مصطلحات صوفية : التقرب والبعد
أول رتبة
فِي القرب القرب من طاعته والاتصاف فِي دوام الأوقات بعبادته.
وَأَمَّا
البعد فَهُوَ التدنس بمخالفته والتجافي عَن طاعته فأول البعد بَعْد عَنِ التوفيق
ثُمَّ بَعْد عَنِ التحقيق بَل البعد عَنِ التوفيق هُوَ
البعد عَنِ التحقيق قَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخبرا عَنِ الحق سبحانه: مَا تقرب إلي
المتقربون بمثل أداء مَا افترضت عَلَيْهِم ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل
حَتَّى يحبني وأحبه فَإِذَا أحببته كنت لَهُ سمعا وبصرا فبي يبصر وبي يسمع الخير
فقرب العبد أولا قرب بإيمانه وتصديقه ثُمَّ قرب بإحساسه وتحقيقه وقرب الحق سبحانه
مَا يخصه اليوم بِهِ من العرفان وَفِي الآخرة مَا يكرمه بِهِ من الشهود والعيان
وَفَيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ بوجود اللطف والامتنان ولا يَكُون قرب العبد من الحق إلا
ببعدنا من الخلق وَهَذَهِ من صفات القلوب دُونَ أحكام الظواهر والكون فقرب الحق
سبحانه بالعلم والقدرة عام للكافة وباللطف والنصرة خاص بالمؤمنين ثُمَّ بخصائص
التأنيس مختص بالأولياء قَالَ اللَّه تعالي: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ
حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وَقَالَ تعالي: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}
[الواقعة: 85] وَقَالَ تعالي {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]
وَقَالَ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:
7] ومن تحقق بقرب الحق سبحانه وتعالى فأدونه دوام مراقبته إياه لأنه عَلَيْهِ رقيب
التقوى ثُمَّ رقيب الحفاظ والوفاء ثُمَّ رقيب الحياء
وأنشدوا:
كأن رقيبا
منك يرعى خواطري ... وآخر
يرعي ناظري ولساني
فَمَا رمقت
عيناي بعدك منظرا ...
يسوؤك إلا قُلْت: قَدْ رقاني
ولا بدرت من
فِي دونك لفظة ... لغيرك إلا
قُلْت: قَدْ سماني
ولا خطرت
فِي السر بعدك خطرة ...
لغيرك إلا عرجا بعناني
وإخوان صدق
قَدْ سئمت حَدِيثهم ...
وأمسكت عَنْهُم ناظري ولساني
وَمَا الزهد
أسلي عَنْهُم غَيْر أنني ... وجدجتك مشهودي بكل مكان
وَكَانَ
بَعْض المشايخ يخص واحدا من تلامذته إقباله عَلَيْهِ فَقَالَ أَصْحَابه لَهُ فِي
ذَلِكَ فدفع إلي كُل واحد مِنْهُم طيرا وَقَالَ اذبحوه بحيث لا يراه أحد فمضى كُل
واحد وذبح الطير بمكان خال وجاء هَذَا الإِنْسَان والطير مَعَهُ غَيْر مذبوح فسأله
الشيخ فَقَالَ: أمرتني أَن أذبحه بحيث لا يراه أحد وَلَمْ يكن موضع إلا والحق
سبحانه يراه فَقَالَ الشيخ لِهَذَا أقدم هَذَا عليكم إذ الغالب عليكم حَدِيث الخلق
وَهَذَا غَيْر غافل عَنِ الحق ورؤية القرب حجاب عَنِ القرب فمن شاهد لنفسه محلا
أَوْ نفسا فَهُوَ ممكور بِهِ ولهذا قَالُوا أوحشك اللَّه تَعَالَى من قربه أي من
شهودك لقربه فَإِن الاستئناس بقربه من سمات العزة بِهِ إذ الحق سبحانه وراء كُل
أَنَس وإن مواضع الحقيقة توجب الدهش والمحو وَفِي قريب من هَذَا قَالُوا: محنتي
فيك إنني مَا أبالي بمحنتي قربكم مثل بعدكم فَمَتَى وقعت راحتي وَكَانَ الأستاذ
أَبُو عَلِي الدقاق رحمه اللَّه كثيرا مَا ينشد:
ودادكم هجر
وحبكم قلى ... وقربكم
بَعْد وسلمكم حرب
ورأى أَبُو الْحُسَيْن النوري بَعْض أَصْحَاب
أَبِي حمزة فَقَالَ: أَنْتَ من أَصْحَاب أَبِي حمزة الَّذِي يشير إِلَى القرب، إِذَا لقيته فقل لَهُ إِن أبا الْحُسَيْن النوري يقرئك السَّلام وَيَقُول لَك:
قرب القرب فيما نحن فِيهِ بَعْد البعد فأما القرب بالذات فتعالى اللَّه الْمَلِك الحق عَنْهُ فَإِنَّهُ
متقدس عَنِ الحدود والأقطار والنهاية والمقدار مَا اتصل بِهِ مخلوق ولا انفصل عَنْهُ
حادث مسبوق بِهِ جلت العملية عَن قبول الوصل والفصل فقرب هُوَ فِي نعته محال وَهُوَ
تداني الذوات وقرب هُوَ واجب فِي نعته وَهُوَ قرب بالعلم والرؤية وقرب هُوَ جائز فِي
وصفه يخص بِهِ من يشاء من عباده وَهُوَ قرب الفضل باللطف
الكلمات المفتاحية :
مصطلحات صوفية
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: