الفقه الحنبلي - الرهن 2
{ مسألة } (ونماء الرهن وكسبه وارش الجناية عليه من الرهن)
وجملة ذلك ان نماء الرهن جميعه وغلاته تكون رهنا في يد من الرهن في يده
كالاصل وإذا احتيج إلى بيعه في وفاء الدين بيع مع الاصل، وسواء في ذلك المتصل كالسمن والتعلم والمنفصل كالكسب والاجرة والولد والثمر واللبن والصوف والشعر وبنحو هذا قال النخعي والشعبي.
وقال الثوري وأصحاب الرأي يتبع النماء ولا يتبع الكسب لان الكسب لا يتبع في حكم الكتابة والاستيلاد والتدبير فلا يتبع في الرهن كاعتاق مال الراهن.
وقال مالك: يتبع الولد في الرهن خاصة دون سائر النماء لان الولد يتبع الاصل في الحقوق الثابتة كولد أم الولد، وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا يدخل في الرهن شئ من النماء المنفصل ولا من الكسب لانه حق تعلق بالاصل يستوفى من ثمنه فلا يسري إلى غيره كحق جنايته حتى قال الشافعي لو رهنه ماشية مخاضا فنتجت فالنتاج لا يدخل في الرهن، وخالفه أبو ثور وابن المنذر واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " وانما يكون رهنا كسائر ماله
ولنا أنه حكم يثبت في العين بعقد المال فيدخل فيه النماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره، ولان النماء حادث من غير الرهن فيدخل فيه كالمتصل، ولانه حق مستقر في الام ثبت برضى المالك فسرى إلى الولد كالتدبير والاستيلاد.
ولنا على مالك أنه نماء حادث من غير الرهن فسرى إليه حكم الرهن كالولد، وعلى أبي حنيفة أنه عقد يستتبع النماء فاستتبع الكسب كالشراء، وأما الحديث فنقول به، وأن غنمه وكسبه ونماءه للراهن لكن يتعلق به حق الرهن كالاصل.
والفرق بينه وبين سائر مال الراهن أنه تبع فثبت له حكم أصله، وأما حق الجناية فانه ثبت بغير رضى المال فلم يتعد ما ثبت فيه لانه جزاء عدوان فاختص الجاني كالقصاص، ولان السراية في الرهن لا تفضي إلى استيفاء أكثر من دينه فلا يكثر الضرر فيه.
واما ارش الجناية على الرهن فيتعلق بها حق المرتهن لانها بدل جزء منه فكانت من الرهن كقيمته إذا أتلفه انسان وهذا قول الشافعي وغيره (فصل) وإذا ارتهن أرضا أو دارا أو غيرهما تبعه في الرهن ما يتبع في البيع، فان كان في الارض
شجر فقال رهنتك هذه الارض بحقوقها أو ذكر ما يدل على أن الشجر في الرهن دخل، وان لم يذكر ذلك فهل يدخل في الرهن؟ على وجهين بناء على دخوله في البيع، وان رهنه شجرا مثمرا وفيه ثمرة ظاهرة لم تدخل في الرهن كما لا تدخل في البيع.
وان لم تكن ظاهرة دخلت، وقال الشافعي لا تدخل بحال، وقال أبو حنيفة تدخل بكل حال لان الرهن عنده يصح على الاصل دون الثمرة وقد قصد إلى عقد صحيح فتدخل الثمرة ضرورة الصحة ولنا أن الثمرة المؤبرة لا تدخل في البيع مع قوته وإزالته لملك البائع فالرهن مع ضعفة أولى، وعلى الشافعي انه عقد على الشجر فاستتبع الثمرة غير المؤبرة كالبيع.
ويدخل في الرهن الصوف واللبن الموجودان كما يدخل في البيع، وكذلك الحمل وسائر ما يتبع في البيع لانه عقد وارد على العين فدخلت فيه هذه التوابع كالبيع، ولو كان الرهن دارا فخربت كانت أنقاضها رهنا معها لانها من اجزائها وقد كانت مرهونة قبل خرابها، ولو رهنه أرضا فنبت فيها شجر فهو من الرهن سواء نبت بفعل الراهن أو بغير فعله لانه من نمائها
{ مسألة } (ومؤنته على الراهن وكفنه إن مات وأجرة مخزنه ان كان مخزونا) مؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحافظه وحرزه ومخزنه وغير ذلك على الراهن، وبهذا قال مالك والشافعي والعنبري واسحاق، وقال أبو حنيفة أجرة المسكن والحافظ على المرتهن لانه من مؤنة امساكه وارتهانه.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " رواه الدارقطني وقال اسناد جيد متصل، ولانه نوع اتفاق فكان على الراهن كالطعام، ولان الرهن ملك الراهن فكان عليه مسكنه وحافظه كغير الرهن، وان أبق العبد فأجرة من يرده على الراهن، وقال أبو حنيفة يكون بقدر الامانة على الراهن وبقدر الضمان على المرتهن.
وإن احتيج إلى مداواته لمرض أو جرح فذلك على الراهن، وعند أبي حنيفة هو كأجرة من يرده من اباقه وبنى ذلك على أصله في أن يد المرتهن يد ضمان بقدر دينه فيه وما زاد فهو أمانة عنده ويأتي الكلام على ذلك فيما بعد، فان مات العبد كانت مؤنة تجهيزه وتكفينه ودفنه على الراهن لان ذلك تابع لمؤنته.
فان كل من لزمته مؤنة شخص في حياته لافي مقابلة نفع كانت مؤنة تجهيزه ودفنه عليه كسائر العبيد والاماء والاقارب من الاحرار (فصل) وان كان الرهن ثمرة فاحتاجت إلى سقي وتسوية وجذاذ فذلك على الراهن، وان احتاجت إلى تجفيف والحق مؤجل فعليه التجفيف لانه يحتاج إلى أن يستبقيها رهنا حتى يحل الحق،
وإن كان حالا بيعت ولم يحتج إلى تجفيفها، فان اتفقا على بيعها وجعل ثمنها رهنا بالحق المؤجل جاز وان اختلفا قدم قول من يستبقيها بعينها لان العقد يقتضي ذلك الا ان يكون مما تقل قيمته بالتجفيف وقد جرت العادة ببيعه رطبا فيباع ويجعل ثمنه رهنا، وان اتفقا على قطع الثمرة في وقت جاز سواء كان الحق حالا أو مؤجلا، أو كان الاصلح القطع أو الترك لان الحق لا يخرج عنهما، وان اختلفا قدم قول من طلب الاصلح ان كان ذلك قبل حلول الحق، وان كان الحق حالا قدم قول من طلب القطع لانه ان كان المرتهن فهو طالب لاستيفاء حقه الحال فلزم اجابته، وان كان الراهن فهو يطلب بتبرئة ذمته وتخليص عين ملكه من الرهن والقطع أحوط من جهة أن في تبقيته غررا.
ذكر القاضي هذا في المفلس وهو قول أكثر أصحاب الشافعي وهذا في معناه، ويحتمل أن ينظر في الثمرة فان كانت تنقص
بالقطع نقصا كثيرا لم يجبر الممتنع من قطعها لان ذلك اتلاف فلا يجبر عليه كما لا يجبر على نقض داره ليبيع أنقاضها، ولا على ذبح فرسه ليبيع لحمها، فان كانت الثمرة مما لا ينتفع بها قبل كمالها لم يجز قطعها قبله ولم يجبر عليه بحال لما فيه من اضاعة المال والله أعلم (فصل) فان كان الرهن ما شية تحتاج إلى اطراق الفحل لم يجبر الراهن عليه لانه ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن وليس ذلك مما يحتاج إليه لبقائها ولا يمنع من ذلك لكونه زيادة لهما لا ضرر على المرتهن فيه، وان احتاجت إلى رعي فعلى الراهن أن يقيم لها راعيا لان ذلك يجرى مجرى علفها فان اراد الراهن السفر بها ليرعاها في مكان آخر وكان لها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه لان في السفر بها اخراجها عن نظره ويده، وان اجدب مكانها فلم تجد ما تتماسك به فللراهن السفر بها لانها تهلك إذا لم يسافر بها الا انها تكون في يد عدل يرضيان به أو ينصبه الحاكم ولا ينفرد الراهن بها، فان امتنع الراهن من السفر بها فللمرتهن نقلها لان في بقائها هلاكها وضياع حقه من الرهن، وان أراد جميعا السفر بها واختلفا في مكانها قدمنا قول من يعين الاصلح فان استويا قدم قول المرتهن، وعند الشافعي يقدم قول الراهن وان كان الاصلح غيره لانه املك بها الا أنه يكون مأواها إلى يد عدل.
ولنا أن اليد للمرتهن فكان أولى كما لو كانا في بلد واحد وايهما أراد نقلها عن البلد مع خصبه لم يكن له سواء اراد نقلها إلى مثله أو اخصب منه إذ لا معنى للمسافرة بالرهن مع امكان ترك السفر به وان اتفقا على نقلها جاز سواء كان انفع لها اولا لان الحق لا يخرج عنهما
(فصل) وان كان عبدا يحتاج إلى ختان والدين حال أو اجله قبل برئه منع منه لانه ينقص ثمنه وفيه ضرر، وان كان يبرأ قبل محل الحق والزمان معتدل لا يخاف عليه فيه فله ذلك لانه من الواجبات ويزيد في الثمن ولا يضر بالمرتهن ومؤنة ختانه على الراهن، وان مرض فاحتاج إلى دواء لم يجبر الراهن عليه لانه لا يتحقق أنه سبب لبقائه وقد يبرأ بغير علاج بخلاف النفقة، وان اراد الراهن مداواته بما لا ضرر فيه لم يمنع منه لانه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، فان كان الدواء مما يخاف غائلته كالسموم فللمرتهن منعه منه لانه لا يأمن تلفه، وان احتاج إلى قصد أو احتاجت الدابة إلى
توديج ومعناه فتح الودجين ليسيل الدم وهما عرقان غليظان من جانبي ثغرة النحر أو تبزيغ وهو فتح الرهصة فللراهن فعل ذلك ما لم يخف منه ضرر، وان احتيج إلى قطع شئ من بدنه بدواء لا يخاف منه جاز، وان خيف منه فأيهما امتنع منه لم يجبر، وان كانت به آكلة كان له قطعها لانه يخاف من تركها لامن قطعها، وان كان به خبيثة فقال اهل الخبرة الاحوط قطعها وهو أنفع من بقائها فللراهن قطعها والا فلا، وان تساوى الخوف عليه في الحالين لم يكن له قطعها لانه يحدث جرحا فيه لم يترجح احداثه، وان كانت به سلعة أو اصبع زائدة لم يملك الراهن قطعها لان قطعها يخاف منه وتركها لا يخاف منه، وان كانت الماشية جربة فأراد الراهن دهنها بما يرجى نفعه ولا يخاف ضرره كالقطران والزيت اليسير لم يمنع، وان خيف ضرره كالكثير فللمرتهن منعه.
وقال القاضي: له ذلك بغير اذن المرتهن لان له معالجة ملكه، وان امتنع من ذلك لم يجبر عليه، ولو اراد المرتهن مداواتها بما ينفعها ولا يخشى ضرره لم يمنع لان فيه اصلاح حقه بما لا يضر بغيره، وان خيف منه الضرر لم يمكن منه لان فيه خطرا بحق غيره (فصل) فان كان الرهن نخلا فاحتاج إلى تأبير فهو على الراهن وليس للمرتهن منعه منه لان فيه مصلحة بغير مضرة وما يسقط من ليف أو سعف أو عراجين فهو من الرهن لانه من اجزائه أو من نمائه، وقال اصحاب الشافعي ليس من الرهن بناءا منهم على ان نماء الرهن ليس منه.
ولا يصح ذلك ههنا لان السعف من جملة الاعيان التي ورد عليها عقد الرهن فكانت منه كالاصول وانقاض الدار وان كان الرهن كرما فله زباره لانه لمصلحته ولا ضرر فيه والزرجون من الرهن، وان كان الشجر
مزدحما وفي قطع بعضه صلاح لما يبقى فله ذلك، وان اراد تحويله كله لم يملك ذلك، وان قيل هو الاولى لانه قد لا يعلق فيفوت الرهن.
وان امتنع الراهن من فعل هذا كله لم يجبر عليه لانه لا يلزمه فعل ما فيه زيادة الرهن (فصل) وكل زيادة تلزم الراهن إذا امتنع منها أجبره الحاكم عليها فان لم يفعل اكترى الحاكم من ماله فان لم يكن له مال اكترى من الرهن، فان بذلها المرتهن متطوعا لم يرجع بشئ، وان كان
باذن الراهن محتسبا بالرجوع رجع، فان أنفق باذن الراهن ليكون الرهن رهنا بالنفقة والدين الاول لم يصح ولم يصر رهنا بالنفقة لما ذكرنا، وان قال الراهن انفقت متبرعا وقال المرتهن بل أنفقت محتسبا بالرجوع فالقول قول المرتهن لان الخلاف في نيته وهو أعلم بها وعليه اليمين لان ما قاله الراهن محتمل، وكل مؤنة لا تلزم الراهن كنفقة المداواة والتأبير وأشباههما لا يرجع بها المرتهن إذا أنفقها سواء أنفقها محتسبا أو متبرعا { مسألة } (وهو أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه فلاشئ عليه ولا يسقط بهلاكه شئ من دينه) وجملة ذلك أن الرهن إذا تلف في يد المرتهن فان كان تلفه بتعد أو تفريط في حفظه ضمنه لا نعلم في ذلك خلافا لانه أمانة في يده فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه أو تفريطه كالوديعة فاما ان تلف بغير تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن يروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال عطاء والزهري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وروي عن شريح والنخعي والحسن أن الرهن يضمن بجميع الدين وان كان أكثر من قيمته لانه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال " الرهن بما فيه " وقال مالك ان كان تلفه بأمر ظاهر كالموت والحريق فمن ضمان الراهن، وان ادعى تلفه بامر خفي لم يقبل قوله ويضمن، وقال الثوري وأبو حنيفة يضمنه المرتهن باقل الا مرين من قيمته أو قدر الدين ويروى ذلك عن عمر رضي الله عنه لما روى عطاء أن رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاخبره بذلك فقال " ذهب حقك " ولانها عين مقبوضة للاستيفاء فيضمنها
من قبضها لذلك، أو من قبضها نائبه كحقيقة المستوفي، ولانه محبوس بدين فكان مضمونا كالمبيع إذا حبس لاستيفاء ثمنه.
ولنا ما روى ابن أبي ذؤيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه " رواه الاثرم عن احمد بن عبد الله بن يونس عن ابن أبي ذؤيب ورواه الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذؤيب ولفظه " الرهن من صاحبه الذي رهنه وباقيه
سواء " قال ووصله ابن المسيب عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه من حديث ابن أبي أنيسة ولانه وثيقة بالدين فلا يضمن كالزيادة على قدر الدين، ولانه مقبوض بعقد واحد بعضه أمانة فكان جميعه امانة كالوديعة، وعلى مالك ان مالا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب كالوديعة فأما حديث عطاء فهو مرسل وقوله يخالفه.
قال الدارقطني يرويه اسماعيل بن أمية وكان كذابا وقيل يرويه مصعب بن ثابت وكان ضعيفا، ويحتمل انه اراد ذهب حقك من الوثيقة بدليل انه لم يسأل عن قدر الدين وقيمة الرهن، والحديث الآخر ان صح فيحتمل أنه محبوس بما فيه، وأما المستوفى فانه صار ملكا للمستوفي وله نماؤه وغنمه فكان عليه ضمانه وغرمه بخلاف الرهن والمبيع قبل القبض ممنوع إذا ثبت ذلك فانه لا يسقط بهلاكه شئ من دينه وهو قول الشافعي لان الدين كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف ولم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله { مسألة } (وان تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين) لان جميعه كان رهنا بجميع الدين، فإذا تلف البعض بقي البعض الآخر رهنا بجميع الدين لان الاصل بقاء ما كان على ما كان، ولان الباقي بعض الجملة، وقد كان الجميع رهنا فيكون البعض رهنا لانه من الجملة (فصل) وإذا قضاه حقه وابرأه من الدين بقي الرهن أمانة في يد المرتهن، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قضاه كان مضمونا وإذا ابرأه لم يكن مضمونا استحسانا وهذا مناقضة لان القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرئه منه، وعندنا انه كان امانة وبقي على ما كان عليه وليس عليه رده لانه امسكه باذن مالكه ولا يختص بنفعه فهو كالوديعة بخلاف العارية فانه يختص بنفعها وبخلاف مالو أطارت الريح إلى دراه ثوبا فانه يلزمه رده إلى مالكه لان مالكه لم يأذن في امساكه، فاما ان طلبه المالك في
هذه الحال لزم من هو في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه إذا أمكنه، فان امتنع صار ضامنا كالمودع إذا امتنع من رد الوديعة بعد طلبها فان كان امتناعه لعذر مثل ان يكون بينهما طريق مخوف أو باب مغلق لا يمكنه فتحه أو خاف فوت جمعة أو جماعة أو فوت وقت صلاة أو كان به مرض أو جوع شديد
ونحوه فأخر التسليم لذلك لم يضمن لانه لا تفريط منه اشبه المودع (فصل) وإذا قبض الرهن فوجده مستحقا لزمه رده على مالكه والرهن باطل من اصله، فان امسكه مع علمه بالغصب حتى تلف في يده استقر الضمان عليه وللمالك تضمين ايهما شاء، فان امسكه مع علمه بالغصب حتى تلف في يده استقر الضمان عليه وللمالك تضمين ايهما شاء، فان ضمن المرتهن لم يرجع على احد لذلك، وان ضمن الراهن رجع عليه، وان لم يعلم بالغصب حتى تلف بتفريطه ففيه ثلاثة اوجه (احدها) يستقر الضمان عليه ايضا لان مال الغير تلف تحت يده العادية اشبه ما لو علم (والثاني) لا ضمان عليه لانه قبضه على انه امانة من غير علمه فهو كالوديعة، فعلى هذا يرجع المالك على الغاصب لا غير (الثالث) للمالك تضمين ايهما شاء ويستقر الضمان على الغاصب لانه غره فرجع عليه كالمغرور بحرية امة { مسألة } (ولا ينفك شئ من الرهن حتى يقضى جميع الدين) وجملة ذلك أن حق الوثيقة يتعلق بجميع الرهن فيصير محبوسا بكل الحق وبكل جزء منه لا ينفك منه شئ حتى يقضى جميع الدين سواء كان مما يمكن قسمته أولا.
قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ عنه من اهل العلم على ان من رهن شيئا بمال فأدى بعض المال واراد اخراج بعض الرهن ان ذلك ليس له ولا يخرج شئ حتى يوفيه آخر حقه أو يبرئه من ذلك كذلك قال مالك والثوري والشافعي واسحاق وأبو ثور واصحاب الرأي لان الرهن وثيقة بحق فلا يزول الا بزوال جميعه كالضمان والشهادة.
{ مسألة } (وان رهنه عند رجلين فوفى احدهما انفك في نصيبه) إذا رهن عينا عند رجلين فنصفها رهن عند كل واحد منهما بدينه فمتى وفى احدهما خرجت حصته من الرهن لان عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفردا فان اراد مقاسمة المرتهن واخذ نصيب من وفاه، وكان الرهن مما لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون فله ذلك، وان كان مما تنقصه القسمة لم تجب قسمته لان على المرتهن ضررا فيها ويقر
في يد المرتهن بعضه رهن وبعضه وديعة، وقال أبو الخطاب فيمن رهن عبده عند رجلين فوفى احدهما يبقى جميعه رهنا عند الآخر حتى يوفيه، وكلامه محمول على انه ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى ان العين كلها تكون رهنا إذ لا يجوز ان يقال انه رهن نصف العبد عند رجل فصار جميعه رهنا { مسألة } (وان رهنه رجلان شيئا فوفاه احدهما انفك في نصيبه) لما ذكرنا وقد قال احمد في رواية مهنا في رجلين رهنا دارا لهما عند رجل على الف فقضاه احدهما ولم يقض الآخر فالدار رهن على ما بقي وهذا من كلام احمد محمول ايضا على انه ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى ان العين كلها تكون رهنا عند الآخر لانه انما رهنه نصفها (فصل) ولو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف فهذه اربعة عقود ويصير كل ربع من العبد رهنا بمائتين وخمسين فمتى قضاها من هي عليه انفك من الرهن ذلك القدر ذكره القاضي وهو الصحيح { مسألة } (وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فان كان الراهن اذن للمرتهن أو العدل في بيع الرهن باعه ووفى الدين والا رفع الامر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن فان لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه) وجملة ذلك انه إذا حل الدين لزم الايفاء لانه دين حال فلزم إيفاؤه كالذي لارهن به فان لم يوف وكان قد اذن للمرتهن أو للعدل في بيع الرهن باعه ووفى الحق من ثمنه لان هذا هو المقصود من الرهن وقد باعه باذن صاحبه في قضاء دينه يصح في غير الرهن وما فضل من ثمنه فهو للمالك وان فضل من الدين شئ فعلى الراهن وان لم يكن أذن لهما في بيعه أو كان قد أذن لهما ثم عزلهما طولب بالوفاء أو بيع الرهن فان أبى فعلى الحاكم ما يرى من حبسه أو تعزيره ليبيعه أو يبيعه الحاكم بنفسه أو نائبه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة لا يبيعه الحاكم لان ولاية الحاكم على من عليه الحق لا على ماله فلم ينفذ بيعه بغير اذنه.
ولنا أنه حق تعين عليه فإذا امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه كالايفاء من جنس الدين وان وفى الدين من غير الرهن انفك الرهن (فصل) قال الشيخ رحمه الله (وان شرط في الرهن جعله على يد عدل صح وقام قبضه
مقام قبض المرتهن)
وجملة ذلك أن المتراهنين إذا شرطا كون الرهن على يدي رجل رضياه واتفقا عليه جاز وكان وكيلا للمرتهن نائبا عنه في القبض فمتى قبضه صح قبضه وقام مقام قبض المرتهن في قول اكثر الفقهاء منهم عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي واسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وابن أبي ليلى لا يكون مقبوضا بذلك لان القبض من تمام العقد فتعلق بالمتعاقدين كالايجاب والقبول ولنا أنه قبض في عقد فجاز فيه التوكيل كسائر القبوض وفارق القبول لان الايجاب إذا كان لشخص كان القبول منه لانه مخاطب به ولو وكل في الايجاب والقبول قبل ان يوجب له صح أيضا وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.
إذا ثبت هذا فانه يجوز ان يجعلا الرهن على يدي من يجوز توكيله وهو الجائز التصرف مسلما كان أو كافرا عدلا أو فاسقا ذكرا أو انثى ولايكون صبيا لانه غير جائز التصرف مطلقا فان فعلا كان قبضه وعدم القبض واحدا ولا عبدا بغير اذن سيده لان منافع العبد لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ بغير اذنه فان أذن له السيد جاز.
وأما المكاتب فيجوز بجعل لان له الكسب وبذل منافعه بغير اذن السيد ولا يجوز بغير جعل لانه ليس له التبرع بمنافعه.
{ مسألة } (فان شرط جعله في يد اثنين فليس لا حدهما الانفراد بحفظه) لان المتراهنين لم يرضيا الا بحفضهما معا فلم يجز لاحدهما الانفراد به كالوصين فان سلمه أحدهما إلى الآخر فعليه ضمان النصف لانه القدر الذي تعدى فيه وهذا أحد الوجهين لاصحاب الشافعي، وفي الآخر إذا رضي أحدهما بامساك الآخر جاز، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة إن كان مما ينقسم اقتسماه والا فلكل واحد منهما امساك جميعه لان اجتماعهما على حفظه يشق عليهما فحمل الامر على أن لكل واحد منهما الحفظ ولنا أن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلم يجز لاحدهما الانفراد بذلك كالوصيين ولا
يجوز لاحدهما الانفراد بالتصرف.
قولهم ان الاجتماع على الحفظ يشق ممنوع لامكان جعله في مخزن عليه لكل واحد منهما قفل { مسألة } (وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل الا ان يتغير حاله)
وجملة ذلك أن العدل مادام بحاله لم يتغير عن الامانة ولا حدثت بينه وبين أحدهما عداوة فليس لاحدهما ولا للحاكم نقله عن يده لانهما رضيا به في الابتداء وان اتفقا على نقله جاز لان الحق لهما لم يعدهما وكذلك لو كان الرهن في يد المرتهن فلم يتغير حاله لم يكن للراهن ولا للحاكم نقله عن يده، فان تغيرت حال العدل بفسق أو ضعف أو حدثت عداوة بينه وبينهما أو بينه وبين أحدهما فمن طلب نقله عن يده له ذلك ويضعانه في يد من اتفقا عليه.
فان اختلفا وضعه الحاكم عند عدل وان اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما ظهر له، وهكذا لو كان في يد المرتهن فتغيرت حاله في الثقة والحفظ فللراهن رفعه عن يده إلى الحاكم ليضعه في يد عدل، وإذا ادعى الراهن تغير حال المرتهن فانكر بحث الحاكم عن ذلك وعمل بما بان له.
فان مات العدل أو المرتهن لم يكن لورثتهما امساكه الا برضاهما فان اتفقا عليه جاز، وان اتفقا على عدل يضعانه عنده فلهما ذلك لان الحق لهما فيفوض أمره اليهما.
وان اختلف الراهن والمرتهن عند موت العدل أو اختلف الراهن وورثة المرتهن رفعا الامر إلى الحاكم ليضعه على يد عدل فان كان الراهن في يد اثنين فمات أحدهما أو تغيرت حاله بفسخ أو ضعف عن الحفظ أو عداوة اقيم مقامه عدل يضم إلى العدل الآخر فيحفضان معا { مسألة } (وله رده اليهما ولا يملك رده إلى احدهما فان فعل فعليه رده إلى يده فان لم يفعل ضمن حق الآخر) وجملة ذلك ان العدل متى أراد رده عليهما فله ذلك وعليهما قبوله لانه أمين متطوع بالحفظ فلم يلزمه المقام عليه فان امتنع أجبرهما الحاكم فان تغيبا نصب الحاكم أمينا يقبضه لهما لان للحاكم ولاية على الممتنع من الحق الذي عليه فان دفعه إلى أمين من غير امتناعهما ضمن الامين وضمن الحاكم لانه لا ولاية له على غير الممتنع وكذلك لو تركه العدل عند آخر مع وجودهما ضمن وضمن القابض فان
امتنعا ولم يجد حاكما فتركه عند عدل آخر لم يضمن.
وان امتنع أحدهما لم يكن له دفعه إلى الآخر فان فعل ضمن.
والفرق بينهما ان أحدهما يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما هذا فيما إذا كانا حاضرين.
فان كانا غائبين نظرت فان كان للعدل عذر من مرض أو سفر أو نحوه دفعه إلى الحاكم فقبضه منه أو نصب له عدلا يقبضه لهما.
فان لم يجد حاكما أودعه عند ثقة وليس له ان يودعه عند ثقة مع وجود الحاكم فان فعل ضمن.
فان لم يكن له عذر وكانت الغيبة بعيدة قبضه الحاكم منه فان لم
يجد حاكما دفعه إلى عدل، وان كانت الغيبة دون مسافة القصر فهو كما لو كانا حاضرين لانهما في حكم الاقامة، وان كانا أحدهما حاضرا وحده فحكمهما حكم الغائبين وليس له دفعه إلى الحاضر منهما وفي كل موضع قلنا لا يجوز له دفعه إلى أحدهما إذا دفعه إليه لزمه رده إلى يده فان لم يفعل ضمن حق الآخر لانه فرط في دفعه إليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " رواه أبو داود والترمذي والنسائي { مسألة } (فان أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد البلد فان كان فيه نقود باع بجنس الدين) وجملة ذلك انهما إذا أذنا للعدل في البيع ولم يعينا نقدا لم يبع الا بنقد البلد لان الحظ فيه فان كان فيه نقود باع بأغلبها لذلك.
فان تساووا فقال القاضي يبيع بما يؤديه إليه اجتهاده وهو قول الشافعي لانه الاحظ.
فان تساووا بيع بجنس الدين.
والذي ذكره شيخنا ان النقود إذا تساوت قدم البيع بجنس الدين على البيع بما ير فيه الحظ لانه يمكن القضاء منه.
فان لم يكن فيها جنس الدين وتساوت النقود عنده في الحظ عين الحاكم له ما يبيعه به، وان عينا له نقدا لم يجز أن يخالفهما لان الحق لهما، وان اختلفا لم يقبل قول واحد منهما لان لكل واحد منهما فيه حقا للراهن ملك الثمن وللمرتهن حق الوثيقة واستيفاء حقه فعلى هذا يرفع الامر إلى الحاكم فيأمر ببيعه بنقد البلد سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أو لم يوافق لان الحظ في ذلك، قال شيخنا والاولى انه يبيعه بما يرى الحظ فيه.
فان كان في البلد نقود فهو كما لو لم يعينا نقدا وحكمه في البيع حكم الوكيل في وجوب الاحتياط والمنع من البيع بدون ثمن المثل ومن البيع نساء، ومتى خالف لزمه ما يلزم الوكيل
المخالف، وذكر القاضي رواية في البيع نساء أنه يجوز بناء على الوكيل ولا يصح لان البيع ههنا لايفاء دين حال يجب تعجيله والبيع نساء يمنع من ذلك.
وكذا نقول في الوكيل متى وجدت في حقه قرينة دالة على منع البيع نساء لم يجز له وانما الروايتان فيه عند انتفاء القرائن.
وكل موضع حكمنا ببطلان البيع وجب رد المبيع ان كان باقيا فان تعذر فللمرتهن تضمين أيهما شاء من العدل أو المشتري بأقل الامرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لانه يقبض قيمة الرهن مستوفيا لحقه لا رهنا فلذلك لم يكن له أن يقبض أكثر من دينه وما بقي من قيمة الرهن للراهن يرجع به على من شاء منهما.
وان استوفى دينه من الراهن رجع الراهن بقيمته على من شاء منهما، ومتى ضمن المشتري لم يرجع على أحد لان
العين تلفت في يده، وان ضمن العدل رجع على المشتري (فصل) ومتى قدر له ثمنا لم يجز بيعه بدونه وان أطلق فله بيعه بثمن مثله أو زيادة عليه وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة له بيعه ولو بدرهم والكلام معه في الوكالة: فان أطلقا فباع بأقل من ثمن المثل مما يتغابن الناس به صح ولا ضمان عليه لان ذلك لا يضبط غالبا وان كان النقص أكثر من ذلك أو باع بأنقص مما قدر له لم يصح البيع لانه بيع لم يؤذن فيه فلم يصح كما لو خالف في النقد اختاره شيخنا، وقال اصحابنا يصح ويضمن النقص كله { مسألة } (وان قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن) إذا باع العدل الرهن باذنهما وقبض الثمن فتلف في يده من غير تفريط فلا ضمان عليه لانه أمين فهو كالوكيل ولا نعلم في ذلك خلافا ويكون من ضمان الراهن وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: يكون من ضمان المرتهن لان البيع لاجله، ولنا أنه وكيل الراهن في البيع والثمن ملكه وهو أمين له في قبضه فإذا تلف كان من ضمان موكله كسائر الامناء.
وان ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه لانه أمين ويتعذر عليه اقامة البينة على ذلك فان كلفناه البينة شق عليه وربما أدى إلى أن لايدخل الناس في الامانات، فان خالفاه في قبض الثمن فقالا ما قبضه من المشتري وادعى ذلك ففيه وجهان (أحدهما) يقبل قوله لانه أمين (والآخر) لا يقبل لان هذا ابراء للمشتري من الثمن
فلم يقبل قوله كما لو أبرأه من غير الثمن { مسألة } (وان استحق المبيع رجع المشتري على الراهن) إذا خرج المبيع مستحقا فالعهدة على الراهن دون العدل إذا اعلم المشتري انه وكيل وهكذا كل وكيل باع مال غيره، وهذا قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: العهدة على الوكيل والكلام معه يأتي في الوكالة.
فان علم المشتري بعد تلف الثمن في يد العدل رجع على الراهن ولا شئ على العدل.
فان قيل لم لا يرجع المشتري على العدل لانه قبض الثمن بغير حق؟ قلنا لانه سلمه إليه على انه أمين في قبضه يسلمه إلى المرتهن فلذلك لم يجب الضمان عليه، وأما المرتهن فقد بان له ان عقد الرهن كان فاسدا فان كان مشروطا في بيع ثبت له الخيار فيه وإلا سقط حقه، فان كان الراهن مفلسا حيا أو ميتا كان المرتهن والمشتري أسوة الغرماء لانهم تساووا في ثبوت حقوقهم في الذمة فاستووا في قسم ماله بينهم، فأما
إن خرج مستحقا بعد دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري على المرتهن وهو قول الشافعي: وقال أبو حنيفة يرجع على العدل ويرجع العدل على من شاء منهما من الراهن والمرتهن ولنا أن عين ماله صار إلى المرتهن بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه، فان كان المشتري رده بعيب لم يرجع على المرتهن لانه قبض الثمن بحق ولا على العدل لانه أمين ويرجع على الراهن، فأما إن كان العدل حين باعه لم يعلم المشتري انه وكيل كان للمشتري الرجوع عليه ويرجع هو على الراهن ان أقر العدل بذلك أو قامت به بينة فان أنكر ذلك فالقول قول العدل مع يمينه، فان نكل عن اليمين فقضي عليه بالنكول أوردت اليمين على المشتري فحلف ورجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لانه يقر أنه ظلمه.
وعلى قول الخرقي القول في حدوث العيب قول المشتري مع يمينه وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإذا حلف المشتري رجع على العدل ورجع العدل على الراهن، فان تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا قبل وزن ثمنه فللمغصوب منه تضمين من شاء من الغاصب والعدل والمرتهن والمشتري ويستقر الضمان على المشتري لان التلف في يده هذا إذا علم بالغصب.
وإن لم يكن عالما فهل يستقر الضمان عليه أو على الغاصب؟ على روايتين
{ مسألة } (وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فانكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن، وعنه لا يضمن إلا أن يكون أمر بالاشهاد فلم يفعل وهكذا الحكم في الوكيل) إذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فانكر ففيه وجهان (أحدهما) يقبل قوله في حق الراهن ولا يقبل في حق المرتهن ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لان العدل وكيل الراهن في دفع الثمن إلى المرتهن وليس بوكيل للمرتهن في ذلك انما هو وكيله في الحفظ فقط فلم يقبل قوله عليه فيما ليس بوكيل له فيه كما لو وكل رجلا في قضاء دين فادعى انه سلمه إلى صاحب الدين (والثاني) يقبل قوله على المرتهن في اسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في نفي الضمان من غيره ذكره الشريف أبو جعفر وهو مذهب أبي حنيفة لانه أمين فقبل قوله في إسقاط الضمان عن نفسه كالمودع يدعي رد الوديعة، فعلى هذا إذا حلف العدل سقط الضمان عنه ولم يثبت على المرتهن انه قبضه.
وعلى القول الاول يحلف المرتهن ويرجع على من شاء منهما، فان رجع عن العدل لم يرجع العدل على الراهن لانه يقول ظلمني وأخذ مني بغير حق فلم يرجع على الراهن كما لو غصبه مالا آخر، وان رجع على الراهن فهل يرجع
الراهن على العدل؟ ينظر فان كان دفعه إلى المرتهن بحضرة الراهن أو ببينة فماتت أو غابت لم يرجع عليه لانه أمين ولم يفرط في القضاء، وان دفعه في غيبة الراهن بغير بينة رجع عليه في احدى الروايتين لانه فرط في القضاء بغير بينة فلزمه الضمان كما لو تلف الرهن بتفريطه (والرواية الثانية) لا يرجع الراهن عليه سواء صدقه أو كذبه لانه امين في حقه الا أنه ان كذبه فله عليه اليمين، فان كان الراهن أمره بالاشهاد فلم يفعل لزمه الضمان لانه مفرط وهكذا الحكم في الوكيل لانه في معناه (فصل) إذا غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال عنه الضمان، ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى فيه ثم ازال التعدي أو سافر به ثم رده لم يزل عنه الضمان لانه استئمانه زال بذلك فلم يعد بفعله مع بقائه في يده بخلاف التي قبلها فانه رد إلى يد نائب مالكها أشبه مالو ردها إلى مالكها (فصل) إذا استقرض ذمي من مسلم مالا فرهنه خمرا لم يصح سواء جعله في يد ذمي أو غيره فان باعها الراهن أو نائبه الذمي وجاء المقرض بثمنها لزمه قبوله، فان ابي قيل له اما ان تقبض واما ان
تبرئ لان اهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرت مجرى الصحيح.
قال عمر رضي الله عنه في اهل الذمة معهم الخمر: ولو هم بيعها وخذوا من اثمانها، وان جعلها على يد مسلم فباعها لم يجبر المرتهن على قبول الثمن لانه بيع فاسد لا يقران عليه ولا حكم له { مسألة } وان شرط ان يبيعه المرتهن أو العدل صح فان عزلهما صح عزله) إذا كان الرهن على يدي عدل فشرط ان يبيعه العدل عند حلول الحق أو ان يبيعه المرتهن صح ويصح بيعه لانه شرط فيه مصلحة للمرتهن لا ينافي مقتضى الرهن فصح كما لو شرط صفة فيه، وبه قال ابو حنيفة ومالك والشافعي فيما إذا شرط ان يبيعه العدل، فان شرط ان يبيعه المرتهن ففيه اختلاف يذكر في الشروط في الرهن، فان عزل الراهن العدل أو المرتهن عن البيع صح ولم يملك البيع، وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك لا ينعزل لان وكالته صارت من حقوق الرهن فلم يكن للراهن اسقاطه كسائر حقوقه.
وقال ابن ابي موسى: ويتوجه لنا مثل ذلك فان احمد قد منع الحيلة في غير موضع من كتبه وهذا يفتح باب الحيلة للراهن، فانه شرط ذلك للمرتهن ليجيبه إليه ثم يعزله.
والمنصوص الاول لان الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليها كسائر الولايات وكونه من حقوق الرهن لا يمنع جوازه كما لو شرطا الرهن نفي البيع فانه لا يصير لازما، وكذلك إذا مات الراهن بعد الاذن
تنفسخ الوكالة، وقياس المذهب انه متى عزله عن البيع وكان الرهن مشروطا في بيع فللمرتهن فسخ البيع الذي حصل الرهن عنه كما لو امتنع من تسليم الرهن المشروط في البيع، فأما ان عزله المرتهن لم ينعزل لان العدل وكيل الراهن لان الراهن ملكه، ولو انفرد بتوكيله صح فلم ينعزل بعزل غيره لكن لا يجوز بيعه بغير اذنه وهكذا لو لم يعزلاه فحل الحق لم يبعه حتى يستأذن المرتهن لان البيع لحقه فلم يجز حتى يأذن فيه ولايحتاج إلى تجديد اذن من الراهن في ظاهر كلام احمد لان الاذن قد وجد فأكتفي به كما في الوكالة في سائر الحقوق، وذكر القاضي وجها انه يحتاج إلى تجديد اذن لانه قد يكون له غرض في قضاء الحق من غيره.
والاول أولى فان الاذن كاف ما لم يغير والغرض لااعتبار به مع صريح الاذن بخلافه بدليل مالو جدد الاذن بخلاف المرتهن فان البيع يفتقر إلى مطالبته
بالحق ومذهب الشافعي نحو هذا (فصل) ولو اتلف الرهن في يد العدل اجنبي فعلى الجاني قيمته تكون رهنا في يده وله المطالبة بها لانها بدل الرهن وقائمة مقامه وله امساك الرهن وحفظه، فان كان المتراهنان اذنا له في بيع الرهن فقال القاضي قياس المذهب ان له بيع بدله لان له بيع نماء الرهن تبعا للاصل فالبدل اولى، وقال اصحاب الشافعي ليس له ذلك لانه متصرف بالاذن فلا يملك بيع ما لم يؤذن له في بيعه والمأذون في بيعه قد تلف وبدله غيره، وللقاضي أن يقول انه قد اذن له في بيع الرهن والبدل رهن ثبت له حكم الاصل من كونه يملك المطالبة به وامساكه واستيفاء دينه من ثمنه فكذلك بيعه، فان كان البدل من جنس الدين وقد اذن له في وفائه من ثمن الرهن مالك ايفاءه منه لان بدل الرهن من جنس الدين فأشبه ثمن المبيع { مسألة } (فان شرط ان لا يبيعه عند الحلول أو ان جاءه بحقه في محله والا فالرهن له لم يصح الشرط وفي صحة الرهن روايتان) الشروط في الرهان قسمان: صحيح وفاسد فالصحيح مثل ان يشترط كونه على يدي عدل أو عدلين أو اكثر أو ان يبيعه العدل عند حلول الحق ولا نعلم في صحته خلافا فان شرط ان يبيعه المرتهن صح، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي لا يصح لانه وكيل فيما يتنافى فيه الغرضان فلم يصح كما لو وكله في بيعه من نفسه، ووجه التنافي أن الراهن يريد الصبر على المبيع والا حتياط في توفير
الثمن والمرتهن يريد تعجيل الحق وانجاز المبيع.
ولنا ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن فيه كبيع عين أخرى، ولان من جاز أن يشترط له الامساك جاز اشتراط البيع له كالعدل ولا يضر اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقا له وهو استيفاء الثمن عند حلول الحق وانجاز البيع، وعلى أن الراهن إذا وكله مع العلم بغرضه فقد سمح له بذلك والحق له فلا يمنع من السماحة به كما لو وكل فاسقا في بيع ماله وقبض ثمنه، ولا نسلم أنه لا يجوز توكيله في بيع شئ من نفسه، ولئن سلمنا فلان الشخص الواحد يكون بائعا مشتريا وموجبا قابلا وقابضا من نفسه لنفسه بخلاف مسئلتنا
(فصل) إذا رهنه أمة فشرطا كونها عند امرأة أو ذي محرم أو كونها في يد المرتهن أو أجني على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها مثل أن يكون لهما زوجات أو سراري، أو نساء من محارمهما معهما في دارهما جاز لانه لا يفضي إلى محرم، وإن لم يكن كذلك فسد الشرط لافضائه إلى الخلوة المحرمة فلا يؤمن عليها ولا يفسد الرهن لانه لا يعود إلى نقص ولا ضرر في حق المتعاقدين ويكون الحكم كما لو رهنها من غير شرط يصح الرهن ويجعلها الحاكم على يد من يجوز أن تكون عنده، وان كان الرهن عبدا فشرط موضعه جاز أيضا كالامة، ويحتمل أن لا يصح لان للامة عرفا بخلاف العبد، والاول اصح فان الامة إذا كان المرتهن ممن يجوز وضعها عنده كالعبد، وإذا كان مرتهن العبد امرأة لا زوج لها فشرطت كونه عندها على وجه يفضي إلى خلوته بها لم يجز أيضا فاستويا (القسم الثاني) الشروط الفاسدة وهو ان يشترط ما ينافي مقتضى الرهن نحو أن لا يباع الرهن عند حلول الحق أو لا يستوفي الدين من ثمنه، أو لا يباع ما خيف تلفه أو بيع الرهن باي ثمن كان، أو أن لا يبيعه الا بما يرضيه فهذه شروط فاسدة لمنافاتها مقتضى العقد فان المقصود مع الوفاء بهذه الشروط مفقود، وكذلك ان شرطا الخيار للراهن أو أن لا يكون العقد لازما في حقه أو توقيت الرهن أو ان يكون رهنا يوما ويوما لا، أو كون الرهن في يد الراهن أو أن ينتفع به المرتهن أو كونه مضمونا على المرتهن أو العدل فهذه كلها فاسدة لانها منها ما ينافي مقتضى العقد ومنها ما لا يقتضيه العقد ولا هو من مصلحته، وعن أحمد إذا شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن انه يجوز في البيع.
قال القاضي: معناه أن يقول بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهنني عبدك يخدمني شهرا فيكون بيعا واجارة فهو صحيح، وان اطلق فالشرط باطل لجهالة الثمن، وقال مالك لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الرهن
إلى أجل في الدور والارضين وكرهه في الحيوان والثياب وكرهه في القرض ولنا أنه شرط في الرهن ما ينافيه فلم يصح كما لو شرطه في القرض، فان شرط شيئا منها في عقد الرهن فقال القاضي يحتمل أن يفسد الرهن بها بكل حال لان العاقد انما بذل ملكه بهذا الشرط، فإذا لم يسلم له لم يصح العقد لعدم الرضى به بدونه، وقيل ان شرط الرهن مؤقتا أو رهنه يوما ويوما لا
فسد الرهن وهل يفسد بسائرها؟ على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع، ونصر أبو الخطاب في رءوس المسائل صحته، وبه قال أبو حنيفة لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يغلق الرهن " وهو مشروط فيه شرط فاسد ولم يحكم بفساده، وقيل ما ينقص حق المرتهن يبطله وجها واحدا ومالا فعلى وجهين وهو مذهب الشافعي لان المرتهن شرطت له زيادة لم تصح له فإذا فسدت الزيادة لم يبطل أصل الرهن (فصل) وان شرط انه متى حل الحق ولم توفني فالرهن لي بالدين أو فهو مبيع لي بالدين الذي عليك فهو شرط فاسد، وروي ذلك عن ابن عمر وشريح والنخعي ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم عن غيرهم خلافهم لما روى عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " رواه الاثرم قلت لاحمد ما معنى قوله، " لا يغلق الرهن "؟ قال لا يدفع رهنا إلى رجل ويقول ان جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا والا فالرهن لك، قال ابن المنذر هذا معنى قوله لا يغلق الرهن عند مالك والثوري وأحمد وفي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر أن رجلا رهن دارا بالمدينة إلى أجل مسمى فمضى الاجل فقال الذي ارتهن: منزلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يغلق الرهن " ولانه علق البيع على شرط فانه جعله مبيعا بشرط أن لا يوفيه الحق في محله والبيع المعلق بشرط لا يصح فإذا شرط هذا الشرط فسد الرهن.
وفيه رواية أخرى أنه لا يفسد لما ذكرنا في الشروط الفاسدة، وهذا ظاهر قول أبي الخطاب في رءوس مسائله، واحتج بالحديث المذكور فبقي غلق الرهن على أصله فدل على صحته ولان الراهن قد رضي برهنه مع هذا الشرط فمنع بطلانه أولى أن يرضى به؟ ولنا انه رهن بشرط فاسد فكان فاسدا كما لو شرط توقيته وليس في الخبر انه يشرط ذلك في ابتداء العقد (فصل) وإذا قال الغريم رهنتك عبدي هذا على ان تزيدني في الاجل كان باطلا لان الاجل لا يثبت في الدين الا ان يكون مشروطا في عقد قد وجب به وإذا لم يثبت الاجل لم يصح الرهن لانه جعله في مقابلته ولان ذلك يضاهي ربا الجاهلة كانوا يزيدون في الدين ليزدادوا في الاجل
(فصل) إذا كان له على رجل الف فقال اقرضني الفا بشرط أن أرهنك عبدي هذا بالفين فنقل حنبل عن احمد ان القرض باطل، وهو مذهب الشافعي لانه قرض يجر منفعة وهي الاستيثاق
بالالف الاول وإذا بطل القرض بطل الرهن فان قيل اليس لو شرط ان يعطيه رهنا بما يقترضه جاز؟ قلنا ليس هذا قرضا جر منفعة لان غاية ما حصل له تأكيد الاستيفاء لبدل ما اقرضه وهو مثله والقرض يقتضي وجوب الوفاء وفي مسئلتنا شرط في هذا القرض الاستيثاق لدينه الاول فقد شرط استيثاقا لغير موجب القرض.
ونقل مهنا ان القرض صحيح ولعل أحمد حكم بصحة القرض مع فساد الشرط كيلا يفضي إلى جر المنفعة بالقرض أو حكم بفساد الرهن في الالف الاول وحده.
ولو كان مكان القرض بيع فقال بعني عبدك هذا بألف على أن أرهنك عبدي به وبالالف الآخر الذي علي فالبيع باطل رواية واحدة لان الثمن مجهول لكونه جعله ألفا ومنفعة هي وثيقة بالالف الاول وتلك المنفعة مجهولة ولانه شرط عقد الرهن بالالف الاول فلم يصح كما لو أفرده أو كما لو باعه داره بشرط أو يبيعه الآخر داره (فصل) إذا فسد الرهن وقبضه المرتهن فلا ضمان عليه لانه قبضه بحكم أنه رهن وكل عقد كان صحيحا مضمونا أو غير مضمون ففاسده كذلك فان كان مؤقتا أو شرط أن يصير المرتهن بعد انقضاء
مدته صار بعد ذلك مضمونا لانه مقبوض بحكم بيع فاسد.
وحكم الفاسد من العقود حكم الصحيح في الضمان.
وإن كان أرضا فغرسها قبل انقضاء الاجل فهو كغرس الغاصب لانه غرس بغير إذن وإن غرس بعد الاجل وكان قد شرط أن الرهن يصير له فقد غرس باذن لان البيع قد تضمن الاذن وإن كان فاسدا فعلى هذا يكون مخيرا بين أن يقر غرسه له وبين أخذه بقيمته وبين أن يلزمه بقلعه ويضمن له ما نقص (فصل) إذا اشترى سلعة وشرط أن يرهنه بها شيئا من ماله أو شرط ضمينا فالبيع والشرط صحيح لانه من مصلحة العقد غير مناف لمقتضاه ولا نعلم في صحته خلافا إذا كان معلوما.
ومعرفة الرهن تحصل بالمشاهدة وبالصفة التي يعلم بها الموصوف كما في السلم ويتعين بالقبض.
والضمين يعلم بالاشارة إليه ويذكر اسمه ولا يصح بالصفة بأن يقول رجل غني من غير تعيين لان الصفة لا تأتي عليه، ولو قال بشرط رهن أو ضمين كان فاسدا لان ذلك يختلف وليس له عرف ينصرف إليه بالاطلاق.
ولو قال بشرط رهن أحد هذين العبدين أو يضمنني أحد هذين الرجلين لم يصح لان الغرض يختلف فلم يصح مع عدم التعيين كالبيع، وهذا مذهب الشافعي.
وحكي عن مالك وأبي ثور أنه يصح الرهن بالمجهول ويلزمه أن يدفع
إليه رهنا بقدر الدين لانه وثيقة فجاز شرطها مطلقا كالشهادة.
وقال أبو حنيفة إذا قال على أن أرهنك أحد هذين العبدين جاز لان بيعه جائز عنده ولنا أنه شرط رهنا مجهولا فلم يصح كما لو شرط رهن ما في كمه ولانه عقد يختلف فيه المعقود عليه فلم يصح مع الجهل كالبيع.
وفارق الشهادة فان لها عرفا في الشرع فحملت عليه والكلام مع أبي حنيفة قد مضى في البيع فان الخلاف فيه واحد، إذا ثبت هذا فان المشتري إن وفى بالشرط فسلم الرهن أو ضمن عنه الضامن لزم البيع.
وإن أبى تسليم الرهن أو أبى الضامن أن يضمن فللبائع الخيار بين فسخ البيع وامضائه والرضا به بلا رهن ولا ضمين فان رضي لزمه البيع، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي ولا يلزم المشتري تسليم الرهن، وقال مالك وأبو ثور يلزم الرهن إذا شرط في عقد البيع ويجبر عليه المشتري وإن وجده الحاكم دفعه إلى البائع لان عقد البيع وقع عليه أشبه الخيار والاجل، وقال القاضي ما عدا المكيل والموزون يلزم فيه الرهن بمجرد العقد وقد مضى الكلام فيه ولنا أنه رهن فلم يلزم قبل القبض كما لو لم يكن مشروطا في البيع أو كالمكيل والموزون وإنما لزم الخيار والاجل بالشرط لانه من توابع البيع لا ينفرد بنفسه والرهن عقد منفرد بنفسه ليس من التوابع ولان الخيار والاجل يثبت بالقول ولا يفتقر إلى تسليم فاكتفى في ثبوته مجرد القول بخلاف الرهن فأما الضمين فلا خلاف في أنه لا يلزمه الضمان إذ لا يلزمه شغل ذمته ووفاء دين غيره باشتراط غيره ولو وعده بأنه يضمن ثم لم يفعل لم يلزمه كما لو وعده أن يبيعه ثم امتنع ومتى لم يف للبائع بشرطه كان له الفسخ كما لو شرط له صفة في الثمن فلم يف بها
(فصل) ولو شرط رهنا أو ضمينا معينا فجاء بغيرهما لم يلزم البائع قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط مثل أن يأتي بأكثر قيمة من المشروط أو بضمان أوثق من المعين لانه عقد على معين فلم يلزمه قبول غيره كالبيع ولان الغرض يختلف بالاعيان فمنها ما يسهل بيعه ومنها ما هو أقل مؤنة وأسهل حفظا وبعض الذمم أملا من بعض وأسهل فلا يلزمه قبول غير المعين كسائر العقود
(فصل) فان تعيب الرهن أو استحال العصير خمرا قبل القبض فللبائع الخيار بين قبضه معيبا ورضاه بلا رهن فيما إذا تخمر العصير وبين فسخ البيع ورد الرهن.
وإن علم بالعيب بعد قبضه فكذلك وليس له مع امساكه أرش من اجل العيب لان الرهن انما لزم فيما حصل قبضه وهو الموجود والجزء الفائت لم يلزم تسليمه فلم يلزم الارش بدلا عنه بخلاف المبيع وإن تلف أو تعيب بعد القبض فلا خيار للبائع.
وان اختلفا في زمن حدوث العيب فان كان لا يحتمل الا قول أحدهما فالقول قوله من غير يمين لان اليمين انما يراد لرفع الاحتمال، وان احتمل قوليهما معا انبنى على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب وفيه روايتان فيكون ههنا وجهان (احدهما) القول قول الراهن وهو قول ابي حنيفة والشافعي لان الاصل صحة العقد ولزومه (والآخر) القول قول المرتهن وهو قياس قول الخرقي لانهما اختلفا في قبض المرتهن للجزء الفائت فكان القول قوله كما لو اختلفا في قبض جزء منفصل منه، وان اختلفا في زمن التلف فقال الراهن بعد القبض وقال المرتهن قبله فالقول قوله لانه منكر للقبض.
وان كان الرهن عصيرا فاستحال خمرا واختلفا في زمن استحالته فالقول قول الراهن نص عليه احمد.
وقال القاضي يخرج فيه رواية اخرى أن القول قول المرتهن كالاختلاف في البيع.
وهو قول أبي حنيفة لان الاصل عدم القبض كما لو اختلفا في زمن التلف
ولنا أنهما اتفقا على العقد والقبض واختلفا فيما يفسد به فكان القول قول من ينفيه كما لو اختلفا في شرط فاسد، وفارق اختلافهما في حدوث العيب من وجهين (أحدهما) أنهما اتفقا على القبض ههنا وثم اختلفا في قبض الجزء الفائت (الثاني) أنهما اختلفا ههنا فيما يفسد العقد والعيب بخلافه.
(فصل) ولو وجد بالرهن عيبا بعد ان حدث عنده عيب آخر فله رده وفسخ البيع لان العيب الحادث في ملك الراهن لا يلزم المرتهن ضمانه بخلاف البيع وخرجه القاضي على روايتين بناء على البيع فعلى قوله لا يملك الرد لا يملك الفسخ والصحيح ما ذكرناه، وان هلك الرهن في يد المرتهن ثم علم أنه كان معيبا لم يملك فسخ البيع لانه قد تعذر عليه رده.
فان قيل فالرهن غير مضمون ولهذا لا يمنع رده بحدوث العيب فيه قلنا انما تضمن قيمته لان العقد لم يقع على ملكه، وانما وقع على الوثيقة فهو مضمون بالوثيقة،
أما إذا تعيب فقد رده فيستحق بدل ما رده وههنا لم يرد شيئا، فلو اوجبنا له بدله لاوجبنا على الراهن غير ما شرط على نفسه.
(فصل) ولو لم يشرطا رهنا في البيع فتطوع المشتري برهن وقبضه البائع كان حكمه حكم الرهن المشروط في البيع الا انه إذا رده بعيب أو غيره لم يملك فسخ البيع (فصل) إذا تبايعا بشرط أن يكون المبيع رهنا على ثمنه لم يصح، قاله ابن حامد وهو قول الشافعي لان المبيع حين شرط رهنه لم يكن ملكا له وسواء شرط أنه يقبضه ثم يرهنه وشرط رهنه قبل قبضه وقد روي عن أحمد أنه قال: إذا حبس المبيع ببقية الثمن فهو غاصب ولايكون رهنا الا أن يكون شرطا
عليه في نفس البيع وهذا يدل على صحة الشرط لانه يصح بيعه فصح رهنه، وقال القاضي معنى هذه الرواية أنه شرط عليه في البيع رهنا غير المبيع فيكون له حبس المبيع حتى يقبض الرهن فان لم يف به فسخ البيع، وأما شرط رهن المبيع نفسه على ثمنه فلا يصح لوجوه (أحدها) أنه غير مملوك له (والثاني) أن البيع يقتضي ايفاء الثمن من غير المبيع (والثالث) ان البيع يقتضي ان يكون امساك المبيع مضمونا والرهن يقتضي أن لا يكون مضمونا (الرابع) ان البيع يقتضي تسليم المبيع أولا ورهن المبيع يقتضي أن لا يسلمه حتى يقبض الثمن وهذا تناقض في الاحكام، وظاهر الرواية صحة رهنه، قولهم انه غير مملوك قلنا انما شرط رهنه بعد ملكه، وقولهم البيع يقتضي ايفاء الثمن من غير المبيع ممنوع انما يقتضي ايفاء الثمن مطلقا، ولو تعذر وفاء الثمن من غير المبيع لا ستوفى من ثمنه، قولهم البيع يقتضي
تسليم المبيع قبل تسليم الثمن ممنوع وان سلم فلا يمنع أن يثبت بالشرط خلافه كما أن مقتضى البيع حلول الثمن ووجوب تسليمه في الحال ولو شرط التأجيل جاز، وكذلك مقتضى البيع ثبوت الملك في المبيع والتمكين من التصرف فيه وينتفي بشرط الخيار وهذا الجواب عن باقي الوجوه، فأما ان لم يشرط ذلك في البيع لكن رهنه عنده بعد البيع، فان كان بعد لزوم البيع فالاولى صحته لانه يصح رهنه عند غيره فصح عنده كغيره ولانه يصح رهنه على غير ثمنه فيصح رهنه على ثمنه، وان كان قبل لزوم البيع انبنى على جواز
التصرف في المبيع ففي كل موضع جاز التصرف فيه جاز رهنه ومالا فلا لانه نوع تصرف أشبه البيع
(فصل) قال الشيخ رحمه الله (وان اختلفا في قدر الدين أو رده أو قال أقبضتك عصيرا قال بل خمرا فالقول قول الراهن) إذا اختلفا في قدر الحق نحو أن يقول الراهن رهنتك عبدي بألف فقال المرتهن بل بألفين فالقول قول الراهن وبه قال النخعي والثوري والشافعي والبتي وأبو ثور وأصحاب الرأي، وحكي عن الحسن وقتادة أن القول قول المرتهن ما لم يجاوز ثمن الرهن أو قيمته ونحوه قول مالك لان الظاهر أن الرهن يكون بقدر الحق.
ولنا أن الراهن منكر للزيادة التي يدعيها المرتهن والقول قول المنكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو
يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " رواه مسلم ولان الاصل براءة الذمة من هذه الالف فكان القول قول من ينفيها كما لو اختلفا في اصل الدين، وما ذكروه من الظاهر غير مسلم فان العادة رهن الشئ باقل من قيمته، إذا ثبت هذا فان القول قول الراهن في قدر ما رهنه سواء اتفقا على أنه رهنه بجميع الدين أو اختلفا، فلو اتفقا على أن الدين الفان وقال الراهن انما رهنتك بأحد الالفين وقال المرتهن انما رهنتني بهما فالقول قول الراهن مع يمينه لانه ينكر تعلق حق المرتهن في أحد الالفين بعبده والقول قول المنكر، وان اتفقا على أنه رهن باحد الالفين، وقال الراهن رهنته بالمؤجل، وقال المرتهن بل بالحال فالقول قول الراهن مع يمينه لانه منكر،
ولان القول قوله في أصل الرهن فكذلك في صفته هذا ان لم تكن بينة.
فان كان لاحدهما بينة حكم له بها وجها واحدا وإن اختلفا في قدر الرهن فقال رهنتك هذا العبد فقال بل هو والعبد الآخر فالقول قول الراهن لانه منكر ولا نعلم في هذا خلافا، وان قال رهنتك هذا العبد قال بل هذه الجارية خرج العبد من الرهن لاعتراف المرتهن بانه لم يرهنه وحلف الراهن على أنه ما رهنه الجارية
وخرجت من الرهن أيضا.
(فصل) وان اختلفا في رد الرهن إلى الراهن فالقول قوله لانه منكر والاصل معه، وكذلك الحكم في المستأجر إذا ادعى رد العين المستأجرة، وقال أبو الخطاب يتخرج فيهما وجه آخر أن القول قول المرتهن والمستأجر في الرد بناء على المضارب والوكيل بجعل فان فيهما وجهين، والفرق بينهما وبين المرتهن ان المرتهن قبض العين لينتفع بها، وكذلك المستأجر والوكيل قبض العين لينتفع بالجعل لا بالعين والمضارب قبضها لينتفع بربحها لا بها، وان اختلفا في تلف العين فالقول قول المرتهن مع يمينه لان يده يد أمانة ويتعذر عليه إقامة البينة على التلف فقبل قوله فيه كالمودع، فان اتلفها المرتهن أو تلفت بتفريطه واختلفا في القيمة فالقول قول المرتهن مع يمينه لانه غارم لا نعلم في ذلك خلافا
(فصل) وإن قال الراهن رهنتك عصيرا قال بل خمرا فالقول قول الراهن يريد إذا كان الرهن شرط في البيع فقال الراهن رهنتك عصيرا فليس لك فسخ البيع، وقال المرتهن بل رهنتني خمرا فلي فسخ البيع فالقول قول الراهن نص عليه أحمد لانهما اختلفا فيما يفسد العقد فكان القول قول من ينفيه وقد ذكرنا ذلك (فصل) وإذا قال بعتك هذا الثوب على أن ترهنني بثمنه عبديك هذين، قال بل على رهن هذا وحده فحكى القاضي فيها روايتين (إحداهما) يتحالفان لانهما اختلفا في البيع فهو كالاختلاف في الثمن (والثانية) القول قول الراهن لانه منكر لشرط رهن العبد المختلف فيه والقول قول المنكر وهذا أصح (فصل) وإن قال أرسلت وكيلك فرهنني عبدك هذا على عشرين وقبضها قال ما أمرته إلا بعشرة ولا قبضت إلا عشرة سئل الرسول، فان صدق الراهن فعليه اليمين أنه ما رهنه إلا بعشرة ولا قبض إلا عشرة ولا يمين على الراهن لان الدعوى على غيره، فإذا حلف الوكيل برئا جميعا، وإن نكل فعليه العشرة المختلف فيها ولا يرجع بها على أحد لانه يصدق الراهن في انه ما أخذها ولا امره بأخذها وانما المرتهن ظلمه، وإن صدق المرتهن وادعى أنه سلم العشرين إلى الراهن فالقول قول الراهن مع يمينه، فان نكل قضى عليه بالعشرة وتدفع إلى المرتهن، وإن حلف برئ وعلى الوكيل غرامة العشرة
للمرتهن لانه يزعم أنها حق له وانما الراهن ظلمه، فان عدم الوكيل وتعذر احلافه فعلى الراهن اليمين أنه ما أذن في رهنه الا بعشرة ولا قبض أكثر منها ويبقى الرهن بعشرة (فصل) إذا كان على رجل ألفان أحدهما برهن والآخر بغير رهن فقضى ألفا وقال قضيت دين الرهن وقال المرتهن بل قضيت الدين الآخر فالقول قول الراهن مع يمينه سواء اختلفا في نية الراهن أو في لفظه لانه أعلم بنيته وصفة دفعه، ولانه يقول الدين الباقي بلا رهن والقول قوله في أصل الرهن فكذلك في صفته، وان أطلق القضاء ولم ينو شيئا فقال أبو بكر له صرفها إلى أيهما شاء كما لو كان له مال حاضر وغائب فأدى قدر زكاة أحدهما فان له أن يعين عن أي المالين شاء وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يقع الدفع عن الدينين معا عن كل واحد نصفه لانهما تساويا في القضاء فتساويا في وقوعه عنهما، فأما إن أبرأه المرتهن من أحد الدينين واختلفا فالقول قول المرتهن على التفصيل الذي ذكرناه في الرهن.
ذكره أبو بكر (فصل) إذا اتفق المتراهنان على قبض العدل للرهن لزم الرهن في حقهما ولم يضر انكاره لان الحق لهما وان قال أحدهما قبضه العدل فأنكر الآخر فالقول قول المنكر كما لو اختلفا في قبض المرتهن فان أشهد العدل بالقبض لم تقبل شهادته لانها شهادة الوكيل لموكله فيما هو وكيل فيه (فصل) إذا كان في يد رجل عبد فقال رهنتني عبدك هذا بألف فقال بل غصبته أو استعرته
فالقول قول السيد سواء اعترف بالدين أو جحده لان الاصل عدم الرهن.
وان قال السيد بعتك عبدي هذا بألف قال بل رهنته عندي بها فالقول قول كل واحد منهما في العقد الذي ينكره ويأخذ السيد عبده.
وان قال رهنتكه بألف أقرضتنيه قال بل بعتنيه بألف قبضته مني ثمنا فكذلك ويرد صاحب العبد الالف ويأخذ عبده.
(فصل) وإذا ادعى على رجلين فقال رهنتماني عبدكما بديني عليكما فأنكراه فالقول قولهما فان شهد كل واحد منهما على صاحبه قبلت شهادته وللمرتهن أن يحلف مع كل واحد منهما ويصير جميعه رهنا
أو يحلف مع أحدهما ويصير نصيب الآخر رهنا وان أقر أحدهم اثبت في حقه وحده.
وان شهد المقر على المنكر قبلت شهادته لانه لا يجلب لنفسه نفعا ولا يدفع عنها، وبهذا قال أصحاب الشافعي.
وقال بعضهم إذا أنكرا جميعا ففي شهادتهما نظر لان المشهود له يدعي أن كل واحد منهما ظالم له بجحوده حقه من الرهن ومتى طعن المشهود له في شهوده لم تقبل شهادتهم له.
قلنا هذا لا يصح فان إنكار الدعوى لا يثبت به فسق المدعى عليه وان كان الحق عليه لجواز أن ينسى أو يلحقه شبهة فيما يدعيه أو ينكره ولذلك لو تداعى رجلان شيئا وتخاصما فيه ثم شهدا عند الحاكم بشئ لم يرد شهادتهما وان كان أحدهما كاذبا ولو ثبت الفسق بذلك لم يجز قبول شهادتهما جميعا مع تحقق الجرح في أحدهما (فصل) وإذا ادعى رجلان على رجل أنه رهنهما عبده وقال كل واحد منهما رهنه عندي دون
صاحبي فأنكرهما فالقول قوله وان أنكر أحدهما وصدق الآخر سلم إلى من صدقه وحلف للآخر.
وان قال لا أعلم المرتهن منهما حلف على ذلك والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه وان كان في أيديهما حلف كل واحد منهما على نصفه وصار رهنا عنده.
وإن كان في يد غيرهما أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذه كما لو ادعيا ملكه وإن قال رهنته عند احدهما ثم رهنته عند الآخر ولا أعلم السابق منهما فكذلك.
وإن قال هذا هو السابق بالعقد والقبض سلم إليه وحلف الآخر وان نكل والعبد في يد الاول أو يد غيره فعليه قيمته للثاني كما لو قال هذا العبد لزيد وغصبته من عمرو فانه يسلم إلى زيد ويغرم قيمته لعمرو.
وإن نكل والعبد في يد الثاني أقر في يده وغرم قيمته للاول لانه أقر له بعد ما فعل ما حال بينه وبين من أقر له به فلزمته قيمته كما قلنا، وقال القاضي إذا اعترف لغير من هو في يده فهل يرجح صاحب اليد أو المقر له؟ على وجهين.
ولو اعترف لاحدهما وهو في يديهما ثبتت يد المقر له في النصف وفي النصف الآخر وجهان
الكلمات المفتاحية :
الفقه الحنبلي
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: