عقيدة الاشاعرة : الايمان يزيد و ينقص
فإن قلت : فقد اتفق السلف على أن الإيمان يزيد وينقص - يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية - فإذا كان التصديق هو الإيمان فلا يتصور فيه زيادة ولا نقصان ؟ فأقول :
السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنما الشأن في فهمه وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده بل هو مزيد عليه به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه بل يقال يزيد بلحيته وسمنه ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان . فإن قلت : فالإشكال قائم في أن التصديق كيف يزيد وينقض وهو خصلة واحدة ؟ فأقول : إذا تركنا المداهنة ولم نكترث بتشغيب من تشغب وكشفنا الغطاء ارتفع الإشكال فنقول : الإيمان اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه الأول : أنه يطلق للتصديق بالقلب على سبيل الاعتقاد والتقليد من غير كشف وانشراح صدر وهو إيمان العوام بل إيمان الخلق كلهم إلا الخواص وهذا الاعتقاد عقدة عن القلب تارة تشتد وتقوى وتارة تضعف وتسترخي كالعقدة على الخيط مثلا . ولا تستبعد هذا واعتبره باليهودي وصلابته في عقيدته التي لا يمكن نزوعه عنها بتخويف وتحذير ولا بتخييل ووعظ ولا تحقيق وبرهان وكذلك النصراني والمبتدعة وفيهم من يمكن تشكيكه بأدنى كلام ويمكن استنزاله عن اعتقاده بأدنى استمالة أو تخويف مع أنه غير شاك في عقده كالأول ولكنهما متفاوتان في شدة التصميم . وهذا موجود في الاعتقاد الحق أيضا والعمل يؤثر في نماء هذا التصميم وزيادته كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ولذلك قال تعالى : { فزادتهم إيمانا } وقال تعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } . وقال صلى الله عليه و سلم فيما يروي في بعض الأخبار " الإيمان يزيد وينقص ( 1 ) " وذلك بتأثير الطاعات في القلب وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في المواظبة على العبادة والتجرد لها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى عقائد الإيمان في هذه الأحوال حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله بالتشكيك بل من يعتقد في اليتيم معنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح رأسه وتلطف به أدرك من باطنه تأكيد الرحمة وتضاعفها بسبب العمل : وكذلك معتقد التواضع إذا عمل بموجه عملا مقبلا أو ساجدا لغيره أحس من قلبه بالتواضع عند إقدامه على الخدمة . وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمال عليها فيؤكدها ويزيدها وسيأتي هذا في ربع المنجيات والمهلكات عند بيان وجه تعلق الباطن بالظاهر والأعمال بالعقائد والقلوب فإن ذلك من جنس تعلق الملك بالملكوت وأعني بالملك عالم الشهادة المدرك بالحواس وبالملكوت عالم الغيب المدرك بنور البصيرة والقلب من عالم الملكوت والأعضاء وأعمالها من عالم الملك . ولطف الارتباط ودقته بين العالمين انتهى إلى حد ظن بعض الناس اتحد أحدهما الآخر وظن آخرون أنه لا عالم إلا عالم بالشهادة وهو من الأجسام المحسوسة . ومن أدرك الأمرين وأدرك تعددهما ثم ارتباطهما عبر عنه فقال :
رق الزجاج ورقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكن بين العلمين أيضا اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علوم المعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذا الإطلاق ولهذا قال علي كرم الله وجهه : إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم } الآية . الإطلاق الثاني : أن يراد به التصديق والعمل جميعا كما قال صلى الله عليه و سلم " الإيمان بضع وسبعون بابا ( 2 ) " وقال صلى الله عليه و سلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم تخف زيادته ونقصانه وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق ؟ هذا فيه نظر وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه . الإطلاق الثالث : ن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف وانشراح الصدر والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكني أقول الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفس إلى أن الاثنين أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث وإن كان لا شك في واحد منهما فإن اليقينات تختلف في درجات الإيضاح ودرجات طمأنينة النفس إليها وقد تعرضنا لهذا في فصل اليقين من كتاب العلم في باب علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلى الإعادة . وقد ظهر في جميع الإطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق وكيف في الأخبار " أنه يخرج من النار من كان في قلبه ثقال ذرة من إيمان " وفي بعض المواضع في خبر آخر " مثقال دينار ( 3 ) " فأي معنى لاختلاف مقاديره إن كان ما في القلب لا يتفاوت ؟
---------------------------------
تخريج :
( 1 ) - حديث " الإيمان يزيد وينقص "
أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أبي هريرة وقال ابن عدي باطل فيه محمد بن أحمد بن حرب الملحي يتعمد الكذب وهو عند ابن ماجه موقوف على أبي هريرة وابن عباس وأبي الدرداء
( 2 ) - حديث " الإيمان بضع وسبعون بابا " وذكر بعد هذا فزاد فيه " أدناها إماطة الأذى عن الطريق "
أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة " الإيمان بضع وسبعون " زاد مسلم في رواية " وأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها " فذكره ورواه بلفظ المصنف الترمذي وصححه
( 3 ) - حديث " لا يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار "
متفق عليه من حديث أبي سعيد وسيأتي ذكر الموت وما بعده
السلف هم الشهود العدول وما لأحد عن قولهم عدول فما ذكروه حق وإنما الشأن في فهمه وفيه دليل على أن العمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده بل هو مزيد عليه به والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه بل يقال يزيد بلحيته وسمنه ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود بل تزيد بالآداب والسنن فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان . فإن قلت : فالإشكال قائم في أن التصديق كيف يزيد وينقض وهو خصلة واحدة ؟ فأقول : إذا تركنا المداهنة ولم نكترث بتشغيب من تشغب وكشفنا الغطاء ارتفع الإشكال فنقول : الإيمان اسم مشترك يطلق من ثلاثة أوجه الأول : أنه يطلق للتصديق بالقلب على سبيل الاعتقاد والتقليد من غير كشف وانشراح صدر وهو إيمان العوام بل إيمان الخلق كلهم إلا الخواص وهذا الاعتقاد عقدة عن القلب تارة تشتد وتقوى وتارة تضعف وتسترخي كالعقدة على الخيط مثلا . ولا تستبعد هذا واعتبره باليهودي وصلابته في عقيدته التي لا يمكن نزوعه عنها بتخويف وتحذير ولا بتخييل ووعظ ولا تحقيق وبرهان وكذلك النصراني والمبتدعة وفيهم من يمكن تشكيكه بأدنى كلام ويمكن استنزاله عن اعتقاده بأدنى استمالة أو تخويف مع أنه غير شاك في عقده كالأول ولكنهما متفاوتان في شدة التصميم . وهذا موجود في الاعتقاد الحق أيضا والعمل يؤثر في نماء هذا التصميم وزيادته كما يؤثر سقي الماء في نماء الأشجار ولذلك قال تعالى : { فزادتهم إيمانا } وقال تعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } . وقال صلى الله عليه و سلم فيما يروي في بعض الأخبار " الإيمان يزيد وينقص ( 1 ) " وذلك بتأثير الطاعات في القلب وهذا لا يدركه إلا من راقب أحوال نفسه في المواظبة على العبادة والتجرد لها بحضور القلب مع أوقات الفتور وإدراك التفاوت في السكون إلى عقائد الإيمان في هذه الأحوال حتى يزيد عقده استعصاء على من يريد حله بالتشكيك بل من يعتقد في اليتيم معنى الرحمة إذا عمل بموجب اعتقاده فمسح رأسه وتلطف به أدرك من باطنه تأكيد الرحمة وتضاعفها بسبب العمل : وكذلك معتقد التواضع إذا عمل بموجه عملا مقبلا أو ساجدا لغيره أحس من قلبه بالتواضع عند إقدامه على الخدمة . وهكذا جميع صفات القلب تصدر منها أعمال الجوارح ثم يعود أثر الأعمال عليها فيؤكدها ويزيدها وسيأتي هذا في ربع المنجيات والمهلكات عند بيان وجه تعلق الباطن بالظاهر والأعمال بالعقائد والقلوب فإن ذلك من جنس تعلق الملك بالملكوت وأعني بالملك عالم الشهادة المدرك بالحواس وبالملكوت عالم الغيب المدرك بنور البصيرة والقلب من عالم الملكوت والأعضاء وأعمالها من عالم الملك . ولطف الارتباط ودقته بين العالمين انتهى إلى حد ظن بعض الناس اتحد أحدهما الآخر وظن آخرون أنه لا عالم إلا عالم بالشهادة وهو من الأجسام المحسوسة . ومن أدرك الأمرين وأدرك تعددهما ثم ارتباطهما عبر عنه فقال :
رق الزجاج ورقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكن بين العلمين أيضا اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علوم المعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذا الإطلاق ولهذا قال علي كرم الله وجهه : إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى : { كلا بل ران على قلوبهم } الآية . الإطلاق الثاني : أن يراد به التصديق والعمل جميعا كما قال صلى الله عليه و سلم " الإيمان بضع وسبعون بابا ( 2 ) " وقال صلى الله عليه و سلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم تخف زيادته ونقصانه وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق ؟ هذا فيه نظر وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه . الإطلاق الثالث : ن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف وانشراح الصدر والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكني أقول الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفس إلى أن الاثنين أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث وإن كان لا شك في واحد منهما فإن اليقينات تختلف في درجات الإيضاح ودرجات طمأنينة النفس إليها وقد تعرضنا لهذا في فصل اليقين من كتاب العلم في باب علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلى الإعادة . وقد ظهر في جميع الإطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق وكيف في الأخبار " أنه يخرج من النار من كان في قلبه ثقال ذرة من إيمان " وفي بعض المواضع في خبر آخر " مثقال دينار ( 3 ) " فأي معنى لاختلاف مقاديره إن كان ما في القلب لا يتفاوت ؟
---------------------------------
تخريج :
( 1 ) - حديث " الإيمان يزيد وينقص "
أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في كتاب الثواب من حديث أبي هريرة وقال ابن عدي باطل فيه محمد بن أحمد بن حرب الملحي يتعمد الكذب وهو عند ابن ماجه موقوف على أبي هريرة وابن عباس وأبي الدرداء
( 2 ) - حديث " الإيمان بضع وسبعون بابا " وذكر بعد هذا فزاد فيه " أدناها إماطة الأذى عن الطريق "
أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة " الإيمان بضع وسبعون " زاد مسلم في رواية " وأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها " فذكره ورواه بلفظ المصنف الترمذي وصححه
( 3 ) - حديث " لا يخرج من النار من كان في قلبه مثقال دينار "
متفق عليه من حديث أبي سعيد وسيأتي ذكر الموت وما بعده
الكلمات المفتاحية :
عقيدة الاشاعرة
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: