معرفة الرواة المتشابهين في الاسم والنسب و المبهمات
معرفة الرواة المتشابهين في الاسم والنسب و المبهمات
والثقات والضعاف ومن اختلط من الرواة
مثاله: يزيد بن الأسود، والأسود بن يزيد: فالأول: يزيد بن الأسود الصحابي،
الخزاعي، ويزيد بن الأسود الجرشي، أدرك الجاهلية، وأسلم، وسكن الشام، وذكر بالصلاح، حتى استسقى به معاوية في أهل دمشق، فقال: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا. فسقوا للوقت، حتى كادوا لا يبلغون منازلهم.
والثاني: الأسود بن يزيد النخعي، التابعي الفاضل.
ومن ذلك الوليد بن مسلم، ومسلم بن الوليد.
فمن الأول: الوليد بن مسلم البصري التابعي، الراوي عن جندب بن عبد الله البَجلي. والوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، صاحب الأوزاعي، روى عنه أحمد بن حنبل والناس.
والثاني: مسلم بن الوليد بن رباح المدني، حدث عن أبيه وغيره، روى عنه عبد العزيز الدراوردي وغيره، وذكره البخاري في تاريخه فقلب اسمه ونسبه، فقال: الوليد بن مسلم وأُخذ عليه ذلك.
وصنف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب وهذا الاسم ربما أوهم اختصاصه بما وقع فيه مثل الغلط المذكور في هذا المثال الثاني، وليس ذلك شرطا فيه، وأكثره ليس كذلك، فما ترجمناه به إذا أولى، والله أعلم
معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم
وذلك على ضروب:
أحدها: من نُسب إلى أمه، منهم:
معاذ، ومعوِّذ، وعَوذ، بنو عفراء، هي أمهم، وأبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري. وذكر ابن عبد البر: أنه يقال في عَوْذ عوف، وأنه الأكثر.
بلال بن حمامة المؤذن، حمامة أمه، وأبوه رباح.
سهيل وأخواه سهل وصفوان بنو بيضاء، هي أمهم، واسمها دعد، واسم أبيهم وهب.
شرحبيل بن حسنة، هي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي.
عبد الله بن بحينة، هي أمه، وأبوه مالك بن القَشْب الأزدي الأسدي.
سعد بن حبتة الأنصاري، هي أمه، وأبوه بحَير بن معاوية، جد أبي يوسف القاضي.
هؤلاء صحابة رضي الله عنهم.
ومن غيرهم: محمد بن الحنفية، هي أمه، واسمها خولة، وأبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
إسماعيل بن عُليَّة، هي أمه، وأبوه إبراهيم أبو إسحاق.
إبراهيم بن هراسة، قال عبد الغني بن سعيد: هي أمه، وأبوه سلمة، والله أعلم.
الثاني: من نسب إلى جدته: منهم:
يعلى بن مُنْية الصحابي، هي في قول الزبير بن بكار: جدته أم أبيه، وأبوه أمية.
ومنهم: بشير بن الخصاصية الصحابي، هو بشير بن معبد، والخصاصية هي أم الثالث من أجداده.
ومن أحدث ذلك عهدا شيخنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي البغدادي، يعرف بابن سُكينة، وهي أم أبيه، والله أعلم.
الثالث: من نسب إلى جده، منهم:
أبو عبيدة بن الجراح، أحد العشرة، هو عامر بن عبد الله بن الجراح. حمل بن النابغة الهُذَلي الصحابي، هو حمل بن مالك بن النابغة.
مجمِّع بن جارية الصحابي، هو مجمع بن يزيد بن جارية.
ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
بنو الماجِشون، بكسر الجيم، منهم يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون. قال أبو علي الغساني: هو لقب يعقوب بن أبي سلمة، وجرى على بنيه وبني أخيه عبد الله بن أبي سلمة.
قلت: والمختار في معناه: أنه الأبيض الأحمر، والله أعلم.
ابن أبي ذئب، هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب.
ابن أبي ليلى، الفقيه، هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة.
أحمد بن حنبل الإمام، هو أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله.
بنو أبي شيبة: أبو بكر وعثمان الحافظان، وأخوهما القاسم، أبو شيبة هو جدهم، واسمه إبراهيم بن عثمان، واسطي وأبوهم محمد بن أبي شيبة.
ومن المتأخرين: أبو سعيد بن يونس، صاحب تاريخ مصر، هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، والله أعلم.
الرابع: من نسب إلى رجل غير أبيه هو منه بسبب، منهم:
المقداد بن الأسود، و هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، وقيل: البَهراني، كان في حَجر الأسود بن عبد يغوث الزهري، وتبناه فنسب إليه.
الحسن بن دينار، هو ابن واصل، ودينار زوج أمه، وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم حيث قال فيه: الحسن بن دينار بن واصل، فجعل واصلا جده، والله أعلم.
النوع الثامن والخمسون: معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها
معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها الذي هو السابق إلى الفهم منها
من ذلك أبو مسعود البدري، عقبة بن عمرو، لم يشهد بدرا في قول الأكثر، ولكن نزل بدرا فنسب إليها.
سليمان بن طَرخان التيمي، نزل في تيم وليس منهم، وهو مولى بني مرة.
أبو خالد الدالاتي، يزيد بن عبد الرحمن، هو أسدي مولى لبني أسد، نزل في بني دالان بطن من همدان فنسب إليهم.
إبراهيم بن يزيد الخُوزي، ليس من الخُوز، إنما نزل شِعْب الخُوز بمكة.
عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي، نزل جبانة عَرْزَم بالكوفة، وهي قبيلة معدودة في فزارة، فقيل: عرزمي، بتقديم الراء المهملة على الزاي.
محمد بن سنان العَوَقي، أبو بكر البصري، باهلي، نزل في العوقَة - بالقاف والفتح - وهم بطن من عبد القيس، فنسب إليهم.
أحمد بن يوسف السُّلَمي، جليل، روى عنه مسلم وغيره، هو أزدي عرف بالسلمي، لأن أمه كانت سُلَمية، ثبت ذلك عنه. وأبو عمرو بن نجيد السلَمي كذلك، فإنه حافده. وأبو عبد الرحمن السُلَمي، مصنف الكتب للصوفية، كانت أمه ابنة أبي عمرو المذكور، فنسب سُلميا، وهو أزدي أيضا جده ابن عم أحمد بن يوسف.
ويقرب من ذلك ويلتحق به: مِقْسَم مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله ابن الحارث بن نوفل، لزم ابن عباس، فقيل له: مولى ابن عباس، للزومه إياه. يزيد الفقير، أحد التابعين، وصف بذلك لأنه أصيب في فقار ظهره، فكان يألم منه حتى ينحني له.
خالد الحذاء، لم يكن حذاء، ووصف بذلك لجلوسه في الحذائين، والله أعلم.
معرفة المبهمات
أي معرفة أسماء من أبهم ذكره في الحديث من الرجال والسناء.
وصنف في ذلك عبد الغني بن سعيد الحافظ، والخطيب وغيرهما.
ويعرف ذلك بوروده مسمى في بعض الروايات وكثير منهم لم يوقف على أسمائهم.
وهو على أقسام:
منها - وهو من أبهما - ما قيل فيه رجل أو امرأة. ومن أمثلته: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا قال: يا رسول الله ! الحج كل عام ؟ وهذا الرجل هو الأقرع بن حابس، بيَّنه ابن عباس في رواية أخرى.
حديث أبي سعيد الخدري، في ناس من أصحاب رسول الله - - مروا بحي فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم، فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب على ثلاثين شاةً، الحديث. الراقي هو الراوي أبو سعيد الخدري.
حديث أنس أن رسول الله رأى حبلا ممدودا بين ساريتين في المسجد، فسأل عنه فقالوا: فلانة تصلي، فإذا غلبت تعلقت به. قيل: إنها زينب بنت جحش، زوج رسول الله وقيل أختها حمنة بنت جحش، وقيل: ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين.
المرأة التي سألت رسول الله عن الغسل من الحيض فقال: «خذي فرصة من مسك». هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وكان يقال لها: خطيبة النساء. وفي رواية لمسلم تسميتها: أسماء بنت شكَل، والله أعلم.
ومنها: ما أبهم بأن قيل فيه ابن فلان أو ابن الفلاني أو ابنة فلان أو نحو ذلك.
ومن ذلك حديثأم عطية: ماتت إحدى بنات رسول الله فقال: «اغسليها بماء وسدر..» الحديث. هي زينب، زوجة أبي العاص بن الربيع، أكبر بناته وإن كان قد قيل: أكبرهن رقية، والله أعلم.
ابن اللُتْبية، ذكر صاحب الطبقات محمد بن سعد: أن اسمه عبد الله، وهذه نسبة إلى بني لتب، بضم اللام وإسكان التاء المثناة من فوق، بطن من الأسد، بإسكان السين، وهم الأزد، وقيل: ابن الأتبية - بالهمزة - ولا صحة له.
ابن مِربع الأنصاري، الذي أرسله رسول الله - --إلى أهل عرفة وقال: «كونوا على مشاعركم». اسمه زيد، وقال الواقدي وكاتبه ابن سعيد: اسمه عبد الله.
ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن، اسمه عبد الله بن زائدة، وقيل: عمرو بن قيس، وقيل: غير ذلك. وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله.
الابنة التي أراد بنو هشام بن المغيرة أن يزوجوها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هي العوراء بنت أبي جهل بن هشام بن المغيرة، والله أعلم.
ومنها: العم والعمة ونحوهما:
من ذلك: رافع بن خديج عن عمه، في حديث المخابرة، عمه هو ظُهَير بن رافع الحارثي الأنصاري.
زياد بن علاقة عن عمه، هو قطبة بن مالك الثعلبي، بالثاء المثلثة.
عمة جابر بن عبد الله، التي جعلت تبكي أباه يوم أحد، اسمها فاطمة بنت عمرو بن حرام، وسماها الواقدي هندا، والله أعلم.
ومنها: الزوج والزوجة:
من ذلك حديث سُبيعة الأسلمية: أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال، هو سعد بن خولة، الذي رثى له رسول الله أن مات بمكة، وكان بدريا.
زوج بَرْوَع بنت واشق، وهي بفتح الباء، عند أهل اللغة، وشاع في ألسنة أهل الحديث كسرها، زوجها اسمه هلال بن مرة الأشجعي، على ما رويناه من غير وجه.
زوجة عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي - التي كانت تحت رفاعة بن سِمْوال القرظي، فطلقها. اسمها تميمة بنت وهيب، وقيل: تمُيمة، بضم التاء، وقيل: سهيمة، والله أعلم.
معرفة تواريخ الرواة
وفيها معرفة وفيات الصحابة والمحدثين والعلماء، ومواليدهم، ومقادير أعمارهم، ونحو ذلك.
روينا عن سفيان الثوري أنه قال: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ، أو كما قال.
وروينا عن حفص بن غياث أنه قال: إذا اتهمتم الشيخ، فحاسبوه بالسنين. يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه.
وهذا كنحو ما روينا عن إسماعيل بن عياش قال: كنت بالعراق، فأتاني أهل الحديث، فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان، فأتيته فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ؟ فقال: سنة ثلاث عشرة - يعني - ومائة. فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بن معدان بعد موته بسبع سنين ؟ قال إسماعيل: مات خالد ستة ست ومائة.
قلت: وقد روينا عن عفير بن معدان قصة نحو هذه، جرت له مع بعض من حدث خالد بن معدان، ذكر عفير فيها: أن خالدا مات سنة أربع ومائة.
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكَشيّ، وحدث عن عبد بن حميد، سألته عن مولده ؟ فذكر أنه ولد سنة ستين ومؤتين، فقلت لأصحابنا سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة.
وبلغنا عن أبي عبد الله الحميدي الأندلسي أنه قال ما تحريره: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهمم بها.
العلل، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الدارقطني.
والمؤتلف والمختلف، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب بن ماكولا.
ووفيات الشيوخ، وليس فيه كتاب.
قلت: فيها غير كتاب، ولكن من غير استقصاء وتعميم، وتواريخ المحدثين مشتملة على ذكر الوفيات، ولذلك ونحوه سميت تواريخ. وأما ما فيها من الجرح والتعديل ونحوهما فلا يناسب هذا الاسم، والله أعلم.
ولنذكر من ذلك عيونا:
أحدها: الصحيح في سن سيدنا سيد البشر رسول الله - وصاحبيه أبي بكر وعمر - ثلاث وستون سنة.
وقبض رسول الله يوم الاثنين ضحى، لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وتوفي أبي بكر في جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة.
وعمر في ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين.
وعثمان في ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ابن تسعين، وقيل: غير ذلك.
وعلي، في شهر رمضان سنة أربعين، وهو ابن ثلاث وستين، وقيل: ابن أربع وستين، وقيل: ابن خمس وستين.
وطلحة والزبير جميعا في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. وروينا عن الحاكم أبي عبد الله: أن سنهما كان واحدا، كانا ابني أربع وستين، وقد قيل غير ما ذكره الحاكم.
وسعد بن أبي وقاص، سنة خمس وخمسين على الأصح، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.
وسعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وهو ابن ثلاث وأربع وسبعين.
وعبد الرحمن بن عوف، سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن خمس وسبعين سنة.
وأبو عبيدة بن الجراح، سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثماني وخمسين سنة.
وفي بعض ما ذكرته خلاف لم أذكره، والله أعلم.
الثاني: شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين.
أحدهما: حكيم بن حزام، وكان مولده في جوف الكعبة، قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
والثاني: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري. وروى ابن إسحاق أنه وأباه ثابتا، والمنذر وحراما، عاش كل واحد منهم عشرين ومائة سنة. وذكر أبو نعيم الحافظ:أنه لا يعرف في العرب مثل ذلك لغيرهم. وقد قيل:إن حسان مات سنة خمسين، والله أعلم.
الثالث: أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة رضي الله عنهم.
فسفيان بن سعيد الثوري أبو عبد الله، مات بلا خلاف بالبصرة، سنة إحدى وستين ومائة، وكان مولده سنة سبع وتسعين.
ومالك بن أنس رضي الله عنه، توفي بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، قبل الثمانين بسنة. واختلف في ميلاده، فقيل: في ثلاث وتسعين، وقيل: سنة إحدى، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة سبع.
وأبو حنيفة رحمه الله، مات سنة خمسين ومائة ببغداد، وهو ابن سبعين سنة.
والشافعي رحمه الله، مات في آخر رجب، سنة أربع ومائتين بمصر، وولد سنة خمسين ومائة.
وأحمد بن محمد بن حنبل، مات ببغداد في شهر ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين ومائتين، وولد سنة أربع وستين ومائة، والله أعلم.
الرابع: أصحاب كتب الحديث الخمسة المعتمدة رضي الله عنهم.
فالبخاري أبو عبد الله، ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة، لثلاث عشرة خلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومائة، ومات بخَرْتنك قريبا من سمرقند، ليلة عيد الفطر، سنة ست وخمسين ومائتين، فكان عمره: اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما.
ومسلم بن الحجاج النيسابوري، مات بها لخمس بقين من رجب، سنة إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وأبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث، مات بالبصرة، في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين.
وأبو عيسى محمد بن عيسى السُلَمي الترمذي، مات بها لثلاث عشرة مضت من رجب، سنة تسع وسبعين ومائتين.
وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسوي، مات سنة ثلاث وثلاثمائة، والله أعلم.
الخامس: سبعة من الحفاظ في ساقتهم أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في أعصارنا.
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، مات بها في ذي القعدة، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ولد في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة.
ثم الحاكم أبو عبد الله بن البَيِّع النيسابوري، مات بها في صفر سنة خمس وأربعمائة. وولد بها في شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي، حافظ مصر، ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. ومات بمصر في صفر سنة تسع و أربعمائة.
ثم أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ، ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان.
ومن الطبقة الأخرى: أبو عمر بن عبد البر النمري، حافظ أهل المغرب، ولد في شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وستين وثلاثمائة، ومات بشاطبة من بلاد الأندلس، في شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ومات بنيسابور في جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ونقل إلى بيهق فدفن بها.
ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ولد في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ومات ببغداد في ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة، رحمهم الله وإيانا والمسلمين أجمعين، والله أعلم.
معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث
هذا من أجل نوع و أفخمه، فإنه المرقاة إلى معرفة صحة الحديث وسقمه، ولأهل المعرفة بالحديث فيه تصانيف كثيرة.
منها ما أفرد في الضعفاء ككتاب الضعفاء للبخاري والضعفاء للنسائي والضعفاء للعقيلي وغيرها.
ومنها في الثقات فحسب، ككتاب الثقات لأبي حاتم بن حبان.
ومنها ما جمع فيه بين الثقات والضعفاء، كتاريخ البخاري وتاريخ بن أبي خيثمة، وما أغزر فوائده، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي.
روينا عن صالح بن محمد الحافظ جزرة قال: أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين.
قلت: وهؤلاء يعني أنه أول من تصدى لذلك وعُني به، وإلا فالكلام فيه جرحا وتعديلا متقدم، ثابت عن رسول الله ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجُوز ذلك صونا للشريعة، ونفيا للخطأ والكذب عنها.
وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة. ورويت عن أبي بكر بن خلاد قال: قلت ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ؟
فقال: لأن يكونوا خصمائي أحبُّ إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله يقول لي لمَ لم تذب الكذب عن حديثي.
وروينا - أو: بلغنا - أن أبا تراب النخشبي الزاهد، سمع من أحمد بن حنبل شيئا من ذلك، فقال له: يا شيخ ! لا تغتاب العلماء.
فقال له: ويحك ! هذا نصحية ! ليس هذا غيبة.
ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى، ويتثبت ويتوقى التساهل، كيلا يجرح سليما ويسم بريئا بسمة سوء، يبقى عليه الدهر عارها. وأحسب أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم - وقد قيل: إنه كان يعد من الأبدال - من مثل ما ذكره خاف.
فيما رويناه أو بلغناه: أن يوسف بن الحسين الرازي، وهو الصوفي، دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل، فقال له: كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة، منذ مائة سنة، ومائتي سنة، وأنت تكذبهم وتغتابهم ؟ فبكى عبد الرحمن.
وبلغنا أيضا: أنه حُدث وهو يقرأ كتابه ذلك على الناس، عن يحيى بن معين أنه قال: إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة. فبكى عبد الرحمن، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده.
قال المؤلف: وقد أخطأ فيه غير واحد على غير واحد، فجرحوهم بما لا صحة له.
من ذلك: جرح أبي عبد الرحمن النسائي لأحمد بن صالح، وهو إمام حافظ ثقة، لا يعلق به جرح، أخرج عنه البخاري فيصحيحه وقد كان من أحمد إلى النسائي جفاء أفسد قلبه عليه.
وروينا عن أبي يعلى الخليلي الحافظ قال: اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه.
قلت: النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل، وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه: أن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة، تُعمى عنه بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه، فاعلم هذا، فإنه من النكت النفيسة المهمة.
وقد مضى الكلام في أحكام الجرح والتعديل في النوع الثالث والعشرين والله أعلم.
معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات
هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقا بذلك جدا.
وهم منقسمون:
فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه، ومنهم من خلط لذهاب بصره، أو لغير ذلك.
والحكم فيهم: أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره، فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده.
فمنهم عطاء بن السائب، اختلط في آخر عمره، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه، مثل سفيان الثوري وشعبة، لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخرا.
وقال يحيى بن سعيد القطان في شعبة: إلا حديثين كان شعبة يقول: سمعتهما بالآخرة عن زادان.
أبو إسحاق السبيعي، اختلط أيضا، ويقال: إن سماع سفيان بن عيينة منه بعد ما اختلط، ذكر ذلك أبو يعلى الخليلي.
سعيد بن إياس الجُريري، اختلط وتغير حفظه قبل موته.
قال أبو الوليد الباجي المالكي: قال النسائي: أُنكر أيام الطاعون، وهو أثبت عندنا من خالد الحذاء ما سُمع منه قبل أيام الطاعون.
سعيد بن أبي عروبة، قال يحيى بن معين: خلط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، سنة اثنتين وأربعين - يعني -ومائة.
فمن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء.
ويزيد بن هارون، صحيح السماع منه، سمع منه بواسط، وهو يريد الكوفة. وأثبت الناس سماعا منه عبدة بن سليمان.
قلت: وممن عرف أنه سمع منه بعد اختلاطه وكيع، والمعافى بن عمران الموصلي. بلغنا عن ابن عمار الموصلي أحد الحفاظ أنه قال: ليست روايتهما عنه بشيء، إنما سماعهما بعدما اختلط.
وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال لوكيع: تحدث عن سعيد بن أبي عروبة وإنما سمعتَ منه في الاختلاط ؟ فقال: رأيتَني حدثت عنه إلا بحديث مستوٍ ؟
المسعودي ممن اختلط، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهُذَلي، وهو أخو أبي العميس عتبة المسعودي. ذكر الحاكم أبو عبد الله في كتاب المزكين للرواة عن يحيى بن معين أنه قال: من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشيء.
وذكر حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل أنه قال: سماع عاصم، هو ابن علي، وأبي النضر وهؤلاء، من المسعودي بعد ما اختلط.
ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن، أستاذ مالك، قيل: إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك.
صالح بن نبهان، مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، روى عنه ابن أبي ذئب والناس.
قال أبو حاتم بن حبان: تغير في سنة خمس وعشرين ومائة، واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، فاستحق الترك.
حُصَين بن عبد الرحمن الكوفي، ممن اختلط وتغير، ذكره النسائي، وغيره، والله أعلم.
عبد الوهاب الثقفي، ذكر ابن أبي حاتم الرازي، عن يحيى بن معين أنه قال: اختلط بآخرةٍ.
سفيان بن عيينة، وجدت عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: أنه سمع يحيى بن سعيد القطان يقول: أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذا السنة وبعد هذا فسماعه لا شيء.
قلت: توفي بعد ذلك بنحو سنتين، سنة تسع وتسعين ومائة.
عبد الرزاق بن همام: ذكر أحمد بن حنبل: أنه عمي في آخر عمره، فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شيء. قال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة.
قلت: وعلى هذا نحمل قول عباس بن عبد العظيم، لما رجع من صنعاء: والله لقد تجشمت إلى عبد الرزاق، وإنه لكذاب، والواقدي أصدق منه.
قلت: قد وجدت فيما روي عن الطبراني، عن إسحاق بن إبراهيم الدَبَري، عن عبد الرزاق، أحاديث استنكرتها جدا، فأحلت أمرها على ذلك، فإن سماع الدبري منه متأخر جدا. قال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين، ويحصَّل أيضا في نظر من كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من سفيان بن عيينة وأشباهه.
عارم محمد بن الفضل، أبو النعمان، اختلط بآخرة. فما رواه عنه البخاري ومحمد بن يحيى الذُهَلي وغيرهما من الحافظ، ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه.
أبو قِلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي، روينا عن الإمام ابن خزيمة أنه قال: حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد.
وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين أبو أحمد الغِطريفي الجرجاني، وأبو طاهر حفيد الإمام ابن خزيمة.
ذكر الحافظ أبو علي البرذعي ثم السمرقندي في معجمه: أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما.
وأبو بكر بن مالك القَطِيعي، راوي مسند أحمد وغيره، اختل في آخر عمره وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه.
واعلم: أن من كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة: أن ذلك مما تميز، وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط، والله أعلم.
معرفة طبقات الرواة والعلماء
وذلك من المهمات التي افتضح بسبب الجهل بها غير واحد من المصنفين وغيرهم.
وكتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي كتاب حفيل كثير الفوائد، وهو ثقة، غير أنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء، ومنهم الواقدي، وهو محمد بن عمر الذي لا ينسبه.
والطبقة في اللغة عبارة عن القوم المتشابهين، وعند هذا: فَرُبَّ شخصين يكونان من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها. فأنس بن مالك الأنصاري - وغيره من أصاغر الصحابة - مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة، إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة.
وعلى هذا: فالصحابة بأسرهم طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين طبقة ثالثة، وهلم جرا.
وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا - على ما سبق ذكره - بضع عشرة طبقة، ولا يكون عند هذا أنس وغيره من أصاغر الصحابة من طبقة العشرة من الصحابة، بل دونهم بطبقات.
والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن أخذوا عنه ومن أخذ عنهم، ونحو ذلك، والله أعلم.
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل: فلان القرشي - أنه منهم صليبةً، فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم.
واعلم أن فيهم من يقال فيه مولى فلان أو لبني فلانوالمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك. ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد بها ولاء الإسلام. ومنهم أبو عبد الله البخاري، فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم وكان مجوسيا، على يد اليمان بن أخنس الجعفي، جد عبد الله بن محمد المُسَندي الجعفي أحد شيوخ البخاري.
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجِسي، مولى عبد الله بن المبارك، إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانيا - على يديه.
ومنهم من هو مولى بولاء الحِلف والموالاة، كمالك بن أنس الإمام ونفره، هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف. وقيل: لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي، أي أجيرا، وطلحة يختلف بالتجارة، فقيل: مولى التيميين، لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي.
وهذا قسم رابع في ذلك، وهو نحو ما أسلفناه في مقسمٍ أنه قيل فيه مولى ابن عباس للزومه إياه.
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم: أبو البَختَري الطائي سعيد ابن فيروز التابعي، هو مولى طيء.
أبو العالية رُفَيع الرياحي التميمي التابعي، كان مولى امرأة من بني رباح.
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي، أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما، هو مولى بني هاشم.
الليث بن سعد المصري الفَهْمي، مولاهم.
عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي، مولاهم.
عبد الله بن وهب المصري القرشي، مولاهم.
عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني، مولاهم.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي، الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شُقران مولى رسول الله - .
روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري ؟ قلت: من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبمَ سادهم ؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن ؟ قال: قلت: طاووس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم ؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر ؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام ؟ قال: قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان ؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة ؟ قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة ؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري ! فرّجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين ؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصَّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب، غير مدافع.
قلت: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار، والله أعلم.
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل: فلان القرشي - أنه منهم صليبةً، فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم.
واعلم أن فيهم من يقال فيه مولى فلان أو لبني فلانوالمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك. ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد بها ولاء الإسلام. ومنهم أبو عبد الله البخاري، فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم وكان مجوسيا، على يد اليمان بن أخنس الجعفي، جد عبد الله بن محمد المُسَندي الجعفي أحد شيوخ البخاري.
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجِسي، مولى عبد الله بن المبارك، إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانيا - على يديه.
ومنهم من هو مولى بولاء الحِلف والموالاة، كمالك بن أنس الإمام ونفره، هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف. وقيل: لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي، أي أجيرا، وطلحة يختلف بالتجارة، فقيل: مولى التيميين، لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي.
وهذا قسم رابع في ذلك، وهو نحو ما أسلفناه في مقسمٍ أنه قيل فيه مولى ابن عباس للزومه إياه.
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم: أبو البَختَري الطائي سعيد ابن فيروز التابعي، هو مولى طيء.
أبو العالية رُفَيع الرياحي التميمي التابعي، كان مولى امرأة من بني رباح.
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي، أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما، هو مولى بني هاشم.
الليث بن سعد المصري الفَهْمي، مولاهم.
عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي، مولاهم.
عبد الله بن وهب المصري القرشي، مولاهم.
عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني، مولاهم.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي، الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شُقران مولى رسول الله - .
روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري ؟ قلت: من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبمَ سادهم ؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن ؟ قال: قلت: طاووس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم ؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر ؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام ؟ قال: قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان ؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة ؟ قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة ؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري ! فرّجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين ؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصَّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب، غير مدافع.
قلت: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار، والله أعلم.
معرفة أوطان الرواة وبلدانهم
وذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم.
ومن مظان ذكره الطبقات لابن سعد. وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى قبائلها، فلما جاء الإسلام، وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن، حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب، وأضاع كثير منهم أنسابهم، فلم يبقَ لهم غير الانتساب إلى أوطانهم.
ومن كان من الناقلة من بلد إلى بلد، وأراد الجمع بينهما في الانتساب، فليبدأ بالأول، ثم بالثاني المنتقل إليه، وحسن أن يدخل على الثاني كلمة ثم فيقال في الناقلة من مصر إلى دمشق مثلا: فلان المصري، ثم الدمشقي. ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة: فجائز أن ينتسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة أيضا. ولنقتد بالحاكم أبي عبد الله الحافظ، فنروي أحاديث بأسانيدها، منبهين على بلاد رواتها، ومستحسن من الحافظ أن يورد الحديث بإسناده، ثم يذكر أوطان رجاله واحدا فواحدا، وهكذا غير ذلك من أحوالهم.
أخبرني الشيخ المسند المعمر أبو حفص عمر بن محمد بن المعمر رحمه الله بقراءتي عليه ببغداد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو إسحاق بن عمر بن أحمد البرمكي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكُجي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أنس قال: قال رسول الله : «لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام، أو قال: ثلاث ليال».
أخبرني الشيخ المسنِد أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقرئ رحمه الله بقراءتي عليه بنيسابور، عودا على بدء من ذلك، مرة على رأس قبر مسلم بن الحجاج قال: أخبرنا فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي عند قبر مسلم أيضا ح وأخبرتني أم المؤيد زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الشعري بقراءتي عليها بنيسابور مرة، وبقراءة غيري مرة أخرى رحمها الله، قلت: أخبرك إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر القارئ، قراءة عليه، قال:أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن مسرور قال: أخبرنا إ إسماعيل بن نجُيد السُّلمي قال: أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني حميد الطويل،
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»
قلت: يا رسول الله أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما ؟ قال: «تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه».
الحديثان عاليان في السماع مع لطافة السند وصحة المتن، وأنس في الأول، فمن دونه إلى أبي مسلم بصريون، ومن بعد أبي مسلم إلى شيخنا فيه بغداديون. وفي الحديث الثاني أنس فمن دونه إلى أبي مسلم كما ذكرناه بصريون، ومن بعده من ابن نجيد إلى شيخنا نيسابوريون.
(أخبرني الشيخ الزكي أبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات بن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي بقراءتي عليه بنيسابور رحمه الله قال: أخبرنا جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل قال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري رحمه الله قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أبو حاتم مكي بن عبدان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن بشر قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عبدة بن أبي لبابة: أن ورادا مولى المغيرة بن شعبة أخبره: أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية، كتب ذلك الكتاب له ورّاد: إني سمعت رسول الله يقول حين يُسَلِّم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
المغيرة بن شعبة وورّاد وعبدة كوفيون، وابن جريج مكي، وعبد الرزاق صنعاني يمان، وعبد الرحمن بن بشر فشيخنا ومن بينهما أجمعون نيسابوريون.
ولله سبحانه الحمد الأتم على ما أسبغ من إفضاله، والصلاة والسلام الأفضلان على سيدنا محمد وآله وعلى سائر النبيين وآل كل، نهاية ما يسأل السائلون وغاية ما يأمل الآملون.)
والثقات والضعاف ومن اختلط من الرواة
مثاله: يزيد بن الأسود، والأسود بن يزيد: فالأول: يزيد بن الأسود الصحابي،
الخزاعي، ويزيد بن الأسود الجرشي، أدرك الجاهلية، وأسلم، وسكن الشام، وذكر بالصلاح، حتى استسقى به معاوية في أهل دمشق، فقال: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا. فسقوا للوقت، حتى كادوا لا يبلغون منازلهم.
والثاني: الأسود بن يزيد النخعي، التابعي الفاضل.
ومن ذلك الوليد بن مسلم، ومسلم بن الوليد.
فمن الأول: الوليد بن مسلم البصري التابعي، الراوي عن جندب بن عبد الله البَجلي. والوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، صاحب الأوزاعي، روى عنه أحمد بن حنبل والناس.
والثاني: مسلم بن الوليد بن رباح المدني، حدث عن أبيه وغيره، روى عنه عبد العزيز الدراوردي وغيره، وذكره البخاري في تاريخه فقلب اسمه ونسبه، فقال: الوليد بن مسلم وأُخذ عليه ذلك.
وصنف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب وهذا الاسم ربما أوهم اختصاصه بما وقع فيه مثل الغلط المذكور في هذا المثال الثاني، وليس ذلك شرطا فيه، وأكثره ليس كذلك، فما ترجمناه به إذا أولى، والله أعلم
معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم
وذلك على ضروب:
أحدها: من نُسب إلى أمه، منهم:
معاذ، ومعوِّذ، وعَوذ، بنو عفراء، هي أمهم، وأبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري. وذكر ابن عبد البر: أنه يقال في عَوْذ عوف، وأنه الأكثر.
بلال بن حمامة المؤذن، حمامة أمه، وأبوه رباح.
سهيل وأخواه سهل وصفوان بنو بيضاء، هي أمهم، واسمها دعد، واسم أبيهم وهب.
شرحبيل بن حسنة، هي أمه، وأبوه عبد الله بن المطاع الكندي.
عبد الله بن بحينة، هي أمه، وأبوه مالك بن القَشْب الأزدي الأسدي.
سعد بن حبتة الأنصاري، هي أمه، وأبوه بحَير بن معاوية، جد أبي يوسف القاضي.
هؤلاء صحابة رضي الله عنهم.
ومن غيرهم: محمد بن الحنفية، هي أمه، واسمها خولة، وأبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
إسماعيل بن عُليَّة، هي أمه، وأبوه إبراهيم أبو إسحاق.
إبراهيم بن هراسة، قال عبد الغني بن سعيد: هي أمه، وأبوه سلمة، والله أعلم.
الثاني: من نسب إلى جدته: منهم:
يعلى بن مُنْية الصحابي، هي في قول الزبير بن بكار: جدته أم أبيه، وأبوه أمية.
ومنهم: بشير بن الخصاصية الصحابي، هو بشير بن معبد، والخصاصية هي أم الثالث من أجداده.
ومن أحدث ذلك عهدا شيخنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي البغدادي، يعرف بابن سُكينة، وهي أم أبيه، والله أعلم.
الثالث: من نسب إلى جده، منهم:
أبو عبيدة بن الجراح، أحد العشرة، هو عامر بن عبد الله بن الجراح. حمل بن النابغة الهُذَلي الصحابي، هو حمل بن مالك بن النابغة.
مجمِّع بن جارية الصحابي، هو مجمع بن يزيد بن جارية.
ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
بنو الماجِشون، بكسر الجيم، منهم يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون. قال أبو علي الغساني: هو لقب يعقوب بن أبي سلمة، وجرى على بنيه وبني أخيه عبد الله بن أبي سلمة.
قلت: والمختار في معناه: أنه الأبيض الأحمر، والله أعلم.
ابن أبي ذئب، هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب.
ابن أبي ليلى، الفقيه، هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة.
أحمد بن حنبل الإمام، هو أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الله.
بنو أبي شيبة: أبو بكر وعثمان الحافظان، وأخوهما القاسم، أبو شيبة هو جدهم، واسمه إبراهيم بن عثمان، واسطي وأبوهم محمد بن أبي شيبة.
ومن المتأخرين: أبو سعيد بن يونس، صاحب تاريخ مصر، هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي، والله أعلم.
الرابع: من نسب إلى رجل غير أبيه هو منه بسبب، منهم:
المقداد بن الأسود، و هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، وقيل: البَهراني، كان في حَجر الأسود بن عبد يغوث الزهري، وتبناه فنسب إليه.
الحسن بن دينار، هو ابن واصل، ودينار زوج أمه، وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم حيث قال فيه: الحسن بن دينار بن واصل، فجعل واصلا جده، والله أعلم.
النوع الثامن والخمسون: معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها
معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها الذي هو السابق إلى الفهم منها
من ذلك أبو مسعود البدري، عقبة بن عمرو، لم يشهد بدرا في قول الأكثر، ولكن نزل بدرا فنسب إليها.
سليمان بن طَرخان التيمي، نزل في تيم وليس منهم، وهو مولى بني مرة.
أبو خالد الدالاتي، يزيد بن عبد الرحمن، هو أسدي مولى لبني أسد، نزل في بني دالان بطن من همدان فنسب إليهم.
إبراهيم بن يزيد الخُوزي، ليس من الخُوز، إنما نزل شِعْب الخُوز بمكة.
عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي، نزل جبانة عَرْزَم بالكوفة، وهي قبيلة معدودة في فزارة، فقيل: عرزمي، بتقديم الراء المهملة على الزاي.
محمد بن سنان العَوَقي، أبو بكر البصري، باهلي، نزل في العوقَة - بالقاف والفتح - وهم بطن من عبد القيس، فنسب إليهم.
أحمد بن يوسف السُّلَمي، جليل، روى عنه مسلم وغيره، هو أزدي عرف بالسلمي، لأن أمه كانت سُلَمية، ثبت ذلك عنه. وأبو عمرو بن نجيد السلَمي كذلك، فإنه حافده. وأبو عبد الرحمن السُلَمي، مصنف الكتب للصوفية، كانت أمه ابنة أبي عمرو المذكور، فنسب سُلميا، وهو أزدي أيضا جده ابن عم أحمد بن يوسف.
ويقرب من ذلك ويلتحق به: مِقْسَم مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله ابن الحارث بن نوفل، لزم ابن عباس، فقيل له: مولى ابن عباس، للزومه إياه. يزيد الفقير، أحد التابعين، وصف بذلك لأنه أصيب في فقار ظهره، فكان يألم منه حتى ينحني له.
خالد الحذاء، لم يكن حذاء، ووصف بذلك لجلوسه في الحذائين، والله أعلم.
معرفة المبهمات
أي معرفة أسماء من أبهم ذكره في الحديث من الرجال والسناء.
وصنف في ذلك عبد الغني بن سعيد الحافظ، والخطيب وغيرهما.
ويعرف ذلك بوروده مسمى في بعض الروايات وكثير منهم لم يوقف على أسمائهم.
وهو على أقسام:
منها - وهو من أبهما - ما قيل فيه رجل أو امرأة. ومن أمثلته: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا قال: يا رسول الله ! الحج كل عام ؟ وهذا الرجل هو الأقرع بن حابس، بيَّنه ابن عباس في رواية أخرى.
حديث أبي سعيد الخدري، في ناس من أصحاب رسول الله - - مروا بحي فلم يضيفوهم، فلدغ سيدهم، فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب على ثلاثين شاةً، الحديث. الراقي هو الراوي أبو سعيد الخدري.
حديث أنس أن رسول الله رأى حبلا ممدودا بين ساريتين في المسجد، فسأل عنه فقالوا: فلانة تصلي، فإذا غلبت تعلقت به. قيل: إنها زينب بنت جحش، زوج رسول الله وقيل أختها حمنة بنت جحش، وقيل: ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين.
المرأة التي سألت رسول الله عن الغسل من الحيض فقال: «خذي فرصة من مسك». هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وكان يقال لها: خطيبة النساء. وفي رواية لمسلم تسميتها: أسماء بنت شكَل، والله أعلم.
ومنها: ما أبهم بأن قيل فيه ابن فلان أو ابن الفلاني أو ابنة فلان أو نحو ذلك.
ومن ذلك حديثأم عطية: ماتت إحدى بنات رسول الله فقال: «اغسليها بماء وسدر..» الحديث. هي زينب، زوجة أبي العاص بن الربيع، أكبر بناته وإن كان قد قيل: أكبرهن رقية، والله أعلم.
ابن اللُتْبية، ذكر صاحب الطبقات محمد بن سعد: أن اسمه عبد الله، وهذه نسبة إلى بني لتب، بضم اللام وإسكان التاء المثناة من فوق، بطن من الأسد، بإسكان السين، وهم الأزد، وقيل: ابن الأتبية - بالهمزة - ولا صحة له.
ابن مِربع الأنصاري، الذي أرسله رسول الله - --إلى أهل عرفة وقال: «كونوا على مشاعركم». اسمه زيد، وقال الواقدي وكاتبه ابن سعيد: اسمه عبد الله.
ابن أم مكتوم الأعمى المؤذن، اسمه عبد الله بن زائدة، وقيل: عمرو بن قيس، وقيل: غير ذلك. وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله.
الابنة التي أراد بنو هشام بن المغيرة أن يزوجوها من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هي العوراء بنت أبي جهل بن هشام بن المغيرة، والله أعلم.
ومنها: العم والعمة ونحوهما:
من ذلك: رافع بن خديج عن عمه، في حديث المخابرة، عمه هو ظُهَير بن رافع الحارثي الأنصاري.
زياد بن علاقة عن عمه، هو قطبة بن مالك الثعلبي، بالثاء المثلثة.
عمة جابر بن عبد الله، التي جعلت تبكي أباه يوم أحد، اسمها فاطمة بنت عمرو بن حرام، وسماها الواقدي هندا، والله أعلم.
ومنها: الزوج والزوجة:
من ذلك حديث سُبيعة الأسلمية: أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال، هو سعد بن خولة، الذي رثى له رسول الله أن مات بمكة، وكان بدريا.
زوج بَرْوَع بنت واشق، وهي بفتح الباء، عند أهل اللغة، وشاع في ألسنة أهل الحديث كسرها، زوجها اسمه هلال بن مرة الأشجعي، على ما رويناه من غير وجه.
زوجة عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي - التي كانت تحت رفاعة بن سِمْوال القرظي، فطلقها. اسمها تميمة بنت وهيب، وقيل: تمُيمة، بضم التاء، وقيل: سهيمة، والله أعلم.
معرفة تواريخ الرواة
وفيها معرفة وفيات الصحابة والمحدثين والعلماء، ومواليدهم، ومقادير أعمارهم، ونحو ذلك.
روينا عن سفيان الثوري أنه قال: لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ، أو كما قال.
وروينا عن حفص بن غياث أنه قال: إذا اتهمتم الشيخ، فحاسبوه بالسنين. يعني احسبوا سنه وسن من كتب عنه.
وهذا كنحو ما روينا عن إسماعيل بن عياش قال: كنت بالعراق، فأتاني أهل الحديث، فقالوا: ههنا رجل يحدث عن خالد بن معدان، فأتيته فقلت: أي سنة كتبت عن خالد بن معدان ؟ فقال: سنة ثلاث عشرة - يعني - ومائة. فقلت: أنت تزعم أنك سمعت من خالد بن معدان بعد موته بسبع سنين ؟ قال إسماعيل: مات خالد ستة ست ومائة.
قلت: وقد روينا عن عفير بن معدان قصة نحو هذه، جرت له مع بعض من حدث خالد بن معدان، ذكر عفير فيها: أن خالدا مات سنة أربع ومائة.
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله قال: لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكَشيّ، وحدث عن عبد بن حميد، سألته عن مولده ؟ فذكر أنه ولد سنة ستين ومؤتين، فقلت لأصحابنا سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة.
وبلغنا عن أبي عبد الله الحميدي الأندلسي أنه قال ما تحريره: ثلاثة أشياء من علوم الحديث يجب تقديم التهمم بها.
العلل، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب الدارقطني.
والمؤتلف والمختلف، وأحسن كتاب وضع فيه كتاب بن ماكولا.
ووفيات الشيوخ، وليس فيه كتاب.
قلت: فيها غير كتاب، ولكن من غير استقصاء وتعميم، وتواريخ المحدثين مشتملة على ذكر الوفيات، ولذلك ونحوه سميت تواريخ. وأما ما فيها من الجرح والتعديل ونحوهما فلا يناسب هذا الاسم، والله أعلم.
ولنذكر من ذلك عيونا:
أحدها: الصحيح في سن سيدنا سيد البشر رسول الله - وصاحبيه أبي بكر وعمر - ثلاث وستون سنة.
وقبض رسول الله يوم الاثنين ضحى، لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
وتوفي أبي بكر في جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة.
وعمر في ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين.
وعثمان في ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ابن تسعين، وقيل: غير ذلك.
وعلي، في شهر رمضان سنة أربعين، وهو ابن ثلاث وستين، وقيل: ابن أربع وستين، وقيل: ابن خمس وستين.
وطلحة والزبير جميعا في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين. وروينا عن الحاكم أبي عبد الله: أن سنهما كان واحدا، كانا ابني أربع وستين، وقد قيل غير ما ذكره الحاكم.
وسعد بن أبي وقاص، سنة خمس وخمسين على الأصح، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة.
وسعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، وهو ابن ثلاث وأربع وسبعين.
وعبد الرحمن بن عوف، سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن خمس وسبعين سنة.
وأبو عبيدة بن الجراح، سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثماني وخمسين سنة.
وفي بعض ما ذكرته خلاف لم أذكره، والله أعلم.
الثاني: شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين.
أحدهما: حكيم بن حزام، وكان مولده في جوف الكعبة، قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة.
والثاني: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري. وروى ابن إسحاق أنه وأباه ثابتا، والمنذر وحراما، عاش كل واحد منهم عشرين ومائة سنة. وذكر أبو نعيم الحافظ:أنه لا يعرف في العرب مثل ذلك لغيرهم. وقد قيل:إن حسان مات سنة خمسين، والله أعلم.
الثالث: أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة رضي الله عنهم.
فسفيان بن سعيد الثوري أبو عبد الله، مات بلا خلاف بالبصرة، سنة إحدى وستين ومائة، وكان مولده سنة سبع وتسعين.
ومالك بن أنس رضي الله عنه، توفي بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، قبل الثمانين بسنة. واختلف في ميلاده، فقيل: في ثلاث وتسعين، وقيل: سنة إحدى، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة سبع.
وأبو حنيفة رحمه الله، مات سنة خمسين ومائة ببغداد، وهو ابن سبعين سنة.
والشافعي رحمه الله، مات في آخر رجب، سنة أربع ومائتين بمصر، وولد سنة خمسين ومائة.
وأحمد بن محمد بن حنبل، مات ببغداد في شهر ربيع الآخر، سنة إحدى وأربعين ومائتين، وولد سنة أربع وستين ومائة، والله أعلم.
الرابع: أصحاب كتب الحديث الخمسة المعتمدة رضي الله عنهم.
فالبخاري أبو عبد الله، ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة، لثلاث عشرة خلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومائة، ومات بخَرْتنك قريبا من سمرقند، ليلة عيد الفطر، سنة ست وخمسين ومائتين، فكان عمره: اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما.
ومسلم بن الحجاج النيسابوري، مات بها لخمس بقين من رجب، سنة إحدى وستين ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وأبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث، مات بالبصرة، في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين.
وأبو عيسى محمد بن عيسى السُلَمي الترمذي، مات بها لثلاث عشرة مضت من رجب، سنة تسع وسبعين ومائتين.
وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسوي، مات سنة ثلاث وثلاثمائة، والله أعلم.
الخامس: سبعة من الحفاظ في ساقتهم أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في أعصارنا.
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، مات بها في ذي القعدة، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ولد في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة.
ثم الحاكم أبو عبد الله بن البَيِّع النيسابوري، مات بها في صفر سنة خمس وأربعمائة. وولد بها في شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي، حافظ مصر، ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. ومات بمصر في صفر سنة تسع و أربعمائة.
ثم أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ، ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، ومات في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان.
ومن الطبقة الأخرى: أبو عمر بن عبد البر النمري، حافظ أهل المغرب، ولد في شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وستين وثلاثمائة، ومات بشاطبة من بلاد الأندلس، في شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، ومات بنيسابور في جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ونقل إلى بيهق فدفن بها.
ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ولد في جمادى الآخرة، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ومات ببغداد في ذي الحجة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة، رحمهم الله وإيانا والمسلمين أجمعين، والله أعلم.
معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث
هذا من أجل نوع و أفخمه، فإنه المرقاة إلى معرفة صحة الحديث وسقمه، ولأهل المعرفة بالحديث فيه تصانيف كثيرة.
منها ما أفرد في الضعفاء ككتاب الضعفاء للبخاري والضعفاء للنسائي والضعفاء للعقيلي وغيرها.
ومنها في الثقات فحسب، ككتاب الثقات لأبي حاتم بن حبان.
ومنها ما جمع فيه بين الثقات والضعفاء، كتاريخ البخاري وتاريخ بن أبي خيثمة، وما أغزر فوائده، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي.
روينا عن صالح بن محمد الحافظ جزرة قال: أول من تكلم في الرجال شعبة بن الحجاج، ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين.
قلت: وهؤلاء يعني أنه أول من تصدى لذلك وعُني به، وإلا فالكلام فيه جرحا وتعديلا متقدم، ثابت عن رسول الله ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وجُوز ذلك صونا للشريعة، ونفيا للخطأ والكذب عنها.
وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة. ورويت عن أبي بكر بن خلاد قال: قلت ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة ؟
فقال: لأن يكونوا خصمائي أحبُّ إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله يقول لي لمَ لم تذب الكذب عن حديثي.
وروينا - أو: بلغنا - أن أبا تراب النخشبي الزاهد، سمع من أحمد بن حنبل شيئا من ذلك، فقال له: يا شيخ ! لا تغتاب العلماء.
فقال له: ويحك ! هذا نصحية ! ليس هذا غيبة.
ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى، ويتثبت ويتوقى التساهل، كيلا يجرح سليما ويسم بريئا بسمة سوء، يبقى عليه الدهر عارها. وأحسب أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم - وقد قيل: إنه كان يعد من الأبدال - من مثل ما ذكره خاف.
فيما رويناه أو بلغناه: أن يوسف بن الحسين الرازي، وهو الصوفي، دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل، فقال له: كم من هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة، منذ مائة سنة، ومائتي سنة، وأنت تكذبهم وتغتابهم ؟ فبكى عبد الرحمن.
وبلغنا أيضا: أنه حُدث وهو يقرأ كتابه ذلك على الناس، عن يحيى بن معين أنه قال: إنا لنطعن على أقوام، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مائتي سنة. فبكى عبد الرحمن، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده.
قال المؤلف: وقد أخطأ فيه غير واحد على غير واحد، فجرحوهم بما لا صحة له.
من ذلك: جرح أبي عبد الرحمن النسائي لأحمد بن صالح، وهو إمام حافظ ثقة، لا يعلق به جرح، أخرج عنه البخاري فيصحيحه وقد كان من أحمد إلى النسائي جفاء أفسد قلبه عليه.
وروينا عن أبي يعلى الخليلي الحافظ قال: اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه.
قلت: النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل، وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان وجهه: أن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة، تُعمى عنه بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه، فاعلم هذا، فإنه من النكت النفيسة المهمة.
وقد مضى الكلام في أحكام الجرح والتعديل في النوع الثالث والعشرين والله أعلم.
معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات
هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقا بذلك جدا.
وهم منقسمون:
فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه، ومنهم من خلط لذهاب بصره، أو لغير ذلك.
والحكم فيهم: أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره، فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده.
فمنهم عطاء بن السائب، اختلط في آخر عمره، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه، مثل سفيان الثوري وشعبة، لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخرا.
وقال يحيى بن سعيد القطان في شعبة: إلا حديثين كان شعبة يقول: سمعتهما بالآخرة عن زادان.
أبو إسحاق السبيعي، اختلط أيضا، ويقال: إن سماع سفيان بن عيينة منه بعد ما اختلط، ذكر ذلك أبو يعلى الخليلي.
سعيد بن إياس الجُريري، اختلط وتغير حفظه قبل موته.
قال أبو الوليد الباجي المالكي: قال النسائي: أُنكر أيام الطاعون، وهو أثبت عندنا من خالد الحذاء ما سُمع منه قبل أيام الطاعون.
سعيد بن أبي عروبة، قال يحيى بن معين: خلط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن، سنة اثنتين وأربعين - يعني -ومائة.
فمن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء.
ويزيد بن هارون، صحيح السماع منه، سمع منه بواسط، وهو يريد الكوفة. وأثبت الناس سماعا منه عبدة بن سليمان.
قلت: وممن عرف أنه سمع منه بعد اختلاطه وكيع، والمعافى بن عمران الموصلي. بلغنا عن ابن عمار الموصلي أحد الحفاظ أنه قال: ليست روايتهما عنه بشيء، إنما سماعهما بعدما اختلط.
وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال لوكيع: تحدث عن سعيد بن أبي عروبة وإنما سمعتَ منه في الاختلاط ؟ فقال: رأيتَني حدثت عنه إلا بحديث مستوٍ ؟
المسعودي ممن اختلط، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهُذَلي، وهو أخو أبي العميس عتبة المسعودي. ذكر الحاكم أبو عبد الله في كتاب المزكين للرواة عن يحيى بن معين أنه قال: من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشيء.
وذكر حنبل بن إسحاق، عن أحمد بن حنبل أنه قال: سماع عاصم، هو ابن علي، وأبي النضر وهؤلاء، من المسعودي بعد ما اختلط.
ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن، أستاذ مالك، قيل: إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك.
صالح بن نبهان، مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، روى عنه ابن أبي ذئب والناس.
قال أبو حاتم بن حبان: تغير في سنة خمس وعشرين ومائة، واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، فاستحق الترك.
حُصَين بن عبد الرحمن الكوفي، ممن اختلط وتغير، ذكره النسائي، وغيره، والله أعلم.
عبد الوهاب الثقفي، ذكر ابن أبي حاتم الرازي، عن يحيى بن معين أنه قال: اختلط بآخرةٍ.
سفيان بن عيينة، وجدت عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي: أنه سمع يحيى بن سعيد القطان يقول: أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذا السنة وبعد هذا فسماعه لا شيء.
قلت: توفي بعد ذلك بنحو سنتين، سنة تسع وتسعين ومائة.
عبد الرزاق بن همام: ذكر أحمد بن حنبل: أنه عمي في آخر عمره، فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شيء. قال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة.
قلت: وعلى هذا نحمل قول عباس بن عبد العظيم، لما رجع من صنعاء: والله لقد تجشمت إلى عبد الرزاق، وإنه لكذاب، والواقدي أصدق منه.
قلت: قد وجدت فيما روي عن الطبراني، عن إسحاق بن إبراهيم الدَبَري، عن عبد الرزاق، أحاديث استنكرتها جدا، فأحلت أمرها على ذلك، فإن سماع الدبري منه متأخر جدا. قال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين، ويحصَّل أيضا في نظر من كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من سفيان بن عيينة وأشباهه.
عارم محمد بن الفضل، أبو النعمان، اختلط بآخرة. فما رواه عنه البخاري ومحمد بن يحيى الذُهَلي وغيرهما من الحافظ، ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه.
أبو قِلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي، روينا عن الإمام ابن خزيمة أنه قال: حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد.
وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين أبو أحمد الغِطريفي الجرجاني، وأبو طاهر حفيد الإمام ابن خزيمة.
ذكر الحافظ أبو علي البرذعي ثم السمرقندي في معجمه: أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما.
وأبو بكر بن مالك القَطِيعي، راوي مسند أحمد وغيره، اختل في آخر عمره وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه.
واعلم: أن من كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة: أن ذلك مما تميز، وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط، والله أعلم.
معرفة طبقات الرواة والعلماء
وذلك من المهمات التي افتضح بسبب الجهل بها غير واحد من المصنفين وغيرهم.
وكتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي كتاب حفيل كثير الفوائد، وهو ثقة، غير أنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء، ومنهم الواقدي، وهو محمد بن عمر الذي لا ينسبه.
والطبقة في اللغة عبارة عن القوم المتشابهين، وعند هذا: فَرُبَّ شخصين يكونان من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها. فأنس بن مالك الأنصاري - وغيره من أصاغر الصحابة - مع العشرة وغيرهم من أكابر الصحابة من طبقة واحدة، إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة.
وعلى هذا: فالصحابة بأسرهم طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين طبقة ثالثة، وهلم جرا.
وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا - على ما سبق ذكره - بضع عشرة طبقة، ولا يكون عند هذا أنس وغيره من أصاغر الصحابة من طبقة العشرة من الصحابة، بل دونهم بطبقات.
والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد والوفيات، ومن أخذوا عنه ومن أخذ عنهم، ونحو ذلك، والله أعلم.
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل: فلان القرشي - أنه منهم صليبةً، فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم.
واعلم أن فيهم من يقال فيه مولى فلان أو لبني فلانوالمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك. ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد بها ولاء الإسلام. ومنهم أبو عبد الله البخاري، فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم وكان مجوسيا، على يد اليمان بن أخنس الجعفي، جد عبد الله بن محمد المُسَندي الجعفي أحد شيوخ البخاري.
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجِسي، مولى عبد الله بن المبارك، إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانيا - على يديه.
ومنهم من هو مولى بولاء الحِلف والموالاة، كمالك بن أنس الإمام ونفره، هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف. وقيل: لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي، أي أجيرا، وطلحة يختلف بالتجارة، فقيل: مولى التيميين، لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي.
وهذا قسم رابع في ذلك، وهو نحو ما أسلفناه في مقسمٍ أنه قيل فيه مولى ابن عباس للزومه إياه.
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم: أبو البَختَري الطائي سعيد ابن فيروز التابعي، هو مولى طيء.
أبو العالية رُفَيع الرياحي التميمي التابعي، كان مولى امرأة من بني رباح.
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي، أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما، هو مولى بني هاشم.
الليث بن سعد المصري الفَهْمي، مولاهم.
عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي، مولاهم.
عبد الله بن وهب المصري القرشي، مولاهم.
عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني، مولاهم.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي، الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شُقران مولى رسول الله - .
روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري ؟ قلت: من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبمَ سادهم ؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن ؟ قال: قلت: طاووس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم ؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر ؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام ؟ قال: قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان ؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة ؟ قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة ؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري ! فرّجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين ؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصَّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب، غير مدافع.
قلت: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار، والله أعلم.
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق، فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل: فلان القرشي - أنه منهم صليبةً، فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم.
واعلم أن فيهم من يقال فيه مولى فلان أو لبني فلانوالمراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب في ذلك. ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد بها ولاء الإسلام. ومنهم أبو عبد الله البخاري، فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم، نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده - وأظنه الذي يقال له الأحنف - أسلم وكان مجوسيا، على يد اليمان بن أخنس الجعفي، جد عبد الله بن محمد المُسَندي الجعفي أحد شيوخ البخاري.
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجِسي، مولى عبد الله بن المبارك، إنما ولاؤه من حيث كونه أسلم - وكان نصرانيا - على يديه.
ومنهم من هو مولى بولاء الحِلف والموالاة، كمالك بن أنس الإمام ونفره، هم أصبحيون حميريون صليبة، وهم موالٍ لتيم قريش بالحلف. وقيل: لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي، أي أجيرا، وطلحة يختلف بالتجارة، فقيل: مولى التيميين، لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي.
وهذا قسم رابع في ذلك، وهو نحو ما أسلفناه في مقسمٍ أنه قيل فيه مولى ابن عباس للزومه إياه.
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم: أبو البَختَري الطائي سعيد ابن فيروز التابعي، هو مولى طيء.
أبو العالية رُفَيع الرياحي التميمي التابعي، كان مولى امرأة من بني رباح.
عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الهاشمي، أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما، هو مولى بني هاشم.
الليث بن سعد المصري الفَهْمي، مولاهم.
عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي، مولاهم.
عبد الله بن وهب المصري القرشي، مولاهم.
عبد الله بن صالح المصري كاتب الليث الجهني، مولاهم.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي، الراوي عن أبي هريرة وابن عمر، كان مولى لمولى هاشم، لأنه مولى شُقران مولى رسول الله - .
روينا عن الزهري قال: قدمت على عبد الملك بن مروان فقال: من أين قدمت يا زهري ؟ قلت: من مكة. قال: فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبمَ سادهم ؟ قلت: بالديانة والرواية. قال: إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا. قال: فمن يسود أهل اليمن ؟ قال: قلت: طاووس بن كيسان. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم ؟ قلت: بما سادهم به عطاء. قال: إنه لينبغي. قال: فمن يسود أهل مصر ؟ قال: قلت: يزيد بن أبي حبيب. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل الشام ؟ قال: قلت: مكحول. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل. قال: فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت: ميمون بن مهران. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل خراسان ؟ قال: قلت: الضحاك بن مزاحم. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: فمن يسود أهل البصرة ؟ قال: قلت: الحسن بن أبي الحسن. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من الموالي. قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة ؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي ؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري ! فرّجت عني، والله لتسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها. قال: قلت: يا أمير المؤمنين ؟ إنما هو أمر الله ودينه، من حفظه ساد، ومن ضيعه سقط.
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة، فإن الله خصَّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب، غير مدافع.
قلت: وفي هذا بعض الميل، فقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير، منهم الشعبي والنخعي، وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم ابن المسيب عرب إلا سليمان بن يسار، والله أعلم.
معرفة أوطان الرواة وبلدانهم
وذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم.
ومن مظان ذكره الطبقات لابن سعد. وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى قبائلها، فلما جاء الإسلام، وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن، حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان، كما كانت العجم تنتسب، وأضاع كثير منهم أنسابهم، فلم يبقَ لهم غير الانتساب إلى أوطانهم.
ومن كان من الناقلة من بلد إلى بلد، وأراد الجمع بينهما في الانتساب، فليبدأ بالأول، ثم بالثاني المنتقل إليه، وحسن أن يدخل على الثاني كلمة ثم فيقال في الناقلة من مصر إلى دمشق مثلا: فلان المصري، ثم الدمشقي. ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة: فجائز أن ينتسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة أيضا. ولنقتد بالحاكم أبي عبد الله الحافظ، فنروي أحاديث بأسانيدها، منبهين على بلاد رواتها، ومستحسن من الحافظ أن يورد الحديث بإسناده، ثم يذكر أوطان رجاله واحدا فواحدا، وهكذا غير ذلك من أحوالهم.
أخبرني الشيخ المسند المعمر أبو حفص عمر بن محمد بن المعمر رحمه الله بقراءتي عليه ببغداد، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا أبو إسحاق بن عمر بن أحمد البرمكي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي قال: حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكُجي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أنس قال: قال رسول الله : «لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام، أو قال: ثلاث ليال».
أخبرني الشيخ المسنِد أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقرئ رحمه الله بقراءتي عليه بنيسابور، عودا على بدء من ذلك، مرة على رأس قبر مسلم بن الحجاج قال: أخبرنا فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي عند قبر مسلم أيضا ح وأخبرتني أم المؤيد زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الشعري بقراءتي عليها بنيسابور مرة، وبقراءة غيري مرة أخرى رحمها الله، قلت: أخبرك إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر القارئ، قراءة عليه، قال:أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن مسرور قال: أخبرنا إ إسماعيل بن نجُيد السُّلمي قال: أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني حميد الطويل،
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»
قلت: يا رسول الله أنصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما ؟ قال: «تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه».
الحديثان عاليان في السماع مع لطافة السند وصحة المتن، وأنس في الأول، فمن دونه إلى أبي مسلم بصريون، ومن بعد أبي مسلم إلى شيخنا فيه بغداديون. وفي الحديث الثاني أنس فمن دونه إلى أبي مسلم كما ذكرناه بصريون، ومن بعده من ابن نجيد إلى شيخنا نيسابوريون.
(أخبرني الشيخ الزكي أبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات بن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي بقراءتي عليه بنيسابور رحمه الله قال: أخبرنا جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل قال: أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري رحمه الله قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أبو حاتم مكي بن عبدان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن بشر قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عبدة بن أبي لبابة: أن ورادا مولى المغيرة بن شعبة أخبره: أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية، كتب ذلك الكتاب له ورّاد: إني سمعت رسول الله يقول حين يُسَلِّم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
المغيرة بن شعبة وورّاد وعبدة كوفيون، وابن جريج مكي، وعبد الرزاق صنعاني يمان، وعبد الرحمن بن بشر فشيخنا ومن بينهما أجمعون نيسابوريون.
ولله سبحانه الحمد الأتم على ما أسبغ من إفضاله، والصلاة والسلام الأفضلان على سيدنا محمد وآله وعلى سائر النبيين وآل كل، نهاية ما يسأل السائلون وغاية ما يأمل الآملون.)
الكلمات المفتاحية :
اعجاز الحديث النبوي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: