لمحة في قوله تعالى :كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ
لمحة في قوله تعالى :كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ المائدة75
قال بعض المفسرين في قوله : كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام إنه كناية عن قضاء الحاجة...
قلت :ولعل منشأ إيثارهم المعنى الكنائي على المعنى الصريح هو ما يترتب عن الكناية من تجاور عجيب في مكان واحد بين مقصدين متنافرين:الملاطفة والتشنيع..!!
فالعدول عن ذكر التبول والتغوط داخل في مقصدية تلطيف الخطاب..وإرادة هذا المعنى مع ذلك"أمرّ ذَوْقاً في أفواه مدعي ألوهيتهما" –حسب تعبير العلامة الألوسي-
الحقيقة أن القول بالكناية ضعيف...
ذلك لأن المقام محاججة...وظاهر الكلام وصريحه كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام يؤسس حجة برهانية...بينما معنى قضاء الحاجة ليس فيه إلا حجة خطابية ...
صحيح أن "إله يتبول" صورة مؤذية للشعور ،و"أمر في الذوق" ،وأدعى للنفور ....لكن فعل المحاججة يظل أسير مجال الحس والعاطفة..أقصى طموحه أن يحقق " استقباح الصورة"
لكن الاحتجاج بأكل الطعام يحقق "هدم الفكرة" والمجال المستهدف هو العقل..لا العاطفة.
فمن يحتاج إلى طعام محال عقلا أن يكون ربا أو إلها...فهو مخلوق بالضرورة..
والافتقار صفة لازمة للمخلوق..وقد جعل الله الحكيم هذا الوضع الوجودي للمخلوقات أشد ظهورا من أي شيء آخر...فأنت محتاج –مثلا- إلى هواء تتنفسه في كل ثانية...وحياتك تنهار في بضع دقائق إذا حُرمته!!
وقد عطف المشي في الأسواق على أكل الطعام:
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً الفرقان7
وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً الفرقان20
تأكيدا لمبدأ الافتقار..
فالرسول في حاجة إلى الطعام...والطعام نفسه يحتاج إلى أن يمشى له في الأسواق...
فكيف يكون الرسول إلها وهو في متاهة من الحاجات!!
حاصل الأمر أن الاحتفاظ بالمعنى الصريح فوز بالحسنيين:
-إبقاء الكلام على ظاهره ،وتحقيق أقوى محاججة..
وقد تقول: ولم لا نعتبر الكناية مقصودة فضلا عن صريحها فنفوزبالحجة الخطابية أيضا...؟
فنقول هيهات هيهات !!فإن البيانيين تجاوزا القنطرة فلا عودة..فاللفظ الصريح عندهم غير مقصود بذاته ...فهم يريدون منه أن يدل على لازمه فقط ثم يطرح بعدها نهائيا...والمسألة لها ذيول ليس هذا موضع ذكرها.
تحميل الموضوع ملف وورد :
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ المائدة75
قال بعض المفسرين في قوله : كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام إنه كناية عن قضاء الحاجة...
قلت :ولعل منشأ إيثارهم المعنى الكنائي على المعنى الصريح هو ما يترتب عن الكناية من تجاور عجيب في مكان واحد بين مقصدين متنافرين:الملاطفة والتشنيع..!!
فالعدول عن ذكر التبول والتغوط داخل في مقصدية تلطيف الخطاب..وإرادة هذا المعنى مع ذلك"أمرّ ذَوْقاً في أفواه مدعي ألوهيتهما" –حسب تعبير العلامة الألوسي-
الحقيقة أن القول بالكناية ضعيف...
ذلك لأن المقام محاججة...وظاهر الكلام وصريحه كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام يؤسس حجة برهانية...بينما معنى قضاء الحاجة ليس فيه إلا حجة خطابية ...
صحيح أن "إله يتبول" صورة مؤذية للشعور ،و"أمر في الذوق" ،وأدعى للنفور ....لكن فعل المحاججة يظل أسير مجال الحس والعاطفة..أقصى طموحه أن يحقق " استقباح الصورة"
لكن الاحتجاج بأكل الطعام يحقق "هدم الفكرة" والمجال المستهدف هو العقل..لا العاطفة.
فمن يحتاج إلى طعام محال عقلا أن يكون ربا أو إلها...فهو مخلوق بالضرورة..
والافتقار صفة لازمة للمخلوق..وقد جعل الله الحكيم هذا الوضع الوجودي للمخلوقات أشد ظهورا من أي شيء آخر...فأنت محتاج –مثلا- إلى هواء تتنفسه في كل ثانية...وحياتك تنهار في بضع دقائق إذا حُرمته!!
وقد عطف المشي في الأسواق على أكل الطعام:
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً الفرقان7
وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً الفرقان20
تأكيدا لمبدأ الافتقار..
فالرسول في حاجة إلى الطعام...والطعام نفسه يحتاج إلى أن يمشى له في الأسواق...
فكيف يكون الرسول إلها وهو في متاهة من الحاجات!!
حاصل الأمر أن الاحتفاظ بالمعنى الصريح فوز بالحسنيين:
-إبقاء الكلام على ظاهره ،وتحقيق أقوى محاججة..
وقد تقول: ولم لا نعتبر الكناية مقصودة فضلا عن صريحها فنفوزبالحجة الخطابية أيضا...؟
فنقول هيهات هيهات !!فإن البيانيين تجاوزا القنطرة فلا عودة..فاللفظ الصريح عندهم غير مقصود بذاته ...فهم يريدون منه أن يدل على لازمه فقط ثم يطرح بعدها نهائيا...والمسألة لها ذيول ليس هذا موضع ذكرها.
تحميل الموضوع ملف وورد :
الكلمات المفتاحية :
حدائق القرأن
هذه التدوينة قابلة للنسخ اذا اعجبتك قم بنسخ الرابط من هذه الروابط الثلاثة والصقه بموقعك
URL: HTML link code: BB (forum) link code:
ليست هناك تعليقات: