مسائل منتقدة على الاحناف - الطهارة
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى الحَنَفِيَّةِ (مِنْ كِتَابِ الطَهَارَةِ)
أولًا/ مَسْأَلَةُ نَجَاسَةِ المَاءِ
(1) حَدَّثنا أَبو أُسامَةَ عَنِ الوَليدِ بِنْ كَثيرٍ عن مُحمد بنِ كَعبٍ عن ‘عبيدِالله بن
عبداللهِ عن رافِعٍ بن خَدشيجٍ عن أبي سَعيد الخُدرِيِّ: قِيلَ: يا رسُولَ الله؛ أَنَتوضَّأُ من بِئْرِ بُضَاعَة، وهِي بِئرٌ فِيهَا الحِيَضُ ولُحُومُ الكِلابِ والنَّتِنُ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَئٌ). أخرجه أبو داود (66، 67)، والترمذي (66)، والنسائي في الصغرى (326).
(2) حّدَّثنا أبُو الأَحْوَصِ عن سِمَاكٍ عن عِكْرَمَةَ عن ابنِ عَبَّاسٍ قال: اغتَسَلَ بعضُ أَزوَاجِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في جَفْنَةٍ، فجاء النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ليَغتسِلَ فيهَا أو ليَتَوضَّأَ، فقالت: يا رسُول الله: إنِّي كنتُ جُنُبًا. قال: (إنَّ المَاء لا يَجْنُبُ). أخرجه أبو داود (78)، والترمذي (65)، والنسائي في الصغرى (325)، وابن ماجه (370، 371).
(3) حدَّثنا أبو أُسامة عن الوليدِ بن كَثِيرٍ عن مُحمد بن جَعفَرِ بن الزُّبيرِ عن عُبيدِاللهِ بن عبدِاللهِ بن عُمر عن أَبيهِ قال: قال رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَم يَحمِل نَجَسًا). أخرجه أبو داود (64، 65)، والترمذي (67)، وابن ماجه (517، 518).
وذُكِرَ أن أبا حنيفةَ قال: يَنجُسُ الماءُ.
***
اتفق الفقهاء المذاهب على أن الماء الكثير لا ينجسه شئ، ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، ويختلفون في حد الكثرة؛ فالمعتبر عند الحنفية في القَدْرِ الكثير رأي المبتلى به، بناءً على عدم صحة ثبوت تقدير شرعًا. ويرى المالكية أن الكثير ما زاد قَدْرُهُ عن آنية الغسل وكذا ما زاد عن قَدْرِ آنية الوضوء على الراجح. ويتفق الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب، على أن الكثير ما بلغ قلتين فأكثر. وأما الماء القليل الذي خالطته النجاسة فنجس، إذا تغير أو لم يتغير عند جمهور الفقهاء. وذهب مالك ورواية عن أحمد إلى أنه لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلا بالتغير. وراجع: الموسوعة الفقهية (1/ 80).
قال صاحب الهداية: وكل ماء وقعت فيه النجاسة لم يجز الوضوء به قليلًا كانت النجاسة أو كثيرة. وقال مالك رحمه الله: يجوز ما لم يتغير أحد أوصافه. وقال الشافعي رحمه الله: يجوز إذا كان الماء قلتين.
ثم قال: والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر، إذا وقعت نجاسة في أحد جانبيه جاز الوضوء من الجانب الآخر؛ لأن الظاهر النجاسة لا تصل إليه؛ إذ أثر التحريك في السراية فوق أثر النجاسة، ثم عن أبي حنيفة أنه يعتبر التحريك بالاغتسال وهو قول أبي يوسف، وعنه التحريك باليد وعن محمد بالتوضي. اهـ. راجع: الهداية وشروحها: فتح القدير (1/ 74)، والعناية (1/ 74)، ونصب الراية (1/ 168).
قال الكمال ابن الهمام في فتحا لقدير (1/ 77): حقيقة الخلاف إنما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغييره للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلا به، فقال مالك: ما لم يتغير. وقال الشافعي: قلتان. وقال أبو حنيفة في ظاهر الرواية: يعتبر فيه أكبر رأي المبتلى إن غلب على ظنه أنه بحيث تصل النجاسة إلى الجانب الآخر لا يجوز الوضوء وإلا جاز.
وعنه اعتباره بالتحريك على ما هو مذكور في الكتاب بالاغتسال أو بالوضوء أو باليد روايات. والأَوَّل أصح عند جماعة. وهو الأليق بأصل أبي حنيفة: أعني عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير شرعي، والتفويض إلى رأي المبتلى بناءً على عدم صحة ثبوت تقديره شرعًا. اهـ. وراجع: المبسوط (1/ 70).
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ (1/ 55): وإن كان المُخَالِطُ لماءٍ ولم يغيره نَجِسًا، فإن كان الماء كثيرًا فهو طاهر على الإطلاق، وإن كان الماء قليلًا؛ فالذي رواه أهل المدينة عن مالك أنه طاهر مطهِّر. اهـ. وراجع: مختصر خليل وشروحه: مواهب الجليل (1/ 70)، والتاج والإكليل (1/ 99)، وشرح الخرشي (1/ 75)، ومنح الجليل (1/ 38).
وقال النووي في المجموع شرح المهذب (3/ 162): إذا وقع في الماء الراكد نجاسةٌ ولم تغيره، فحكى ابن المنذر وغيره فيها سبعة مذاهب للعلماء أحدها: إن كان قلتين فأكثر لم ينجس، وإن كان دون قلتين نجس وهذا مذهبنا ومذهب ابن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد وأحمد وأبي عُبيد وإسحاق ابن راهويه. اهـ. وراجع: المنهاج وشروحه: تحفة المحتاج (1/ 84)، ومغني المحتاج (1/ 123)، ونهاية المحتاج (1/ 74).
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 30) شارحًا قول الخرقي: "وإذا كان الماء قلتين وهو خمسُ قِرَبٍ فوقعت فيه نجاسة فلم يوجد لها طعم ولا لون ولا رائحة فهو طاهر". والقُلَّة: هي الجرة، سميت قلة؛ لأنها تقل بالأيدين، أي تحمل. ومنه قوله تعالى: (حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا) [الأعراف: 57]، ويقع هذا الاسم على الكبيرة اولصغيرة. والمُراد بها هاهنا قلتان من قلال هجر، وهما خمس قرب كل قربة مائة رطل بالعراقي، فتكون القلتان خمسمائة رطل بالعراقي. هذا ظاهر المذهب عند أصحابنا.
ثم قال: ورُوي عن أحمد رواية أخرى: أن الماء لا ينجس إلا بالتغير قليله وكثيره. اهـ.
واستند الحنفية إلى دعوى عدم ثبوت تقدير شرعي للماء الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغييره، وأجابوا عن تحديد ذلك بالقلتين بأمور، منها:
1- أن ماء بئر بضاعة كان جاريًا قليلًا؛ ولذلك لا يصح الاحتجاج به على أن الماء الدائم الكثير الذي لم تغيره النجساة ليس بنجس.
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 12): أما ما ذكرتموه من بئر بضاعة فلا حُجة لكم فيه؛ لأن بئر بضاعة قد اختلف فيها ما كانت، فقال قوم: كانت طريقًا للماء إلى البساتين، فكان الماء لا يستقر فيها، فكان حكم مائها كحكم ماء الأنهار، وقد حُكي هذا القول الذي ذكرناه في بئر بضاعة من الواقدي، حدثنيه أبو جعفر أحمد بن أبي عمران عن أبي عبدالله محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي أنها كانت كذلك.
وكان من الحجة في ذلك أيضًا أنهم قد أجمعوا أن النجاسة إذا وقعت في البئر فغلبت على طعم مائها أو ريحه أو لونه، أن ماءها قد فسد. وليس في حديث بئر بضاعة من هذا شئ، إنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن بئر بضاعة فقيل له: إنه يُلقى فيها الكلاب والمحائض؟ فقال: (إن الماء لا ينجسه شئ). ونحن نعلم أن بئرًا لو سقط فيها ما هو أقل من ذلك لكان محالًا أن لا يتغير ريح مائها وطعمه، وهذا مما يعقل ويعلم.
فلما كان ذلك كذلك، وقد أباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم ماءها وأجمعوا أن ذلك لم يكن وقد داخل الماء التغيير من جهة من الجهات اللاتي ذكرنا: استحال عندنا -والله أعلم- أن يكون سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عن مائها وجوابه إياهم في ذلك بما أجابهم، كان والنجاسة في البئر. ولكنه -والله أعلم- كان بعد أن أُخرجت النجاسة من البئر، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: هل تطهر بإخراج النجاسة منها فلا ينجس ماؤها الذي يطرأ عليها بعد ذلك؟ وذلك موضع مُشْكَلٌ؛ لأن حيطان البئر لم تغسل وطينها لم يخرج، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الماء لا ينجس). يُريد بذلك الماء الذي طرأ عليها بعد إخراج النجاسة منها لا أن الماء لا ينجس إذا خالطته النجاسة. اهـ.
2- أن القلتين لم يرد في تحديد قدرهما دليل شرعي.
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 16): واحتجوا في ذلك بحديث ابن عمر هذا، فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة التي صححناها أن هاتين القلتين لم يبين لنا في هذه الآثار ما مقدارهما. فقد يجوز أن يكون مقدارهما قلتين من قلال هجر كما ذكرتم، ويحتمل أن تكونا قلتين أريد بها قُلَّتَا الرجل وهي قَامَتُهُ. فأُريد إذا كان الماء قلتين أي قامتين لم يحمل نجسًا لكثرته؛ ولأنه يكون ذلك في معنى الأنهار. اهـ.
واستدل الشافعي والحنابلة بما يلي:
1- حديث بئر بضاعة وهو حديث صحيح كما قال أحمد -كما في المغني (1/ 31)-، وقد دلَّ بعمومه على أن الماء لا يتنجس بوقوع شئ فيه من النجاسات، سواء كان قليلًا أو كثيرًا، ولو تغيرت أوصافه أو بعضها، ولكن خُص منه المتغير بالنجاسة بالإجماع، وخُص منه أيضًا القليل إذا لاقته النجاسة بحديث القلتين، فلم يبق إلا الماء الكثير الذي لم تغيره النجاسة فلا ينجسه شئ، وهو محل الشاهد في هذا الحديث، وهكذا كانت صفة بئر بضاعة. راجع: المجموع (1/ 131)، ونيل الأوطار (1/ 36).
يقول الشافعي -كما في اختلاف الحديث المطبوع مع الأم (8/ 610)-: إن بئر بضاعة كثير الماء واسعه، كان يُطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لونًا ولا طعمًا ولا يظهر له منها ريح. اهـ. وراجع: الأم (1/ 17).
وقال أبو داود السجستاني صاحب السنن -كما في سُننه عقب الحديث(76)-: سمعتُ قُتيبة بن سعيد قال: سألتُ قيِّمَ بئر بضاعة عن عمقها، قلتُ: أكثر ما يكون فيها الماء. قال: إلى العانة. قلتُ: فإذا نقص، قال: دون العورة.
وقال أبو داود: قدّرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع. وسألتُ الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غُيِّرَ بناؤها عما كان عليه، فقال: لا. ورأيتُ فيها ماء متغير اللون. اهـ.
قال النووي في المجموع (1/ 131): يعني بطول المُكث وبأصل المنبع لا بشئ أجنبي، ولا يلزم أن يكون كانت هكذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقد أجاب الشافعية والحنابلة على ما قاله الطحاوي من أن بئر بضاعة كانت جارية، وما نقله عن الواقدي أنه كان يُسقى منها الزرع والبساتين.
قال النووي في المجموع (1/ 164): قال أصحابنا: هذا غلط ولم تكن بئر بضاعة جارية؛ بل كانت واقفة، وما نقلوه عن الواقدي مردود؛ لأن الواقدي ضعيف عند أهل الحديث -هو مُحمد بن عمر الواقدي صاحب التصانيف، وأحد أوعية العلم على ضعفه، قال عنه أحمد بن حنبل: هو كذا يقلب الأحاديث. وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال مرة: لا يُكتب حديثه. وقال البخاري وأبو حاتم: متروك. وقال أبو حاتم أيضًا والنسائي: يضع الحديث. وقال الدارقطني: فيه ضعف. راجع: تهذيب الكمال (26/ 180)، وميزان الاعتدال. والراوي عن الواقدي هذا الأثر هو مُحمد بن شجاع الثلجي الفقيه البغدادي الحنفي صاحب التصانيف مع ورع وعبادة، وجاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد وأصحابه؛ لذا ضعفه المحدثون في رواية الحديث. راجع: الجواهر المضية (3/ 173)، والفوائد البهيّة ص(223)، والأنساب للسمعاني (1/ 512)، وسير أعلام النبلاء (12/ 379)، وميزان الاعتدال (3/ 577)-، وغيرهم لا يحتج بروايته المتصلة، فكيف بما يُرسله أو يقوله عن نفسه، ولو صح أنه كان يُسقى منها الزرع لكان معناه أنه يُسقى منها بالدلو والناضح عملًا بما نقله الأثبات في صفتها. اهـ.
ومما دفع به الطحاوي الاستدلال بحديث بئر بضاعة -كما سبق- استحالة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أجابهم في حالة وجود النجاسة في البئر فلا بد أنها أُزيلت قبل ذلك؛ لأنه من المعلوم أن البئر لو سقط فيه ما هو أقل من ذلك لكان مُحالًا أن لا يتتغير أوصافه، واستشهد على ذلك بقصة الحبشي الذي مات في زمزم فنزحها ابن الزبير.
وقد أجاب النووي -كما في المجموع (1/ 165)- عن قصة نزح ماء زمزم بأنها لم تصح، ولو صحت لحُملت على أن دمه غلب على الماء فغيّره، أو نُزحت استحبابًا وتنظيفًا فإن النفس تعافه. اهـ.
2- حديث القلتين -وقد حرّر الدكتور علي جمعة مقدار القلة في كتابه: المكاييل والموازين الشرعية ص(46)، فهي عند الحنفية تساوي (101.56 كيلو جرام) وعند الجمهور تساوي (95.625 كيلو جرام)-: وهذا الحديث يرويه عن عبدالله بن عمر ابناه عُبيدالله، وعبدالله فأما حديث عُبيدالله فسبق تخريجه في أول المسألة.
وأما حديث عبدالله فاختُلف في إسناده، فرواه أبو داود من طريق حماد بن أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه، ورواه هكذا عن حماد جماعة. ورواه أبو داود أيضًا -في سننه (63)- من طريق حماد بن أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبدالله بن عبدالله بن عمر عن أبيه. رواوه هكذا عن حماد جماعة أيضًا.
وهذا الاختلاف لا يضر؛ لأن شعيب بن أيوب رواه عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير على الوجهين جميعًا -رواه الدارقطني في سننه (1/ 18)، والحاكم في المستدرك (1/ 133)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 260)-: عن محمد بن جعفر بن الزبير ثم أتبعه عن محمد بن عباد بن جعفر فصحّ القولان جميعًا عن أبي أسامة، وصحّ أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعًا، فكان أبو أسامة مرة يحدث به هكذا ومرة يحدث به هكذا.
وقد حاول الحنفية توهين الحديث باختلاف الواقع في أسانيده، وقد أطال في ذلك الزيعلي في نصب الراية (1/ 168) ملخصًا لكلام ابن دقيق العيد في كتاب الإمام؛ حيث جمع طرق الحديث ورواياته واختلاف ألفاظه، ونقل الزيعلي عنه أنه انتهى إلى تضعيف الحديث، وهو خلاف ما نقله عنه تاج السُّبكي حيثُ قال في الطبقات الكبرى (9/ 245): صحّح الشيخ تقي الدين حديث القلتين واختار ترك العمل به، لا لمعارض أرجح؛ بل لأنه لم يثبت عنده بطريق يجب الرجوع إليه شرعًا تعيين لمقدار القلتين. اهـ.
وقد أفرد الحافظ صلاح الدين العلائي جزءًا في تصحيح حديث القلتين والكلام على أسانيده، لخّص فيه طرق الحديث تلخيصًا حسنًا، وذكر ما اعترض به عليه من الاختلاف، وذكر الجواب عن ذلك.
وقال في آخره ص(62): فثبت صحة حديث ابن عمر في اشتراط بلوغ الماء قلتين في دفعه النجاسة، قال الإمام أبو سُليمان الخطابي: الحديث صحيح احتج به الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه وأبو عُبيد وسمى آخرين غيرهم. وممن صحّحه الإمام محمد بن جعفر الطحاوي الحنفي، ولم يعترض على سنده بشئ، وإنما اعترض عليه بجهل مقدار القلتين وأنه ليس له حد محدود. اهـ.
وهذه هي الجهة الثانية التي تكلم منها الحنفية في الحديث، وقد أجاب النووي عن ذلك فقال في المجمو (1/ 165): وأما قولهم: لا نعلم قدر القلتين.فالمُراد قلال هجر كما رواه ابن جرير، وقلال هجر كانت معروفة عندهم مشهورة، يدل عليه حديث مالك بن صعصعة في صحيح البخاري (3207) أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم عن ليلة الإسراء فقال: (رُفِعْتُ إلى سدرة المُنتهى، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر). فعُلم بذلك أن لاقلال عندهم مشهورة وكيف يظن أنه صلى الله عليه وسلم يُحدد لهم أو يُمثل لهم بما لا يعلمونه ولا يهتدون إليه؟!. اهـ. وقد وقع للإمام النووي وهم في عزو الحديث؛ حيث جعله من رواية أبي ذر في الصحيحين، والصحيح أنه من رواية مالك بن صعصعة عند البخاري.
قال الشافعي -كما في اختلاف الحديث (8/ 610)-: وقِرَب الحجاز قديمًا وحديثًا كبار لعز الماء بها، فإذا كان الماء خمس قرب كبار لم يحمل نجسًا وذلك قلتان بقلال هجر. اهـ.
وهكذا نجد أن تحديد الماء الكثير الذي لا يحمل النجاسة بالقلتين تؤيده بعض الأدلة، وهي إما مختلف في ثبوتها أو دلالتها، وإذا كان الأمر كذلك لا يُحكم على أحد الطرفين المتنازعين في المسألة بمُخالفة الأدلة، وعليه فلا أوافق ابن أبي شيبة في حُكمه بمُخالفة أبي حنيفة للأثر في هذه المسألة.
***
ثانيًا/ مَسْأَلَةُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالخِمَارِ
(1) حّدثنا أَبُو مُعَاويَةَ عن الأَعمَشِ عن الحَكَمِ عَن عَبدِالرَّحمنِ بْنِ أَبي لَيلَى عن كَعبِ بن عُجْرَةَ عن بِلاَلٍ: أنَّ رسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَسَحَ علَى الخُفَّيْنِ والخِمَارِ. أخرجه مُسلم (275) -والخِمار: هو العمامة، سُميت بذلك؛ لأنها تخمر الرأي أي تغطيه-.
(2) حدَّثنا يُونُسُ عن دَاوُدَ بن أبي الفُرَاتِ عن مُحمَّدِ بْنِ زيدٍ عن أضبي شُرَيْحٍ عن أَبي مُسْلِمٍ مَولَى زَيدِ بن صُوحَانَ قال: كُنت مَع سَلْمَانَ فَرَأَى رَجُلًا يَنْزَعُ خُفَّيْهِ للوُضُوءِ فقال لَهُ سَلمانُ: امْسَحْ عَلى خُفَّيكَ وعَلى خِمَارِكَ وامسَحْ بنَاصِي؟َتكَ، فإِنِّي رَأَيتُ رسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمسَحُ على الخُفَّيْنِ والخِمَارِ. أخرجه ابن ماجه (563).
(3) حدَّثنَا يَزِيدُ التَّيمِيُّ عَنْ بَكْرٍ عن ابنِ المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ عن أَبِيهِ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أنَّهُ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأَسِهِ وَعَلَى الخُفَّينِ، وَوَضَعَ يَدَهُ على العِمَامةِ ومَسَحَ على العِمَامَةِ. أخرجه مُسلم (274).
وذُكِرَ أنَّ أبا حنيفةَ قال: لا يُجْزِئُ المَسْحُ عَلَيْهِمَا.
***
اتفق جمهور الفقهاء -الحنفية والمالكية والشافعية- على أن المسح على العمامة لا يُجزئ في الوضوء. ولهم في ذلك تفصيلات، فقالت المالكية: يجوز المسح على العمامة إن خِيفَ ضرر بسبب نزعها من الرأس، وإن قدر على مسح بعض رأسه مباشرة مسحه وكمل على عمامته وجوبًا. وقالت الحنفية والشافعية: إن جمع بين المسح على الناصية والعمامة أجزأه. وذهب الحنابلة والظاهرية: إلى جواز المسح على العمامة.
قال صاحب الهداية: ولا يجوز المسح على العمامة والقَلَنْسُوَةِ والبُرْقُعِ والقُفَّازَيْنِ؛ لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء، والرخصة لدفع الحرج. اهـ. راجع: الهداية وشروحها: فتح القدير (1/ 157)، والعناية (1/ 157)، ونصب الراية (1/ 237).
وقال أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن (2/ 495): واختلف في المسح على العمامة، فقال أصحابنا ومالك والحسن وصالح والشافعي: لا يجوز المسح على العمامة ولا على الخمار. وقال الثوري والأوزاعي: يمسح على العمامة.. وقد بينَّا في حديث المغيرة بن شعبة أنه مسح على ناصيته وعمامته فأخبر أنه فعل المفروض في مسح الناصية ومسح على العمامة، وذلك عندنا جائز. اهـ.
ولم يأخذ الحنفية بأحاديث المسح على العمامة لأمرين:
الأول: أنها أخبار آحاد وردت بأمر يُقيد مطلق الكتاب، وهو لا يجوز عندهم، وهو ما يسمونه بالنسخ بالزيادة.
وبيان ذلك أن قوله تعالى: (وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ) [المائدة: 6] يقتضي بإطلاقه عدم مسح غير الرأس، وقد جاءت أحاديث المسح على العمامة فقيدت هذا الإطلاق بجواز ذلك، وهو ما يعتبرونه نسخًا، ولا يجوز النسخ إلا بالمتواتر أو المشهور.
الثاني: أنها أخبار آحاد وردت في أمر عمّت به البلوى فلا تُقبل، فإن أمر الوضوء يحتاج إلى معرفته عموم الناس، فإذا ورد بطريق آحاد لا يُقبل، وهذا من قواعدهم في قبول الأخبار أيضًا.
يقول صاحب العناية: والتمسك بالحديث الضعيف؛ لأن قوله تعالى: (وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ) [المائدة: 6] يقتضي عدم جواز مسح غير الرأس، والعمل بالحديث يكون زيادة عليه بخبر الواحد وهو نسخ فلا يجوز. اهـ. انظر: العناية شرح الهداية (1/ 751).
ويقول أبو بكر الجصَّاص في احكام القرآن (2/ 495): إن الآثار متواترة في مسح الرأس، فلو كان المسح على العمامة جائزًا لورد النقل به متواترًا في وزن وروده في المسح على الخفين، فلما لم يثبت عنه مسح العمامة من جهة التواتر لم يجز المسح عليها من وجهين: أحدهما: أن الآية تقتضي مسح الرأس، فغير جائز العدول عنه إلا بخبر يوجب العلم. والثاني: عموم الحاجة إليه فلا يقبل في مثله إلا المتواتر من الأخبار. اهـ. وراجع: المبسوط (1/ 101).
وقال أبو الوليد الباجي في المنتقى (1/ 76) شارحًا ما رواه مالك -في موطّأه (69)، والترمذي (102)-: أن جابر بن عبدالله سُئِلَ عن المسح على العمامة فقال: لا، حتى تمسح الشعر بالماء. قال: يقتضي أن المسح على العمامة لا يجزي وبه قال جمهور العلماء. وقال أحمد وداود: يجزي المسح على عمائم العرب. اهـ. وراجع: المدونة (1/ 124).
وقال في حاشية الدسوقي شارحًا قوله في مختصر خليل: "إن خيف غسل جرح كالتيمم مسح.. وعمامة خيف بنزعها" ضرر، ولو أمكنه مسح بعض الرأس أتى به وكمل على العمامة وجوبًا. اهـ. وراجع: مختصر خليل وشروحه: حاشية الدسوقي (1/ 164)، ومواهب الجليل (1/ 207)، ومنح الجليل (1/ 162)، وشرح الخرشي (1/ 201).
قال النووي في المجموع (1/ 438): قال أصحابنها: إذا كان عليه عمامة ولم يرد نزعها لعُذر ولغير عذر مسح الناصية كلها، ويُستحب أن يتم المسح على العمامة سواء لبسها على طهارة أو حدث. وأما إذا اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئًا من رأسه فلا يُجزيه بلا خلاف عندنا. اهـ. وراجع: الأم (1/ 41).
وقال ابن قدامة في المُغني (1/ 184): ويجوز المسح على العمامة. اهـ.
قال أبو مُحمد ابن حزم في المُحلى (1/ 303): وكل ما لُبس على الرأي من عمامة أو خمار أو قلنسوة أو بيضة أو مغفر أو غير ذلك: أجزأ المسح عليها، المرأة والرجل سواء في ذلك، لعلة أو غير علة. اهـ.
واستدل الجمهور على عدم جواز المسح على العمامة بما يلي:
1- قوله تعالى: (وَاْمْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ) [المائدة: 6] وحقيقته تقتضي إمساسه الماء ومُباشرته، وماسح العمامة غير ماسح برأسه فلا تجزيه صلاته إذا صلى به، وقد سبق وجه الاستدلال الحنفية بهذه الآية.
2- وبأن الرأس عضو طهارته المسح، فلم يجُز المسح على حائل دونه كالوجه واليد في التيمم فإنه مجمع عليه.
3- وبأن الرأس عضو لا تحلق المشقة في إيصال الماء إليه غالبًا، فلم يجُز المسح على حائل منفصل عنه كاليد في القفاز والوجه في البرقع والنقاب.
4- وبأن أحاديث المسح على العمامة وقع فيها اختصار، والمراد مسح الناصية والعمامة ليكمل سنة الاستيعاب لجميع الرأس، يدل على صحة هذا التأويل أنه صرّح به في حديث المغيرة بن شعبة عند مسلم: ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين. وفي رواية: مسح على الخفين ومقدم رأسه وعلى عمامته -وقد سبق تخريجه أول المسألة-.
وروى أبو داود -في سننه (147)- عن أنس قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قِطْرِيَّةٌ، فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة.
وهذا التأويل المتعيين؛ لأن وجوب مسح الرأس ثبت بالقرآن، وجاءت الأحاديث الصحيحة بمسح الناصية مع العمامة، وفي بعضها مسح العمامة ولم تذكر الناصية، فكان محتملًا لموافقة الأحاديث الباقية، ومحتملًا لمخالفتها، فكان حملها على الاتفاق وموافقة القرآن أَوْلَى.
واستدل الحنابلة والظاهري بالأحاديث الصحيحة في المسح على العمامة؛ ومنها:
1- حديثُ بلال وسلمان والمغيرة المذكورة في أول المسألة؛ ومنها: ما رواه البُخاري (205) عن عمرو بن أُمية قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه.
2- وبأن العمامة حائل في محل ورد الشرع بمسحه فجاز المسح عليه كالخفين.
3- وبأن الرأس عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين.
4- وبأن الآية لا تنفي المسح على الحائل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مُفسر له، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على العمامة وأمر بالمسح عليها، وهذا يدل على أن المراد بالآية المسح على الرأي أو حائله. ومما يُبين ذلك: أن المسح في الغالب لا يصيب الرأس، وإنما يمسح على الشعر وهو حائل بين اليد وبينه فكذلك العمامة، فإنه يُقال لمن لمس عمامته أو قبلها: قبل رأسه ولمسه.
5- أن الأحاديث التي جمعت بين المسح على الناصية والعمامة تُحمل على تعدد الوضوء؛ فأحاديث المسح على العمامة لا تحكي وضوءًا واحدًا.
6- وأجاب ابن القيم على استدلال الحنفية فقال في إعلام الموقعين (2/ 231): إنكم رددتم السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على العمامة، وقلتم: إنها زائدة على نص الكتاب، فتكون ناسخة له فلا تُقبل، ثم ناقضتم فأخذتم بأحاديث المسح على الخفين وهي زائدة على القرآن، ولا فرق بينهما، واعتذرتم بالفرق بأن أحاديث المسح على الخفين متواترة بخلاف المسح على العمامة، وهو اعتذار فاسد، فإن من له اطلاع على الحديث لا يشك في شهر كل منها وتعدد طرقها واختلاف مخارجها وثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا. اهـ.
وهكذا رأينا أن أحاديث المسح على العمامة لا تثبت عند الحنفية على وفق ما قرروه من قواعد في قبول الأخبار وردها، أضف أنهم لم ينفردوا فيما ذهبوا إليه من عدم جواز المسح على العمامة؛ بل وافقهم جمهور العلماء؛ ومن ثم فإن ما قاله ابن أبي شيبة من مُخالفة أبي حنيفة للأثر أمر غير مقبول، فإن أبا حنيفة جمع بين الأدلة ولم يُخالفها.
وهذه المسألة يظهر فيها بوضوح الفرق بين نظر الفقهاء الذي يلحظ الأدلة الشرعية الأخرى ويوفق بينها عند التعارض، وبين نظر المحدثين الذي يعملون بظواهر النصوص ويرمون من خالفهم بمخالفة السنة (الكلام منقول! ).
***
ثالثًا: مَسْأَلَةُ بَوْلِ الرَّضِيعِ
(1) حدَّثنا ابن عُيَيْنَةَ عن الزُّهري عن عُبيدالله عن أُمِّ قيس ابنة مِحْصَنٍ قالت: دخلت بابنٍ لي على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لم يأكل الطعام فبالَ عليه فدعا بماءِ فرشه. أخرجه البخاري (223)، ومُسلم (693).
(2) حدثنا أبو الأَحْوَصِ عن سِمَاكٍ عن قَابُوِ بن المُخَارِقِ عن لُبَابَةَ بين الحارث قالت: بال الحُسَين بن علي على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقلتُ: أعطني ثوبك والبَسْ غيرهُ. فقال: (إنما يُنْضَحُ من بولِ الذَّكَرِ، ويُغسلُ من بولِ الأُنْثَى). أخرجه أبو داود (375)، وابن ماجه (522).
(3) حدثنا وَكِيعٌ عن هشامٍ عن أبيهِ عن عائشةَ: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ بصبي فبالَ عليه فأَتْبَعَهُ الماءَ ولم يغسِلْهُ. أخرجه مُسلم (688).
(4) حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن جده أبي ليلى قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- جُلُوسًا فجاء الحسين بن علي يحبو حتى جلس على صدره فبال عليه، قال: فابتدرناه لنأخذه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ابني ابني) ثم دعا بماء فصبَّه عليه. أخرجه أحمد في مُسنده (4/ 348)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 284): رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
وذُكر أن أبا حنيفة قال: يُغسل.
***
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن التطهير من بول الغلام وبول الجارية الصغيرين أكلا أو لا يكون بغسله، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجزئ في التطهير من بول الغلام الذي لم يطعم الطعام النضح، ويكون برش الماء على المكان المصاب وغمره به بلا سيلان، أما بول الجارية الصغيرة فلا يُجزئ في تطهيره النضح، ولا بد فيه من الغسل. راجع: الموسوعة الفقهية (29/ 117). ويرى الجميع نجاسة بول الغلام إلا أنه عند الشافعية والحنابلة قد خفف في طهارته.
قال أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 92): فذهب قوم إلى التفريق بين حكم بول الغلام وبول الجارية قبل أن يأكلا الطعام. فقالوا: بول الغلام طاهر، وبول الجارية نجس. وخالفهم في ذلك آخرون، فسووا بين بوليهما جميعًا، وجعلوهما نجسين، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى. اهـ. وراجع: بدائع الصنائع (1/ 88).
وقال في المدونة (1/ 131): وقال مالك في الجارية والغلام بولهما سواء إذا أصاب بولهما ثوب رجل أو امرأة غسلا ذلك وإن لم يأكلا الطعام. اهـ. وراجع: المنتقى شرح الموطأ (1/ 128)، ومختصر خيلي وشروحه: التاج والإكليل (1/ 162)، ومواهب الجلبل (1/ 106)، وشرح الخرشي (1/ 101)، ومنح الجليل (1/ 54).
وقال النووي في المجموع شرح المذهب (2/ 609): مذهبنا المشهور أنه يجب غسل بول الجارية. ويكفي نضح بول الغلام وبه قال علي بن أبي طالب وأم سلمة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وداود. وقال مالك وأبو حنيفة والثوري: يشترط غسل بول الغلام والجارية. وقال النخعي: يكفي نضحهما جميعًا وهو رواية عن الأوزاعي. اهـ. وراجع: المنهاج وشروحه: تحفة المحتاج (1/ 315)، ونهاية المحتاج (1/ 257)، ومغني المحتاج (1/ 215).
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 415): بول الغلام الذي لم يطعم الطعام يجزئ فيه بالرش، وهو أن ينضح عليه الماء حتى يغمره، ولا يحتاج إلى رش وعصر، وبول الجارية يغسل وإن لم تطعم. اهـ. وراجع: إعلام الموقعين (2/ 267)، والمحلى (1/ 113).
وقد حكى كل من الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 92)، وابن عبدالبر في التمهيد (9/ 109)، والباجي في المنتقى (1/ 128): أن بول الصبي الذي لم يطعم طاهر عند من اكتفى في طهارته بالنضح. وهو خطأ لا شك فيه، فمذهبهم أنه نجس خفف في طهارته؛ فالنجاسة نوعان: مغلظة، ومخففة.
قال النووي في المنهاج مع شرحه مغني المحتاج (1/ 92) في القسم الثاني من النجاسة وهي المخففة: وما تنجس ببول صبي لم يطعم غير لبن نضح. اهـ. وقال ابن قدامة في المغني (1/ 415) شارحًا قول الخرقي: "إلا بول الغلام الذي لم يأكل الطعام، فإنه يثرش الماء عليه" هذا استثناء منقطع؛ إذ ليس معنى الكلام طهارة بول الغلام، إنما أراد أن بول الغلام الذي لم يطعم الطعام يجزئ فيه الرش، وهو أن ينضح عليه الماء حتى يغمره، ولا يحتاج إلى رش وعصر، وبول الجارية يغسل وإن لم تطعم. اهـ.
مناقشة الأدلة:
ويُضاف إلى أحاديث المسألة التي ذكرها ابن أبي شيبة حديثان:
1- ما روي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُغسل بول الجارية وينضح على بول الغلام). قال قتادة: ما لم يطعما الطعام، فإذا أطعما الطعام غسلا. أخرجه أبو داود (377، 378)، والترمذي (613)، وابن ماجه (525).
2- وما روي عن المُحِل بن خليفة عن أبي السمح خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولني قفاك). فأوليه قفاي فأستره به، فأتي حسن أو حسين فبال على صدره فجئت أغسله فقال: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام). أخرجه أبو داود (376).
وقد استدل الشافعية والحنابلة بهذه الأحاديث على أن بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل، وقد جاء النضح مفسرًا في بعضها بأنه الرش؛ كحديث أم قيس وأبي السمح، وهو ما يتفق ومعناه اللغوي. راجع: لسان العرب والنهاية والمصباح المنير مادة: نضح.
قال النووي في المجموع (2/ 608): يشترط في النضح إصابة الماء جميع موضع البول وأن يغمره، ولا يشترط أن ينزل عنه، والغسل أن يغمره وينزل عنه ولا يشترط عصره. وذكر أصحابنا في الفرق بين بول الصبي والصبية من حيث المعنى فرقين: أحدهما: أن بولها أثخن وألصق بالمحل. والثاني: أن الاعتناء بالصبي أكثر فإنه يحمله الرجال والنساء في العادة، والصبية لا يحملها إلا النساء غالبًا؛ فالابتلاء بالصبي أكثر وأعم. اهـ.
وقال الحنفية والمالكية: إن النضح في الحديث يُحتمل أن يكون معناه صب الماء، فقد تسمى العرب ذلك نضحًا، واستدلوا على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأعلم أرضًا يقال لها عمان ينضح بناحيتها البحر، بها حي من العرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر). أخرجه أحمد في مُسنده (1/ 44). والصب غسل، ومنه قول العرب: غسلتني السماء، عند انصباب المطر عليه.
واستدل الطحاوي على ذلك بالأحاديث التي ورد فيها أنه صب الماء على بول الغلام كحديث أبي ليلى، واستدل أيضًا بحديث عائشة: فأتبعه الماء. وقال: واتباع الماء حكمه حكم الغسل، على أنه قد ورد في بعض رواياته: فدعا بماء فنضحه عليه. وفي أخرى: فدعا بماء فصبه عليه، فدل على أن النضح عندهم الصب.
وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 93، 94): فثبت بهذه الآثار أن حكم بول الغلام هو الغسل، إلا أن ذلك الغسلب يجزئ منه الصب، وأن حكم بول الجارية هو الغسل أيضًا، وفرق في اللفظ بينهما وإن كانا مستويين في المعنى؛ لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه، فأمر في بول الغلام بالنضح: يريد صب الماء في موضع واحد، وأراد بغسل بول الجارية أن يتبع بالماء؛ لأنه يقع في أماكن متفرقة. فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار، وأما وجهه من طريق النظر فإن رأينا الغلام والجارية حكم أبوالهما سواء بعد ما يأكلان الطعام، فإذا كان بول الجارية نجسًا فبول الغلام أيضًا نجس، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى. اهـ.
قال أبو عمر ابن عبدالبر في التمهيد (9/ 111، 112): القياس أن لا فرق بين بول الغلام والجارية كما أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة، إلا أن هذه الآثار إن صحت ولم يعاررضها عنه صلى الله عليه وسلم مثلها وجب القول بها، إلا أن رواية من روى الصب على بول الصبي وإتباعه الماء أَصح وأَوْلَى، وأحسن شئ عندي في هذا الباب ما قالته أم سلمة: بول الغلام يصب عليه الماء صبًّا وبول الجارية يُغسل طعمت أو لم تطعم -أخرجه أبو داود (379) عن الحسن عن أمه عن أم سلمة: أنها أبصرت أم سلمة تصب الماء على بول الغلا ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية-.
وهذا حديث مفسر للأحاديث كلها مستعمل لها، حاشا حديث المحل بن خليفة الذي ذكر فيه الرش، وهو حديث لا تقوم به حجة والمحل ضعيف، وإذا صبَّ على بول الغلام وغسل بول الجارية وقد علمنا أن الصب قد يمسى نضحًا، كان الفرق بين بول الغلام والجارية الرضيعين ما بين الصب والعراك تعبدًا كان وجهًا حسنًا، وهو أَوْلَى ما قبل به في هذا الباب على ما روي عن أم سلمة، وبالله التوفيق. اهـ.
وعلى كلام ابن عبدالبر مؤاخذتان:
الأولى: أنه ضعف حديث ابي سمح، لضعف المُحِلِّ بن خليفة، وليس كذلك، فالمحل ثقة، وثقه يحيى بن معين والنسائي. راجع: ترجمته في تهذيب الكمال (27/ 290).
الثانية: أنه رجح روايات الصب على روايات الرش، وهو مبني على تضعيفه لحديث أبي المسح وقد علمتَ ما فيه، والصحيح ترجيح روايات الرش لثبوتها في الصحيحن كحديث أم قيس بنت محصن.
يتضح من هذه المناقشة أن الخلاف في المسألة ينحصر في تفسير النضح الوارد في الحديث، فيرى الشافعية والحنابلة أن معناه الرش كما جاء مفسرًا في بعض روايات الحديث، وهو ما يتفق مع معناه اللغوي، ويكون بذلك بول الغلام نجسًا قد خفف في طهارته.
ويرى الحنفية والمالكية أن النضح في الحديث معناه الصب وهو غسل؛ فالفرق عندهم بين بول الغلام والجارية: أن غسل بول الغلام يجزئ فيه الصب، وبول الجارية لا بد فيه من العرك.
فالخلاف في المسألة في فهم الحديث وتفسيره، ولا يُقال في مثل هذا إن أحد الطرفين خالف الحديث؛ ومن ثَمَّ نعلم أن ابن أبي شيبة لم يصب فيما قاله من مخالفة أبي حنيفة للأثر في هذه المسألة.
***
رابعًا: مَسْأَلَةُ الطَّهَارَةِ بِالاِسْتِحَالَةِ
(1) حّدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سًفْيَانَ عَنْ السُّدِّيِّ عَنْ يَحْيَى بِنْ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسِ بِنْ مَالِكٍ: أَنَّ أَيْتَامًا وَرِثُون خَمْرًا، فَسَأَلَ أَبُو طَلْحَةَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَجْعَلَهُ خَلًّا: (لاَ). أخرجه مُسلم (1983)، وأبو داود (367).
وَذُكِرًَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لاَ بَأسَ بِهِ.
***
إذا تخللت الخمر بنفسها بغير قصد التخليل يحل ذلك الخل بلا خلاف بين الفقهاء، وإذا خللها صاحبها بعلاج؛ فقال الشافعية والحنابلة ومالك في رواية: لا يحل تخليل الخمر بالعلاج ولا تطهر. وقال أبو حنيفة ورواية عن مالك: التخليل جائز وتطهر. وعن مالك في أصح الروايات عنه: أن التخليل حرام فلو خللها طهرت.
قال صاحب الهداية: وإذا تخللت الخمر حلت، وساء صارت خلًّا بنفسها أو بشئ يُطرح فيها ولا يُكره تخليلها. اهـ. الهداية وشروحها: فتح القدير (10/ 107)، والعناية (10/ 107)، ونصب الراية (6/ 242).
وقال شارح مختصر خليل: روى ابن القاسم تحريم تخليل الخمر، وروى أشهب الإباحة فعلى رواية ابن القاسم لمالك قولان في أكلها إذا خللت، مبنيان على النهي هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا. اهـ. انظر: التاج والإكليل (1/ 139)، وراجع: مواهب الجليل (1/ 98)، وشرح الخرشي (1/ 88)، ومنح الجليل (1/ 50)، وحاشية الدسوقي (1/ 52)، والمنتقى (3/ 153).
وقال النووي في المجموع شرح المهذب (2/ 592): إذا انقلبت الخمر بنفسها خلًّا فتطهر عند جمهور العلماء، ونقل القاضي عبدالوهاب المالكي فيه الإجماع، وحكى غيره عن سحنون المالكي أنها لا تطهر، وأما إذا خُللت بوضع شئ فيها فمذهبنا أنها لا تطهر، وبه قال أحمد والأكثرون. وقال أبو حنيفة والأوزاعي والليث: تطهر، وعن مالك ثلاث روايات أصحها عنه أن التخليل حرام وتطهر فلو خللها طهرت، والثانية: حرام ولا تطهر، والثالثة حلال وتطهر. اهـ. وراجع: المنهاج وشروحه: تحفة المحتاج (1/ 303)، ونهاية المحتاج (1/ 247)، ومغني المحتاج (1/ 236).
وقال الخرقي كما في المغني (9/ 145): والخمرة إذا أُفسدت فصيرت خلًّا لم تَزُلْ عن تحريمها، وإن قلب الله عينها فصارت خلًّا فهي حلال. اهـ.
واستدل الجمهور بما يلي:
1- ما رواه مُسلم وأبو داود -واللفظ له- عن أنس: أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا قال: (أهرقها). قال: أفلا أجعلها خلًّا؟ فقال: (لا).
قال النووي في شرحه على مسلم (13/ 152): هذا دليل الشافعي، والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل، هذا إذا خللها بخبز أو خميرة أو غير ذلك مما يلقى فيها، فهي باقية على نجاستها وينجس ما أُلقي فيها، ولا يطهر هذا الخل بعده أبدًا لا بغسل ولا بغيره، أما إذا نُقلت من الشمس إلى الظل أو من الظل إلى الشمس، ففي طهارتها وجهان لأصحابنا: أصحهما تطهر. اهـ.
وأجاب الطحاوي -كما في شرح معاني الآثار (4/ 388)- بأنه محمول على التغليظ والتشديد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشق زقاق الخمر في مبدأ تحريم الخمر -كما روى ذلك أحمد في مُسنده (2/ 71) عن ابن عمر، وروى الطبراني في الكبير (5/ 99) عن أنس في حديث أبي طلحة وسؤاله عن خمر الأيتام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أهرق الخمر وكسر الدنان)-، غضبًا لله على من غيبها بعد تحريم الله إياها، فعاقبهم بشق زقاقها، وهذا صريح في التغليظ؛ لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكن إراقة الزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد ليكون أبلغ في الردع، وقد يجوز أيضًا أن يكون من غيبها ممن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تخليلها، منعه من ذلك أيضًا عقوبة له، لا لأنه لو خللت لم تحل له. وراجع: نصب الراية (6/ 245).
ومما يدل على ذلك أيضًا ما رواه ابن سعد من طريق سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه: أن عمر حرق بيت رويشد الثقفي وكان حانوتًا للشراب، وكان عمر قد نهاه، فلقد رأيته يلتهب كأنه جمرة. اهـ. انظر: الطبقات الكبرى (5/ 55).
وقال الكاساني في بدائع الصنائع (5/ 113): ويحمل النهي عن التخليل على دفع عادة العامة؛ لأن القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر، فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر وفي البيت غلمان وجوار وصبيان، وكانوا أَلفِوا شرب الخمر وصار عادة لهم وطبيعة، والنزوع عن العادة أمر صعب، فَقَيِّمُ البيت إن كان ينزجر عن ذلك ديانة، فَقَلَّما يسلم الأتباع عنها لو أمر بالتخليل، إذ لا يتخلل من ساعتها بل بعد وقت معتبر فيؤدي إلى فساد العامة وهذا لا يجوز، وقد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم ويألف الطبع تحريمها، حملناه على هذا دفعًا للتناقض عن الدليل، وبه تبين أن ليس فيما قلناه احتمال الوقوع في الفساد. اهـ. وراجع: المبسوط (24/ 22)، وتبيين الحقائق (6/ 48).
2- وبما رواه البيهقي من طريق أسلم مولى عمر بن الخطاب: أن عمر بن الخطاب أتى بالطِّلاب -والطِّلاء بالكسر والمد: الشراط المطبوخ من عصير العنب، وهو الرُّبُّ. وراجع: النهاية ولسان العرب مادتي (طلى وربب)-، وهو بالجابية وهو يومئذ يطبخ وهو كعقيد الرُّبِّ فقال: إن في هذا لشرابًا ما انتهى إليه، فلا يشرب خل خمر أفسدت حتى يبدي الله فسادها فعند ذلك يطيب الخل، ولا بأس على امرئ أن يبتاع خلًّا وجده مع أهل الكتاب ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها بدعما عادت خمرًا. قوله أفسدت: يعني عولجت -أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 37)-. وهذا قول يشتهر؛ لأنه خطب به الناس على المنبر فلم ينكر، فكان إجماعًا من الصحابة -يعني سكوتيًّا-.
واستدل الحنفية بما يلي:
1- أخرج مسلم في صحيحه (5471، 5473) عن عائشة وجابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الإدام الخل).
وهو يشمل بعمومه جميع أنواع الخل: المخلل والمتخلل. ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه عام خُصَّ منه المخلل بحديث أنس.
2- أخرج الدارقطني في سننه (1/ 49، 4/ 266) من طريق فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة: أنها كانت لها شاة تحتلبها ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما فعلت الشاة). قالوا: ماتت. قال: (أفلا انتفعتم بإهابها؟) قلنا: إنها ميتة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دباغها يحله كما يحل خل الخمر).
قال الدارقطني: تفرد به فرج بن فُضالة وهو ضعيف، يروي عن يحيى بن سعيد أحاديث لا يُتابع عليها. اهـ.
وفرج بن فُضالة قال عنه أحمد: ثقة. وفي رواية: إذا حدث عن الشاميين فلا بأس، ولكنه حدث عن يحية بن سعيد مناكير. وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وفي رواية: ليس به بأس. وفي أخرى: صالح. وقال علي بن المديني: هو وسط وليس بالقوي. وفي رواية: ضعيف لا أحدث عنه. وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث عن يحيى بن سعيد. وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، حديثه عن يحيى بن سعيد فيه إنكار. وراجع: تهذيب الكمال (23/ 156)، والجرح والتعديل (7/ 85)، وميزان الاعتدال (3/ 343).
3- روى البيهقي من طريق المغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير خلكم خل خمركم).
قال البيهقي في السنن الكبرى (6/ 38): تفرد به المغيرة بن زياد وليس بالقوي، وأهل الحجاز يسمون خل العنب خل الخمر. قال: وإن صح فهو محمول على ما إذا تخلل بنفسه، وعليه يحمل أيضًا حديث فرج بن فضالة. اهـ.
والمغيرة بن زياد قال عنه أحمد: مضطرب الحديث، منكر الحديث، أحاديثه مناكير. وقال يحيى بن معين: ثقة. وفي رواية: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح صدوق ليس بذاك القوي. وقال أبو داود: صالح. وقال النسائي: ليس بالقوي. وراجع: تهذيب الكمال (28/ 359)، والجرح والتعديل (8/ 222)، وميزان الاعتدال (4/ 160).
وهكذا تمسّك كل مذهب بأدلته مع تأويل أدلة الآخر لتوافق أدلته، ومع رُجحان أدلة الجمهور وقوتها؛ فإنه لا ينبغي أن نصف الحنفية بمُخالفة الحديث في هذه المسألة؛ لأن الخلاف في فهم الحديث وتأويله لا يُعتبر مُخالفة له، ولما ذكروه من أدلة أخرى.
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنفي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: