبو النضر، الذي روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار حديث تميم الداري.
وعدي بن بَدَّاء، وهوحماد بن السائب، الذي روى عنه أبو أسامة حديث: «ذكاة كل مَسك دباغه». وهو أبو سعيد الذي يروي عنه عطية العوفي التفسير يدلس به موهما أنه أبو سعيد الخدري.
ومثاله أيضا: سالم، الراوي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة، رضي الله عنهم، هو سالم أبو عبد الله المديني، وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري، وهو سالم مولى شداد بن الهاد النصري، وهو في بعض الروايات مسمى بسالم مولى النصريين، وفي بعضها بسالم مولى المهدي، وهو في بعضها سالم سبلان، وفي بعضها: أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد، وفي بعضها: سالم أبو عبد الله الدوسي، وفي بعضها: سالم مولى دوس. ذكر ذلك كله عبد الغني بن سعيد.
قلت: والخطيب الحافظ يروي في كتبه، عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه. وكذلك يروي عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمد الخلال، والجميع عبارة عن واحد. ويروى أيضا عن أبي القاسم التنوخي، وعن علي بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وعن علي بن أبي علي المعدل، والجميع شخص واحد. وله من ذلك الكثير، و الله أعلم.
النوع التاسع و الأربعون: معرفة المفردات الآحاد من أسماء الصحابة
معرفة المفردات الآحاد من أسماء الصحابة ورواة الحديث والعلماء وألقابهم وكناهم
هذا نوع مليح عزيز، يوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال مجموعا، مفرقا في أواخر أبوابها.
وأفرد أيضا بالتصنيف، وكتاب أحمد بن هارون البَرديجي البرذعي، المترجم بالأسماء المفردة، من أشهر كتاب في ذلك. ولحقه في كثير منه اعتراض واستدراك من غير واحد من الحفاظ، منهم أبو عبد الله بن بكير.
فمن ذلك ما وقع في كونه ذكر أسماء كثيرة على أنها آحاد، وهي مثان ومثالث. وأكثر من ذلك - وعلى ما فهمناه من شرطه - لا يلزمه ما يوجد من ذلك في غير أسماء الصحابة والعلماء ورواة الحديث.
ومن ذلك أفراد ذكرها، اعترض عليه فيها بأنها ألقاب لا أسامي، منها: الأجلح الكندي، إنما هو لقب لجلحةٍ كانت به، واسمه يحيى، ويحيى كثير.
ومنها صُغْديّ بن سنان، اسمه عمر، وصغدي لقب، ومع ذلك فلهم صغدي غيره.
وليس يرد هذا على ما ترجمت به هذا النوع، والحق أن هذا فن يصعب الحكم فيه، والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتقاض، فإنه حصر في باب واسع شديد الانتشار.
فمن أمثلة ذلك المستفادة: أحمد بن عُجْيان الهمداني - بالجيم - صحابي، ذكره أبو يونس: وعجيان كنا نعرفه بالتشديد، على وزن عُلَيّان. ثم وجدته بخط ابن الفرات - وهو حجة - عُجْيان بالتخفيف على وزن سفيان.
أوسط بن عمرو الَبجَلي تابعي.
تدوم بن صُيَبْح الكُلاعي»، عن تُبيع بن عامر الكلاعي، ويقال فيه: يدوم، بالياء، وصوابه بالتاء المثناة من فوق.
جُبيب بن الحارث، صحابي، بالجيم، وبالباء الموحدة المكررة.
جيلان بن فروة، بالجيم المكسوة، أبو الجَلْد الأخباري، تابعي.
الدُجَين بن ثابت، بالجيم مصغرا.
أبو الغصن، قيل: إنه جحا المعروف، والأصح أنه غيره.
زر بن حبيش، التابعي الكبير.
سُعير بن الخِمْس، انفرد في اسمه واسم أبيه.
سنْدَر الخصي، مولى زنباع الجُذامي، له صحبة.
شكَل بن حميد الصحابي، بفتحتين.
شمعون بن زيد، أبو ريحانة، بالشين المنقوطة والعين المهملة، ويقال: بالغين المعجمة. قال أبو سعيد بن يونس: وهو عندي أصح، أحد الصحابة الفضلاء.
صُدَي بن عجلان، أبو أمامة، الصحابي. صُنابح بن الأعسر، الصحابي، ومن قال فيه: صنابحي فقد أخطأ.
ضُريب بن نُقير بن سُمير، بالتصغير فيها كلها، أبو السَّليل القيسي البصري. روى عن معاذة العدوية وغيرها. ونقير أبوه بالنون والقاف، وقيل: بالفاء وقيل بالفاء واللام نفيل.
عزوان بن زيد الرَقاشي، بعين غير معجمة، عبد صالح تابعي.
قرثع الضبي بالثاء المثلثة. كلَدة بن حنبل، بفتح اللام صحابي.
لبُي بن لَبا الأسدي الصحابي، باللام فيهما، والأول مشدد مصغر على وزن أُبي، والثاني مخفف مكبر على وزن عصا، فاعلمه فإنه يغلط فيه.
مُستَمِر بن الريان، رأى أنسا.
نُبَيشة الخير، صحابي.
نَوف الِبِكالي، من بكال، بطن من حمير، بكسر الباء وتخفيف الكاف، وغلب على ألسنة أهل الحديث فيه فتح الباء وتشديد الكاف.
وابصة بن معبد الصحابي.
هُبَيب بن مُغْفِل، مصغر بالباء الموحدة المكررة، صحابي، ومغفل بالغين المنقوطة الساكنة.
همذان، بريد عمر بن الخطاب، ضبطه ابن بكير وغيره: بالذال المعجمة، وضبطه بعض من ألف على كتاب البرديجي: بالدال المهملة وإسكان الميم.
وأما الكُنى المفردة، فمنها: أبو العُبَيدين، مصغر مثنى، واسمه معاوية بن سبرة، من أصحاب ابن مسعود، له حديثان أو ثلاثة.
أبو العشراء الدارمي، وقد سبق.
أبو المُدِلّة، بكسر الدال المهملة وتشديد اللام، ولم يوقف على اسمه. روى عنه الأعمش وابن عيينة وجماعة، ولا نعلم أحدا تابع أبا نعيم الحافظ في قوله: إن اسمه عبيد الله بن عبد الله المدني.
أبو مُراية العجلي، عرفناه بضم الميم وبعد الألف ياء مثناة من تحت، واسمه عبد الله بن عمرو، تابعي، روى عنه قتادة.
أبو مُعَيد، مصغر مخفف الياء.
حفص بن غيلان الهمداني، روى عن مكحول وغيره.
وأما الأفراد من الألقاب، فمثالها: سفينة مولى رسول الله من الصحابة، لقب فرد، واسمه مهران، على خلاف فيه.
مندل بن علي، وهو بكسر الميم. روى عن الخطيب، وغيره، ويقولونه كثيرا بفتحها، وهو لقب، واسمه عمرو.
سحنون بن سعيد التنوخي القيرواني، صاحب المدونة على مذهب مالك، لقب فرد، واسمه عبد السلام.
ومن ذلك مُطَيَّن الحضرمي، وُمْشكدانة الجعفي، في جماعة آخرين، سنذكرهم في نوع الألقاب، إن شاء الله تعالى، وهو أعلم.
الكلمات المفتاحية :
اعجاز الحديث النبوي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: