عدالة الله ..قد ترث البنت اكثر من حظ الذكرين !!!
الدكتور وليد مصطفى شاويش
كثر الحديث حول مساواة الذكر بالأنثى في الميراث في الفكر اللاديني، فربما يظن أحدهم أن المساواة في الميراث هي إنصاف للمرأة، ولكنها في الحقيقة هي
غصب لحقوقها الشرعية، فهناك أحوال في الميراث تأخذ الأنثى ثلاثة أضعاف الذكر، والمساواة هنا ظلم لها، وتصبح مقولة عدو عاقل خير من صديق جاهل مقولة في محلها، وحول هذا الموضوع جرى الحوار الآتي:
أبو أحمد: مات ولدي أحمد رحمه الله وترك 12000 دينار، فما قسمة هذه التركة أخ وليد؟
وليد: هل له زوجة؟ أولاد..؟ أم…
أبو أحمد : ترك زوجة، وبنتا رضيعة، وأما وأبا وهو أنا.
وليد: للزوجة الثُّمن: وهو 1500 دينار، ولأمه السدس: وهو 2000 دينار، ولك أيضا السدس: 2000 دينار، وللرضيعة النصف: 6000 دينار، وما زاد بعد ذلك فهو لك.
أبو أحمد: معقول أنا من ربيت وكبرت وعلمت في الجامعات، وأنفقت آخذ أقل من الرضيعة، والرضيعة تأخذ ثلاثة أضعاف والد المتوفى؟ وهي لم تقدم شيئا ولم تنفق مثلما أنفقتُ؟
أم أحمد: وأنا الذي سهرت الليالي في تربية ولدي وتمريضه، وتشجيعه على العمل والدراسة…، لقد حملته تسعة أشهر في بطني، وأرضعته، وكبرته ساعة بساعة، تأخذ هذه الرضيعة ثلاثة أضعاف الأم، أين المساواة بين النساء على الأقل، أين العدالة؟
زوجة أحمد: وأنا أيضا عشت مع أحمد في فقره وقهره، ومعاناته، يصبح نصيبي الثمُن، وهذه الرضيعة لم تبذل شيئا مع أبيها في تحصيل هذه الثروة، بل كانت عالة عليّ وعلى أبيها، وأنا أمها وهي تأخذ أكثر مني، بل تأخذ النصف، وأبو أحمد وأم أحمد وزوجة أحمد يأخذون جميعا النصف الباقي، هل أنت متأكد أخ وليد من هذه القسمة، نعلم أن شرعنا عقلاني!!! وهل يمكن أن تكون القسمة هذه من شرع يؤمن بالعقل؟ فالشرع هنا لم يساو بين النساء والنساء، ولا بين الرجال والنساء.
وليد: وهذا دليل على أن قسمة الميراث الشرعية لا تخضع شرعا للذكورة ولا للأنوثة، لأن الشرع لا يتأثر بحالة الصراع النفسي والتاريخي في الفكر اللاديني الذي كان نتيجة صراع مع الكنيسة، لاعتبارات الذكورة والأنوثة، ولم يكن هناك صراع في مجتمع الصحابة عندما أعطيت الأنثى ثلاثة أضعاف الأب، مع أن مجتمعهم القريب من البداوة كان يفرض أنهم يتساءلون عن هذه القسمة، ولكن بسبب عظمة إيمانهم بعدل الله تعالى وحكمته لم يثيروا هذه المسائل، بل انشغلوا بالعمل الجاد في بناء الأمة وإعلاء كلمتها، وهجروا الجاهلية بكل ما فيها من عادات عاشوا عليها، استجابة لأمر الله ورسوله، فكان تسلميهم ليس بغير عقل بل بإيمان عميق بالحق من عند الله تعالى.
أم أحمد: هذا يعني أن الصحابة الذين كان منهم مَن يرث زوجة أبيه ويدفن ابنته حية، أصبحوا مؤمنين بقسمة الميراث، وهو أن تأخذ البنت أكثر من جدها بثلاثة أضعاف، مع أنها كانت تُـحرَم من الميراث في الجاهلية، فهم قطعوا علائقهم بالجاهلية تماما، ولم تكن قسمة الميراث محل شكوك في المجتمع، بالرغم من أنهم حديثي عهد بجاهلية، لعمق إيمانهم بأن العدل هو في حكم الله تعالى، وهذا الإيمان هو الذي جعلهم مشغولين بالعمل الجاد، واستطاعوا بناء أمة عظيمة، ولو انشغلوا بالشكوك والأوهام –كما يفعل بعض المسلمين اليوم-لَـمــا استطاعوا أن يَـبْـنوا حضارة عظيمة.
أبو أحمد: نحن نسلم بقِسْمة الله تعالى، ولو أن الله تعالى قال ليس للرجل ميراث فهو العدل والحكمة، لأن الله أعلم منا وأحكم، ولكن أليس في ذلك حكمة يمكن أن تظهر لعقولنا في تفضيل الله تعالى البنت على جدها الذكر وجدتها وأمها في الميراث.
وليد: نعم هناك حكمة قد تظهر أحيانا لنا، وقد تغيب عنا أحيانا، وتكون الحكمة الإلهية في اختبار الناس وابتلائهم، هل يؤمنون بحكم الله تعالى إذا لم تظهر لهم العلة والحكمة، والابتلاء بتنفيذ الأمر الذي لا تظهر علته للناس أمر حاصل في الشريعة فقد ابتلى الله تعالى إبراهيم بذبح ولده، ولا يوجد في ذلك مصلحة ظاهرة يدركها العقل، وقد هَـمَّ إبراهيم بالأمر، ولكن الله تعالى افتدى ولده بكبش عظيم، وبين الله تعالى إيمان إبراهيم وولده وهاجر عليهم السلام للناس ليقتدوا بهم في التسليم لله تعالى، وهذا الابتلاء بذبح الولد أعظم ابتلاء من قسمة الميراث بين الذكر والأنثى، فالله تعالى يبتلينا أخي أبا أحمد هل نمتثل أمره أم لا، وهذا هو الإيمان.
أبو أحمد: آمنا بالله تعالى، وأن قسمته هي العدل، ولو قال الشرع : لا ميراث لي والميراث كله للصغيرة، فهذا هو عدل الله تعالى وآمنت به، لأن الله عادل فنحن لا نعرف العدل إلا بعد أن يرِد به الشرع، فالشرع حاكم علينا ولسنا حاكمين عليه، وهكذا نكون قد نجحنا في الاختبار الإلهي بالتسليم لله تعالى ولما جاء عن رسوله، ولكن أخي وليد، قال إبراهيم عليه السلام: (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
وليد: نعم هذا صحيح أننا نؤمن أن أمر الله تعالى هو لحكمة، ولكن يجب أن يكون الإيمان بما أنزل الله تعالى أولا، وهو الإسلام لله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125) سورة النساء، فهذا هو الإيمان؛ لأنه لا يُعقل أن نجعل الدين قناعات شخصية خاصة، بدلا من الإيمان الصادق بالله تعالى وشرعه، ونحن لا نستطيع أن نحارب الشكوك لكل شخص، بل يكفي أن نعظم الإيمان في قلبه، ثم ينطلق بعد ذلك على بينة من الإيمان في البناء والتعمير وتقوية دعائم الأمة، بدلا من أن يبقى أسير الشكوك والأوهام بسبب ضعف إيمانه بالله تعالى وكتابه.
أم أحمد: نسمع في كتاب الله تعالى قوله: يعقلون، يتفكرون، الألباب…، فهل هناك أمر معقول في هذه القسمة نزداد به إيمانا على إيماننا بما جاءنا من الله تعالى.
زوجة أحمد: وهذا ما نقرأه في كتاب الله تعالى دائما، ومع أننا مسلمون وراضون بقسمة العليم الحكيم، لكننا نشعر أن ديننا هو دين العلم والحكمة، ونحن نسأل عن الحكمة ليس –لا قدر الله – اعتراضا على أمر الله تعالى، بل نريد أن نكشف عن حكمة الله تعالى لنزداد إيمانا على إيماننا، ونحن مؤمنون ولو لم تظهر لنا الحكمة، خصوصا أنه يشيع بيننا أن الشرع أعطى للذكر مثل حظ الأنثيين، وهنا نرى أن الشرع، أعطى البنت ثلاثة أضعاف جدها الذكر، وهذا يعني أن قسمة الشرع لا تخضع للذكورة ولا للأنوثة حسبما تتوهم طائفة اللادينيين.
وليد: نعم هذا صحيح لأن الشرع تعنيه رعاية مصالح الخلق، فلم يقسِّم الشرع الميراث خضوعا ا لانثى ولا لذكر، فيعطي الشرع أحدهما أحيانا مثل الآخر، مثل الجد والجدة هنا، وأحيانا يعطي الذكر أكثر من الأنثى مثل الأبناء والبنات، وأحيانا يفضل الأنثى على الذكر مثل الجد والبنت في مثالنا هذا، وقد أعطى الشرع الصغيرة أكثر من الجد، فهي ضعيفة مقبلة على الحياة قدرتها على الكسب أقل من غيرها غالبا، وهي بحاجة لطعام وكساء وتعليم ولا مال لها إلا مال أبيها، بخلاف الآخرين، فلا يخلوا حالهم من مال خاص لهم، وأنهم لهم قدرة على الكسب.
زوجة أحمد: إذا كان الأمر بهذه الحكمة الرائعة المعقولة، فلماذا لا نسمع إلا مقولة للذكر مثل حظ الأنثيين، حتى أصبحت وكأنها هي القانون الوحيد في الشريعة، ولم يذكر أحد أن في الشريعة أن للأنثى مثل حظ الثلاثة ذكور؟! وهذا أمر غريب!
وليد: مع الأسف أصغى بعض شباب المسلمين لدعاوى الملحدين من مقلدة الغرب، وهؤلاء ليس هدفهم أنثى ولا ذكر، بل هدم قواعد المجتمع الإسلامي، فأثاروا هذه القضايا، لأنها تخدمهم في إثارة الشكوك حول القرآن الكريم، وهؤلاء لا يعنيهم إظهار مثل هذه المسألة التي تأخذ فيها الأنثى ثلاثة أضعاف الذكر، فإما أنهم جهلة ولا يؤخذ منهم، أو أنهم يعلمون ولكنهم كبني إسرائيل يبدون شيئا ويخفون كثيرا، ولو أنهم يعتقدون أن القرآن من عند الله تعالى وأن الله عليم حكيم، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ صادق عن الله تعالى، وأن الله تعالى يعلم واقعنا المعاصر عند نزول الآيات، ما اتهموا قسمة الله تعالى بالظلم، وادعوا العدل لأنفسهم، وجعلوا أنفسهم أعلم من الله وأحكم.
أبو أحمد: ولكن ما سبب انتشار هذه القناعات المعاندة للشرع بين بعض الفئات في مجتمعنا؟
وليد: قامت هذه القناعات على النظرة السطحية في الفكر اللاديني الذي ينظر للإنسان مجردا عن الإيمان بالسماء والرسل والغيب، ونظر للأسرة على أنها وحدة اقتصادية بسبب شراستهم المادية، وتوحشهم الرأسمالي، فنظروا نظرة اقتصادية بيولوجية للإنسان، وظنوا أنهم بهذه المساواة يتحررون من العقدة التي أشاعتها الكنيسة ضد المرأة، فما زالت العقدة من الدين الباطل والمرأة هي المهيمنة على الفكر اللاديني اليوم، ونحن لا علاقة لنا بهذه العقدة النفسية والاقتصادية، نحن المسلمين آمنا بربنا ورسولنا، وأن أحكام الله تعالى عادلة، وعلينا أن لا ننشغل بما تنشره طائفة اللادينيين من وساوس وهلوسات، وعلينا أن ننطلق نحوة العمل والتطبيق لأن الصراع مع الدين مشكلتهم، أما مشكلتنا نحن فهي الفقر، والمرض، والتخلف البحثي والعلمي وتأخر الإنتاج الاقتصادي النوعي، هذا الذي جعلنا عالة على غيرنا، وجعل غيرنا لا يخشى من سب نبينا والطعن في ديننا، وتم استنزاف المسلمين بهذه الشكوك، ولكن علينا أن نجمع الكلمة وأن نوحد الصف، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، حتى لا يصبح أولادنا طعاما لسمك البحر المتوسط، في عالم يضيق بالفقير والضعيف.
أم أحمد: لا ننسى أن المساواة بين الرجل والمرأة تعنى حرمان المرأة من حقوقها الشرعية، وهي النفقة والمهر، وهذا يعني أنها يجب أن تخرج من بيتها بحثا عن الرزق ولو على حساب آخرتها وطاعتها لربها، في رعاية الأبناء وحفظهم من الضياع والوقوع في الجريمة والمخدرات، وماذا يمكن أن تكسب المرأة والرجل إذا خسِرا أولادهما، فلا بد من إظهار تكامل الرجل والمرأة في الإسلام، لا أن يصبحا خصمين متناقضَين كما هو الحال في الفكر اللاديني.
زوجة أحمد: هناك ما هو أهم من أي قسمة مالية، وهو إيمان المرأة المسلمة بربها ونبيها، فماذا تكسب المرأة المسلمة إذا طعنت في كلام ربها ونبيها، وخسرت آخرتها، وتولّت قوما غضب عليهم يجحدون أحكام الله ورسوله، ولو كان فيهم خير لنفعوا أنفسهم، كيف وقد طعن اللادينيون في كلام الله ورسوله، وظلموا المرأة، بحرمانها من حقوقها الشرعية في الإيمان بربها والمهر والنفقة والميراث عندما يكون أكثر من الرجل بحجة المساواة المزيفة، حيث يحتال الرجل الكسول على المرأة في إسقاط هذا الواجبات التي أمره الله تعالى بتحملها تجاه المرأة ، فاستباح الرجل الكسول المرأة بلا مهر ولا نفقة، ثم تتحمل المرأة رعاية الأولاد بطبيعة أمومتها الحانية أكثر من ذلك الرجل الكسول الذي ألقى بواجباته على المرأة بخدعة المساواة، وقد آن الأوان لإبراز الحقوق الشرعية المتكاملة للرجل والمرأة والطفل، والعامل، والوالدين، ولن تنهض أمتنا وتصنع وتنتج إلا بصلاح الرجل والمرأة، ولن يصلحا على غير هدي ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم.
وليد: وهناك أمر مهم لا بد من الإشارة إليه، وهو أنه لا يمكن أن ننظر إلى أحكام الشرع من زواية مصلحية دنيوية خاصة، بل الشرع يقرر الأحكام بصفة متكاملة مع بعضها، فلا يمكن النظر إلى قسمة الميراث دون النظر إلى النظام المالي في إيجاب النفقة والمهر على الرجل، إذا الشرع كله مجموع متكامل لا يمكن فصل نظام الأسرة عن النظام الاقتصادي، ولا عن العقيدة التي يثبت فيها العقل القاطع العلم والحكمة لله تعالى، وأنه لا توجد مصلحة دنيوية أقرتها الشريعة إلا ولها امتداد مصلحة أخرى في الآخرة، وهي رضا الله تعالى وطاعة في أمره بتحقيق الاستخلاف في الأرض.
كثر الحديث حول مساواة الذكر بالأنثى في الميراث في الفكر اللاديني، فربما يظن أحدهم أن المساواة في الميراث هي إنصاف للمرأة، ولكنها في الحقيقة هي
غصب لحقوقها الشرعية، فهناك أحوال في الميراث تأخذ الأنثى ثلاثة أضعاف الذكر، والمساواة هنا ظلم لها، وتصبح مقولة عدو عاقل خير من صديق جاهل مقولة في محلها، وحول هذا الموضوع جرى الحوار الآتي:
أبو أحمد: مات ولدي أحمد رحمه الله وترك 12000 دينار، فما قسمة هذه التركة أخ وليد؟
وليد: هل له زوجة؟ أولاد..؟ أم…
أبو أحمد : ترك زوجة، وبنتا رضيعة، وأما وأبا وهو أنا.
وليد: للزوجة الثُّمن: وهو 1500 دينار، ولأمه السدس: وهو 2000 دينار، ولك أيضا السدس: 2000 دينار، وللرضيعة النصف: 6000 دينار، وما زاد بعد ذلك فهو لك.
أبو أحمد: معقول أنا من ربيت وكبرت وعلمت في الجامعات، وأنفقت آخذ أقل من الرضيعة، والرضيعة تأخذ ثلاثة أضعاف والد المتوفى؟ وهي لم تقدم شيئا ولم تنفق مثلما أنفقتُ؟
أم أحمد: وأنا الذي سهرت الليالي في تربية ولدي وتمريضه، وتشجيعه على العمل والدراسة…، لقد حملته تسعة أشهر في بطني، وأرضعته، وكبرته ساعة بساعة، تأخذ هذه الرضيعة ثلاثة أضعاف الأم، أين المساواة بين النساء على الأقل، أين العدالة؟
زوجة أحمد: وأنا أيضا عشت مع أحمد في فقره وقهره، ومعاناته، يصبح نصيبي الثمُن، وهذه الرضيعة لم تبذل شيئا مع أبيها في تحصيل هذه الثروة، بل كانت عالة عليّ وعلى أبيها، وأنا أمها وهي تأخذ أكثر مني، بل تأخذ النصف، وأبو أحمد وأم أحمد وزوجة أحمد يأخذون جميعا النصف الباقي، هل أنت متأكد أخ وليد من هذه القسمة، نعلم أن شرعنا عقلاني!!! وهل يمكن أن تكون القسمة هذه من شرع يؤمن بالعقل؟ فالشرع هنا لم يساو بين النساء والنساء، ولا بين الرجال والنساء.
وليد: وهذا دليل على أن قسمة الميراث الشرعية لا تخضع شرعا للذكورة ولا للأنوثة، لأن الشرع لا يتأثر بحالة الصراع النفسي والتاريخي في الفكر اللاديني الذي كان نتيجة صراع مع الكنيسة، لاعتبارات الذكورة والأنوثة، ولم يكن هناك صراع في مجتمع الصحابة عندما أعطيت الأنثى ثلاثة أضعاف الأب، مع أن مجتمعهم القريب من البداوة كان يفرض أنهم يتساءلون عن هذه القسمة، ولكن بسبب عظمة إيمانهم بعدل الله تعالى وحكمته لم يثيروا هذه المسائل، بل انشغلوا بالعمل الجاد في بناء الأمة وإعلاء كلمتها، وهجروا الجاهلية بكل ما فيها من عادات عاشوا عليها، استجابة لأمر الله ورسوله، فكان تسلميهم ليس بغير عقل بل بإيمان عميق بالحق من عند الله تعالى.
أم أحمد: هذا يعني أن الصحابة الذين كان منهم مَن يرث زوجة أبيه ويدفن ابنته حية، أصبحوا مؤمنين بقسمة الميراث، وهو أن تأخذ البنت أكثر من جدها بثلاثة أضعاف، مع أنها كانت تُـحرَم من الميراث في الجاهلية، فهم قطعوا علائقهم بالجاهلية تماما، ولم تكن قسمة الميراث محل شكوك في المجتمع، بالرغم من أنهم حديثي عهد بجاهلية، لعمق إيمانهم بأن العدل هو في حكم الله تعالى، وهذا الإيمان هو الذي جعلهم مشغولين بالعمل الجاد، واستطاعوا بناء أمة عظيمة، ولو انشغلوا بالشكوك والأوهام –كما يفعل بعض المسلمين اليوم-لَـمــا استطاعوا أن يَـبْـنوا حضارة عظيمة.
أبو أحمد: نحن نسلم بقِسْمة الله تعالى، ولو أن الله تعالى قال ليس للرجل ميراث فهو العدل والحكمة، لأن الله أعلم منا وأحكم، ولكن أليس في ذلك حكمة يمكن أن تظهر لعقولنا في تفضيل الله تعالى البنت على جدها الذكر وجدتها وأمها في الميراث.
وليد: نعم هناك حكمة قد تظهر أحيانا لنا، وقد تغيب عنا أحيانا، وتكون الحكمة الإلهية في اختبار الناس وابتلائهم، هل يؤمنون بحكم الله تعالى إذا لم تظهر لهم العلة والحكمة، والابتلاء بتنفيذ الأمر الذي لا تظهر علته للناس أمر حاصل في الشريعة فقد ابتلى الله تعالى إبراهيم بذبح ولده، ولا يوجد في ذلك مصلحة ظاهرة يدركها العقل، وقد هَـمَّ إبراهيم بالأمر، ولكن الله تعالى افتدى ولده بكبش عظيم، وبين الله تعالى إيمان إبراهيم وولده وهاجر عليهم السلام للناس ليقتدوا بهم في التسليم لله تعالى، وهذا الابتلاء بذبح الولد أعظم ابتلاء من قسمة الميراث بين الذكر والأنثى، فالله تعالى يبتلينا أخي أبا أحمد هل نمتثل أمره أم لا، وهذا هو الإيمان.
أبو أحمد: آمنا بالله تعالى، وأن قسمته هي العدل، ولو قال الشرع : لا ميراث لي والميراث كله للصغيرة، فهذا هو عدل الله تعالى وآمنت به، لأن الله عادل فنحن لا نعرف العدل إلا بعد أن يرِد به الشرع، فالشرع حاكم علينا ولسنا حاكمين عليه، وهكذا نكون قد نجحنا في الاختبار الإلهي بالتسليم لله تعالى ولما جاء عن رسوله، ولكن أخي وليد، قال إبراهيم عليه السلام: (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).
وليد: نعم هذا صحيح أننا نؤمن أن أمر الله تعالى هو لحكمة، ولكن يجب أن يكون الإيمان بما أنزل الله تعالى أولا، وهو الإسلام لله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (125) سورة النساء، فهذا هو الإيمان؛ لأنه لا يُعقل أن نجعل الدين قناعات شخصية خاصة، بدلا من الإيمان الصادق بالله تعالى وشرعه، ونحن لا نستطيع أن نحارب الشكوك لكل شخص، بل يكفي أن نعظم الإيمان في قلبه، ثم ينطلق بعد ذلك على بينة من الإيمان في البناء والتعمير وتقوية دعائم الأمة، بدلا من أن يبقى أسير الشكوك والأوهام بسبب ضعف إيمانه بالله تعالى وكتابه.
أم أحمد: نسمع في كتاب الله تعالى قوله: يعقلون، يتفكرون، الألباب…، فهل هناك أمر معقول في هذه القسمة نزداد به إيمانا على إيماننا بما جاءنا من الله تعالى.
زوجة أحمد: وهذا ما نقرأه في كتاب الله تعالى دائما، ومع أننا مسلمون وراضون بقسمة العليم الحكيم، لكننا نشعر أن ديننا هو دين العلم والحكمة، ونحن نسأل عن الحكمة ليس –لا قدر الله – اعتراضا على أمر الله تعالى، بل نريد أن نكشف عن حكمة الله تعالى لنزداد إيمانا على إيماننا، ونحن مؤمنون ولو لم تظهر لنا الحكمة، خصوصا أنه يشيع بيننا أن الشرع أعطى للذكر مثل حظ الأنثيين، وهنا نرى أن الشرع، أعطى البنت ثلاثة أضعاف جدها الذكر، وهذا يعني أن قسمة الشرع لا تخضع للذكورة ولا للأنوثة حسبما تتوهم طائفة اللادينيين.
وليد: نعم هذا صحيح لأن الشرع تعنيه رعاية مصالح الخلق، فلم يقسِّم الشرع الميراث خضوعا ا لانثى ولا لذكر، فيعطي الشرع أحدهما أحيانا مثل الآخر، مثل الجد والجدة هنا، وأحيانا يعطي الذكر أكثر من الأنثى مثل الأبناء والبنات، وأحيانا يفضل الأنثى على الذكر مثل الجد والبنت في مثالنا هذا، وقد أعطى الشرع الصغيرة أكثر من الجد، فهي ضعيفة مقبلة على الحياة قدرتها على الكسب أقل من غيرها غالبا، وهي بحاجة لطعام وكساء وتعليم ولا مال لها إلا مال أبيها، بخلاف الآخرين، فلا يخلوا حالهم من مال خاص لهم، وأنهم لهم قدرة على الكسب.
زوجة أحمد: إذا كان الأمر بهذه الحكمة الرائعة المعقولة، فلماذا لا نسمع إلا مقولة للذكر مثل حظ الأنثيين، حتى أصبحت وكأنها هي القانون الوحيد في الشريعة، ولم يذكر أحد أن في الشريعة أن للأنثى مثل حظ الثلاثة ذكور؟! وهذا أمر غريب!
وليد: مع الأسف أصغى بعض شباب المسلمين لدعاوى الملحدين من مقلدة الغرب، وهؤلاء ليس هدفهم أنثى ولا ذكر، بل هدم قواعد المجتمع الإسلامي، فأثاروا هذه القضايا، لأنها تخدمهم في إثارة الشكوك حول القرآن الكريم، وهؤلاء لا يعنيهم إظهار مثل هذه المسألة التي تأخذ فيها الأنثى ثلاثة أضعاف الذكر، فإما أنهم جهلة ولا يؤخذ منهم، أو أنهم يعلمون ولكنهم كبني إسرائيل يبدون شيئا ويخفون كثيرا، ولو أنهم يعتقدون أن القرآن من عند الله تعالى وأن الله عليم حكيم، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ صادق عن الله تعالى، وأن الله تعالى يعلم واقعنا المعاصر عند نزول الآيات، ما اتهموا قسمة الله تعالى بالظلم، وادعوا العدل لأنفسهم، وجعلوا أنفسهم أعلم من الله وأحكم.
أبو أحمد: ولكن ما سبب انتشار هذه القناعات المعاندة للشرع بين بعض الفئات في مجتمعنا؟
وليد: قامت هذه القناعات على النظرة السطحية في الفكر اللاديني الذي ينظر للإنسان مجردا عن الإيمان بالسماء والرسل والغيب، ونظر للأسرة على أنها وحدة اقتصادية بسبب شراستهم المادية، وتوحشهم الرأسمالي، فنظروا نظرة اقتصادية بيولوجية للإنسان، وظنوا أنهم بهذه المساواة يتحررون من العقدة التي أشاعتها الكنيسة ضد المرأة، فما زالت العقدة من الدين الباطل والمرأة هي المهيمنة على الفكر اللاديني اليوم، ونحن لا علاقة لنا بهذه العقدة النفسية والاقتصادية، نحن المسلمين آمنا بربنا ورسولنا، وأن أحكام الله تعالى عادلة، وعلينا أن لا ننشغل بما تنشره طائفة اللادينيين من وساوس وهلوسات، وعلينا أن ننطلق نحوة العمل والتطبيق لأن الصراع مع الدين مشكلتهم، أما مشكلتنا نحن فهي الفقر، والمرض، والتخلف البحثي والعلمي وتأخر الإنتاج الاقتصادي النوعي، هذا الذي جعلنا عالة على غيرنا، وجعل غيرنا لا يخشى من سب نبينا والطعن في ديننا، وتم استنزاف المسلمين بهذه الشكوك، ولكن علينا أن نجمع الكلمة وأن نوحد الصف، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، حتى لا يصبح أولادنا طعاما لسمك البحر المتوسط، في عالم يضيق بالفقير والضعيف.
أم أحمد: لا ننسى أن المساواة بين الرجل والمرأة تعنى حرمان المرأة من حقوقها الشرعية، وهي النفقة والمهر، وهذا يعني أنها يجب أن تخرج من بيتها بحثا عن الرزق ولو على حساب آخرتها وطاعتها لربها، في رعاية الأبناء وحفظهم من الضياع والوقوع في الجريمة والمخدرات، وماذا يمكن أن تكسب المرأة والرجل إذا خسِرا أولادهما، فلا بد من إظهار تكامل الرجل والمرأة في الإسلام، لا أن يصبحا خصمين متناقضَين كما هو الحال في الفكر اللاديني.
زوجة أحمد: هناك ما هو أهم من أي قسمة مالية، وهو إيمان المرأة المسلمة بربها ونبيها، فماذا تكسب المرأة المسلمة إذا طعنت في كلام ربها ونبيها، وخسرت آخرتها، وتولّت قوما غضب عليهم يجحدون أحكام الله ورسوله، ولو كان فيهم خير لنفعوا أنفسهم، كيف وقد طعن اللادينيون في كلام الله ورسوله، وظلموا المرأة، بحرمانها من حقوقها الشرعية في الإيمان بربها والمهر والنفقة والميراث عندما يكون أكثر من الرجل بحجة المساواة المزيفة، حيث يحتال الرجل الكسول على المرأة في إسقاط هذا الواجبات التي أمره الله تعالى بتحملها تجاه المرأة ، فاستباح الرجل الكسول المرأة بلا مهر ولا نفقة، ثم تتحمل المرأة رعاية الأولاد بطبيعة أمومتها الحانية أكثر من ذلك الرجل الكسول الذي ألقى بواجباته على المرأة بخدعة المساواة، وقد آن الأوان لإبراز الحقوق الشرعية المتكاملة للرجل والمرأة والطفل، والعامل، والوالدين، ولن تنهض أمتنا وتصنع وتنتج إلا بصلاح الرجل والمرأة، ولن يصلحا على غير هدي ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم.
وليد: وهناك أمر مهم لا بد من الإشارة إليه، وهو أنه لا يمكن أن ننظر إلى أحكام الشرع من زواية مصلحية دنيوية خاصة، بل الشرع يقرر الأحكام بصفة متكاملة مع بعضها، فلا يمكن النظر إلى قسمة الميراث دون النظر إلى النظام المالي في إيجاب النفقة والمهر على الرجل، إذا الشرع كله مجموع متكامل لا يمكن فصل نظام الأسرة عن النظام الاقتصادي، ولا عن العقيدة التي يثبت فيها العقل القاطع العلم والحكمة لله تعالى، وأنه لا توجد مصلحة دنيوية أقرتها الشريعة إلا ولها امتداد مصلحة أخرى في الآخرة، وهي رضا الله تعالى وطاعة في أمره بتحقيق الاستخلاف في الأرض.
الكلمات المفتاحية :
فقه الدعوة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: